مكافحة التصحر والجفاف في السودان في خضم الحرب

مقابلة مع عبد الفتاح حامد علي، زميل زائر مبتدئ، مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية.

عبد الفتاح ومساعد عقلان باحث أول (مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية) خلال المؤتمر السنوي الثاني: حول النزاع وتغير المناخ والبيئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمان، الأردن

في عام 2015، تم تحديد السودان كواحد من أكثر البلدان تأثراً  بالتصحر في أفريقيا، وهو اتجاه ازداد حدة على مر السنين. على مدى السنوات الأخيرة، دخلت البلاد في صراع معقد تفاقم بسبب الإرث الجيوسياسي والتاريخي. ويُنظر إلى تغير المناخ بشكل متزايد على أنه مساهم رئيسي في الصراع في السودان، مما أدى إلى تفاقم  التحديات البيئية التي استمرت لعقود من الزمن، وتأجيج عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وبالفعل، أدى النزاع إلى تفاقم التدهور البيئي وتضخيم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، مما يؤثر بشكل مباشر على المزارعين ويشكل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا لجميع السكان.

في هذه المقابلة، يلقي عبد الفتاح الضوء على التفاعل المعقد بين الحرب والنزوح والبيئة في السودان. كما ينظر في الجهود السابقة لمكافحة التصحر، ويقدم رؤى حول المشهد البيئي والزراعي والاقتصادي في بلد مزقته الحرب.

كيف أدت الحرب والنزوح الذي تلاها إلى تفاقم الأضرار البيئية، بما في ذلك التصحر والجفاف؟ وما هي الآثار الاقتصادية على المزارعين والاقتصاد الوطني؟

لا تزال الدراسات تحاولون تقييم الأضرار الاقتصادية والبيئية للحرب. لا شك أن الصراع الدائر كان له تأثير اقتصادي حاد، حيث بلغت الخسائر أكثر من 200 مليار دولار بسبب الدمار في القطاعين الصناعي والزراعي. أما فيما يتعلق بالمزارعين، فقد نزح ثلثهم من مزارعهم ولم تتمكن 40% منهم من الاستعداد للموسم الزراعي بسبب نقص الأموال لشراء البذور والأسمدة و/أو استئجار العمالة الزراعية.  هذا بالإضافة إلى سوء الأحوال الجوية ورداءة نوعية أصناف البذور المحلية وارتفاع تكلفة البذور المحسنة وتأخر هطول الأمطار بسبب التغيرات المناخية، أثر كل هذا بشكل خطير على سبل عيشهم وتسبب في لجوئهم إلى ولايات أخرى مجاورة.

على المستوى الوطني، تسببت الحرب في كارثة إنسانية حادة  أدت إلى نزوح أكثر من 8.6 مليون شخص، وتسببت في مقتل 15,000 شخص، ودمرت البنية التحتية الرئيسية، وأعاقت التجارة والأنشطة الإنتاجية الاقتصادية. وقد عطلت الحرب الوصول إلى المرافق العامة والخدمات المالية والأسواق، مما أدى إلى ندرة كبيرة في السلع والخدمات. توقفت أكثر من 66% من شركات ومصانع الأغذية في البلاد عن العمل. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للسودان إلى النصف.  وقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير في دخل الأسر وزيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر.

كما أخلّت الحرب والنزوح في السودان بالتوازن البيئي. فمع فرار الناس من الحرب وعودتهم إلى القرى، فإنهم يعيدون البناء باستخدام الموارد الشحيحة التي تعتبر حيوية للنظام البيئي. ويشمل ذلك قطع الأشجار وتحويل طرق الهجرة القديمة والمراعي إلى أراضٍ زراعية. وتسرع هذه الأعمال التصحر وتفاقم ظروف الجفاف، مما يؤدي إلى إشعال فتيل النزاع من جديد.

صنّفت  دراسة نُشرت في مجلة ARPN للعلوم والتكنولوجيا في عام 2015 السودان على أنه ”أحد أكثر البلدان تضرراً من التصحر في أفريقيا“. كيف برأيك أجج التصحر النزاعات السابقة والحرب الحالية في السودان؟

قد يكون من الصعب الربط مباشرة بين التصحر والنزاع الحالي، لكن التصحر عمل على تغذية النزاعات السابقة في السودان . إن خمسة وستين في المئة أو أكثر من السودانيين هم من المزارعين والرعاة، وتساهم هجراتهم السابقة من الريف إلى المدن بشكل مباشر في التصحر.  ويمتلك المزارعون آليات تقليدية لمكافحة التصحر، وفي غيابها تتفاقم هذه الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه الهجرة إلى ندرة الموارد الخصبة والمياه، مما يشعل فتيل النزاعات المسلحة للسيطرة على هذه الموارد المحدودة. ويشمل ذلك الصراعات على  مناطق التعدين في دارفور والولاية الشمالية، والصراعات على الصمغ العربي والذهب.

الحرب والنزوح والتغير المناخي والتصحر - كيف سيكون دور هذه العوامل في تشكيل المستقبل الزراعي في السودان، الذي كان يُعرف في السابق بأنه سلة غذاء عالمية وهو الآن على حافة المجاعة؟

يمر السودان بمنعطف حرج بسبب تفاعل كل هذه العوامل، لكن الأمل في مستقبل أفضل لا يزال حيًا بفضل مرونة القطاع الزراعي. وبالطبع عطلت الحرب الكثير من الأنشطة الزراعية بسبب هجمات قوات الدعم السريع على الولايات الزراعية مثل الجزيرة والقضارف والفاشر مما حال دون حصاد الكثير من المنتجات وأدى إلى انعدام الأمن الغذائي وعدم الاستقرار الاقتصادي. إذا تمت استعادة هذه المناطق، سيحدث ذلك فرقاً كبيراً في مستقبل السودان الزراعي.

إن تفاعل تأثيرات التغير المناخي في السودان، مثل الفيضانات وعدم انتظام هطول الأمطار وفترات الجفاف، مع البنية السياسية الهشة، قد عطلت الأنشطة الزراعية والاقتصادية. وإذا لم تتم معالجتها بطريقة منظمة، فقد تصبح أكثر تواتراً في المستقبل وتتسبب في فقدان المحاصيل، مما يؤدي إلى  اضمحلال الأمن الغذائي. ويمكن الحد من هذه التحديات من خلال استغلال الإمكانات الزراعية المتوفرة في البلاد والاستفادة من الأراضي الصالحة للزراعة.

ما هو الدور الذي لعبته المجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة، وكذلك المنظمات الدولية في مكافحة التصحر والتدهور البيئي في السودان؟

قبل الحرب، ركزت المبادرات المحلية لمكافحة التصحر على تسخير الممارسات التقليدية لإدارة البيئة المحلية والحفاظ عليها. على سبيل المثال، زراعة أشجار الصمغ العربي في ولاية كردفان لمكافحة التصحر.

كما طرحت حكومة البشير بعض السياسات والمبادرات لمكافحة التصحر، إلا أن هذه الجهود كانت ضعيفة من حيث التطوير والبحث لعدم كفاية الاهتمام والدعم. أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فقد نفذت الأمم المتحدة استراتيجيات في إطار اتفاقية مكافحة التصحر لتعزيز القدرة على مواجهة التصحر. ومع ذلك، لم يكن هناك تنسيق يذكر بين المنظمات الدولية والمبادرات المحلية والهيئات الحكومية.

وفي الوقت الحالي، تهيمن النزاعات والنزوح والكوارث الإنسانية على المشهد. ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى الجانب البيئي على أنه ثانوي. بل يجب اعتباره أولوية، حتى في خضم الحرب الدائرة، لأنه مرتبط بشكل مباشر بالاقتصاد. فانهيار الاقتصاد يساهم بشكل مباشر في استمرار النزاع ويقوض أي اتفاق سلام محتمل.

كيف تتصور المسار المستقبلي لجهود الحفاظ على البيئة في السودان في ظل النزاع الدائر والتعافي بعد انتهاء النزاع؟

من المتوقع أن تطول فترة التعافي بعد انتهاء النزاع. يجب التركيز بشكل أكبر على الجوانب التنموية والزراعية، وعلى مكافحة العوامل التي تقلل من الإنتاج الزراعي من خلال التنسيق مع الهيئات البيئية ذات الصلة والتركيز على مكافحة التصحر.

في عام 2020، أصدر السودان، الذي كانت تحكمه آنذاك الحكومة الانتقالية ، تقريره الأول حول الوضع البيئي في البلاد والتوقعات المستقبلية. وقدم التقرير رؤية للتنمية الريفية والاستثمارات للحد من الهجرة من الريف إلى الحضر. وناقش هذا التقرير، لأول مرة، الجوانب التحليلية وكيفية التكيف وبناء القدرة على التكيف وبناء المرونة تجاه تغير المناخ. كما تناول وضع إطار تنظيمي لقطاع التعدين وتعزيز التقنيات الصديقة للبيئة المستخدمة في هذا القطاع. بعد انقلاب 2021، انهارت هذه الجهود.

يجب أن تستمر الجهود التي بدأتها الحكومة الانتقالية، الى جانب الدعم الدولي، إذا ما أراد السودان مواجهة تحديات التغير المناخي وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي من خلال الاستثمار في أراضيه الزراعية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.