رغم كل المصاعب: تطور الحراك المدني في مصر في عهد السيسي

© سارا كار / flickr.com

(باريس، 23 يناير/كانون الثاني 2020) – أصدرت مبادرة الإصلاح العربي اليوم، بمناسبة الذكرى التاسعة للثورة المصرية، أربع أوراق بحثية تستكشف مختلف أشكال الحراك المدني والسياسي الذي تطور واستمر في مصر رغم تزايد القمع، منذ تولي السيسي للسلطة في 2013.

قال نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي: "لا شك أن هناك آثار هائلة للقمع الغاشم على المجتمع المدني في مصر، لكن النشطاء في مصر مستمرون في البحث عن سبل للتعامل مع آليات القمع، وهذه الأوراق تمثل بعض الأمثلة لكيفية تطور الحراك على مر السنوات".

في ورقته بعنوان "تحدي الأيديولوجية القانونية للدولة: محامو الشأن العام والحركات الاجتماعية في مصر"، يفحص المحامي والناشط الحقوقي أحمد عزت كيف تعتمد مجموعة من المحامين المصريين على "التقاضي الاستراتيجي"، وكيف كونوا مجموعة اجتماعية-مهنية قوية نجحت في تحدي سياسات الدولة. تحلل الورقة إسهام "محامو الشأن العام" في إعادة تشكيل المجال العام، والتحديات التي يواجهوها في عهد السيسي، وما إذا كان اللجوء إلى المحاكم ورفع دعاوى ضد الدولة لا يزال أمراً معقولاً، فيما يتعلق بالحقوق والحريات، في ظل سيطرة الأمن على المؤسسات القانونية والمحاكم.

وفي ورقتها بعنوان " الحق في المدينة والسياسة المحلية في مصر: دراسة حالة مثلث ماسبيرو"، تركز الأكاديمية والناشطة الحقوقية المصرية دينا وهبة على هدم السلطات منطقة مثلث ماسبيرو، وهي حي كان في القلب من انتفاضة 2011 وكان به بيوت لأكثر من أربعة آلاف عائلة. توثق في ورقتها استراتيجيات المقاومة التي تبنتها عائلات مثلث ماسبيرو بعدما عرفوا أن السلطات ستهجرهم قسراً إلى مناطق أخرى. تقول الورقة بأن الحراك المحلي أظهر تنوعاً ملحوظاً في الاستراتيجيات، وتزايد الخبرات والمعرفة العملية بأدوات الحراك المدني والمشاركة السياسية.

وفي ورقته بعنوان " الويكيّات كمحفّزاتٍ للناشطية: ويكي الجندر مثالاً"، يفحص الناشط المعلوماتي المصري أحمد غربية كيف يمكن للناشطية الرقمية أن تتيح منصة لأشكال الناشطية المباشرة والإصلاح الأخرى. عن طريق تقديم أفكار وتصورات انطلاقاً من معرفته المباشرة حول "ويكي جندر"، وهو منصة تعاونية لإنتاج المعرفة حول النوع والنسوية وقضايا المرأة بالعربية، يصف غربية مزايا وإمكانات المبادرات المحلية المخصصة للبناء التشاركي للمعرفة، في سياقات سلطوية وخانقة للغاية. يقول غربية بأن البحوث الاستراتيجية وتكوين المعرفة وتقديمها يمكن أن يكون نشاطاً يجتمع حوله النشطاء لتنظيم مطالب التغيير والتفاوض حولها.

تُظهر الأمثلة الواردة في هذه الأوراق الثلاث أن ثمة توجهات وأهداف وأساليب جديدة للعمل قد تطورت وظهرت في مصر، في محاولة للالتفاف حول قمع الدولة وللوقوف على سبل للتحول السلمي في العلاقة بين المواطن والدولة.

تفحص الورقة الرابعة مسارات حياة أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين تم احتجازهم منذ 2013، وما تكشفه هذه المسارات عن مستقبل الجماعة. في ورقته بعنوان "تنظيم قوي وأيديولوجيا ضعيفة: مسارات الإخوان في السجون المصرية بعد 30 يونيو"، أجرى الباحث والصحفي المصري عبد الرحمن عيّاش مقابلات مع أعضاء محتجزين  من الإخوان وأعضاء تم الإفراج عنهم حديثاً، وتوصل إلى أن الإقبال على أيديولوجية الجماعة قد وهن، وأنه يواجه تحدٍ متصاعد من قبل التيارات السلفية والجهادية، لكن يبقى التنظيم قوياً حتى داخل السجن. والسؤال الرئيسي حول مستقبل الجماعة، كما يقول عيّاش، هو كيف سيتصرف أعضاء الإخوان وسينظمون أنفسهم ما إن يخرجوا من السجن، وهو الأمر الذي سيؤثر على درجة تماسك وتوجه التنظيم.

تم نشر الأوراق ضمن مشروع مبادرة الإصلاح العربي "الأنماط البديلة الناشئة للحراك الاجتماعي في مصر بعد 2013" ويدخل المشروع في نطاق عمل المنظمة من أجل فهم تطور الحركات الاجتماعية والسياسية في مصر. يجمع المشروع بين باحثين ونشطاء مصريين للعصف الذهني حول تحولات عمليات الحراك ومشاركة الشباب في عهد السيسي. إضافة إلى التركيز على الأوراق الأربع المنشورة، سلط المشاركون في المشروع الضوء على مختلف أشكال الحراك والناشطية الجديدة في مصر، التي يجب الانتباه إليها، مثل الحراك النسوي، والمساحات الفنية الجديدة، ومبادرات التعليم المستقل، لا سيما التعليم الديني. تهدف مبادرة الإصلاح العربي إلى دمج هذه النتائج بالحوار الإقليمي الأوسع نطاقاً بين الشباب الذين يعملون على استراتيجيات بديلة في سياقاتهم الوطنية المختلفة.

وقال نديم حوري: "أهم دور تلعبه هذه الأشكال البديلة من الناشطية السياسية هو أنها تسمح للنشطاء السياسيين الشبان بالاستمرار في عملهم وفي تطوير شبكاتهم، وبأن يسعوا لتحقيق أهدافهم السياسية والدفاع عن قيمهم، رغم تحديات تجدد السلطوية والحرب والإرهاب من التظاهر". وأضاف: "قد تتحول هذه الأشكال من الناشطية إلى قواعد للحراك السياسي ومخالفة الوضع القائم، في المستقبل".

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.