"#كوزينتك !": " عندما تتيح كرة القدم الفرصة للتعبير عن عدم المساواة

مشجعات مغاربيات يهتفن خلال المباراة النهائية لكأس الأمم الأفريقية للسيدات 2022 بين المغرب وجنوب إفريقيا في ملعب الأمير مولاي عبد الله في الرباط، المغرب في 23 تموز/ يوليو 2022. © جلال مرشدي / AA.

في المغرب، يظل الفضاء العام بالمعنى الهابرماسي، أي وفق المفهوم الاجتماعي السياسي الذي يعبر عن درجة التمتع بالحرية السياسية للمواطنين، ذكورًا وإناثًا1يورغن هابرماس، "التعصب والتمييز"، الجزء الأول، العدد 1، 2003، ص: 2-12 ويورغن هابرماس، "من التعصب الديني إلى الحقوق الثقافية"، سبق ذكره في العدد 13، 2003/1، ص: 151-170. ، فضاءً من صنع الرجال ولأجلهم فقط. فالمقصود بالفضاء العام، المادي أو السياسي أو الإعلامي أو الرقمي، هو المكان الذي يُمكن فيه التعبير عن الرأي ورفع المطالب والاعتراض والاحتجاج. ومما لاشك فيه، أن التضييق والحد من حظ المرأة للوصول إلى هذا الفضاء وخضوعها للرقابة المستمرة، يعيق تحقيقها مكانة المواطنة الكاملة القائمة على المساواة بين الرجل والمرأة.

غالبًا ما يُفهم مصطلح المساواة في الوصول إلى الفضاء العام على أنه وصول المرأة إلى انتزاع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بأماكن صنع القرار السياسي، وإلى عالم العمل والوصول كذلك إلى الموارد الاقتصادية2هذه الفضاءات تفرض بعض المرشحات غير المرئية للسماح بمشاركة المرأة، لا سيما فيما يتعلق بالانتماء السياسي أو الجمعوي، والمستوى الفكري، والتنظيمي، وما إلى ذلك، مما يعني أن المشاركة تظل نخبوية أو مواضعية! . في حين، يجب أن يشمل هذا الحق في المساواة بين الجنسين أيضًا فضاءات التعبير والرفض والمطالبة، الأكثر انتشارًا وانفتاحًا، وفضاءات الحوار التي تسمح بالتعبير عن المطالب، الجماعية منها والفردية، المؤقتة والمحلية أو الثابتة والوطنية. ومن بين هذه الفضاءات، سنولي اهتمامًا خاصًا بمجال المناصرة الرياضية.

بالنسبة للموضوع المطروح في هذا المقال، ينصب اهتمامنا على حدث كأس العالم لكرة القدم 2022 الذي أقيم في قطر - دون التركيز مع ذلك على عاملي الزمان والمكان لهذا الحدث الرياضي - لنتساءل عن مدى حضور النساء في الأماكن العامة في المغرب. إن الصور التي تم بثها في وسائل الإعلام على نطاق واسع للملاعب القطرية أثناء مباريات المنتخب المغربي أو صور التظاهرات الاحتفالية في الشوارع الرئيسية في المدن المغربية عقب انتصارات هذا الفريق، كلها أشادت بما اعتبرته حضورًا متميزًا وغير مسبوق للنساء. لكن هذه الإشادة تقتضي منا أن نطرح السؤال المُلح حول الثمن الذي توّجب دفعه ليبرز ظهور المرأة في هذه الفضاءات، ويفرض علينا أيضًا الاهتمام، إذا تجاوزنا بعض الوجوه من النساء القلائل اللاتي سُلطت عليهن أضواء الكاميرات، بجميع النساء المهمشات، اللواتي يظلن بعيدات عن الأضواء، ولا يزلن يطالبن، وإن كان ذلك بشكل مختلف، بسبل المساواة - المكانية والاقتصادية والاجتماعية والجنسانية – لتشمل فضاءات التواصل الاجتماعي الرياضي. هذا المطلب، على الرغم من كونه من الأساسيات، يكشف مدى التباينات الإقليمية والاجتماعية والجنسانية الموجودة في المغرب.

وبناءً على ما سلف توضيحه، تستند هذه الورقة إلى ثلاث أفكار أساسية. يتعلق الأمر في المرحلة الأولى بتوضيح العلاقة القائمة بين المناصرة الرياضية، والوصول إلى الفضاء العام ومجال الحرية، والأشكال الجديدة للاحتجاجات والمطالب العلنية، مع تسجيل غياب المرأة عن هذه الفضاءات المعروفة باعتبارها مساحات يعبر فيها الناس عن مشاركتهم كمواطنين. سوف نُحلل مجريات كأس العالم لكرة القدم باعتبارها لحظة تنتقل من خلالها الصورة المتحررة عن المرأة المغربية الحاضرة في الملاعب والأماكن العامة المختلطة (المقاهي والشوارع وساحات المشجعين، إلخ) في المغرب وقطر. على الرغم من ذلك، وعبر استطلاع ناتنوغرافي 3الناتنوغرافيا، طريقة نوعية لدراسة المجتمعات الافتراضية، وهي مستوحاة من الطريقة الإثنوغرافية القائمة على الملاحظة غير المشاركة للجهات الفاعلة. لفهم أكثر عمقًا لهذه الطريقة، راجع عمل نضرا صيارح (2022)، "الناتنوغرافيا: تطبيق طريقة بحث تنظر في المجتمعات الافتراضية التي تدخل ضمن اهتمام دراسة الموضوعات الحساسة". البحوث النوعية، 32 (2)، 227-251. أجري من خلال مواقع فيسبوك وانستغرام وتيك توك، سنقوم بتحليل أوجه التفاوت التي كشفتها هذه الصورة بشكل متناقض. أخيرًا، يتعلق الأمر بربط هذا الحدث الرياضي، الذي يتم على مستوى عالمي، بتصاعد شكل من أشكال الاحتجاج، والمطالبة بالحق في الوصول المتكافئ إلى الفضاء العام بجميع أبعاده -المادية والافتراضية والسياسية - من خلال المواجهة في فضاء المقاهي والتعبير عن الرأي وهاشتاج "#kouzintek"، وهي الكلمة التي تعبر عن الأمر المهين الموّجه إلى المرأة "عودي إلى مطبخك!".

المناصرة الرياضية وتصاعد حدة التعبير الاحتجاجي

يتطلب العمل والبحث في موضوع المناصرة الرياضية في المغرب أولاً وقبل كل شيء الفصل بين المناصرة الرياضية التي تنظمها وتتزعمها مجموعات الألتراس، وبين المناصرة غير المنظَمة المشكلَة من مناصرين عرضيين أو موسميين، الذين يمثلون الجمهور الأوسع نطاقًا من مناصري نادي رياضي أو فريق كرة قدم 4وليام نيوتنس، (2004). شعبية كرة القدم: الدراسة الاجتماعية للمناصرين الرياضيين من مدينتي لينس وليل الفرنسيتين. مطابع جامعة أرتوا. المرتبطين بالبعدين الزماني والمكاني المحددان للحدث الرياضي. وهذا يستدعي أيضًا التمييز بين مناصرة أندية البطولة (الدوري الوطني) ومناصرة المنتخب الوطني، المقيّدة زمنيًا وغير متاحة لجميع المشجعين. في المغرب، اقتصرت الأعمال المكرسة لدراسة ظاهرة المناصرة الرياضية على ظاهرة الألتراس، وركزت على تنظيمهم وما يرتكبونه من أعمال عنف5انظر على وجه الخصوص أعمال عبد الرحيم بوركيه، (2018)، الالتراس في المدينة: دراسة اجتماعية حول جانب من جوانب العنف الحضري. منشورات ملتقى الطرق. زكريا لحراش. (2021)، النظرة إلى العنف في ملاعب كرة القدم، من زاوية المتفرجين المغاربة، حالة أنصار نادي الرجاء والوداد،  RCA وWAC بالدار البيضاء ، أطروحة دكتوراه. بورجوندي فرانش كونت؛ عبد الرحيم رهاريب، "انحرافات المناصرين الرياضيين في المغرب". في رهانات التنمية الاقتصادية والمالية والبيئية في ظل عولمة محفوفة بالمخاطر. (ص 501-512). دار النشر بجامعة بوزنان للاقتصاد والأعمال. ومؤخراً على نشاطهم الاحتجاجي.

حتى وإن لم يكن موضوع المناصرة الرياضية المنظمة من قِبل مجموعات الألتراس هو الغاية النهائية التي نركز عليها في هذه المقالة، فمن المهم دائمًا التطرق إلى هذا الصنف من المناصرين والبحث في نشأتهم وتطوّر عملهم الاحتجاجي. في الواقع يتعلق الأمر بظاهرة انتشرت بين مشجعي ناديي كرة القدم الرئيسيين، الرجاء والوداد البيضاوي في عام 2005، قبل أن تمتد الظاهرة لتعُم منذ ذلك الحين جميع أنحاء المغرب.6غرين بويز الرجاء، وينرز الوداد، الألتراس العسكري للجيش الملكي، هلالة بويز القنيطرة، الماتادور تطوان، الهرقل من طنجة، إمازغن أكادير ، الألتراس شارك من آسفي ... باعتبارهم ركائز حقيقية لفرقهم المحلية، يتألق عناصر الألتراس من خلال ما يحدثونه من أجواء احتفالية ملفتة للنظر في منعطفات الملاعب 7يوجد في الملاعب اختلافات بين المدرجات الجانبية المغطاة والمجهزة لاستقبال المشجعين، مقابل الجوانب الأخرى من المدرجات، الموجودة على الأطراف، أو في المنحرفات، التي تقع خلف المرمى، حيث يتواجد عناصر الألتراس الذين يستحوذون عليها "[...] الأطراف، المنعطفات، هذه الجوانب من الملاعب المفتوحة لهبوب الرياح، وأشعة الشمس والمطر، والمدرجات المجهزة بشكل متواضع، حيث تتلاصق أجساد المتفرجين، خاصة عندما يقفون لتشجيع فريقهم بشكل أفضل" برومبيرغر، كرستيان. توزيع المتفرجين: ما وراء سعر المقاعد، ومناطق الملاعب، في: مباراة كرة القدم: إثنولوجيا، حماسة متحزبة في مرسيليا ونابولي وتورينو [أونلاين]. باريس: إصدارات بيت العلوم الإنسانية 1995. وبفضل عرض لوحات التيفو 8التيفو عبارة عن لافتات عملاقة يحركها مجموع أنصار فريق معين، أطلق عليهم في بلدان معينة اسم  "تيفوسي" أو "أفسيونادوس" (هواة)، في مدرجات ملعب كرة القدم أو حلبة تستضيف اجتماعًا رياضيًا. وترديدهم الأهازيج وقرع الطبول ورفع اللافتات العملاقة. لم يتطوّر نشاط مجموعات الألتراس إلى أعمال الاحتجاج، إلا ابتداء من 2011، أي في السنة التي خرج فيها الألتراس العسكري لفريق الجيش الملكي " Far" 9نادي القوات المسلحة الملكية، فريق مدينة الرباط. انظر مقال "في المغرب، الألتراس يرفعون صوتهم لسرد مأساة شباب خابت آماله". إلى الشوارع، وهم يهتفون بأغاني مناهضة للمخزن (النخبة الحاكمة في المغرب) خلال انتفاضات الربيع الديمقراطي.10مثلما أوضحنا في كتابات أخرى، اخترنا تسمية الربيع الديمقراطي (بدلاً من الربيع العربي) الذي يحترم التنوع العرقي واللغوي لمواطني المغرب، ولا سيما الأمازيغ. في عام 2012، استعار الوينرز (الفائزون) من مناصري فريق الوداد "WAC" شعار الربيع العربي للمطالبة برحيل رئيس ناديهم، عبد الإله أكرم، نفذوا ذلك عن طريق الرسم على الأثاث الحضري في الساحات والشوارع وجدران مدينة الدار البيضاء، ثم المدن الأخرى من المغرب، كتابات "أكرم إرحل | (أكرم ديقاج)". لم يكن هذا الشعار المكتوب بلون الدم الأحمر الداكن أو بالأسود، احتجاجًا على سوء إدارة رئيس الفريق فحسب، بل كان يهدف في المقام الأول إدانة نوع من الممارسات التي تحاول تحويل آخر معقل من معاقل الترفيه للشباب البيضاوي إلى وسيلة تُستخدم لجلب النفع عن طريق الأعمال التجارية وشق الطريق نحو العالم السياسي. بعد ذلك بسنوات، في 2017، قامت مجموعة النسور (gruppo Aquile) التابعة لمجموعة Ultras Green Boys" | الفتيان الخضر" لفريق الرجاء، بتأليف وترديد أغنية "في بلادي ظلموني"، وهي خطوة، اعتبر بعض الباحثين، أنها قد سرّعت من وتيرة احتجاجات الألتراس11عبد الرحيم بوركيه، "ملاعب كرة القدم، مسرح سياسي جديد"، البيان، 2019. . منذ ذلك الحين، أصبح هؤلاء يعتبرون بمثابة الناطق المخوّل للتحدث باسم الشعب ويعبر عن آلامه وآماله. كانت هذه الأغنية عادة ما ترافقها الأهازيج الصاخبة12فورة حماسية شاملة في المدرجات، يصاحبها أحيانًا قنابل دخان. في الملاعب وكتابة الشعارات الاحتجاجية من قِبل المشجعين في كل مكان في مدن المغرب، وعلى الجدران أو في فصول المدارس أو على جدران الشوارع أو طاولات التلاميذ ... تبعتها أغانٍ أخرى تُرَدد صدى الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اعتادت عليها مجموعة "ألتراس غرين بويز". وهكذا، غنت مجموعة "الوينرز |les Winners" أغنية "أحرار ومتمردون" و"قلب حزين" في عام 2019، في حين ألفت فرقة هرقل في طنجة أغنية "بلاد الحقرة" أي القهر، في العام نفسه.

المرأة واقصائها من الفضاءات العامة الخاصة بالمناصرة الرياضية

على الرغم من أن هذه الديناميكية اكتسبت طابعًا شعبيًا، تظل النساء الغائب الرئيسي13وتجدر الإشارة إلى وجود استثناء في هذا السياق، تمثل في وفاة الشابة، حياة بلقاسم، في 25 أيلول/سبتمبر 2018، حيث لقت مصرعها بعد إصابتها برصاص البحرية المغربية، أثناء محاولة للهجرة غير القانونية عن طريق البحر. أثار هذا الحدث أجواء من الغضب وموجة عارمة من التعاطف، وحضر ماتادورس تطوان المباراة مرتدين  قمصانًا سوداء، وقاموا بعد ذلك بأعمال تخريب! من مجموعات الألتراس التي تلهب ساحات الملاعب حماسةً بالأغاني والتيفو14هنا أيضًا تميزت مجموعات الألتراس ببراعة حقيقية، أحيانًا ذات دلالة عميقة ومتطورة، مستوحاة من روائع سينمائية، لا سيما The game of thrones  (لعبة العروش)، وسر الغرفة 101 لجورج أورويل أو مسرحية مغنية الأوبرا الصلعاء للكاتب المسرحي أوجين يونسكو. ومن خلال استحواذها على جنبات الملاعب من خلال كتابة الشعارات ورسومات الألتراس على الجدران. لا يقتصر الأمر على نشأة الألتراس من هياكل ذكورية بشكل حصري وترديد شعاراتهم الاحتجاجية بصيغة ضمير المذكر، فالأمر أكبر من ذلك، فحتى عند استخدامهم الصورة الأنثوية، يكون الغرض من ذلك فقط التقليل من شأن خصومهم وإهانتهم، مثلما يبينه الرسم على الجدران المبين أدناه.

غرافيتي ألتراس جرين بويز- الرجاء، في ضواحي الدار البيضاء، يمكن في هذا الرسم ملاحظة تمثيلين متحيزين جنسياً: 1- تمثيل البطة كرمز للفريق الخصم، الوداد، في صورة مؤنثة في وضع الإغواء؛ 2 - تاريخ إنشاء الفريق، والتي تتضمن أول رقم 9 تم رسمه بسهم متجه إلى أعلى اليمين، رمزًا للرجولة، بينما يظهر تاريخ 1937، تاريخ إنشاء فريق الوداد، باللون الأحمر والرقم 9 فيه، متضمنًا سهمًا نحو الأسفل، رمز الأنوثة. مصدر الصورة © توفيق سعدو

على الرغم من ظاهرة تأنيث الملاعب البادية بوضوح متزايد في السنوات الأخيرة، لا تزال صورة النساء في الملاعب مماثلة لصورتهن في السياسة؛ غالبًا ما يُنظر إليهن بشكل سيء باعتبارهن أولًا يحْتلن مكانًا مخصصًا اجتماعيًا وثقافيًا للرجال، وفوق ذلك، أنهن لا يقمن بمسؤوليتهن الأساسية داخل البيوت وبين أسرهن. وفي الوقت نفسه، تستغل المرأة كعنصر تجميلي يضيف على الفضاء العام، لمسة طفيفة من الحداثة. حاولت مناصرات العديد من أندية كرة القدم إنشاء أقسام نسوية للألتراس، مع تأكيدهن على اهتمامهن بقضايا النادي، بالقدر نفسه مثل "إخوانهم الذكور". في عام 2005، نشأت مجموعة "ألتراس غرين غيرلز (ألتراس الفتيات الخضر) لكنها لم تعمر طويلًا واختفت بعد بضع سنوات. ونظرًا لرفض قبولهن واستضافتهن على الموقع الرسمي لألتراس غرين بويز، حاول القسم النسوي إنشاء مدونته الخاصة على الشبكة (تم إنشاؤها في 26 أيار/مايو 2005) وفتح حسابات فيسبوك15https://magana.skyrock.com/1040950804-green-girls.html;  https://green-girls01.skyrock.com/729333086-Banderole-Green-Girls.html;  https://nabil860.skyrock.com/729542949-Green-girl.html ، بشعاره الخاص ونشر بيان صحفي يعلن فيه عن إنشائه16"نحن مجموعة من المناصرات الألتراس، لقد نشأت مجموعتنا في عام 2005 بعد تأسيس مجموعة إخواننا غرين بويز الأعزاء. نحن مجموعة من الصديقات، عشاق الرجاء البيضاوي، الوفيات لهذا النادي، قررنا إنشاء أول مجموعة من مشجعات الألتراس في المغرب،  أطلقنا عليها اسم "GREEN-GIRLS"… https://green-girls01.skyrock.com/729333086-Banderole-Green-Girls.html . لكن طموح هذا القسم النسوي تلاشى تمامًا. إن موجة التعليقات الجنسية المتواترة على هذه المدونات وكذلك على صفحات الفيسبوك، مع نعت فتيات هذا القسم بالمومسات واتهام الرجال من أسرهن بعدم القدرة على مراقبة أخواتهم، كل ذلك وضع حدًا لهذه المبادرة من خلال إنشاء حركة معارضة داخل ألتراس غرين بويز، خاصة بعد ظهور المقطع الصارخ من الألتراس "وينرز" الذي لا يزال متداولاً على تيك توك17"اللهم أوقف هذه الكارثة وضع نهاية لألتراس "غرين غيرلز" اللواتي رآهن الجميع في الملعب يرقصن في لباس عاري! لقد حوّلن هذا الجانب من المدرجات إلى غرفة نوم!» https://www.tiktok.com/@wydad_army/video/7111280670609034502?q=Ultras%20green%20girls&t=1678033798740 . وإلى يومنا هذا، تتعرض الفتيات اللائي يعلن أنفسهن أعضاء في الألتراس على الشبكات الاجتماعية، لأسوأ الإهانات من مستخدمي الإنترنت الذين يعتبرون أن الانتماء إلى مجموعات الألتراس أمر مقتصر على الرجال فقط.

بيان صحفي لـ Green Girls نُشر في الصحف في عام 2007. الصورة مأخوذة من مدونة Green Girls تم نشرها على شبكة الانترنت في 5 أيار/مايو 2007.

المناصِرات المغربيات، رياح الحداثة تهب على الملاعب!

منذ بضعة سنوات، شهدت ملاعب كرة القدم في المغرب ودول مغاربية وعربية أخرى، زيادة ملحوظة في حضور المشجعات الإناث. وجاء مونديال قطر لكرة القدم ليؤكد هذه الظاهرة. أضحت النساء المغربيات الموّشحات بألوان زاهية، المتواجدات في مدرجات الملاعب وفي الساحات الاجتماعية وأثناء الاحتفالات التي تلي المباريات، تنقل صورة تعبر عن الانفتاح والحرية التي تتمتع بها المرأة في الأماكن التي كانت مخصصة سابقًا للرجال حصريًا. لكن مع ذلك، مثل هذه الظاهرة تفرض علينا طرح سؤالين رئيسيين، وهما: كيف تم التفاوض بشأن هذه القضية ليكون مثل هذا الحضور مقبولًا، وخاصة، كيف يمكن أن نفهم أنه في الوقت الذي تنتشر فيه صور النساء المشجعات لفريقهن في وسائل الإعلام، لا يزال الرجال يستبعدونهن من الهياكل التنظيمية والمساحات الصغيرة، حيث تتجلى هذه المناصرة وتمارَس فعليًا؟

أثناء قيامنا بالتحقيق في أسباب ظاهرة تأنيث الملاعب في المغرب، فهمنا أن هذه النقلة النوعية تعكس إرادة حكومية تتجلى من خلال توجيهات الوزير المسؤول عن هذا القطاع، التي تنص على حرية وصول النساء إلى الملاعب أثناء مباريات المنتخب الوطني منذ 2018.18مذكرة تندرج في إطار الموازنة المراعية لنوع الجنس، وزعتها الوزارة المسؤولة لعام 2018 ولم تعد هذه المذكرة موجودة. غير أن هذه التوجيهات الوزارية لا تنطبق على مباريات الدوري المحلي أو مباريات الديربي. لم تعد النساء، بصرف النظر عن سنهن أو وضعهن الاجتماعي، تقبل مثل هذا النوع السلبي والمُقَيد من المناصرة الرياضية، بل تطمحن إلى عيش تجربة الملاعب بحماسها وعنفوانها الكاملين دون تقييد، حتى لو تطلب منهن الأمر في بعض الأحيان، دفع الثمن مرتين مقابل حضورهن. وصولهن إلى الملاعب يخضع لتدابير تكتيكية مكلفة في مجال التعامل مع العنف وقضايا التحرش، لذا يتعين عليهن على سبيل المثال، شراء تذاكر مقاعد أكثر تكلفة، أو اصطحابهن من قِبل أولياء أمورهن أو أفراد أسرهن الذكور. ومع ذلك كله، حتى في حالة تمكن الجنس اللطيف من الوصول إلى الملاعب، لا يزال يتعذر عليهن التواجد في بعض الجهات من المدرجات، كالمنعطفات، لا سيما تلك التي يوجد فيها عناصر الألتراس حيث تفرض قواعد الذكورة والرجولة والقوة نفسها بشكل تام.

من المهم ملاحظة تلك الليبرالية الاقتصادية التي يتم في إطارها تأنيث الملاعب الآن، لأن هذه الليبرالية تستجيب بشكل ملموس لحاجة السوق. إن المراقب الذي يلاحظ تأنيث مساحات المناصرة الرياضية، لا يفوته أيضًا التغير في الديكور الطارئ على هذه المساحات، بدءًا من وجود إعلانات مخصصة للنساء تُمثل بضائع تجارية تستهدف سوقًا نسائيًا (مجوهرات، ملابس، أدوات للزينة، وما إلى ذلك).19سيريل، ف. (2010). "أديداس- المرأة هي مستقبل الرياضة". المطبوعات والدراسات والتحليل.

في إطار هذا النشاط التسويقي الرياضي المتحرر، يُستخدم حضور المرأة في الملاعب، لا سيما في المغرب، بهدف نقل صورة للحداثة والمساواة السائدة في البلد إلى العالم، بما يتعارض بشكل جذري مع التصورات التي يشكلها الغرب عن دول الجنوب المحافظة وعن الأبوية المقيدة لحرية المرأة. في هذا الموضوع، من المهم التطرق، ولو بإيجاز، إلى مباريات كأس العالم الأخيرة التي تميزت بحادث لم يكن معهودًا، تمثل في غزو المشجعات المغربيات النظام الرجولي لكرة القدم، من خلال تجسيدهن موقفين متناقضين تمامًا للنساء اللائي يُظهِرن تحررهن من خلال صورة المرأة المستقلة مالياً التي تسافر وحدها، ومعها صورة الأمومة المقدسة التي رسختها صورة أمهات لاعبي كرة القدم.

المقهى والمطبخ، عندما تدور حرب الحقوق حول الفضاءات الحضرية

بعيدًا عن الصور التي تنشرها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي للنساء المغربيات اللواتي تعج بهن الملاعب ومناطق المشجعين والشوارع الرئيسية للمدن، من الضروري التساؤل عن وضع المناصَرة الرياضية النسوية في المساحات الحضرية الصغيرة التي تشكلها المقاهي والأحياء الشعبية والهامشية في المدن الكبرى، دون أن ننسى شبه غياب مناصرة نساء المناطق الريفية المغربية المحرومة من كل البنى التحتية، حتى الأكثر بساطة منها. إذا كانت المناصرة الرياضية النسوية تنطوي حقًا على ثمن يجب دفعه، فليس في استطاعة جميع نساء المغرب دفع ذلك الثمن. هناك فرق كبير بين النساء اللواتي يستطعن ​​تحمل تكلفة تذكرة الطائرة لمتابعة المباراة مباشرة أو على الأقل اللواتي لديهن القدرة، وقبل كل شيء إمكانية دفع ثمن المشروبات في المقاهي لدعم المنتخب الوطني، وبين كل النسوة اللواتي لا يستطعن الوصول إلى المقهى لأسباب اقتصادية ولكن أيضًا لعدم قبولهن في هذه الفضاءات ولا يمكنهن متابعة المباراة في المنزل بسبب احتكار حقوق البث الذي تمارسه كبرى القنوات التلفزيونية.

ونظرًا لتبني النهج الليبرالي للرياضة أثناء مقابلات كأس العالم من أجل جني أكبر قدر ممكن من الأرباح، لم يتم بث مباريات كرة القدم لا على القنوات المحلية ولا الدولية المجانية. ولمتابعة مباراة للمنتخب الوطني، كان يتعين على الجمهور المغربي إما دفع ثمن الاشتراك في إحدى القنوات التي تتمتع بالحق الحصري لبث المباريات، أو متابعتها من المقاهي عن طريق دفع ثمن الاستهلاك الذي ارتفع سعره بشكل كبير أو على الأقل امتلاك شبكة اتصال جيدة بالإنترنت ومعرفة كافية بتقنيات الوصول إلى المواقع التي تبث أجزاء من المباريات. وكان من النتائج المباشرة لهذا الوضع، أنها سلطت الضوء على التفاوتات بين المواطنين وخاصة المواطنات اللائي لا يملكن الموارد نفسها لمتابعة حدث يتعلق برياضة شعبية وجماهيرية، وفوق ذلك يخص المنتخب الوطني.

كشفت إنجازات المنتخب المغربي في نهاية المطاف أنه لا يزال هناك أفراد في المغرب، ولا سيما النساء، ليس لديهم الحق في عيش هذا الحلم. وبيّنت هذه الأحداث الكروية حقيقة لا يمكن التستر عليها، حيث أنه لا يزال هناك في المجتمع طبقات مركزية وأخرى مهمشة، وكشفت أيضًا أن هناك تفاوتات داخل الطبقات الدنيا نفسها، وأن معاناة التهميش يمكن أن تمس طبقات مختلفة من الشعب. وفي قاعدة الهرم الطبقي، نجد نساء يعانين من أقصى درجات التهميش والتمييز العنصري. وأول نوع من هذا التمييز هو الإقصاء من الفضاء العام، خاصة المقاهي في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، رغم إمكانية الوصول إليها جغرافيًا واقتصاديًا.

تسببت النساء اللواتي استطعن توفير الوسائل التي تتيح لهن متابعة المباريات في المقاهي التي تقبل الاختلاط بين الجنسين في جدال محتدم على الشبكات الاجتماعية، خاصة وسط الذكور الذين يعتبرون أن مكان المرأة الطبيعي هو بيتها، والمطبخ على وجه التحديد. ومن هنا جاء الانتقاد والاعتراض على إقصاء النساء من الفئات النسوية الأقل حرمانًا، من خلال نشرهن مقاطع الفيديو التي تمت مشاركتها على نطاق واسع على مواقع تيك توك وانستغرام وفيسبوك، وخاصة المقطع الأكثر انتشارًا، الذي ظهرت فيه امرأة أمازيغية في الستينيات من عمرها، تطالب بحقها في متابعة المباريات، من خلال تسليطها الضوء على وضعية عدم المساواة التي تعاني منها النساء 20المحتوى: المرأة توّضح بلغتها الأمازيغية في حوار مع رجل لا نرى وجهه. ترتدي امرأة في الستينيات من عمرها الزي التقليدي: "المرأة: يجب بث مباريات كرة القدم على القنوات المحلية، ولا أقبل أن يقال لي عليكِ الذهاب إلى المقاهي لمتابعة المباريات، فلماذا لا يتم بثها على القنوات الوطنية العادية؟ الرجل: هل تذهب النساء للمقاهي؟ المرأة: لا تذهب كل النساء إلى المقهى لأن ليس كل النساء لديهن الوسائل المادية للذهاب إلى هناك! عندنا، لا تملك النساء سوى أجهزة تلفزيون عادية. إن الذين يشاهدون المباريات لديهم أجهزة فك تشفير واتصال انترنت واي فاي، أما نحن فلسنا مثلهم، ليس لدينا لا أجهزة فك تشفير ولا شبكات انترنت أو واي فاي ولا نملك الوسائل للذهاب إلى المقاهي"،  https://www.instagram.com/reel/ClwpohROTV6/?utm_source=ig_web_copy_link أو من خلال مقاطع فيديو مختلفة، تُظهر نساء من مختلف الأعمار يقفن خارج المقاهي، خلف صفوف من الرجال الجالسين حول الطاولات، ومحاولتهن مشاهدة المباراة من الشارع. أما الرجال، فقد اعترضوا على حضور النساء في المقاهي، الأمر الذي يعتبرونه انتهاكًا لفضائهم الخاص. واستند بعضهم في ذلك إلى الحجة الدينية التي يزعمون وفقها أن المرأة يجب أن تبقى في البيت، بينما اعتبر البعض الآخر أن هذا الحضور للمرأة بمثابة تقييد لحريتهم، فضلاً عن ذلك اتهموا النساء بالتصرف بطرق غير محتشمة، كونهن يقبلن التواجد في مكان يفترض فيه للرجال استعمالهم "بتلقائية أثناء متابعة المباريات" لغة مبتذلة وعنيفة، في حين قال البعض بكل بساطة إن الأسئلة التي تطرحها النساء أو الأسوأ من ذلك، نبرة أصواتهن العالية، تزعجهم أثناء مشاهدة المباريات21https://www.instagram.com/p/CmA3AUkKDBe/ ، ومن ثم يأمروهن بالانصراف والعودة إلى مطابخهن "#كوزينتك"!

في خضم هذا الجدل المحتدم، أصبحت جميع النساء تطالب الآن، عبر مقاطع الفيديو ومنشوراتهن على الشبكات الاجتماعية، بالحق في ولوج المقاهي بصرف النظر عن وضعهن الاجتماعي وموقعهن الجغرافي ومواردهن المالية. تطالب النساء بهذا الحق ليس فقط باعتباره فضاءً للتواصل الاجتماعي ولكن أيضًا وقبل كل شيء، بصفته فضاء للتعبير عن الرأي والموقف السياسي بالمعنى الهابرماسي. بالمقابل أصبح "المطبخ" رمزًا لمقاومة الذكور والتصدي لهذا الشكل من أشكال التحرر الأنثوي من خلال التعبير وهاشتاغ "#Kouzintek". يجدر التذكير أن هذا المصطلح، مستمدٌ في الأصل من مقطع فيديو تمت مشاركته على الشبكات الاجتماعية وانتشر لاحقًا كالنار في الهشيم، يظهر فيه واعظ يطالب بأن ينحصر "مكان المرأة في المطبخ"22النسخة الكاملة  https://www.youtube.com/watch?v=3T0KW2yyr00 والنسخة الموجزةhttps://www.youtube.com/watch?v=-6wBGIcc7fk . وقد استُخدم هذا المصطلح على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية، كلما اقتضت الضرورة تذكير المرأة بما يعتبره منتقدوها مكانها الطبيعي، خاصة أثناء مجريات كأس العالم لكرة القدم، ولكن أيضًا أثناء مشاركة المنتخب الوطني للسيدات في كأس إفريقيا للأمم. خلال هذا الحدث الرياضي، تحوّل هذا المصطلح إلى هاشتاغ، حيث انقلب فيه السحر على الساحر، وأصبح هذه المرة، تستخدمه النساء ضد الرجال وعند كل انتصار يحققه المنتخب النسائي، تنشر السيدات رسائل بهاشتاغ "#كوزينتك"!

وهكذا، تحوّلت المواجهة بين النساء والرجال، لتنتقل إلى مواجهة تمر عبر الفضاءين الدقيقين، المتمثلين في المطبخ من جهة والمقهى من الجهة الأخرى. ينحصر دور المرأة في الفضاء الداخلي للمطبخ الذي يُستخدم للتغذية - بكل ما تحمله الكلمة من معنى - بالإضافة إلى وظيفتها الإنجابية، دون تلقي أي أجر في المقابل، في حين، يتمتع الرجل بأفضلية الفضاء الخارجي للمقهى وما يصاحبه من مزايا، بما في ذلك لحظات الترفيه ووظيفته الاجتماعية والسياسية. وفوق الجانب المادي الذي تمثله هذه الفضاءات، فإنها تشير أيضًا إلى الأدوار الجنسانية للرجال والنساء، الأمر الذي تعترض عليه النساء اللائي أصبحن يطمحن إلى حق التمتع بقدر أكبر من المساواة فيما يتعلق بحقوق الرجال والنساء دون تمييز.

ومن المفارقات المثيرة للانتباه أنه في الوقت الذي استُبعدت فيه النساء من فضاءات المناصرة الرياضية في المغرب خلال كأس العالم بقطر، سلط هذا الحدث نفسه على الساحة العالمية الضوء بفضل لاعبي المنتخب المغربي على الأمهات اللائي عانين من التهميش منذ فترة طويلة بسبب وضعهن إما كمهاجرات أو أرامل يعتنين بأطفالهن دون مساعدة أحد، أو موظفات في مناصب هامشية وغير معترف بها، مثل عاملات المنازل. هذا الاعتراف وهذا التتويج جعل منذ ذلك الحين كل المهمشات في المغرب يحلمن بفرصة تحسين وضعهن، وشجعُهُن على النضال والاحتجاج على مستويات مختلفة من أجل الاستفادة من المساواة في الوصول إلى المعلومات، وإلى الفضاء العام، وفضاءات التواصل الاجتماعي، التي لطالما احتكرها الرجال، وعلى انتزاع الحقوق الأساسية المتمثلة في المعدات والبنية التحتية الأساسية، مثل تغطية الإنترنت أو بث المباريات على القنوات الوطنية، التي تكون في متناول جميع المواطنين، رجالاً ونساءً.

على عكس ما جرت عليه العادة التي توحي بأن جميع أشكال الاحتجاج النسائي تكون بإيعاز ودعم الجمعيات والحركات النسائية، يبدو أن تلك الحركة التي انطلقت أثناء أحداث كأس العالم، برزت تلقائيًا بكل عفوية ومن دون أي تأطير. وكونها ذات طابع فردي وتستجيب للاحتياجات الشخصية للنساء اللواتي تعبرن عن هذه الاحتياجات، فقد أظهر ذلك الفجوة والتفاوتات الموجودة ليس فقط بين الرجال والنساء ولكن أيضًا بين النساء أنفسهن، والاختلافات التي تميز بينهن على مستوى الانتماء الإقليمي والطبقات الاجتماعية والمستوى الاقتصادي، إلخ. وهذا يبرهن أيضًا أن النساء المغربيات بجميع فئاتهن الاجتماعية قد طوّرن خطابًا مطلبيًا واحتجاجيًا نابعًا من قاعدة الهرم، ويبدو أن الحركة الجمعوية النسائية لم تأخذه يومًا في الاعتبار، بل تتجاهله تمامًا. ومن هنا، تبيّن أن هذه الحركة الجمعوية المُنَظمة قد تخلت عن إحدى مهامها الرئيسية، التي تفرض عليها تأطير ودعم مطالب النساء واحتواء تنوّعهن، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا على ضعف هذه الحركة التي أصبحت ردود أفعالها بطيئة وأقل قوة وموّجهة فقط نحو كبرى القضايا، مثل إصلاح مدوّنة الأسرة المغربية. وبذلك، ضيّعت الحركة النسوية فرصة الدفاع عن جوهر المبادئ التي تقوم عليها، أي العمل على تغيير المجتمع من خلال استغلال هذا النوع من المطالب النابعة من طبقات المجتمع المهمشة؛ وفقدت بذلك أيضًا فضاء مطلبيًا مُبتكرًا وبارزًا للعيان، وهو فضاء ملاعب كرة القدم المغربية. لنتصوّر على سبيل المثال، أن تيفو مباراة الديربي بين الوداد والرجاء التي جرت في 5 نيسان/أبريل 2023 نقل رسالة حول اغتصاب الطفلة البالغة من العمر 11 عامًا في المغرب23حدث مأساوي معروف على نطاق أوسع باسم اغتصاب تيفلت، وهي جريمة اغتصاب جماعي لطفلة تبلغ من العمر 11 عامًا في منطقة تيفلت شمال الرباط، أدى إلى حملها. حُكم على كل المتهمين بالسجن لمدة سنتين، بعد استفادتهم من إجراءات التخفيف، مما أثار موجة من الاحتجاجات في المغرب. وما تعرضت له من ظلم، ولا شك أن ذلك كان من شأنه إحداث تأثير أكبر مما أثاره الاعتصام الذي نظمه في اليوم نفسه تحالف الحركة النسوية "ربيع الكرامة" والذي لم يضم سوى مائة امرأة أمام محكمة الاستئناف بالرباط، والمفارقة أن هذا الاعتصام لم يحظ بالتغطية الإعلامية نفسها التي حظيت بها مباراة الديربي!

Endnotes

Endnotes
1 يورغن هابرماس، "التعصب والتمييز"، الجزء الأول، العدد 1، 2003، ص: 2-12 ويورغن هابرماس، "من التعصب الديني إلى الحقوق الثقافية"، سبق ذكره في العدد 13، 2003/1، ص: 151-170.
2 هذه الفضاءات تفرض بعض المرشحات غير المرئية للسماح بمشاركة المرأة، لا سيما فيما يتعلق بالانتماء السياسي أو الجمعوي، والمستوى الفكري، والتنظيمي، وما إلى ذلك، مما يعني أن المشاركة تظل نخبوية أو مواضعية!
3 الناتنوغرافيا، طريقة نوعية لدراسة المجتمعات الافتراضية، وهي مستوحاة من الطريقة الإثنوغرافية القائمة على الملاحظة غير المشاركة للجهات الفاعلة. لفهم أكثر عمقًا لهذه الطريقة، راجع عمل نضرا صيارح (2022)، "الناتنوغرافيا: تطبيق طريقة بحث تنظر في المجتمعات الافتراضية التي تدخل ضمن اهتمام دراسة الموضوعات الحساسة". البحوث النوعية، 32 (2)، 227-251.
4 وليام نيوتنس، (2004). شعبية كرة القدم: الدراسة الاجتماعية للمناصرين الرياضيين من مدينتي لينس وليل الفرنسيتين. مطابع جامعة أرتوا.
5 انظر على وجه الخصوص أعمال عبد الرحيم بوركيه، (2018)، الالتراس في المدينة: دراسة اجتماعية حول جانب من جوانب العنف الحضري. منشورات ملتقى الطرق. زكريا لحراش. (2021)، النظرة إلى العنف في ملاعب كرة القدم، من زاوية المتفرجين المغاربة، حالة أنصار نادي الرجاء والوداد،  RCA وWAC بالدار البيضاء ، أطروحة دكتوراه. بورجوندي فرانش كونت؛ عبد الرحيم رهاريب، "انحرافات المناصرين الرياضيين في المغرب". في رهانات التنمية الاقتصادية والمالية والبيئية في ظل عولمة محفوفة بالمخاطر. (ص 501-512). دار النشر بجامعة بوزنان للاقتصاد والأعمال.
6 غرين بويز الرجاء، وينرز الوداد، الألتراس العسكري للجيش الملكي، هلالة بويز القنيطرة، الماتادور تطوان، الهرقل من طنجة، إمازغن أكادير ، الألتراس شارك من آسفي ...
7 يوجد في الملاعب اختلافات بين المدرجات الجانبية المغطاة والمجهزة لاستقبال المشجعين، مقابل الجوانب الأخرى من المدرجات، الموجودة على الأطراف، أو في المنحرفات، التي تقع خلف المرمى، حيث يتواجد عناصر الألتراس الذين يستحوذون عليها "[...] الأطراف، المنعطفات، هذه الجوانب من الملاعب المفتوحة لهبوب الرياح، وأشعة الشمس والمطر، والمدرجات المجهزة بشكل متواضع، حيث تتلاصق أجساد المتفرجين، خاصة عندما يقفون لتشجيع فريقهم بشكل أفضل" برومبيرغر، كرستيان. توزيع المتفرجين: ما وراء سعر المقاعد، ومناطق الملاعب، في: مباراة كرة القدم: إثنولوجيا، حماسة متحزبة في مرسيليا ونابولي وتورينو [أونلاين]. باريس: إصدارات بيت العلوم الإنسانية 1995.
8 التيفو عبارة عن لافتات عملاقة يحركها مجموع أنصار فريق معين، أطلق عليهم في بلدان معينة اسم  "تيفوسي" أو "أفسيونادوس" (هواة)، في مدرجات ملعب كرة القدم أو حلبة تستضيف اجتماعًا رياضيًا.
9 نادي القوات المسلحة الملكية، فريق مدينة الرباط. انظر مقال "في المغرب، الألتراس يرفعون صوتهم لسرد مأساة شباب خابت آماله".
10 مثلما أوضحنا في كتابات أخرى، اخترنا تسمية الربيع الديمقراطي (بدلاً من الربيع العربي) الذي يحترم التنوع العرقي واللغوي لمواطني المغرب، ولا سيما الأمازيغ.
11 عبد الرحيم بوركيه، "ملاعب كرة القدم، مسرح سياسي جديد"، البيان، 2019.
12 فورة حماسية شاملة في المدرجات، يصاحبها أحيانًا قنابل دخان.
13 وتجدر الإشارة إلى وجود استثناء في هذا السياق، تمثل في وفاة الشابة، حياة بلقاسم، في 25 أيلول/سبتمبر 2018، حيث لقت مصرعها بعد إصابتها برصاص البحرية المغربية، أثناء محاولة للهجرة غير القانونية عن طريق البحر. أثار هذا الحدث أجواء من الغضب وموجة عارمة من التعاطف، وحضر ماتادورس تطوان المباراة مرتدين  قمصانًا سوداء، وقاموا بعد ذلك بأعمال تخريب!
14 هنا أيضًا تميزت مجموعات الألتراس ببراعة حقيقية، أحيانًا ذات دلالة عميقة ومتطورة، مستوحاة من روائع سينمائية، لا سيما The game of thrones  (لعبة العروش)، وسر الغرفة 101 لجورج أورويل أو مسرحية مغنية الأوبرا الصلعاء للكاتب المسرحي أوجين يونسكو.
15 https://magana.skyrock.com/1040950804-green-girls.html;  https://green-girls01.skyrock.com/729333086-Banderole-Green-Girls.html;  https://nabil860.skyrock.com/729542949-Green-girl.html
16 "نحن مجموعة من المناصرات الألتراس، لقد نشأت مجموعتنا في عام 2005 بعد تأسيس مجموعة إخواننا غرين بويز الأعزاء. نحن مجموعة من الصديقات، عشاق الرجاء البيضاوي، الوفيات لهذا النادي، قررنا إنشاء أول مجموعة من مشجعات الألتراس في المغرب،  أطلقنا عليها اسم "GREEN-GIRLS"… https://green-girls01.skyrock.com/729333086-Banderole-Green-Girls.html
17 "اللهم أوقف هذه الكارثة وضع نهاية لألتراس "غرين غيرلز" اللواتي رآهن الجميع في الملعب يرقصن في لباس عاري! لقد حوّلن هذا الجانب من المدرجات إلى غرفة نوم!» https://www.tiktok.com/@wydad_army/video/7111280670609034502?q=Ultras%20green%20girls&t=1678033798740
18 مذكرة تندرج في إطار الموازنة المراعية لنوع الجنس، وزعتها الوزارة المسؤولة لعام 2018 ولم تعد هذه المذكرة موجودة.
19 سيريل، ف. (2010). "أديداس- المرأة هي مستقبل الرياضة". المطبوعات والدراسات والتحليل.
20 المحتوى: المرأة توّضح بلغتها الأمازيغية في حوار مع رجل لا نرى وجهه. ترتدي امرأة في الستينيات من عمرها الزي التقليدي: "المرأة: يجب بث مباريات كرة القدم على القنوات المحلية، ولا أقبل أن يقال لي عليكِ الذهاب إلى المقاهي لمتابعة المباريات، فلماذا لا يتم بثها على القنوات الوطنية العادية؟ الرجل: هل تذهب النساء للمقاهي؟ المرأة: لا تذهب كل النساء إلى المقهى لأن ليس كل النساء لديهن الوسائل المادية للذهاب إلى هناك! عندنا، لا تملك النساء سوى أجهزة تلفزيون عادية. إن الذين يشاهدون المباريات لديهم أجهزة فك تشفير واتصال انترنت واي فاي، أما نحن فلسنا مثلهم، ليس لدينا لا أجهزة فك تشفير ولا شبكات انترنت أو واي فاي ولا نملك الوسائل للذهاب إلى المقاهي"،  https://www.instagram.com/reel/ClwpohROTV6/?utm_source=ig_web_copy_link
21 https://www.instagram.com/p/CmA3AUkKDBe/
22 النسخة الكاملة  https://www.youtube.com/watch?v=3T0KW2yyr00 والنسخة الموجزةhttps://www.youtube.com/watch?v=-6wBGIcc7fk
23 حدث مأساوي معروف على نطاق أوسع باسم اغتصاب تيفلت، وهي جريمة اغتصاب جماعي لطفلة تبلغ من العمر 11 عامًا في منطقة تيفلت شمال الرباط، أدى إلى حملها. حُكم على كل المتهمين بالسجن لمدة سنتين، بعد استفادتهم من إجراءات التخفيف، مما أثار موجة من الاحتجاجات في المغرب.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.