31تشرين الأول/ أكتوبر
2018ما دور الشباب في اللامركزية والمجالس المحلية في سوريا ما بعد الصراع؟
2018
في إطار مشروعها البحثي "الشباب العربي كفاعل سياسي" ، نظمت مبادرة الإصلاح العربي في 31 أكتوبر 2018 في غازي عينتاب (تركيا) اجتماعا حواريا سياسيا جمع 17 ممثلاً للشباب من سبع مجالس محلية سورية بالإضافة إلى باحثين وممارسين من مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، وتحالف منظمات المجتمع المدني السوري (شمل)، ووحدة المجالس المحلية (LACU)، ومنتدى "شارك" الشبابي من فلسطين. وكان الهدف من حوار السياسات هذا مناقشة كيفية الحفاظ على إشراك الشباب في المجالس المحلية الذي حدث خلال الحرب في سوريا في حالة تفعيل عملية لامركزية الحكم في فترة ما بعد النزاع، وإمكانية المشاركة السياسية للشباب على نطاق أوسع.
عمليات اللامركزية والدور المستقبلي للمجالس المحلية:
بدأ حوار السياسات بعرضين من قبل باحثين من مركز عمران للدراسات الإستراتيجية حول مفهوم اللامركزية، وصلته بعمليات بناء السلام، والسيناريوهات المحتملة للمجالس المحلية في سوريا ما بعد النزاع. وتطرق العرض الأول إلى شرح اختلاف التعاطي مع حالة اللامركزية بين الدول المستقلة والدول الخارجة من النزاع، والتعريف بالعلاقة بين المركز والأطراف وضرورة إعادة تعريف معنى "المركز القوي". كما أكد العرض على أهمية أن يكون إطار اللامركزية في مناطق الإدارة الذاتية إطارا خاصا تطبيقيا وعمليا.
في حالة سوريا - التي كانت تحت حكم دولة مركزية قوية ومغلقة في فترة ما قبل الثورة - يجب أن تعتمد عملية اللامركزية في مرحلة ما بعد الصراع على إطار تطبيقي وعملي يبني الثقة بين الدولة المركزية والمحافظات ويعزز الاستقرار، من أجل ضمان نجاح اللامركزية. كي تكون اللامركزية عامل استقرار في سوريا من الأهمية بمكان أن يُكرس لها في الدستور وذلك بتوزيع العلاقة بين المركز والأطراف بشكل تفصيلي يحمل عوامل مرنة ولا يترك المجال مفتوحا للمشرّع للقفز على الأطراف. بالإضافة، إن الواقع السياسي والإداري للدولة السورية يجعل من سؤال اللامركزية (وتعريفها من حيث توزيع العلاقة والأدوار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين المركز والأطراف) سؤالا ملحا وأساسيا. كما يطرح السؤال حول مركزية أو لامركزية قطاع الأمن نفسه في إطار ضرورة إعادة ضبط المفاهيم الأمنية. فالأمن الموجود حاليا هو أمن نسبي، لكنه يجب أن يكون شاملا، مما يتطلب تطوير خطة استراتيجية أمنية وليس فقط خطة حماية الأمن الوطني. وللتحضير لهذه الاستراتيجية، من اللازم تقييم نموذج التهديد الأمني في سوريا و تفويض سلطات للوحدات الإدارية و السلطات المحلية، خاصة في ظل وجود مجالس محلية ليس لها مرجعية قانونية.
في الوقت الراهن، هناك سيناريوهان للامركزية في سوريا. يقوم الأول، و هو الأكثر وضوحا، على تزميم النظام على مناطق نفوذه، الأمر الذي يعني أن المركز لن يسيطر على أطرافه، بل يعطيها صلاحيات أكبر للإدارة الذاتية. أما السيناريو الثاني فيقوم على فكرة أن النظام لا يمكن أن يقبل التنازل على مستوى صلاحياته فيرى في اللامركزية تقويضا لسلتطه، و هو السيناريو الأكثر احتمالا نظرا لطبيعة المركز الذي يتسلط على السلطة. فاستمرار النظام السائد سيؤدي على الأرجح إلى الحفاظ على الطبيعة القوية والاستبدادية للدولة المركزية.
أما في ما يخص تجربة المجالس المحلية منذ اندلاع الثورة في ربيع 2011، فقد كان دورها خدميا، لا سياسيا. ولكن لكي تقوم بذلك الدور احتاجت لموارد وأصبحت تدريجيا تعي أهمية الموارد المحلية، فبدأت تفرض الضرائب والرسوم المحلية من أجل ضمان الاستقلالية المالية للوحدات المحلية. بالإضافة، لعبت المجالس المحلية دورا في بناء السلام وتفعيل دور الشباب في ذلك من خلال المساهمة في التنمية المحلية وتوفير الخدمات المحلية وتحقيق السلم الأهلي والمشاركة السياسية، وبالتالي تعزيز الشرعية السياسية لتلك البنى المحلية. ويمكن استثمار هذه الشرعية السياسية المكتسبة من قِبل الشباب القائم على المجالس المحلية المنشأة خلال سنوات الثورة وتفعيل المشاركة المجتمعية المتمثلة في ممثليهم في المجالس المحلية في عملية صنع القرار المحلي وبالتالي الوطني.
فقد أدت سيطرة السلطة المركزية من خلال المحافظ والسلطات الأمنية ودور العسكر، الى سلب السلطة السياسية من السلطات المحلية، الأمر الذي يعزز تقسيم وتفكك مجتمعي، وغياب السلم الأهلي. يمكن - كوسيلة لمواجهة هذا الاتجاه - تفعيل المشاركة المجتمعية من خلال المجالس المحلية في عملية صنع القرار المحلية والوطنية.
دور الشباب أثناء وما بعد الصراع في سوريا
في النصف الثاني من حوار السياسات، تطرق المشاركون إلى مسألة الشباب واحتياجاتهم وتطلعاتهم، وأنواع بناء القدرات التي يمكن القيام بها من أجل تعزيز مشاركتهم السياسية ودورهم المستقبلي في المجالس المحلية على وجه الخصوص. فقد أدى احتكار القرار السياسي من قبل حزب البعث إلى اندلاع الثورة السورية وتفجيرها من قبل الشباب السوري. ورغم ذلك تم تغييب أو غياب الشباب الثوري عن المشاركة السياسية منذ بدء الثورة وعلى مدى سنواتها السابقة. فمن الأهمية بمكان رفع وعي الشباب بالمشاركة السياسية وإعادة تعريفها وتعريف أدوارها كقوة كامنة يجب استثمارها من قبل الشباب الثوري. وبالتحديد، يجب أن تتم المشاركة السياسية للشباب عبر قنوات المنظمات المدنية أو الأحزاب السياسية.
فقدم العرض الأول نتائج تقييم (دراسة مسحية) قامت به منظمة "شمل" حول شريحة الشباب في منطقة شمال غرب سوريا، من حيث مشاكلهم في المنطقة وطموحاتهم والوصول لخطة تلبي احتياجاتهم. شملت العينة 1328 شاب وشابة من عمر 14 حتى 25 سنة. أظهرت الدراسة أن المشاركة الشبابية في منظمات المجتمع المدني أعلى منها في المجالس المحلية. تم مسح احتياجات الشباب ضمن خمس باقات، الأولى تتعلق بالحقوق السياسية والحقوق الشخصية والعدالة، والثانية تتعلق بالحقوق الاجتماعية، الثالثة حول الحقوق الاقتصادية، والرابعة حول التعليم والصحة والأخيرة حول دور الشباب في عملية القيادة والتغيير المجتمعي. وبيّن الشباب استطاعتهم بلورة الحلول. وكانت أبرز المؤشرات تدور حول الحقوق السياسية حيث يرى الشباب أن 55% من مشاكلهم سببها النظام السوري، أما الجماعات المتطرفة فكانت سبباً لمشاكلهم فقط بنسبة 4%. كما أن 64% من عينة المسح تشعر بالتهميش وعدم المشاركة في صنع القرار واستبعادها من أماكن صنع القرار في الشأن السوري وبعدم القدرة على التعبير عن الذات. ويرى 43% من الشباب أن المجالس المحلية هي الجهات الأقدر على قيادة التغيير المجتمعي في المجتمعات التي يعيشون ضمنها.
وقد أضافت دراسة أجرتها مبادرة الإصلاح العربي بشأن الشباب السوري والجهات الفاعلة السياسية ودورها في المجالس المحلية أكثر دقة بخصوص نوعية هذه النتائج. واستعرضت الدراسة دور الشباب في الحياة السياسية السورية من فترة ما قبل الاستقلال حتى الآن. فالشباب السوري كان عماد الحياة السياسية في فترة ما قبل الاستقلال وحتى حكم البعث، وشكّل العمل المجتمعي للشباب السوري نافذة للمشاركة في الشأن العام في ظل الاستبداد والقمع السياسي الذي مارسه حكم الأسد في سوريا حتى قيام الثورة السورية. تمكن الشباب السوري من استلام زمام العمل السياسي في الأشهر الأولى للثورة من خلال العمل الميداني والتشكيلات الثورية حتى قيام التشكيلات السياسية. لكنه استُبعد من العملية السياسية والبنى التي مثلتها لعدة أسباب، بما فيها عوامل ذاتية انعكست في إحجام الشباب عن الانخراط في العمل السياسي. لجأ الشباب للعمل في المجالس المحلية كامتداد لعملهم المجتمعي ورغبتهم في تلبية احتياجات السكان المحليين، وتمثيلهم (القرب من الشارع)، في حين وجدوا أن القرار السوري السياسي أصبح مرتهنا بإرادات ومصالح الدول الكبرى. وقامت المجالس المحلية المعارضة بشكل أساسي استنادا على عمل الشباب. كما أنه كان ينظر إلى المجالس المحلية على أنها الممثل الحقيقي المعبر عن الإرادة الشعبية في المناطق التي تمثلها، وبالتالي تُشكل الوكالة السياسية البديلة التي يمتلكها الشباب من جديد. الشباب السوري اليوم بحاجة لإعادة تعريف العمل السياسي وأدواره وإعادة تقييم لدوره المستقبلي والحالي في العمل السياسي في الشأن السوري.
وبيّن مثال مقارن من فلسطين، قدمه منتدى "شارك" الشبابي، أن تطوير مجالس الشباب المحلية يمكن أن يزود الشباب بالخبرة لتحسين مهاراتهم السياسية والقيادية قبل الدخول في هياكل سياسية بلدية أكثر رسمية. ويمكن إضفاء طابع رسمي على هذه العلاقة من خلال التعاون بين البلديات والمجالس المحلية للشباب. على سبيل المثال، في حالة فلسطين، تتلقى المجالس المحلية أموالا من ميزانية الدولة وتشكل مصدرا للتشاور مع البلديات. وهكذا يوفر هذا الترتيب للشباب معرفة مباشرة وخبرة في المشاركة السياسية.
أهم النقاط التي ركز عليها النقاش:
ركزت المناقشات التي عقبت العروض على الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية السورية في مرحلة ما بعد الصراع، وعلى وجه الخصوص كيفية إبقاء الشباب السوري الناشط حاليًا في المجالس المحلية كجزء من العملية السياسية. وأشاد المشاركون بأهمية القيام بمسوحات ميدانية حول مدى انخراط الشباب في البنى المحلية والتركيز على انخراط الشباب في العمل العام والسياسي بشكل خاص وليس الاقتصار فقط على عضوية المجالس المحلية. وتمت الإشارة إلى ضروروة التركيز على عامل العسكرة عند دراسة المجالات التي استقطبت الشباب خلال الثورة والتحديات التي تواجهها المجالس المحلية نتيجة الوجود العسكري في بعض المناطق. في حالة الغوطة خاصة تعتبر الفصائل العسكرية أكبر معيق للسلطات المحلية. وفي هذا الإطار يجب تسليط الضوء على احتياجات الشباب المعيشية كونها من أهم العوامل المعيقة لهم عند أداء أدوار سياسية على الرغم من رغبتهم وحاجتهم لذلك، وإعاقة الاحتياج المادي للشباب عن تمكينهم من تطوير أدواتهم السياسية. وأكد الحضور كذلك على ضرورة الاستفادة من التجارب الأخرى كالفلسطينية وغيرها في تطوير واقع البنى المحلية وأهمية تطوير أدوات الشباب السياسية وتوفير المعرفة اللازمة لهم وتوفير فرص الانخراط في العملية السياسية بشكل حقيقي لا شكلي من أجل تمكينهم من المشاركة الفعالة في عملية صنع القرار السوري، وخصوصاً كوادر في المجالس المحلية.