دروس مستفادة من حركة حقوق المرأة المغربية: التغلب على الانقسامات للدفع بالإصلاح

* هذه الورقة هي المشاركة الفائزة في مسابقة مقال الطالب لعام 2022. تم تحريرها لغويا بشكل طفيف ؛ الحجج والأسلوب والمحتوى خاصة بالمؤلف.

يُجسد تاريخ الحركة النسائية في المغرب تاريخ حركة اجتماعية أصبحت تتحول بسرعة إلى طرف فاعل بارز في سياق الإصلاح السياسي والاجتماعي للبلاد، وذلك بفضل فعالية الضغط الذي تمارسه من أجل إصلاحات عديدة لخدمة المبادئ النسوية. يتجلى ذلك في مسيرة النساء عام 2000، أو تغيير مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية في المغرب) في عام 2004، أو إعلان المساواة بين الجنسين في الدستور الجديد الصادر عام 2011. وتتألف الحركة النسائية في المغرب من جمعيات وجماعات ومبادرات مختلفة نجحت في كثير من الأحيان التحشد من أجل ممارسة الضغط لإحداث التغيير. تحلل هذه الورقة الحركة النسائية في المغرب من أجل استخلاص الدروس المستفادة من العوامل الرئيسية التي مكنتها من التغلب على الانقسامات الاجتماعية عند الضغط لصالح السياسات النسوية.

ما الذي يجعل الحركة الاجتماعية فعالة في قيادة التغيير؟

توجد خمسة عوامل لتحديد مدى فاعلية الضغط الذي تمارسه أيّ حركة اجتماعية، وهي: وجود هوية واضحة للحركة واستمرار عملية الضغط وإقامة تحالفات وتنوع أنشطة التعبئة التي تضطلع بها الحركة والإلمام بخصومها، لكن الانقسامات الاجتماعية غالباً ما تقوض هذه المعايير. ونفرق هنا بين نوعين من الانقسامات: (1) الانقسامات الداخلية التي تنبع من الحركة ذاتها و(2) التحديات العامة في السياق الاجتماعي والسياسي الذي يؤثر على الحركة. واستناداً إلى الاستراتيجيات التي تتبعها الحركة النسائية في المغرب، نطرح الإرشادات التالية لاستيفاء العوامل الرئيسية اللازمة لإنجاح عملية الضغط لصالح السياسات النسوية:

عوامل الضغط التي يجب تلبيتها الاستراتيجيات المزمع تنفيذها التحديات التي تواجه عملية الضغط
الضغط المستمر ممارسة الضغط كحركة واحدة وليس كقادة متفرقين التغلب على الانقسامات الاجتماعية الناتجة عن تنوع المجموعات الفرعية داخل الحركة، بما فيها دمج النسوية الإسلامية في الحركة النسائية التاريخية، واستقطاب السلطة حول شخصية رئيسية، والاقتتال الداخلي في الحركة على تولي القيادة.
التعبئة مواءمة هوية الحركة مع التغييرات الاجتماعية التي تؤثر على أحد أطرافها أو مجموعاتها
هوية واضحة صياغة شكاوى واضحة وملموسة
الإلمام بالخصوم مضاعفة الاعتراضات التي تطرحها الحركة بناءً على تنوع الخبرات والتجارب التغلب على الانقسامات الاجتماعية الناجمة عن البيئة السياسية والاجتماعية

مثل الربيع العربي، وتضاعف المبادرات المناصرة لحقوق المرأة، والدفاع عن حقوق النساء المنتميات لمجتمع الميم والكوير

إقامة تحالفات التوصل إلى أرضيات مشتركة تجمع مختلف المجموعات والحركات
مجموعة متنوعة من أنشطة التعبئة تدعيم قائمة الإجراءات من خلال الإلمام بالإجراءات التي اتخذتها الحركات الأخرى في المجتمعات ذات السياقات المماثلة

عند التغلب على الانقسامات النابعة من داخل حركة اجتماعية، يجب أخذ ثلاث استراتيجيات في الاعتبار:

الأولى، هي تأسيس حركة بلا هوية بدلاً من إبراز قادة أقوياء لكل مجموعة فرعية ضمن الحركة على حدة. إذ إن العامل المشترك بين الحركات الاجتماعية التي نجحت في التعبئة وزعزعة الأنظمة الحاكمة في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا هي عدم اختزال النضالات التي يجري التعبير عنها في شخص واحد فقط. تُبين مظاهرات ميدان التحرير في مصر واحتجاجات تونس، التي اندلعت عام 2011، كيف أن تسليط الضوء على المجموعات بأكملها وليس القادة وحدهم قد حال دون سقوط الحركات في حال اعتقال أو مقتل قادتها. ينطبق هذا على المغرب أيضاً، حيث تتألف الحركة النسائية من عموم النساء وتاريخهن النضالي وليس شخصيات نسوية بارزة تجسد الحركة ككل لأنه من الصعب سجن حركة بأكملها. بالإضافة لذلك، أدت هذه الاستراتيجية أيضاً إلى تجنب صراعات القيادة داخل الحركة.

أما الاستراتيجية الثانية فتتمثل في التكيُّف المستمر للحركة الاجتماعية مع التغييرات العابرة للحدود الوطنية. فقد أدى بزوغ الحركة الإسلامية السياسية في الشرق الأوسط والمغرب العربي الكبير إلى نشوب انقسامات اجتماعية داخل الحركة النسائية. ونتيجة لذلك، قامت باحثات نسويات كثيرات بتطوير مفهوم النسوية الإصلاحية الإسلامية، وهي مدرسة فكرية تقوم على تقديم مراجعة ونقد نسوي للتاريخ الإسلامي. وبذلك تجنبت الحركة - التي مرت بأزمة هوية - مصير التفكك. وأضفت شخصيات مثل أسماء المرابط وفاطمة مرنيسي ونادية ياسين بعض التعقيد والاكتمال إلى الحركة النسائية، وهو أمر ضروري لضمان تماسكها واجتذاب مزيد من النساء إليها. ساعد هذا في مواصلة الجهود اللازمة للضغط النسوي.

بينما تكمن الاستراتيجية الثالثة في التعبير الواضح عن شكاوى الحركة الاجتماعية، وهي استراتيجية بالغة الأهمية للتغلب على الانقسامات الاجتماعية الكثيرة داخل الحركة، والتي نشأت بسبب اشتمالها على تنظيمات متعددة. إذ ينبع كمال أيّ حركة من اتفاق المشاركين فيها حول المسألة التي يحتشدون ضدها. وقد لعبت قضية أمينة الفيلالي في عام 2012 -التي انتحرت بعد أن أُجبرت على الزواج من مغتصبها لأن القانون المغربي يسمح للمغتصب الزواج من ضحيته لتجنب الملاحقة القضائية - دوراً في تعبئة الحركة النسائية واستهدافها لبعض القوانين الأبوية والمطالبة بإلغائها.

تجاوزت المشاورات التي أجرتها الحركات النسوية حول قضية أمينة الفيلالي الخطابات العاطفية وتجنبت شخصنة القضية. فقد وسعت قضية أمينة وغيرها من القضايا الأخرى مطالب الحركات النسوية وأسفرت عن تقديم توصيات إلى الدولة بشأن الوضع العام للمرأة المغربية. وبالفعل، كانت كافة الشرائح الاجتماعية والاقتصادية للحركة النسائية هي من اتحدت سوياً للمطالبة بإلغاء المادة 475 التي كانت تعفي المغتصب من الملاحقة القانونية عند الزواج من ضحيته على اعتبار أن ذلك يحظى بالأولوية. مثّل ذلك انتصاراً كبيراً للضغط الذي تمارسه الحركة النسائية في المنطقة، وكان أيضاً درساً تعلمته الحركة بنفسها عن مدى أهمية التماسك.

اعرف نظامك السياسي

يعتمد الضغط الناجح لصالح التغيير الاجتماعي على الإلمام بالنظام السياسي والاجتماعي الذي تعارضه الحركة وتشكيل تحالفات. وفي هذا السياق، تقدم الورقة التوصيات التالية:

أولاً، تحتاج الجهات الفاعلة في جماعات الضغط إلى فهم الطبيعة المتعددة الأوجه للنظام الذي تحاول تغييره، وبالتالي يجب على الحركة الاجتماعية تعبئة مجموعة متنوعة من الأدوات لمعارضته. لتحقيق ذلك، نوصي بالاستفادة من خبرات المجموعات والتنظيمات الفرعية ضمن الحركة والتكيُّف مع البيئة القائمة. يُمكِّن هذا التلوّن الحركة من العثور على حل فريد عند مواجهة الأنظمة المختلفة. مثلاً، في حالة مواجهة الحكومة، استغلت الحركة النسائية العمل السياسي لكنها في الوقت ذاته تفادت أن تصبح أداة في يد الحركات النسوية الحكومية من خلال قيادة العمل الاجتماعي في كثيرٍ من الجمعيات المهمة خارج نطاق الدولة وسيطرتها. وقد أنجزت شخصيات بارزة في الحركة هذا الأمر، مثل عائشة الشنا، الناشطة البارزة في ميدان قوانين الإجهاض في المغرب.

ثانياً، كيف يمكن أن تشكل الحركة تحالفات جديدة؟ للإجابة على هذا التساؤل يكفي إلقاء نظرة على التغييرات التي طرأت على تحالفات الحركة النسائية المغربية عندما انضمت النساء في الأحزاب ذات التوجه اليساري مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عام 1970 وسعيهن إلى زيادة الوعي حول المبادئ اليسارية المتعلقة بالنسوية في المغرب والاضطلاع بدور قيادي في هذه العملية. اتبعت الحركة النسوية في تونس الاستراتيجية نفسها خلال ثورة 2011 وحققت نجاحاً. وبالفعل، يهدف تشكيل التحالفات إلى تنويع نضالات الحركات الأخرى. ولفعل ذلك، توصي هذه الورقة بالمشاركة في الحركات الأخرى والضغط من داخلها من أجل بلورة رؤية جنسانية لِشكاواها. يسمح هذا بتهيئة الأجواء من أجل تلاقي الأهداف بين الحركات الاجتماعية وتعزيز شرعية السياسات النسوية مع زيادة عدد الحلفاء.

أخيراً، ينبغي على الحركة الاجتماعية أن تراقب وتتعلم من المحاولات المبذولة في المجتمعات الأخرى ذات السياق الاجتماعي والسياسي المماثل. ولا بد لها أن تتعلم مجموعة مختلفة من الإجراءات لتحقيق النجاح. مما لا شك فيه أن قصص نجاح عدة حركات اجتماعية نسائية في المغرب العربي الكبير في تغيير قوانين بلدانها قد تحققت نتيجة التعلم من تجربة الحركات في البلدان المجاورة (الجزائر أو تونس في حالة المغرب). تُعد "مجموعة 95 المغاربية من أجل المساواة 95 Maghreb-Egalité" مثالاً على تحالف استطاع التغلب على الانقسامات الاجتماعية في النضالات النسوية من خلال التفكير في العقبات التي تواجه عملية الضغط باعتبارها عقبات عابرة للحدود الوطنية ومن خلال جمع حلول من تجارب الحركات الأخرى.

تُعد التجمعات النسوية لمجتمع "الميم/عين+ | LGBTQIA+" واحدة من الأمثلة الأخرى، من قبيل منظمة "نسويات" في المغرب. فقد تمكن المسؤولون في منظمة نسويات من إنشاء صناديق طوارئ وتنظيم أنشطة في بلد يجرم المثلية الجنسية للذكور والإناث من خلال العمل إلى جانب نظرائهم في المنظمات التونسية (مثل جمعية "شمس") أو اللبنانية (مثل جمعية "حلم" العريقة التي تعتبر أول منظمة ومجموعة تقوم بالدفاع عن حقوق المثلية بالعالم العربي). ومن ثم، فمن الضروري تدعيم وتوسيع قائمة الإجراءات التي تتخذها الحركة الاجتماعية من خلال مقارنة أنشطتها مع مثيلاتها في البلدان الأخرى والتكيف معها وهو ما يسمح بمزيدٍ من جهود الضغط الفعالة بما أنه يجري باستمرار إعادة النظر فيها وتحديثها مع الإلمام بكافة سيناريوهات الخصم. سيُظهر هذا كيف أن تلك الشكاوى ليست فريدة من نوعها وأن الحركة ليست وحيدة في نضالها وهو ما يعزز من شرعية مظالمها.

المشي على قدمين: استراتيجية مزدوجة للمرور قدماً

ما أود اقتراحه هنا هو اعتماد استراتيجية ذات حلين لأيّ حركة اجتماعية تسعى إلى ممارسة أنشطة ضغط فعالة وناجحة. فمن ناحية، لتجاوز الانقسامات الاجتماعية، يجب على الحركة أن تكون على دراية بالانقسامات الاجتماعية النابعة من الحركة ذاتها أو تلك التي يشكلها المجتمع الذي تنتمي إليه. ومن ناحية أخرى، فإن تزامن كافة المعايير المذكورة سابقاً التي تسمح بتماسك الحركة وتزيد من مشروعيتها بوصفها حركة متحدة في وجه الخصم هو ما يجعل استراتيجيات الضغط التي تتبناها فعالة. يمكن هذا الحركة من تقديم نفسها بهوية واضحة، ويجعلها مرتكزة على تعبئة مختلف الأطراف، مع ممارسة ضغط جماعي مستمر، وإقامة تحالفات تتيح لها صياغة قائمة إجراءاتها واستراتيجياتها الجماعية ضد خصم محدد.

في حالة اتباع هذه التوصيات ولو جزئياً، فهذا كفيل بزيادة وعي المجتمع بالقضايا النسوية، والتأكيد على وجود مثل هذه الحركة، وسيسفر عن نقاشات مجتمعية كبيرة حول مكانة المرأة في المجتمع والساحة السياسية. وفي أحسن الأحوال، ستؤدي هذه المناقشات إلى تغييرات فعالة، والضغط على أعلى مستويات الحكم، وضمان استمرارية عمل الحركة الاجتماعية إلى ما هو أبعد من هذه المكاسب النسوية الأولية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.