المشاركة السياسية للمرأة في تونس

قدّمت الثورة التي شهدتها تونس في 2011 أملا أكبر للنساء في المشاركة لا فقط في المجتمع المدني وانما كذلك في الحياة السياسية وذلك من خلال الانخراط سواء في الأحزاب السياسية أو في الانتخابات (المجلس الوطني التأسيسي في 2011، الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2014). فالمشاركة السياسية للمرأة ماهي الا مظهر من مظاهر ممارسة المواطنة الحقيقية وجزء أساسي من عملية الإصلاح السياسي. ولكن جاءت المشاركة السياسية للنساء أقل مما كان متوقعا ودون المتطلبات الدولية والوطنية، وذلك بالرغم من أن حقوقهن مدّعمة منذ 1956 تاريخ حصول الدولة التونسية على استقلالها.  فالمرأة التونسية حاضرة في الثورة وفي المطالبة بالتحول الديمقراطي غائبة عن الساحة السياسية تمثيلا ومشاركة.

وبالرغم من أنه لطالما تم اعتبار النساء التونسيات من بين أولئك اللاتي يتمتعن بحقوق فردية واسعة مقارنة مع المرأة العربية بشكل عام غير أن الواقع أبرز ضعفا على مستوى فاعلية مشاركتهن السياسية. حيث لم يتحسّن وضع المرأة في إطار الانتقال الديمقراطي مقارنة بالفترة الاستبدادية التي تم فيها إجراء إصلاحات فوقية. والاشكال المطروح هو كيف يمكن زيادة المشاركة السياسية للمرأة خاصة في ظل وجود ديمقراطية حقيقية؟

ان وضعية المشاركة السياسية للمرأة هي مسألة حساسة رغم أنه تم حسمها على المستوى القانوني حيث اعتبرها الدستور من الحقوق الأساسية وتم تضمين مبدأ المساواة للنساء صلب القانون الانتخابي. لكن بقي تنفيذ هذه الحقوق على المحك.

الخلفيـــــــــــــــــــــــــة التاريخيــــــــة
شهدت تونس، منذ الفترة التي سبقت الاستقلال، ولادة تيار نسوي قوي وقف جنبا الى جنب مع الرجل ضد المستعمر. لذلك كان من المتوقع أن تتميز المرأة باكتساب المكانة التي تتلاءم مع ما قدمته من تضحيات للحصول على المنافع   التي تقدمها الجمهورية الحديثة ودولة القانون لكن الواقع لم يكن كذلك بل أن المشاركة السياسية للمرأة لم ترقى الى ما هو موجود في البنود والقوانين المنظمة للحياة السياسية. وعليه فانه ينبغي التمييز بين فترتين تاريخيتين أساسيتين هما: فترة الجمهورية الحديثة وفترة ما بعد 14 جانفي 2011.

1) المشاركة السياسية للمرأة في ظل الجمهورية الحديثة
على الرغم من أن أولى مشاركات النساء التونسيات في الانتخابات كانت بمناسبة الانتخابات البلدية سنة 1957 فانه تمّ إقصاءهن في أوّل عملية انتخابية شهدتها تونس بعد الاستقلال والتي تمثلت في انتخاب المجلس القومي التأسيسي الذي وضع دستور 1959. غير أن هذا الغياب النسوي عن قبة المجلس الوطني التأسيسي لم يمنع واضعي هذا الدستور من منح النساء جملة من الحقوق المهمة. فقد تمّ الاعتراف لهن بالمساواة أمام القانون، والحق في التصويت والترشح للانتخابات. كما ان قانون الأحوال الشخصية ألغى تعدد الزوجات، واعتمد الحق المتساوي في طلب الطلاق كما حدّد السن الأدنى للزواج بـ18 سنة.

 هذه المكتسبات القانونية التي تلت الاستقلال تعززت بجملة من الإصلاحات الاجتماعية من خلال مجانية التعليم منذ 1958 والزاميته حتى سن 16 منذ 1991. كما تراجع معدل الخصوبة الإجمالي إلى أقل من النصف. فبعد أن كانت النسبة تقدر بـ 7،15 في عام 1966, أصبحت في حدود 2.2 في عام 2012. كما قدرت نسبة الوفيات المتعلقة بالأمومة بـ44،3 من ضمن مائة ألف سنة 2013.

وعلى صعيد الحقوق الاقتصادية قد أقر قانون 1966 المتعلق بالعمل للنساء والرجال بالحقوق المتساوية في العمل.  فارتفعت بذلك حصّة المرأة في مجموع قوة العمل الرسمية من 20.8٪ إلى 25.3٪ بين عامي 1990 و2010. غير أن نسبة البطالة في صفوف النساء (21،9٪) بقيت مرتفعة عن تلك المسجلة في صفوف الرجال (12،8٪) سنة 2013. وهناك فقط نسبة 6،5 ٪ من مجمل رؤساء المؤسسات المسجلين بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من النساء.

وبصفة عامة، فان هذه الإصلاحات على مستوى الترسانة القانونية والاجتماعية كانت من خلال منحة فوقية من الدولة لذلك لم تترجم واقعيا بنفس الكيفية المرجوة. هذه الإصلاحات الفوقية كانت وليدة الرؤية التقدمية التي حملها الرئيس الأول للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة (1956-1987) ونتيجة لفلسفته التي تستند إلى أن من واجب الدولة النهوض بالمرأة.

 ومع الرئيس السابق زين العابدين بن علي (1987-2011) تعزّز هذا التوجه النسوي الذي تحركه الدولة وقد تطوّرت كنتيجة لهذه السياسة نسبة مشاركة النساء في الحياة السياسية. حيث سجلت المجالس البلدية صعودا لنسبة مشاركة النساء اذ كانت في حدود 13.3% سنة 1990 لتصل الى 16.6 % سنة 1995، ثم 26%في 2005 واخيرا 32.8% سنة 2010.  أما مستوى المجالس النيابية فقد ارتفعت نسبة الحضور النسائي فيها من 1،1 % داخل مجلس النواب عام 1959 إلى 27،5% سنة 2009 في حين تقدر نسبة حضور المرأة في مجلس المستشارين بـ 19%. واحتلت امرأة في نفس المجلس منصب نائبة الرئيس. ومثلت النساء نسبة 25% في المجلس الدستوري. وفي عام 2004، عينت لأول مرة في تونس، امرأة والية.

2) واقع المشاركة السياسية للمرأة في فترة الانتقال الديمقراطي
لكن بداية الفترة الانتقالية شهدت حضورا هزيلا للنساء في النيابات الخصوصية التي تمّ تركيزها بعد 2011 في انتظار إجراء انتخابات محلية جديدة، والتي لم تتم الى اليوم. ولم تتم تسمية أية امرأة على مستوى رأس الولايات وكذلك على رأس المجالس النيابية.

وفي أكتوبر 2011، انتخب التونسيون المجلس الوطني التأسيسي الذي تم تكليفه لصياغة دستور جديد تمت المصادقة عليه في 14 جانفي 2014. ومهد هذا الدستور الجديد الطريق لإجراء انتخابات جديدة في أكتوبر وديسمبر 2014. كما مثل القانون المنشئ للهيئة العليا المستقلة الانتخابات في عام 2012 ضمانة للمساواة في التعامل بين الناخبين والمرشحين والجهات الفاعلة آخرين خلال العملية الانتخابية (المادة 3.4).

وبمقارنته مع دستور 1959, نجد ان دستور 2014 يعطي مزيدا من الثبات لحقوق المرأة مثل المساواة لكنه لا يشير إلى المساواة الشاملة بين الذكور والإناث، حيث يؤكد على المساواة بين كل المواطنين اي الذكور والإناث: فهم "متساوون في الحقوق والواجبات، ومتساوون أمام القانون دون أي تمييز. وتكفل الدولة للمواطنين، من الذكور والإناث، الحقوق الفردية والجماعية، وتوفر لهم الظروف المناسبة لحياة كريمة "(المادة 21). كما ينص الدستور أيضا على الحقوق السياسية:" ويضمن الحق في الانتخاب والتصويت والترشيح، وفقا للقانون. وتسعى الدولة لضمان تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة "غير معترف بها (المادة 34.)

كما يفرض الدستور على الدولة سلسلة من الالتزامات كأن:" تلتزم الدولة بحماية حقوق المرأة التي تحققت وتسعى إلى دعمها وتطويرها. وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل جميع المسؤوليات المختلفة في كافة المجالات. تسعى الدولة لتحقيق التمثيل المتساوي للنساء والرجال في المجالس المنتخبة (التكافؤ). تأخذ الدولة التدابير اللازمة للقضاء على العنف ضد المرأة. "(المادة 46).

ويتطلب التكافؤ وجوبا التناوب في الانتخابات التشريعية بين الذكور والإناث (المادة 24.) ومع ذلك، فقد سعى العلمانيون والمنظمات غير الحكومية لفرض التناصف على رأس القوائم من أجل تحسين تمثيل المرأة.

ضرورة تخطي عوائق التمكيـــــــــن السياســـي للــــــمرأة
- أهمية تعزيز حضور المرأة في وسائل الاعلام
إن أهم ما يعيق التمكين السياسي للمرأة هو إقصاءها من الإعلام الذي يركز عادة على الرجال ويرفض التعاطي بأكثر مرونة وتمثيلية مع النساء. فرغم عديد النضالات التي تقوم بها النساء نجدهن غائبات عن الساحة الإعلامية. هذه الأخيرة هي الواجهة التي ستمكن النساء من كسب ثقة جمهور الناخبين. وفي المقابل يقتصر التركيز عليهن في الأعياد الخاصة بالنساء. هذه المناسباتية في التعاطي مع المرأة وملفاتهن الحقوقية ليست سوى مجالا لتلميع صورة السياسيين الفاعلين على المستوى الوطني وفي الواقع هي لا تخدم في شيء حقوق المرأة. فالتركيز لا يتم الا على ما هو مكتسب وليس على ما يمكن للمرأة أن تضيفه الى رصيدها الحقوقي.

- تجاوز القضايا الهامشية: المرأة مكملة للرجل
فاثر انتخاب المجلس الوطني التأسيسي والشروع في مناقشة فصوله تم التطرق الى أحد أكثر القضايا التي اثارت جدلا واسعا حول دور المرأة في المجتمع وهي مسألة التكامل. والتي أدت الى خروج المنظمات النسائية ومطالبتها بتحقيق المساواة الكاملة والتامة بين المرأة والرجل وذلك من خلال التقدم بـ"مشروع الدستور والمواطنة والمساواة" للمجلس الوطني التأسيسي في 13 أغسطس 2012 وذلك بمناسبة الاحتفال بإصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 مطالبين في الان ذاته بإزالة المادة 28-2 من المسودة الأولى من الدستور والتي تنص على أن "الدولة تضمن حماية حقوق المرأة وبموجب مبدأ التكامل مع الرجل داخل الأسرة وما يرتبط بها للإنسان في تنمية البلاد ... ". غير أن نفس هذه المادة يعطي للدولة دور ضامن لـ"تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في تحمل المسؤوليات المختلفة. كما عليها ان تسعى الى القضاء على أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة ". وانتهت مناقشات لجنة التشريع حول هذه المادة الى إزالة كلمة "التكامل" من المشروع الثاني (ديسمبر 2012) مع الإبقاء على أن "الرجال والنساء المرتبطات في بناء المجتمع والدولة" في مشروع الثالث (أفريل 2013) وإزالتها في نهاية المطاف في المشروع الرابع (جوان 2013).

 ومع ذلك، فقد ساد الاتفاق اليوم بين الجميع على أن الدستور الحالي يضمن حقوق المرأة والمساواة بين المواطنين، ذكورا وإناثا (المادة 21)، ويمّكن المرأة من أن تمثل في المجالس المنتخبة (المادة 33) ويلزم الدولة بتحقيق التكافؤ (المادة 46).

غير ان التحدي يكمن في تنفيذ هذه الالتزامات على مستوى الواقع وليس في صياغتها. حيث لم يتم تنفيذ التكافؤ في المجالس العلمية في الجامعة. كما ان الانتخابات البرلمانية، لم تشهد تعيين النساء على رؤوس القوائم الانتخابية بصفة متساوية مع الرجال.

- الاعتراف بمكانة النساء المؤثرة في الخارطة السياسية التونسية

رغم أن عديد الاحزاب اعتبرت المرأة كخزان للأصوات واستفادت منها وخاصة حزب حركة نداء تونس العلماني الذي اوصلته النساء الى سدة رئاسة الدولة حيث صوتت مليون امرأة للباجي قائد السبسي وفقا لسيجما للاستشارات. وكانت النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية أن فاز السبسي بنسبة 55,68 بالمائة مقابل 44,32 بالمائة للمرزوقي. وتكمن أهمية هذه الانتخابات في تحليلها على مستوى الجندر اذ صوّت الرجال للسيد المرزوقي بـ 46,8 بالمائة مقابل 39 بالمائة فقط من النساء، بينما صوتت النساء بصفة أكثر كثافة للسيد قائد السبسي بـ 61 بالمائة مقابل 53,2 بالمائة فقط للرجال. وقد يكون الناخب النموذجي للمرزوقي هو رجل، شاب أو شاب كهل من ولايات الجنوب مقابل امرأة كهلة أو رجل كهل ما فوق الخمسين من ولايات الشمال والساحل وتونس الكبرى. فأولى خطوات التغيير تبدأ بالاعتراف اذ لا يمكن للأحزاب السياسية أن تتخلى عن منطق النفعية ما لم تعترف بما للنساء من وزن في تغيير اللعبة السياسية.

نحـــــــــو تعزيز تمثيل المرأة في المناصــب السياسيــــة العليــــا
بالرغم من مشاركتها في الحراك الاجتماعي الذي سبق الثورة ومساهمتها في اسقاط النظام فان ذلك لم يترجم بنتائج ملموسة بما أنه " من ضمن 1500 تسمية في مختلف مواقع اتخاذ القرار لا نجد سوى 7% من النساء. وهذا الضعف في تمثيلية النساء في مراكز القرار ليس ناتجا عن غياب الكفاءة النسوية بل بالعكس تصل نسب تمدرس الفتيات في الجامعة الى اعلى النسب. فمن مجموع 23.000 استاذ قار ومتعاقد بالجامعات التونسية نجد أن النصف متكون من النساء ولكن في المقابل على 13 رئيسا للجامعات التونسية لا نجد أية امرأة وحتى حظوظ النساء في المجالس العلمية للجامعات ضعيف حيث تتراوح نسبة النساء في هاته الهيئات في الـ20 %.

 التمثيلية النسوية في المجاس النيابية
أفرزت انتخابات 2011 في نهاية المطاف عن انتخاب مجلس وطني تأسيسي متكون من 217 نائبا منهم 65 امرأة بنسبة 29.95%. ولا ترأس أية امرأة مجموعة برلمانية. ومن بين 16 لجنة برلمانية تعد في المجموع 101 نائبا توجد 28 امرأة فقط.

أما في 2014 فقد بلغت نسبة تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب حوالي 31 بالمائة من اجمالي 217 نائبا. واحتلت حركة نداء تونس التي حصدت 85 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المركز الاول من حيث عدد النائبات اللاتي بلغ عددهن 35 نائبة بينما تحصل حزب النهضة على 96 مقعدا من بينهن 28 امرأة. اما حزب الاتحاد الوطني الحر وائتلاف الجبهة الشعبية فقد حصلت نائبات كل منهما على مقعد.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 2011 تم إسناد منصب النائب الثاني لرئيس المجلس الى امرأة وهي محرزية العبيدي (عن حزب حركة النهضة). هاته السابقة تكرّست مع انتخابات 2014 التي جاءت بمجلس نواب الشعب حيث تقلدت فوزية بن فضة (عن الاتحاد الوطني الحر) نفس المنصب.

وصول المرأة الى مراكز صنع القرار
تعززت هذه الفجوة الهامة بين القدرة الهائلة على الالتزام والتعبئة والمشاركة للنساء وبين حضورهن الفعلي في الهيئات السياسية خلال فترة الانتقال الديمقراطي، حيث مثلت النساء بنسبة منخفضة تتراوح بين ما يقرب من 7٪ إلى 10٪، خلال الفترة الانتقالية الأولى (فيفري 2011 إلى ديسمبر 2014). وبالنسبة لتقلد المرأة لحقائب وزارية نجد ان كلا من حكومة محمد الغنوشي (17 جانفي 2011 -27 فيفري 2011) وحكومة محمد الباجي قايد من الأولى (27 فيفري - 13 ديسمبر 2011) والثانية (13 ديسمبر 2011- 24 ديسمبر 2011 ) ومحمد الجبالي (24 ديسمبر2011 -  13 مارس 2013  والمهدي جمعة  (27 جانفي2014 - 06 فيفري 2015) أعطت حقيبتين وزاريتين فقط للمرأة أما حكومة العريض (من 13 مارس 2013 إلى 9 جانفي 2014) فلم تخصص سوى وزارة واحدة للمرأة  وتراوحت المناصب الوزارية بين المرأة، الثقافة، الصحة، البيئة، التجارة والصناعات التقليدي والسياحة. أما فيما يخص كتاب الدولة فقد تم تعيين كاتبة دولة مكلفة بالسكن في حكومة الجبالي أما في حكومة علي العريض فقد انضافت لها كاتبة دولة مكلفة بالشؤون الخارجية ثم تراجعت مع حكومة مهدي جمعة إلى كاتبة دولة واحدة مكلفة بالمرأة والأسرة نظرا لأنه تم في تلك الفترة إلغاء وزارة المرأة والأسرة وإدماجها مع وزارة الشباب.

وبعد تعيين الحكومة التي تلت انتخابات 2014 تحسن تمثيل المرأة التي رفعت إلى 19،5٪: حيث شهدنا تولي ثلاث نساء لحقائب وزارية هي الثقافة والسياحة والمرأة، وخمسة كتاب دولة: كاتبة دولة لدى وزير الخارجية، كاتبة دولة لدى الوزير المكلف بالتطوير والتعاون الدولي، كاتبة دولة لدى وزير الخارجية مكلفة بالتعاون الدولي و كاتبة دولة لدى وزير الزراعة وأخيرا كاتبة دولة مكلفة الشهداء الجرحى والثورة.

المرأة والترشح للمناصب العليا في الدولة
ولكن يبقى هذا التحسن الطفيف دون المستوى المطلوب فقد سنحت الفرصة للنساء خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2014 بالترشح لأول مرة في هذه الانتخابات. وقد ترشحت خمس نساء للرئاسة ولكن واحدة فقط هي القاضية "كلثوم كنّو" تقدمت جزئيا في السباق. لكنها حصدت بعض الأصوات فقط في الجولة الأولى   حيث قدرت بـ 18287 صوتا من أصل 4 ملايين، وانتهت إلى الرتبة الـ11 من جملة 27 مترشحا.  فقد خذلتها النساء اللاتي لم تنتصرن لقضيتهن وخيرن التصويت للرجال. وبذلك ضاعت عليهن فرصة تاريخية في الوصول إلى أعلى مناصب الدولة.

حضور المرأة في الأحـزاب السياسيـة والمجتمـع المدنـي

على مستوى المشاركة النسوية في المجتمع المدني، نشر مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة (الكريديف) سنة 2013 دراسة حول 700 جمعية نسائية و/ أو نسوية من جملة 16000 جمعية مسجلة بالبلاد. و من بين 224 جمعية شملتها الدراسة هناك 1873 عضوا في هيئاتها المديرة، بمعدل 1 إلى 9 أشخاص في كل هيئة لوحظ أن أغلبية  (%59)من أعضاء الهيئات المديرة هن من النساء.

لكن غياب احصائيات رسمية عن نسبة تمثيل المرأة في الأحزاب السياسية التونسية التي تعد أكثر من 170 يصعّب المهمة في معرفة تمثيلية المرأة. لكننا نلحظ أن الأحزاب السياسية الرئيسية الهامة لا تعطي وزنا لمشاركة المرأة في المراكز القيادية الحزبية العليا. حيث تشهد الساحات الحزبية هيمنة العنصر الذكوري.

ومع ذلك، فقد نفذّ مثلا حزب حركة النهضة في أول انتخابات ديمقراطية في أكتوبر 2011، مبدأ التناوب بين الذكور والإناث فمن مجموع 59 امرأة منتخبة في المجلس الوطني التأسيسي، تنتمي 42 منهن إلى حركة النهضة. أما فيما يخص مجلس الشورى المتكون من 150 عضوا، نجد أن من بينهم 100 امرأة منتخبة، بينما يتم اختيار النساء بين 50 عضوا، ويضم المكتب السياسي الذي يدير التوازن بين مختلف قطاعات المجتمع (الشباب والمغتربين وغيرهم) 15 عضوا، من بينهم 2 من النساء.

هذه النسبة البسيطة لتمثيلية المرأة في القيادات الحزبية نلحظها ايضا في الحزب الحاكم أي حزب حركة نداء تونس.  في المجموعة التي تولت تأسيس الحزب في جوان 2012 والتي ضمت 11 عضوا شملت بينهن 3 نساء. فعندما تمت صياغته اللجنة التحضيرية لم يكن هناك أي اشارة أو ذكر على مشاركة المرأة.

تواجد المرأة في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات

من جهة أخرى مثلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خير مثال على احترام مبدأ التكافؤ في التعيين وذلك من خلال تعيين 1592 من النساء مقابل 1590 من الرجال لكن تكوين الهيئة في حد ذاته لا يعكس المساواة الكاملة: حيث نجد 3 نساء على 9 اشخاص في اللجنة التنفيذية، و13 امرأة على 90 في اللجان الإقليمية، و 5 نساء من جملة من27 المنسقين الإقليميين، و9 نساء في اللجان في الإدارية والمالية المسؤولة من بين 27 شخصا.

مشاركة النساء في الانتخابات
2011 حيث حصدت نسبة النساء المشاركات في العملية الانتخابية نسبة أعلى من الرجال وهو ما يحيلنا الى الاقرار بأن النساء كنّ على دراية بحقوقهن المدنية والسياسية. فقد شكلت النساء نسبة 46 % من مجموع الناخبين المسجلين إراديا، و48 % من جميع المرشحين على القوائم الانتخابية.

ولأن القانون الانتخابي لسنة 2011، نصّ على المناصفة العمودية، ولم ينصّ على المناصفة الأفقية، مما جعل الكثير من الأحزاب لا تضع المرأة على رأس القوائم الانتخابية، وهو ما أضعف فرصتها في الفوز بمقاعد إضافية.

 هذه الحقيقة تؤكدها الأرقام، إذ، على الرغم من ان 47% أي 5502 من المرشحين من مجموع 11686 على القائمات الانتخابية هن من النساء، فان عدد القائمات التي ترأستها النساء، بالنسبة للانتخابات التشريعية في 2014، كان العدد هو 178 من جملة 1327 قائمة مترشحة أي بنسبة حوالي 12% (ومن بين 27 قائمة مستقلة ترأستها النساء لم تنجح أي واحدة منهن). في حين بلغت 7% فقط بالنسبة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011.

الخلاصــــــــــــــــــــة
تبعا لما تقدم يمكن القول بأنه لا وجود لإرادة حقيقية من الأحزاب السياسية وأصحاب القرار السياسيين في تمكين النساء من الارتقاء إلى مناصب سياسية لها سلطة القرار وأنه غالبا ما يتم استبعاد النساء من بعض الأنشطة أولا يقع إعلامهن بها.  كما تواجه النساء صعوبات لتمويل ترشحاتهن ووجود ممارسات تمييزية من قبل الأحزاب في تمويل أنشطة الحملة الانتخابية. زد عليه الترشيح الضعيف للنساء من قبل الأحزاب السياسية للانتخابات والمراهنة على المرشحين الذكور كرؤوس قائمات. لكن مع هذا الواقع ألا متناسق مع ما يتم ترويجه اعلاميا عن المشاركة السياسية للمرأة فانه يمكن تدارك ما سبق وتعزيز المشاركة النسوية في الحياة السياسية التونسية.

التوصيـــــــــــــــــات

1) تحسين فرص التكافؤ الحقيقية في الانتخابات عن طريق إدراج مبدأ التناصف الرأسي والأفقي وبذلك يكون للنساء حظ أكبر بالوصول الى المجالس النيابية والمحلية.

2) اعتماد آلية الكوتا: كوتا مطبقة أثناء عملية الترشيح وكوتا تستهدف النتائج. فالتمييز الإيجابي يمكن ان يعزز في القانون الانتخابي. وقد تكون هذه فرصة جيدة لوضع هذه الأحكام موضع التنفيذ في قانون الانتخابات البلدية الذي يجب ان ينص على ألية نظام التمثيل النسبي الذي يعدّ أكثر ضمانا لتمثيلية النساء.

3) تكثيف برامج ودورات التدريب والقيادة النسائية وتصميم وتنفيذ برامج لبناء أو دعم قدرات النساء لمساعدتهن على اكتساب الثقة في مؤهلاتهن.

4) إلزام الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية على ضمان تمثيلية النساء في الهياكل العليا من خلال تخصيص منصب نائب الرئيس بالضرورة الى امرأة. ويمكن تمديد هذا الإجراء لجميع الهيئات الانتخابية.

5) بعث لجنة خاصة بشؤون المرأة داخل البرلمان تهدف الى تحقيق وتقديم تقرير والإشراف على القرارات والممارسات الحكومية. مع الأخذ بعين الاعتبار المقاربة النوعية عند تقييم مشاركة النساء وعدم الاكتفاء بالمقاربة الكمية أي المشاركة الفعلية في صياغة المشاريع والبرامج والقرارات.

6) تشجيع المؤسسات العامة والخاصة على إنشاء قاعدة بيانات خاصة بقضايا المساواة بين الجنسين لتكون لبنة من أجل التخطيط لتحسين وضع النساء.

7) دعم النساء في تكوين شبكات.

8) العمل على إقناع الفئات الأضعف على أنّ المشاركة السياسية هي الوسيلة الضرورية لتغيير أوضاعها.

9) القيام بحملة وطنية ولا سيما في المناطق الريفية لتعليم النساء الأميات اللاتي يتم في كثير من الأحيان التلاعب بهن من قبل محيطهن.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.