شعبٌ شبح وشعْبوية من القمة: حالة قيس سعيد

منذ أن أقال قيس سعيد حكومة هشام المشيشي في يوليو 2021، ظهرت العديد من المفاهيم السياسية لتفسير ما حدث في تونس، إما لإضفاء الشرعية على إجراءات سعيد أو إدانتها. يتناول هذا المقال نوع سعيد من الشعبوية وينظر في كيف أن فشله في تعبئة الأشخاص الذين يدعي تمثيلهم يغرق تونس ببطء في الاستبداد.

يرأس الرئيس التونسي قيس سعيد اجتماع مجلس الوزراء في قصر قرطاج في تونس العاصمة، تونس، 13 كانون الأول/ديسمبر 2021  ©AA/الرئاسة التونسية

في الأشهر الأخيرة، شهدت العديد من المفاهيم السياسية في تونس، نوعاً من التطويع وإعادة التشكيل، وتم استخدامها من قبل طرف بغية إضفاء الشرعية على قيس سعيد أو توظيفها من قبل طرف آخر لرفض الإجراءات التي اتخذها الرئيس، ومن جملة هذه المفاهيم، نجد مفهوم "الديمقراطية" و"السيادة الشعبية" والانقلاب" و"الشعْبوية" بطبيعة الحال. هذه المقالة تُرَكز اهتمامها على وجه التحديد على هذا المفهوم الأخير. وباعتباره مصطلحاً فضفاضاً، قابل لاحتواء أي تفسير، واستخدامه أساساً لإدانة الخصوم السياسيين الذين يغامرون بأنفسهم في مخاطبة الجماهير مباشرة بدلاً من محاورة نظرائهم السياسيين، فإن مصطلح الشعبوية، رغم كونه مفهوم معروف تاريخيًا بطواعيته الكبيرة، يتميز مع ذلك ببعض الخصائص المحددة بعناية: 1  طراقوني، فيديريكو. 2019. الروح الديمقراطية للشعبوية. باريس: لا ديكوفرت ​​كلُ حركة شعبوية، تنشأ في العادة في اللحظة الحاسمة التي تتعرض فيه الديمقراطية التمثيلية لأزمة حادة، وتقترح حلولًا لها، من خلال إعادة اختراع الشكل الديمقراطي، لتجعله أكثر شمولية وإدماجًا. من هذا المنظور، يمكن اعتبار المشروع الذي تبناه قيس سعيد خلال انتخابات 2019 منتميًا لهذا التوّجه السياسي. سوف ينصب اهتمامنا هنا في تحديد طبيعة الشعبوية التي ينتهجها قيس سعيد، انطلاقًا من ملاحظتين اثنتين: من جهة، تندرج هذه الشعبوية ضمن ديناميكية تونسية للنضال من أجل المساواة، التي بدأت مع الثورة وظلت موضع صراع منذ ذلك الحين؛ ومن ناحية أخرى، تعتبر هذه الشعبوية استمرارًا وجزء لا يتجزأ من الموجات الشعبوية التي تشهدها مختلف الأنظمة الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.

منذ ثورة 2011، تعددت الحركات النضالية التي يقوم بها المواطنون في تونس، رجالًا ونساءً، للمطالبة بالمساواة. سواء أكان ذلك على المستوى الإقليمي، في المطالبة بالمساواة بين المناطق في سياق الفوارق الصارخة بين السواحل والمناطق الداخلية النائية، وإلى غاية العلاقات مع الدولة (المحاباة، والمحسوبية، والعنف المؤسسي، وما إلى ذلك) أم بين المواطنين والمواطنات (إلغاء جميع أشكال التمييز، ولا سيما القائم على أساس الجنس أو لون البشرة أو الأصل الجغرافي، والحق في الكرامة باسم الانتماء للأمة بالتساوي)، في كل هذه الحالات، ظل مطلب المساواة في قلب الحركات الاجتماعية في السنوات العشر الماضية. وعلى مستوى أكثر رمزية، تجسد هذا المطلب الخاص بالمساواة أيضًا في شكل صراع من أجل الاعتراف، في المجال الذي تم فيه تصنيف السكان تاريخيًا، وبشكل منهجي، وتقسيمهم عن طريق ثنائية غير قابل للانفكاك، إلى فئتين متنافرتين، بين "متقدم" و"متخلف"؛ "متعلم و"جاهل"؛ "عصري" و"تقليدي". لقد كانت الثورة بمثابة بوابة الدخول الصاخب إلى ساحة المشاركة، لكافة التونسيين والتونسيات، الذين دفعتهم الدولة طيلة عقود من الزمن إلى هامش المجتمع وأسقطتهم من اهتماماتها. من ناحية أخرى، تُعَدُ الشعبوية في تونس، نوعًا من ردة الفعل على الحركة العالمية القائمة على "نزع الديمقراطية" 2  راجع بهذا الخصوص، ويندي. 2017. تفكيك النُظم الديمقراطية: الثورة النفاثة في الليبرالية الجديدة عن الديمقراطية التمثيلية، التي أُفرِغت من جوهرها من خلال اختزال المجال السياسي في قضايا معدودة تُختَصر في مشاركة أصحاب المصلحة ومسائل الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد. وبمراهنتها كليًا على "التكنوقراط" من القطاع الخاص والخبراء، فقد همشت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 المسائل السياسية والاقتصادية التي طرحتها الثورة، المتمثلة في نموذج التنمية الاقتصادية، والمساواة بين المناطق، والعلاقة بقوى حفظ الأمن والنظام، والتوظيف، إلخ.

إذا كان مشروع قيس سعيد يبدو للوهلة الأولى أنه وضع مسائل المساواة وسيادة الشعب في صميم أجندته السياسية، فسرعان ما تبينت محدودية ذلك: بدءًا من "الحملة التفسيرية" لعام 2019 إلى غاية تهميش الشعب وإرادته منذ مظاهرات 25 تموز/يوليو 2021، اتضح أن شعبوية الرئيس هي شعبوية من القمة، واليوم، بعد أن عجز عن تعبئة السكان سياسياً، عاد إلى ممارسات القادة المستبدين الذين حكموا البلاد من 1956 إلى 2011.

شعبوية ضرورية

في المجالات التي كان فقراء تونس إبان عهد بن علي يأملون أن يحدث تغييرًا جذريًا يُحسن من حياتهم اليومية بعد الثورة، لا سيما فيما يتعلق بالتوظيف والتنمية الإقليمية والمواطنة، وجدوا أنفسهم عمليًا أمام "تحوّل ديمقراطي" أخرس اقتصاديًا. هذه المرحلة الانتقالية، التي شارك فيها القانونيون والخبراء والأحزاب السياسية من أجل إرساء نظامًا ديمقراطيًا من حيث الشكل على المسار الصحيح، لم تكلف هذه الانتقالية نفسها الكثير من العناء لمعالجة مسألة عدم المساواة الإقليمية، ومن ثم، لم تحل مسألة الشرعية. وقد تسبب ذلك في تقويض مرحلة التحول الديمقراطي من الأساس، المرحلة التي كان يفترض لها أن تواصل مشروع الثورة التي تلخص شعارها في "العمل والحرية والكرامة". ومنذ عام 2011، كشفت الأنظمة المتعاقبة في تونس عن شح وضيق أفق في رؤيتها الاقتصادية، من خلال تطبيقها اللامتناهي لطريقة المعالجة نفسها: توسيع رقعة الاقتصاد القائم على الأجور المنخفضة وامتصاص السخط الاجتماعي من خلال طرح وظائف عامة غير مستقرة وتقديم أجور متدنية. إن ما نشاهده في واقع الأمر، ليس أكثر من تأجيل الأزمة من قِبل الجهات المشاركة في مرحلة التحول الديمقراطي وإعادة تنظيم حالات الانتظار. 3  راجع مقالة مداب، حمزة "الانتظار كأسلوب في الحكم في تونس" نشر في بونو، إيرين، هيبو بياتريس، مداب، حمزة، وطوزي محمد. دولة الظلم في المغرب العربي: المغرب وتونس، باريس 2015

سرعان ما تبع هذا "النسيان المُنظم للمسألة الاجتماعية"، المأزق الديمقراطي الذي صاحب المرحلة الانتقالية نفسها: لقد فرضت هذه المرحلة انسدادًا متعاظمًا في المجال السياسي، بحجة ضرورة تبني عقلانية تكنوقراطية مزعومة4  تجدر الإشارة هنا إلى التطوّر الملفت للاهتمام بمفهوم "التكنوقراط" في تونس. باعتباره ضامن ودليل على الكفاءة، (خاصة في تعيين الوزراء)، لم تُلحق صفة التكنوقراط، بكبار المسؤولين الحكوميين، وإنما اقتصرت على أفراد من القطاع الخاص، وبذلك أصبح القطاع الخاص، وبالتالي جني الأرباح، بقدرة قادر، يشكل نوع المعيار الذي يجب أن تسعى إليه الدولة. . بالإضافة إلى ذلك، أدى تمييع ​​السلطة وآليات صنع القرار، بين مختلف الجهات الفاعلة الوطنية والدولية، إلى تلاشي متزايد لأي فكرة تتعلق بالسيادة الشعبية، خارج الفترة الانتخابية، وقد حلّ محل هذه السيادة، دون أن يثير ذلك احتجاجات كبيرة، فكرة الحكم والمشاركة الحوارية بين "أصحاب المصلحة": العلاقة الوطيدة بين الجهات المانحة والدولة والخبراء والمجتمع المدني. ونتيجة هذا الوضع، وقعت "الديمقراطية التونسية الناشئة" بسرعة حبيسة أذرع آليات تفكيك الديمقراطية النيوليبرالية: ساد منطق "الحكم" بدل الحكومة، مع اشتداد وتيرة نزع البعد السياسي وطابع الصراع عن الرهانات السياسية، لصالح الخبرة التقنية، وهو ما أدى في كل من تونس وغيرها من بلدان العالم، إلى موجات من الشعبوية.

إذا كانت الردود الاحتجاجية المدعومة انتخابيًا، سابقة لرئاسة قيس سعيد (هاشمي حمدي في 2011، سليم الرياحي 2014، نبيل القروي في 2019)5ميشال كاماو، لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية، المجلة التونسية للعلوم السياسية (Revue Tunisienne de Science Politique)، المجلد 1/عدد 3، 2020 ، فإنه كان بالمقابل أول من طرح ردًا سياسيًا شعبويًا حقيقيًا، أي ردًا يضع "النخب" و"الشعب" في مواجهة لبعضها البعض للتخلص من النظام القائم والتحرر من قبضته باسم الراديكالية الديمقراطية.

من خلال الترويج لنفسه رئيسًا منبثقًا من الشعب، ومناهضًا للنخب، أحدث قيس سعيد قطيعة في التاريخ السياسي التونسي، الذي باتباعه المسار الأكثر شيوعًا بين الدول "التي تسعى اللحاق" بالحداثة الغربية، يُرتب فئات الشعب ويصنفها بين "متقدم" و"متخلف". وبذلك يبدو أن الرئيس يتبنى وجهة نظر أولئك الذين تخلت عنهم الدولة تاريخياً، ويرغب في الوقت نفسه، أن ينظر إليه، باعتباره استمرارية للثورة ومطالبها بالمساواة.

تعرض زخم مطلب المساواة الناشئ عن الثورة لتضييق وعرقلة في وقت مبكر جدًا من قِبل حكومة الترويكا (2011-2013، التي هيمنت عليها "حركة النهضة") وخاصة، من خلال قمع الحركات الاجتماعية مثلما جرى في سليانة في عام 2012، قبل أن تتوقف هذه الهبة توقفًا تامًا، نتيجة لحظة "الترميم" عقب انتخاب الباجي قائد السبسي من حزب "نداء تونس"، رئيسًا للدولة في عام 2014. هذا الأخير، باعتباره من المدرسة السياسية البورقيبية، لم يوّفر جهدًا في مساعيه لتقزيم الثورة واختزالها في مجرد هبة عابرة. وقد تُرجم ماديًا ورمزيًا هذا الاستصغار للثورة ولمطالبها، بشكل ملحوظ، بعودة تمثال بورقيبة إلى شارع الحبيب بورقيبة، الذي يُعد المكان الرمزي لثورة 2011. وقد تمت عملية "الترميم" بدعم من حزب "النهضة"، الذي نظرًا لتحوّله إلى حليف لحزب "نداء تونس"، دفع ثمن تطبيعه، من خلال نفور واستياء متزايد من ناخبيه ومناضليه، الذين سئموا من تبريرات الحزب لمواقف متناقضة (قانون المصالحة الإدارية الذي بيّض صفحات النظام القديم، وتهميش العدالة الانتقالية على الرغم من الانتهاكات التي تعرض لها أنصار "النهضة" في ظل النظام القديم).

قطيعة مخادعة

احتلال قيس سعيد الصدارة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المسبقة وانتصاره على قطب القطاع الإعلامي نبيل القروي، أعاد "الشعب" إلى قلب السياسة. ومن خلال تبنيه شعار الثورة "الشعب يريد"، يبعث سعيد رسالة مفادها أنه مجرد ممثل للشعب وطموحاته، لكن باعتباره شعبوي حادق، لم يحدد أبدًا من هو هذا "الشعب" الذي يدَّعي أنه جزء منه، ولم يذكر الطبقة الاجتماعية أو المنطقة أو خطوط التصدع الأخرى التي تُشكل موضوع صراع سياسي ذي مصالح متناقضة. لا يوجد من وجهة نظره سوى حكم أقلية منفصل عن واقع البلاد، و"شعب"، وهو العنصر الفاعل غير المتوقع الذي يجسد الاستقامة والنزاهة وغير القابل للمساومة والارتشاء، في فضاء سياسي متخم على مدى عشر سنوات بالحديث عن الفساد، فضاء أصبحت فيه "محاربة الفساد"، الأفق السياسي الوحيد المقترح لمستقبل أفضل. وبهذا الخصوص، يمكننا القول إن انتخاب سعيد يدل إلى حد كبير على وقوع التباس: لقد تم في الواقع انتخاب صورة سعيد، المحصن من الفساد و"القريب من الشعب" أكثر من انتخاب المشروع الديمقراطي والشعبوي الذي يقترحه.

بمجرد وصوله إلى السلطة، حاول سعيد أن يجسد، من خلال إجراءات رمزية أساسًا، فكرة معينة عن المساواة، لا سيما من خلال استقباله في قصر قرطاج ممثلين عن الحركات الاجتماعية المنحدرة من المناطق المحرومة. لكن مهما حاول قيس سعيد أن يُظهر نفسه قريبًا من الناس، تبقى القطيعة الموعودة، التي يتحدث عنها، رغم كل شيء، غير مكتملة، أو بعبارة أكثر وضوحًا، مجرد خديعة، لأن خلف الخطاب الذي يزعم تجسيد طموحات الشعب، نشهد على أرض الواقع خطابًا أبويًا خافض الجناح يقدم الدروس، خطابًا يفترض مسبقًا جهل الشعب، وبالتالي حاجة من يوجدون في المراتب السفلى إلى مَن هم أكثر منهم علمًا ومعرفة لإرشادهم. إذا كان قيس سعيد يقلص المسافة بين المربي والمتعلم، عند نزوله من المنصة للاقتراب من المواطنين، "تبقى هذه الخطوة تقتصر على مستوى رمزي، وبدونها يتلاشى هذا القرب تمامًا وببساطة ضمن الأشياء المعتادة"6  ميشال كاماو، لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية، المجلة التونسية للعلوم السياسية (Revue Tunisienne de Science Politique)، المجلد 1/عدد 3، 2020 . علاوة على ذلك، مثلما يشير إليه صدري خياري، إذا كان الشعب، في إطار مشروع قيس سعيد، مدعوًا ليكون أساس السيادة، فلا يتم دعوته للمشاركة سوى في الشؤون المحلية. وتبقى المجالات السيادية مخصصة لشخص الرئيس المنتخب بالاقتراع العام. ونلاحظ في هذا الصدد أن المسائل المطروحة على منصة البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية لها دلالتها الواضحة. المواطنون مدعوون للتعبير عن آرائهم بشأن قضايا (مثل الصحة، التعليم، البيئة، الزراعة، الثقافة، إلخ) "في مناطقهم" وليس "في البلد"، في حين، تُستثنى المجالات السيادية (الشرطة، الجيش، الاقتصاد، العملة، العدالة، الدبلوماسية) على الفور من مجال ما يمكن مناقشته ديمقراطيًا.

علاقة سعيد بقوى الأمن وحفظ النظام تشكل نقطة ضعف أخرى، لأنه من البديهي القول، لو كانت هناك حقًا مؤسسة، تشكل آلية إنتاج قلب السلطة في تونس، فإن هذه المؤسسة هي الشرطة التي تقمع شباب الأحياء الشعبية بشكل يومي. لم يسبب هذا العنف الذي تتعرض له هذه الفئة من السكان على أيدي عناصر الشرطة إلا النزر القليل من الضيق والاهتمام لدى قيس سعيد الذي، بصفته خبيرًا حادقًا في اختزال الشؤون السياسة في مسائل أخلاقية، اكتفى، في حزيران/يونيو 2021، في أعقاب الاحتجاج العارم الذي أثارته صور مراهق يتعرض للضرب والتجريد من ملابسه، من قِبل الشرطة، في الحي الشعبي بسيدي حسين بتونس العاصمة، بالتنديد بـ"التجاوزات المعزولة والفردية"، مضيفًا أنه "لا توجد علاقة عداوة بين الشعب والشرطة"7  تصريحات 11 حزيران/يونيو 2021 . تميزت الأشهر الأخيرة التي سبقت الانقلاب بصراع مفتوح بين الرئيس ورئيس الحكومة للسيطرة على وزارة الداخلية، الأمر الذي دفع سعيد إلى التجنب بعناية استعداء الأجهزة الأمنية، وهي استراتيجية مثمرة بالفعل، وترجمت عمليًا في مساء 25 تموز/يوليو، بانحياز الشرطة ونقاباتها إلى جانب سعيد.

25 تموز/يوليو: عهد الشعْبوِية دون شعب

منذ انقلاب 25 تموز/يوليو 2021، لم يتوقف قيس سعيد عن مناشدة "الشعب"، وتأكيده على أنه يمثل التجسيد الحي لسيادته وإرادته، لكنه يبقى عمليًا متمسكًا وحده بزمام الأمور ومنفردًا في تسيير شؤون البلد. بموقفه هذا، فهو يساوي بشكل مباشر بين إرادة الشعب وما يتخذه هو شخصيًا من قرارات، وبالتالي يمحو، كما يفعل غالبًا القادة الشعبويين، كل أثر لرغباته ومصالحه الشخصية8  "كونهم لا يتصرفون بمحض إرادتهم، وأنهم مجرد ناطقين باسم الشعب، يستطيع هؤلاء القادة المناورة وتجنب خطر الظهور كجزء من منظومة الحكم. الهدف الأساسي من هذه الاستراتيجية، هو التأثير في أداء القادة الشعبويين، الذين بوسعهم دائمًا الادعاء بأنهم يسيرون على المسار الصحيح (لأن الشعب هو سيدهم) والذين يمكنهم دائمًا التنصل من طلبات المساءلة (لأنهم غير مسؤولين حقًا، بما أنهم لا يتصرفون بإرادتهم الخاصة)" أوربيناتي، ناديا. 2019. أنا الشعب: كيف حولت الشعبويةُ مسار الديمقراطيةَ. كامبريدج: مطبعة جامعة هارفارد. ص 146 . وفي تقديم نفسه باعتباره تجسيد حي لإرادة الشعب، فهو يذهب بعيدًا، إلى درجة أنه في حديثه مع وزير الداخلية حول خطط اغتيال مفترضة تستهدفه، ألمح سعيد إلى أن "خطط الاغتيال هذه قد وُضعت في الواقع للانقلاب على إرادة الشعب".

هذه الرغبة في تقديم نفسه باعتباره تجسيد حي لإرادة الشعب تنطوي أيضًا على رفض قاطع للحوار مع الأحزاب السياسية9  طالبت عدة أحزاب سياسية، من بينها، "حركة النهضة"، وكذلك منظمات المجتمع المدني بضرورة تنظيم "حوار" لحل الأزمة من خلال توافق الأطراف، سعيًا منها لتكرار نوع الحوار الوطني الذي ترأسته الرباعية المشكلة من منظمات المجتمع المدني (الاتحاد العام للعمال التونسيين، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورابطة حقوق الإنسان والنقابة الوطنية للمحامين في تونس) في أعقاب اغتيال محمد براهمي في تموز/يوليو 2013. وقد رفض قيس سعيد هذا الطلب بطريقة خشنة وغير دبلوماسية خلال مقابلته مع رئيس مجلس إدارة ديوان الحبوب في 5 آب/أغسطس 2021 والمجتمع المدني والرد على أسئلة وسائل الإعلام (غياب أي مؤتمر صحفي دُعيتْ إليه الصحافة التونسية، وغياب متحدث رسمي باسم الرئاسة يمكن لوسائل الإعلام أن تتصل به). سعيد يرفض الوسطاء، بحجة رغبته في التواصل المباشر المتناغم مع "الشعب". تحقيقًا لهذا الطموح يستخدم وسائل مدهشة للغاية: طيلة الفترة الممتدة من 25 تموز/يوليو إلى 20 أيلول/سبتمبر 2021، اقتصرت التصريحات العامة الوحيدة التي أدلى بها الرئيس التونسي في مقاطع فيديو تم تصويرها وتركيبها من قِبل فريق تابع لرئاسة الجمهورية، يُشاهد فيها الرئيس في مونولوغ، يناقش نفسه أمام عدة محاورين مفترضين (غالبيتهم تبدو عليهم علامة عدم الارتياح) تلقوا الدعوة إلى قصر قرطاج. هذه القضية المتعلقة بوسائل الاتصال، فضلًا عن الخطب نفسها، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بميم شعبوية سعيد الشاذة، منذ 25 تموز/يوليو 2021: انتصار شعبوية، الغائب الأكبر فيها هو الشعب.

في مقال بعنوان "لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية"، تساءل الأخصائي في السياسة ميشيل كاماو عما إذا كانت "اللحظة الشعبوية [التي جسدها انتصار سعيد] ستؤدي إلى حركة شعبوية" 10  ميشال كاماو، لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية، المجلة التونسية للعلوم السياسية، المجلد 1/عدد 3، 2020 قادرة على تغيير نظام الحكم، رغم فتور وعدم تحمس البرلمان. واليوم، بعد نجاح الإطاحة بالبرلمان والأحزاب السياسية الممثلة فيه، لا تزال الساحة التونسية تنتظر بروز الحركة الشعبوية. منذ مساء 25 تموز/يوليو 2021 عندما خرج آلاف الأشخاص وتحدوا حظر التجول احتفالًا بسقوط نظام الأحزاب، لم يُشاهد حتى الآن سوى عددٌ قليلٌ من المظاهرات المؤيدة لسعيد11  شوهِد بضع عشرات من الأشخاص في 18 أيلول/سبتمبر في شارع الحبيب بورقيبة مقابل المسرح البلدي، ردًا على المظاهرات المناهضة للانقلاب، ثم في 25 أيلول/سبتمبر وأخيراً في 4 تشرين الأول/أكتوبر، تظاهر بضعة آلاف في شارع الحبيب بورقيبة وفي بعض المدن الكبرى في تونس دعمًا لسعيد. ، ردًا على المطالبين بعودة العمل بالنظام البرلماني. وبعد مظاهرات 4 تشرين الأول/أكتوبر، التي جمعت بضعة آلاف من المؤيدين لرئيس الدولة، تحدث سعيد في مناسبتين عن أرقام غير واقعية، بلغت حسب تصريحاته 1800000 متظاهر مؤيد له12  تم لاحقًا حذف مقاطع الفيديو الخاصة بهذه التصريحات. . في حين لم يُشاهد على أرض الواقع، إذا استثنينا مظاهرات الفرح العارم، مساء 25 تموز/يوليو، أي حماس شعبي يماثل زخم حملات النظافة التي أعقبت انتخاب سعيد. إذا كان انتصار قيس سعيد في عام 2019 بمثابة انتصار فئات معينة من الشعب التونسي الذين نصَّبوا في الأخير "أحدهم" رئيسًا، في تحدي معبر وقاهر للأحزاب السياسية، فإن استيلاء سعيد على السلطة في تموز/يوليو 2021 لم يكن له بكل تأكيد النكهة نفسها: لم تتشكل على ما يبدو أي حركة احتجاجية جماهيرية، تسير على درب رئيس 'الشعب الذي يريد'. ولم ينجر "الشعب" ليتوغل سياسيًا، وهنا بلا شك تكمن نقطة الالتباس التي تحوم حول انتصار سعيد في 2019، وتبدو أكثر وضوحًا.

من هنا، تأتي أهمية الفصل بين مفهومين للشعبية: أولهما، الشعبية في مفهومها كاستحسان لشخص ما أو لأفعال بعينها تُقاس من خلال استطلاعات الرأي ومعدلات التأييد العام. وإذا ما اعتمدنا على هذا المفهوم، يمكننا القول إن سعيد يتمتع بالشعبية، على الرغم من كون أسهم شعبيته آخذة في الهبوط13https://www.businessnews.com.tn/sondage-emrhod--kais-saied-a-de-plus-en-plus-de-mal-a-satisfaire-les-tunisiens,519,114452,3 . ولكن إذا ما أريد بمفهوم الشعبية قدرة شخص ما أو أفعال بعينها 14كتب فيديريكو تاراغوني مميزًا بين الشعبوية والديماغوجية، قائلًا: "يجب أن ينتج [الخطاب الشعبوي] إجراءات حازمة تجاه الشعب، لجعله موضوعًا سياسيًا (حتى لو كان ذلك يعني الهيمنة عليه وإخضاعه بطبيعة الحال). وعليه أن يفضي لإجراءات للانضمام، وصراعات وادعاءات، وديناميكيات للتعبئة وإثارة الوعي: كل ما من شأنه أن يخرج من ضمن الناس مجموعة من الأفراد يتناقشون ويصدرون الأحكام ويتفاعلون ويطالبون ويراقبون. وبعبارة أخرى، يجب أن يكون استحضار الشعب دعوة حقيقية لجعله موجودًا." فيديريكو تاراغوني، 2019، "الروح الديمقراطية للشعبوية"، باريس، دار نشر لا ديكوفرت، ص 75-76. بالنسبة للشعبية على اعتبارها بداية للقدرات التنظيمية، انظر أعمال جاك رانسيير. على تعبئة الجماهير على المستوى الشعبي، فلا بد حينئذ أن نتبين أن قدرة قيس سعيد على التعبئة قد تقلصت نتيجة لصعوده إلى السلطة، وبالاختصار لكونه قد أصبح "أحد رجالات الدولة"، حتى وإن كان لا يزال يرى نفسه من "رجالات الشعب". فلم يسمح الانقلاب الذي نُفِّذ باسم "الشعب" بفتح المجال أمام هذا "الشعب" نفسه لاغتنام السلطة السياسية على نطاق واسع، وإسماع صوته في أوساطها. والشاهد على ذلك شدة ضآلة المشاركة على منصة البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية التي يُفترض وجودها أساسًا لإعادة الإصلاح المؤسسي الذي يرغب فيه سعيد.

وعليه، إذا كان الرئيس لا يكف عن مناشدة "الشعب"، فهو لم يدعو هذا الأخير للتعبئة. وسيكون لزامًا علينا الانتظار حتى كانون الأول/ديسمبر حتى يُعلَن عن استطلاع رأي شعبي عبر الإنترنت. وتعد الكلمة الوحيدة التي ألقاها سعيد أمام الجمهور، في 20 أيلول/سبتمبر في سيدي بوزيد، دليلًا على تهميش الشعب، إذ لم يكف الرئيس عن طلب شهادة الجمهور، على الأخص للتحدث عن أعدائه من الجنسين مستخدمًا مفردات حربية. فطوال الأربعين دقيقة التي دام فيها خطابه، أمضى سعيد نصفها منددًا "بأعدائه" من الجنسين دون تعيين أسمائهم، ومستحضرًا دون أن يحدد مطلقًا ترهاتهم وخياناتهم ومؤامراتهم مع الخارج والجروح التي تسبب له فيها أولئك وهؤلاء. وكرر أنه تحت يديه الأسماء والملفات، لكنه لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، مما أثار استياء الحشد. أما بقية الوقت، فقد حاول تبرير قراراته باستخدام المادة 80 من الدستور التي قرر تفعيلها في 24 تموز/يوليو بعد زيارته لمستشفى الرديف. بالإضافة لكونه لا يكف عن التبرير لنفسه، وأكثر ما يميز هذا الخطاب هو أنه بداية من الجملة الأولى، يؤكد سعيد على أنه ما جاء للتحدث إلى سيدي بوزيد لتمييز نفسه عن أولئك الرجال وتلك النساء الذين يتظاهرون ضده في وسط مدينة تونس، مشيرًا إلى أن "الآخرين" هم "النخبويين" بينما هو "شعبي". وبالتالي، فإن السبب الوحيد لمخاطبة الجمهور يأتي كرد فعل على "الأعداء" من الجنسين (وليس لأن لديه أمور هامة ليُعلم بها "الشعب"). وهكذا يضع سعيد نفسه في مواجهة مع "أعدائه" من الجنسين، أما الشعب فهو ليس سوى مجرد متفرج على الحرب الدائرة بين ذلك الذي أعلن نفسه "بطلًا شعبويًا" وبين "أعداء الشعب" من الجنسين.

وإذا لم يتطرق قيس سعيد إلى الأسباب التي تجعل الرجل الذي تتركز في يده جل السلطة في تونس منذ بن علي في 16 كانون الأول/ديسمبر 2010 غير قادر حتى الآن عن فضح المؤامرات والأعمال وغيرها من المحاولات لزعزعة استقرار السلطة، بينما هذه الأسباب لا تشكل لغزًا غامضًا، عند تحليلها سياسيًا تحليلًا دقيقًا. إن استحالة تحديد هوية العدو سواء أكان رجلًا أم امرأة بدقة وما يدينه أو يدينها، والتمديد المتجدد باستمرار بإفشاء حقائق مروعة يدل على حاجة قيس سعيد للإبقاء على التهديد وبالتالي كسب الوقت في مواجهة المواطنين والمواطنات الذين أوشك صبرهم على النفاد. وواقع الأمر أنه منذ 25 تموز/يوليو قد سيئت وجوه هؤلاء الذين وصفهم سعيد بـ "الخونة" و"الأعداء" من الجنسين (سواء أكانوا من أعضاء البرلمان أم من مناصري شتى الأحزاب السياسية أم من المجتمع المدني أم من وسائل الإعلام وغيرها)، وهم يكافحون لتعبئة الجماهير وجعل أصواتهم مسموعة أمام شخص استولى دون صعوبة تُذكر على صلاحيات مطلقة. وإلا فلماذا كل هذا الغضب؟ ترى الخبيرة بالعلوم السياسية ناديا أوربيناتي إن الطابع الحتمي للعدو سواء أكان رجلًا أم امرأة لدى الزعيم الشعبوي أو القائد لجموع الشعب - يعكس رغبة في التنصل من المسؤوليات السياسية: "لأن القائد ما هو سوى المتحدث بلسان حال الشعب ولا يملك إرادة محضة، وما يفعله يجب أن يكون ما يطالبه به الشعب. وإذا لم يحقق هذه الرغبات، فإن المسؤولية تقع على عاتق أعداء الشعب، الذين لا يختفون أبدًا (ولا يغمض لهم جفنًا أبدًا). وهكذا، يعتمد القائد غير المسؤول اعتمادًا شديدًا على نظرية المؤامرة كشكل من أشكال "إيديولوجيا الاعتذار"15ناديا أوربيناتي، 2019، "أنا الشعب": كيف حولت الشعبوية مسار الديمقراطية، كامبريدج: مطبعة جامعة هارفارد، ص 143 . ومن خلال إبرازه للحاجة المتجددة دومًا للكفاح باسم الشعب ضد أعداء الشعب ومخططاتهم، يعيد سعيد تنشيط سياسات التمديد. وبهذا تجد تونس نفسها باسم الشعب والحاجة لإعادته إلى السلطة في مواجهة نظام برلماني غارق في تمزقاته، كما أن عجز الشعب قد طال أمده واتسع نطاقه تحت مظلة زعيم شعبوي لا تزال المشاورات الوطنية التي أعقبها استفتاء، اقتراحًا هشًا للغاية للتعويض عن الدلائل التي لا تعد ولا تحصى على صعود الحكم الاستبدادي الذي شهدته تونس منذ تموز/يوليو 2021. وعلاوة على سلسلة الاعتقالات والإقامة الجبرية وإدانة النشطاء والمعارضين والعنف الذي تمارسه الشرطة ضد الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، فإن ممارسة قيس سعيد للسلطة منذ أن أصبح القائد الأوحد هي التي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك على السلطة الشخصية والسلطوية التي يشهدها التونسيون منذ عام 1956، بما في ذلك: استخدام المرأة للرهان على التقدمية، وتفشي التعسف والظواهر القانونية غير المبررة و"تعليمات" ممارسة السلطة، والخطب الرنانة التي تشير للـ"الأعداء" و"الخونة" من الجنسين وإلى "المؤامرات الأجنبية"، إلى جانب  الزيارات المفاجئة وعزل المسؤولين الإداريين من الجنسين حسب مجريات الحوادث والأحداث. إن هذه الآليات الرامية للمركزية الاستبدادية باتحادها مع رفض تحمل المسؤولية السياسية عن الإخفاقات تعد مألوفة للغاية في نظر أي شخص مطلع على تاريخ الاستبداد في تونس ليأخذ سعيد على محمل الجد عندما يعلن عن وقوفه في صفوف الثورة.

فسعيد الذي يتخذ الشعبوية سلاحًا دون شعب، محكوم عليه بالغرق في الاستبداد. ولا يتوانى عن مساعدته على ذلك نظام العدالة وقوة الشرطة اللذان أبقيا تحت تصرفهما الترسانة القانونية التي تقيد الحريات منذ عهد الديكتاتورية، وهي ترسانة لم يسبق لأي حزب سياسي أن عارضها خلال أحد عشر عامًا من "التحول الديمقراطي" الذي كان من المفترض به قطع صلته بنظام الشرطة. إن عدم قدرة السياسات على وضع المبادئ والشروع في قطيعة مع النظام القديم (مراجعة القوانين القمعية، وضع حد لإفلات الشرطة من العقاب) وعلى خلق تكتلات وراء هذه الأخيرة، هو ما يعيد تونس بخطى وئيدة ولكنها ثابتة تمام الثبات نحو إدراجها تحت خانة الديكتاتورية.

Endnotes

Endnotes
1   طراقوني، فيديريكو. 2019. الروح الديمقراطية للشعبوية. باريس: لا ديكوفرت
2   راجع بهذا الخصوص، ويندي. 2017. تفكيك النُظم الديمقراطية: الثورة النفاثة في الليبرالية الجديدة
3   راجع مقالة مداب، حمزة "الانتظار كأسلوب في الحكم في تونس" نشر في بونو، إيرين، هيبو بياتريس، مداب، حمزة، وطوزي محمد. دولة الظلم في المغرب العربي: المغرب وتونس، باريس 2015
4   تجدر الإشارة هنا إلى التطوّر الملفت للاهتمام بمفهوم "التكنوقراط" في تونس. باعتباره ضامن ودليل على الكفاءة، (خاصة في تعيين الوزراء)، لم تُلحق صفة التكنوقراط، بكبار المسؤولين الحكوميين، وإنما اقتصرت على أفراد من القطاع الخاص، وبذلك أصبح القطاع الخاص، وبالتالي جني الأرباح، بقدرة قادر، يشكل نوع المعيار الذي يجب أن تسعى إليه الدولة.
5 ميشال كاماو، لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية، المجلة التونسية للعلوم السياسية (Revue Tunisienne de Science Politique)، المجلد 1/عدد 3، 2020
6   ميشال كاماو، لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية، المجلة التونسية للعلوم السياسية (Revue Tunisienne de Science Politique)، المجلد 1/عدد 3، 2020
7   تصريحات 11 حزيران/يونيو 2021
8   "كونهم لا يتصرفون بمحض إرادتهم، وأنهم مجرد ناطقين باسم الشعب، يستطيع هؤلاء القادة المناورة وتجنب خطر الظهور كجزء من منظومة الحكم. الهدف الأساسي من هذه الاستراتيجية، هو التأثير في أداء القادة الشعبويين، الذين بوسعهم دائمًا الادعاء بأنهم يسيرون على المسار الصحيح (لأن الشعب هو سيدهم) والذين يمكنهم دائمًا التنصل من طلبات المساءلة (لأنهم غير مسؤولين حقًا، بما أنهم لا يتصرفون بإرادتهم الخاصة)" أوربيناتي، ناديا. 2019. أنا الشعب: كيف حولت الشعبويةُ مسار الديمقراطيةَ. كامبريدج: مطبعة جامعة هارفارد. ص 146
9   طالبت عدة أحزاب سياسية، من بينها، "حركة النهضة"، وكذلك منظمات المجتمع المدني بضرورة تنظيم "حوار" لحل الأزمة من خلال توافق الأطراف، سعيًا منها لتكرار نوع الحوار الوطني الذي ترأسته الرباعية المشكلة من منظمات المجتمع المدني (الاتحاد العام للعمال التونسيين، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورابطة حقوق الإنسان والنقابة الوطنية للمحامين في تونس) في أعقاب اغتيال محمد براهمي في تموز/يوليو 2013. وقد رفض قيس سعيد هذا الطلب بطريقة خشنة وغير دبلوماسية خلال مقابلته مع رئيس مجلس إدارة ديوان الحبوب في 5 آب/أغسطس 2021
10   ميشال كاماو، لحظة شعبوية في تونس: الزمانية الانتخابية والزمنية الثورية، المجلة التونسية للعلوم السياسية، المجلد 1/عدد 3، 2020
11   شوهِد بضع عشرات من الأشخاص في 18 أيلول/سبتمبر في شارع الحبيب بورقيبة مقابل المسرح البلدي، ردًا على المظاهرات المناهضة للانقلاب، ثم في 25 أيلول/سبتمبر وأخيراً في 4 تشرين الأول/أكتوبر، تظاهر بضعة آلاف في شارع الحبيب بورقيبة وفي بعض المدن الكبرى في تونس دعمًا لسعيد.
12   تم لاحقًا حذف مقاطع الفيديو الخاصة بهذه التصريحات.
13 https://www.businessnews.com.tn/sondage-emrhod--kais-saied-a-de-plus-en-plus-de-mal-a-satisfaire-les-tunisiens,519,114452,3
14 كتب فيديريكو تاراغوني مميزًا بين الشعبوية والديماغوجية، قائلًا: "يجب أن ينتج [الخطاب الشعبوي] إجراءات حازمة تجاه الشعب، لجعله موضوعًا سياسيًا (حتى لو كان ذلك يعني الهيمنة عليه وإخضاعه بطبيعة الحال). وعليه أن يفضي لإجراءات للانضمام، وصراعات وادعاءات، وديناميكيات للتعبئة وإثارة الوعي: كل ما من شأنه أن يخرج من ضمن الناس مجموعة من الأفراد يتناقشون ويصدرون الأحكام ويتفاعلون ويطالبون ويراقبون. وبعبارة أخرى، يجب أن يكون استحضار الشعب دعوة حقيقية لجعله موجودًا." فيديريكو تاراغوني، 2019، "الروح الديمقراطية للشعبوية"، باريس، دار نشر لا ديكوفرت، ص 75-76. بالنسبة للشعبية على اعتبارها بداية للقدرات التنظيمية، انظر أعمال جاك رانسيير.
15 ناديا أوربيناتي، 2019، "أنا الشعب": كيف حولت الشعبوية مسار الديمقراطية، كامبريدج: مطبعة جامعة هارفارد، ص 143

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.