ملخَّص
يُمثّل نقص العملات الأجنبيّة في لبنان، بسبب الأزمات المتعدّدة التي تواجهها البلاد منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، خطراً على إمكانيّة استيراد المنتجات الدوائيّة وتوفّرها، إلى جانب سلع أساسيّة أخرى. ولقد تمّ تدارك هذا الأمر من خلال نظام دعم مُكرَّس لاستيراد المستحضرات الصيدلانيّة يُموّله مصرف لبنان [وهو البنك المركزيّ] من احتياطيّات العملات الأجنبيّة؛ إلّا أنّ المرضى عانوا مؤخّراً من نقص في كثير من الأدوية التي لم تعدْ متوفّرة على رُفوف الصيدليّات. نستعرض في هذه الورقة البحثيّة سلسلةَ توريد المنتجات الدوائيّة في لبنان إلى جانب نظام الدعم الذي وضعه مصرف لبنان، ثم نقترح توصيات لتحسين نظام الدعم هذا وتحسين ممارَسات تقديم الوصفات الطبّيّة لضمان استمرار توفّر الأدوية على رُفوف الصيدليّات، والتأكّد من أنّ المريض اللبنانيّ هو المستفيد من النقد الأجنبيّ الذي يقدِّمه مصرف لبنان.
اقرأ المزيدمقدِّمة
يُعاني لبنان من العديد من الأزمات المأساويّة منذ تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2019. وما يزال انخفاضُ قيمة الليرة اللبنانيّة، بالإضافة إلى فرض قيود غير رسميّة على رؤوس الأموال ونقص العملات الأجنبيّة، يُشكِّل تهديداً لإمكانيّة استيراد السلع الأساسيّة والقدرة على تحمّل تكاليفها. ولِضمان توفّر هذه السلع بأسعار ميسورة، استخدم مصرف لبنان احتياطيّاته من العملات الأجنبيّة لدعم عدد قليل من السلع الأساسيّة، بما في ذلك المنتجات الدوائيّة. ومع هذا، بدأ العديد من الصيدليّات في الإبلاغ عن نقص الكثير من الأدوية بدايةً من حزيران/يونيو 2020. قد يكون هذا النقص ناجماً عن تهريب الأدوية المدعومة خارج البلاد، وتوجّه المرضى وأصحاب المستودَعات المحلّيّة إلى تخزين أدوية الأمراض المزمنة، وفرْض مصرف لبنان آليّةً لاستيراد الأدوية تتطلّب وقتاً طويلاً للحصول على الموافقة وفتح الاعتمادات. ، وممّا زاد الأمور سوءاً، ما أعلنه حاكم مصرف لبنان مؤخّراً عن أنّ المصرف لا يمكنه الاستمرار في تقديم الدعم لاستيراد الأدوية، الأمر الذي تسبَّب في انتشار الذعر، والاندفاع إلى شراء المزيد من عبوات الأدوية، بل ربّما تخزين المرضى الأدويةَ على نحو مفرِط. وعلى الرغم من ضرورة وجود خطّة عاجلة تسمح بحصول الناس على الدواء بسعر معقول، فإنّ هذه الخطّة لا بدّ أنْ تكون واقعيّة وعمليّة وقابلة للتنفيذ. نستعرض في هذه الورقة البحثيّة الموجزة، سلسلة توريد الأدوية المستوردة في لبنان بهدف تقديم حلول فوريّة للأزمة الراهنة.
سلسلة توريد المنتجات الدوائيّة
شكل 1: مخطَّط يوضّح سلسلة توريد الأدوية المستوردة في لبنان.
تبلغ حصّة صناعة الأدوية المحلّيّة من حجم سوق المستحضرات الصيدلانيّة في لبنان 7% فقطّ (ويُقدَّر حجم سوق الأدوية اللبنانيّ بنحو 1.98 مليار دولار أميركيّ عام 2019). ولذا ثَمّة اعتمادٌ كبير على الأدوية المستوردة لتلبية احتياجات السكّان المقيمين في البلاد، ومن بينهم اللبنانيّون (4.9 مليون نسمة) واللاجئون السوريّون (1.5 مليون نسمة) واللاجئون الفلسطينيّون (نحو 192 ألف نسمة) . يوضّح الشكل رقم 1 سلسلة توريد الأدوية المستوردة بدايةً من الجهات المُصنِّعة في الدول المُصدِّرة ووصولاً إلى المرضى. ، يتمكّن نظام الدعم الذي يقدِّمه مصرف لبنان من توفير 85% من النقد الأجنبيّ اللازم لاستيراد الأدوية بسعر الصرف الرسميّ الذي وصل إلى 1500 ليرة مقابل الدولار، في حين يشتري المستورِدون النسبة المتبقّية، وهي 15%، من السوق السوداء بسعر الصرف الموازي (الذي يتراوح حاليّاً بين 7000 و8000 ليرة مقابل الدولار). وقد حافظ ذلك على استمرار سلسلة التوريد بسعر مستقرّ وَفقاً لهيكل التسعير القائم بالفعل، الذي حدّدته وزارة الصحّة العامّة. بَيد أنّ نسبة المبلغ الإجماليّ الذي أُنفق على الأدوية إلى الناتج المحلّيّ الإجماليّ في لبنان -وهي النسبة التي ارتفعت إلى حدٍّ كبير قبل تشرين الأوّل/أكتوبر 2019- استمرّت في الارتفاع نتيجة تراجُع الناتج المحلّيّ الإجماليّ مع استمرار استهلاك الأدوية عند نفس المستوى تقريباً. والواقع أنّ الإنفاق على الأدوية يُشكِّل جزءاً كبيراً من نفقات الأسر اللبنانيّة، الأمر الذي يُعزَى إلى ارتفاع التكلفة والاستخدام الزائد للأدوية.
يقوم المستورِدون بعد ذلك بتزويد الموزّعين الذين يخزّنون الأدوية في مستودعات ويوزّعونها على الصيدليّات تبعاً لاحتياجاتهم وطلباتهم. في أحيان كثيرة، يقوم المستورِدون أنفسُهم بالتوزيع. إلّا أنّه في الآونة الأخيرة، أشار وزير الصحّة إلى أنّ قيامَ الموزّعين والصيدليّات بتخزين الأدوية من أجل تهريبها خارج لبنان، أو ممارَسة المحسوبيّة عند البيع للمرضى، هو أحد الأسباب التي تسبّب نقص الأدوية. ، وقد داهم الوزير بالتعاون مع دائرة التفتيش الصيدليّ في وزارة الصحّة المستودعات والصيدليّات للتصدّي لهذه الظاهرة؛14,15 وقد ضُبطت بعض الصيدليّات وفُرِضت عليها عقوبات. إلّا أنّه بدون معالجة السبب الرئيسيّ الذي يؤدّي إلى حدوث مثل هذه الممارَسات، وهو أنّ سعر الأدوية في لبنان ما يزال منخفضاً للغاية مقارنة مع الدول المجاورة، سنظلّ نعاني من محاولات تهريب الأدوية.
بموجب القانون، لا يُسمَح للصيادلة بتوزيع الأدوية غير المدرَجة في "لائحة الأدوية المسموح بصرفها دون وصفة طبّيّة" التي وضعتها وزارة الصحّة العامّة من دون وصفة طبّيّة موحَّدة يحرّرها الطبيب. ولكنْ في الواقع العمليّ، يقوم الصيادلة بصرف العديد من الأدوية غير المدرَجة في "اللائحة" دون وصفة طبّيّة، باستثناء بعض أدوية ذات المؤثرات العقلية. وفي هذه الحالة، يدفع المرضى ثمن هذه الأدوية من مالهم الخاصّ. أما أولئك الذين يستفيدون من صناديق الضمان ، فيُردّ إليهم جزءٌ من التكاليف من خلال "الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ" أو بعض الجهات الخارجيّة التي تتكفّل بالدفع. ويمكن لأولئك الذين يعتمدون على وزارة الصحّة العامّة (التي تُمثّل الملاذ الأخير بالنسبة للبنانيّين غير المشمولين بالتأمين الصحّيّ) الحصولُ على الأدوية المجّانيّة لعلاج المشاكل الطبّيّة المزمنة استناداً إلى "قائمة الأدوية الأساسيّة النموذجيّة لمنظّمة الصحّة العالميّة" التي تشتريها وزارة الصحّة العامّة وتوزّعها على مراكز الرعاية الصحّيّة الأوّليّة المتعاقدة معها عن طريق "جمعيّة الشبّان المسيحيّة".
يتحتّم على أيّ حلّ يهدف إلى استمرار الحصول على الأدوية بأسعار معقولة أنْ يكفل إتاحتها لجميع الفئات السكّانيّة حتّى الأشخاص الذين لا تشملهم التغطية التأمينيّة، لا سِيَّما في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة. يمكن لهذا النهج أنْ يكون مكمِّلاً للأدوية التي تؤمِّنها وزارة الصحّة العامّة بالتعاون مع "جمعيّة الشبّان المسيحيّة" لأكثر الفئات ضعفاً.
حلول مقترحة
نقترح مجموعة من الإصلاحات التي تضمن توافر الأدوية باستمرار على رُفوف الصيدليّات، والتي من شأنها أيضاً تخفيف الضغط على احتياطيّات مصرف لبنان من النقد الأجنبيّ. تركز هذه الإصلاحات على خفض تكاليف نظام الدعم والتأكّد من توزيع الأدوية المدعومة توزيعاً عادلاً على المرضى الذين يحتاجونها. وتستهدف الحلول المقترحة اثنتين من نقاط التقاطع في المخطَّط الموضّح في الشكل رقم 1: وهما تقديم استراتيجيّة الدعم الحَذِر ومناقشة نظام الوصفات الطبّيّة الذي ينظّم عمليّة صرف الأدوية في الصيدليّات.
تعديل نظام الدعم:
عندما تعاني من نقص في النقد الأجنبيّ -مثلما هو الحال في لبنان حاليّاً- يصبح من الضروريّ دعم الأشياء الأساسيّة فقطّ. لكنْ عند استعراض الدليل الوطنيّ للأدوية المسجَّلة في لبنان نلاحظ توافر أدوية لعلاج نفس الأمراض من مصنِّعين مختلفين وبأسعار متفاوِتة. في حين يدعم مصرف لبنان جميع الأدوية المستوردة بنفس المعدل. تتمثّل الخطوة الأولى في خفض التكاليف من خلال دعم استيراد أرخص الأدوية دون المساس بالتأثير العلاجيّ. على سبيل المثال، يوجد أكثر من 20 اسماً تجاريّاً مختلفاً لدواء أتورفاستاتين -أحد أدوية عائلة الستاتينات الذي يستخدم للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدمويّة- كلّها مدعومة، مع أنّ سعر علبة أتورفاستاتين ( بتركيز 10 ملغ) التي تحتوي على 30 قرصاً يتراوح بين 8,977 ليرة لبنانيّة و42,470 ليرة لبنانيّة.16 سيُسهم دعم منتجين فقطّ من دواء أتورفاستاتين -يتمّ اختيارهما بناءً على تأثيرهما العلاجيّ القويّ وسعرهما المنخفض- في تخفيف العبء عن كاهل مصرف لبنان، وضمان أنّ جميع المرضى الذين وُصف لهم دواء أتورفاستاتين يمكنهم الحصول عليه، مع إرغام باقي المستورِدين من الشركات المصنِّعة الأخرى على خفض أسعارهم حتّى يمكنهم المنافسة في السوق الجديدة. السبب في اقتراحنا منتجين من كلّ دواء هو أنّه ليس من الحكمة الاعتماد على مصدر توريد واحد، وهو ما علّمتنا إيّاه تجربة كورونا، فقد كانت جميع سلاسل توريد الأدوية الدوليّة منهَكة ومضغوطة إثر هذه الأزمة. إضافة إلى ذلك، ومع أنّ أحد المنتجين ينبغي أنْ يكون مستورداً فإنّنا ننصح بشدّة أنْ يكون الاختيار الآخر من مصدر محلّيّ. إذ إنّ كثيراً من الأدوية التي تعالج حالات مرضيّة مختلفة تُصنَّع محلّيّاً ومتاحة بالفعل في الأسواق. سيفسح هذا المجال لحدوث تغيير استراتيجيّ مفيد للسوق على عدّة أصعدة، وسيدعم أيضاً قطاع الصناعات الدوائيّة المحلّيّ.
ينبغي أنْ يخضع اختيار العلامات التجاريّة المصنِّعة للأدوية التي تستحقّ الدعم لأعلى درجات الشفافية الممكنة. وقد وضع "الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ" قائمة تضم بالفعل أسماء الأدوية المشمولة في تغطيته. ويمكن اللجوء إلى هذه القائمة لتحديد الأدوية التي ستستفيد من الدعم الموجه للاستيراد. بشكل عامّ، ينبغي أنْ تُجري وزارة الصحّة العامّة دراسة تبيِّن ما يمكن ادّخاره عند اعتماد هذه الاستراتيجيّة واستخدامها لضمان موافقة وتأييد الأطراف المعنيّة كهيئات التغطية الصحّيّة التي ستستفيد بالتبعيّة من الانخفاض الناتج عن هذه الاستراتيجيّة في الفواتير العلاجيّة.
ستكون الخطوة الأكثر جرأة التي يتعيَّن النظر فيها لاحقاً هي إجراء تحليل فعاليّة التكلفة الذي يمكن استخدامه للاختيار بين الأدوية غير المتطابقة من حيث الجرعة أو التأثير العلاجيّ، لكنّها تُستخدم لعلاج نفس الحالة السريريّة (مثل خافضات سكّر الدم وخافضات ضغط الدم والأدوية المخفضة لدهون الدم). ومن شأن هذا أنْ يكفل استمراريّة تقديم الخدمات الأساسيّة. من المهمّ أيضاً إعادة النظر في الخيارات المتاحة بالكامل في ضوء إصدار إرشادات جديدة تستند إلى الأدلة وتغييرات السوق، من قبيل انتهاء صلاحيّة براءة اختراع الدواء عند البحث عن أدوية أرخص. وينبغي دراسة ما إذا كان ذلك سيُنجز من قبل وزارة الصحّة العامّة فقطّ أو في إطار برنامج شراكة بين القطاعَين العامّ والخاصّ. ولزيادة فرص نجاح هذه الجهود الدؤوبة يُفضل وجود شريك دوليّ معتمد للعمل في مجالات إرشاديّة معيّنة، مثل تحليل فعاليّة التكلفة. وقد وجدت دراسات حديثة سبلاً لتخفيف القيود المفروضة على التطبيق الدوليّ لدراسات فعاليّة التكلفة حتّى يمكن استخدامها في بلدان مثل لبنان.
عندما تصبح البدائل المدعومة متوافرة في السوق، سيتمّ إعادة تسعير البدائل غير المدعومة وَفقاً لسعر الصرف الحقيقيّ في السوق. ستتيح هذه الترتيبات للصيدليّات إمكانيّة إعادة الرسملة، في حين سيسمح للمرضى المستعدين والقادرين على تحمّل تكلفة العلامات التجاريّة غير المدعومة من مواصلة هذا الخيار. سيسمح لنا هذا أيضاً بتقييم النسبة بين استهلاك العلامات التجاريّة غير المدعومة والمدعومة، والتخطيط لإجراء مزيد من الإصلاحات في سلسلة توريد الأدوية، وهو ما قد يؤدّي إلى تقليص نظام الدعم بالكامل خلال إطار زمنيّ معقول. سيتحدّد هذا الإطار الزمنيّ تبعاً لعدّة عوامل، منها الإصلاحات الشاملة للأنظمة النقديّة والمشهد السياسيّ بعد الانتخابات البرلمانيّة.
نظام الدعم الحالي |
نظام الدعم المقترح |
دعم الأدوية كافّة |
دعم علامتين تجاريتين فقطّ من كلّ دواء |
غالبيّة الأدوية المدعومة هي أدوية مستوردة |
دعم علامتين تجاريتين فقطّ، واحدة محلّيّة وأخرى مستوردة |
الدعم يذهب للأدوية الغالية والرخيصة على حدٍّ سواء |
دعم العلامات التجاريّة الأرخص ذات التأثير العلاجيّ الأعلى |
جدول 1: مقارنة بين نظام الدعم الحاليّ ونظام الدعم المقترح.
إنفاذ قوانين الوصفات الطبّيّة / الروشتّات:
يُزعَم أنّ إحدى أسباب نقص الأدوية على أرفف الصيدليّات هو قيام المرضى وعملاء الصيدليّات بتخزين الأدوية في منازلهم. إذ يمكن لزبائن الصيدليّات شراء أغلب الأدوية في لبنان دون الحاجة إلى وصفة طبّيّة. وحتّى مع القيود المفروضة على عدد الجرعات التي يمكن للصيدليّة أنْ تصرفها لكلّ مريض، يظلّ بإمكان المريض أنْ يشتري من منافذ مختلفة إلى أنْ يصلوا إلى الكمّيّة الاحتياطيّة المطلوبة. وُضِعَت القوانين لإلزام الصيدليّات وموزّعي الأدوية بصرف الكمّيّات التي يحدّدها الطبيب باستخدام نموذج موحّد للوصفات الطبّيّة. وسيكون تنفيذ هذه القوانين خطوة جيّدة باتّجاه منع تكديس الأدوية في المنازل. ومع ذلك، في سياق وباء كورونا وعجز كثيرين من المرضى عن تحمّل تكاليف زيارات الأطبّاء بانتظام لتجديد الوصفات الطبّيّة، فإنّ مطالبة المرضى بالتردّد على عيادات الأطبّاء ليس خياراً عمليّاً على الدوام. يتمثّل أحد البدائل في أنْ تُصدِر وزارة الصحّة العامّة قراراً وزاريّاً يسمح للأطبّاء بتقديم الوصفات الطبّيّة عبر الاتّصال الهاتفيّ بالصيدليّات التي يطلبها المرضى. ثمّ يقوم الصيادلة بتوثيق تلك الطلبات في أنظمتهم الحاليّة الخاصّة بالتوثيق؛ وستكون هذه خطوة جريئة من وزارة الصحّة العامّة باتّجاه اعتماد نظام لتقديم الوصفات الطبّيّة إلكترونيّاً ونظام السجلّات الطبّيّة الإلكترونيّة، في تنسيق مع نقابات الأطبّاء والصيادلة والمستشفيات.
هناك العديد من المزايا والعيوب لنظام تقديم الوصفات الطبّيّة رقميّاً، كما هو موضَّح في الجدول رقم 2 في الأسفل. ومع ذلك، وإضافةً إلى دورها في الحدّ من قيام المرضى بتخزين الأدوية، يمكن أنْ يجعل تقديمُ الوصفات الطبّيّة رقميّاً أمرَ تعقّب المبيعات أيسر، وبالتالي يمنع الغشّ والتهريب والفساد، ويُتيح قدرة أفضل على تحليل سلوكيّات المستهلكين ومقدِّمي الوصفات الطبّيّة [الأطبّاء] والصيادلة. قد يُوفّر لنا هذا التحليل السلوكيّ قياس الاحتياجات استناداً إلى الأدلّة وفتح المجال لإجراء تحاليل مستقبليّة وتنفيذ السياسات الصحّيّة الصيدلانيّة التي من شأنها تحسين النتائج للمرضى مع خفض التكاليف التي يتكبّدها المشترون.
مزايا |
عيوب |
مراقبة أفضل لمبيعات الصيدليّات |
تكاليف البرمجيّات والصيانة |
يمنع تكديس الأدوية من قِبَل المرضى |
المخاطرة بانعدام الدقّة في اختيار الموزِّعين (الصيادلة) |
يسهّل تحليل سلوكيّات المستهلك ومقدِّم الوصفة الطبّيّة والموزّع |
بطء وتأخّر النظام |
سهولة الوصول إلى سجلّ الوصفات الطبّيّة المقدَّمة للمريض |
ربّما يتسبّب تصميم البرمجيّات في وقوع أخطاء في كتابة وصرف الوصفات الطبّيّة |
التغلّب على مشكلات وضوح الوصفات الطبّيّة المكتوبة بخطّ اليد |
الحاجة إلى تدريب مقدِّمي الوصفات الطبّيّة والموزّعين |
يمكن أنْ يكون مكمِّلاً للتطبيب عن بُعد / الطبّ الإلكترونيّ |
مخاطر أمنيّة (خصوصيّات المريض) |
جدول 2: مزايا وعيوب تقديم الوصفات الطبّيّة رقميّاً (المصدر: مجلّة الصيدليّ الأميركيّ US Pharmacist)
عوائق أمام التنفيذ:
هناك كثير من التحدّيات التي تقف أمام تنفيذ المقترحات المُشار إليها آنِفاً. فقد يؤدّي دعم أدوية بعينها فقطّ إلى قيام كثير من المستورِدين، ممّن لن تُدعَم أسماؤهم التجاريّة، إلى ترك السوق. وهذا بدوره قد يؤدّي إلى فقدان البعض وظائفهم وأعمالهم التجاريّة. بطبيعة الحال لن يُرحّب مجتمع مستورِدي الأدوية بهذه الخطوة؛ ومع ذلك فإنّ اتّخاذ هذَين الإجراءَين قد يكون كافياً لتجاوز هذه العقبة، وهذان الإجراءان هما: 1) إعادة تسعير الأسماء التجاريّة الأخرى، غير المدعومة، بناءً على القيمة السوقيّة لسعر الصرف الحقيقيّ، 2) وإمكانيّة السماح بتصدير فائض الأدوية -غير المدعومة- من الأسواق اللبنانيّة خلال فترة شهرين من التطبيق الصحيح لتلك القوانين. سيُتيح هذان الإجراءان القيام بإعادة الرسملة للمستورِدين والصيدليّات. وعلاوةً على ذلك، سيمثّل اختيار ما يجب دعمه دون إجراء تحليل قائم على الاحتياجات تحدّياً.
سيتطلّب الانتقال إلى تقديم الوصفات الطبّيّة رقميّاً واستخدام السجلّات الطبّيّة الإلكترونيّة قراراتٍ وزاريّة من أجل تنفيذ القوانين المتعلّقة باعتماد معرِّف فريد وتوقيع إلكترونيّ لكلّ مريض. مؤخّراً، نشبَت معركة نفوذ بين نقابتَي الصيادلة والأطبّاء في لبنان، بشأن تقديم وصفات للقاحات وصرفها وتوصيلها إلى المرضى (فقد صار مسموحاً للصيدليّات إعطاء اللقاحات بعد أنْ كان الأمر من مسؤوليّات الأطبّاء). ويمكن المراوغة في صراعٍ مماثل من خلال الحفاظ على الحافز الماليّ الذي تجنيه نقابة أطبّاء لبنان عبر النظام الورقيّ الموحّد في تقديم الوصفات الطبّيّة. فهذا الحافز الماليّ يمثّل مصدر الدخل لصندوق التقاعد، إذ توضَع على كلّ ورقة للوصفات الطبّيّة دمغة مضمَّنة بقيمة 250 ليرة لبنانيّة تُصدِرها النقابة. إضافةً إلى ذلك، اقترحَت بالفعل وزارةُ الصحّة العامّة، بالتعاون مع عدّة هيئات للرعاية الصحّيّة، خارطة طريق من أجل التقدّم في نظم الصحّة الرقميّة، وينبغي أنْ يكون أيّ تنفيذ لعمليّة تقديم الوصفات الطبّيّة رقميّاً جزءاً من تلك الخارطة. وعلاوةً على ذلك، فإنّ ممّا يسهِّل تنفيذ هذا الإجراء الخبرة التي اكتسبتها وزارة الصحّة العامّة من إعداد شبكة الموزِّعين بالتعاون مع "جمعيّة الشبّان المسيحيّة" التي تستخدم السجلّات الطبّيّة الإلكترونيّة لتعقّب المرضى وتناوُلِهم الأدوية. وقد يكون توسيع نطاق هذه الخدمة القائمة بالفعل حلّاً سريعاً وفعّالاً.
خاتمة
تعتبَر معالجة أزمة نقص الأدوية أمرًا ذا أهمّيّة قصوى، نظرًا لتأثيرها المباشر على حياة كثيرين. من السذاجة افتراض أنّ عمليّات سلاسل توريد الأدوية القائمة يمكن أنْ تظلّ فعّالة في نظام مدعوم، وكذلك من غير الواقعيّ افتراض أنّ الأوضاع النقديّة للبلاد ستعود إلى ما كانت عليه قبل تشرين الأوّل/أكتوبر 2019. ويظلّ دورُ وَزارة الصحّة العامّة، بصفتها جهة تنظيميّة لكّل عنصر من عناصر سلاسل التوريد المذكورة آنِفاً، دوراً أساسيّاً. إلّا أنّ التغييرات المقترحَة آنفاً ستتطلّب أيضاً تعاوناً من وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة الماليّة ومصرف لبنان ونقابة مستورِدي المستلزمات الطبّيّة ونقابة مصانع الأدوية ونقابة صيادلة لبنان ونقابة أطبّاء لبنان وممثّلي حماية المستهلك والبرلمان اللبنانيّ [مجلس النوّاب]. كلّ هؤلاء هم جهات فاعلة وأصحاب مصالح مطلوبون من أجل التغييرات التنظيميّة والانتقال السلس وتدريب المستخدمين النهائيّين، ومن أجل وضع وتهيئة نظام للتقييم والمراقبة. قد تساعد إعادة النظر في نظام الدعم وتعزيز ممارَسات تقديم الوصفات الطبّيّة، من خلال إدخال نظام الوصفات الطبّيّة الرقميّة، في ترشيد إنفاق احتياطيّ النقد الأجنبيّ في مصرف لبنان، وضمان أنّ ما يُنفَق يفيد أكبر عدد من المرضى المستحقّين، وإتاحة توليد بيانات من أجل تحسين العمليّات والنتائج. إلّا أنّه من أجل نجاح تلك التغييرات لا يمكننا الاستهانة بالحاجة إلى إجماع مختلِف أصحاب المصالح عبر تقليل الخسائر الماليّة الحتميّة التي قد يتكبّدوها. ستكون إحدى الخطوات الرئيسيّة التي يجب اتّباعها هي تقييم عميق لكيفيّة ضمان استخدام الوصفات الطبّيّة بصورة رشيدة، وتقليل استخدام المستحضرات الدوائيّة والصيدلانيّة بشكلٍ عامّ. ويجب أنْ يتمّ هذا الأمر في إطار خطّة إصلاح عامّة للرعاية الصحّيّة مستلهَمة من الدول التي نجحت في إدارة القطاع الصحّيّ خلال الأزمات الاقتصاديّة، مثل كثير من الدول الأوربّيّة التي استغلّت الفرصة لإدخال تغييرات إيجابيّة [في القطاع الصحّي].
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.