الثقافة باعتبارها "مجمل الخصائص الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تحدد هوية مجتمع ما" حسب تعريف اليونسكو، هي بوتقة تصب فيها كل التطورات السياسية والعسكرية والإنسانية والاجتماعية التي نعيشها منذ أعوام ثلاث. وستفرز لاحقاً أشكالاً جديدة لمجتمعات لم تعد كما كانت، ولمفاهيم وقيم إنسانية قد نتعرف على بعضها وقد يصدمنا بعضها الآخر. فهل ما زالت كلمة "هوية" تعني ما كانت تعنيه قبل عام 2011؟ وهل معايير انتماءاتنا تشبه ما كنا نتعرف عليه بسهولة باعتباره "سوري"؟
أدوار كثيرة للثقافة تم تناولها خلال السنوات الماضية، منها ما هو آني ولحظي، كتوثيق القصص التي يعيشها الناس وبالتالي توثيق مرحلة تحول جذري يعيشها البلد، والدفاع عن الفن باعتباره صوت حر مستقل ينقل الواقع ويتخيل المستقبل. ومنها ما هو بعيد الأمد كالتدخل في المنظومات التعليمية ودمج الثقافة في آليات بناء المصالحة وتعزيز التفاهم والحوار.
تبقى المبادرات الثقافية حتى اللحظة، وفي غالبها، تسعى إلى سد بعض الثغرات الصغيرة في منظومة العمل الثقافي الغائبة، فالواقع أكبر منا جميعاً، أفراداً ومؤسسات، ومجموعات وكتاب وباحثين.. ليبقى الأثر المباشر لهذه المبادرات غير ملموس أو محسوس، وغير قابل للقياس، والأخطر أنه قد يكون غير قابل للاستمرار. لذا يأتي البحث عن بناء توافقات مرحلية استراتيجية حول أولويات العمل الثقافي في سوريا. وهو في جوهره بحث عن بناء توافق حول دور الثقافة في عملية التغيير السياسي، الاجتماعي والثقافي الحادة والمعقدة التي يعيشها السوريون اليوم.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.