حماية البيئة بعد اللامركزية: السياسات المحلية الخاصة بإدارة النفايات الصلبة في تونس

arab-reform-initiative-environmentalism-after-decentralization-the-local-politics-of-solid-waste-management-in-tunisia
حاويات إعادة تدوير القمامة في المعمورة، تونس - كانون الأول/ديسمبر 2020. © لانا سلمان

مقدمة

في 20 كانون الأول/ديسمبر 2020، أقيل مصطفى العروي، وزير الشؤون المحلية والبيئة سابقاً، من منصبه بسبب شبهات فساد. كان العروي وزيراً في تاسع حكومة تونسية تشكلت بعد الثورة، ويترأسها هشام المشيشي، الذي أعفاه أيضاً من مهام منصبه. ليجري اعتقاله في اليوم ذاته. أقيل العروي من منصبه في الحكومة إثر فضيحة تنطوي على تسهيل نقل 282 حاوية تحتوي على 480 طن من النفايات الإيطالية إلى تونس عبر ميناء سوسة.1كانت الحاويات تحتوي على نفايات مختلطة. تضمنت نفايات منزلية يمكن أن تشكل خطورة على الصحة العامة. اتضح للرأي العام مدى ضخامة الفضيحة بعدما بث البرنامج الاستقصائي "الحقائق الأربع"، الذي يذاع على قناة الحوار التونسي، حلقة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 أماطت اللثام عن حجم المشكلة. وقد ألقي القبض على 23 مشتبه بهم آخرين على خلفية الفضيحة وتم استجوابهم، من بينهم مدير الوكالة الوطنيّة للتصرّف في النفايات، الذي أطلق سراحه فيما بعد، وقنصل تونس في مدينة نابولي الإيطالية. ورغم تصدرها عناوين الأخبار في تشرين الثاني/نوفمبر فحسب، كانت النفايات المستوردة موجودة في ميناء سوسة منذ مطلع 2020. ووفقاً للتقارير، فقد وقعت الصفقة التي تم بموجبها نقل نفايات من منطقة في جنوب إيطاليا إلى الساحل التونسي بين شركة موردة تونسية تُدعى "سوريبلاست" وشركة إيطالية في مدينة نابولي تُدعى "سفيليبو ريسورسي أمبينتالي". خلافاً لِلرواية المتداولة إعلامياً -التي تزعم أن شركة "سوريبلاست" استوردت نفايات بلاستيكية في مرحلة ما بعد التصنيع لمعالجتها وإعادة تدويرها ثم تصديرها مرة أخرى- يشير العقد الرسمي أن الهدف كان الحصول على النفايات ثم إتلافها لاحقاً بشكل دائم في تونس، مقابل 48 يورو لكل طن -بحد أقصى 120 ألف طن في السنة- بقيمة إجمالية تبلغ 5 مليون يورو.

تطارد فضائح الفساد قطاع إدارة النفايات الصلبة التونسي. ففي أيار/مايو 2015، سلّط تقرير استقصائي أجراه موقع نواة[2] التونسي الضوء على الفساد المستشري في إدارة أكبر مصبّ نفايات تديره الدولة، وهو مصبّ نفايات برج شاكير الكائن في بلدية سيدي حسين، إحدى الضواحي الجنوبية لمدينة تونس التي تضم عدداً من أحياء الشعبية.2وفقاً لِمختار الهمامي، وزير الشؤون المحلية والبيئة، من المفترض أن يُغلق مصبّ نفايات برج شاكير نهائياً في حزيران/يونيو 2021. وصف التقرير الوضع في موجزٍ وافٍ جاء فيه: بالنظر إلى مردوديتها الكبيرة، مثّل قطاع تصريف النفايات مجالاً خصباً للفساد واتسمت أعماله طيلة سنوات بالغموض حتّى على المستوى المؤسساتيّ. يكشف التقرير عملية التلاعب بالمناقصة العامة التي مكنت شركة النظافة الفرنسية "بيزورنو للبيئة" التي يترأسها فرانسوا ليوتار من الفوز بِرخصة استغلال وإدارة مصبّ برج شاكير اعتماداً على العلاقة الشخصية التي تجمع ليوتار مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد وردت تلك المخالفات في تقرير استقصائي من 350 صفحة أعده عبد الفتاح عمر،3عبد الفتاح عمر هو فقيه قانوني وأكاديمي تونسي مختص في القانون العام. في عام 2011، عُين رئيساً للجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد تناول ممارسات الفساد والرشوة في مختلف قطاعات الدولة التي ارتكبها النظام الاستبدادي وأعوانه. بيد أن تأسيس الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات في 2005 4الأمر عدد 2317 لسنة 2005 المؤرخ في 22 آب/أغسطس 2005، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية. لتكن مؤسسة عمومية، لا تكتسي صبغة إدارية، مسؤولة عن التصرف في النفايات الصلبة، يبدو أنه سهل الفساد المؤسساتيّ في ذلك القطاع.

منذ بداية التسعينيات، ومع تسارع وتيرة السياسات النيوليبرالية، نجحت مجموعة من حملات زيادة الوعي البيئي لدى المواطنين في أخفاء الفساد المؤسساتي في قطاع إدارة النفايات الصلبة عن الرأي العام. واعتمدت شخصية لبيب الوهمية (شكل 1) شعاراً لتلك الحملات. وهي عبارة عن تميمة بيئية كانت تماثيلها التي ملأت الدورات البيئية في كافة أرجاء البلاد مرتبطة بحزب "التجمّع الدستوري الديمقراطي"، الحزب الأوحد الحاكم التابع للنظام الاستبدادي. بعد الثورة، دُمرت معظم هذه التماثيل بدافع الانتقام خلال الاحتجاجات. وتعد الباقية منها بمثابة تذكير على الأفكار المؤثرة التي رسخها النظام الاستبدادي في عقول المواطنين حول البيئة والتي تضمنت عنصرين أساسيين: الجانب الجمالي (تزيين الأماكن العامة بتماثيل) والاستقامة الأخلاقية، التي تقاس بمدى الالتزام بسلوك معين، من قبيل عدم إلقاء القمامة في الشوارع. بوضعها في ذلك الإطار، كانت حماية البيئة مسؤولية أخلاقية فردية بدلاً من كونها مسألة مجتمعية ذات أبعاد سياسية واقتصادية ترتبط بأنماط الاستهلاك والنفايات الحتمية التي تخلفها تلك الأنماط، وسبل التخلص من تلك النفايات الناتجة عنها. على الرغم من أوجه القصور تلك، فقد ساهم لبيب بالفعل في إذكاء الوعي حول ضرورة حماية البيئة. صحيح أن إزالة معظم هذه التماثيل هو بمثابة تخلي عن كل ما يرتبط بالنظام الاستبدادي، لكن لم تحل أيّ جهود من شأنها زيادة الوعي البيئي محل التميمة.

شكل 1: تمثال لبيب في متنزه المروج. المصدر Wikiwand

تتميز مرحلة ما بعد الثورة بثلاثة عناصر. الأول هو العدد المتزايد من منظمات المجتمع المدني التي تنظم فعاليات وحملات من أجل جعل البيئة أكثر نظافة وأمناً، والتي يشارك أعضاؤها بفعالية في المؤتمرات والمحافل الدولية ويدعمون القضايا البيئية بداية من التنوع البيولوجي وحتى المدن المستدامة. والثاني هو تنامي الحملات المنظمة خصيصاً لدعم النشاط البيئي، التي لا تُنظم جميعها من قبل مؤسسات، والتي ولدت من رحم الأضرار البيئية المحلية من قبيل تلوث المياه (في محافظة قابس) ومصبّات النفايات السامة (في عقارب وجربة) وغيرها. وعلاوة على الحملات البيئية، فقد تشكلت حركات اجتماعية لمناصرة المظالم البيئية تتبنى ديناميات تنظيمية وتحظى بجاذبية شعبية مختلفة. على الرغم من تواضعها، أحدثت هذه الجهود مجتمعة تحولاً تدريجياً في مفهوم الاستدامة البيئية ليتجاوز مجرد النظافة والأبعاد الجمالية والمسؤولية الأخلاقية الفردية ويصبح أكثر إلماماً بالقضايا الأوسع نطاقاً مثل الفشل المؤسساتي والفساد النظامي وإمكانية التخلص من فئات معينة على حساب فئات أخرى. فقد أدت المشاركة المتزايدة للنشطاء التونسيين والمنظمات التونسية غير الحكومية في المؤتمرات الدولية التي تتعلق بقضايا تمتد من التنوع البيولوجي إلى تغير المناخ وأهداف التنمية المستدامة والمدن المستدامة، وعقد لقاءات بين المنظمات غير الحكومية والمسؤولين التونسيين، إلى زيادة الاهتمام بالقضايا والشواغل البيئية على المستويين الوطني والدولي.

العنصر الأخير والأكثر أهمية، هو اللامركزية السياسية التي، وفقاً لمبدأ تفريع السلطة، تجعل البلديات في صميم قطاع إدارة النفايات الصلبة. بسبب قربهم من المواطنين، تعتبر الإدارات المحلية هي المؤسسات المسؤولة بالدرجة الأولى عن إدارة النفايات الصلبة ويفترض أيضاً أنها المقدم الأكثر كفاءة لتلك الخدمة. وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها مؤسسة "هاينريش بول" في 2016، يتوقع المواطنون أيضاً أن تضع البلديات مهمة جمع النفايات الصلبة على رأس أولوياتها. وقد كشفت الدراسة نفسها عن تقييم التونسيين السلبي للغاية للوضع البيئي، إذ لم يشيروا فقط إلى مسؤولية البلديات وإنما أيضاً مسؤوليتهم الشخصية بوصفهم مواطنين للبلد. وفقاً للمشاركين في الاستقصاء، تتطلب حلول المشاكل البيئية التنسيق بين استجابات البلديات والحكومة المركزية والمواطنين. ورغم أن الشوارع المليئة بالقمامة تعد مصدر شكوى كثير من المواطنين الذين يرون في ذلك دلالة على فشل السلطة المحلية، فإنهم لا يأخذون في الاعتبار سلسلة إدارة النفايات الصلبة بأكملها،5عند رسم مخطط تفصيلي للسلسلة بأكملها، نجد أنه لا يمكن الفصل بين محاولة إيجاد حلولٍ لقضايا إدارة النفايات الصلبة ومنتجي مواد التعبئة وباقي المخلفات. لهذا ينبغي توسيع نطاق إيّة سياسية معنية بإدارة النفايات الصلبة من حيث المفهوم لتشتمل تلك الفئة لأن الإغفال عن ذلك يحول دون تفادي إنتاج نفايات صلبة من قبل تلك الجهات الفاعلة. ولا حقيقة أن تلك السلطات المحلية التي تُعد أول سلطات منتخبة ديمقراطياً لم تتولى مهامها إلا منذ أيار/مايو 2018 فحسب، وأنها تواجه صعوبات شديدة فيما يتعلق بالميزانية والموارد البشرية. فضلاً عن ذلك، لا تزال المجالس البلدية تنتظر البت في معظم القوانين والمراسيم والقرارات التي تضع المواد المختلفة للقانون التنظيمي موضع التنفيذ.6القانون التنظيمي هو النصوص العامة التي تشكل الإطار التنظيمي الأساسي للدولة، لكن ينبغي تفعيل تلك النصوص من خلال إصدار مراسيم وقرارات، ولا يمكن لأيّ بلدية أن تضع القوانين موضع التنفيذ دون إصدار مراسيم وقرارات من قبل الحكومة المركزية. وجهة النظر هذه التي ترى أن "السلطة المحلية فاشلة" ليست مدركة تماماً للتعقيدات السياسية والبيئات المؤسسية التي تعمل البلديات في إطارها. فهي لا تأخذ في الاعتبار أن تلك المجالس المحلية المنتخبة، التي شرعت في تنفيذ إصلاحات لامركزية في 2018، قد ورثت مؤسسات ضعيفة هيكلياً وتحاول جاهدة إصلاحها. في الوقت ذاته، أدى تسييس المجالس المحلية إلى تولد خلافات حزبية زادت من صعوبة عملية صنع القرار داخل البلديات.

تندرج الدراسة الحالية ضمن هذا المشهد المتغير. وتتبنى فهماً بيئياً شاملاً يقوم على أساس العدالة في مجال إدارة المُخلّفات الصلبة، ويربط بين علوم البيئة وحياة الناس وسبل العيش والمؤسسات. وبتطبيق الإطار النظري الذي وضعه روب نيكسون حول مفهوم "العنف البطيء" على السياق التونسي، تعرض هذه الورقة ثلاث دراسات حالة تتعلق بإدارة المُخلّفات الصلبة في البلديات ودور نشطاء البيئة في جميع هذه الحالات.7Nixon, Rob. Slow Violence and the Environmentalism of the Poor. Harvard University Press, 2011. وتؤكد الدراسة أنه على الرغم من الصلاحيات الواسعة من أجل حماية البيئة الممنوحة للبلديات في سياق تنفيذ إصلاحات لامركزية، فإن إدارة المُخلّفات الصلبة تتطلب تنسيقاً متعدد النطاقات ومتعدد المؤسسات. والواقع أن البلديات، التي تعمل في ظل القيود المالية والمعوقات المرتبطة بالموارد البشرية، تُشكل روابط ضعيفة محصورة بين شقي رحى مظالم المواطنين والأولويات الحكومية. وعلى الرغم من الإنجازات المتواضعة التي تمكنت من تحقيقها، فإنها غير قادرة في الوقت الراهن على درء "العنف البطيء" الناجم عن الممارسات الفاشلة في إدارة المُخلّفات الصلبة.

في مواجهة فهم التدهور البيئي بوصفه عنفاً ممنهجاً، طور نيكسون مفهوم العنف البطيء ويعني به ذلك "العنف الذي يمارس تدريجياً وبعيداً عن الأنظار، الذي يظهر تأثيره المدمر على المدى البعيد ويتفشى عبر الزمان والمكان، وهو عنف مُنهِك لا يدرك أحد عادة أنه نوع من العنف أصلاً".8See Nixon, 2011, 2 يفتتح نيكسون كتابه باقتباس للرئيس السابق للبنك الدولي لاري سامرز، من وثيقة مسربة يبرر فيها إلقاء النفايات السامة في البلدان الفقيرة ذات الدخل المنخفض "الأقل تلويثاً" للبيئة. ووفقاً لهذا المنطق الاقتصادي، يُشكل نقص التلوث "ميزة نسبية" تملكها البلدان ذات الدخل المنخفض على نظيراتها من البلدان الصناعية الغنية. ونظراً إلى الحركات المدوية المدافعة عن البيئة التي يشهدها الشمال العالمي، فإن شحن النفايات من أجل التخلص منها نهائياً في الجنوب العالمي أمر مبرر اقتصادياً بالنسبة للدول المتلقية ومناسب سياسياً بالنسبة للحكومات الغنية التي تسعى إلى استرضاء المعارضة البيئية. ولذا يبدو جلياً كيف أصبحت فضيحة النفايات الإيطالية مؤثرة ومثيرة للاهتمام على الفور عندما ينظر إليها من منظور العنف البطيء.

في هذه اللحظة، لم يعد من الممكن وصف فضيحة النفايات الإيطالية بأنها تتسلل ببطء من دون أن يلاحظها أحد أو أنها تحدث "بعيداً عن الأنظار". ولكن بمجرد أن ينطفئ وهجها، فمن غير المرجح أن يتذكر عامة الناس ملايين الأطنان من القمامة المدفونة بالفعل والتي تلوث الأرض والهواء والمياه الجوفية في عدد لا يحصى من مصبات النفايات سواء المراقبة أو العشوائية في مختلف أنحاء البلاد. وحتى عندما تنتهي مثل هذه الفضائح المشينة، فإن العواقب الخفية المترتبة على إدارة المخلفات الصلبة تظل قائمة. وعلى هذا الأساس، وبعيداً عن هذه الفضيحة الأخيرة، فإن منظور العنف البطيء ضروري لإلقاء الضوء على هذه السُمية التي لولا ذلك لكانت في طيّ النسيان، لأنها تؤثر على فئات سكانية يُنظر إليهم على أنهم يمكن التخلص منهم. إذ يقع أكبر مصبين للنفايات في تونس، برج شاكير والقُنّة، في مناطق فقيرة مكتظة بالأحياء الشعبية، التي يُعتبر ساكنوها بمثابة رفض للحداثة في البلاد. وتؤثر السُمية على أجسادهم على نحو متفاوت. فعندما لا تودي بحياتهم ببطء، فإنها تتسبب في إصابة أطفالهم بالتشوه. وهذا يندرج ضمن مفهوم العنف البطيء. وكما تُبين هذه الدراسة، فإن البلديات غير قادرة على الدفاع عن مواطنيها ضد مثل هذه الاعتداءات لثلاثة أسباب: (أولاً) تعريف البلديات للبيئة ضيق للغاية؛ (ثانياً) لا تستفيد البلديات استفادة كاملة من السلطة القضائية الممنوحة لها، مثلاً، لفرض ضرائب على مَن يتسببون في تلوث البيئة؛ (ثالثاً) تتجاوز سلطات المؤسسات اللامحورية والمركزية مثل المحافظين أو الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، سلطات البلديات وتقوضها.

من الناحية المنهجية، فإن هذه الدراسة تتبنّى منظور السياسات التي تنتهجها البلديات. وتتألف من ثلاث دراسات حالة: مدينتي نابل والمعمورة (ولاية نابل) ومدينة عقارب (ولاية صفاقس‎)، وتوثيق ممارسات إدارة المخلفات الصلبة، وفهم ومواكبة موظفي البلديات لمسائل الاستدامة البيئية، ودور منظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة في هذه المناطق المحلية. وتبين دراسات الحالات الثلاث -التي يُمكن وصفها بإيجاز بالترتيب على النحو التالي، أولاً: مثال على الحكم الرشيد، ثانياً: مثال على الأوضاع الجيدة نسبياً، ثالثاً: مثال على أخطر الأوضاع السُمية- القيود المفروضة على إدارة البلديات للمشاكل البيئية الناجمة عن إدارة المخلفات الصلبة بصفة يومية. فضلاً عن أنها توضح كيف تؤثر وجهات النظر المختلفة حول ماهية "البيئة" على صنع القرار في البلديات وعلى العلاقة بين النشطاء والبلديات. ففي حين ترى البلديات أن المشاكل البيئية هي مسألة تقنية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظافة أو أنها مسألة تتعلق بالمسؤوليات على مستوى الولايات القضائية، يرى النشطاء، في المقابل، أن الضرر البيئي بات متجسداً للعيان، وأصبح يؤثر على صحتهم وسلامتهم الجسدية.

يستند اختيار الأمثلة المدروسة إلى إجراء مجموعة من الأبحاث الثانوية حول تجارب النشاط البيئي في مختلف المناطق التونسية المحلية مع الأخذ في الاعتبار موقعها الجغرافي. ونظراً إلى أن البلديات الثلاث جميعها تقع على الساحل، فهي تحظى بموارد مالية وبشرية أفضل من البلديات التي تقع في المناطق الداخلية. ومن بين الثلاثة ولايات، تتصدر بلدية المعمورة العناوين الرئيسية بسبب تعاونها مع منظمات المجتمع المدني. في حين أدت الحملة التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني "مانيش مصبّ" (لست مكبّاً للنفايات) إلى شهرة بلدية عقارب باعتبارها موطن أكثر مصبات النفايات سُمية في البلاد. أما نابل فهي مثال على الحالة المحايدة لبلدية ساحلية غنية، يُمكن أن تعتبر بمثابة حالة مقارنة بالنسبة لبلديتي المعمورة وعقارب الأكثر فقراً والأصغر مساحةً. وتستند الدراسة إلى البحوث المكتبية، بما في ذلك المؤلفات الأكاديمية والأدبيات الرمادية، فضلاً عن أربع مقابلات أجرتها لانا سلمان وزياد بوسن في 23 و24 كانون الأول/ديسمبر 2020، مع أحد الموظفين في بلدية نابل، واثنين في بلدية المعمورة، واثنين آخرين في بلدية عقارب، وأحد النشطاء المعنيين بالبيئة في نفس المنطقة.9جرى تسجيل الصوت خلال المقابلة التي أجريت في بلدية المعمورة. أما بالنسبة لبقية المقابلات، فقد اكتفت لانا وزياد بأخذ ملاحظات مستفيضة ومتكاملة. وباستثناء الناشط في المجتمع المدني في حملة "مانيش مصب"، يستخدم المؤلف أسماء مستعارة لحماية هوية الأشخاص العاملين في البلديات الذين شاركوا في المقابلات. يرد دليل المقابلات في الملحق الأول.

يستعرض القسم التالي من الدراسة، لمحة عامة عن الإطار القانوني والمؤسسي لإدارة المُخلّفات الصلبة. وبعد ذلك، يتم طرح دراسات الحالة الثلاث مصحوبة بموجز مُقتضب للمؤشرات المتعلّقة بكل بلدية من البلديات. تبحث كل دراسة حالة في المفهوم السائد لـ "البيئة"، والتحديات التي تواجه كل بلدية ونجاحاتها في إدارة المخلفات الصلبة، ودور نشطاء البيئة، إن وجد. وأخيراً تتناول الخاتمة اقتراح مسارات للبحث في المستقبل.

الإطار القانوني والمؤسسي لإدارة النفايات

تعد إدارة المخلفات الصلبة مشكلة متعددة النطاقات ومتعددة المؤسسات تستلزم التنسيق فيما بين المواطنين والإدارات المحلية والسلطات المركزية. ومع أن آخر استراتيجية وضعتها البلاد لإدارة المخلفات الصلبة كانت في عام 2016، لم يتم بعد استبدالها باستراتيجية جديدة.10تعمل وزارة الشؤون المحلية والبيئة حالياً على وضع استراتيجية مدعومة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. تبدأ سلسلة إدارة المخلفات الصلبة بالبيت.11يمكن أن تمتد السلسلة لتشمل المنتجين المسؤولين عن تصميم المنتجات، وبالتالي عن المغلفات ذات الاستعمال الواحد. بيد أن التحليل المفصل لهذه السلسلة ليس محور البحث في هذه الدراسة. وفي معظم المناطق المحلية، تكون طريقة الجمع من منزل إلى منزل، مما يعني أن الأسرة مسؤولة عن جمع نفاياتها في أكياس بلاستيكية ووضعها بجانب الرصيف أمام المنازل. وتُجمع السيارات (الشاحنات التابعة للبلدية، أو شاحنات تابعة للمقاول الفرعي المتعاقد مع البلدية) هذه النفايات وفقاً لجدول زمني محدد سلفاً، عادةً في المساء. وفي المناطق المكتظة بالسكان، بدلاً من جمع النفايات من منزل إلى منزل، تضع الأسر نفاياتها في حاويات كبيرة متاحة في مواقع محددة في كل حي. وتفرغ الشاحنات المجهزة لجمع النفايات هذه الحاويات بانتظام. وبعد جمع القمامة، تقوم البلديات بنقلها ليتم تخزينها مؤقتاً في مستودعات نقل مخصصة لعدة بلديات متاخمة جغرافياً. تستوعب هذه المستودعات حمولة معينة من النفايات الصلبة يومياً. وقد أشار الأشخاص الذين شاركوا معنا في المقابلات إلى أن مستودعات النقل تعمل بالفعل بأقصى طاقتها: فقد تتجاوز أوقات انتظار الشاحنات التابعة للبلدية ثلاث ساعات أحياناً إلى أن تنتهي من تفريغ حمولاتها. تتولى الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات مسؤولية إدارة مستودعات النقل، ونقل النفايات من المستودعات إلى وجهتها النهائية في مصبات النفايات الصحية، فضلاً عن إدارة مصبات النفايات المذكورة المنتشرة عبر مختلف أرجاء المنطقة. ومن خلال وضع صورة تفصيلية لسلسلة إدارة المخلفات الصلبة، يتبين أن المشاكل قد تنشأ على أي نطاق مكاني أو في أي مرحلة من مراحل السلسلة: فمن الممكن ألا تضع الأسر نفاياتها بجانب الرصيف في الوقت المناسب، ومن الممكن أن تعجز البلديات عن إكمال الجولات اليومية لجمع النفايات بسبب حدوث تأخير في مستودعات النقل، وأخيراً قد لا تستطيع المؤسسة المركزية إدارة مصبات النفايات التي تعمل على نحو يفوق طاقتها. وفي هذا الصدد، يمكن أن يستهدف النشاط البيئي أي مرحلة من مراحل السلسلة. تقدم دراسات الحالة في القسم التالي أمثلة توضيحية.

حين تتعفن أكوام من القمامة في أنحاء الشوارع، يُلقي المواطنون باللوم على البلديات لتقصيرها في أداء عملها. تظل شكاواهم وتظلماتهم مفهومة، وإنْ كانت غير مدروسة، كما أشرنا آنفاً. فلا غنى عن الجماعات المحلية في تسيير سلسلة إدارة النفايات الصلبة. تكشف الشوارع المليئة بالقمامة عن سوء الإدارة، إذ إنها حرفياً تحول مشكلات إدارة النفايات الصلبة إلى مشاهد من التلوث البصري. يحدد القانون الأساسي للجماعات المحلية (عدد 29 في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية، المؤرَّخ 9 أيار/مايو 2018) أدوار ومسؤوليات البلديات في إدارة النفايات الصلبة، تحت مظلة أوسع تتصل بالمحافظة على البيئة والنظافة والتنمية المستدامة.12يشير قانون الجماعات المحلية إلى التنمية المستدامة في ديباجته، وفي الفصول 75، 106، 109، 119، 120، 124، 125، 296. في الجدول رقم 1 قائمة بالفصول التي تتناوَل قضايا البيئة والنظافة.

جدول 1: النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة على المستوى المحلي. المصدر: جمع الكاتبة وترجمتها، اعتماداً على قانون الجماعات المحلية.

رقم الفصل محتوى الفصل بإيجاز
الفصل 40 بإمكان البلديات التعاون مع جماعات محلية وأجنبية في مشاريع تتعلق بالاستدامة البيئية والطاقات المتجددة
الفصل 141 يمكن للبلديات فرض ضرائب (معاليم) ورسوم على الأنشطة الخطِرة الملوِّثة للبيئة
الفصل 210 يشكّل المجلس البلدي عدداً من اللجان الدائمة (القارّة) لإدارة الشؤون المحلية، ومنها لجنة للنظافة والصحة والبيئة
الفصل 230 يتولّى مجلس الدائرة متابعة تنفيذ البرامج المتعلقة بالنظافة والعناية بالبيئة بمنطقة الدائرة
الفصل 240 يتولّى المجلس البلدي بناء وتعهد وإصلاح البناءات البلدية والخدمات، ومن ذلك تجميع الفضلات (النفايات) المنزلية والمشابهة لها، على معنى (وَفقَ) القانون عدد 30 لسنة 2016، المؤرَّخ 5 نيسان/أبريل 2016 وفرزها ونقلها إلى المصبّات الخاضعة للرقابة وتضمن البلديات الوقاية الصحية والنظافة وحماية البيئة، مع اتخاذ التراتيب العامة اللازمة في شأنها
الفصل 243 من الصلاحيات المشتركة للبلديات مع الحكومة المركزية مسؤولية حماية البيئة
الفصل 258 يتولّى رئيس البلدية إسناد رخص البناء، تبعًا لقرار لجنة فنية مختصة، مع وجود مختص يمثل الوزارة المعنية بشؤون البيئة
الفصل 266 يكلف رئيس البلدية الأعوانَ (شرطة البلدية) بمسؤولية التراتيب الخاصة بالجولان (الحركة) وحفظ الصحة والسلامة والراحة والأمن وجمالية المدينة والمحافظة على البيئة
الفصل 267 ترمي التراتيب الضبطية إلى حفظ الصحة العامة والراحة والمحافظة على إطار عيش سليم، وذلك من خلال منع (...) ما قد يُحدِث روائح كريهة، وكذلك ردع إلقاء الفضلات الصلبة والسائلة والغازية
الفصول 296، 297، 307، 321، 354 تتعلق هذه الفصول/المواد بالمسؤوليات البيئية للمناطق الجهوية: الطبقة الثانية من الجماعات المحلية اللامركزية

هناك ثلاث نقاط تستحق الإشارة هنا، بناء على الفصول/المواد التي ضمها الجدول الأول. النقطة الأولى هي أن البلديات، من الناحية النظرية، لديها مسؤوليات واسعة النطاق فيما يتعلق بالتنمية المستدامة وحماية البيئة، الأمر الذي يفرض نمط التنمية المحلية التي لا بد أن تحترم مبادئ الاستدامة مع آليات من قبيل القدرة على فرض ضرائب على الأنشطة الملوثة للبيئة، وعلى تنفيذ نصوص تلك الفصول القانونية من خلال الشرطة البيئية. غير أنه من غير الواضح، من الناحية العملية، إن كانت البلديات تستخدم سلطاتها في إنزال العقوبة بمَن يتسببون في تلويث البيئة. ولأن معظم البلديات لا تجد التمويل الكافي، فإن بعضها ليست لديها شرطة بيئية، فيما هناك بلديات أخرى لديها عدد قليل من عناصر الشرطة يعملون في مناطق واسعة؛ مما يجعل تنفيذ [القوانين المتعلقة بالبيئة] أمراً انتقائياً. النقطة الثانية هي أن أيّاً من تلك الفصول لا يعرِّف ممّ تتكون "البيئة"، ونتيجةً لذلك، تجمع الفصول أموراً كالبيئة والنظافة والصحة العامة. ليس الأمر مجرد مسألة تعريفات، فإن نفس اللجنة التي تدير قضايا "البيئة" هي أيضاً المكلفة بمسؤوليات إدارة النفايات الصلبة والصحة العامة.13تم تعريف مفهومَ "البيئة" (أو "المحيط"، في التعبير التونسي) في القانون عدد 91-88 المؤرَّخ 2 آب/أغسطس 1988 المتعلّق بإنشاء "الوكالة الوطنية لحماية المحيط". إذ ينص الفصل الثاني من القانون على ما يلي: "يقصد بـ’المحيط‘ -حسب هذا القانون- العالم المادي، بما فيه الأرض والهواء والبحر والمياه الجوفية والسطحية (الأودية والبحيرات الشاطئية والسبخات، وما يشابه ذلك ...)، وكذلك المساحات الطبيعية والمناظر الطبيعية والمواقع المتميزة ومختلف أصناف الحيوانات والنباتات، وبصفة عامة كل ما يشمل التراث الوطني". والنقطة الثالثة الأخيرة هي أن الفصل الوحيد الذي يحدد مسؤوليات البلديات في إدارة النفايات الصلبة يشير إلى قانون منفصل، وهو القانون عدد 30-2016 المؤرَّخ 5 نيسان/أبريل 2016.

ليس هناك هيكل رسوم منفصل لإدارة النفايات الصلبة في البلديات.14انظر: تموَّل الخدمة عبر الضرائب البلدية العمومية. ينصّ الفصل 160 من قانون الجماعات المحلية على أنه من الواجب على البلديات تخصيص الموارد المناسبة والكافية لقضايا النظافة وصيانة الطرق والأرصفة وشبكة الإنارة العامة وتطهير شبكات الصرف الصحي إضافة إلى المساحات الخضراء. يكلّف الطن الواحد من النفايات ما بين 60 إلى 80 ديناراً تونسياً لجمعه، وعشرين ديناراً لنقله إلى مصبّ نفايات تتوافَر فيه المعايير والشروط الصحية. نسبة 80٪ من تكاليف النقل هذه تدعمها الحكومة المركزية عبر صندوق إزالة التلوث (FODEP) التابع للوكالة الوطنية لحماية المحيط.15أُنشِئ صندوق إزالة التلوث (FODEP) في 1992، وتم تحديد عمله بمرسوم صدر في 2005 (انظر: http://www.anpe.nat.tn/Fr/fodep_11_52)، وأمواله المخصصة للبرنامج الوطني للنظافة والتجميل. ومع أن إصلاحات اللامركزية المالية أعادت هيكلة التحويلات المالية الحكومية وَفقاً لمعايير أداء محددة سلفاً، لم يُستحدث نظام لاسترداد التكاليف بالنسبة لأيٍّ من الخدمات التي تقدمها البلديات، ومنها إدارة النفايات الصلبة.

تعدّ الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات مؤسسة مركزية مهمتها إنشاء مصبّات نفايات صحية وإدارتها. أضافَت الوكالة إلى المشهد المؤسسي للحوكمة البيئية جهازاً متخصصاً في إدارة النفايات الصلبة. فقد جاءت بعد عدد كبير من المؤسسات وبعد التصديق على العديد من التشريعات الساعية إلى تعزيز حماية البيئة خلال ذروة الحكم الاستبدادي النيوليبرالي في عهد بن علي.16Siad Darwish, “Country of Rubbish”: Waste and the Environmental Legacies of Authoritarianism in Post-revolutionary Tunisia”, unpublished PhD dissertation, Rutgers, The State University of New Jersey, 2017. كانت هذه أيضاً هي الفترة نفسها التي شهدت مولد لبيب وظهوره عبر البرامج البيئية في البلاد. يشمل تفويض الوكالة مساعدة البلديات والقطاع الصناعي، وتثمين النفايات عبر إعادة التدوير وغيرها من الأنشطة (وقد رعت الوكالة برامج لإعادة التدوير في عمليات التعبئة، وتعرَف أيضاً باسم "النظام العمومي لاستعادة وتثمين المعلبات المستعملة (ECOLef)"، مع تشجيع عقد برامج شراكة بين القطاعَين العام والخاص من أجل توفير فرص عمل في مجال [إعادة التدوير].17تُظهِر دراسة أعدتها المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في نيسان/أبريل 2014 تراجعاً في الإيرادات وفي نقاط التجميع التابعة لبرامج ”النظام العمومي لاستعادة وتثمين المعلبات المستعملة“؛ الأمر الذي يشير إلى احتمالية وجود فساد في قطاع تثمين النفايات. من الناحية النظرية، يجب أن توفر عائدات ”النظام العمومي“ التمويل اللازم لإدارة مصبّات النفايات التسعة الخاضعة للرقابة في البلاد: https://www.resourcerecovery.net/sites/default/files/tunisie_ra_fr_web.pdf. منذ العام 2014، أدارت الوكالة عشر مصبّات نفايات خاضعة للرقابة وخمساً شبه خاضعة للرقابة، وكانت تبني أو تخطط لإنشاء خمس أخرى. يمثل تورط الوكالة مؤخراً في فضيحة النفايات الإيطالية المستوردة حلقة أخرى من تاريخ المؤسسة غير الشفّاف. في مؤتمر صحفي عام 2014 أعلنت المحامية فوزية باشا العمدوني أن الأرصدة الهائلة قد وجَّهتها وزارة البيئة ووكالاتها (الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، والوكالة الوطنية لحماية المحيط، وغيرهما) إلى مشروعات بيئية لم تنفذ أبداً؛ ودخلت الأموال جيوبَ رؤوس النظام ومَحاسِيبهم.

حتى مع الشروط التي وضعها المانحون، انحرفت بوصلة الإصلاح في هذا القطاع. يشير "تقرير إنجاز تنفيذ ونتائج المشروع" المتعلق بمشروع البنك الدولي لتطوير الإدارة البلدية المستدامة للنفايات الصلبة، الذي صدر في نهاية 2014، إلى تصنيف غير مُرضٍ. وهذا يعني أن جميع القروض قد صُرِفت دون تحقيق الهدف التنموي للمشروع. وتم إسقاط مكون التطوير المؤسسي الذي كان من المفترض أن ينظّم منظومة المشتريات العامة في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ويجعلها تتمتع بالشفافية. وكان من ضمن مكون التطوير المؤسسي وضع خطط إقليمية متعددة الأطراف لإدارة النفايات الصلبة مع برنامج تجريبي لمشاركة ما بين عشر إلى 15 بلدية من أجل تحديد المؤشرات الأساسية في قطاع النفايات وجمع بيانات تلك المؤشرات. ولكن جرى تجاهل هذَين الأمرين والتخلي عنهما. إن إغلاق هذا القرض الصغير نسبياً، البالغ 22 مليون دولار، بعد عامَين من تاريخه الأصلي (2014 لا 2012)، وبعد إعادة هيكلته، وتصنيفه على أنه غير مُرضٍ مع ذلك، يثبت مدى الصعوبات القائمة أمام بناء المؤسسات المؤهَّلة المسؤولة اللازمة لإصلاح قطاع النفايات.18من الأمثلة الأخرى على فشل الإصلاحات في قطاع النفايات هو مشروع الفرز الانتقائي في جزيرة جربة، وهو شراكة بين وزارة السياحة ووزارة الشؤون المحلية والبيئة، تم توقيعها في 12 شباط/فبراير 2019، للتقليل من النفايات في الجزيرة. ولكن المشروع لم ينفّذ إطلاقاً.

الإدارة الرشيدة والتحسّن النسبيّ والأوضاع السُّمّيّة: ثلاثة أمثلة على الإدارة البلدية للنفايات الصلبة وعلى النشاطية البيئية

تمثل القمامة شاغلاً بيئياً بالنسبة للتونسيين في جميع المجالات. وعندما طُرح، خلال الدورة الخامسة للباروميتر العربي، تساؤل حول الطريقة التي ينظرون بها إلى مشكلات القمامة وتلوث المياه وجودة الهواء والتغير المناخي، اعتبر 70% من المواطنين العرب أن تلوث المياه هو القضية الأخطر، يليها القمامة التي اعتبرها 66% من المجيبين بهذه الخطورة. لكن هذه الأرقام أعلى في تونس، إذ يرى 77% من المجيبين أن القمامة تمثل مشكلة خطيرة للغاية. توضح التصنيفات حسب مستوى التعليم أن 60% ممن حصلوا على التعليم الأساسي فقط يعتقدون أن القمامة تعد مشكلة خطيرة للغاية، مقارنة بـ 72% ممن حصلوا على التعليم العالي لديهم نفس الاعتقاد. تعتبر القمامة أيضاً مشكلة يعاني منها الفقراء. وبالمثل، لا تُبرِز التصنيفات حسب المناطق الريفية والحضرية اختلافات صارخة، إذ إن 67% من سكان الحضر يعتقدون أن القمامة تمثل مشكلة خطيرة، مقارنة بـ 62 من سكان الريف لديهم نفس الاعتقاد.

تعرض دراساتُ الحالة الثلاث المُفصَّلة في الأدنى القيودَ التي تعالج الجماعات المحلية -تحت وطأتها- مشكلةً تُقلِق قطاعاً واسعاً من سكان تونس. تستكشف هذه الحالات، على وجه التحديد، الطريقة التي يعالج بها موظفو البلدية إدارة النفايات الصلبة في إطار عملياتهم اليومية، إضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني في حالتين من الحالات الثلاث. يقدم الجدول رقم 2 معلومات عن هذه البلديات. وقد صنفت الحالات إلى الحكم الرشيد، والتحسّن النسبيّ، وأخيراً السُّمّيّة؛ من أجل التقاط التنوع في تجارب إدارة النفايات الصلبة. هذا التصنيف ليس شاملاً، ولا يمثل جميع الحالات؛ لكنه يمثل فعلياً تباينات قد تتعمق مع مزيد من البحث. وإذا كانت صفات الحكم الرشيد والتحسّن النسبيّ والسُمّية تتصل بشؤون حكم على مستوى البلدية، فإن التعاون والمواجهة القضائية وغياب المشاركة قد تكون صالحةً لمسألة مشاركة المجتمع المدني في كل من نابل والمعمورة وعقارب، بحسب ما هو مفصل أدناه.

الجدول رقم 2: خصائص البلديات الثلاث محل الدراسة.

عقارب المعمورة نابل
صفاقس نابل نابل الولاية
40,943 10,994 73,128 التعداد السكاني
735.18 كم2 23.18 كم2 72 كم2 مساحة السطح
5,973,265 دينار تونسي 2,098,930 دينار تونسي 22,485,744 دينار تونسي ميزانية البلدية

المصدر: الأرقام تعود لعام 2019 ومُستخلصة من بيانات وزارة الشؤون المحلية والبيئية

الحكم الرشيد في نابل

ظهرت مدينة نابل في عناوين الأخبار في أيلول/سبتمبر 2018 عندما تسببت أمطار غزيرة قياسية في سيول مُخلّفة وراءها ستة قتلى في البلدية التي تعد، خلافاً لهذا الحدث، بلديةً ساحليةً عاديةً وثرية نسبياً. صدر تقييم احتياجات سريع بعد ذلك بقليل عن طريق البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقدّر تكاليف التعافي بـ 100 مليون دولار.19Tunisia Integrated Disaster Resilience Program (P173568), Program Information Document (PID), June 22, 2020, Report No: PIDC225236. منذ ذلك الحين، صارت نابل تفيض بتمويلات المانحين من كثير من المؤسسات الثنائية والمؤسسات متعددة الأطراف، التي تركز اهتمامها على التغير المناخي. في وجود الكوادر الفنية المتخصصة والإدارة اليقِظة، تعد البلدية الآن الطفل المدلل بالنسبة للتدخلات على المستوى المحلي على صعيد التغير المناخي وإدارة مخاطر الكوارث والتمويل، وهو ما يتضح من خلال القرض البالغ 150 مليون دولار والممول تمويلاً مشتركاً عن طريق البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية ويخضع للتقييم الآن. إذا حصل هذا القرض على الموافقة، سيكون هذا المشروع هو الأول في تونس وفي المنطقة الذي يستفيد من التغير المناخي لتعزيز تأمينات القطاع الخاص ضد "الأخطار الطبيعية"، وستكون نابل حقل الاختبار لهذا النوع من المشاريع. مع أن الحديث في بلدية نابل يتمحور حول إدارة النفايات الصلبة، أقدِّم هذه المعلومات العامة لدعم الحجة القائلة إن نابل تجسد المثال الأفضل للحكم الرشيد في الإدارة البيئية، برغم الظروف التي تكتنفها التحديات السياسية، وهو ما سيتضح في السرد الوارد في السطور التالية.

خلافات سياسية وحلول تقنية

انضم محاورنا أحمد نوري، الذي درس الهندسة متخصصاً في إدارة البيئة الريفية، إلى بلدية نابل في 2009 في وظيفة كبير مهندسي الصرف الصحي. وقد جلب إلى هذا المنصب خبراته السابقة المتحصلة في القطاع الخاص. واليوم، يتولى أحمد مسؤوليات مدير قسم النظافة والبيئة، وهو منصب ظل شاغراً لسنوات. وبحكم هذا المنصب، يدير فريقاً مكوناً من 82 عاملاً إضافة إلى مهامه الإدارية ومهام إدارة المشاريع. عند سؤاله عن تعريفه للاستدامة البيئية، قدم محاورنا تعريفاً نموذجياً، وهو أنها تعني ضمان الوصول إلى الخدمات وتلبية الاحتياجات الحالية، وفي الوقت ذاته الإبقاء على توفر الموارد من أجل أجيال المستقبل. وأضاف أن الموارد البيئية محدودة وأن البشر يتسببون في تدهورها بسرعة؛ لكن للطبيعة طريقتها الخاصة في الاستجابة لهذه الأفعال، وكانت السيول في نابل مثالاً على هذا الرد. وعقَّب أحمد بأن هذه السيول لم تكن كثيرة، لكن الناس فوجئوا بكثافتها. إذ فجأة وجدوا أنفسهم عالقين داخل منازلهم والمياه تصل إلى رُكَبهم. شرح أحمد لنا بعفوية أن مثل هذه السيول تعتبر نتيجة التغير المناخي الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة. وأشار أيضاً إلى أن اتفاقية كيوتو واتفاقات كانكون، التي كانت تستهدف وضع آليات لخفض هذه الانبعاثات. في سياق لا يعتقد فيه كثير من المديرين الأكفاء حول العالم أن التغير المناخي يشكل تهديداً بارزاً على كوكبنا، يعد موقف أحمد حول المسألة باعثاً على الراحة. إذ إن عمله في البلدية ينبغي له أن يُثني المشككين في اللامركزية فيما يتعلق بقدرة الجماعات المحلية -على الأقل من ناحية الوعي التقني- على معالجة القضايا البيئية على نطاق عالمي.

على الجانب الفني، لدى أحمد أفكار واضحة بشأن معالجة المشكلات الجسيمة كالتغيُّر المناخي. وقد تعاون في نابل مع مانحين، على شاكلة MEDCITY، من أجل تنفيذ المشروعات بدلاً من مجرد إسالة الحبر على الورق في قطاع إدارة النفايات الصلبة. ينطوي المشروع على تحسين مسارات جمع النفايات لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة من شاحنات جمع القمامة، ومراقبة وتحديث المسارات باستخدام نظام المعلومات الجغرافية الخاص بالبلدية (GIS). وعلى الرغم من تبنّي هذه الآليات، ما تزال هناك مشكلات؛ لأن إدارة النفايات الصلبة مسؤولية مشتركة، والبلدية لا تتحكم إلا في جزء منها. في مركز النقل، يجب على محركات البلدية أن تنتظر لساعات عديدة لتفريغ شحنتها لأن المركز يعمل فوق طاقته. تتسبب هذه التأخيرات في تراكمات على صعيد جمع القمامة حول المدينة، وهي تراكمات لا يستطيع تحسين المسارات وحده أن يحلها. يضاف إلى هذا نقاط الضعف الهيكلية المتراكمة. فمثل البلديات الأخرى في أنحاء البلاد، دمر المحتجون خلال الثورة الشاحنات والسيارات والمعدات، التي بالكاد استطاعت البلديات استبدالها. واليوم، صار المواطنون أقل انضباطاً، الأمر الذي يصعّب عملية جمع القمامة من كل منزل. وبسبب الميزانيات المحدودة والعدد الزائد من موظفي القطاع العام، لا تستطيع البلديات تعيين موظفين جدد. ولذا فإنها تخدم مناطق أكبر ذات احتياجات أكثر، ولكن بدون تغيير في الموارد المادية ورأس المال البشري، بل ربما تتقلص. في ظل هذه التحديات، ينبغي أن يُنظَر إلى استمرار قدرة نابل على إدارة مشروعات تحسين إدارة النفايات الصلبة على أنه إنجاز.

لم تكن شكوى أحمد تتعلق بالصعوبات التقنية في قطاع إدارة النفايات الصلبة. لكن كان سبب التوتر هو علاقته بِرئيسة البلدية السابقة، التي سبق وأن عملت في المجلس قبل الثورة. حسب كلام أحمد، فهي لم تكن تعامله باحترام، ظناً منها أنها يمكن أن تتعامل بنفس الأسلوب الذي كانت تنتهجه في عهد النظام الاستبدادي دون أن تتعرض للمساءلة. أخبرنا أحمد أنه حينها كانت المجالس تُصدر قراراتها دون أن يشكك أيّ أحد على الإطلاق في مشروعيتها. أدت علاقته المتوترة مع رئيسة البلدية إلى عدم سماحها له بالسفر من أجل حضور الدورات التدريبية أو حلقات العمل التي تنظمها جهات مانحة في إطار تعاونها مع البلدية. إضافة إلى رفضها طلب نقله إلى موقع آخر. بيد أنه يحظى بعلاقة أفضل مع رئيس البلدية الحالي. تسببت هذه التوترات بين المجالس المنتخبة والإدارة في خلافات كبيرة، مما زاد من صعوبة العمل في البلديات.

تضارب بشأن المشاركة

أبدى أحمد بعض التحفظات بشأن التشاركية المحلية. فقد أخبرنا أنه خلال إحدى ممارسات الحوكمة التشاركية -جلسات التخطيط التشاركية التي ينظمها المجلس لتحديد الاستثمارات ذات الأولوية في إطار خطته الاستثمارية السنوية (PAI)- يتجادل المشاركون حول الطريقة التي يفضلون جمع النفايات الصلبة من خلالها في أحيائهم. ويمكن أن وتتصاعد حدة الجدل لتصبح عنيفة، بل قد يتعدى المشاركون على بعضهم البعض بالضرب بسبب اختلافهم حيال عدد لا يحصى من المسائل: من قبيل توقيت إخراج القمامة ووضعها بجوار الرصيف لجمعها من منزل إلى منزل، أو موقع نقطة تجميع محددة هل يجب أن يكون في ركن الشارع هذا أم ذاك. يرى أحمد أن استشارة المواطنين أمر جيد، بيد أن أغلب الشواغل التي تخص إدارته فيما يتعلق بالنظافة العامة هي مسائل تقنية لا دخل لأهواء المواطنين فيها.

علاوة على ذلك، يتوقع المواطنون أن تتجاوب البلدية مع مشاكلهم الشخصية بدلاً من الاهتمام بما يحقق المصلحة العامة. تؤدي دعوة السكان للمشاركة إلى مضاعفة المطالبات دون اتخاذ أيّة قرارات. هذا بالإضافة إلى أن المصالح الضيقة تأزم الأمور عن محاولة إيجاد حلولٍ لمسائل ذات طبيعة عامة مثل مسألة جمع القمامة. بل إن المشاركة لم تزد وعي المواطنين، مثلما قال أحمد. نظرياً، ينبغي أن تحث هذه الاجتماعات المواطنين على دفع ضرائبهم المحلية، وأن تسهل مهمة البلدية في تقديم تلك الخدمات. لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع. وخلص أحمد إلى أن "سلوكيات الناس تتغير بنسبة 10% بزيادة الوعي، في حين كانت 90% منها بالإكراه". ومن وجهة نظره كانت المشاركة عملية تشاورية مضنية لم تسهم كثيراً في تحسين جودة الخدمات التي تقدمها إدارته.

تظهر حالة نابل إن الحكم الرشيد في إدارة النفايات الصلبة مرهون بوجود موظفين فنيين مهرة لديهم خبرة في هذا القطاع، إضافة إلى فهم عميق للأمور التي تجعل البيئة صحية ومستدامة. رغم مناوشاته مع قيادة البلدية، قام محاورنا بأداء واجباته في ظل عوائق تتعلق بالميزانية والتنظيم. وهو يتبنى موقف مشابه لمعظم المسؤولين الإداريين الذين لا يثقون في المجالس البلدية المنتخبة وينتقدون الحكم المحلي المسيس. صحيح أنه لم يفصح عن ذلك، لكن منصبه بوصفه خبير جعله متشككاً في السياسات ونظم المجالس المنتخبة الأكثر انفتاحاً [على الجماهير] بما في ذلك آليات التشاركية. بسبب تخوفه من مشاركة المواطنين على المستوى المحلي، ومن غير المستغرب أنه لم يتطرق إلى منظمات المجتمع المدني أو الناشطين، إلا خلال كلامه عن المانحين والهيئات الثنائية. أحد التفسيرات لعدم حديثه عن الناشطين هو مفهومه عن البيئة. لم يولي أحمد اهتماماً كبيراً للناشطين الذي يعملون على الأرض، لأن تعريفه للبيئة كان تقنياً، وتعد إدارتها من اختصاص ذوي الخبرة والكفاءات وهو أمر لا ينبغي أن يخضع للمشاورات الشعبية.

حالة الأوضاع الجيدة نسبياً في المعمورة

بالنسبة لمن يزورها في يوم مشمس لأول مرة، تعطي المعمورة إحساساً طاغياً بأنها بلدة صغيرة جذابة تستحق طباعة معالمها على بطاقة بريدية. تشتهر البلدة ذات الواجهة البحرية التي يقطنها 10 آلاف نسمة بتنظيم حملات التوعية البيئية الرائدة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني. ساهمت تلك الحملات في تمويل شراء حاويات إعادة تدوير النفايات (شكل 2) وتوزيع أكياس قمامة مصنفة حسب اللون لِفصل وفرز المخلفات العضوية عن المخلفات غير العضوية. ويعبر توصيف "الأوضاع الجيدة نسبياً" عن ثلاثة عناصر: (أولاً) جهود البلدية التي تكللت بالنجاح لتنظيف مكبّ نفايات لا يخضع للضوابط الرقابية كان قد اقترب كثيراً من محيط مباني المدينة وإغلاقه نهائياً؛ (ثانياً) العلاقة التعاونية (وليس التصادمية) مع منظمات المجتمع المدني؛ (ثالثاً) التأثيرات الهيكلية المحدودة لمثل هذه المجهودات إذ إنه، بعد فرز النفايات في المنبع، تُخلط بعضها مجدداً وتنقل إلى مكبّ في مدينة منزل بوزلفة لِطمرها. يُظهر هذا محدودية الجهود التي تبذلها البلدية لتحسين ممارسات إدارة النفايات الصلبة المستدامة بيئياً في ظل غياب استراتيجية وطنية مؤسسية تُحدد وتنظم هذه الممارسات على طول السلسلة.

شكل 2: حاويات إعادة تدوير القمامة في المعمورة. المصدر: المؤلف، كانون الأول/ديسمبر 2020

ممارسات جيدة تنطوي على عواقب مليئة بالتحديات

تحدث محاورونا في بلدية المعمورة مطولاً عن القيود المفروضة على عمل البلدية. أكدت لينا الشابيّ، رئيسة المهندسين المسؤولة عن قسم الخدمات التقنية، وغادة راضي، الأمينة العامة المسؤولة عن الشؤون المالية وآليات التخطيط التشاركي، على افتقاد البلدية لرأس المال البشري والموارد المادية. تُعرِّف الاثنتان البيئة بوصفها شأن من اختصاص البلدية؛ وهي تعني العناية بالبيئة التي تصاحبها بالضرورة مهام من قبيل النظافة والصحة العامة. وقد انصب تركيزهما على النظافة أيضاً، مؤكدتين أن المعمورة معروفة بشوارعها النظيفة، وهو ما يتضح بجلاءٍ عند إجراء جولة في المنطقة. في معرض ردها على سؤال حول فهمها للاستدامة البيئية، قالت لينا "إننا نعمل على الحفاظ على مستوى النظافة الذي تشتهر به المعمورة". ولإنجاز تلك المهام، تحتاج البلديات إلى معدات، من بينها شاحنات جمع القمامة، وأموال لتشغيل وصيانة تلك الشاحنات وموارد بشرية لتقديم خدمات إدارة النفايات الصلبة بكفاءة. ولا يمكن تلبية ذلك من قبل 18 شخصاً يشكلون فريق عمال تنظيف الشوارع وسائقي الشاحنات وموظفة واحدة مختصة تتمتع بالمهارة، وهي لينا، المسؤولة عن كافة المهام الإدارية وحل المشكلات في الميدان وكل شيء آخر عدا ذلك.

من المفارقات أن إغلاق المكبّ غير المراقب في المعمورة زاد من التحديات التي تواجهها البلدية في إدارة النفايات الصلبة. بالنسبة لمناصري الاستدامة البيئية والإصلاحات اللامركزية، مثّل الإغلاق النهائي لمكبّ المعمورة انتصاراً صغيراً. فقد تمكنت رئيسة البلدية من تخصيص 60 ألف دينار تونسي من ميزانية البلدية، بدعمٍ من مجلسها، لهذا المشروع الذي نُفذ بمساعدة تقنية من قبل الوكالة الوطنية لتصريف النفايات. بيد أن إغلاق المكبّ أدى إلى رفع تكلفة إدارة النفايات الصلبة. قبل إغلاقه، كانت النفايات تخزن مؤقتاً في المكبّ الذي لا يخضع للضوابط إلى أن تُنقل إلى مستودع النقل مرة أسبوعياً، بينما بات يتعين الآن على الشاحنات الذهاب في تلك الرحلة يومياً، وهو ما يزيد من تكاليف الوقود والعمالة المخصصة لشاحنات جمع وتصريف النفايات. ورغم أن الوكالة تدعم هذه التكاليف، يتسبب التأخير الذي يحدث في مستودعات النقل في تراكم عمليات التجميع وهو ما يضطر البلدية إلى نقل نفاياتها مباشرة إلى المكبّ في مدينة منزل بوزلفة. وكل تلك السياقات ترفع من كلفة نقل النفايات.

التعاون مع منظمات المجتمع المدني

غيّر الدور الجديد لمنظمات المجتمع المدني من طبيعة الحكم المحلي في المعمورة بعد الثورة. مثلما أوضحت غادة، تؤدي منظمات المجتمع المدني دوراً حيوياً في المعمورة (“المجتمع المدني سخون”)، خاصة فيما يتعلق بالاستدامة البيئية. في 2011، عقب الثورة مباشرةً، ثبتت البلدية، بالتعاون مع تلك المنظمات، حاويات لجمع الزجاجات البلاستيكية في الشوارع (شكل 3). ومؤخراً، تعاونت إحدى المنظمات مباشرةً مع الأسر بهدف توزيع أكياس قمامة سوداء وخضراء لِفصل النفايات العضوية عن النفايات غير العضوية. جربت المنظمة هذا المشروع من قبل في أحد الأحياء عام 2018. وعندما استفسرنا عن تطورات المشروع، لم يتمكن محاورونا من إعطائنا إجابة، قائلين إن البلدية لم تقدم أيّ دعم للميزانية.

لكنها بدلاً من ذلك قدمت لهم بعض الأعمال العينية، وساعدت في نقل النفايات المفروزة إلى المكبّ. أثبت هذا المثال إن منظمات المجتمع المدني النشطة لا يمكنها وحدها إحداث أيّة تغييرات مؤثرة في ممارسات إدارة النفايات الصلبة عندما تتعاون مع البلديات التي لا تفتقر فقط للتمويل والموارد البشرية للاستثمار في مثل تلك المشاريع، بل إنها مثقلة أيضاً بمسؤوليات إضافية ترتبت على الإصلاحات اللامركزية. أضف إلى ذلك حقيقة أن شكاوى المواطنين قد شهدت زيادة هائلة مما جعل البلدية جهة التظلم الأولى لأيّ شخص (“لي يحك رَاسو يجي للبلدية”).

عندما لا تحظى المؤسسات العامة المحلية بالدعم من الكيانات المحلية اللامحورية، فإنها تلجأ إلى البلدية. فعلى سبيل المثال، بعد أن انقطع التواصل مع الإدارة الإقليمية للتعليم، لجأ مدير المدرسة الابتدائية إلى البلدية طلباً للمساعدة فيما يتعلق ببروتوكولات التطهير والنظافة خلال جائحة كوفيد-19. في الواقع، تتقاسم البلدية مواردها مع عدة مؤسسات عامة أخرى تقع ضمن نطاق صلاحيتها. وفي ظل شح الموارد، من المؤكد أن تظل الجهود التعاونية بين منظمات المجتمع المدني والبلدية مقتصرة على مجرد "الشعور بتحسينات جيدة نسبياً".

شكل 3 - حاويات لإعادة تدوير الزجاجات البلاستيكية في المعمورة. المصدر: المؤلف، كانون الأول/ديسمبر 2020.

السُمية في عقارب

في يوم الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2019، نُقلت آمال بن إبراهيم على وجه السرعة إلى المستشفى بصفاقس. لتلقى الشابة مصرعها صباح نفس اليوم بسبب لدغة بعوضة سامة. كانت آمال تبلغ من العمر 21 ربيعاً، وتعيش في مدينة عقارب. وفي اليوم نفسه، نشر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقالاً عن وفاة آمال، وربط موتها بالتلوث الشديد في مكبّ القنة، ثاني أكبر مكبّات النفايات في تونس والذي يقع في مدينة عقارب. أودى التلوث بحياة آمال. وعبرت المقالة عن تضامنها مع حركة "مانيش مكبّ"، وهي حملة بيئية، بدأت قبل وفاة آمال، نظمها ناشطون من عقارب للدفاع عن حقهم الدستوري في بيئة صحية. وبعد مضي خمسة أشهر على تلك الحادثة، في 26 شباط/ فبراير 2020، نشر المنتدى مقالاً آخر عن عقارب، أدان فيه المضايقات والتهديدات التي تعرض لها ناشطين في حملة "مانيش مكبّ". تتناول دراسة الحالة الثالثة الواردة في هذه الدراسة الآثار البيئية لمكبّ النفايات في القنة، مرتكزة على منظورين: أولهما وجهة نظر سامي البحري، وهو أحد المنظمين الرئيسيين في حراك "مانيش مكبّ"، وثانيهما منظور البلدية في إدارتها الاعتيادية للمشاكل البيئية.

احتجاج غير مؤسسي وغير فوضوي

"لقد اخترنا أشكال مختلفة من الاحتجاجات. فنحن لم نُقدم على حرق الإطارات أو قطع الطرق. بل استخدمنا الفن، فنحن فنانون. وقد استخدمنا شبكات علاقتنا للتحدث إلى الصحفيين، والظهور على شاشات التلفاز مثلما حدث، على سبيل المثال، في واحدة من حلقات البرنامج الاستقصائي "الحقائق الأربع"، والعمل مع المنظمات غير الحكومية التي تساند قضيتنا".

كان ذلك هو تعليق سامي بحري عندما سألناه عن حملة "مانيش مكبّ"، التي ساهم بدور محوري في تنظيمها. أصر سامي على التحدث بصفته ابن من أبناء مدينة عقارب عانى هو شخصياً بسبب البيئة السامة التي يعيش فيها. وأضاف قائلاً "أتحدث إليكم بصفتي سامي بحري الذي يرغب في الحياة، وهذا حقي وحق أطفالي". في معرض حديثنا، أصر سامي على توضيح أنه ليس خبيراً بيئياً: فهو لا يفهم ما الذي تعنيه مستويات السميّة، أو مكونات التربة، أو عمق المياه الجوفية، أو معايير المرشحات الصناعية التي ينبغي تركيبها في جميع المصانع المنتشرة في مختلف أنحاء مدينة عقارب. فبالنسبة له، كان ما تتعرض له المدينة من تسمم بسبب التلوث بمثابة جريمة، يكابد أهالي عقارب عواقبها كل يوم: يتجلى ذلك في الروائح الكريهة، وحالات تشوه الأطفال حديثي الولادة، ومعاناة النساء اليافعات من العقم، والجيران والأقارب الذين يموتون بسبب السرطان. أصبحت البيئة تؤثر سلباً عليه وعلى أحبائه. بل وصارت البيئة تشكل موطنه المُسمَّم الذي يعيش فيه، والهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والطعام الذي يتناوله.

احتج سامي على السُمية البيئية من خلال إنتاج أعمال فنية حول هذا الموضوع بالتعاون مع الأطفال والشباب والشابات في عقارب. حتى أنهم أضفوا عليها حس الدعابة. ففي أحد النشاطات، نظموا جلسة تصوير ساخرة لمسابقة ملكة جمال تونس في مكبّات النفايات يتباين فيها الجمال مع القبح، مثلما صورها. وفي نشاط آخر، أقاموا متجراً في سوق البلدية وعرضوا فيه زجاجات للبيع تحتوي على الهواء والتربة والصخور الملوثة في المدينة. أسس سامي جمعية فنية تمكن خلالها من تسجيل الأطفال في مجموعة من الورش السينمائية المتنقلة، وعلمهم كيفية صناعة الأفلام باستخدام هواتفهم المحمولة. وتمكنوا من صناعة محتوى حول مكبّات النفايات. وأعرب سامي عن ارتيابه وقلقه العميق من مشهد النشاط البيئي. فباستثناء حملة "مانيش مكبّ"، رفض إضفاء الصبغة المؤسسية على حركة الاحتجاج البيئي ووصفها بأنها منظمات غير حكومية. فقد اعتقد أن الانضمام لتلك الحركة قد يتسبب في تشويه سمعتَه، أَو هكذا علل موقفه. وكان سيُتّهم بجمع الدنانير مستغلاً معاناة شعبه. لهذا اختار الفن عوضاً عن ذلك. أراد سامي أن يترك إرثاً مختلفاً، بعد ما أصيب بخيبة الأمل بسبب ممارسات المنظمات غير الحكومية الفاسدة. وإدراكاً منه للتوزيع الزمني للسمية والأضرار التي تلحقها بأجساد الناس، قال سامي:

"أعلم أنني أقاتل الدولة وأنني لا أستطيع هزيمتها. وأنا مدرك أن هذا صراعاً طويل الأمد. ما نواجهه خلال حياتنا هنا هو جريمة، ولكننا نربي جيلاً في عقارب يرفض الخضوع لهذا الواقع".

الرأسمالية الابتزازية والحوافز العكسية

في صميم تعريف سامي الواسع لـ "البيئة" تكمن معاناته من الرأسمالية باعتبارها نظاماً يبتز أمثاله من الناس. فقد سألني:

"إذا باع تاجر السمك في تونس سمك الوراطة بسعر 5 دنانير تونسية للكيلو، هل ستشتريه؟20للإيضاح، يبلغ سعر الكيلو من سمك الوراطة حوالي 15 دينار تونسي. يشير السؤال الذي طرحه سامي إلى أن المستهلك الفطن يعلم أن هذه الأسماك فاسدة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، ونتيجة لذلك تباع بسعر منخفض بلا مبرر. فضلاً عن أن طرحه هذا السؤال عليّ، يُشير أيضاً إلى مكانتنا المميزة بصفتنا باحثين من الطبقة المتوسطة يعرفون كم يبلغ سعر الكيلو من سمك الوراطة عادةً، ومن يستطيع أن يشتريه بسعر السوق. نحن زواولة.21في اعتقادي، نعم سيُقدم الناس الفقراء على شرائها، بيد أن سامي أصر على أنهم ليسوا فقراء، بل زواولة. بعد التقصي، وجدت أن أفضل معنى لمصطلح "زواولة" هو الشخص الذي يُظلم لأنه من السهل التلاعب به، أو خداعه. فإذا كان البقال في الحي الذي أقطن فيه يبيع قالب الحلوى بسعر 3 دنانير تونسية في ليلة رأس السنة الجديدة، فإن الناس يشترونه. فالأطعمة منتهية الصلاحية التي تدخل مكبّ النفايات هذا بغرض التخلص منها نهائياً تعود مرة أخرى إلى متاجرنا. والناس يشترونها، وأنا أشتريها. نحن لسنا مواطنين، ولسنا أحياء".

من المفترض أن يكون موقع الطمر هو الوجهة النهائية للنفايات المقرر دفنها. بيد أن بعضها، مثل الأطعمة منتهية الصلاحية أو الفاسدة، تخرج مجدداً من مكبّات النفايات، لتُباع في المحلات المختلفة بمدينة عقارب. وفسر سامي هذه الظاهرة بأنها فساد مزدوج: داخل وخارج مكبّات النفايات. يتمثل الفساد الداخلي في عملية نقل النفايات السامة ذاتها إلى المكبّ، وهو أمر غير قانوني لأن هناك أحكاماً خاصة لمعالجة هذه النفايات والتخلص منها. في حين يتمثل الفساد الخارجي في نقل الأغذية الفاسدة من مكبّات النفايات وإعادة بيعها في المحلات التجارية المحلية. فضلاً عن أن عدد العاملين في مكبّ النفايات خلال أيّ يوم يتراوح ما بين 70 إلى 80 موظفاً دائماً. ويُمكن لأي منهم أن يسهل حدوث ذلك الفساد المزدوج. قبل بضعة أسابيع من المقابلة التي أجريناها، اتصل أحد أعضاء حملة "مانيش مكبّ" بسامي. فقد اشتبه في أن شاحنة تحمل نفايات سامة، وغير مرخص لها بالدخول إلى مكبّ النفايات، كانت في طريقها لإفراغ حمولتها. وعند الفجر، تجمع سامي وعدد قليل من أعضاء الحملة في مكبّ النفايات لمنع دخول الشاحنة: إلا أن سائقي الشاحنات هددوهم بالسكاكين. وقد كانت هذه الواقعة أحد الأمثلة العديدة التي تلقى فيها أعضاء الحملة تهديدات بالقتل باستمرار بسبب نشاطهم البيئي.

الأمر الذي بدا مستعصياً على سامي، أكثر حتى من خوفه على حياته، هو الحوافز العكسية التي اضطر العديد من جيرانه إلى الدفاع عنها - رغم وجود أنشطة مسببة للتلوث الشديد فيما بينهم. ففي بلدة يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، يرتبط مصدر رزق كل أسرة فيها بطريقة أو بأخرى بمكبّ النفايات من خلال العمال الذين يملأون عشرات المصانع وغيرها من المنشآت الصناعية في المدينة. وبالإضافة إلى المكبّ الصحي للنفايات، تدير المصانع العديد من مكبّات النفايات غير الرسمية (مكبّات عشوائية) المنتشرة في مختلف أنحاء المدينة. اعتبر سكان المدينة أن الحركات البيئية التي تعارض هذه الأنشطة الصناعية المسببة للتلوث تُشكل تهديداً على سبل عيشهم. فمن دون هذه المصانع، لا توجد رواتب. ومن ثم سوف يتضور الناس جوعاً. وقد فهم سامي خطورة هذه الآليات المنحرفة. "أشعر بالوحدة" هكذا أعرب سامي عن صعوبة محاربة الرأسمالية الابتزازية. لكنه لم يستسلم. وكرس كل مجهوداته من أجل الفن الذي أنتجه. تبنى سامي نهجاً سياسياً ذا توجه مستقبلي. إدراكاً منه أن ما قام به كان من أجل أطفاله وجيلهم. وأنه كان لزاماً عليه أن يبدأه، حتى مع علمه أنه وعلى الرغم من بذل قصارى جهده، ربما لن يتمكن من استكمال هذه المهمة الصعبة حتى النهاية.

أدرك سامي أيضاً أن جسده وأجساد سكّان عقارب، ومن بينهم العمّال الذين يكسبون أقواتهم من العمل في مصانعها، يمكن الخلاص منها؛ إذ يعتبرون فائضاً لسردية الدولة التونسية الحديثة،22قارن مع أطروحة درويش (بالإنجليزية في مرجع سابق). ومن ثَمّ قد يُضحَّى بهم للحفاظ على حداثتها الصناعية واستدامتها. لم يكن الحفاظ على سلامة هذه الأجساد من أولويات الدولة. ففي لحظة ما، خلال حديثه مع وسائل الإعلام، قال سامي موجهاً حديثه إلى من هم في السلطة: ”لماذا نحن؟ لماذا عقارب؟ ماذا فعلنا لنستحق هذا؟“ وطالب الدولة إن كانت لا تستطيع إزالة النفايات أن تنقل الناس إلى خارج عقارب: ”حوِّلونا من البلاسا هذي“، حسبما قال.

مشكلة غير مجسدة

تعتبر إدارة المكبّات، من منظور البلدية، مشكلة حوكمة غير مجسدة؛ فقد تغلغلت سمّيتها في عموميات البلديات التي تعاني أثقالاً في الأعباء ونقصاً في الموظفين. لنضع في اعتبارنا حديث مُحاوِرنا عن موظفي البلدية. أبدى هاني يوسف، رئيس قسم الخدمات الإدارية والمالية، أسفه لكون آخر سلسلة تعيينات في البلدية شملت 6 موظفين غير مدرَّبين ورثتهم البلدية عن المعتمَدية.23المعتمديات هي أصغر الكيانات اللامركزية الإقليمية في الحكومة التونسية، بينما البلديات هي الكيانات اللامركزية للحكومة التونسية. تعتبَر المعتمديات والبلديات، في معظم الحالات ولكن ليس في جميعها، كيانات متداخلة إقليمياً ومتطابقة جغرافياً (بنفس الحدود). لم يكن هذا الأمر حصرًا على عقارب. بل هناك شكوى عامة يمكن أن يسمعها المرء في أيّ من البلديات التونسية التي تكافح من أجل تلبية تطلعات المواطنين في حقبة ما بعد الثورة، وهي ندرة رأس المال البشري الماهر المُدرَّب، ومن المفارَقات أنّ هذا تقابله غالباً فاتورة أجور تتجاوَز نصف الميزانية التشغيلية للبلدية. ومثل قطاعات أخرى في أرجاء البلاد، تعرضت البلدية لضغوط من أجل تشغيل هؤلاء لأنهم” حالات اجتماعية“، وهو التعبير الذي يستخدم في وصف العمّال الذين غالبًا ما يعولون غيرهم ويعانون من الفقر. غير أن الفرق في حالة عقارب هي أن نصف "الحالات الاجتماعية" التي توظفها البلدية فيها تعاني من إعاقات جسدية أو ذهنية.

حاول هاني شرح الوضع، فقال لي” العامل الذي أحضر لك القهوة للتوّ يتناول أدوية مضادة للذهان، وأحد البوّابين لدينا يعاني من مرض السكّري، فيما أُغمي على آخر أثناء تنظيفه الشارع يومًا. لقد دخلنا حرباً، وعلينا الفوز فيها بجيش عليل“.

كان "الدخول في حرب" يمثل تجربة هاني في العمل بالبلدية بشكل شديد التقييد. وبإمكان أي خبير في الحكم المحلي المتابع للإصلاحات اللامركزية في تونس، أن يخبركم أن هذا الجانب معياريّ. وبالفعل، يجب على غالبية مديري البلديات اليوم التجاوب مع مجالس بلدية منتخبة، وتجهيز عدة مصادر تمويل من أجل إرضاء احتياجات الاستثمار المتزايدة، وكل هذا بينما تخوض البلديات علاقات غير تعاونية مع المؤسسات المركزية، مع البقاء على دراية بمشاكل المواطنين. لكن الذي يميز حالة عقارب هو توصيف فريق العمل في البلدية بـ"الجيش العليل"، لأن هذا لم يكن مجازياً؛ فقد تعرضت السلامة الجسدية للعاملين في البلدية بعقارب للخطر. وكرّر هاني، عدة مرات خلال الحوار معه، أن نصف موظفي البلدية -من الموجودين بالفعل أو مَن عُيّنوا حديثاً- "معاقون". غير أن هاني لم يربط مرة واحدة هذه العلل و"الإعاقات" التي تؤثر على أجساد الموظفين في البلدية بسُمّيّة التربة والماء والهواء في عقارب، لأن هذه السمّيّة لم تتغلغل في بيئتهم. "ففي عقارب تربة طينية لا تمتص النفايات"، وذلك حسبما شرح هاني خلال حوارنا. وتدعم رأيَه مُحاوِرتُنا الثانية عبير غزالة، وهي محامية في البلدية منخرطة في حملة "مانيش مكبّ". ومن المهم الإشارة إلى أن عبير وهاني لم يستخدما مصطلحات السمّيّة فيما يتعلق بعقارب أو مكبّ النفايات.24من غير المألوف بالنسبة لمَن يُجرون مقابلات داخل مؤسسات حكومية أن يقدموا وجهات نظر سلبية خلال المقابلة الأولى لهم. لا يمكنني تحديد إن كان مَن حاورتُهم يعتقدون في تلك السردية المُحكَمة حول التربة الطينية بوصفها حقيقة علمية، أم أنهم استخدموها فقط، أمام اثنين من الباحثين، لتبرير وجود مكبّ نفايات سام.25ولا تعتقد مؤلفة الورقة أن مهمة الباحث التحقق من صدق مزاعم مُحاوِريها. بخلاف هذا، كان الجانب المشرق في هذا الحوار أن السمية، وفقاً لهاني وعبير، لم تتغلغل وتسكن في أجساد الناس. لقد كان المكبّ مشكلة خارجية أو سطحية، لا مشكلة تتخلّل حياة الناس اليومية.

مسؤولية مؤسسية مشتَّتة

أكّد هاني، بعد عشر دقائق من بدء حوارنا، أن "الوضع البيئي سيّئ، ولكن هناك إرادة تسعى إلى تحسينه". لم يُشِر أبداً إلى التلوث؛ مما يوحي بدقته في اختيار الألفاظ، نظراً لأن التلوث يفترض وجود ملوّثين يقومون به، ولا بد من تحديدهم بشكل واضح. وواصل هاني حديثه شارحاً كيف كانت المنطقة الصناعية الكبرى في عقارب هي التي شيدت تلك البلدة؛ فقد تدفق الناس من المناطق المجاورة للعمل في مصانعها، ولكن "كان لهذا ثمنه وكلفة". المسألة الأكثر إثارة للجدل هي المكبّ الخاضع للرقابة في القنة، الذي يخدم بلدية صفاقس [عاصمة الولاية]، وهي المركز الصناعي في البلاد. تمثّل القنة أيضاً وجهة 80٪ من النفايات التي تنتجها 23 بلدية بولاية صفاقس. يقع مكبّ القمامة في منطقة خضراء صارت محمية طبيعية بعد إقامة هذا المكبّ. بالتالي فهي تقع، من الناحية المؤسسية، تحت إشراف وزارة الزراعة والغابات، ولكن تديرها الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، تحت وصاية وزارة البيئة. كان من المفترض أن يعمل المكبّ، الذي أُنشئ عام 1998، لمدة 15 عاماً. غير أن قراراً بإغلاقه لم يصدر إلا في عام 2019؛ ونظراً لهذا المرسوم فإن المكبّ اليوم يعمل بصورة غير شرعية. في 2019 أيضاً، لتسريع عملية إغلاق المقلب، اتخذت البلدية قرارها بإغلاقه نهائياً. غير أن الوالي الذي يمثل الدولة اللامحورية في المنطقة شكك في شرعية قرار البلدية، متهماً إياها بالتعدي على مسألة تحظى بالاهتمام الوطني. كان المكبّ، في الواقع، مؤسسة على مستوى مركزي لم يكن لبلدية عقارب حق في إدارته.

فهم هاني حملة "مانيش مكبّ" باعتبارها حركة احتجاجية ضد الشكل الزمني المتدرج لإغلاق المكبّ، وهو هدف صعب التحقيق يبدو أنه تُعاد جدولته باستمرار. تبنّت البلدية موقف الحملة، داعمةً تماماً أعضاءها فيما رأت أنه مطالب مشروعة للمواطنين. وفي تباهٍ بدور الوساطة الذي لعبته البلدية، قال هاني إن "البلدية استطاعت إدارة هذه الأزمة بنجاح". ففي بلديات أخرى، كانت قوات الشرطة (الحاكم) تتدخل لقمع المحتجين، مُطلَقةً العنان للعنف ضد المعارضين. أما في عقارب فقد دافعت البلدية عن "أولادنا" لسببين. أولاً لأن مطالبهم مشروعة. ثانياً، لم يكن نضالهم ضد البلدية، إنما ضد آفاق تنموية متهالكة وضد رجال الأعمال النافذين الذين يمتلكون المصانع ويديرونها في صفاقس وعقارب. لماذا إذن كان الناس ينظمون احتجاجاتهم ضد الجماعة المحلية أمام المعتمدية والبلدية؟ وفقاً لما قاله هاني، فإن المشهد المؤسسي المعقد قد أدى إلى تفكيك المسؤولية تجاه تشغيل وإغلاق مصبّ النفايات، وبذلك أُعيدَ تشكيل الصراع من جديد. وبدلاً من التصادم بين المصانع والمواطنين، فإن ما وقع هو نشأة الخلاف بين مؤسسات الدولة: الجماعة المحلية في مواجهة الدولة المركزية.

الحكم الرشيد في أوساط سُّمّيّة

كغيرها من البلديات التي شهدت توسيعات لحدودها بعد تقسيم البلاد بكاملها إلى بلديات في 2014، كانت موارد عقارب شحيحة للغاية. أضيفت سبع معتمديات، يقطنها 25 ألف نسمة، إلى حدود البلدية. كانت لديهم مظالمهم المتعلقة بالتلوث الناتج عن المصانع؛ وأمكنهم التعبير عنها في لقاءات التخطيط التشاركي السنوية التي تعقدها البلدية لوضع أولويات الاستثمار. تحدثت عبير، التي ترأس لجنة التخطيط التشاركي، بإيجابية حول تلك التجربة. وقالت إنه إذا أراد أحد سكان عقارب اليوم أن يعيش في منطقة ريفية،26قبل توسعة البلديات في أنحاء الإقليم التونسي، كانت المناطق التي ليست فيها بلديات تضمّ مجالس ريفية، وهي المجالس التي كانت تعبتر أقل كفاءة في تقديم الخدمات، لأنها مجالس معيَّنة وتُحدّد ميزانيتها على مستوى مركزي تماماً. فلديه إمكانات الوصول إلى الطرق المُعبَّدة. وتعتبر هذه قصة نجاح في مشاركة المواطنين الذين حدّدوا أولويات الاستثمار في البلدية، وحصلوا على ما طالبوا به. لقد زادت ميزانية عقارب للاستثمارات المحلية (الخدمات المحلية، من قبيل إنارة الشوارع وتمهيد الطرق وتجميل المساحات الخضراء) من 750 ألف دينار تونسي في 2019 إلى مليون و950 ألف دينار في 2020.

إضافة إلى ذلك، تملك البلدية ميزانية بقيمة 6 ملايين دينار تونسي من أجل الاستثمارات الهيكلية،27تشير "الاستثمارات المحلية" مقابل "الاستثمارات الهيكلية" إلى تصنيف مشروعات الاستثمارات البلدية التي تبنتها البلديات في 2014 مع برنامج البنك الدولي للتنمية الحضرية والحوكمة المحلية، والتي جرى تمديدها في 2019 بتمويلات إضافية حتى عام 2023. وهي ميزانية ضخمة بالنسبة لبلدية بحجم عقارب. لا شك أن عقارب، من منظور مقارن، تعد بلدية ثرية، فهي موطنٌ لكثير من المنشآت الصناعية. وكما ذكر هاني، إذا كانت مؤسستهم في عقارب "لها ثمن وتكلفة" فلماذا لا نُسيِّل هذا "الثمن" إلى أموال بدلاً من استخدامه تعبيراً مجازياً فحسب؟ فإذا استخدمت البلدية أحكام القانون الأساسي للجماعات المحلية لفرض ضريبة على الصناعات الملوِّثة، فقد تستطيع مضاعفة هذه الميزانية عدة أضعاف، ويمكنها النظر في استخدامها لإغلاق مكبّ النفايات، كما فعلت بلدية المعمورة مع مكبّ النفايات غير الخاضع للرقابة لديها. علاوة على هذا، قد تشكل تقنيات الحسابات شكلاً من أشكال المعارضة.

تعاملت بلدية عقارب مع مشكلة مكبّ القنة عن طريق الإجراءات التكنوقراطية المعتادة. أثار موظفو البلدية مسألة تضارب الولايات المؤسسية وافتقار الدعم من الكيانات المركزية، بما فيها الولاية والوزارات التنفيذية المعنية. وبالنسبة لسؤال سامي، الذي قال فيه "لماذا نحن؟"، ولماذا يكون مكبّ نفايات لعموم ولاية صفاقس موجوداً في عقارب، قدم هاني إجابة فنية لا علاقة لها بإمكانية التخلص من أجساد فئات معينة على حساب أخرى. كانت إجابته الفنية ذات صلة بعدم نفاذية التربة الطينية. وبحسب ما نقله إلينا بكلماته: "مش بالعاني في عقارب" (ليس الأمر متعمّداً)، لكنها بالأحرى خيار مناسب بالنظر إلى طبيعة تربة المدينة. صحيحٌ أن تقييم هاني لمشكلات مكبّ النفايات دقيقٌ من الناحية السياسية، بوصفه أحد أقوى المنشآت الصناعية الملوثة التي تعتبر القنة مهمة بالنسبة إليهم، لكن منهجيته كانت -بالنسبة لهذه ا الباحثة- غير مسيسة بصورة صادمة. إذ إنها تستبدل بالوكالة بيروقراطيةً عملاقةً غير متبلورة، لا تستطيع أي بلدية صغيرة مواجهتها إلا قليلاً. يكمن أحد تفسيرات هذه الفجوة، القائمة بين تقييم المشكلة والاستجابة لها، في الاختلاف في تعريف ماهية ومضمون "البيئة". يرى كثير من مسؤولي البلدية الذين على شاكلة هاني، أن مشكلة مكبّ النفايات ظلت غير مُجسَّدَة لأن البيئة توجد "في الخارج". بينما يرى سامي وناشطو حملات الدفاع عن البيئة أن البيئة هي شيء يبتلعونه. إنها تُمرِضهم، وتهدد سلامة أجسادهم وأجساد أحبائهم. ولذا تصير المعركة من أجل بيئة صحية ضرورة ملحة، حتى إذا كانت المعركة ضد الدولة لا يمكن الظفر بها، وذلك بحسب ما ذكره سامي.

الخاتمة

توضح دراسات الحالة محل البحث في هذا التقرير، إن إدارة النفايات الصلبة مسألةٌ ذات تجليات محلية، لكنها أيضاً مسألةٌ تسهم في بلورة المصالح الاقتصادية الوطنية والصراعات السياسية. صحيح أن البلديات تُتّهم كثيراً بالفشل في حل مسائل إدارة النفايات الصلبة، لكن الأدوار التي تضطلع بها مرهونةٌ بالموارد المادية والبشرية، وكلاهما مما يُفتقر إليه في كثير من البلديات. من الناحية النظرية، تمنح الإصلاحات اللامركزية البلديات نفوذاً كبيراً فيما يتعلق بحماية البيئة، ومن ذلك -على سبيل المثال- القدرة على فرض ضرائب على الأنشطة الملوِّثة، لكن هذا لا يعني أن البلديات قادرة على استغلال هذه الأحكام والنصوص القانونية. تصوِّر الحالاتُ الثلاث محل البحث في هذا التقرير (وهي الإدارة الرشيدة، والحالة التي تبدو جيدة ظاهرياً، والحالة السُمِّيَّة) التحدياتِ العمليةَ التي تواجهها البلديات عند التصدي للمشكلات البيئية الناتجة تحديداً عن إدارة النفايات الصلبة. في الحالة الأسوأ، وهي الحالة التي كانت في عقارب، تسبَّب مكبّ النفايات في تسمُّمٍ يهدّد السلامة الجسدية لقاطني البلدية. وقد مثّلَ حراك "مانيش مكبّ" حملةَ عدالةٍ موجهة ضد هذه الحالة السُمِّيَّة. وبطريقة ما، تعرض هذه الحملة "العنف البطيء" الذي يعاني منه الفقراء يومياً. كانت بلدية عقارب داعمة للحملة، لكنها من الناحية العملية لم تفعل إلا القليل للغاية لخوض المعركة باسم السكان وصولاً إلى حلول جذرية للمشكلات البيئية.

على مستوى متواضع، يرسي هذا التقرير علاقة بين كلٍّ من الحكم المحلي، وأبعاد الاقتصاد السياسي لتحديث الأنشطة الصناعية، والتخلص من أجساد الفقراء في تونس ما بعد الثورة. وإذا كانت المظاهرات التي جابت الشوارع وزلزلت البلاد في كانون الثاني/يناير 2021 تحمل أي مؤشرات حول مطالب جيل من الشباب بلغ سن الرشد في أعقاب الثورة، فإن هذه المؤشرات هي أن مسائل السموم والأضرار البيئية يجب أن تحظى بنفس أهمية خلق فرص العمل أو شبكات الأمان الاجتماعي القادرة على دعم الفئات الأكثر تأثراً وعرضة للخطر. فما هي، حقاً، منافع توفير الوظائف إذا كانت سبباً في تدهور البيئة وقتل البشر؟

بكل تأكيد، ثمة حد للاستنتاجات المستقاة من دراسات الحالة الثلاث، نظراً إلى أنها لا تمثل عموم البلديات حول البلاد. وبالتالي، سيدور أحد سبل البحث المستقبلية حول دراسة معمقة للبلديات التي تضم مكبّات النفايات التسعة الخاضعة للرقابة في تونس. يمكن أن تنطوي الدراسة على تحليلات أدقّ لمظالم المواطنين فيما يتعلق بمكبّات النفايات الواقعة في حدود ولاياتهم القضائية وتحليلات حول الطرق التي تعالج بها البلديات هذه المظالم. يمكن أن يكون من المفيد أيضاً تتبّع أسباب اختيار هذه البلديات، دون غيرها، لتكون مواقع مكبّات النفايات (حيازة الأراضي، أو الفقر، أو الولاءات السياسية، إلخ). يمكن أن تدور الأسئلة الإضافية حول ما إذا كانت المنظمات البيئية نشطة في هذه البلديات، وأسباب ذلك، ومدى تأثيرها. وأيّاً ما يكن الأمر الذي سوف تنخرط فيه البحوث المستقبلية، من الضروري تقليصها إلى المستوى المحلي، ومواصلة الاهتمام بأبعاد العدالة المتعلقة بالمشاكل البيئية.

 

إقرار

تود الكاتبة أن تشكر زياد بوسن على ترتيب لوجستيات العمل الميداني الذي يعتمد عليه هذا التحليل، وكذلك لمرافقتها في جميع المقابلات، وكذلك الشكر موصول للسيدة شيماء بوهلال التي ألهمت النقاش حول لبيب وقرأت نسخة من هذا التقرير وقدمت ملاحظات مفيدة.

 

 

ملحق: استبيان المقابلة

هذه ترجمة للأسئلة التي تم طرحها باللهجة التونسية العربية. لقد وجهت الأسئلة محادثتنا، لكننا اخترنا الموضوعات التي تهم محاورينا، وأحيانًا كنا نحيد عن هذه الأسئلة.

كانت المحادثة مع سامي بحري مفتوحة وموجهة بسؤال عام واحد: أخبرنا عن مكب النفايات؟

مقدمات: من نحن، الهدف من الدراسة، رخصة لتسجيل المحادثة

1- هل يمكنكم أن تخبرونا المزيد عن خلفيتكم، كم من الوقت عملتم في البلدية، أين كنتم من قبل، ما هو تدريبكم؟

2- ما الذي تغير في العمل البلدي خلال هذه الفترة؟ وما الذي تحسن؟ ما الذي ساء؟

3- ما هو فهمكم للاستدامة البيئية؟ ما هو فهمكم للتنمية البيئية؟ ما هي العلاقة بين الاثنين برأيكم؟

4- برأيكم، هل ساعدت اللامركزية البلديات على إدارة قضايا البيئة بطريقة أكثر استدامة؟ كيف؟ وإذا لم يكن كذلك، لماذا؟

5- المشاركة منصوص عليها الآن في الدستور لتكون ركيزة من ركائز الحكم المحلي. هل أدت الحوكمة التشاركية إلى تحسين الإدارة المالية في البلدية؟

6- أخبرنا قليلاً عن لجنة البيئة والنظافة والصحة العامة. من هم أعضائها وما هي مسؤولياتهم؟ ثم ما هي أكثر جوانب عملها تحديا؟

7- هل يمكن أن تخبرنا عن أكثر التحديات شيوعًا عبر سلسلة التوريد لإدارة النفايات الصلبة؟

8- هل يوجد أحياء شعبية في هذه البلدية؟ هل تؤثر على ممارسات إدارة النفايات الصلبة؟ كيف؟

9- كيف هي علاقتكم بالبلديات المجاورة؟ هل تنسقون فيما بينكم لحل القضايا البيئية المشتركة؟

10- ما الذي يمكن أن يحسن الظروف البيئية في بلديتكم؟

11- هل لديكم أي أسئلة لنا؟

 

https://www.afrik21.africa/en/tunisia-government-will-shut-down-borj-chakir-landfill-in-two-years-time/

World Bank, Project Appraisal Document, Sustainable Municipal Solid Management Project February 12, 2007.

Endnotes

Endnotes
1 كانت الحاويات تحتوي على نفايات مختلطة. تضمنت نفايات منزلية يمكن أن تشكل خطورة على الصحة العامة.
2 وفقاً لِمختار الهمامي، وزير الشؤون المحلية والبيئة، من المفترض أن يُغلق مصبّ نفايات برج شاكير نهائياً في حزيران/يونيو 2021.
3 عبد الفتاح عمر هو فقيه قانوني وأكاديمي تونسي مختص في القانون العام. في عام 2011، عُين رئيساً للجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد
4 الأمر عدد 2317 لسنة 2005 المؤرخ في 22 آب/أغسطس 2005، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
5 عند رسم مخطط تفصيلي للسلسلة بأكملها، نجد أنه لا يمكن الفصل بين محاولة إيجاد حلولٍ لقضايا إدارة النفايات الصلبة ومنتجي مواد التعبئة وباقي المخلفات. لهذا ينبغي توسيع نطاق إيّة سياسية معنية بإدارة النفايات الصلبة من حيث المفهوم لتشتمل تلك الفئة لأن الإغفال عن ذلك يحول دون تفادي إنتاج نفايات صلبة من قبل تلك الجهات الفاعلة.
6 القانون التنظيمي هو النصوص العامة التي تشكل الإطار التنظيمي الأساسي للدولة، لكن ينبغي تفعيل تلك النصوص من خلال إصدار مراسيم وقرارات، ولا يمكن لأيّ بلدية أن تضع القوانين موضع التنفيذ دون إصدار مراسيم وقرارات من قبل الحكومة المركزية.
7 Nixon, Rob. Slow Violence and the Environmentalism of the Poor. Harvard University Press, 2011.
8 See Nixon, 2011, 2
9 جرى تسجيل الصوت خلال المقابلة التي أجريت في بلدية المعمورة. أما بالنسبة لبقية المقابلات، فقد اكتفت لانا وزياد بأخذ ملاحظات مستفيضة ومتكاملة. وباستثناء الناشط في المجتمع المدني في حملة "مانيش مصب"، يستخدم المؤلف أسماء مستعارة لحماية هوية الأشخاص العاملين في البلديات الذين شاركوا في المقابلات. يرد دليل المقابلات في الملحق الأول.
10 تعمل وزارة الشؤون المحلية والبيئة حالياً على وضع استراتيجية مدعومة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
11 يمكن أن تمتد السلسلة لتشمل المنتجين المسؤولين عن تصميم المنتجات، وبالتالي عن المغلفات ذات الاستعمال الواحد. بيد أن التحليل المفصل لهذه السلسلة ليس محور البحث في هذه الدراسة.
12 يشير قانون الجماعات المحلية إلى التنمية المستدامة في ديباجته، وفي الفصول 75، 106، 109، 119، 120، 124، 125، 296.
13 تم تعريف مفهومَ "البيئة" (أو "المحيط"، في التعبير التونسي) في القانون عدد 91-88 المؤرَّخ 2 آب/أغسطس 1988 المتعلّق بإنشاء "الوكالة الوطنية لحماية المحيط". إذ ينص الفصل الثاني من القانون على ما يلي: "يقصد بـ’المحيط‘ -حسب هذا القانون- العالم المادي، بما فيه الأرض والهواء والبحر والمياه الجوفية والسطحية (الأودية والبحيرات الشاطئية والسبخات، وما يشابه ذلك ...)، وكذلك المساحات الطبيعية والمناظر الطبيعية والمواقع المتميزة ومختلف أصناف الحيوانات والنباتات، وبصفة عامة كل ما يشمل التراث الوطني".
14 انظر:
15 أُنشِئ صندوق إزالة التلوث (FODEP) في 1992، وتم تحديد عمله بمرسوم صدر في 2005 (انظر: http://www.anpe.nat.tn/Fr/fodep_11_52)، وأمواله المخصصة للبرنامج الوطني للنظافة والتجميل.
16 Siad Darwish, “Country of Rubbish”: Waste and the Environmental Legacies of Authoritarianism in Post-revolutionary Tunisia”, unpublished PhD dissertation, Rutgers, The State University of New Jersey, 2017.
17 تُظهِر دراسة أعدتها المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في نيسان/أبريل 2014 تراجعاً في الإيرادات وفي نقاط التجميع التابعة لبرامج ”النظام العمومي لاستعادة وتثمين المعلبات المستعملة“؛ الأمر الذي يشير إلى احتمالية وجود فساد في قطاع تثمين النفايات. من الناحية النظرية، يجب أن توفر عائدات ”النظام العمومي“ التمويل اللازم لإدارة مصبّات النفايات التسعة الخاضعة للرقابة في البلاد: https://www.resourcerecovery.net/sites/default/files/tunisie_ra_fr_web.pdf.
18 من الأمثلة الأخرى على فشل الإصلاحات في قطاع النفايات هو مشروع الفرز الانتقائي في جزيرة جربة، وهو شراكة بين وزارة السياحة ووزارة الشؤون المحلية والبيئة، تم توقيعها في 12 شباط/فبراير 2019، للتقليل من النفايات في الجزيرة. ولكن المشروع لم ينفّذ إطلاقاً.
19 Tunisia Integrated Disaster Resilience Program (P173568), Program Information Document (PID), June 22, 2020, Report No: PIDC225236.
20 للإيضاح، يبلغ سعر الكيلو من سمك الوراطة حوالي 15 دينار تونسي. يشير السؤال الذي طرحه سامي إلى أن المستهلك الفطن يعلم أن هذه الأسماك فاسدة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، ونتيجة لذلك تباع بسعر منخفض بلا مبرر. فضلاً عن أن طرحه هذا السؤال عليّ، يُشير أيضاً إلى مكانتنا المميزة بصفتنا باحثين من الطبقة المتوسطة يعرفون كم يبلغ سعر الكيلو من سمك الوراطة عادةً، ومن يستطيع أن يشتريه بسعر السوق.
21 في اعتقادي، نعم سيُقدم الناس الفقراء على شرائها، بيد أن سامي أصر على أنهم ليسوا فقراء، بل زواولة. بعد التقصي، وجدت أن أفضل معنى لمصطلح "زواولة" هو الشخص الذي يُظلم لأنه من السهل التلاعب به، أو خداعه.
22 قارن مع أطروحة درويش (بالإنجليزية في مرجع سابق).
23 المعتمديات هي أصغر الكيانات اللامركزية الإقليمية في الحكومة التونسية، بينما البلديات هي الكيانات اللامركزية للحكومة التونسية. تعتبَر المعتمديات والبلديات، في معظم الحالات ولكن ليس في جميعها، كيانات متداخلة إقليمياً ومتطابقة جغرافياً (بنفس الحدود).
24 من غير المألوف بالنسبة لمَن يُجرون مقابلات داخل مؤسسات حكومية أن يقدموا وجهات نظر سلبية خلال المقابلة الأولى لهم.
25 ولا تعتقد مؤلفة الورقة أن مهمة الباحث التحقق من صدق مزاعم مُحاوِريها.
26 قبل توسعة البلديات في أنحاء الإقليم التونسي، كانت المناطق التي ليست فيها بلديات تضمّ مجالس ريفية، وهي المجالس التي كانت تعبتر أقل كفاءة في تقديم الخدمات، لأنها مجالس معيَّنة وتُحدّد ميزانيتها على مستوى مركزي تماماً.
27 تشير "الاستثمارات المحلية" مقابل "الاستثمارات الهيكلية" إلى تصنيف مشروعات الاستثمارات البلدية التي تبنتها البلديات في 2014 مع برنامج البنك الدولي للتنمية الحضرية والحوكمة المحلية، والتي جرى تمديدها في 2019 بتمويلات إضافية حتى عام 2023.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.