"النقابات و"التجمعات المهنية المستقلة" في لبنان: قراءة في ظلّ الحراك الشعبيّ

تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه الورقة ضمن سلسلة أوراق حول النقاقات المهنية المستقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ممكن الإطلاع على الأوراق البحثية الأخرى هنا.

تمهيد

شهد لبنان في 17 تشرين الأول العام 2019 حراكاً شعبياً غير مسبوق في تاريخه الحديث، عُرِف بـ"انتفاضة 17 تشرين"، وذلك احتجاجاً على أداء الطبقة الحاكمة وفسادها. وعلى هامش هذه الانتفاضة التي انتشرت في مختلف المناطق اللبنانية الكبرى (بيروت، صيدا، صور، طرابلس...)، عَمَّ نقاشٌ بين الأوساط الأكاديميّة والناشطة حول أهمية توافر أُطُر تنظيميّة (حزبيّة أو نقابيّة أو مهنيّة...) تأخذ على عاتقها تنظيم الاحتجاجات الشعبيّة، وتُؤَطِّر المطالب في مشاريع سياسية تلعب دوراً محوريّاً في تأمين الانتقال الديموقراطي المنشود.[i] وجاء هذا النقاش، في جزءٍ منه على الأقل، نتيجة غيابٍ شبه تام لأي دور نقابيّ رسميّ فاعل في الحراك الشعبيّ، خلافاً لانتفاضات عربية أخرى، حيث لعبت النقابات المهنيّة أو العماليّة المستقلّة دوراً محوريّاً في المطالبة بالتغيير وتنظيم التحركات وحتى المشاركة في التفاوض (السودان مثلاً).[ii] في هذا السياق، أظهرت دراسة كمّيّة أُجريت أثناء احتجاجات "17 تشرين" اللبنانية أنّ 95 في المئة من المتظاهرين لم يكونوا منتمين إلى أي نقابة عمّالية، وأنّ خمسة في المئة منهم فقط منتسبون إلى نقابات المهن الحرّة (وهي نقابات أو تجمّعات مهنيّة غير عمّاليّة: أطبّاء، محامون، ممرّضون، مهندسون...)، إضافة إلى نقابات أخرى (نقابة المعلّمين مثلاً).[iii]

إنطلاقاً من هذا النقاش، صبّ البعض جهده إما لتفعيل النقابات المهنية القائمة وتحريرها من هيمنة الأحزاب التقليدية الحاكمة لتستعيد دروها الأساسيّ، وإما لإنشاء تجمعات مهنيّة مستقلّة جديدة على أمل أن تتمكّن من لعب دور محوريّ في تنظيم الشارع وفي رفع المطالب. وتحول ذلك إلى هدف من أهداف الانتفاضة (إلى جانب أهداف أخرى كالمطالبة باستقلالية القضاء، أو تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائيّة...).

طبعاً، لم تخرج هذه المطالبة من العدم، لكنها جاءت نتيجة تراكمات تاريخية لطالما حاولت إظهار طابع نقابيّ مستقلّ عن الطبقة الحاكمة وأحزابها. وخلافاً لتجارب أخرى في العالم العربيّ، حيث تحولت النقابات المستقلة تدريجياً إلى لاعب ومنظّم أساسي في المشهد الاحتجاجيّ ("تجمع المهنيين السودانيين ـــ السودان، أو المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي ـــ الجزائر)، ساهم الحراك الشعبيّ في لبنان في تسليط الضوء على الدور المحتمل للنقابات المهنية أو العمالية في استعادة الحياة الديمقراطية إلى هذه النقابات. كما وساهم أيضاً في ظهور محاولات إنشاء نقابات مهنية مستقلة (تجربة "تجمع مهنيات ومهنيين").

ساهمت انتفاضة 17 تشرين، ومن دون أدنى شك، في إعطاء زخمٍ نقابيّ كبير ظهرت نتائجه مباشرة في معظم الانتخابات التي جرت منذ العام 2019 وفاز فيها مناصرو الانتفاضة في مواجهة أحزاب السلطة (فوز ملحم خلف برئاسة نقابة المحامين - 2019، فوز طلاب قوى الاعتراض في الجامعات اللبنانية الخاصة – 2020، فوز ساحق في نقابة المهندسين - 2021).

غالبية الأدبيات المنشورة حديثاً حول النقابات أو التجمعات المهنية المستقلة أو العمالية في لبنان، تَعزو غياب التنظيم النقابي وضعفه إلى سببين أساسيين: أولاً، سطوة الأحزاب السياسية التقليدية والطائفية على النقابات المهنية والعمالية، وبالتالي على الاتحاد العمالي العام الذي طُوِّع تدريجياً ليصبح تابعاً للسطة الحاكمة وأداةً من أدواتها، بدل أن يلعب دوراً حاسماً في الدفاع عن حقوق العمال.[iv] ثانياً، ضعف الدور النقابيّ العماليّ في سياق الاقتصاد النيوليبراليّ والريعيّ الذي هيمن في لبنان بعد الحرب الأهلية (1975- 1990)[v] والذي هَمَّش العمل المهنيّ والعماليّ المطلبيّ الرسميّ، وفاقم من الاقتصاد غير المُنظَّم.[vi] وبطبيعة الحال، أثّر هذان العاملان بشكل حتميّ على قدرة النقابات المهنية أو العمالية على المطالبة بالحقوق والتغيير، وعلى لعب دورٍ مواكب، لا بل ربما مبادر، في تحركات الشارع وتنظيمه، وصولاً إلى المشاركة في وضع أسس جديدة للنظام اللبناني، كما يطالب البعض من قوى الاعتراض. بعبارات أخرى، نتج عن تجاوزات النظام الطائفي والنظام النيوليبراليّ في لبنان تغييب التنظيمات السياسية أو النقابات التي يمكن أن تكون بمثابة دعامة لنجاح الانتفاضة في تحقيق الانتقال إلى نظام سياسي جديد.[vii] واستكمالاً لهذه الصورة، تطرح هذه الورقة مقاربة إضافية لفهم دور النقابات أو التجمعات المهنية، لا تقتصر فقط على إشكالية "الطائفية" و"النيوليبرالية"، إنما تحاول تقديم صورة مكمّلة لها على ضوء التحدّيات التنظيميّة والسياسيّة التي تواجه هذه التنظيمات، خصوصاً من باب جدليّة العلاقة بين العمل "النقابويّ" (أي اقتصار دور النقابة على الدفاع عن مصالح المهنة)، أو "السياسي" (أي لعب دور سياسي أكبر)، والأثر الذي يخلفه هذا النقاش على فرص نجاح التنظيم والدفاع عن الحقوق، وصولاً إلى الفوز في الانتخابات النقابية، وربما لعب دور أكبر على الصعيد الوطنيّ. في هذا السياق، تشير الباحثة أنياس فافييه (Agnès Favier)، التي سبق أن درست الحركات الطلابيّة في لبنان في فترة ما قبل الحرب الأهلية، إلى أن الجدلية بين العمل النقابويّ والسياسيّ كانت على الدوام محوريّة في نقاشات "النقابات" ومحاولاتها التنظيميّة الذاتيّة (الطلابية في هذه الحالة)، وهو ما كان يؤثر بشكل مباشر على فعاليّتها السياسية كما على استدامتها. وقد تعدّدت العوائق التنظيميّة التي واجهتها وأهمّها اثنان. فأولاً، كلّما توسّعت تمثيلاً خسرت من تجانسها السياسيّ وبالتالي المطلبيّ. ثانياً، وتفادياً لهذه المعضِلة، كانت تعتمد أحياناً مبدأ "القاسم المشترك بالحدِّ الأدنى" من أجل ضمان تماسكها. وحتماً شكّل هذان المعوّقان عاملين أساسيّين في إضعاف قدرتها التنظيميّة وفي حرمانها من لعب دور سياسيّ محوريّ على الصعيد الوطنيّ.[viii]

وعليه، فإنّ السؤال الذي يؤطر هذه الورقة يكمن في الجدلية والحدود الفاصلة أو المكملة بين العمل المطلبي ـــ النقابي الصرف (على صعيد النقابة أو التجمع المهنيّ) أو العمل السياسي (على الصعيد الوطنيّ) ومدى تأثير هذه الجدليّة على استدامة أو فعاليّة النقابات المستقلة في لبنان، خصوصاً في لحظة الحراك الشعبي؟ فهل يُفتَرض بالنقابات المهنيّة المستقلّة العودة إلى العمل بموجب "القاسم المشترك بالحدّ الأدنى" من أجل أن تتنظم وتدافع عن مصالحها، أم يُفترَض أن تتحوّل منصَّة توثُّب لتنظيم سياسيّ حزبيّ؟

تحاول هذه الورقة الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال تقديم قراءة نقدية في تجربة النقابات المهنيّة في لبنان، أو حتى في محاولات تشكيل تجمّعات مهنية مستقلة، من خلال التركيز على تجربتين أساسيّتين ترافقتا مع انتفاضة 17 تشرين: تجربة نقابة المهندسين التي حقّق فيها مناصرو الانتفاضة فوزاً صريحاً في انتخابات العام 2021، وتجربة المعلّمين في "تجمع مهنيّات ومهنيّين" (مهنيّات ومهنيّين - أساتذة) وهي محاولة وُلِدت لحظة اندلاع الحراك الشعبي في 17 تشرين العام 2019. اعتمَدَت هذه الورقة على مقابلات معمَّقة مع فاعلين في النقابات والحراك الاجتماعي في لبنان حول تجربتهم في العمل النقابي ومحاولات تأسيس نقابات مستقلة. كما وتمّت مراجعة الأدبيّات المتعلّقة بالموضوع، مع متابعة مسار هذه التجمعات المهنية والنقابية وحملاتها الانتخابية بشكلٍ دقيق.

تتوزّع الورقة على أربعة أقسام أساسيّة. القسم الأول يقدم لمحة عامة وسريعة عن تاريخ العمل النقابي في لبنان، مع الإشارة إلى ضرورة التمييز بين النقابات العمالية والتجمعات المهنية (التي تسمى أيضاً في لبنان نقابات). والقسم الثاني يتطرق إلى مفهوم "استقلاليّة" النقابات في لبنان، والتحولات التي طرأت على هذا المفهوم، وصولاً إلى رفض البعض اعتماده في التعريف بحراكهم النقابويّ. القسم الثالث، يعرض تجربة نقابة المهندسين التي، في انتخاباتها العام 2021، فازت لائحة "النقابة تنتفض" (المنبثقة عن حراك 17 تشرين) بأعضائها ورئاستها في مواجهة أحزاب السلطة. القسم الرابع، يقدم قراءة في تجربة مهنيات ومهنيين ـــ أساتذة، والتي لم يكتب لها النجاح المرجو. أخيراً، تقدم الورقة خلاصات واستنتاجات عامة حول أهمية العمل النقابي المستقل في لبنان والتحدّيات التي يواجهها.

القسم الأوّل: النقابات، بين الدفاع عن الحقوق... وانعكاس للسياق السياسي العام

تاريخيّاً تعود نشأة الحراكات العمالية المطلبية في لبنان إلى ما قبل تأسيس دولة لبنان الكبير (1920)، حين عرف "جبل لبنان" سلسلة من الانتفاضات الشعبية (العامّيّات)، وهي عبارة عن حراكات مطلبية نفَّذها الفلاحون ضد الإقطاع وأصحاب الأراضي. وبعد صدور القانون العثماني في العام 1919، والذي حدّد عمل الجمعيات في لبنان، ظهرت "جمعيّات" عمّالية غالباً ما كانت تضم العمال وأرباب العمل معاً، وتغلب عليها أهداف التعاون والإسعاف بين أعضائها.[ix]

ثمّ تطورت الحركات العمالية والمطلبية على مرّ السنوات، وهي غالباً ما تأثرت بتيارات فكريّة يسارية (تأثراً بالثورة الشيوعيّة) أو حتى يمينية، أي بعبارات أخرى، لم تكن التجمعات العمالية جسماً منعزلاً عن السياق السياسيّ أو الحزبيّ في البلاد، لا بل غالباً ما كانت انعكاساً ونتيجة له، أو حتى منتجة له في بعض الأحيان (مثلاً أُنشئ في العام 1924 "الاتحاد العام لعمال التبغ" في لبنان بمبادرة من فؤاد الشمالي والذي ساهم في تأسيس "حزب الشعب اللبناني" الذي تحوّل لاحقاً إلى "الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ"). في العام 1944، تشكل "الاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين" في لبنان وضمّ 15 نقابة (خمس عشرة) و12 لجنة نقابية (اثنتي عشرة). بعد الاستقلال في العام 1943، ومع تطور هيكّلية وتشكل الاقتصاد اللبناني، لعبت النقابات دوراً مهماً جداً في الدفاع عن حقوق العمال في وجه أرباب العمل، خصوصاً من خلال المطالبة بقانون عمل يمنح العامل حقوقاً تحميه من أي تعسُّف (1946)،[x] ولاحقاً نتج عن هذه الحراكات إنشاء "الاتحاد العمالي العام" في العام 1958.

في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية مباشرة، وفي ظلّ تضاؤل أجور العمال وتفاقم الأزمات الاجتماعية، وفي جو من المطالبات السياسيّة من جهة الأحزاب الوطنية-اليساريّة آنذاك، لعبت النقابات دوراً مهماً ومحوريّاً في التحركات المطلبيّة، عمالية كانت أم طلّابية. إلا أن هذه الحركات الاجتماعية اصطدمت بواقع مرير، إذ ساهمت أزمة النظام الرأسمالي اللبناني، إلى جانب عوامل أخرى، في اندلاع الحرب الأهلية كنتيجة للفوارق الاقتصادية بين مختلف الطبقات الاجتماعية من جهة، وبين المركز (بيروت) والأطراف (الجنوب، الشمال...) من جهة أخرى.[xi] وبالرغم من الأزمات المتتالية والاقتتال الأهليّ العنيف، ظلّت الحركات المطلبية تتطوّر لدرجة أنّ الاتحاد العمالي العام كان ناشطاً جداً في تحريك الشارع والمطالبة في أواخر الثمانينيات بإنهاء الحرب الأهلية.[xii]

غداة الحرب الأهلية، وبعد اتفاق الطائف، ظهرت بوادر تفعيل دور الاتّحاد العمالي العام، وتجلّت قدرته على تحريك الشارع في مواجهة السلطة والدفاع عن حقوق العمال والأجراء. ففي أيار العام 1992، واحتجاجاً على انهيار العملة الوطنية والأزمة الاقتصادية التي طالت لبنان في حينه، نظّم الاتحاد برئاسة أنطوان بشاره تظاهرات عمت البلاد أدت إلى إسقاط حكومة عمر كرامي. في العام 1997، ظهرت وبوضوح الرغبة الرسمية في تطويع الاتحاد العمالي العام مع قرار منع التظاهرات ودعم موالٍ للحكومة من بعض أعضائه مقابل الحظوة بترؤُّسه.[xiii] منذ ذلك الحين، راح الاتحاد يتقاعس في الدفاع عن مصالح وحقوق العمال والموظفين، بالتوازي مع انخراطه المتصاعد في صفوف أركان السلطة السياسية وتمثيله لمصالحها.

نتيجة ذلك، وكما كانت النقابات قبل الحرب تعكس السياق السياسيّ العام، وقعت النقابات في مصيدة الأحزاب الحاكمة التي راحت تتغلغل فيها عاملة بمبدأ المحاصصة الطائفيّة والسياسيّة، إضافة إلى تطويع النقابة من أجل تحقيق أهداف سياسيّة أو اقتصاديّة. بالرغم من هذه الهيمنة، ما برحت النقابات تشهد بوادر استقلال في وجه السلطة الحاكمة. ففي العقدين الأخيرين، ومع اشتداد وطأة النظام النيوليبيرالي على العمل وطبيعته، راحت تتبلور محاولات عدة لإنشاء نقابات منها مثلاً على سبيل المثال لا الحصر محاولة تأسيس نقابة عمال "سبينس" (أول محاولة إنشاء نقابة عمالية في القطاع الخاص)، والتي اصطدمت تجربتها بعلاقات زبائنية أثَّرت سلباً على قدرة العمال المبادرين إلى تأسيس النقابة على التحرك باستقلالية عن أرباب عملهم،[xiv] إضافة إلى صعوبة الحصول على موافقة مسبقة من وزارة العمل وما لها من تداعيات على العمال مقدّمي الطلب. كما أُنشئت نقابة العمال الأجانب في لبنان بدعم مباشر من نشطاء لبنانيين.[xv] ومن أهم الحراكات العمالية كان حراك "هيئة التنسيق النقابية"[xvi] الذي أسّس عملياً لحراكٍ شعبيّ تضخَّم تدريجياً مع حراك "طلعت ريحتكم" ضد أزمة النفايات (2015) وصولاً إلى انتفاضة 17 تشرين.

مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين، وهي انتفاضة ضد فساد السلطة والأحزاب الحاكمة، تعالت أصوات عدة تشكو من غياب نقابات مهنيّة أو عماليّة تلعب دوراً أساسياً في تحريك الشارع وتنظيمه، وربما دوراً أكبر في تأمين انتقال السلطة. عملياً، ومنذ تلك اللحظة راحت الانتخابات النقابية والطلابية تأخذ بعداً جديداً، خصوصاً وأنها لم تعد تعكس محاولات ومبادرات فردية، إنما أصبحت على ارتباط مباشر بحراك شعبي في الشارع يطالب بإسقاط الطبقة السياسية. وبالتالي، تحوّلت النقابات والتجمعات المهنية أو الطلابية إلى أُطُر تتجلى فيها إرهاصات التغيير المنشود وتحقيق مطالب الشارع.

القسم الثاني: "النقابات المهنية المستقلة"، في التسميات والتوقّعات

لم تحقّق "انتفاضة 17 تشرين" الكثير من المطالب المباشرة التي طرحتها في حينه مختلف مكوّنات الحراك الشعبي (منها مثلاً، مطلب إقرار قانون استقلال القضاء، أو تعيين حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائيّة، أو إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة...)، لكنها في المقابل أسّست لخطاب سياسي ورأي عام معارض للطبقة السياسية تمثل في شعار "كلن يعني كلن"، أي أن كل الأحزاب المشاركة في سلطة ما بعد الحرب مسؤولة عن الانهيار الاقتصاديّ والماليّ الذي شهده لبنان.[xvii] هذا الرأي المعارض للطبقة الحاكمة بدأ ينعكس في الانتخابات النقابية. عملياً، تبلور ذلك من خلال ثلاثة استحقاقات أساسية فازت فيها قوى الاعتراض في وجه أحزاب السلطة وهي:

  • انتخابات نقابة المحامين في بيروت، وفيها فاز النقيب الحاليّ المحامي ملحم خلف الذي أُطلِقت عليه صفة "مرشح الثورة".
  • الانتخابات الطلابيّة في الجامعات الخاصة.
  • انتخابات نقابة المهندسين.

بطبيعة الحال، تظهر نتائج الانتخابات أنها استكمالٌ طبيعيّ ومباشر لانتفاضة 17 تشرين. ويذهب البعض للقول إن هذه النتائج ستنعكس حتماً لصالح قوى المعارضة في الانتخابات النيابية التي ستجري في ربيع العام 2022، حتى وإن لم يكن الاحتمال مضموناً طبعاً. ففوز قوى الاعتراض في الانتخابات النقابية شروطه مختلفة ربما عن شروطه في الانتخابات النيابية، وهذا ما يتوقف على عوامل عدة، منها سياسية ومنها انتخابية (تحدد معالمها على ضوء السياق السياسيّ في لبنان، والموارد التي ستجند من أجل إجراء الانتخابات والحملات الانتخابية الخ). من هنا لا بد من التوقّف عند نقطة أولى تتعلق بكون النقابات التي هي قيد الدرس (النقابات المهنيّة) ليست نقابات عمالية تمثل شريحة عماليّة كبيرة، بل هي نقابات مهنية تمثل طبقة وسطى يسهل عليها ربّما أن تتحرر من النظام الحاكم، وعند نقطة ثانية ترتبط بالالتباس المحيط بمعنى الاستقلالية (أو حتى التفسيرات المتعدّدة المتعلقة بهذه الصفة) لما لها من تأثير كبير على التحالفات السياسية.

تجمعات مهنيّة ونقابات عمّاليّة

قبل التطرق إلى دور النقابات، ودورها في التغيير على الصعيد الوطني، لا بد من ملاحظة منهجيّة. ففي الواقع إنّ ما يصطلح على تسميته نقابات مهنية أو نقابات "المهن الحرة" (نقابة المحامين، المهندسين...)، هي ليست نقابات عمالية، أو ليست هي حتى نقابات. فهي من الناحية القانونيّة منشأة بموجب قانون يصوت عليه مجلس النواب، وهي لا تخضع لقانون العمل والضمان الاجتماعي، بل لها قوانينها وأنظمتها الخاصة. ومن الشروط الرئيسة لممارسة المهنة هي الانتساب إلى نقابتها، فتكون الدولة بالتالي قد تخلت عن دورها في تنظيم المهنة، "من هنا أُطْلِقَت عليها تسمية مهن حرة، أي حرّة من القانون وبالتالي من قانون العمل".[xviii] وفي الإجمال يبقى الهاجس الأساس لهذه البنى تأمين مصلحة الأفراد المنتسبين إليها في المقام الأوّل، وتحديد شروط الانتساب لحماية المهنة (مثلاً يمنع انتساب غير اللبنانيين إلى نقابة الممرضات والممرضين، وبالتالي لا يمكن للأجانب ممارسة المهنة في لبنان)[xix]

في المقابل، تخضع النقابات العمالية لقانون العمل والضمان الاجتماعي، والانتساب إليها اختياريّ، أي ينتسب إليها الأفراد طوعاً إذا أرادوا من دون أن يكون ذلك شرطاً لممارستهم المهنة. ويمكن تأسيس النقابة العمالية بناءً على طلب يتقدّم به عددٌ من الأفراد إلى وزير الوصاية، وهو في هذه الحالة وزير العمل. وهذا ما شكّل أحياناً عائقاً حال دون تأسيس نقابات عمّاليّة مستقلّة نظراً لهشاشة وضع مقدمي الطلب في الفترة بين تقديمهم الطلب ونيل الرخصة، إذ يكون بإمكان ربّ العمل فصل هؤلاء من العمل من دون أي حماية قانونيّة لهم، أو أنّه بالعكس يسهِّل من الترخيص لنقابات أشبه بوهميّة لا تمثيل حقيقيّاً لها لكنها تساهم في تأمين فوز أحزاب السلطة في انتخابات الاتحاد العمالي العام. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن العمل النقابي في لبنان مُقيَّد. فلبنان لم يوقع على اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي،[xx] ما يستوجب أن تكون كل نقابة عمالية مرخّصة من قبل وزارة الوصاية أي وزارة العمل.

إذاً، ما يصطلح على تسميته نقابات المهن الحرة ليس نقابات بالمعنى القانوني للكلمة. وهذا النوع من النقابات يمثّل شريحة معيّنة (طبقة وسطى)، وليس الطبقة العمّاليّة بشكل عام.

نقابات مستقلّة

من الشائع القول إنّ الأحزاب السياسية التقليدية سيطرت على النقابات العماليّة والمهنيّة، وهذا ما يبرر مطلب معارضي أحزاب السلطة باستعادة النقابة وتحقيق استقلاليّتها. من هنا تطرح مسألة الاستقلالية ومعناها، وكيف تطور اعتمادها تدريجياً بشكل أوصل البعض حدّ رفض هذه التسمية كلّياً في توصيف الحراك النقابي المعارض. وبحسب الناشط والصحافي بول أشقر الذي واكب وشارك في معظم الحراكات الاجتماعية المدنية أقله منذ نهاية الحرب الأهلية، فإن الاستقلالية "كلمة ملتبسة. أحياناً، تعني اليسار، وأحياناً، تعني معارضة، وأحياناً تعني ثورة، وأحياناً تعني قضايا مهنيّة حصراً".[xxi] إذاً، يمكن أن يكون لكلمة "استقلالية" عدّة دلالات، ويحدد معناها وأبعادها نظراً للظرف السياسي القائم. لكن، بالرغم من الأبعاد العدة التي تترافق ومصطلح "مستقل"، إلا أنها كانت مظلة لكل من حاول خوض الانتخابات النقابية (أو التشريعية، أو البلدية) في وجه أحزاب السلطة التي تعمل بموجب المحاصصة والزبائنية. فعلياً، تنوعت هذه الاستقلالية بين مبادرات فردية، ارتكزت في غالبيتها على الرأسمال الاجتماعي للأشخاص الذين ترشحوا إلى مراكز نقابية، مروراً بتشكل تيارات نقابية مستقلة، وصولاً إلى رفض اعتماد مصطلح "مستقلّ" في انتخابات نقابة المهندسين في العام 2021.

لقد ارتبطت الاستقلالية بمعناها الضيق بوجوه "مستقلة" أحياناً، أي بوجوه لا تنتمي إلى أحزاب سياسيّة، لكنّها تملك رأسمالاً اجتماعيّاً معيّناً، هكذا ارتبطت مثلاً استقلالية نقابة المهندسين في مرحلة ما بشخص عاصم سلام (1996 – 1999) الذي كان قد فاز في حينه برئاسة النقابة في وجه مرشح الرئيس رفيق الحريري الحامل لمشروع إعادة إعمار بيروت.

لكن يرى البعض أنّه لا بدّ من تقديم نظرة نقدية لهذه التجارب "المستقلة". فبحسب المهندسة عبير سقسوق يُعتبَر"عاصم سلام أو نقابيّو ما قبل الحرب الأهلية، جزءاً من "الخبراء" الذين ينتمون إلى طبقة اجتماعية معينة، هي أصلاً على ارتباط بالطبقة السياسية الحاكمة. وهم ساهموا في إنشاء النقابة (متأثرين بتصورات الحداثة). وقوانين النقابة التي وضعوها، لم تأتِ دائماً لصالح المجتمع عموماً، إنما لصالح النخب في الغالب. فمثلاً، إنّ فرض مرور رخص البناء بنقابة المهندسين، فكرة "تُشلِّح" الناس إمكانية ممارسات البناء التقليدي vernacular  ، وهو ما يضع هؤلاء خارج القانون. إضافة إلى ذلك، فإن قانون نقابة المهندسين نفسه لا يفرق بين مهندس موظف ومهندس رب عمل (صاحب مكتب)، وبالتالي المهندس الموظف هو في نفس خانة الشركات الكبرى لديه نفس الحقوق، إنّما الواجبات أيضاً"[xxii]، وهذه تفسيرات لا تخدم بالضرورة المجتمع، بقدر ما تخدم رؤية نخبوية لدور النقابة، وبالتالي تصبح النقابة استمرارية للنظام اللبناني وروحيّته.

هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فإنّ الاستقلالية ارتبطت أيضاً بظهور تيّارات نقابيّة مستقلّة. ففي أواخر التسعينيات تشكلت على سبيل المثال مجموعة من الفاعلين في نقابة المهندسن تبلورت لاحقاً لتخوض انتخابات نقابية عدة. الجسم هذا كان تشكل من فاعلين في الحزب الشيوعي بقرار فردي منهم وليس بقرار مركزي من قبل الحزب الشيوعي. واعتبروا في حينه مستقلّين. ثمّ أنّهم انشقوا لاحقاً عن الحزب الشيوعي، وأسسوا ما أصبح يعرف بـ"الخيار المهني المستقل" الذي خاض معارك نقابية عدة.

بالرغم من هذا الحراك النقابيّ المستقلّ، إلا أنّ الأحزاب التقليديّة التي عملتْ وفق معايير المحاصصة، كانت مسيطرة بشكل كبير، ما حال دون تشكّل جسم متكامل يخوض الانتخابات في وجهها بشكل صريح، إنما كان يتمّ تبنّي خيار دعم مرشّحين "مستقلّين"، واللعب في لحظات معينة على تناقضات الأحزاب وخياراتها في محاولة لتمرير فوز هؤلاء المرشَّحين. والتيارات هذه كانت تضم أفراداً مقربين أيضاً من الأحزاب الحاكمة[xxiii]، لكن كان لديهم تصورات مشتركة حول العمل النقابي: "فحين كانت السياسة لا تجمعهم، كانت المساحة المهنية جامعة لهؤلاء".[xxiv] نتج من ذلك عدم تبلور خطاب سياسي صريح منبثق عن الحراك النقابي والنقابات (أي النظرة إلى النظام والحياة السياسة وإعادة تموضع النقابة كلاعب أساسيّ في الحياة السياسية اللبنانية).[xxv] وبنتيجة ذلك، انحصر الخطاب ولعقود في النقابات المهنية حول أمور تتعلق أحياناً بشؤون ومكاسب المنتسبين إليها (بوالص تأمين...). لكن، بالرغم من ذلك، كانت هذه التيارات تقدِّم ضمنياً خطاباً سياسيّاً ولو خجولاً يُخضع للنقد تجربة الأحزاب، سواء داخل النقابة أو على الساحة الوطنية بشكل عام (مثلاً، كانت انتخابات نقابة المحامين تشهد نقاشات حول الحريات العامة وحقوق الإنسان في ظل الوصاية السورية على لبنان).

في العام 2015، ونتيجة أزمة النفايات في لبنان، انطلق حراكٌ شعبيّ شبابيّ (طلعت ريحتكم) انتقد بشكل صريح فساد الطبقة الحاكمة وحمّلها ليس فقط المسؤولية عن أزمة النفايات، إنما أيضاً مسؤولية الفساد المستشري في البلد بشكل عام. وقد جدّد هذا الحراك الحديث عن ضرورة تشكيل استعادة المؤسسات التمثيليّة عبر الانتخابات من أجل تحقيق التغيير المنشود وانتقال الاحتجاجات من الشارع إلى المؤسَّسات. تشكل على أثرها مجموعات مختلفة تمثل روحية الاعتراض، منها "بيروت مدينتي"، وهي كانت تضم عناصر من طبقة وُسطى مثقفة منهم أساتذة جامعيّون وتقنيّون وخبراء كان لهم رأيهم في المدينة، إضافة إلى مبادرات أخرى كـ"مواطنون ومواطنات"، أو "بعلبك مدينتي...". خاضت هذه المبادرات الانتخابات البلدية (2016) واستطاعت "بيروت مدينتي" تحقيق نتيجة ممتازة في انتخابات بلدية بيروت، إذ كادت أن تخرق اللائحة المقابلة والمدعومة من الرئيس سعد الحريري. كانت التجربة مشجّعة بالنسبة إلى الكثير من الأشخاص الذين يدورون في فلك قوى الاعتراض، وهذا ما تبلور تدريجياً في انتخابات النقابات وخصوصاً نقابة المهندسين.

ومع حراك الشارع الذي أصبح يتبلور تدريجياً في وجه أحزاب السلطة مجتمعةً، أصبحت الاستقلالية تعني استقلالية عن مفهوم المحاصصة السياسية والطائفية والتحرّر من علاقات الزبائنية. والاستقلالية هذه لم تكن في بداية الأمر تعني المعارضة المطلقة للنظام وأحزابه. فالإشكالية المتعلقة بالاستقلالية سبق أنْ طُرِحت على طاولة البحث في انتخابات نقابة المهندسين في العام 2018، ما دفع بالمرشح جاد تابت إلى عدم رفض الأحزاب والمهندسين المنتسبين إليها، إنما إلى "الطلب منهم حمل رسالة المهندس إلى أحزابهم وليس رسالة الأحزاب إلى النقابات"[xxvi] كشرط للانتهاء من المحاصصة وتعبيراً عن استقلالية النقابة. وهذا ما أسّس لخطاب لاحق يطالب بـ"نقابة مستقلة عن منطق المحاصصة"، أي تحرير المراكز الأساسية في مجلس النقابة ومجالس المندوبين من مفهوم المحاصصة الحزبية والطائفية. كما ظهر خطاب صريح يتعلق بضرورة مكافحة الهدر الهائل في أموال النقابة (نظام الاستشفاء...)، ووجوب فصل المهنة عن الشبكات الزبائينة (إعطاء الرخص...): "إذاً، الاستقلالية هي عمل لصالح كل المهندسين وليس لمصلحة الأحزاب والاستفادة من النقابة خدمةً لمصالحهم (المؤتمرات، والأراضي التي تشتريها النقابة، ومن يكلف بالإعمار وهو مرتبط بالأحزاب الخ)".[xxvii]

أخيراً، مع تبلور حراك 17 تشرين في مجموعات سياسيّة حزبيّة لها خطاب وبرامج واضحة، تحوّلت معاني الاستقلالية بشكل جعل بعض هؤلاء يرفض كلّياً استعمال مصطلح "مستقلّ" لتوصيف عمله السياسيّ والنقابويّ: "نحن لسنا مستقلّين، نحن منحازون إلى 17 تشرين" أي أنّ هؤلاء ينتمون إلى قوى 17 تشرين، وهذا ما ينفي، بالنسبة لبعض النشطاء، صوابية عنوان "المستقلّين" الذي راحت تعتمده بعض الأحزاب المقرّبة من النظام السياسي. فخطاب الاستقلالية "كان وسيكون مطية لقوى المنظومة للتسلّل إلى الجو التغييري بأحصنة طروادة نقابيّة وسياسيّة".[xxviii] من هنا ضرورة رفضه بشكل يقطع الطريق أمام الأحزاب والقوى التقليدية "لركوب موجة الانتفاضة"، كما هو شائع القول.

القسم الثالث: تجربة نقابة المهندسين، من "نقابتي" إلى "النقابة تنتفض"

تأسست نقابة المهندسين في العام 1951 على يد مهندسين منتمين إلى نفس الطبقة الاجتماعية ومن المسار التعليميّ نفسه، وبحكم هذه "النخبوية" تمتّعوا بشكل أو بآخر باستقلاليّة معينة عن الطبقة السياسيّة بالرغم من قربهم منها بحكم العلاقات الاجتماعية أو حتى العائلية.[xxix] لكن راحت أحزاب السلطة تسيطر على نقابة المهندسين تدريجيّاً، كما فعلت مع غيرها من النقابات المهنيّة والعمّاليّة في لبنان، فتحولت هذه النقابة مع الوقت إلى نقابة "خدماتيّة" تساهم في تعزيز الزبائنيّة والتبعيّة لقوى السلطة، وتلعب دوراً مهمّاً في خدمة الاقتصاد الريعيّ وتأمين ربح وافر لرؤوس الأموال من خلال تسهيل عمل المقاولين (رخص بناء واقتصار دور النقابة إلى حدٍّ كبير على "الكوميسيونات"، ولعب دور كبير في تأمين أفضل العروضات للتغطية الصحية ...).[xxx] ومعها "تبدلــت 'القاعــدة النخبويــة' للنقابة باتجــاه 'القاعــدة السياســية'... وأصبحــت الأحــزاب والطوائــف تتحكــم بالســاحة والبنيــان النقابــي"[xxxi]. لكن في مقابل ذلك، لم تكن سيطرة الأحزاب الطائفيّة والزبائنيّة والتي تعمل بمبدأ المحاصصة، سيطرة مطلقة على النقابة، إذ شهدت الانتخابات المتتالية، كما ذُكِر سابقاً، ظهور لاعبين أو مجموعات مستقلّة حاولت إلى حد بعيد انقاذ النقابة من المحاصصة وفساد السلطة الحاكمة. إلا أنّ هذه المحاولات، بالرغم من وجودها، ظلَّت دائماً محصورة في جوّ سياسي معارض قوامه رأس مال اجتماعي لبعض الأفراد المستقلين أو مجموعات مستقلة بعض الشيء عن أحزابها. كما وكانت هذه التجارب منفصلةً عملياً عن أي حراك شعبي في الشارع. فأول انتخابات نقابية هندسيّة على ارتباط مباشر بحراك الشارع كانت في العام 2017، حيث فازت القوى المستقلّة مع حملة "نقابتي" بمركز النقيب فقط، قبل أن تسجل فوزاً ساحقاً في مجالس المندوبين ومجلس النقابة مع "النقابة تنتفض" في العام 2021.

 "نقابتي للمهندس والمهندسة": تجربة بنجاح جزئي

كان أول استحقاق انتخابيّ نقابيّ للمهندسين مرتبطاً فعلياً، وبشكل مباشر أو غير مباشر، بالحراك الشعبي هو استحقاق انتخاب النقيب في العام 2017، والذي أتى بعد حراك "طلعت ريحتكم" (2015) والانتخابات البلدية (2016). ففي العام 2017، تشكل جسم جديد عرف بـ"نقابتي" (قبل أن يصبح "نقابتي للمهندسة والمهندس" في إضافة تعيد الاعتبار إلى الجندرة). "نقابتي" هذه تشكلت من مهندسين مخضرمين خاضوا الانتخابات سابقاً منهم مثلاً بشار عبد الصمد، حبيب صادق، وهم من "الخيار النقابي المستقل"، ومن أعضاء حملة "بيروت مدينتي"، إضافة إلى مجموعة أخرى من الأكادييمن والناشطين المستقلين خصوصاً من فئة الشباب. والمجوعات الشبابيّة هذه أدخلت ديناميكيّة معيّنة من خلال عملها في المناطق عبر تنظيم لقاءات موسّعة، كانت بمكان ما وبطبيعة الحال ذات بعدٍ ليس نقابياً وحسب، انما سياسي أيضاً في مواجهة نفوذ وسيطرة القيادات التقليديّة. وبالتالي، شكلت "نقابتي" فرصة ليجتمع أفراد من أجيال متعددة ويطوروا برنامجاً للحملة (مخضرمون ونشطاء شباب برز دورهم في الحراك الشعبي).[xxxii] من هنا يمكن اعتبار "نقابتي" نِتاج سنوات من العمل المتراكم من أجل تحقيق استقلاليّة النقابة عن أحزاب المحاصصة وإعادة الاعتبار إلى مهنة "المعمار" بعيداً من الدور الذي فصل النقابة تدريجياً عن شؤون المجتمع. وفي العام 2017 ترشح إلى موقع النقيب المهندس جاد تابت الذي رأس لائحة "نقابتي" تحت شعار "استعادة الإرث النقابي لبناء المجتمع والدولة"، بعد أن تحوّل دورها إلى "تسجيل معاملات البناء والوساطة بين المهندس وشركة التأمين"[xxxiii]. وبالتالي، كانت تجربة "نقابتي" محاولة من أجل إعادة الاعتبار إلى مهنة المعماري، والإقرار بالدور الاجتماعي للمهنة. فاز جاد تابت في الانتخابات ممثلاً لائحة "نقابتي" (أو المستقلّين)، بعد منافسة حادة مع مرشح التيار الوطني الحر بول نجم الذي ترأس لائحة ائتلافية ضمّت "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" و"حركة أمل" و"القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل".[xxxiv] لكن لم تفز لائحة "نقابتي" بكامل أعضائها، بل فازت لائحة الأحزاب بأعضاء مجلس النقابة. وهذا ما أوصل مجلساً نقابيّاً ليس بالضرورة متجانساً مع نقيبه، ما أمّن لاحقاً وإلى حد كبير مصالح الأحزاب التقليدية من خلال عضوية النقابة.

واجهت "نقابتي" تحدّيات عدّة أهمها أنها كانت عبارة عن تحالفٍ انتخابيّ تشكّل بعد شهرين من الجهود فقط، يعمل بأدنى قاسم مشترك بين الأعضاء تحت شعار محاربة فساد السلطة وضرورة الفوز بالانتخابات النقابية. فبحسب أحد المهندسين الناشطين في الحملة إن "الأشخاص الذين أداروا الحملة كانوا في موقع القرار وبقيت القرارات مغلقة، ولم تكن تشاركية ومن دون تشكيل لجان للعمل على قضايا معينة. فبقي القرار بيد النخبة التي أسست "نقابتي" وخاضت الانتخابات...".[xxxv] وهذا ما مهد إلى الانفصال لاحقاً، أي بعد الانتخابات، بين القاعدة والنخب. ولم يكن هذا الانفصال بالضرورة انفصالاً سياسياً عقائدياً بالدرجة الأولى، إنما يعود بحسب أعضاء نقابتي إلى عوامل "جيليّة"، إذ تركّز القرار في يد "الجيل المخضرم"، ولم تستطع "نقابتي" من استيعاب جيل الشباب الذي كان مندفعاً للعمل وأحياناً بروح راديكالية تماشياً مع تنامي نَفَس الشارع الغاضب في وجه السلطة الحاكمة[xxxvi]. فقد حاول بعض النشطاء الشباب وضع هيكليات غير مركزية للعمل، لكنها لم تلقَ تجاوباً من القيادة. هذا ما عكس رؤية العمل في "نقابتي" بين "جيل مخضرم يتمتع بالخبرة" وبين جيل شاب متحمِّس لكن لا خبرة له. ويرى أحدهم أنّه بالنسبة للنخب المخضرمة اقتصر دور "الشباب على المساندة واكتساب الخبرة فقط". كانت "نقابتي" إذن تحالفاً انتخابياً ولم تكن تنظيماً مهنيّاً أو سياسيّاً له خياراته الواضحة. وبالرغم من المحاولات المتكرّرة من أجل بلورة وجهة سياسية، إلا أن النقاشات كانت دائماً تفتقر إلى الشق الاقتصادي أو حتى السياسي بشكل عام. وبحسب أحد الأعضاء الفاعلين فيها، كان "القاسم المشترك بيننا أننا من قوى الاعتراض ولم نبلور وجهة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، ولم يكن لدينا نظام داخلي، وبقيت في إطار تنسيق يضم الافراد".[xxxvii] كان من البديهي إذاً أن يؤثر ذلك سلباً على عمل "نقابتي" بعد الفوز برئاسة النقابة. ففي رأي بعض النشطاء أنّ آلية اتخاذ القرارات كانت عاجزة عن إشراك أكبر عدد من المهندسين من قوى الاعتراض، لا بل  تم "الحرص على المحافظة على مركزية القرارات بيد 7 أو 8 أشخاص. وبالتالي أُقصيت "نقابتي" كمجموعة لاحقاً عن المشاركة في العمل النقابي".[xxxviii] فعلياً، وبالرغم من الفوز في الانتخابات، لم تتمكّن "نقابتي" من بلورة آليات واضحة لاتخاذ القرارات فـ"كانت ائتلافاً مبهماً من دون قول ذلك"، بحسب أحد الفاعلين في "نقابتي" (الحملة)، و"تم التخلي عن "نقابتي" لحظة الفوز برئاسة النقابة. ساهم ذلك في انكفاء عدد كبير من المهندسين الشباب، ووقع شرخٌ، معلَن أو غير معلن، بين بعض النشطاء الفاعلين والنقيب، وبالتالي بين النشطاء والنقابة، في حين أنهم كانوا يعملون ويجهدون لوضع النقابة في صلب العمل السياسي المستقلّ. لم تكن تجربة "نقابتي" ايجابية بالنسبة إلى المهندسين ممّن هم في أجواء الاعتراض، وأُحْبِط الكثير منهم تحديداً بسبب "المهادنة على المعارك في نقابة المهندسين، وهي أدت بشكل مباشر إلى مهادنة أحزاب المنظومة وعدم القدرة على المواجهة..."[xxxix]. هذا الاختلاف أدى لاحقاً إلى شرخ في "نقابتي" لحظة اندلاع انتفاضة 17 تشرين. حينها، طالب بعض المهندسين النقيب جاد تابت بأن يعلن موقفاً صريحاً إلى جانب الثورة بشكل يعكس دوراً مرجواً للنقابة في الحراك الشعبي والانتقال إلى السلطة. لم يستجب تابت لهذه الأصوات، بالرغم من محاولة البعض التظاهر احتجاجاً على هذا الاعتكاف والمطالبة بتسكير أبواب النقابة حينها. ومع تطور الحراك الشعبي، وبلورة محاولة إنشاء "تجمع مهنيّون ومهنيّات"، قرر الكثير من المنضوين سابقاً في "نقابني" الانضواء في تجمّع "مهنيّون ومهنيّات – هندسة"، ما أدّى إلى تفريغ "نقابتي" من أعضائها باستثناء المقرّبين من النقيب تابت.

"النقابة تنتفض": نموذجاً؟

مما لا شك فيه أنّ "انتفاضة 17 تشرين" شكّلت لحظة أمل عند الكثيرين من أجل استعادة السياسة والمبادرة إلى التغيير، ومن ضمنها تخليص النقابات من سيطرة أحزاب المحاصصة واستعادتها. أولى الانتخابات غداة انتفاضة 17 تشرين كانت انتخابات نقابة المحامين التي فاز فيها النقيب الحالي ملحم خلف (أُطلِق عليه إسم "نقيب الثورة"). هذا ما أعطى زخماً لمن فقد الأمل في العمل النقابي، فانعكس ذلك مباشرة على المهندسين من قوى الاعتراض، خصوصاً وأن الانتخابات النقابية كانت معينة في آذار العام 2019، أي بعد 4 أشهر من انطلاق الانتفاضة الشعبية. بالنسبة للنشطاء الفاعلين من المهندسين "فرضــت ثــورة 17 تشــرين طابعهــا اللامركــزيّ والتشــاركيّ، فقلبــت الطاولــة علــى العمــل النقابــيّ الكلاســيكيّ للقــوى النقابيــة والأحــزاب المركزيــة".[xl] إذن كان التفكير متمحوراً حول ضرورة تحقيق مطالب الانتفاضة من جهة، وضرورة التحضير للانتخابات النقابيّة من جهة أخرى. في هذا الجو انضوى الكثير من النشطاء المهندسين تحت راية "تجمُّع مهنيّون ومهنيّات" (وهو كان في حينه تجمعاً قيد التشكُّل يراد منه مواكبة حراك الشارع)، وهم شكلوا ما أصبح يعرف بـ"مهنيات ومهنيون  – هندسة". مما لا شك فيه شكلت الانتخابات النقابية هدفاً أساسياً لـ"مهنيّات ومهنيّون – هندسة" الذي ضمّ أحزاباً ومجموعات من قوى الاعتراض لا تتفق بالضرورة على كلّ العناوين السياسية، إنما تتفق على ضرورة التخلص من أحزاب السلطة (مجموعة "لِحَقِّي"، الحزب الشيوعي، مواطنون ومواطنات). وهي كانت تعمل أيضاً على قاعدة الحدّ الأدنى المشترك، وبالتالي طغى الطابع الانتخابي على الطابع المطلبي بحكم الانتخابات القريية وقتها. من هنا تمّ تشكيل لجنة علاقات خارجية (مؤلَّفة من بشار عبد الصمد، علي درويش، عماد عامر، وعبير سقسوق). زارت اللجنة الأحزاب المعارضة، وبحسب أحد أعضائها "بعد الجولة استوعبنا أنّ الاحزاب لا تريد هذا الإطار"[xli] (لأسباب عدة منها عدم توحد الرؤية السياسية والأهداف). من هنا نشأت فكرة إنشاء ائتلاف يسمى "النقابة تنتفض"، وهو يضم إلى جانب مهنيات ومهنيون - هندسة، أحزاباً ومجموعات قيد التشكّل وهي مقربة من 17 تشرين (الحزب الشيوعي، عامية 17 تشرين، مواطنون، ثوار جل الديب...الخ). لحظتها كان الحراك النقابي مشتَّتاً. ففي ظرف سنة تواجدت، وفي آن واحد، ثلاث مجموعات أساسية: "نقابتي"، "النقابة تنتفض"، و"مهنيّون ومهنيات – هندسة". لكن بعد إنشاء "النقابة تنتفض"، وبعد اغتراب ما تبقى من "نقابتي"، أصبح "مهنيّون ومهنيات – هندسة" إطاراً فارغاً لأنه أصلاً لم يكن إطاراً جامعاً، ولم يتوخَّ أكثر من دعم الانتفاضة. وتحولت النقابة تنتفض إلى إطار انتخابي، سيخوض الانتخابات لاحقاً وينتصر. فـ"النقابة تنتفض" كانت وليدة لحظة اختلاف وتلبية لضرورة إيجاد جسم موحَّد يقرِّب وجهات النظر "بيـن مختلـف المجموعــات لخــوض الاســتحقاق بشــكل موحَّــد فبــادرت ... "مهنيــات ومهنييــن-هندســة" إلى جمــع غالــبية المكونــات التــي ارتبطــت بانتفاضة 17 تشــرين ولهــا اهتمــام أو عالقـة بالنضـال النقابـي، ونتـج مـن ذلـك ائتـلاف مفتــوح يضــم أكثــر مــن 17 مجموعــة متنــوّعة".[xlii]

اتَّسم أول ارهاصات النقاشات، سواء أكان في "مهنيات ومهنيون – هندسة" أم في "النقابة تنتفض"، بالديمقراطية، لكن النزعة الحزبيّة كانت واضحة حينها، وكاد أن "يتحول الائتلاف إلى كانتونات حزبية، إذ حمل الجسم أيضاً الفروقات الأساسية بين الأحزاب المعارضة". وبالتالي نشأت الخلافات بشكل عكس الانقسامات الفكرية الحزبية في ما يتعلق بدور الانتفاضة. أحد أهم الخلافات مثلاً كانت حول الارتباط بين المهنيّ والسياسيّ. هل كان المطلوب مثلاً الاستفادة من هذه اللحظة من أجل التركيز فقط على النهوض بالمهنة ودورها الاجتماعي، أو حصراً الاستفادة من هذا الإطار كاستكمال للحراك الشعبي القائم على الأرض والمطالبة باستلام السلطة. هذا ما أدى مثلاً إلى تحييد بعض المعماريين حينها من الذين يحاولون الدفاع عن المدينة والعيش فيها بحجة انهم مقربون من بعض أحزاب السلطة. وفعلاً جرى في بداية الأمر تهميش بعض المعماريّين الغصلاحيّين من "النقابة تنتفض" فقط لأنهم مقربون من أحزاب السلطة الحاكمة. من هنا وقع الفصل "بين مهندس "ثوريّ" ومهندس "غير ثوري". إذن أصبحت "النقابة تنتفض" في مكانٍ ما انعكاساً للثورة، وهي بدل أن توحد الجهود نقابياً، تحولت إلى ميدان معركة سياسية أيضاً تفرز بين ثوري وغير ثوري، وقد تمثل ذلك في لحظتها في صعوبة توفر جو ملائم للنقاشات متعلق بقضايا النقابة "اذ اقتصرت الموضوعات على مسألة محاربة النظام" و"غُيِّبت نقاشات أخرى تتمحور حول دور النقابة في المجتمع".[xliii]

لكن، لا بد من القول إنه وبالرغم من هذه التحدّيات التي تعكس السياق السياسيّ في حينه في البلاد، إلّا أن التجربة اتسمت بالشفافية منذ اللحظة الأولى. فعلياً، وعلى عكس ما أفضت إليه تجربة "نقابتي" التي انتهت بمركزية معينة متمحورة حول اسم النقيب تابت، اتّسم العمل في "النقابة تنتفض" بروح العمل التشاركيّ والديمقراطي واللامركزي. على سبيل المثال لا الحصر، جرى التصويت على اختيار اسم الائتلاف من بين اقتراحات عدة لاستطلاع خيار القوى المشاركة فيه.  ففاز خيار  اسم "النقابة تنتفض" الذي يعكس بشكلٍ واضح التواؤم بين انتفاضة 17 تشرين والائتلاف.[xliv] إضافة إلى ذلك تشكّلت لجان مختلفة منها مثلاً، لجنــة اختيــار المرشــحين/ات والتــي تعمــل علــى وضــع أطــر لإجراء مناظــرات علنيــّة بيــن المرشــحين/ات المســتقلين/ات وإعطــاء فرصــة متســاوية ومعاييــر موحــدة لاختيار الأنســب وبالتالــي إنجــاز مــا يشــبه الانتخابات التمهيديــة.[xlv] وبالرغم من التحدّيات والخلافات الكبيرة في الأشهر الأولى، إلإ أن تأجيل الانتخابات النقابية لسبع مرات متتالية بشكل غير قانوني (ظاهرياً أُجِّلت الانتخابات بحجة جائحة كورونا، أما في الواقع فإن الأحزاب الحاكمة أرادت بالتأجيل كسب الوقت خوفاً من خسارتها)، قدم خدمة لـ"النقابة تنتفض"، إذ توفّر لها الوقت الكافي لكي تنظّم صفوفها. ففي خلال هذه الفترة انتظمت "النقابة تنتفض" وثابرت على العمل والتواصل مع المهندسين وعلى المشاركة في تطوير برنامج يضع النقابة في صلب الدفاع عن قضايا المجتمع. ففي العام 2019، فاز عارف ياسين برئاسة النقابة وهو "الرجل الذي أتى من تحت"[xlvi] (على عكس من كان يفوز سابقاً إما لانتمائه إلى طبقة اجتماعية معينة وله رأسمال اجتماعيّ ومهنيّ، وإما بسبب قربه من الأحزاب الحاكمة). وهذا ما اعتبر انتصاراً مستمداً مباشرة من روحيّة انتفاضة 17 تشرين، ودليلاً على العمل التراكمي على الأرض. كما شكل هذا الانتصار قطيعة مع ذهنية المحاصصة الطائفية. فلسنوات اعتبر تيار المستقبل أنه هو من يسمّي النقيب. أما النقيب الذي فاز فكان مقرّباً من الحزب الشيوعي، وهو من الطائفة الشيعية لكنه النقيب الأول في لبنان الذي شطب قيده الطائفي من سجلات الأحوال الشخصية. من هنا اعتمدت السلطة على اتهام عارف ياسين بأنه شيوعي (في حين أنه ترشَّح منفرداً في معظم الأحيان واتخذ مواقفَ معادية للحزب الشيوعي).[xlvii] إضافة إلى ذلك سجلت "النقابة تنتفض" تجربة فريدة من نوعها في المشهد الانتخابيّ في لبنان، بدأت في الحقيقة من خلال وضع آلية محدَّدة لاختيار المرشحين بدأت مع حملة "بيروت مدينتي" البلدية،[xlviii] وهي مناظرة علنية لاختيار من يمثلها على مرشح النقيب. لكن، يسجل في المقابل غياب أي مرشحة أنثى على الموقع بالرغم من أن القاعدة تعكس إلى حد كبير هذا التنوع الجندري.  كما أن البرنامج وضع بشكل تشاركي وديمقراطي ويعكس روحية 17 تشرين. فلجنة البرنامج زارت المناطق من أجل استبيان آراء المهندسين وإجراء لقاءات مناطقيّة من أجل تطوير برنامج يعكس رؤى المهندسين والمهندسات.[xlix] وعلى عكس التجربة السابقة، كان تحول صراع الأجيال إلى تبادل الخبرات بين الجيلين، جيل الخبرة وجيل الشباب الذي يمثل روحية الثورة. هذا ما ساهم إلى حد كبير في الانتظام العام لـ"النقابة تنتفض".  يشار في هذا السياق إلى أنّ البرنامج لم يقتصر فقط على تنظيم المهنة كما حصل في السابق، إنما تخطّاه لوضع النقابة كفاعل محوريّ في المجتمع. فالنقطتان الأولى والثانية في البرنامج، أي الأولويات كما ظهرت، تطالب بدور فعّال للنقابة مقترحتَيْن أنْ "تطرح الحلول وتعمل مع سائر النقابات للضغط في قضایا الشأن العام"، وأن "تكون النقابة خط الدفاع الأول عن المجتمع".

عمليّاً تموضعت "النقابة تنتفض" من خلال هذا البرنامج، وبشكل صريح، على خطّ مناقض تماماً للنظام الحاكم، كما يتبيَّن ممّا تضمنه الشريط الترويجيّ لحملتها الانتخابيّة والواضح في الجدول أدناه:

جدول 1: مضمن أحد الفيديوهات الترويجية للنقابة تنتفض

نحن (النقابة تنتفض) هني (السلطة)
ائتلاف من رحم الثورة منظومة من أحزاب السلطة
الانتخابات وسيلة لتحقيق التغيير من الداخل الانتخابات وسيلة تسجيل نقاط
ائتلاف يبني عمله من خلال البحث والتّشاركية والديمقراطية والشفافية مجموعات تعمل وفق برنامج الزعيم وتحالفاته
لإجراء الانتخابات بمواعيدها ولاجراء التغيير بأسرع وقت لتعطيل الانتخابات لحين إتمام محاصصتهم
مرشّحونا وفق معايير ومناظرات علنية مرشّحوهم وفق صفقات اللحظة الأخيرة

وفي حين شكل هذا الفوز انتصاراً صريحاً لـ"انتفاضة 17 تشرين"، إلا أنه أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة التحالفات الانتخابية النقابية. فـ"النقابة تنتفض"، كما تعرّف عن نفسها تضمّ 23 مجموعةً ولدت بعد "17 تشرين"،[l] وهي تحالفت مع "جبهة المعارضة اللبنانية"[li] التي تضمّ أحزاباً يعتبرها البعض جزءاً مما يسمى "المنظومة السياسية" (كحزب الكتائب اللبنانية، وحركة الاستقلال...). وفعلاً، عند تشكيل اللوائح، وقع نقاشٌ حادّ أثاره البعض ممّن رفضوا الموافقة على التحالف مع هؤلاء. أدّت النقاشات والمفاوضات إلى الاتفاق على عدم ترشيح هذه الأحزاب أيَّ شخص له صفة حزبية ويمثلها، بهدف تثبيت مبدأ الشفافية وإحداث تغيير ديموقراطي سلميّ داخل النقابة.[lii]

القسم الرابع: تجمع مهنيون ومهنيات - أساتذة: استحالة التنظيم؟

غداة 17 تشرين 2019، تاريخ انطلاقة الانتفاضة الشعبيّة في لبنان، انبرى الكثير من الأشخاص، وبمبادرة فردية منهم، إلى الاجتماع بهدف تشكيل ما أصبح يعرف لاحقاً بـ"تجمُّع مهنيّون ومهنيّات"، وهو إطار جامع مستقل يضم الكثير من ممثّلي المهن الحرّة، والقطاعات منها مثلاً: الهندسة والطبّ وأساتذة جامعيّون وصحافيّون وعاملون وعاملات في مجال الفنّ إلخ. بدأت الفكرة تتبلور عبر مجموعة "واتس أب" بناءً على "حركة علاقات شخصية، وأفراد عملوا من قبل في المجال ولهم تجارب سابقة... فصار كل فرد وبحسب مهنته يتحدّث مع مجموعة... فتشكلت مجموعات صغيرة أولاً ثم تنامت لاحقاً".[liii] تجربة السودان كانت المرجع التنظيمي للمبادرين. وفي الفترة نفسها، كان قام في موازاة ذلك حراكٌ وسط بعض أساتذة الجامعات (الخاصة والرسمية)، دعوا فيه إلى تظاهرة. وبالرغم من أن المجموعتين لم تكونا على تواصل في البداية، إلا أنه جرى الاتّصال من أجل التنسيق. والتقت المجموعتان في اجتماع أول في "ساحة اللعازارية" ضمّ حوالى خمسين شخصاً من أطباء وأساتذة جامعات وفنانين، الخ. واتفق على اعتماد اسم "تجمع مهنيّون ومهنيّات" الذي ضم أفراداً مستقلين عن أي أطر حزبية إلى جانب آخرين لديهم انتماءات حزبية واضحة (الحزب الشيوعي، مجموعة لحقّي، مواطنون ومواطنات...).

والتجمّع هو تجمّعٌ مفتوح يضمّ أفراداً من المهن الحرة إلى جانب قطاعات العمل الأخرى. ولم يكن للتجمع أهدافٌ واضحة في بداية الأمر، لكنّه عمل على وضع الصّراع في خانة الطبيعة الاجتماعية وليس فقط من خلال الهويات الأوليّة (الطائفية، المناطقية...)، أو على تحرير النقابات والروابط والتجمعات المهنية من هيمنة السلطة التي تحكمت بها غداة انتهاء الحرب الأهلية، إضافة إلى دعم الانتفاضة ومطالبها.[liv] لكن هذه الأهداف بقيت عامة، تختلف بين حين وآخر بحسب اختلاف السياق العام، وحسب النقاشات التي جرت لاحقاً مع تبلور فكرة التجمع أكثر وأكثر.

ومع أنّ القاسم المشترك كان العمل على إنشاء جسمٍ خاص لا يتبع أيّاً من الأحزاب السياسية، إلا أن النقاشات كانت شائكة وأهمها كان الجدل الناشب حول الأبعاد السياسيّة والأخرى المطلبيّة. انطلاقاً من هذه الإشكالية، انقسمت النقاشات بين من يريد الاستفادة من هذه المنصة وتحويلها جسماً سياسيّاً (حزباً سياسيّاً) يلعب دوراً على الصعيد الوطنيّ، ومَنْ يريد تفعيل النقابات المهنية واستعادتها من الأحزاب الحاكمة، أو من يرى في التجمع جسماً من أجل دعم الحراك الشعبي على الأرض. ونتج من ذلك أسئلة عدة منها مثلاً: هل الهدف دعم مطالب الشارع فقط، أو استلام السلطة؟ هل الهدف إسقاط النظام أو محاورة النظام من أجل تحقيق المطالب؟ هل الهدف إنشاء نقابات بديلة موازية للنقابات الموجودة، أو استعادة النقابات المسيطر عليها مِنْ أحزاب السلطة؟[lv] وبذلك بدأ التشتّت ينعكس تدريجيّاً في البيانات اللاحقة، بحيث عكست أحياناً طابعاً "خفّف من المطالب، نظراً لغموض الرؤية، ووضع توجّهات أخرى عامة لها علاقات بالديموقراطية، والعلمانية...".[lvi] بطبيعة الحال، انعكست كل هذه النقاشات في مختلف البنى ومنها على سبيل المثال، تجمع مهنيون ومهنيات – أساتذة.

مهنيون ومهنيات – أساتذة

مع بداية الحراك نشط عددٌ كبير من أساتذة الجامعات الخاصة والرسميّة مواكبة لحراك الشارع. وكانت نقطة التلاقي الأولى عبر إنشاء مجموعات "واتساب" مفتوحة بناء على دعوات شخصيّة. تكوّنت المجموعة وقرّر أعضاؤها النزول إلى الشارع ليس بصفة شخصية، إنما تحت شعار "أساتذة الجامعات تنتفض"، فدعوا إلى تظاهرة بتاريخ 23 تشرين الأول 2019 في ساحة رياض الصلح،[lvii] رفعت فيها شعارات تشير إلى دور التجمّع التكامليّ مع المجتمع: "نحن أساتذة جامعيون مع طلابنا متحدين... بدنا شبابنا تتعلم والوظائف تتأمن جوا بلدنا مش برّا". وأصدروا بياناً جاء فيه: "نحن مجموعة مستقلة من أساتذة الجامعات في لبنان، تداعينا اليوم إلى اعتصام بالقرب من ساحة الشهداء وشكلنا تجمّعاً لمواكبة الثورة الشعبية، والهدف من هذا التجمع هو تنظيم أنفسنا في مواقع عملنا الأكاديمية لرفع مطالبنا التربويّة ولتنسيق تحرّكاتنا. سقف هذا التجمع مهنيّ، نترك الاقتراحات السياسية لمجموعات أخرى في الشارع. نحن نعمل لاستعادة مساحتنا للتنظيم المهني".[lviii] في البداية كان الحماس كبيراً وعكس اقتناعاً مهمّاً وجدّياً بضرورة التنظيم على أساس المهنة في مكان العمل (أي الجامعات)، لكن انحرفت النقاشات لاحقاً وتعقّدت وصارت موضع إشكاليّة، فتحوّلت الخلافات السياسيّة أحياناً إلى خلافاتٍ شخصية، وبرز خلاف حول هوية المبادرين. العبرة الأهمّ من هذه التجربة تتعلق بالجهوزيّة وبالقدرة على التنظيم، خصوصاً أن محاولات إنشاء تنظيم للأستاذة، سارت في موازاة حراك الشارع، وجاءت بالتالي انعكاساً له، أكثر من كونها مبادرة لتنظيم الشارع. كما طرح الكثير من الإشكاليات التي تترافق مع تشكيل جسم مهنيّ جديد.

السياق العام: التظيم "السياسي" أو "المهني" بموازاة حراك الشارع

أبرز التحديات التي واجهت عملية التنظيم تتعلق بالسياق العام الذي يؤطر العمل. فعملياً كان من غير الممكن أبداً عزل التأثيرات الخارجيّة (سياسيّة أو اقتصاديّة). وبطبيعة الحال تعلّقت الإشكالية الأولى بجدليّة السياسيّ - المهنيّ. لا يخفى أن البعض كان يريد البناء على الديناميكيّة التنظيميّة من أجل تحويل المنصّة المهنيّة منصَّةً سياسيّةً يصار من خلالها إلى طرح عناوين سياسيّة وتتحوّل ربما "حزباً سياسيّاً" منظّماً، بينما اعتبر البعض الآخر أنّ هذه الديناميكية مضرة بأهداف العمل، إذ إن الهدف يجب أن يبقى محصوراً بتحسين مطالب الأساتذة وأوضاعهم المهنيّة. بمعنى آخر، كان الهدف تحويلها إلى ما يشبه " نقابة" تمثل الجسم التعليميّ في لبنان وتحمل مطالب تتعلق بهذا الجسم بشكل خاص.

ممّا لا شك فيه أنّ العناوين السياسيّة المطروحة في حينه كانت تعكس روحيّة الثورة، وهذا ما ساهم في مكانٍ ما في انقسام المهتمّين في إنشاء تجمع للأساتذة، إذ أصبحت السياسة عاملاً مقسِّماً أكثر منه جامعاً. تعددت النقاشات واتخذت أبعاداً كثيرة. أحياناً، راح بعض الأساتذة من أوساط معينة (فكريّة أو حزبية) يتهمون من يريد تأسيس نقابة بأنه ينتمي إلى "اليسار"، وهو بالتالي يسعى في لحظة كهذه إلى ضرب "غنى لبنان المتمثل بالنظام الليبيرالي الاقتصادي"، أي هم سارعوا إلى المزاوجة بين النقابة واليسار كما يتبيّن، ودعا هؤلاء إلى الابتعاد عن فكرة النقابة تماماً. كذلك، حاول البعض الآخر تحويل المنصة إلى طابع عام ينحصر دورها في دعم الثورة، كون الاساتذة هم "عقل الثورة" ومهمتهم تقوم على تقديم الدعم للثوار على الأرض. وهذا ما رفضه البعض على اعتبار أنّه ليس "نخبوياً" وحسب، بل يمثِّل أيضاً "ثورةً مضادّة"، لأن الحراك الشعبيّ كان يرفض في حينه أي تمثيل قياديّ له.[lix]

كان لا بدّ للسياسة بشقها الوطنيّ من أن تُحدِث شرخاً أثر سلباً في مكان ما على استمراريّة المبادرة، إلا أن المسألة النقابيّة شابتها أيضاً تحدّيات كبرى أهمّها عدم وحدة الجسم التعليميّ. فالسؤال الأساسيّ الذي طرح هو كيف يمكن لجسم يريد أن يمثل أساتذة لبنان، فيما هنالك اختلاف كبير في الوضع القانونيّ والمهنيّ بين جامعةٍ وأخرى. وفي حين أنّ هذه النقاشات السياسية كانت معقَّدة جداً وساهمت في تباعد وجهات النظر وفي إضعاف التجانس بين المبادرين، بَدَتْ المسألة المطلبيّة والمهنيّة المتعلقة بالأساتذة أكثر تعقيداً وإشكالية. فهي اعتُبِرت مسألة ثانوية في بداية الأمر لكنّها تحوّلت عاملاً إشكاليّاً مع تطور العمل، إذ دار نقاش حول مدى تجانس الواقع القانونيّ بين مختلف الأساتذة في ظلّ الفروقات بين أساتذة الجامعة الرسمية وأساتذة الجامعات الخاصّة. فمن المعروف مثلاً أنّ الأساتذة في الجامعات الخاصة، وبعكس أساتذة الجامعة اللبنانية الرسميّة، لا يعتبرون موظّفين كونهم يعملون بعقود شهريّة، كما أنّهم غير مدرجين على لوائح الضمان الاجتماعيّ وليس لهم جسمٌ تمثيليٌ على صعيد الوطن.

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، وانهيار العملة الوطنية الذي أثّر بشكل مباشر على معاشات الأساتذة وحقوقهم، لم يتأثر الجسم التعليمي العالي بشكل متماثل. فهناك جامعات حولت قسماً من المعاشات إلى الدولار الأميركي تعويضاً عن خسارة الليرة من قيمتها، وأخرى دفعت على سعر صرف المنصة الرقميّة في مصرف لبنان (/3900/ ليرة للدولار الواحد)، وجامعات أخرى أبقت المعاشات على سعر الصّرف الرسمي أي /1500/ ليرة. وكان من شأن ذلك أنّ الهاجس الماليّ والمطلبيّ لم يعد موحَّداً، لا بل خلق إشكاليّات أساسيّة حول المطالب وأولويّاتها بين جامعة وأخرى. ولم يتمكن الأفراد المبادرون مثلاً من اتخاذ موقف واضح في هذا الشأن.

التمثيل، الانتساب والقرارات

جاءت المبادرة عفويّة، واتّسمت بالحماس في بداية الأمر، لكن مع تقدُّم محاولات التنظيم طرحت اسئلة أساسية تتعلق بالتمثيل، وبدت كإحدى النقاط الإشكالية. فمثلاً، جرى نقاش حول ما إذا كان الهدف تأسيس "نقابة" بالمعنى القانوني للكلمة، أو الاكتفاء بـ"تجمُّع" أو حتى "جمعيّة". فتأسيس النقابة يتطلّب، كما ذكرنا أعلاه، رخصة من وزارة العمل بعد أن يتقدم بالطلب عددٌ من الأساتذة. هذا الأمر شكل عائقأً، خصوصاً أن الكثير من المشاركين لم يكونوا في وارد تأسيس نقابة في مواجهة الجامعة ورئاستها (أي ربّ العمل). وقد حاول بعض الأساتذة أيضاً الاستفادة من خبرات عدة (اجتماع مع غسان الصليبي ومع جماعة المفكّرة القانونية)، وكان القرار شبه الاستراتيجيّ بعدم تأسيس نقابة. لكن الحقيقة أنّه "من أجل خوض المعركة لا بد من توفّر عشرة أشخاص على استعداد لتقديم طلب الترخيص، علماً أنهم قد يتعرضون للصرف. إلا إنه لم يتوفر عدد كاف من الأشخاص للمضي قدماً ...".[lx] والجدير بالذكر في هذا الإطار هو أنّ بعض الأساتذة اكتشفوا صدفة أنّه كانت هناك تجربة سابقة لتأسيس نقابة لأساتذة جامعيّين، في العام 2016، وهم فعلاً أسّسوا نقابة برئاسة الدكتور جورج نعمة، وهو حالياً عميد كلّية الاقتصاد في جامعة الحكمة. لكن، هذا الموضوع بقي طوعاً "قيد الكتمان من قبل المؤسسين ولم يشاؤوا إطلاقاً التجاوب والتحدّث عنه".[lxi]

أما النقطة الأهم التي طرحت، إلى جانب وجوب تأسيس نقابة أو جمعيّة، فهي تتعلّق بصفة التمثيل.  فمن الذي يعتبر "أستاذاً؟" في ظلّ تعدد أنواع عقود العاملين في الجامعات الخاصة أو الرسميّة (بين من له عقد ثابت ويعمل بدوام كامل، أو جزئي، أو من هو أستاذ يعمل بالساعة، أو يعلّم حصة واحدة فقط في السنة). طبعاً، كان من الصعب جداً ضبط هذه المسألة، خصوصاً وأن الجسم كان مصراً على مبدأ التشاركيّة والديموقراطيّة. واستطراداً، ظهرت مشاكل أخرى، حين راح يشارك في النقاشات أفراد ليس لهم صفة أستاذ بالضرورة. كما طرأت مسألة أخرى حول ما إذا كان الشخص يمثل الجامعة كمؤسّسة أم بصفته الشخصيّة. ففي بعض المجموعات، حاول بعض الأساتذة عدم التموضع في مواجهة الجامعة ورئاستها، واعتبر أنّ الفرصة غير مؤاتية الآن، وبالتالي بات الدفاع عن الجامعة جزءاً أساسيّاً من هدف هؤلاء. بينما رأى البعض الآخر أنّ هذه الفكرة تتناقض تماماً مع مبدأ التنظيم المهنيّ الذي لا يقضي بأن تكون مصالح رب العمل ومصالح العامل واحدة.

أخيراً، وكجزء من إشكالية التمثيل، ظهرت مسألة الصفة التمثيلية، فبحسب أحد الأساتذة أنّه "كان من الصعب جداً أن أتحدّث ياسم جامعتي أو أساتذة جامعتي، لأنة لم يكن لي أي صفة تمثيليّة ولم أكن منتخباً. مشاركتي كانت فردية".[lxii] فالأساتذة المبادرون كانوا يتكلّمون أحياناً باسم أساتذة جامعاتهم أو أساتذة لبنان من دون أن يكون لهم أي صفة تمثيلية، ولم يتم بلورة الجسم (مهنيات ومهنيون – أساتذة) من أجل معالجة هذه النقاط الإشكاليّة المتعدّدة.

استطراداً، كانت الإشكالية الأخرى الواضحة في هذا الإطار تتعلق بفكرة أساسية وهي أنّ الأساتذة الذين يمثلون الجامعات الخاصة لم يكونوا منظَّمين على صعيد جامعاتهم، لا بل كان هنالك جامعات تمنع العمل المنظّم فيها. وبالتالي العقدة الأساس تمثلت بـ"أن جسماً غير منظم، يريد أن يتنظم، في ظل أزمة سياسية غير مسبوقة. مستحيل".[lxiii]

من هنا، تحوّل النقاش ضمن بعض المجموعات عن ماهية هذه التجربة نظراً للعقبات الكبيرة التي واجهتها، خصوصاً أنّه أصبح من الصعب جداً اعتبار الهواجس المطلبية أو حتى السياسية هي نفسها عند الجميع، إذ إنّ الأزمة راحت تؤثّر بشكل متفاوت على الأفراد. وعليه جرى البحث عن أطر أخرى موازية ربما، أو بديلة، عن الإطار الوطني وعن التفكير في العمل على صعيد الجامعة نفسها. فقد كان من المستحيل التنظيم على الصعيد الوطني من دون تنظيم محلّيّ على مستوى كل جامعة، والتأسيس لحركة نقابيّة من داخلها. وبالتالي، هذا ما فتح باباً آخر، وهو الإطار التنظيميّ على صعيد الجامعات نفسها.[lxiv] لكن دون هذا التنظيم على صعيد الجامعة تحديات كبيرة.

الفضاء المرئي، كورونا والانفجار...

منذ اللحظة الأولى للمبادرة، بدا أنّ الـ"واتس أب" هو المحرّك الأساس في النقاشات وتوجيه الدعوات. لكن هذه الآلية أثّرت سلباً على مسار المبادرة العام. فالـ"واتس أب" شكّل مساحة تلاقٍ مفتوحة طبعاً، فكان يدخلها أحياناً من لا صفة مباشرة له أو من لم يشارك أبداً في اللقاءات التأسيسيّة التي انعقدت في الجامعات، والتي كان لأصحابها صوتهم في المجموعات ويؤثرون عليها بشكل مباشر من خلال النقاشات. أما الإشكاليّة الأخرى فتكمن في كون نظام المجموعة على "واتس أب" لا يسمح بنقاشات بنّاءة، إذ في أغلب الأحيان – خصوصاً بعدما ضعف حراك الشارع، كان يصار "إلى إرسال رسائل بكميات كبيرة لا تتعلق بموضوع المجموعة، لا بل تكون أحياناً مضلِّلة ... وهذا لا يسمح بنقاشات بناءة، لا بل يضلّلها وتصبح المجموعة عبارة عن مضيعة للوقت".[lxv] حاول البعض الاستعاضة عن ذلك باجتماعات مكثَّفة على تطبيق زوم وبناءً على دعوات خاصة. لكن التجربة اختلفت أيضاً، إذ لا مجال لإجراء نقاشات جانبيّة كالتي تجري حضورياً والتي من شأنها أن تزيل العراقيل. وبحسب أحد الأساتذة أنه "حضورياً، ولو صار خلاف وخرج أحدهم من الاجتماع، يمكن دائماً أن نتبعه ونتحدث معه محاولة منا لإقناعه بالعودة إلى الاجتماع. هذا غير متاح على زوم"[lxvi] هذا ما صعّب مهمة التنظيم مع ارتفاع حدة موجة كورونا وإقفال البلاد.

لكن، وكما بدأت المبادرة كردّة فعل أو كمواكبة للسياق السياسيّ العام (الحراك الشعبيّ)، واجهت التجربة أيضاً الكثير من المشاكل الخارجة عن إرادتها، منها الأزمة الاقتصادية، أو انفجار مرفأ بيروت... كلها أحداث ساهمت في تشتّت المبادرة. فمثلاً، كان من المقرّر أن تقدم مجموعة من أساتذة الجامعة اليسوعية "نظاماً داخلياً"، لكن لم تستكمل الخطة وذلك لأسباب عدة منها مثلاً انفجار مرفأ بيروت. لا بد من الإشارة أيضاً إلى أنه، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان، انعطفت المبادرة، بسبب رغبة بعض الناشطين فيها، وتحوّلت اهتماماتهم من العمل النقابي المطلبي إلى العمل الإنساني، حيث انتظمت بعض المجموعات من أجل تأمين الحصص الغذائيّة والدواء للمحتاجين. وهنا اتّخذ بعض هذه المبادرات المنحى الـ"دينيّ" المتثمل بمساعدة الفقراء، بالرغم من بذل محاولات عدّة للخروج من مبدأ "الحسنة" إلى موضوع التضامن، وهو ما لا يتيسَّر التفكير فيه في ظلّ أزمة آنيّة تتسارع يوماً بعد يوم.[lxvii]

خلاصة

تناولت هذه الورقة واقع النقابات المهنيّة المستقلة في لبنان. وهي اتخذت دراسة حالة نقابة المهندسين التي فازت فيها قوى الاعتراض في مواجهة أحزاب السلطة، كما عرَّجت على محاولة إنشاء تجمع مهنيّات ومهنيّين، مسلِّطة الضوء على تجربة الأساتذة الجامعيّين. وتُبَيّن الحالتان أهمية التنظيم، كما تبيّن الفرق الواضح بين تجربة تراكميّة على مدى سنوات مبنيّة على تجارب الماضي، وذلك بتضافر جهود أصحاب الخبرات مع نشاط وحماس الشباب، وهو ما أدّى إلى فوزٍ صريح وإلى تنظيم واضح يحتذى به من أجل تجارب أخرى. والتجربة الأخرى التي يُستخلَص منها أنّ هناك صعوبة في التنظيم في ظلّ الحراك الشعبي، وأنه يستحيل الاتفاق على الأهداف إذا لم تتوفّر لهذا الحراك الشعبيّ قيادات أو برامج واضحة. إذاً، المراكمة ضروريّة جدّاً، كما أنّ إفساح المجال أمام التنظيم، وإحياء النقاشات التي من شأنها أن تقرب وجهات النظر وتدعم عوامل الثقة بين النشطاء والفاعلين، هي من أهم عوامل نجاح النقابات. في المقابل، لاحظت الورقة أنّ التجارب الجديدة تحتاج إلى المزيد من الوقت، علماً أنّه من الصعب جداً عليها البقاء على مسافة من الأحداث وعزل نفسها عن تأثيرات هذه الأخيرة عليها. من هنا، لا بد من التفكير في التجارب بصفتها تجارب تراكمية طويلة الأمد، وليس فقط تجارب تبرز فجأة لمواكبة الشارع في لحظة الحراكات الشعبية.

[i]. أنظر:  Dirani, Ahmad, Ghassan Slaiby, Nizar Hariri, and Michele Scala. "Le mouvement syndical libanais à l’épreuve de l’Intifãda du 17 octobre 2019." Confluences Mediterranee 4 (2019): 135-147.

[ii] . انظر مثلاً: "تجمع المهنيين السودانيين: البنية والتطور والأدوار والتحالفات - أية تحديات وآفاق مستقبلية؟"، محمد العجاتي (باحث رئيسي)، عمر سمير (باحث)، عبد المنعم السيد (باحث ميداني ومساعد باحث)، مبادرة الإصلاح العربي، 2021.

[iii]. أنظر: Bou Khater, Lea, and Rima Majed. "Lebanon’s 2019 October Revolution: Who Mobilized and Why." Asfari institute for civil society and citizenship (2020), p.15. http://www.activearabvoices.org/uploads/8/0/8/4/80849840/leb-oct-rev_-_v.1.3-digital.pdf

[iv]. أنظر: Khater, Lea Bou. "Lebanon’s October 2019 Revolution: Inquiry into Recomposing Labor’s Power." South Atlantic Quarterly120, no. 2 (2021): 464-472.

[v]. أنظر: Nadim El-Kak, Alternative Labor Unions in Lebanon: Comparative Reflections and Lessons, The Lebanese Center for Policy Studies, April 2021, https://www.lcps-lebanon.org/featuredArticle.php?id=342

[vi] . تقريباً 55 % من اليد العالمة في لبنان غير رسمية، ما يساهم في شكل مباشر في تشتت القوى العاملة وعدم قردتها أو حتى رغبتها في التنظيم. أنظر: Labour Force and Household Living Conditions Survey (LFHLCS) in Lebanon 2018–2019, Lebanon's Central Administration for Statistics (CAS) and the ILO, 2019. https://www.ilo.org/beirut/publications/WCMS_732567/lang--en/index.htm

[vii]. أنظر: Rima Majed, Understanding the October Uprisings in Iraq and Lebanon, Global Dialogue, Volume 10, Issue. 2, 2020 https://globaldialogue.isa-sociology.org/category/volume-10/v10-i2 /

[viii]. أنظر: Favier, Agnès. "Logiques de l'engagement et modes de contestation au Liban: genèse et éclatement d'une génération de militants intellectuels (1958-1975)." PhD dissertation, Aix-Marseille 3, 2004.

[ix]. أنظر: Couland, Jacques. "Mouvement syndical en situation coloniale: le cas du Liban." Le Mouvement social 68 (1969): 57-76.

[x]. لمى كرامة، النقابات والقضاء في معركة قانون العمل 1946 حين بدا القانون سلاحاً في أيدي القوى العاملة، المفكرة القانونية، 26، 01، 2012.

[xi]. أنظر: Nasr, Salim. "Backdrop to civil war: The crisis of Lebanese capitalism." Merip Reports 73 (1978): 3-13.

[xii]. أنظر: Dølerud, Magnus. "The Antiwar Movement in Lebanon, 1975–1990." In The Routledge History of World Peace Since 1750, pp. 296-306. Routledge, 2018 ; Achcar, Paul. « Perspective d'une renaissance de l'espace public à partir des mouvements de paix», in Beyhum Nabil (dir.), Reconstuire Beyrouth, Les Paris sur Le possible, Lyon, Collection Etudes sur Le Monde Arabe, n=5, p.319-330.

[xiii]. أنظر: https://www.almayadeen.net/files/778331/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D9%87%D9%85%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%82%D9%87%D9%82%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86--

[xiv] Scala, Michele. "Clientélisme et contestation: l’exemple de la mobilisation des travailleurs de Spinneys au Liban." Confluences Mediterranee 1 (2015): 113-123.

 Kobaissy, Farah "Organising Migrant Domestic Workers in Lebanon." International Union Rights 22, no. 4 (2015): [xv] 22-23.

[xvi] Khater, Léa Bou. "Public sector mobilisation despite a dormant workers’ movement." Confluences Méditerranée 1 (2015): 125-142.

[xvii] جميل معوض وبول أشقر، سنوية "انتفاضة 17 تشرين" اللبنانية: هل من أمل؟"، مبادرة الاصلاح العربي، 26، أكتوبر، 2020. https://www.arab-reform.net/ar/publication/%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B6%D8%A9-17-%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%A3/

[xviii] . مقابلة مع أستاذ جامعي، بيروت، 10 تشرين الأول، 2020.

[xix] . حصرت النقابات التالية (مهنة المحاماة ومهنة الطب البيطري ومهنة القبالة القانونية ومهنة ّ التمريض) العمل باللبنانيين فقط، فيما عمدت نقابات أخرى، وبالرغم من أنها تسمح لغير اللبنانيين بممارسة المهنة، إلى وضع شروطٍ تبدو للبعض (كالفلسطينيين مثلأً) تعجيزية، لا سيما شرطا المعاملة بالمثل والتمتع بحق ممارسة المهنة في البلد الأصلي.

[xx] . اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 9 تموز/يوليه 1948، في دورته الحادية والثلاثين.

[xxi] . مقابلة مع بول أشقر، صحافي وناشط، تطبيق واتس أب، 15 آذار، 2021

[xxii] . مقابلة مع عبير سقسوق، معمارية، تطبيق زوم، 26 آذار، 2021.

[xxiii] ." الخيار المهني المستقل" ضم مروحة من الأعضاء الذين كانوا قريبين نوعاً ما من الأحزاب التقليدية (المستقبل، حزب الله...).

[xxiv] . مقابلة مع عماد عامر، معماري، تطبيق زوم، 9 شباط، 2021.

[xxv] . مقابلة مع عماد عامر، مهندس، من مجموعة لحقّي ومنظّم في "النقابة تنتفض".

[xxvi] . مؤتمر صحافي 7 نيسان 2017، رسالة مرشح "نقابتي" لرئاسة نقابة المهندسين في بيروت جاد تابت إلى المهندسين الحزبيّين.

[xxvii] . مقابلة مع عبير سقسوق، تطبيق زوم، 26 آذار، 2021.

[xxviii]. رائد بو حمدان، دروس "النقابة تنتفض": الانتصارات بالأرقام والمنهجية، موقع ميغافون، 23، 7، 2021. راجع على الرابط: https://megaphone.news/%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/

[xxix] . عبير سقسوق، «النقابة تنتفض» وتاريخ انتخابات نقابة المهندسين، ميغافون، 17، 07، 2021. الرابط:

https://megaphone.news/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%B6-%D9%88%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8/

[xxx] . عبير سقسوق، يارا عبد الخالق، عماد عامر، "نقابة المهندسين في بيروت: السياق التاريخي والواقع النقابي"، في أدوات الحشــــد والاحتجـــاج بعد الربيـــع العربـــي كسجلات أفعال عابرة للقوميات، ص. 60-73. https://www.activearabvoices.org/uploads/8/0/8/4/80849840/policy_papers_ar_-_v.3.4-digital.pdf

[xxxi] . المرجع نفسه.

[xxxii]. بول أشقر، "عارف باسين، الرجل الذي أتى من تحت"، موقع ميغافون، 14، 14، 07، 2021

https://megaphone.news/%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81-%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%A3%D8%AA%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D8%AA /

[xxxiii] . هدى حبيش، "تابت لـ"المدن": تحولت نقابة المهندسين إلى وسيلة للانتفاع"، المدن، 23، 02، 2017  https://www.almodon.com/politics/2017/2/23/%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%AA-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%AA-%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9

[xxxiv] . كانت الانتخابات النقابية الأولى في عهد الرئيس ميشال عون. فجاد تابت الذي إضافة إلى رأسماله الاجتماعي والمهني (اسمه وشخصيته لعبا دوراً كبيراً في هذا الإطار، كما كانت الحال بالنسبة إلى عاصم سلام سابقاً)، استفاد إلى حد بعيد من تضارب المصالح بين الأحزاب التقليدية. ففاز بمموقع النقيب، ولم تفز لائحته (أي نقابتي). وبالتالي حافظت الأحزاب التقليدية على النقابة من دون النقيب.

[xxxv] . مقابلة مع عماد عامر، تطبيق زوم، 9 شباط، 2021.

[xxxvi] . مقابلة مع عماد عامر، تطبيق زوم، 9 شباط، 2021.

[xxxvii] . مقابلة مع عماد عامر، تطبيق زوم، 9 شباط، 2021.

[xxxviii] . مقابلة مع عماد عامر، تطبيق زوم، 9 شباط، 2021.

[xxxix] . مقابلة مع عماد عامر، تطبيق زوم، 9 شباط، 2021.

[xl] . عبير سقسوق، يارا عبد الخالق، عماد عامر، "نقابة المهندسين في بيروت: السياق التاريخي والواقع النقابي"، في أدوات الحشــــد والاحتجـــاج بعد الربيـــع العربـــي كسجلات أفعال عابرة للقوميات، ص. 60-73. https://www.activearabvoices.org/uploads/8/0/8/4/80849840/policy_papers_ar_-_v.3.4-digital.pdf

[xli] . مقابلة مع عبير سقسوق، تطبيق زوم، 26 آذار، 2021.

[xlii].  عبير سقسوق، يارا عبد الخالق، عماد عامر، "نقابة المهندسين في بيروت: السياق التاريخي والواقع النقابي"، في أدوات الحشــــد والاحتجـــاج بعد الربيـــع العربـــي كسجلات أفعال عابرة للقوميات، ص. 60-73. https://www.activearabvoices.org/uploads/8/0/8/4/80849840/policy_papers_ar_-_v.3.4-digital.pdf

[xliii]. مقابلة مع عبير سقسوق، تطبيق زوم، 26 آذار، 2021.

[xliv] . عبير سقسوق، يارا عبد الخالق، عماد عامر، "نقابة المهندسين في بيروت: السياق التاريخي والواقع النقابي"، في أدوات الحشــــد والاحتجـــاج بعد الربيـــع العربـــي كسجلات أفعال عابرة للقوميات، ص. 60-73. https://www.activearabvoices.org/uploads/8/0/8/4/80849840/policy_papers_ar_-_v.3.4-digital.pdf

[xlv] . عبير سقسوق، يارا عبد الخالق، عماد عامر، "نقابة المهندسين في بيروت: السياق التاريخي والواقع النقابي"، في أدوات الحشــــد والاحتجـــاج بعد الربيـــع العربـــي كسجلات أفعال عابرة للقوميات، ص. 60-73. https://www.activearabvoices.org/uploads/8/0/8/4/80849840/policy_papers_ar_-_v.3.4-digital.pdf

[xlvi] . بول أشقر، "عارف باسين، الرجل الذي أتى من تحت"، موقع ميغافون، 14، 14، 07، 2021

https://megaphone.news/%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81-%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%A3%D8%AA%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D8%AA /

[xlvii] . غسان صليبي، "تأملات حول اليسار في لبنان لمناسبة انتخابات نقابة المهندسين"، النهار، 11، 07، 2021 https://www.annahar.com/arabic/section/140-%D8%B1%D8%A3%D9%8A/11072021125319411

[xlviii] . جميل معوض، "بيروت مدينتي" – بورتريه، المفكرة القانونية، 17، 07، 2016 https://legal-agenda.com/%d8%a8%d9%8a%d8%b1%d9%88%d8%aa-%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%aa%d9%8a-%d8%a8%d9%88%d8%b1%d8%aa%d8%b1%d9%8a%d9%87/

[xlix]. حول الحملة، انظر: "النقابة تنتفض" –  DRI Lebanon  https://www.youtube.com/watch?v=mQLVjCFdXZ8

[l] . هي على التوالي: بيروت مدينتي،  جل الديب، حركة التجدد الديموقراطي، خط أحمر، صيدا والجوار، عامية 17 تشرين، لبنان عن جديد، مجموعة وادي التيم، مهنيات ومهنيون هندسة، مواطنون ومواطنات في دولة، التجمع العلماني في قطاع الهندسة، المرصد الشعبي لمكافحة الفساد، منتشرون، تحالف وطني، لبنان هويتي هوا تشرين، الحزب الشيوعي اللبناني، الشوف وعاليه، الكتلة الوطنية، اللقاء المهني الهندسي، IEA

[li] . تضم مثلا: حزب الكتائب، حركة الاستقلال، خط أحمر، حزب تقدّم، لقاء تشرين، عامية 17 تشرين، نبض الجنوب، رابلز، تجمع مواكبة الثورة، مجموعة ثوار عكار واتحاد ثوار الشمال.

[lii] . نادر فوز، ""النقابة تنتفض" و"جبهة المعارضة اللبنانية" تتحالفان بانتخابات المهندسين"، المدن، 25، 06، 2021 https://www.almodon.com/politics/2021/6/25/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%B6-%D9%88-%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D9%86

[liii] . مقابلة مع غسان عيسى، طبيب، تطبيق زوم، 9 تشرين الأول، 2020.

 [liv] . بعض من الأهداف التي حددها أحد مطلقي التجمع الدكتور غسان عيسى (مقابلة مع غسان عيسى، تطبيق زوم، 9 تشرين الأول، 2021).

[lv] . مثلاً، إعترض العديد من الصحافيين على تأسيس "نقابة الصحافة البديلة:، واعتبروا هذا هربوا من استعادة "نقابة الصحتفة" من السلطة الحاكمة.

[lvi] . مقابلة مع غسان عيسى، طبيب، تطبيق زوم، 9 تشرين الأول، 2020

[lvii]. تجمع أساتذة مستقلين في الجامعات، 23 أكتوبر 2019.

[lviii] . 23 اكتوبر 2019.

[lix] . مقابلة مع جهاد نمور، أستاذ جامعي، تطبيق زوم، 13 شباط 2021.

[lx] . مقابلة مع نزار حريري، أستاذ جامعي، تطبيق زوم، 16، آذار، 2021.

[lxi] . مقابلة مع نزار حريري، أستاذ جامعي، تطبيق زوم، 16، آذار، 2021.

[lxii] مقابلة مع أستاذ جامعي، بيروت، 20 نيسان، 2021.

[lxiii] مقابلة مع جهاد نمور، أستاذ جامعي، تطبيق زوم، 13 شباط 2021.

[lxiv] . محاولة تنظيمية ضمن الجامعة اليسوعية.

[lxv] . مقابلة مع جهاد نمور، أستاذ جامعي، تطبيق زوم، 13 شباط 2021.

[lxvi] . مقابلة مع نزار حريري، أستاذ جامعي، تطبيق زوم، 16، آذار، 2021.

[lxvii] . مثلاً بدأت المساعدات مع 100 عائلة مستهدفة الوصول إلى 300 عائلة.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.