27تشرين الأول/ أكتوبر
2018
مجموعات الضغط السياسي الجديدة في لبنان وانتخابات أيّار/مايو 2018:  الدروس المستفادة من المشاركة في المستقبل

 

كجزء من مشروعها البحثي الواسع "الشباب العربي كفاعل سياسي"، نظمت مبادرة الإصلاح العربي في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2018 في بيروت اجتماعاً لحوار السياسات جمع أكثر من 20 ممثلاً للشباب من مجموعات المجتمع المدني بالإضافة إلى القوى السياسية اللبنانية الجديدة لمناقشة مشاركتهم وجهودهم وأهدافهم في الانتخابات البرلمانية في أيّار/مايو 2018. وشارك في المناقشة ممثلون عن "بيروت مدينتي"، "سبعة"، "لبلدي"، "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (LADE)، "تواصل أونلاين"، "النادي العلماني في الجامعة الأمريكية ببيروت"، "سنترال ريسيرتش هاوس"، وكالة "سمارت" للأنباء، وجمعية "التجارة العادلة في لبنان".

ويمثّل المشاركون في النقاش قطيعة مع "السياسة المتعارف عليها"[1] في المشهد السياسي اللبناني. فلقد قدم مرشحوهم خلال انتخابات أيّار/مايو 2018 بديلاً للنخب السياسية التقليدية وتصرّفوا كمعارضة للأحزاب السياسية السائدة، حيث عالجت برامجهم مباشرة قضايا مثل الفساد والمساواة بين الجنسين؛ وسعوا للابتعاد عن الطبيعة الطائفية للنظام السياسي اللبناني. ورغم أن النشطاء ومجموعاتهم لم تحقّق في واقع الأمر سوى نجاح ضئيل نسبياً، فقد نجحوا في العمل كمجموعة ضغط سياسي ساعدت في توسيع نطاق القضايا والأجندة السياسية. كان الهدف من حوار السياسات، الذي تضمن سلسلة من العروض عقبها نقاش موسع، هو تقييم جماعي للأفعال التي تم تحقيقها، وما نجح منها وما فشل، واستخلاص الدروس المستفادة من المشاركة المستقبلية – وخاصة للشباب – في الانتخابات اللبنانية والمجال السياسي الرسمي.

انتخابات أيار/مايو 2018: أين أصَبْنا؟

على الرغم من أن الجماعات السياسية البديلة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني حصلت على نتائج مخيّبة للآمال في الانتخابات النيابية، فإنها في واقع الحال لم تشعر أن النجاح أو الفشل يُقاس ببساطة من خلال تقييم صندوق الاقتراع. وكما أوضح المشاركون في حوار السياسات، فإن دورهم الحالي وأهدافهم في المشهد السياسي اللبناني ليست في التنافس مع الأحزاب السياسية المؤسسة على الطائفية ولا هي في عرض جهودهم على أنها لعبة  محصلتها صفر أو مبنية على أساس المضادة مع القيادة السياسية السائدة. بل إنهم يعترفون أن فرصهم في الفوز بدون الموارد الضخمة للأحزاب السياسية التقليدية تتضاءل إلى حدّ كبير. ومع ذلك، فإن مجرد عملية خوض الانتخابات بحدّ ذاتها، إلى جانب القيام بأشياء أخرى مثل الأنشطة السياسية والتعبئة الاجتماعية، سيسمح لهم بأن يكونوا بمثابة مجموعة ضغط أو جهة مراقبة، مما يعطي صوتاً للشكاوى والمطالب الشعبية. وهكذا  ولأنهم يعملون كمجموعة ضغط سياسي، فإنهم لا يعتبرون نتائج الانتخابات خسارة كاملة أو خيبة أمل، بل ربما كانت نجاحا جزئيا يمكن البناء عليه من أجل الدورات الانتخابية المستقبلية.

 الأسباب الداخلية للفشل الانتخابي

كما أبرز المشاركون، من خلال تجربتهم الشخصية، أسباب عدم نجاح مجموعاتهم في انتخابات أيّار/مايو 2018. وركّزوا بشكل خاص على الأسباب الداخلية الذاتية لمجموعاتهم السياسية وجهود حملتهم الانتخابية أكثر من تركيزهم على الأسباب الخارجية. ومن بين هذه الاسباب، أشار المشاركون بشكل خاصّ إلى المشاكل المتعلقة باختيار المرشحين والسمات الخاصة لكل منهم، باعتبار ذلك عاملا مهما في النتائج السيئة للانتخابات. وعلى سبيل المثال، تحدّث أحد المشاركين عن مشكلة مشروعية تمثيل المرشحين لدوائرهم الانتخابية، فبينما كان المرشّحون ينتمون إلى الطبقات الوسطى والعليا، كانت دوائرهم الانتخابية المستهدفة من القطاعات الأفقر في المجتمع اللبناني. خلقت هذه الفجوة الطبقية نوعا من انعدام الثقة في نظر الناخب المستهدف. إلى جانب ذلك، كانت أولويات المرشحين تُحدَّد وفقا للقضايا التي تواجه الطبقة الوسطى، في حين أنها كانت تسعى إلى معالجة الطبقات الدنيا. وفي مثال آخر، شارك ممثل من "بيروت مدينتي" في ائتلاف المجتمع المدني والجماعات السياسية البديلة في تحالف "كلّنا وطني"، الامر الذي يبدي أن الطريقة التي تمّ بها اختيار المرشحين كانت مشكلة بحدّ ذاتها، إذ جرت من دون تحضير كافٍ. والحقّ أن مشكلة انتقاء المرشّح حُدِّدَت على أنها عيب كبير من عيوب المرحلة التي سبقت انتخابات أيّار/مايو 2018، ونتج عن ذلك العيب ترشيح افراد يفتقرون إلى الشرعية في نظر الناخبين المستهدفين ولا يجسدّون في واقع الحال الأجندة والمثل السياسية التي كانت تلك الحركات تهدف إلى تحقيقه.

وثمّة مسائل أخرى ترتبط بالمشاكل التنظيمية الداخلية التي كانت تعتبر عقبات أمام نجاح الانتخابات. ففي حين أن بعض المجموعات، مثل بيروت مدينتي قامت بجهود لتبسيط هيكلها التنظيمي ودمقرطة حوكمتها الداخلية، شعرت مجموعات أخرى بأن تركيزها على بنية داخلية مرنة كان بمثابة التزام بالمقارنة مع الأحزاب السياسية التقليدية. هذه المشاكل التنظيمية الداخلية تطوّرت بطرق مختلفة قلّلت من قدرة المجموعات على تحقيق نجاح انتخابي. فقد ساهم التنافس على المناصب القيادية داخل الجماعات السياسية البديلة في إضعاف هذه المجموعات عن طريق إنشاء تيارات داخلية وإضاعة الوقت الذي كان من الممكن أن يتمّ استخدامه في تنفيذ حملات انتخابية. كما تمّ التركيز، إضافة إلى ذلك، على الافتقار إلى التمويل الكافي وسوء الوصول إلى وسائل الإعلام كأسباب إضافية لعدم نجاح الانتخابات.

كما استشهد المشاركون أن العامل لآخر والمهم الذي ساهم بدوره في إضعاف نتائج الانتخابات هو التنافس بين المجموعات السياسية البديلة وعدم وجود اتفاق على الأهداف المشتركة بينهم. فبينما كان ثمّة شعور مجتمعي مشترك بين هذه القوى السياسية الجديدة كانعكاس للمجتمع اللبناني في كليّته وليس شيئا جديدا تمامًا، اعترف المشاركون بأنهم فشلوا في التواصل بشكل فعاّل مع بعضهم البعض، بل إنهم في بعض الحالات وقفوا في وجه بعضهم البعض. وعلى نحو مماثل، حتى داخل تحالف "كلّنا وطني"، كان الأداء التنظيمي الداخلي يشبه أكثر أداء الأحزاب السياسية التقليدية منه لأداء كيان جديد.

وربما كان الأهمّ من ذلك كلّه هو غياب المطالب المشتركة العريضة التي يمكن أن تتوحد عليها المجموعات البديلة أو الإطار الأيديولوجي المشترك الذي يستند إلى أطر مشتركة لتشخيص القضايا السياسية واقتراح الحلول. الامر الذي خلق مشكلة مهمة في الخطاب. وكما عبّر العديد من المشاركين أنه لم يكن من الواضح للمواطن العادي أنه أمام بديل سياسي قوي لأن الخطاب الرئيسي لتلك المجموعات وطريقتها في تأطير القضايا كان يفتقر إلى الوحدة والتماسك.

وأخيراً، شرح المشاركون كيف أن الجمهور لم يقتنع أن ظاهرة المجتمع المدني الجديدة والمجموعات السياسية التي تحاول كسر السياسة اللبنانية التقليدية هي قابلة للصمود والاستمرار في لعب دور سياسي. لقد مثّلت الانتخابات البلدية التي جرت في عام 2015 زخما جديدا لجماعات مدنية مثل "طلعت ريحتكن" ثمّ "بيروت مدينتي"، ولكن هذه الجماعات لم تستطع الحفاظ على ذلك الزخم المتولد في تلك اللحظات الحرجة بشكل كافٍ لاستخدامه خلال الفترة التي سبقت انتخابات أيّار/مايو 2018. وبالمثل، مع نهاية هذه العملية الانتخابية الأخيرة، تضاءل وجود المجتمع المدني والجماعات السياسية الجديدة بشكل كبير. وذكر أحد المشاركين أنه من المستحيل تحقيق النجاح إذا كانت هذه الحركات لا تظهر إلا في لحظة الانتخابات.

استراتيجيات للنجاح الانتخابي في المستقبل

والانتقالا إلى الدروس المستفادة والتوصيات الخاصة بالدورات الانتخابية المستقبلية، طرح المشاركون عددا من الأفكار التي تسهم في دفع عملهم إلى الأمام. وشمل جزء كبير من النقاش القانون الانتخابي الجديد، حيث اتّفق المشاركون على أن هناك حاجة قوية إلى فهم أفضل لتفاصيل قانون النظام النسبي الجديد من أجل تطوير استراتيجية حملة أكثر فعالية في الانتخابات القادمة. ويماثل ذلك في الأهمية زيادة الوعي حول التصويت واللوائح الجديدة التي تحكمه والتصويت باعتبارها مسؤولية للمواطنين، وذلك كله بهدف زيادة المشاركة الشعبية.

وثمّة حاجة ملحّة لبناء قواعد تأسيسية خاصة بهذه المجموعات المدنية. وركّز المشاركون على ضرورة القيام بمزيد من الحملات من أسفل إلى أعلى وعلى الحاجة إلى إنشاء أو دمج بنى اجتماعية مختلفة مثل الروابط العائلية والنقابات من أجل بناء دوائر انتخابية أكبر. وعبّر أحد المشاركين على أن هناك غياب للتخطيط المستند على الأدلة لبناء جمهور قوي من الناخبين. ولعلّ التحدي الرئيسي، بالنظر إلى المستقبل، هو إمكانية تحديد ماهيّة هذا البديل السياسي بدقة والسياسات والجهات التي يمثلها. وبعضّ النظر عن ذلك كله، هنالك انخفاض كبير في مستوى الاهتمام الشعبي بالانتخابات وعملية التصويت برمّتها، وقد ظهر ذلك في تدنّ نسبة مشاركة الناخبين وانعدام الثقة في العملية السياسية بشكل أعم. وبناءً عليه، يتطلب بناء القواعد التأسيسية تعزيز القناعة بأن التغيير يمكن تحقيقه من خلال الحركات السياسية والاجتماعية البديلة. وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي التركيز على المطالب الصغيرة وتعزيز الانتصارات الصغيرة بدلاً من التركيز على المطالبة بالتغيير الشامل على نطاق واسع.

وفيما يتعلق بالخطاب والبرامج، أشار المشاركون إلى ضرورة تبني أجندة واضحة ووضع أهداف سياسة واضحة المعالم، وليس مجرد صياغة وعود شاملة لكن غامضة بالتغيير، إلى جانب طرح حلول سياسية ملموسة تستند إليها الحملات. وبالتالي، فإن استبدال الطبقة السياسية الحالية ببديل قابل للبقاء يتوقف – ولو جزئيا على الأقل – على القدرة على اقتراح حلول للمشاكل المستوطنة في النظام الحالي كالفساد مثلا. بيد أن المجتمع المدني والمجموعات السياسية البديلة، لا يعرفون، باعتراف المشاركين أنفسهم، كيف ستبدو مثل هذه الحلول السياسية. علاوة على ذلك، ونظراً لوجود تباينات بين هذه المجموعات والقوى من حيث الأولويات والبرامج، فهي لا تزال تناقش ما إذا كان يتعيّن عليها أن تتوحّد في إطار أوسع بأهداف مشتركة أو أن تبقي على قضاياها الخاصة. وحاجج البعض بضرورة توحيد حركات المجتمع المدني والحركات البديلة في الأولويات الرئيسية التي يمكن أن يقف خلفها الشعب اللبناني بأكمله، مع إمكانية وجود مجموعات منفصلة ذات مهامّ خاصّة حول قضايا مختلفة فقط (مثل حقوق مجتع الميم - الـ LGBTQ). ولكن الجميع اتفقوا على أن المجموعات المنشقة لا ينبغي أن تتشكل حول الكتل السكانية أو الطائفية وإنما حول القضايا نفسها وأن يقترن ذلك بالجهود الرامية إلى تحقيق انتصارات صغيرة من أجل إثبات قدرة البديل السياسي بشكل ملموس على تحقيق نتائج ذات مغزى.

 إشراك الشباب في السياسة اللبنانية

فيما يتعلق بوضع الشباب على وجه الخصوص وبوسائل زيادة تفعيل مشاركتهم في السياسة اللبنانية والبدائل السياسية الجديدة تحديدا، اتفق المشاركون على أن الشباب اللبناني ليس خارج السياسة؛ على العكس، بالغ المشاركون بالتأكيد على الاهتمام الذي يبديه الشباب بـالسياسة ولكنهم أشاروا إلى النقص في النضج السياسي بين الشباب باعتباره العقبة التي تمنعهم من مزيد من المشاركة. وتأتي أنماط التصويت لدى الشباب واختيار مواقفهم السياسية في الأغلب من توافق الآراء في الأسرة بدلاً من التفكير الشخصي. ورداً على ذلك، تمّ اقتراح مجموعة متنوعة من التوصيات، بما في ذلك تخفيض سنّ الاقتراع ورفع الوعي بالسياسة بين طلاب المدارس الثانوية من خلال التربية المدنية وإنشاء منتديات للنقاش لزيادة الوعي السياسي للشباب وتعزيز الحوار الهادف بين الخصوم السياسيين.

كما ذكر المشاركون أن مسألة السياسة وأهميتها في الحياة اليومية يجب أن تكون جزءاً من مناقشاتهم في الفترة التي تفصل ما بين الدورات الانتخابية، وليس فقط في وقت الانتخابات. قد يعني ذلك – عمليا - على سبيل المثال وضع قضايا مثل التنمية الاقتصادية والتعليم من وجهات نظر سياسية واضحة من أجل الارتقاء بالوعي من حالة الطبيعة السياسية الفطرية للحياة الاجتماعية. ويمكن تحقيق ذلك بشكل ملموس من خلال بناء اتحادات طلابية وإجراء انتخابات طلابية، الأمر الذي من شأنه أن يزوّد الشباب أيضاً بمعرفة أوسع بعملية التصويت. كما شدّد المشاركون في حوار السياسات على العمل التطوّعي كوسيلة لتفعيل الوعي المدني للشباب، وبالتالي تحويلهم إلى فاعلين سياسيين مستقبليين.

 

[1]  في هذه العبارة استعارة من عنوان كتاب صدر في 2010 من تأليف توماس بوج: " ما يكمن وراء الخطاب المؤيد للفقراء"، وهو عبارة عن مناقشة حول القضايا ذات الأهمية العالمية وعلاقتها بالفقر. - المترجم