تجمع المهنيين السودانيين: البنية والتطور والأدوار والتحالفات - أية تحديات وآفاق مستقبلية؟

تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه الورقة ضمن سلسلة أوراق حول النقاقات المهنية المستقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ممكن الإطلاع على الأوراق البحثية الأخرى هنا.

مقدمة

تعد التنظيمات النقابية والمهنية القوية أحد أهم أشكال تنظيمات المجتمع المدني وأقدرها على المساهمة في تجاوز النظم الاستبدادية والشروع في عملية التحول الديمقراطي وتوسيع مناخ الحريات وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في القطاعات التي تنظمها بمختلف شئون الحياة، من صحة وتعليم وسكن ونقل وغيرها، بالبناء على الحق في العمل والتنظيم والتظاهر والإضراب والاحتجاج بكافة أشكاله. ولطالما كانت التنظيمات المهنية هدفًا للنظم الاستبدادية في المنطقة العربية سواء بالسيطرة عليها أو تفريغها من مضمونها وأهدافها وإبعادها وقياداتها عن العمل المهني والسياسي الذي يمكن أن يفضي إلى أية تشبيكات قد تهدد تلك النظم أو حتى تحقق مصالح المنتمين إلى تلك التنظيمات.

وفي هذا الإطار، فإن تجارب قليلة في المنطقة العربية استطاعت تحقيق تراكم تنظيمي وتجاوزت هذا السياق وفرضت محاولات ناجحة لتغييره، من هذه التجارب التجربة التنظيمية لتجمع المهنيين السودانيين، التنظيم الأبرز في الاحتجاجات التي قادت إلى تنحي البشير في 11 أبريل 2019 بعد سنوات من المحاولات التشبيكية بين الكيانات النقابية المستقلة وشهور متواصلة من الاحتجاجات المكثفة متنوعة الأدوات.

تأتي هذه الدراسة في إطار التساؤل حول كيف نفهم دور النقابات المستقلة في الانتقال الديمقراطي بناء على تجربة السودان؟ وقدرة هذه التنظيمات على تحدي محاولات الأنظمة الاستبدادية لمنع أية تنظيمات جامعة لها قد تكون محركة أو قائدة لأي حراك اجتماعي ضدها، للوقوف على أبعاد هذه التجربة عبر التعريج على التجارب التاريخية السابقة للتنظيمات النقابية في السودان قبل ظهور تجمع المهنيين، وما أحدثته من تراكم، وتحليل بنية وهياكل وتحالفات التجمع وتطوره قبل وأثناء ثورة ديسمبر وبعدها، وآليات صنع القرار فيه ودوره في الحراك، والتفاوض مع القوى السياسية ومع الجيش في المرحلة الانتقالية وترتيباتها والتحديات التي تواجهه تنظيميًّا، وفي السياق السياسي الحالي ومدى التوافق بين بنيته وأدواره والآفاق المستقبلية التي تنتظره.

وتستخدم هذه الدراسة منهجًا تحليليًّا يقوم على قراءة وتحليل مكتبي لما كتب عن تجمع المهنيين السودانيين وخطاباته تجاه المرحلة الانتقالية، وعلاقته بالأطراف الأخرى بالاعتماد على مصادره الأولية، وما صدر عنه من بيانات ووثائق، وما كتبه بعض أعضائه عنه، بالإضافة إلى سلسلة المقابلات مع بعض أعضائه ورموزه مع مراعاة التنوع الجندري والعمري داخل التجمع.

أولًا: خلفية تاريخية: النشاط النقابي في السودان ما قبل تجمع المهنيين

بدأ النشاط العمالي في تاريخ السودان الحديث كنتيجة مباشرة للتغيير الكبير الذي أحدثه دخول الاستعمار البريطاني في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسودانيين، إذ مثّل إنشاء المشاريع الإنتاجية والأنشطة المرتبطة بتأهيل البنية التحتية في السودان، عاملاً حاسماً في نمو قطاع من العمال وأصحاب المهن البسيطة واليدوية، كلبنة أولية تأسست في وجودها اتحادات عمالية مختلفة.[i] تمحورت أنشطة الجماعات العمالية بصورة أساسية حول مناهضة المستعمر وسياساته. ففي عام 1908م بادر عمال مناشير الغابات بتنظيم أول إضراب منظم مطالبين بتحسين بيئة العمل وظروفه، ثم تدرج ذلك النشاط ليدخل المقاهي العامة في الأسواق لمناقشة قضايا العمال، وبدأ الضغط على الاستعمار البريطاني لتتم الاستجابة بقيام أندية العمال في مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم عموم، وأم درمان والخرطوم بحري) عام 1934، وتوالت بعد ذلك في كل المدن العمالية بالسودان، وأصبح لها دور تثقيفي وتدريبي وسياسي في مناهضة الاستعمار من خلال المطالبة بقيام التنظيمات النقابية وانتشار الصحف الحائطية والمسارح العمالية، وقد صدرت أول مجلة عمالية عام 1946م باسم (العامل السوداني).[ii]

التنظيمات النقابية والعمل السياسي (1947-1985)

في العام 1947م كانت الشرارة الأولى لقيام التنظيمات النقابية بهيئة شئون العمال بالسكة الحديد كأول نقابة في شكلها الحديث في السودان، وبعدها تبلورت الفكرة وتم الضغط على المستعمر ليعترف بحق التنظيم النقابي ويصدر أول قانون للعمل والعمال في عام 1948م ولائحة تسجيل النقابات لعام 1948م، وبذلك اكتسبت الحركة النقابية السودانية شرعيتها، واستمدت قوتها ليقوم أول مؤتمر عمالي في 18 أيار/مايو 1949م، والذي أجاز دستور نقابات العمال، وتوج ذلك بقيام الاتحاد العام لنقابات عمال السودان في تشرين الثاني/نوفمبر 1950م، واستمر العمل بتلك القوانين واللوائح حتى العام 1960.

نتج عن هذه التطورات بروز "جبهة الهيئات" التي نظّمت وقادتْ الشارع والوصول به إلى العصيان المدنيّ والإضراب السياسيّ الذي أدّى في نهاية الأمر إلى ثورة أكتوبر 1964 والتي أدت إلى سقوط دكتاتوريّة إبراهيم عبود (1958 - 1964)، والأمر كذلك في انتفاضة الشعب السودانيّ في آذار / مارس 1985 حيث أنتج الشارع قيادتَه التي تمثّلت في "التجمّع النقابي". ويرى البعض أن الظروف السياسية التي أرساها نظام الإنقاذ[iii] كان لها أثر مغاير على العمل النقابي في السودان تمظهر في شقين أساسيين، فمن ناحية كان للقمع والتضييق الذي مارسه النظام على النشاط السياسي أثر سلبي تمثل في إضعاف قدرة الأحزاب السياسية على التواصل المباشر مع الشعب، الأمر الذي قاد إلى عزل أجيال من المجتمع السوداني عن الاتصال بالإرث السياسي والنضالي لهذه الأحزاب والجماعات السياسية. ومن ناحية أخرى، فقد تسبب الفراغ الذي خلفه التغييب القسري للمؤسسات السياسية في تعزيز دور المجتمع المدني خاصة النقابات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، والتي سعت إلى ملء المجال العام بأنشطتها المتمحورة حول القضايا المطلبية.[iv]

تجاوز حقبة البشير

وبرغم أن نظام البشير لم يكن يرغب في وجود عمل نقابي في السودان، وسعى إلى تفكيكه والسيطرة عليه، فعمد إلى حل النقابات الشرعية في المؤسسات بعد وصوله إلى السلطة، إلا أن إرث العمل النقابي في السودان ظل متصلاً ولم ينقطع. وبدأت المساعي لإحياء التجمع النقابي الذي تأسس في العام 1985 وتم حله عبر سلطة الإنقاذ في يونيو 1989 قبل نشأة تجمع المهنيين بزمن طويل. فقد عمل النظام على تفكيك النقابات وتشريد العاملين عبر قانون الصالح العام، وتركز استهدافه على القيادات العمالية التي اتهمها باليسارية، خاصة في نقابة عمال السكك الحديد واتحاد مزارعي مشروع الجزيرة وغيره من المؤسسات صاحبة التاريخ في توطيد دعائم العمل النقابي في السودان.[v] وقد سارع نظام الإنقاذ إلى عقد مؤتمر للحوار النقابي في أغسطس 1990م، ألغى بموجبه النقابات العمالية الشرعية القائمة.[vi] ومع ذلك لم تهدأ الاحتجاجات العمالية والحراك. ففي الأعوام 1994 و1996 نظم عددٌ من القطاعات المهنية وقفات احتجاجية وإضرابات كإضراب الأطباء في أبريل 1996.[vii] وكما كانت النقابات والتجمعات النقابية فاعلًا رئيسيًّا في الثورات في السودان، كانت ضحايا مباشرة لها سواء باستهدافها بالحل والتصفية ومصادرة الأموال والاستبدال بنقابات موالية، أو باستهداف رموزها بالسجن والتنكيل في إطار قوانين أخرى.

العمل النقابي في وسط المهنيين

بعد عام 2005 شهد السودان انفتاحاً سياسياً على الحريات والمشاركة بسبب توقيع اتفاقية نفياشا للسلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية بسبب توقف الحرب، ازدادت درجة اهتمام العاملين في المؤسسات العامة بالعمل النقابي، خاصة في أوساط معلمي المدارس وأساتذة الجامعات والأطباء وفئات المحامين والإعلاميين. وبرزت مبادرات مختلفة لإحياء التنظيمات النقابية لهذه الفئات حول قضايا معينة، ومنها لجنة المعلمين لمناهضة الاستقطاعات المالية، وكذلك بدأت نقابة أطباء السودان الشرعية العمل من خلال أنشطة مختلفة كالإضرابات وتقديم المذكرات إلى أجهزة الحكم، لكن مستوى التنسيق والتعاون لم يكن بالشكل المطلوب، واعتمد بصورة أساسية على التشبيك على مستوى الأفراد وأعضاء الأحزاب السياسية الناشطين في النقابات.

التنسيق بين المكونات النقابية ونشأة تجمع المهنيين

وبدأ التعاون الفعلي بين المكونات النقابية المعارضة خلال 2010 - 2011 عقب الانتخابات وانفصال جنوب السودان، حيث ركزت القوى السياسية والمهنية المعارضة جهودها في الدفع باتجاه تكوين تحالفات نقابية فاعلة تتصدى لسياسات النظام وانفراده بالسلطة والقرار السياسي، وكان ثمرة ذلك تشكُّل ما عرف حينها باتحاد المهنيين السودانيين في العام 2012 والذي تغير اسمه إلى تجمع المهنيين السودانيين فيما بعد خلال العام 2013 عبر تنسيق مشترك بين كل من لجنة المعلمين وشبكة الصحافيين ونقابة أطباء السودان الشرعية ورابطة المحامين الديمقراطيين. وقد أنشئت صفحة التجمع الحالية على تطبيق فيس بوك في نهاية العام 2012 وصدر عبرها أول بيان يعرّف بالتجمع ككيان تحالفي بين النقابات المهنية. كما نشر مكتب الإعلام بسكرتارية التجمع ملفات فيديو توثق بعض الأنشطة التي قام بها التجمع خلال نفس العام كالندوات والنداءات التي أطلقتها لجنة أطباء السودان المركزية لمساعدة المصابين من الجماهير خلال تظاهرات العام 2013.[viii] كانت الصفحة، حتى اندلاع الثورة، يغلب عليها الطابع المطلبي المهني، وتتسم بالبعد عن المطالب السياسية، وإن كانت تعليقات القراء، وبعضهم نقابيون، تحوي نقاشات سياسية أكثر من مجرد مطالبات مهنية ونقابية، وربما ساهم الزخم الاحتجاجي، سواء في السودان نفسه أو المصاحب لموجتي الربيع العربي، في الدفع باتجاه تنسيقي أكبر، بالإضافة إلى عدم قدرة الأنظمة الاستبدادية على الوقوف أمام الشركات العالمية المسؤولة عن التطور في قطاع الاتصالات والذي كانت سياسات الانفتاح الاقتصادي تقتضي مزيدًا من الاندماج فيه وليس القيود عليه، ما وفر مساحة في الفضاء الإليكتروني لتعزيز التنسيق بين هذه الكيانات.

وكان لهذا الإرث النقابي والتنظيمي الممتد أثره في تعزيز دور تجمع المهنيين السودانيين في قيادة التغيير السياسي، بل إن العديد من قيادات التجمع النقابي الذي نشأ منتصف الثمانينيات، أسهموا في تأسيس تجمع المهنيين وكانوا ضمن قيادته، حيث عملت القيادات النقابية على إنشاء نقابات ظل عُرفت بالنقابات الشرعية، في إشارة إلى عدم اعترافهم بالنقابات والهيئات التي أنشأها نظام البشير. فكان أن توافق حوالي 200 أستاذ في جامعة الخرطوم على تكوين نقابة لهم بشكل غير رسمي عام 2012. وشجَّع ذلك بقية المهنيين في السودان على الاقتداء بهم، فتأسست لجنة أطباء السودان الشرعية، كمقابل لنقابة أطباء السودان، وشبكة الصحافيين السودانيين نظيراً للاتحاد العام للصحافيين السودانيين، وتحالف المحامين الديمقراطيين كبديل لاتحاد المحامين الحكومي، إضافة إلى العديد من اللجان والتنظيمات السرية في الهيئات والمؤسسات الأخرى، رغم الاختلافات حول نشأة تجمع المهنيين والتأريخ له بين من يبدؤون التأريخ ببداية العمل السري المؤدي إلى إنشاء التجمع وظهور صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي في 2012، وبين من يرون في عام 2016 البداية الفعلية لنشاط قوي للتجمع في العمل العلني، وهو التاريخ الذي يتبناه موقع التجمع، باعتباره تكون في أكتوبر في عام 2016 بكتابة أول ميثاق للمهنيين بين ثلاثة مكونات وهي لجنة أطباء السودان المركزية وشبكة الصحافيين السودانيين وتحالف المحامين الديمقراطيين.[ix] إلا أن نشاط التجمع بدأ بشكل فعلي في 2012، وإن لم يعلن عنه إلا في العام 2016.[x] وهو تاريخ كتابة ميثاق التجمع. ويمكن إرجاع الاختلاف في تأريخ نشأة التجمع إلى أنه كان مرتبطاُ بموجات المنضمين إليه والأجسام المطلبية والنقابية التي لحقت به تباعاً، والأبعاد التنظيمية التي طرأت عليه، حتى وصل إلى شكله الأخير وضمه إلى أغلب الأجسام المطلبية المكونة له.

دور تجمع المهنيين وثورة 2018

يمكن القول إن تجمع المهنيين السودانيين، ورغم عدم وضوح دوره في التحضير للحراك الجماهيري في أسبوعه الأول عام 2018، خاصة تلك التظاهرات التي خرجت في الولايات وساعدت في تنسيقها لجان المقاومة، إلا أنه قد لعب دوراً محورياً في تحريك الجماهير داخل العاصمة الخرطوم من خلال دعوته إلى تنظيم مسيرة للبرلمان لتقديم مذكرة تطالب بتحسين الأجور في 25 ديسمبر 2018. وقد دفعت الاستجابة الواسعة من المواطنين التجمع لمواصلة التعبئة والحشد والدعوة لتنظيم التظاهرات، ما خوله إلى لعب دور قيادي بارز بمرور الأيام،[xi] أيضاً فإن التراكم التنظيمي الذي أحدثه، مكّنه من المساهمة الفاعلة في هندسة الثورة ضد نظام البشير.

تجمع المهنيين: امتداد لتجارب سابقة وأدوار جديدة

من الناحية الشكلية، يبدو الدور الذي لعبه تجمع المهنيين خلال ثورة ديسمبر 2018 مماثلاً تماماً للتجارب التنظيمية المهنية السابقة وأدوارها السياسية الهامة في السودان. وينبئنا عن الأدوار التي اضطلعت بها هيئات نقابية في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 على التوالي. ففي 17 أكتوبر 1964 انتظم الشارع السوداني في حراك عام لعب فيه التنظيم النقابي الذي عرف بـ"جبهة الهيئات"، دورًا حاسمًا ضد حكم الرئيس ابراهيم عبود (1958 - 1964)، وفي تجربة أخرى شبيهة بما سبق، فقد بدأت في مارس 1985 انتفاضة شعبية عفوية ضد حكم الرئيس جعفر نميري (1969 – 1985)، وسرعان ما بادر أساتذة جامعة الخرطوم بتشكيل التجمع النقابي من المحامين والمهندسين والصيارفة وموظفي التأمينات العامة واتحاد طلاب الجامعة ونقابة الأطباء الذين نفذوا إضراباً عن العمل وسيّروا موكباً إلى القصر الجمهوري. وبتوالي الإضرابات والتظاهرات المطالبة بتنحي رأس النظام، أعلن الجيش بقيادة عبد الرحمن سوار الذهب انحيازه الكامل إلى الجماهير وإنهاء حكم جعفر نميري وذلك في 6 أبريل 1985.[xii]

إذن تشابهت التنظيمات والتجمعات النقابية من حيث دورها المحوري في تجميع الحراك المطلبي وقيادة الحراك السياسي ضد الحكم العسكري عبر الإضراب السياسي والعصيان المدني الممرحل، وصولاً إلى إيقاف حركة العمل وإحداث شلل عام في البلاد، أدى إلى سقوط حكم الرئيسين عبود ونميري ولاحقًا البشير.[xiii]

ماذا يميز تجربة تجمع المهنيين السودانيين عن العمل النقابي السابق في السودان؟ وعلى الرغم من تشابه دور النقابات العمالية وتحالفاتها خلال الثورات الثلاث (1964، 1985 و2018)، إلا أن تجربة تجمع المهنيين السودانيين تتسم ببعض الاختلافات، بعضها مرتبط بالسياق العام والظروف السياسية، وآخر مرتبط بالهيكلية التنظيمية.

إذا ما ألقينا نظرة على فترة بناء دولة ما بعد الاستقلال نرى أنها ترافقت مع "ضعف في الحراك السياسي والحركة السياسية المنظمة التي نشأت في الأربعينيات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت موجودة وفشلت في إدارة البلد وفي إقامة تجربة ديموقراطية أو تنموية، أعقبها ثلاثون عامًا من حكم البشير زادت عوامل إضعاف الحركة السياسية ومنعها تمامًا من النشاط. ومن استطاع أن ينخرط في العمل السري كان يعمل بحدود، ومُنع من التواصل الطبيعي ودراسة المتغيرات السياسية، ما تطلّب منه تغيير منطلقاته وخطابه وخلافه، ما أدى إلى أن تتسم هذه الفترة بالضعف".[xiv]

مع هذا، فإن سنوات حكم البشير شهدت حراكًا مستمرًّا وممتدًّا أسهم في دعم الحركة المهنية والنقابية بكوادر سياسية ظهرت في الشباب الذي نشط في التجمع بعد الثورة. وعزز تنامي القطاعات المتضررة من النظام وحروبه في الجنوب وفي دارفور أية مساعٍ تنظيمية، كذلك فإن حراك الربيع العربي في موجتيه الأولى والثانية كان ملهمًا للشارع السوداني الذي لم يكن لديه ما يخشى فقدانه عشية بروز تجمع المهنيين السودانيين، كذلك فإن سياق ثورة الاتصالات وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، شكلت أدوات جديدة للتغلب على القبضة الأمنية التقليدية للنظم الأمنية والعسكرية ومنها نظام البشير. ومن هنا كان التحول السريع من العمل السري إلى العمل العلني بكلفة أقل من المحاولات التنظيمية السابقة. لقد كان أهم ما يميز تجمع المهنيين صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في بلورة ما يقال في الشارع وصياغته في عبارات ولافتات وشعارات واضحة اجتذبت ملايين السودانيين.

أيضاً فإن التجمع تميز في أنه واكب تطور المجتمع نحو لامركزية ومرونة التنظيم والتفكير والحراك. ففي السودان تاريخيًّا كانت التنظيمات والحراك والتغيير والثورات تحصل في المركز، أي في العاصمة الخرطوم، ثم تنتشر إلى الأقاليم والريف، لكن هذه المرة انطلقت الثورة من أقاصي الريف وفي تظاهرات هادرة، ثم انطلقت بالتدريج إلى المركز. وهنا تلقفها تجمع المهنيين وقاد التظاهرة الكبرى والتي استمرت لمدة أربعة أو خمسة أشهر إلى أن سقط النظام.[xv] أي أن طبيعة التطورات التنظيمية والتكنولوجية والعمل الافتراضي اللامركزي، ساهمت بشكل كبير في إحداث واستيعاب موجات سخط واحتجاج لامركزية وتجميعها للوصول بها إلى مركز الحكم والسلطة وتغييره.

وبحسب بعض رموز التجمع، يتميز التجمع عن سابقاته من المحاولات التنظيمية في منهجية العمل بالأهداف المرحلية المتوائمة مع طبيعته وإمكانياته والسياق الذي يعمل فيه. فالتحالفات النقابية ما قبل العام 2016 كانت تأتي في غالبها محملة بأعباء التسييس والأجندة الحزبية وبعيدة في أهدافها عن خدمة القضايا المطلبية لفئات المهنيين، كما أن طابع العمل في داخلها تغلب عليه الهتافية والتحشيد، الأمر الذي جعلها هدفاً سهلاً لأجهزة النظام الأمنية التي غالباً ما نجحت في تفكيكها والحد من تأثيرها وتشويه صورتها. فالأحزاب السياسية المعارضة تتحمل مسؤولية إفشال جهود بناء التحالف النقابي ما قبل 2016 أسوة بالنظام الحاكم، وذلك بسبب سعيها المستمر لتحميل النقابات عبء مواجهة النظام القمعي وتعويض دور الأحزاب في هذا المجال، وهي في مجملها سلبيات سعت الأجسام النقابية إلى تلافيها في عملية تأسيس التجمع، إذ توافق المشاركون في التأسيس لتجمع المهنيين على تبني منهج مدروس في عملية البناء وأن الهدف من العمل المشترك بين الكيانات النقابية هو تحقيق أكبر قدر من الإجماع حول القضايا المهنية والمطلبية، وهو ما تم تلخيصه في ميثاق التجمع ولائحته الأساسية، تضمنت برنامجاً للعمل لمدة عام تم تطويرها عبر مجموعة من ورش العمل، للتوصل إلى برنامج يجمع أكبر قاعدة ممكنة من المؤيدين في أقصر وقت ممكن، عبر أنشطة مهنية ومطلبية تحشد القواعد حول القضايا المهنية المشتركة والموحدة التي ليس عليها خلاف، وبالتأكيد في الأفق كان هناك الخيال السياسي حول مشروع التغيير وإسقاط النظام، إلا أنه لم يكن أفقاً منظوراً في حينه، كما لم يكن مستهدفاً نسبة لضعف القاعدة التي يستند إليها التجمع، وكان الطموح أنه وخلال عام من تنفيذ الخطة، يمكن أن يكون التجمع هيئة قوية لها دورها في المشهد العام والحياة السياسية. وتأسيساً على ذلك فإن أول قضية تبناها التجمع هي قضية الأجور بما لها من أهمية في ذلك الوقت.[xvi]

إذن طور التجمع فعالياته وأدواته من محاولة تنظيمية تسعى إلى تجميع المهنيين لتعزيز قدراتهم على تحقيق طموحات أبناء المهنة الواحدة، وبناء جسم نقابي موحد وقوي يضع أعضاؤه لوائحه عبر التشاور والحوار والندوات ثم المواثيق وبرامج العمل المفصلة والتحول السريع من العمل السري إلى العلني في ظل نظام قمعي، إلى محاولة تغيير هذا النظام عبر طرح قضايا أكثر عمومية وأكثر من مجرد قضية مهنية وهي قضية الأجور وقضايا إصلاح القطاعات التعليمية والصحية والخدمية التي تهم الجميع مهنيين وغير مهنيين، معارضةُ سياسة خصخصة القطاع الصحيّ، ورفْض سياسات النظام الاقتصاديّة التي أدّت الى تدنّي الأوضاع المعيشيّة وارتفاع أسعار الدواء والحرّيّات النقابيّة وقوانين العمل، وساعد هذا في التمهيد للحراك ثم في قيادته والذي كان واضحًا في بيان التزام البناء والخدمة الذي أطلقه التجمع ودعا الأفراد والكيانات للتوقيع عليه.[xvii]

إن التجمع تبنى العمل المطلبي كمدخل لكسب شرعيته وسط المهنيين وعموم السودانيين، لكنه مع اندلاع الثورة وتحالف العديد من الأحزاب معه، وصولاً إلى الصورة العامة المتمثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، أصبح يشكل تحالفاً سياسياً يستند إلى إرث حركة اجتماعية ممتدة في النقابات المهنية.

ويمكننا تلخيص هذه التطورات زمنيًّا على النحو الآتي:

العام التطور التنظيمي القضايا والأهداف
2012 التأسيس غير الرسمي بين لجنة أطباء السودان وتحالف المحامين الديموقراطيين إحياء العمل النقابي الجمعوي وتجميع النقابات المستقلة
2014 انضمام شبكة الصحافيين السودانيين
وبداية تفعيل صفحة التجمع على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك
بداية التخطيط للقيام بحملات قطاعية الهدفُ منها رفع الأجور وتحسين ظروف العمل في القطاعات المختلفة.
أكتوبر 2016 ـــ يوليو 2018 النشأة الرسمية للتحالف بميثاقٍ مكتوب بتحالف رسمي بين اللجان الثلاث يشرح نظام تجمع المهنيين وطريقة عمله وكذا الهدف من وجوده ووصل عدد الكيانات المنضوية إلى 8 كيانات. الأهداف المذكورة في الميثاق:[xviii]
1-               استعادة حرية واستقلالية وديمقراطية العمل النقابي على أساس الفئات المهنية.
2-                استرداد الحقوق النقابية والمهنية للعاملين التي كفلتها المواثيق والعهود الدولية بالإضافة إلى الحقوق المكتسبة، والتصدي للظلم والاستغلال الوظيفي.
3 ـــ تقوية التجمعات المهنية في مجال عملها لفضح نقابات المنشأة واتحادات السلطة الانتهازية وإسقاطها في المعارك الانتخابية.
4 - في إطار السعي لاستعادة استقلالية وديمقراطية الحركة النقابية واستعادة الحقوق، يعمل تجمع المهنيين السودانيين على مواجهة القضايا اليومية الملحة للمهنيين
ديسمبر 2018 الدور القوي في الحراك والدخول في عملية إعادة تنظيم التجمع ليتوافق مع دوره في هندسة الحراك وتوجيه التظاهرات والاحتجاجات.
انضمام العديد من الكيانات التي وصل عددها إلى 17 كيانًا.
استحداث لجان جديدة وزيادة أعضاء اللجنة الإعلامية.
الدعوة إلى زيادة الحد الأدنى للأجور ومسيرة للقصر الجمهوري بهذا الصدد،
المشاركة في تظاهرات عطبرة ضد تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار الخبز.
يناير 2019 الدخول مع الجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني في تحالف أوسع ضمن قوى إعلان الحرية والتغير. تبني مطالب الشارع بإسقاط النظام ومحاسبة رموزه، والمساهمة في صوغ وبلورة المطالب.
أبريل 2019 – مارس 2021 الانسحاب من قوى الحرية والتغيير.
بعض الانشقاقات وإعادة التنظيم.
15 كيانًا كما هو واضح من موقع التجمع.
التركيز على استحقاقات الفترة الانتقالية.
محاولة الجمع بين المطالب المهنية والمطالب السياسية العامة.
بلورة المطالب الاحتجاجية للمهنيين.

دور تجمع المهنيين في الحراك

مهّد التجمع للثورة. وعندما أصدر تجمع المهنيين بيانًا يدعو فيه المواطنين للنزول إلى الشوارع في وسط الخرطوم في بداية التظاهرات ضد ارتفاع الأسعار وتدني الأجور، لم يكن الكثيرون قد سمعوا باسم التنظيم، لكن الآلاف استجابوا للنداء،[xix] فيما كانت أحزاب المعارضة السياسية صامتة خلال الأيام الأولى، ولكن مع بداية كانون الثاني/ يناير، اتّحدت وانضمّت إلى النداءات الداعية إلى تغيير النظام، ولكن الناس على الأرض كانوا يتجاوبون مع تجمّع المهنيين وليس مع الأحزاب السياسية.[xx] وبنهاية كانون الثاني/ يناير يبدو أنّ التجمّع يعبّر بشكل كبير عن مطالب وتطلّعات المتظاهرين السودانيين، وتُعدّ صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك هي التجمّع الأكبر للقوى المؤيّدة للحراك، وهو يصوغ مطالب المتظاهرين ويحدّد أماكن الاحتجاج ويقدّم الدعم الطبي واللوجيستي لكافة التظاهرات ويوزع البيانات والمنشورات، ويقوم عبر لجانه بتوثيق حالات الإصابات والوفيّات بين المتظاهرين. دعا التجمّع لتنظيم تظاهرة حاشدة يوم 25 ديسمبر/كانون الأول هدفها الوصول إلى القصر الرئاسي لتسليم مذكّرة تطالب بتنحّي البشير، قوبلت التظاهرة بعنفٍ مفرط وتفرّقت، لكنّه ينظّم العديد من الفعاليات الاحتجاجية يوميًّا منذ ذلك الحين.[xxi]

وبشكل عام فإن الكيانات النقابية داخل التجمع كانت تعوّل في البدء على استخدام القضايا المهنية كتدني الأجور وتدهور بيئة العمل وشروطه كوسيلة لتكثيف الضغط على السلطة، وكشف عدم قدرتها على الوفاء بحقوق ومطالب الجماهير، وكان مفهوماً لدى العديد من النقابيين أن ذلك سيقود إلى خروج الشعب للمطالبة بإسقاط النظام، لذا فإن الحراك الشعبي الذي انطلق في ديسمبر 2018 كان متوافقاً مع مساعي تجمع المهنيين السودانيين.[xxii]

ثانيًا: تجمع المهنيين: البنية والتطور والتحالفات

البنية وتطورها لمواكبة الثورة

كانت المكونات الرئيسية للتجمع عند نشأته التنظيمية في أكتوبر 2016 ثلاثة أجسام رئيسية، وهي لجنة أطباء السودان المركزية وشبكة الصحافيين السودانيين وتحالف المحامين الديمقراطيين. وفي منتصف 2018 وعشية الحراك عند الإعلان عنه، وصلت مكوناته لثمانية جماعات ضغط مهنية لا تعترف بها حكومة الرئيس المخلوع البشير، بالإضافة للمؤسسين ضمت: ""تجمع المهندسين السودانيين"، و"تجمع أساتذة الجامعات"، و"لجنة المعلمين"، و"اللجنة التمهيدية للبيطريين"، و"لجنة الصيادلة"، "شارك في اجتماعاته الأولى خليط متنوع من الأطبّاء، المعلّمين، المهندسين، الصيادلة، أساتذة الجامعات، الزراعيّين، البياطرة، الصيارفة، المُراجعين، الطيران المدنيّ والصحافيّين".[xxiii]مكونات مهنية وحاليًّا يتشكل التجمع من خمسة عشر تنظيمًا وجسمًا مهنيًّا.[xxiv]

وفقًا لبعض قيادات التجمع، فإنه لم يشهد تطورًا دراماتيكيًّا في هيكله وتشكيله قبل الثورة، إذ حافظ التجمع على صيغته الإدارية والتنظيمية التي توافق عليها مؤسسوه الأوائل الذين اختاروا أن يكون التجمع تنظيماً أفقياً على رأسه مجلس قيادي مكون من جميع الأجسام النقابية المشاركة به بنسبة عضوين لكل جسم، وسكرتارية مكونة من خمسة مكاتب يجري تشكيلها بالانتخاب من عضوية المجلس، على أن يضم كل مكتب ممثلاً واحداً على الأقل من كل جسم نقابي، أما خلال مرحلة الثورة، فقد طرأت تغييرات شكلية على هيكل التجمع بإضافة عدد من الأعضاء على مستوى المجلس القيادي والسكرتارية نسبة لدخول كيانات نقابية جديدة مثل اللجنة التمهيدية لنقابة المهندسين والبيئيين ولجنة مهنيي الموارد البشرية وتجمع الصيادلة المهنيين وغيرها من الأجسام التي بلغت مؤخراً 16 مكوناً نقابياً. كما فرض الحراك الجماهيري على التجمع توسعة مهام بعض مكاتب السكرتارية كمكتب الفعاليات الذي كان يعمل سابقاً في مجال تنظيم أنشطة التجمع الاعتيادية كالمعارض والندوات والوقفات الاحتجاجية. أما أثناء الثورة فقد برزت الحاجة لإنشاء مكتب ميداني يتبع لمكتب الفعاليات تمثلت مهمته في قيادة الحراك أثناء الثورة وكان يقوده الأستاذ عادل كلر.[xxv]

وتم توسيع مهام مكتب الإعلام الذي ضم في داخله العديد من الأقسام، كما عمل فيه ناشطون من الثوار غير منضوين تحت أي جسم من الأجسام المهنية المؤسسة للتجمع. حيث إن هيكل التجمع في بدايات تكوينه تضمن مكتباً تنظيمياً كانت مهمته الأساسية هي الاتصال والتنسيق مع الأجسام المهنية غير الموقعة على ميثاق التجمع. وقد استدعت تطورات الحراك الجماهيري توسيع دور المكتب التنظيمي ليشمل الاتصال بالقوى والأحزاب السياسية بهدف التنسيق بينها وبين التجمع، كما أوكلت له مهمة نقل رؤية المجلس القيادي للأطراف الأخرى التي كانت تشترك مع تجمع المهنيين في تنظيم وإدارة التظاهرات على الأرض.[xxvi]

لكن آخرين داخل التنظيم يرون أن انطلاق شرارة الثورة كانت عاملاً جوهرياً في حدوث قفزة حقيقية في هياكل وطبيعة ودور التجمع، إذ أن الفعل الثوري المتصاعد على الأرض استدعى أن يصبح التجمع مرناً من حيث هيكله حتى يتمكن من استيعاب القوى والتنظيمات النقابية الجديدة التي انبثقت أثناء الثورة، وفي ذات الإطار فإن الطبيعة الجماهيرية للفعل الثوري جلب للتجمع فئات جديدة غير منضوية تحت أي مسمى مهني محدد، وكانت ضرورات العمل تتطلب أن ينتمي إلى مكاتب سكرتارية التجمع خبراء في مجالات مختلفة، كالإعلاميين وبعض كوادر الأحزاب السياسية المتمرسة في قيادة التظاهرات وتأمين المواكب.[xxvii]

 التنسيق والتحالفات: إدارة العلاقات الخارجية

توسع هيكل التجمع بشكل كبير خلال الثورة حيث توسعت مكاتبه الإعلامية وازداد عدد المتحدثين باسمه في الداخل والخارج، حيث بدأ التجمع مرحلة جديدة من التخطيط لإدارة الحراك وتوجيهه نحو تحقيق مطالب ميثاق الحرية والتغيير بالتحول نحو حكم مدني كامل يؤسس لتجربة سياسية جديدة كلياً في البلاد. وعمل التجمع على تطوير هيكله ومكاتبه لتواكب متطلبات إدارة ميادين الاعتصام، حيث تم زيادة عدد الأعضاء في المكاتب، خاصة مكتب الفعاليات والمكتب الميداني. وازدادت أهمية هذا المكتب خاصة مع توسع رقعة ميدان الاعتصام وتزايد الحاجة لتأمين المداخل وضبط حركة الجماهير وفحص ما يحمله الداخلون إليه لتلافي المشكلات التي يمكن أن تحدث نتيجة الاختراقات التي كانت تمارسها بقايا النظام السابق، كما تم إنشاء سكرتارية العلاقات الخارجية كسكرتارية جديدة لتقوم بمهمة الاتصال الخارجي سواء على مستوى القوى السياسية والأحزاب التي لم توقع على ميثاق الحرية والتغيير، ثم بدأت السكرتارية ذاتها بالتواصل مع المؤسسة العسكرية ومجلسها الحاكم، ثم انتقلت فيما بعد للعمل ضمن لجنة الاتصال التي كونها المجلس القيادي لقوى الحرية والتغيير. هذا بالإضافة إلى التوسع في قبول عضوية كيانات جديدة رفدت سكرتارية التجمع بكوادر ذات قدرات نوعية. فمثلاً سكرتارية الإعلام عند بداية الثورة كانت تضم 12 فرداً، وفي مرحلة الاعتصام وصل عددها إلى 45 فرداً يتعاون معهم المئات من المتطوعين. كما تم إنشاء لجان للخدمات وتنسيق عملية وصول الدعم المادي والعيني للمعتصمين. كما لعبت فئة الأطباء دورها بإنشاء المستشفيات الميدانية.[xxviii]

لإدارة ميدان الاعتصام، قام التجمع بتشكيل لجان متخصصة كاللجان الصحية ولجان التغذية، وبما أن التجمع لم تكن لديه خبرة سابقة في إدارة الاعتصام، كان يتعامل مع المستجدات والتطورات التي تحدث في حينها. وكانت للمبادرات الذاتية التي انطلقت من قبل المجتمع المدني والرأسمالية الوطنية وكافة الأفراد المشاركين في الثورة الدور الأكبر في تسهيل مهمة تجمع المهنيين السودانيين لإنجاح الثورة والاعتصام الذي استمر لمدة تزيد عن الشهر.[xxix]

مثلت بعض هذه التحالفات نقاطًا هامة للتجمع، فقد كان للتجمع تنسيق مهم مع بعض الحركات مثل حركة (قرفنا) وهي تحالف معارض يضم مجموعة من منظمات المجتمع المدني والنقابات والناشطين السياسيين من قوى وأحزاب سياسية مختلفة، ومن أبرز المجموعات التي بذلت جهداً في التخطيط لما آل إليه الوضع في الثورة ما عرف بمبادرة الحرية والكرامة وتختصر بـ(حراك)، وهي مبادرة أسسها عدد من السياسيين والنقابيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتمثل هدفها في خلق إجماع بين القوى السياسية وفئات المجتمع المختلفة حول أهداف عامة مشتركة عبر تنظيم حملات لجمع التوقيعات لميثاق المبادرة المسمى بـ(إعلان الحرية والكرامة)، وكان التجمع من بين الموقعين على الميثاق، وانضم إلى المبادرة فيما بعد عدد من الكيانات السياسية كتحالف نداء السودان وتحالف قوى الإجماع الوطني. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت المبادرة في جمع التوقيعات، إلا أنها كانت أساسًا للإجماع بين عدد كبير من الكيانات المعارضة. ومع بداية الحراك الجماهيري في 2018، بادر تجمع المهنيين السودانيين إلى التواصل مع قيادات مبادرة حراك للمزيد من التنسيق والتعاون، خاصة وأن التجمع كان يعتزم تنظيم حشد جماهيري للمطالبة بتعديل الأجور، وكانت ثمرة هذا التواصل تبني تجمع المهنيين السودانيين لميثاق مبادرة حراك (إعلان الحرية والكرامة) وإجراء بعض التعديلات على بنوده ليصبح (إعلان الحرية والتغيير) وتغير بموجبه توجه التجمع من القضايا والمطالب النقابية نحو إسقاط النظام وتشكيل حكومة انتقالية.[xxx]

بالإضافة إلى المكونات النقابية والمهنية المنضوية تحت لواء التجمع، فإنه عند إطلاقه لإعلان الحرية والتغيير، دخل في تحالف أوسع بأهداف أكبر، ودعا الأحزاب إلى أن توقع معهم ميثاقًا وأن تكون جزءًا من الحراك الثوري، يعني أصبح هو قاطرة، وهنا ظهر تحالف قوى الحرية والتغيير.[xxxi] وهو تحالف تشكل خلال فاعليات الثورة في 2019 ليتولى التنسيق وقيادة الحراك في الشارع، وضم إلى جانب تجمع المهنيين الجبهة الثورية  وتحالف قوى الإجماع الوطني والتجمع الاتحادي المُعارِض.[xxxii] وهنا انتقل إلى الخطوة التالية في تطوره، وأصبح جزءًا من تحالف سياسي معارض أوسع، كما أصبحت القوى السياسية المنضوية في هذا التحالف حلفاء له، قوى سياسية معارضة وقعت على الوثيقة وباتت جزءًا من تجمع المهنيين وهي تحالف نداء السودان، قوى الإجماع الوطني، التجمع الاتحادي المعارض، وهو ما تطلب جهودًا تنسيقية إضافية تداركها التجمع بتوسيع نطاق عضويته وهيئاته.

أثناء التفاوض بعد إسقاط نظام البشير، برزت بعض الخلافات بين مكونات التجمع وبعض حلفائه في قوى الحرية والتغيير والتي استفادت منها قيادات المجلس العسكري في التنصل من المفاوضات وتأجيلها أكثر من مرة، ومع ذلك فإن موقف تجمع المهنيين السودانيين التفاوضي كان أكثر اتساقاً مع طرفين أساسيين داخل تحالف قوى الحرية والتغيير هما كتلة قوى الإجماع الوطني وتجمع القوى المدنية وذلك لتقارب الرؤية حول ضرورة حدوث تغيير جذري يحقق أهداف الثورة، بينما كان تحالف نداء السودان أقرب إلى المهادنة والقبول بالشراكة مع العسكريين.[xxxiii]

كما كان لتجمع المهنيين تحالف لصيق مع لجان المقاومة من الشباب، وهي لجان ثورية عمل التجمع على إنشائها في الأحياء أثناء التظاهرات، أي أن علاقة التجمع ببعض القوى السياسية أثناء التفاوض كانت تنسيقية أكثر منها تحالفية، خاصة وأن الكتل المشكلة لتحالف قوى الحرية والتغيير كانت تنطلق من منصات متباينة في مواقفها التفاوضية، وإن كانت لجان المقاومة تشكلت أساساً من قوى حزبية، إلا أن تدعيم التجمع لعمل تلك اللجان والتحاق أعداد كبيرة من المتطوعين بها أثناء وبعد الثورة، جعل الغالبية الساحقة في هذه اللجان لا تنتمي إلى أحزاب. برزت قوة وفاعلية هذه اللجان في مليونية 30 حزيران/ يونيو 2019، بعد فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من الشهر نفسه، حيث استطاعت اللجان أن تحشد الشارع عن بكرة أبيه رفضاً لما حدث، وتفويضاً لوقف التفاوض مع المجلس العسكري الذي نفذت قواته تلك المجزرة البشعة. غير أن الطرفين (قوى الثورة والمجلس العسكري) عادا ووقّعا في إطار الممكن اتفاقاً قضى بشراكة مدنية - عسكرية خلال الفترة الانتقالية.[xxxiv]

برغم أن تحالف التجمع مع أكبر عدد ممكن من القوى المدنية والسياسية قبل وأثناء الثورة كان عامل قوة كبيرًا، إلا أن عدم وضوح أطر تعاونه وتنسيقه مع تلك التحالفات والكيانات وشعورها بانتهاء الهدف المشترك وهو إسقاط البشير، جعل الخلافات تبدو على السطح سواء في ما يتعلق بطريقة إدارة التجمع وكياناته وهياكله أو بأولويات المرحلة الانتقالية، بدا هذا واضحًا في الأزمة بينه وبين بعض الكيانات النقابية المنضوية تحته ومع لجان المقاومة والأحياء، وظهر هذا الخلاف على السطح بشدة منذ مايو 2020.

غياب تمثيل عادل للمرأة

كذلك يعاني التجمع من أزمة بنيوية تتناقض مع مبادئه وأهدافه، إذ يفتقر لتمثيل عادل للمرأة، حيث إن تمثيل المرأة في كل المؤسسات التي أفرزتها الثورة لم يكن متناسباً مع حجم مشاركتها خلال الثورة. فبينما كانت المرأة حاضرة بشكل قوي في كل مراحل الحراك الشعبي، فإن القطاع النسوي بالمحامين مثلاً كان هو الأكثر فعالية في التواجد بمحاكم الطوارئ دفاعاً عن المعتقلين من الناشطين وقيادات الكيانات الثورية الذين سجنهم النظام السابق، والنساء في قطاع الأطباء كنَّ عماد كل المستشفيات الميدانية التي صاحبت التظاهرات، والثائرات من النساء كنَّ الأكثر شجاعة وإقدامًا في مواجهة أجهزة النظام القمعية. ومع كل هذا الدور، إلا أن وجودها في هياكل السلطة وعمليات التفاوض بعد انتصار الثورة لم يكن عادلاً،[xxxv] وهو ما يمكن تلمّسه بوضوح في الوزن النسبي للعنصر النسائي في لجان تحالف قوى الحرية والتغيير ومجلسها المركزي مروراً بسكرتارية تجمع المهنيين السودانيين ومجلسه القيادي وصولاً إلى حكومة الثورة التي تشكلت فيما بعد.

ثالثًا: الهيكل والإدارة وآليات صنع القرار

منذ نشأته وحتى ثورة ديسمبر 2018، اتبع التجمع السرية في عمله، إذ كان يحرص على الحفاظ على سرية نشاطه وتحركاته، وكذلك إخفاء معلومات منتسبيه خشية تعرضهم للاعتقال. وبحسب أحد المتحدثين الرسميين باسم التجمع، فإن مهمته في هذه المرحلة كانت تنظيم ما يقوله الشعب وإضفاء المعنى عليه وصياغته سياسيًّا دون نية للتحول إلى حزب سياسي أو أي شكل رسمي آخر.[xxxvi]

هذه الطبيعة السرية لعمل التجمع في البداية، اقتضت إخفاء أسماء قياداته والتنظيمات المنضوية تحته وبلورة ما يقوله الشارع بوضوح في مطالب عامة محددة، اتبع تكتيكات سرية تجيد فنون المناورة، مع حكومة بوليسية محترفة في البطش، ما جعله يجري مشاوراته في الداخل والخارج لاختيار ساعة الصفر للتحرك. وبالفعل اختار لها أغسطس من 2018، دون أن يكشف عن أعضائه وهيئاته، أو سيرورة تنظيمه الداخلي، للتغلب على القمع والاعتقال المتوقع حال الإعلان عنهم خوفًا من تتبّعهم أمنيًّا".[xxxvii]

لكن يمكن القول إن التجمع بنى هياكله أفقيًّا على نمط مشابه للتنظيم الإداري اللامركزي للدولة السودانية، بحيث أصبح للتجمّع سكرتارية وأمانة عامة، كما أنه يتكون من فرع مركزي وأفرع في الولايات لعبت الظروف السياسية والأمنية المحيطة بتأسيس تجمع المهنيين السودانيين دوراً محورياً في صياغة نهج العمل داخل التجمع من حيث تشكيل عضويته واختيار قياداته وتحديد آليات اتخاذ القرار فيه. وبالعودة إلى فترة تشكل التجمع في مراحله الأولى خلال الأعوام 2012 و2016م، فإن حالة التضييق التي مارسها نظام الإنقاذ تجاه العمل السياسي والنقابي في السودان، حتمت أن يبقى أغلب العمل التنظيمي الداخلي سرياً، خاصة في ما يتعلق بالتنسيق بين (الهيئات النقابية) المشكِّلة له – لم تكن تتمتع بالشرعية بحسب قوانين العمل النقابي الرسمية -، وتبعاً لذلك ظلت الهيئة القيادية للتجمع وآلياته في اتخاذ القرار سرية، وفي يوليو 2012م نجح التجمع في تشكيل مجلسه القيادي الأول والذي اختار من بين أعضائه مكتباً تنفيذياً لمباشرة العمل واتخاذ القرار بشأن دور التجمع في دعم الإضرابات التي نظمها الأطباء في ذلك الوقت، أما في العام 2013، فقد أقر التجمع دعم الحراك الشعبي ضد السياسات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، وباشر ذلك من خلال تفعيل أدوات المقاومة المختلفة. وشكلت الإضرابات والندوات وورش العمل والبيانات أبرز أشكال النشاط السائد خلال تلك المرحلة.

حافظ التجمع على تماسكه عبر الترتيبات الإدارية والهيكلية التي نفذتها الكيانات المشكلة للتجمع في بدايات تكوينه، خاصة صياغة اللائحة المنظمة والتوزيع المحكم للمهام والأدوار والاعتماد على خطة عمل سنوية، إضافة إلى التدريب المستمر للأعضاء. كلها أسباب أسهمت مجتمعة في أن يعمل التجمع ككتلة واحدة دون تمييز لأي من أعضائه، كما أن التخطيط المسبق والتحسب لخطوات أجهزة النظام وسلوكها، لعب دوراً حاسماً في استمرارية الفعل الثوري على الأرض حتى بعد اعتقال قيادات التجمع، إذ إن المجلس القيادي للتجمع عمد إلى إنشاء سكرتارية ظل بديلة وضمن لها آليات اتصال مستمرة بالقيادة وذلك حتى قبل الشروع في التظاهر. وعندما قام جهاز أمن النظام باعتقال أعضاء التجمع المعروفين من أمثال محمد ناجي الأصم وأحمد ربيع سيد أحمد وإبراهيم حسب الله وطه عثمان اسحق وغيرهم، كانت سكرتارية الظل قد ملأت الفراغ الذي أحدثته الاعتقالات، كما نجحت في تطوير قدرات التجمع الأمر الذي كفل له مواصلة قيادة الثورة.[xxxviii]

أما في المرحلة التي تلت ثورة ديسمبر فقد أظهر التجمع قدرته على إدارة وتنظيم نفسه لقيادة الحراك الشعبي على الأرض وذلك من خلال هيكل متكامل وقيادة محددة يمكن التعرف إليها من خلال الرسم التوضيحي الآتي:

الهيكل التنظيمي لتجمع المهنيين السودانيين 2020

إدارة النزاعات

أثناء الثورة وخلال مرحلة التفاوض مع المجلس العسكري، فإن التجمع بدا وكأنه جهة تنسيقية بين مكونات مختلفة بدأت خلافاتها في الاتساع، وكانت نقطة الخلاف الأكبر أثناء انتخابات الأمانة العامة للتجمع في مايو 2020.[xxxix] "وكان التجمع اختار تركيبة أمانته العامة الجديدة، لم تتضمن بعض رموز الثورة من كيانات منضوية تحت لوائه، ومن ثم أعلنت مكونات في التجمع رفضها التركيبة الجديدة، بينها "تجمع البيئيين"، و"لجنة أطباء السودان المركزية"، و‎"لجنة استعادة نقابة الصحافيين"، و"تجمع مهنيي الأرصاد الجوية"، و"التحالف الديموقراطي للمحامين". وأعلنت لجنة الأطباء المركزية، رفضها "كل مخرجات اجتماع مجلس تجمع المهنيين، بعد تجاوزه كافة المقترحات بمناقشة خطابات الدورة الماضية والميزانية والرؤية السياسية". واتهمت التجمع بخضوعه لتكتل حزبي واضح، كما أعلن "التحالف الديمقراطي للمحامين"، سحب ممثله من الأمانة العامة الجديدة، ودعا إلى العمل على إلغاء القرارات التي وصفها بـ"المعيبة" و"الباطلة". كذلك رفض تجمع المهندسين السودانيين مخرجات الاجتماع، داعيًا إلى صياغة نظام أساسي لتجمع المهنيين بمهام وصلاحيات محددة. أما "تجمع البيئيين" فرفض تحويل "المهنيين" إلى "واجهة وتيار حزبي بعينه". ودعا إلى "محاسبة أي عضو تسبب في خرق ميثاق ولوائح تجمع المهنيين، والتغوّل على العرف والعمل النقابي الديمقراطي".[xl]

وفي يوليو 2020، تصاعدت حدة الخلافات الداخلية بين هيئات تجمع المهنيين السودانيين. وأعلن التجمع عن تجميد عضوية 5 أجسام مهنية تابعة له هي: لجنة أطباء السودان المركزية، وتجمع المهندسين، وتجمع مهنيي الموارد البشرية، وتجمع مهنيي الأرصاد الجوية، وتجمع البيئيين، بعد أيام من اختراق صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك" وسيطرة منشقين عليها، حيث قام فصيل من التجمع بالسيطرة على الصفحة الرسمية له بموقع "فيس بوك" ما أشعل الخلافات مجدّدًا بالتزامن مع تظاهرات مليونية 30 يونيو، وذكر التجمع أن قرار تجميد عضوية الأجسام الخمسة يعود لخروقاتها المستمرة لميثاق ولائحة تجمع المهنيين. وأشار التجمع إلى أنه قرر أيضًا إعفاء جميع المتحدثين الرسميين، وسحب ممثلي التجمع في هياكل قوى إعلان الحرية والتغيير، وفي اللجان والمجالس الحكومية، إلى حين صدور قرار رسمي بشأن تمثيل تجمع المهنيين في هذه الحالات". ولفت إلى أن التجمع يقوم بإجراءات قانونية ضد من قاموا بـ"السطو" على صفحته الرسمية".[xli]

ثم كانت أزمة توقيع التجمع على اتفاق سياسي مع بعض الحركات المسلحة ففي 26 يوليو 2020، وبعد يوم على سحب اعترافه بكل الهياكل القائمة لتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، "وقّع التجمّع (السكرتارية الجديدة) على اتفاق تحالف سياسي مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، قيادة عبد العزيز الحلو، ومن ثم واجه التجمع اتهامات بالتحالف مع الحركات المسلحة على حساب قوى الحرية والتغيير، ومن ثمّ السعي لبناء تكتل سياسي جديد، يهدف إلى مراجعة الوثيقة الدستورية التي تمّ التوقيع عليها عقب إطاحة نظام البشير، ومراجعة جميع القوانين والمراسيم، وتقسيم ثروة السودان على نحو عادل، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وتسليم المتهمين في جرائم دارفور لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات الدولية، وهي مطالب تضع الحكومة التي أتت بها قوى الحرية والتغيير في موقف حرج، وهو ما قوبل برفض من بعض أفرع التجمع، إذ أعلن فرع التجمّع في ولاية الجزيرة وسط السودان، في بيان، رفضه كلّ الخطوات التنظيمية التي أقدم عليها الفرع المركزي، والتي اتّخذت بمعزل عن تجمّعات المهنيين في الولايات.[xlii]

تتمثل أهم عناصر القوة في هيكل التجمع في كونه تحالفًا لتجمعات مهنية يفترض أنها منتخبة، لكن نشأتها في ظل النظام السابق وعدم انتخاب قيادات جديدة لهذه التجمعات، ومن ثم استيعاب تطلعات المنتمين الجدد لها، حوّل هذه النقطة إلى محل خلاف وانعكس على التجمع ذاته.

كذلك يتمتع التجمع بالمرونة التنظيمية واللامركزية من ناحية الهيكل، فهو يتشكل من 15 تجمعًا مهنيًّا وبعض القوى السياسية، ويدار بطريقة لامركزية، إلا أن المرحلة الانتقالية تقتضي حوارات أوسع لاتخاذ قرارات وللحفاظ على وحدة التنظيم، وهو أمر يبدو صعبًا في ظل ثورات التوقعات لدى المجتمع ولدى أعضاء التجمع ذاته.

وثمة عنصر مهم من عناصر قوة التجمع أنه يجمع بين أفراد التجمع لوائح ووثائق تنظيمية قوية وتوجهات سياسية متقاربة، وهذه اللوائح قد تضمن وحدته حتى تحقيق أهدافه. لكن تحوّل التجمع إلى جماعة وظيفية وطول الفترة الانتقالية، يجعل من الحفاظ على التزام كافة أعضائه باللوائح والمواثيق أمرًا صعبًا.

وتتمثل أبرز نقاط الضعف التي أثّرت على التجمع، هي عدم قدرته على استيعاب المنتمين الجدد إليه، وشعور مؤسسيه باستحقاقات سياسية أكبر من أولئك المنضمين حديثًا إلى التجمع، وعدم وجود آليات واضحة لإدارة هذا الهيكل الضخم من الكيانات والفروع والتحالفات السياسية، برز هذا في أزمة انتخاب قياداته وعدم قدرته على الالتزام باللوائح أو تعديلها بشكل توافقي، كذلك فإن أحد أهم نقاط ضعف التجمع يكمن في أن الفئات المسيطرة على هياكله ومجلسه والسكرتارية حالياً تتكون فقط من أبناء المركز الذين يتمايزون طبقياً وفكرياً عن نظرائهم في الأقاليم، وذلك عقب ثورة كانت الأقاليم والأطراف فاعلها الأساسي.[xliii]

إن التجمع يفتقد إلى آليات واضحة للشفافية والحوكمة وصنع القرار، فاللوائح التنظيمية على موقعه أو صفحاته ليست متاحة على مواقع التواصل، كما أن الأمور الإدارية والمالية في داخله غير واضحة بعد، وكذلك الآليات الديمقراطية في الإدارة وتسيير التجمع والعلاقة بين مكوناته وتراتبية القرارات غير واضحة، وإن كان هذا نتاجًا للعمل السري قبل الثورة، فإن المرحلة الحالية تقتضي مزيدًا من الشفافية ولائحة واضحة ومنشورة وآليات واضحة لتنظيم العلاقة بالتحالفات والكيانات النقابية والسياسية الأخرى، وتصعيد ومحاسبة القيادات ومعايير واضحة لقبول التنظيمات الجديدة في التجمع.

إن طبيعة المرحلة الانتقالية ومقتضياتها وإشكالياتها تنعكس على القوى الهامة فيها ومنها التجمع، حيث ترتفع سقوف التوقعات من التجمع في وقت تتزايد تطلعات أعضائه سواء للتعيين في المناصب الإدارية أو في إدارة المرحلة الانتقالية، ومن ثم يتم تحميله أخطاء الحكومة الانتقالية والعسكريين في مجلس السيادة، كذلك فإن مهمة التنسيق والتوفيق بين العمل المهني والعمل السياسي للكيانات النقابية تبدو مهمة شديدة التعقيد.

بعد الثورات عادة ما ينمو شعور لدى تيارات من العاملين بالشأن العام بأن التحالفات المهنية أو السياسية الهامة قد أدت أدوارها الوظيفية وعليها أن تتنحى جانبًا أو أن تعيد تموضعها في المجال العام بناء على المعطيات الجديدة للمرحلة الانتقالية، وأن ينفصل المهني عن السياسي، والخاص عن العام. وبغض النظر عن صحة هذا الفصل، إلا أنه يحدث ويجعل التيارات السياسية والمهنية تدخل في صراع لا تنسيق في ما بينها بخصوص المراحل الانتقالية وعملية تأسيس النظام الجديد.

رابعًا: تجمع المهنيين ودوره في الحراك

تمثلت أهم الفعاليات التي قام بها التجمع في الحراك في دعوته يوم 25 ديسمبر 2018 لتظاهرة، حيث كانت الدعوة الأولى من تجمع المهنيين لتظاهرة نحو القصر الجمهوري "لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فورًا عن السلطة، استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقنًا للدماء. إذن تلقف التجمع بذكاء كبير في بدايات تحركاته النقابية لتحسين الأجور، انفجار الشارع العنيف في مدينة عطبرة، ليعلن عن أول موكب للتنحي بعد ستة أيام فقط من بدء الاحتجاجات.

ثم بادر التجمع بالإسهام في إطلاق إعلان الحرية والتغيير في الأول من يناير 2019، والذي أُطلق برعاية أربع قوى رئيسية هي: تجمع المهنيين السودانيين، قوى الإجماع الوطني، وتحالف نداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض. جاء البيان مُطالبًا في بنودٍ واضحة بإسقاط البشير وتحقيق سلام شامل وعادل وتشكيل حكومة انتقالية لمدة 4 سنوات، وبذلك قاد الثورة إلى نقطة هامة جدًّا وحولها من هبة مطلبية إلى حراك ثوري له أهداف واضحة ومحددة، وليس مجرد مطالبات بتحسين الأجور لقطاعات مهنية.

وفي يوم 6 أبريل 2019، كان الحراك الثوري بقيادة تجمع المهنيين على موعد مع تحول جذري في مسار الاحتجاجات. فعقب دعوات وتحشيد كبير للجماهير عبر البيانات التي أصدرها التجمع منذ بداية الشهر، انتظم في وسط العاصمة عدد من التظاهرات حاولت الشرطة وأجهزة الأمن تفريقها، إلا أن ثبات المتظاهرين قاد إلى أن تكسر الجماهير الطوق الأمني المضروب حول مركز قيادة الجيش السوداني (القيادة العامة). ووصل المتظاهرون إلى الشوارع الرئيسية حولها ومن ثم اندفعت أعداد كبيرة منهم نحو البوابات ومقر إقامة رأس النظام في قصر الضيافة، الأمر الذي مثل فتحًا للثوار وانكسارًا للنظام وقواته الأمنية.[xliv] أي أن النشاط الاحتجاجي الذي أداره التجمع، نجح في فرض إضراب القيادة العامة كأمر واقع، وهو ما ساهم في تغيير معادلة القوة بين النظام والمحتجين.

وسرعان ما تحول التجمع إلى محرك ومنظم أساسي للشارع والقوى المعارضة لنظام البشير، حتى إن الطريقة التي يتبع بها المتظاهرون التجمع أصبحت لافتة لكل متابعي الحراك"، فكان من الملاحظ التزام المتظاهرين بالتوقيتات والأماكن والشعارات التي يحددها التجمع للتظاهرات بشكل كبير. كما كان التجمع ناجحاً في استخدام الرموز الوطنية التي ارتبطت بالذاكرة الثورية مثل (قطار عطبرة) والأغاني الوطنية التي كانت عاملاً مهماً في استدعاء روح النضال في المجتمع وربط شريحة الشباب بما كان يحدث في الماضي. أما من حيث التخطيط للتظاهرات والعمل الميداني، فالتجمع لم يكن يكتفي بالجانب الإعلامي فقط، بل كانت لديه مكاتب متخصصة كمكتب الفعاليات ولجان ميدان تقوم بالحضير للمواكب والتظاهرات من حيث قياس أعداد المشاركين ومدى نجاح المواكب الجماهيرية ولجان أخرى لتأمين المتظاهرين وتحديد نقاط التحرك، بالإضافة إلى المستشفيات الميدانية ولجان للإمداد والإسناد المادي للمتظاهرين، ومن جانب آخر كانت للتجمع لجنة ميدانية للرصد وتحليل البيانات والمعلومات حول حجم التظاهرات وتحركات النظام وأجهزته الأمنية وغيرها من المتغيرات التي تحدث على الأرض.[xlv]

نجح التجمع في تجميع الكيانات المهنية المستقلة لتحقيق أهداف لطالما حاولت التنظيمات النقابية تحقيقها في عهد البشير، كما نجح بإدارة العمل النقابي المستقل لقرابة أربع سنوات قبل الثورة، كما نجح في إدارة تحالفات مع قوى سياسية كانت العامل الأساسي في إسقاط النظام، وبالتالي نجح في هندسة الثورة السودانية، وإدارة مرحلة تفاوضية شديدة الصعوبة مع مؤسسة عسكرية لطالما عرفت بتغلغلها في الحياة السياسية والمدنية وحكم جنرالاتها لعقود، وإن كان يواجه العثرات في الإبقاء على تحالفاته أو حتى المساهمة الفعالة في إدارة المرحلة الانتقالية والتأسيس لنظام جديد، مع هذا يظل أحد أهم الفاعلين على الساحة السياسية السودانية. حيث يسهم مع غيره من المكونات في النقاش حول تفاصيل المرحلة الانتقالية المرتبطة بعملية السلام والدستور الجديد وتشكيل البرلمان وأدوار الأطراف المختلفة وطريقة إدارة المرحلة الانتقالية وتقييم السياسات المتبعة فيها والتعبير عن المطالب المهنية التي لا تزال عالقة في الفترة الانتقالية وإيصالها إلى السلطة لتجنب أية انهيارات للمسار الانتقالي.

يواجه التجمع عدة تحديات وأزمات عدة على مستوى الهيكل والخطاب والتحالفات والدور. فثمة تفكك بين القيادة المركزية والفروع نجمت عن بعض الخطوات التي اتخذها التجمع مثل التحالف مع بعض الحركات المسلحة ومحاولة الخروج من قوى إعلان الحرية والتغير. التجمع بحسب العديد من أفراده، هو تجمع أفراد حيث لا يعتبر كل عضو في نقابة مهنية أو نقابة عضوًا بالضرورة في التجمع، كما أنه ليس اتحاد نقابات أو اتحادات عمالية حرة انتخبت في سياق ديمقراطي لم يكن موجودًا لعقود، بل كانت كل النقابات تابعة للنظام. لكن المهنيين بحكم المهنة والوظيفة تحرّكوا وقبلوا التنظيم، وهذا دعا إلى استعادة الحركة النقابية".[xlvi] لكن هذه الحركة لم تختبر في سياق ديمقراطي أو انتقالي بعد، وبالتالي قد يواجه الاصطفاف الفردي ازدواجية الولاء بين التنظيمات السياسية القادم منها أفراد التجمع، وبين المصالح المهنية والسياسية التي يمثلها التجمع.

التحدي الأهم لدى التجمع في الفترة الانتقالية يتمثل في التوفيق بين دوره النقابي ودوره السياسي، وكذلك توضيح طبيعة علاقاته بقوى إعلان الحرية والتغيير ومدى التمايز والتوافق بينه وبينها، إذ إن حدة الخلاف بينهما تتزايد، سواء في ما يرتبط بدعم قوى الحرية والتغيير المطلق لحكومة عبدالله حمدوك وسياساتها، أو حتى في ما يتعلق بموقفه من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وتأثيره على عملية انتخاب المجلس التشريعي المنتظر كجزء لم يتم حسمه في المرحلة الانتقالية بعد، ودور قوى الحرية والتغيير في هذه العملية.

إن أحد أهم نقاط القوة التي أسهمت في أدوار التجمع، هي الخبرات التنظيمية والسياسية المتراكمة لدى أعضاء وقيادات التجمع. فالكثيرون منهم كانوا جزءًا من محاولات سابقة لتجميع الجهود المهنية والعمالية في اتحادات شبيهة، كما تشاركوا معًا خبرات سياسية وتنظيمية سابقة حيث جمع بين غالبيتهم الانتماء إلى أحزاب سياسية محددة كالحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الأمة القومي وغيره من الأحزاب، كما كان لمشاركاتهم السابقة في تجمعات نقابية شبيهة أثراً إيجابياً في تطوير تحالف نموذجي بين النقابات، ومن ثم كان تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الحراك الثوري في العام 2018، امتدادًا طبيعيًّا لما كان قائماً قبله من محاولات تنظيمية، إذ إن الأجسام النقابية المؤسسة هي نفسها التي وجدت حتى 2012، مضافاً إليها لجنة أطباء السودان المركزية وبعض الكيانات النقابية التي نشأت أثناء وبعد الثورة.[xlvii]

خامسًا: دور تجمع المهنيين في التفاوض وترتيبات المرحلة الانتقالية

في الحادي عشر من أبريل 2019 عندما أعلن وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، في بيان على التلفزيون الرسمي اعتقال الرئيس عمر البشير وتشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد لمدة عامين، أعلن التجمّع وتحالفات المعارضة السودانية "رفضهم بيان الجيش جملةً وتفصيلاً واعتبروه انقلابًا على الثورة، وأكدوا مواصلة الاعتصام حتى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية، ودعوا إلى المحافظة على الاعتصامات أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم وفي بقية الأقاليم". كما وجّه تجمّع المهنيين السودانيين، في بيان لاحق، نداء إلى ضباط الجيش دعاهم فيه إلى التصدي لـ "محاولة سرقة الثورة من قبل سدنة النظام". ودعا البيان السودانيين إلى البقاء في الشوارع في كل مدن البلاد، حتى تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة".[xlviii]وتحت وطأة ضغوط قوى الثورة والتمسك بالرفض التام لإدارة المرحلة الانتقالية من قبل العسكريين، وبعد توليه ليوم واحد منصب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي تشكّل بعد عزل البشير، أعلن عوض بن عوف تنازله عن منصبه هو ونائبه كمال عبد المعروف، وتعيين المفتش العام للجيش الفريق عبد الفتاح البرهان مكانه".[xlix] ووصف البعض هذه الخطوة "بالانتصار الجديد لصالح المتظاهرين السودانيين".[l] ورفض "تجمّع المهنيين" تعيين البرهان، وقال "لا لأوجه تتبدل أقنعتها من البشير إلى ابن عوف والبرهان".[li]

وما بين 11 أبريل وفض اعتصام القيادة العامة، لم تكن لا المؤسسة العسكرية ولا التجمع وقوى الحرية والتغيير قابلة للتفاوض مع بعضها البعض. وتؤكد بعض قيادات التجمع أن أجندة التجمع وخططه في مرحلة ما بعد سقوط النظام لم تكن تتضمن حواراً أو تفاوضاً مع المجلس العسكري، بل كان شعاره: لا تفاوض ولا حوار بل تسليم وتسلم للسلطة كاملة للمدنيين. وكانت رؤية قيادات التجمع أن أي تفاوض مع العسكريين يعدّ بمثابة إجهاض للثورة وتغيير لمسارها المنتصر حتى ذلك الوقت، وإذا نظرنا إلى الوقائع في حينها، فإن الثوار وتجمع المهنيين لم يكونوا هم الطرف الأضعف الذي يحتاج إلى التفاوض، وكان هذا الموقف العام لجموع الثائرين في وجه نظام البشير.[lii] ومع ذلك فإن التجمع أعلن مبكرًا في 13 أبريل 2019 بمبادرة منه أسماء فريقه التفاوضي مع المجلس العسكري،[liii] لكن الحدث الفارق كان إعلان انحياز قوات الدعم السريع[liv] للثورة منتصف مايو ورفضها خيارات فض الاعتصام بالقوة. إزاء هذا الموقف، كان أمام قوى الثورة إما مواصلة الاعتصام والفعاليات الثورية التصعيدية مع المخاطرة بانقسام الجيش والتحول إلى النموذج السوري، أو الدخول في المساومة والتفاوض مع الجيش والميليشيات التابعة له وتقاسم السلطة على أساس أن هذه خطوة في اتجاه الثورة، فكان الخيار الثاني هو محل قبول قيادات التجمع.[lv]

وقام المجلس العسكري بمناورة للالتفاف على قوى الحرية والتغيير بإبراز كتلة نصرة الشريعة ودولة القانون والتي رفضت التفاوض الثنائي بين المجلس وقوى الحرية والتغيير. وإزاء هذا التلكؤ، قامت قوى إعلان الحرية والتغيير في 1 مايو 2019، بتقديم وثيقة دستورية إلى المجلس العسكري مفصلة حول رؤيتها للمرحلة الانتقالية حددت فيها مستويات الحكم الثلاثة (الفيدرالي، والإقليمي، والمحلي)، وتشكيل مؤسسات الحكومة الانتقالية من مجلس سيادة وطني، ومجلس وزراء تكون له السلطة التنفيذية العليا في البلاد، وهيئة تشريعية تختص بسلطة التشريع وسلطة الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، وسلطة قضائية مستقلة، وقوات نظامية تكون خاضعة لقرارات السلطة السيادية والتنفيذية. ثم طالبوا المجلس العسكري الانتقالي بالرد على وثيقتهم الدستورية كتابةً خلال مدة أقصاها 72 ساعةً، إن التجمع هنا احتفظ بعنصر المبادرة وفرض الوثائق المعدة بعناية على أجندة التفاوض.

ثم كانت عملية فض اعتصام القيادة العامة يونيو 2019 والتي وصل فيها عدد القتلى إلى 108، والمصابين إلى أكثر من 500"،[lvi] اختبارًا قويًّا للمسار التفاوضي، وأدت إلى فقدان الثقة بين المجلس العسكري وقوى الثورة، اتهم تجمع المهنيين السودانيين في بيان له قوات التدخل السريع التي يقودها عضو المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" نائب رئيس المجلس الانتقالي العسكري بالمسؤولية عن الفض بشكل مباشر.[lvii]

وبحسب البعض، فإن المجلس العسكري قبل بداية التفاوض كان يرتب لتسلم السلطة وتنظيم انتخابات خلال عام، ولم يكن هناك اعتراف صريح بأن قوى الحرية والتغيير تمثل الثورة، وكان مقترحهم للحكومة المدنية هو أن تكون تحت سلطة المجلس العسكري كجهاز تنفيذي فقط، على أن لا يتم عزل أي قوى سياسية عن المشاركة حتى تلك التي كانت تشارك في النظام الذي تم إسقاطه عبر الثورة.[lviii] اتضح هذا بشكل مباشر في مساءً يوم فض الاعتصام، حيث ظهر رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، على شاشات التلفزيون، وأعلن إلغاء كل الاتفاقات التي جرى التوصل إليها مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وعزمه تشكيل حكومة تكنوقراط، وإجراء انتخابات عامة خلال تسعة أشهر، لكن نتيجة لصمود الشارع السوداني وعدم انكسار قوى التغيير، بالتوازي مع ضغوط خارجية سواء من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الإفريقي على حلفاء المجلس العسكري في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، انتشار أخبار الانتهاكات التي ارتُكبت، عاد البرهان ليعلن في اليوم التالي أنّ المجلس العسكري الانتقالي مستعد للعودة إلى التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير".[lix]

كان البعض يرى أن قرار القبول بالتفاوض مع العسكريين كان نقطة تحول رئيسية في مسار الثورة امتد أثرها حتى الوقت الراهن، فالنتائج التي تمخض عنها التفاوض بعد حراك جماهيري واسع وممتد لشهور لم تكن بمستوى توقعات الثوار والشارع السوداني، من هنا بدأت بعض الخلافات بين التجمع وبعض مكوناته وبعض الثوار غير المنضمين إلى أي تنظيمات.

ويرى محمد ناجي الأصم وهو عضو في لجنة التفاوض عن تجمع المهنيين، أن مشاركة التجمع في عملية التفاوض مع المجلس العسكري لم تكن قراراً مُجمَعاً عليه من قبل الأجهزة المختصة، فسكرتارية تجمع المهنيين مثلاً لم تكن على علم بالقرار منذ البداية، كما أن الوفد المفاوض وأغلبهم من أعضاء السكرتارية في تجمع المهنيين جميعهم لم يكونوا على علم بالقرار، وهو أمر يدل على أن ثمة قوى عملت على فرض خيار التفاوض كأمر واقع، خاصة مع ما صاحبه من ارتباك في القرارات الصادرة عن تجمع المهنيين كتراجعه عن إعلانه السابق بتشكيل الحكومة الانتقالية المدنية من داخل ميدان الاعتصام، وكان لذلك أثره السلبي على صورة التجمع ومصداقيته لدى شباب الثورة.[lx] وهذه الخطوة كانت ناجمة عن جدل حول هذا القرار ما بين تيار راديكالي يرى أنه لا تفاوض مع العسكريين مع كل هذه الدماء وتيار أكثر اعتدالًا يرى أن الاستمرار في الاحتجاج من دون تفاوض يمكن أن ينقلب للمصير السوري أو الليبي.

كان رد فعل تجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير استخدام الزخم الشعبي والضغط الدولي والمطالبة بتنحي اللجنة السياسية للمجلس العسكري والتي كانت تدير التفاوض مع قوى الثورة، وهو ما حدث فعلاً بفضل الضغط الذي مارسته القواعد الشعبية لتجمع المهنيين، واستمرار الاحتجاجات في الشارع، ثم تضمين مطلب محاسبة المتورطين في فض اعتصام القيادة العامة في أجندة المفاوضات ومهام الفترة الانتقالية، وتبني موقف أكثر راديكالية من النظام السابق ومن العسكريين.

وخلال شهرين ما بين فض الاعتصام والتوقيع على الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، مزج التجمع بين التفاوض والاحتجاج والضغط كاستراتيجية لفرض أجندته على الطرف العسكري في المفاوضات. وفي 4 أغسطس وقّع المجلس العسكري مُمثلًا في حميدتي وقوى إعلان الحرية والتغيير ممثلةً في أحمد ربيع، "عضو مؤسس لتجمع المهنيين السودانيين" مشروع الإعلان الدستوري" الذي ينصُّ على 70 مادة قانونية تُحدّد كيف سيتمّ نقل السلطة من المجلس العسكري إلى المجلس السيادي وهيئات الدولة الانتقالية الأخرى".[lxi]

ويلاحظ أن دور تجمع المهنيين في المسار التفاوضي لم يكن قاصراً على التعبير عن إرادة الجماهير فقط، بل امتد ليشمل تنسيق الموقف التفاوضي للكتل المختلفة وحل الخلافات والنزاعات داخل تحالف قوى الحرية والتغيير نفسه، خاصة بين تحالفَي نداء السودان والإجماع الوطني، كما كان للتجمع دوره في مخاطبة الشارع المتحفز وتزويده بالمعلومات حول مسار التفاوض ومستجداته، كما أن لجنة السياسات بتجمع المهنيين والحرية والتغيير هي الجهة الأساسية التي أعدت بنود التفاوض مع المجلس العسكري، وهي نفس ما تم التوصل إليه فيما بعد والمتمثل في هياكل السلطة التنفيذية والمجلس التشريعي وكيفية تكوينه ومجلس السيادة المختلط بين المدنيين والعسكريين. وكانت وجهة النظر المبررة لمشاركة العسكريين في السلطة هو أن وجودهم ضروري لتأمين المرحلة الانتقالية وضمان عدم حدوث انقلاب عسكري.

بدأت في 21 أغسطس 2019 وبوساطة ناجحة من قبل الاتحاد الإفريقي ورئيس الوزراء الإثيوبي ودعم ومساندة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتجمع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قائد الحراك الشعبي، ووقع الطرفان على إعلان سياسي عكس توازن القوى بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير،[lxii] وحدد طبيعة الشراكة والأهداف السياسية المتوقع تحقيقها بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، كما تم التوقيع على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية والتي تضمنت تفاصيل حول هياكل الحكم ومطلوبات الفترة الانتقالية خاصة عملية السلام مع الحركات المسلحة، ومن ضمن الإجراءات الأساسية تم حل المجلس العسكري وتشكيل مجلس السيادة الذي يتكون من خليط بين العسكريين والمدنيين مع غلبة عددية للطرف المدني، كما تم اختيار رئيس الوزراء عبد الله آدم حمدوك الذي رشحه للمنصب تجمع المهنيين السودانيين.[lxiii]

لكن شهدت علاقات تجمع المهنيين والحكومة التي اختاروا هم رئيسها توترات عدة. ففي يناير 2020 وجه التجمع انتقادات حادة للحكومة باعتبارها تنتهك الوثيقة الدستورية على خلفية تعيين 3 وزراء دولة فيما نصت الوثيقة الدستورية على ألا يزيد عدد وزراء الحكومة عن 20 وزيرا،[lxiv] لكن علاقة تجمع المهنيين مع الحكومة قد تزعزعت لاحقًا، خصوصًا بعد حصول الانقسامات حول الموقف من الحكومة وتأييد سياساتها أو معارضتها وترتيبات المرحلة الانتقالية، بين قوى الحرية والتغيير من جهة وتجمع المهنيين ولجان المقاومة من جهة أخرى ودعوة الأخيرة إلى مليونية 30 يونيو. ومع أن عبد الله حمدوك خاطب السودانيين في مساءً 29 يونيو المنصرم من خلال التلفزيون مبيّناً لهم أن الرسالة قد وصلت، وأنه في ظرف أسبوعين ستصدر سلسلة من القرارات لتعديل مسار حكومته وإجراء تعديل وزاري يشمل 7 حقائب، إلا أن لجان المقاومة، وبعض القوى السياسية التي ترى أن الحكومة لم تنجز شيئاً يذكر بعد قرابة العام في السلطة، أصرت على النزول إلى الشارع وطالبت بتعيين ولاة مدنيين في الولايات، وإقامة المجلس التشريعي، وإجراء محاكمات لرموز النظام السابق، واستكمال التحقيق في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش ومعالجة الوضع الاقتصادي".[lxv]

حاول حمدوك امتصاص غضب التجمع ولجان المقاومة، حتى إنه أقال وزير الصحة المنشق عن التجمع ونفذ وعده بتغيير ستة وزراء آخرين، كما وعد استجابة لمليونية 30 يونيو، لكن عند تشكيل هياكل السلطة الانتقالية أعلن تجمع المهنيين عدم مشاركة قياداته في أي مستوى من مستويات الحكم، لكنه عمل على ترشيح بعض الأسماء لتولي عدد من المناصب ضمن الحصص التي خصصت للكتل المشكلة لتحالف قوى الحرية والتغيير مثل ترشيحه لعضو مجلس السيادة محمد حسن التعايشي، وترشيحه لرئيس الوزراء عبد الله آدم حمدوك، وكذلك ترشيحه لينا الشيخ وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية. وفي مرحلة لاحقة انتقلت بعض قيادات التجمع إلى العمل في بعض المناصب الحكومية من أمثال رشيد سعيد يعقوب وكيل وزارة الثقافة والإعلام، وأمجد فريد كبير مساعدي رئيس الوزراء، وطه عثمان عضو لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، وهي لجنة تتبع للمجلس السيادي.

بمرور الوقت أصبح تجمع المهنيين منقسمًا إلى جزء يطالب بالحفاظ على جسم الحرية والتغيير ويدعم حكومة حمدوك، وآخر يدعو إلى الإطاحة بهما، وتحميلهما أسباب الإخفاقات طوال الفترة الماضية، وهو ما يقود إلى المزيد من التعقيد، تساعد التجاذبات والاستقطابات الحادة داخل تجمع المهنيين، ومن ثم قوى الحرية والتغيير، على فهم جانب من المشكلات التي عطلت إحراز تقدم في الكثير من القضايا المحورية، وأوحت بأن الهوة بعيدة بين الحكومة والقوى الداعمة لها، الأمر الذي تستغله جهات تريد تعظيم مكاسبها خلال الفترة الانتقالية، وتثبيتها كي تستمر معها إلى ما بعد تجاوزها، وأخرى تنتهز الفرصة للقفز على السلطة، وفي مقدمتها فلول النظام السابق الذين تساهم الخلافات بين قوى الثورة في تقوية شوكتهم في الشارع لكن هذا لا ينفي وجود خلافات حزبية واتهامات للحزب الشيوعي السوداني باختطاف التجمع ومحاولة التغلغل في الأجسام المهنية على حساب حلفائه والعمل المهني وهو ما يهدد بانهيار التجمع.[lxvi]

وفي إطار الأزمة بين التجمع وقوى الحرية والتغيير يوجه التجمع انتقادات حادة للمجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، وتزايدت حدة التوتر بينهما بعد اتفاقية سلام جوبا بين الحكومة وبعض الحركات المسلحة، والتي اقتضت بعض التعديلات على الوثيقة الدستورية، وهي التعديلات التي تمت بغرض تضمين اتفاقية سلام جوبا. ويرى التجمع أن من شأنها خلق أزمات قد تدخل المرحلة الانتقالية في تعقيدات دستورية وقانونية لا داعي لها، سيما مع وضوح حالة الهشاشة في مجمل المشهد السياسي، أنه كان بالإمكان التوصل إلى كيفية تنفيذ الاتفاقية دون المساس المخل بالوثيقة الدستورية التي كان حولها الكثير من الآراء، لكنها على علاتها شكلت مرجعية توافقية لإدارة مرحلة الانتقال، عبر تفاهمات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري تكون عليها شكل الحكم الحالي. وأصبح التجمع يوجه إلى قوى الحرية والتغيير الاتهامات ذاتها التي كان المجلس العسكري يوجهها إليهم للتنصل من التفاوض معهم عقب عزل البشير، من قبيل أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بتركيبته الحالية لا يمثل جميع قوى الثورة الحية، وبالتالي لا يعبر عنها كلها، وهو بهذا الوصف غير مفوض للانفراد بتكوين المجلس التشريعي، ولا مؤهل لتمثيل الثوار جميعهم.[lxvii] قد يواجه التجمع خطر التشقق والانقسام جراء الاستقطاب الحاد الذي تتميز به المرحلة الانتقالية وتعقيدات المشهد السوداني، وعدم قدرته على الموازنة بين علاقته بالحكومة والأجسام النقابية المكونة له وعلاقته بالشارع وتحوله إلى شكل تنظيمي أقرب إلى تحالف سياسي واسع استنفذ الغرض منه، ما لم يلتقط الخيوط المرتبطة بالاحتجاجات المهنية والعمالية والمطلبية التي لا تزال مستمرة في الشارع السوداني.

سادسًا: تجمع المهنيين أية توافقات بين البنية والأدوار

في نشأته كانت أدوار التجمع تتلخص في تحسين وتطوير العمل النقابي والمهني المستقل، لكن مع انسداد المجال العام وتطورات الوضع في السودان، وجد التجمع نفسه وسط عملية تحول أكبر بكثير من إمكاناته التنظيمية والإدارية لتغيير هذا السياق. قام التجمع بعدة محاولات للتكيف مع التطورات الجديدة، سواء بتغييرات في هيكله أو تحالفاته أو أدواره، ولربما كان دخوله في التحالف مع بعض القوى السياسية، ثم قيادته تحالفًا سياسيًّا أكبر من مجموع مكوناته، مثل قوى إعلان الحرية والتغيير، سببًا كبيرًا في الاضطراب الحالي في بنية التجمع وتحالفاته وأدواره.

يرى البعض أن التجمع بهيكله وأدواره رغم تطورها، لم ينتقل بعد من مرحلة الكيان المهني الجامع الذي ينظم المعارضة، إلى كيان شريك في الحكم وإدارة الفترة الانتقالية. ولم تتضح بعد معالم أدواره في المستقبل، ومن ثم يواجه ارتباكًا في تحديد أدواره المستقبلية وبنيته الملائمة لهذه الأدوار، وهذا الارتباك يظهر في عمليات طرد وإعادة بعض المكونات التي تختلف مع قيادات التجمع من حين إلى آخر، وبالتالي فالتجمع، من حيث الهيكل واللوائح والدور، لا يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية. فالثورة انتصرت وأصبح التجمع شريكاً في الحكم بأشكال مختلفة، سواء باختياره بعض الوزراء والمسؤولين، أو بسعي بعض أعضائه لتولي بعض المناصب المتعلقة بالأحياء والأقاليم، أو بقيامه بدور المعارضة في بعض الأحيان، الأمر الذي يحتم عليه سلوك طريق التطور والتحديث ليواكب هذه المرحلة.[lxviii]

وبينما تؤثر تحالفات التجمع في بنيته، وكونه عضوًا في تحالف سياسي أوسع هو قوى الحرية والتغيير، فإن هناك تنافسًا في الأدوار بين الكتلتين قد يؤدي إلى صراع بدت بوادره في الظهور على السطح. فبينما يتهم التجمع المجلس المركزي لقوى الحرية بمحاولة الانفراد بتشكيل المجلس التشريعي وعدم تمثيل كافة السودانيين والانحياز إلى الحكومة على حساب المطالب الشعبية والثورة، فإن الأخير يوجه اتهامات لمجلس التجمع وسكرتاريته بأنه منحاز إلى أحزاب اليسار ومسيس بشكل يضر بالعمل النقابي والمهني. وهذا الخلاف المحتدم أدى إلى انسحاب تجمع المهنيين من قوى إعلان الحرية والتغيير في 25 يوليو 2020.[lxix] إن هذا الخلاف أساسه تنازع الأدوار وضعف آليات التنسيق واختلاف التوجهات بين التجمع وقوى الحرية والتغيير لانتهاء الظرف الذي قاد إلى التحالف بينهما في السابق، لكن إن ظل هذا الخلاف والاستقطاب بهذه الوتيرة، فإنه قد يقود إما إلى تفكيك قوى إعلان الحرية والتغيير أو تفكيك التجمع ذاته، خصوصًا في ضوء تداخل التحالفات أفقيًّا ورأسيًّا بين مكونات الكيانين. فرغم كون التجمع أحد أهم مطلقي إعلان الحرية والتغيير، فإن انسحابه منها يعد ضربة قاصمة لها، وفي المقابل فإن الغضب بين الكيانات المستبعدة من التنافس على قيادة التجمع وعملية إعادة صياغة هيكله وخطابه، قد يؤدي إلى انقسام حاد في هذه التنظيمات، ويحتاج التجمع والتحالفات المتقاطعة معه إلى عملية توزيع أدوار تستوعب اتساع مهام الفترة الانتقالية وإمكانات نجاح ثورة مضادة لها بقاياها محليًّا وداعموها إقليميًّا ودوليًّا.

تنعكس مشكلات تحالف قوى الحرية والتغيير والتوازنات بين الأحزاب السياسية المكونة لها على التجمع. فهي تعاني من ضعف بنيوي سببه اختلاف الوزن النسبي للمكونات الأساسية لهذا التحالف، مع اختلافها في التوجهات الفكرية والسياسية، بالإضافة إلى غياب القيادة الموحدة لها وعدم القدرة على خلق اتفاق على آلية اتخاذ القرار. هذا الأمر ظهر بجلاء عندما بدأت الجبهة الثورية (التي تمثل الحركات المسلحة في أقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وهذه الأقاليم الثلاثة هي مناطق النزاع والحروب في السودان) التي هي جزء أساسي من قوى الحرية والتغيير في الاعتراض على الاتفاق السياسي الأولي في يوليو بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.[lxx]

كما يرى بعض قيادات التجمع أن ازدياد درجة التسييس في عمل تجمع المهنيين خلال مرحلة الثورة وفي الفترة الانتقالية، أبعدته عن طبيعته النقابية وأدت إلى ظهور بعض الخلافات والمشكلات بين عضويته وهو ما كشف مظهراً من مظاهر الضعف في هيكله وبنيته، حيث اتضح أن طول أمد التوافق بين الكيانات النقابية المشكلة للتجمع، تسببت في إهماله لإنشاء آلية داخلية لإدارة الخلافات.[lxxi]

بحسب مقتضيات التطور في الساحة السياسية السودانية، وما لم يفصل التجمع بين مهامه المهنية وأدوار قياداته السياسية والتزاماتهم الحزبية، يمكن النظر إلى تجمع المهنيين السودانيين كتنظيم وظيفي مرحلي يرتبط استمرار وجوده العضوي باستمرار الحالة الثورية خلال الفترة الانتقالية الجارية الآن في البلاد. وبحكم تكوينه الحالي، لا يتوقع أن يتحول في أي مرحلة من المراحل إلى حزب سياسي نسبة إلى افتقاره للمقومات والشروط اللازمة لهذا التحول، كما لا يتوقع أن يتمكن التجمع من تطوير هياكله لتستوعب كل المكونات النقابية التي ستتشكل وفقاً للقوانين المزمع إنجازها للمرحلة الانتقالية وما يستتبعها من حريات نقابية ومهنية وتنظيمية.

سابعًا: تجمع المهنيين الآفاق المستقبلية

يحاول التجمع ضمن بقية المكونات السياسية والمجتمعية السودانية الإجابة عن أسئلة ما بعد الاستقلال المؤجلة، والتي ظلّت من دون إجابة في السودان، حول الدولة ونظام الحكم والدستور وعلاقة الدين والدولة، وهي قضية معقدة في السودان، وكذلك أسئلة المواطنة و كيف يتعامل السودان مع القوميات والإثنيات المختلفة، وأي تنمية اقتصادية يمكن أن يقوم بها وتضمن توزيعاً عادلًا للموارد بين الإثنيات والمجموعات المختلفة، كل هذه أسئلة يسعى التجمع إلى أن تكون موضوع الفترة الانتقالية حتى الوصول إلى دستور دائم وقانون انتخابات دائم.[lxxii]

كذلك يحاول التجمع أن يلعب دور الوسيط بين قوى الحرية والتغيير من جهة والقوى النقابية والمهنية من جهة أخرى. كما يحاول أن يلعب دور الرقابة على الفترة الانتقالية، سواء بالدفع باتجاه استكمال المؤسسات التنفيذية أو لجان مكافحة التمكين، ويضغط باتجاه إعادة تشكيل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بما يضمن تمثيلًا متوازنًا في المجلس التشريعي. حتى كتابة الورقة لا يزال الصراع بينهما في تفاصيل وما يوجهه التجمع من نقد للحرية والتغيير يرتبط ببعض التحالفات السياسية وبطريقة إدارتها للعلاقة مع التجمع ومع الحكومة. فالحرية والتغيير تحالف سياسي، بينما التجمع لا يزال يحاول الاحتفاظ بالصيغة النقابية والمهنية.

لا يزال تجمع المهنيين بحاجة إلى دعم وتدريب كوادره على إدارة العلاقات المتوازنة بين العمل النقابي والمهني من جهة، والعمل السياسي من جهة أخرى. كما يحتاج إلى بناء القدرات في مجال إدارة التوافقات والتفاوض مع القوى السياسية الأخرى. ويمكن في هذا الإطار أن تُعقد ورش عمل تجمع بين مجموعات من تجمع المهنيين السودانيين وبعض التنظيمات النقابية كالاتحاد التونسي للشغل والتنظيمات النقابية القوية في الجزائر والمغرب والأردن.

 

ويحتاج التجمع إلى تجاوز التحديات الحالية وإعادة النظر بالترتيبات الإدارية والهيكلية التي نفذتها الكيانات المشكِّلة للتجمع في بدايات تكوينه، وإشراك هذه الكيانات والأعضاء الجدد خاصة في صياغة اللائحة المنظمة والتوزيع المحكم للمهام والأدوار، والاعتماد على خطة عمل سنوية إضافة إلى التدريب. ومن ثم يحتاج إلى دورات في التخطيط الاستراتيجي وبناء مراكز الفكر لكي يدعم عمله، ويطور من أدائه وهيكله.

قائمة المقابلات

تم اختيار من تمت مقابلتهم على أساس المصفوفة الآتية:

قائمة المقابلات المقترحة:

الفئة (تحتوى على كل مستوى شاب أو شابة على الأقل) رجال نساء
قيادات في التجمع 2 1
أعضاء في التجمع 1 1
أعضاء في التجمع التحقوا بالسلطة بعد الثورة 1 1
نقابات تعاملت مع التجمع 1 1
حكوميون تعاملوا مع التجمع 1 1
أحزاب تعاملت مع التجمع 1 1
منظمات مجتمع مدني تعاملت مع التجمع 1 1
  1. إبراهيم حسب الله عبد المولى، عضو لجنة الأطباء البيطريين الديمقراطيين، عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتبه بمركز بحوث الإنتاج الحيواني، الخرطوم بحري، السودان، 1 أكتوبر 2020، الساعة 11 صباحاً.
  2. إحسان فقيري، عضو نقابة أطباء السودان الشرعية، ناشطة وقيادية في مبادرة لا لقهر النساء، مقابلة شخصية في منزلها بحي كافوري، الخرطوم بحري، 5 أكتوبر 2020، الساعة 5 مساءً.
  3. أحمد ربيع سيد أحمد، عضو لجنة المعلمين، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتبه بمستشفى المعلم، الخرطوم، السودان، 7 أكتوبر 2020، الساعة 6 مساءً.
  4. قمرية عمر محمد حسين، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو لجنة المعلمين، مقابلة شخصية يوم 27 سبتمبر 2020، الساعة 10 صباحاً، في مكتبها بوزارة التربية والتعليم الولائية، الخرطوم بحري، السودان.
  5. محمد ناجي الأصم، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو لجنة أطباء السودان المركزية، مقابلة شخصية يوم 7 أكتوبر 2020، الساعة 10 مساءً، قاعة إفريقيا للمؤتمرات، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، السودان.
  6. فيصل بشير بخيت، عضو مجلس تجمع المهنيين، عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، عضو مبادرة استعادة نقابة المهندسين، مقابلة شخصية في مكتبه بالخرطوم 2، 8 أكتوبر 2020، الساعة 2 مساءً، الخرطوم، السودان.
  7. صلاح جعفر، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو تجمع الصيادلة المهنيين، مقابلة شخصية يوم 30 سبتمبر 2020، الساعة 5 مساءً، مقر تجمع المهنيين السودانيين، الخرطوم، السودان.
  8. سماهر المبارك، عضو مجلس وسكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، عضو تجمع الصيادلة المهنيين، مقابلة شخصية يوم 30 سبتمبر 2020، الساعة 8 مساءً، مقر تجمع المهنيين السودانيين، الخرطوم، السودان.
  9. محمد عمر السيد، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو التحالف الديمقراطي للمحامين، مقابلة شخصية في مكتبه، يوم 10 أكتوبر 2020، الساعة 11 صباحاً، الخرطوم، السودان.
  10. ميرفت حمد النيل، ناشطة سياسية، عضو مبادرة لا لقهر النساء، قيادية في تجمع القوى المدنية، مقابلة شخصية، يوم 6 أكتوبر 2020، الساعة الخامسة مساءً، الخرطوم، السودان.
  11. تماضر اسماعيل، عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتبها بوزارة التربية والتعليم، يوم 7 أكتوبر 2020، الساعة 9 صباحاً، الخرطوم، السودان.
  12. رشيدة هارون، مرشحة سابقة لمجلس السيادة، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتب نقابة المعلمين، وزارة التربية والتعليم الاتحادية، 30 سبتمبر 2020 الساعة 1:45، الخرطوم، السودان.
  13. آلا أحمد خوجلي، ناشطة مدنية، رئيسة منظمة نحن لهم الخيرية، مقابلة شخصية في جامعة إفريقيا العالمية، 3 أكتوبر 2020، الساعة 4:45، الخرطوم، السودان.
  14. محمد الأمين عبد العزيز، عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، القيادي في تحالف الجبهة الثورية السودانية، مقابلة شخصية في الفندق الكبير، بتاريخ 1 أكتوبر 2020، الساعة 3 مساءً، الخرطوم، السودان.
  15. نجود نجم الدين عمر، باحثة وناشطة سياسية، عضو جمعية منسم، مقابلة شخصية في جامعة إفريقيا العالمية، 4 أكتوبر 2020، الساعة 11 صباحاً، الخرطوم، السودان.

[i] . أميرة بكري الماحي، تاريخ السودان السياسي 1889-1956، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم، كلية الآداب، 2000، ص114.

[ii] . أحمد خير، كفاح جيل، الدار السودانية للكتب، 1970، ط3، ص 75.

[iii]  نظام حكم عمر البشير 1989- 2019

[iv] . إحسان فقيري، عضو نقابة أطباء السودان الشرعية، ناشطة وقيادية بمبادرة لا لقهر النساء، مقابلة شخصية بمنزلها بحي كافوري، الخرطوم بحري، 5 أكتوبر 2020، الساعة 5 مساءً.

[v] سن نظام البشير قانون الصالح العام في 1989، وبموجبه قام بفصل الآلاف من الموظفين في كل القطاعات، بدعوى أن المصلحة العامة تقتضي التخلص من فائض العمالة، وكان هذا تمهيدًا للخصخصة وتمكينًا لأنصاره في هذه المؤسسات.

[vi] . حيدر إبراهيم علي، المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في السودان، مركز ابن خلدون للتنمية ودار الأمين للنشر، 1996، ص 147.

[vii] . إبراهيم حسب الله عبد المولى، عضو لجنة الأطباء البيطريين الديمقراطيين، عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتبه بمركز بحوث الإنتاج الحيواني، الخرطوم بحري، السودان، 1 أكتوبر 2020، الساعة 11 صباحاً.

[viii] . أحمد ربيع سيد أحمد، عضو لجنة المعلمين، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتبه بمستشفى المعلم، الخرطوم، السودان، 7 أكتوبر 2020، الساعة 6 مساءً.

[ix]  موقع تجمع المهنيين السودانيين،: https://bit.ly/36M59UW

[x]  عصام الزيات، "إعلان الحرية والتغيير : 4 قوى تقود الثورة السودانية،" إضاءات، 12 نيسان/أبريل 2019، متاح على https://bit.ly/3kTexuF

[xi]  عمر سمير، “احتجاجات السودان: أي آفاق لتغيير منشود؟”، منتدى البدائل العربي للدراسات، متاح على https://bit.ly/DoCrhF2

[xii] المرجع السابق، ص 59.

[xiii]عطا الحسن البطحاني، “إشكالية الانتقال السياسي في السودان، مدخل تحليلي”، تحرير محمد أحمد الفيلابي، المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني، مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، ط1، 2019، ص 58.

[xiv]  الشفيع خضر، "الثورة والتحول الديمقراطي في السودان، ماذا يحدث في منطقتنا؟"، منتدى البدائل العربي للدراسات، متاح على https://bit.ly/37auyHN

[xv]  أ. الشفيع خضر، مرجع سابق.

[xvi] محمد ناجي الأصم، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو لجنة أطباء السودان المركزية، مقابلة شخصية يوم 7 أكتوبر 2020، الساعة 10 مساءً، قاعة إفريقيا للمؤتمرات، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، السودان.

[xvii]  "بيان التزام البناء والخدمة"، موقع تجمع المهنيين، 13 كانون الثاني/يناير 2019، متاح على http://bit.ly/3v57CF5

[xviii]  للاطلاع على نص الميثاق، انظر موقع جريدة الراكوبة، 30 حزيران/يوليو 2018، متاح على http://bit.ly/38dfMBF

[xix]  Reem Abbas, “How an illegal Sudanese union became the biggest threat to Omar Al Bashir’s 29 year reign”, N World, 28 January 2019, available at https://bit.ly/3l6d9Ft

[xx]  Reem Abbas, opp cit.

[xxi]  حتى 31 يناير/ كانون الثّاني 2019 كان عدد متابعي صفحة "تجمّع المهنيين السودانيين" يزيد على 240 ألف شخص، ووصل هذا العدد إلى أكثر من 640 ألف عقب عزل البشير، وهو رقم كبير بالنسبة لبلدٍ تسيطر عليه الأجهزة الأمنية. يمكن متابعة أخبار الحراك لحظة بلحظة من خلال صفحة التجمّع عبر صفحته على الرابط:   https://www.facebook.com/SdnProAssociation/

[xxii] . تماضر اسماعيل، عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتبها بوزارة التربية والتعليم، يوم 7 أكتوبر 2020، الساعة 9 صباحاً، الخرطوم، السودان.

[xxiii]  عزّة مصطفى، "هذا هو تجمّع المهنيين السودانيين"، بدايات، 2019، متاح على https://www.bidayatmag.com/node/1018

[xxiv]  موقع "تجمّع المهنيين السودانيين" على الإنترنت، عن التجمّع، https://bit.ly/36M59UW

[xxv] صحافي شاب معارض لنظام البشير.

[xxvi] . قمرية عمر محمد حسين، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو لجنة المعلمين، مقابلة شخصية يوم 27 سبتمبر 2020، الساعة 10 صباحاً، في مكتبها بوزارة التربية والتعليم الولائية، الخرطوم بحري، السودان.

[xxvii]  صلاح جعفر، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو تجمع الصيادلة المهنيين، مقابلة شخصية يوم 30 سبتمبر 2020، الساعة 5 مساءً، مقر تجمع المهنيين السودانيين، الخرطوم، السودان.

[xxviii] . إبراهيم حسب الله، مقابلة سابقة.

[xxix] . قمرية عمر، مقابلة سبق ذكرها.

[xxx]  تماضر اسماعيل، مقابلة شخصية، مرجع سابق.

[xxxi]  أ. الشفيع خضر، الثورة والتحول الديمقراطي في السودان، ماذا يحدث في منطقتنا؟ "مرجع سبق ذكره.

[xxxii]

[xxxiii] . قمرية عمر، مقابلة سبق ذكرها.

[xxxiv]  شمائل النور، قصة "لجان المقاومة السودانية".، السفير العربي، 22 أيار/مايو، 2020، متاح على http://assafirarabi.com/ar/31387/

[xxxv] ميرفت حمد النيل، ناشطة سياسية، عضو مبادرة لا لقهر النساء، قيادية في تجمع القوى المدنية، مقابلة شخصية، يوم 6 أكتوبر 2020، الساعة الخامسة مساءً، الخرطوم، السودان.

[xxxvi] عصام الزيات، "إعلان الحرية والتغيير : 4 قوى تقود الثورة السودانية"، إضاءات، 12 نيسان/أبريل 2019، متاح على https://bit.ly/3kTexuF

[xxxvii]  أحمد فوزي سالم، "من الألف إلى الياء.. حراك السودان من البداية إلى النهاية المنتظرة"، نون بوست، 31 أّيار/مايو 2019، متاح على https://www.noonpost.com/content/27982

[xxxviii] . محمد عمر السيد، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، عضو التحالف الديمقراطي للمحامين، مقابلة شخصية في مكتبه في مكتبه، يوم 10 أكتوبر 2020، الساعة 11 صباحاً، الخرطوم، السودان.

[xxxix]  المرجع السابق

[xl]"  خلاف حول الأمانة العامة لـ"تجمع المهنيين السودانيين""، وكالة الأناضول، 13 أيّار/مايو 2020، متاح على https://bit.ly/1Zga4B2

[xli] "تصاعد الخلافات في تجمع "المهنيين" بالسودان وتجميد 5 عضويات"، عربي 21، 3 تموز/ يوليو 2020، https://bit.ly/jcFjyw3

[xlii]  مي علي، "السودان، انشقاق "تجمّع المهنيين": "الثورة" تأكل أبناءها"، الأخبار ، 27 حزيران/يونيو 2020، متاح على https://bit.ly/CPaHmF2

[xliii]  رشيدة هارون، مرشحة سابقة لمجلس السيادة، عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين، مقابلة شخصية في مكتب نقابة المعلمين، وزارة التربية والتعليم الاتحادية، 30 سبتمبر 2020 الساعة 1:45، الخرطوم، السودان.

[xliv] عوض أحمد سليمان، “الثورات السودانية تغيير سياسي أم تحول ديمقراطي، قراءة في ثورة 19 ديسمبر ونتائجها”، سلسلة تحليل سياسات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،، 2019، ص 9.

[xlv] سماهر المبارك، عضو مجلس وسكرتارية تجمع المهنيين السودانيين، عضو تجمع الصيادلة المهنيين، مقابلة شخصية يوم 30 سبتمبر 2020، الساعة 8 مساءً، مقر تجمع المهنيين السودانيين، الخرطوم، السودان.

[xlvi] الشفيع خضر، “الثورة والتحول الديمقراطي في السودان، ماذا يحدث في منطقتنا؟”، مرجع سبق ذكره.

[xlvii] فيصل بشير بخيت، عضو مجلس تجمع المهنيين، مقابلة شخصية في مكتبه في مكتبه بالخرطوم 2، الخرطوم، السودان، 8 أكتوبر 2020، الساعة 2 مساءً.

[xlviii]“  تجمّع المهنيين السودانيين يرفض بيان الجيش ويدعو إلى استمرار الاعتصام”، TRT عربي، 11 نيسان/أبريل 2019، متاح على https://bit.ly/30bBCRc

[xlix]" بن عوف يتنازل عن رئاسة المجلس العسكري في السودان"، ليبانون ديبايت، 12 نيسان/أبريل 2020، متاح على https://bit.ly/39jBO71

[l]  "دبلوماسيون: رحيل "عوف" يعزز من قوة كلمة المتظاهرين"، التحرير، 12 نيسان/أبريل 2019، متاح على https://bit.ly/2Hw15zw

[li]"  تجمع المهنيين في السودان يرفض البرهان رئيسًا للمجلس الانتقالي"، روسيا اليوم، 12 نيسان/أبريل 2019، متاح على https://bit.ly/3nT0mYr

[lii] قمرية عمر، مقابلة سبق ذكرها.

[liii]  كان فريق التفاوض الذي أعلنه التجمع يضم 6 من قيادات التجمع وهم "محمد ناجي الأصم وطه عثمان وأحمد ربيع وإبراهيم حسب الله وقمرية عمر ومحمد الأمين"، انظر عادل عبد الرحيم، السودان. ""تجمع المهنيين" يكشف أسماء فريقه التفاوضي مع المجلس العسكري"، الأناضول، 13 نيسان/أبريل 2019، متاح على https://bit.ly/2IZB5gs

[liv]  مليشيات شبه عسكرية مشكّلة ومكّونة من مليشيات الجنجويد التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور.

[lv]  الشفيع خضر، "الثورة والتحول الديمقراطي في السودان، ماذا يحدث في منطقتنا؟"، مرجع سبق ذكره.

[lvi]  "108 قتلى و500 جريح حصيلة ضحايا فضّ اعتصام الخرطوم"، الخليج أونلاين، 6 تموز/يونيو 2019، متاح على https://bit.ly/3j5SP79

[lvii]  "108 قتلى و500 جريح حصيلة ضحايا فضّ اعتصام الخرطوم"، الخليج أونلاين، 6 تموز/يونيو 2019، متاح على https://bit.ly/3j5SP79

[lviii]  أحمد ربيع سيد أحمد، مقابلة سبق ذكرها.

[lix]  السودان: إلى أين تتّجه الأزمة بعد فضّ الاعتصام؟، المركز العربي للأبحاث، 13 تموز/يونيو 2019، متاح على https://bit.ly/2ZzE5pk

[lx]  محمد ناجي الأصم، مقابلة سبق ذكرها.

[lxi]  يمكن الاطلاع على "الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019" عبر الرابط الآتي: https://bit.ly/3m65hop

[lxii] . عطا الحسن البطحاني، إشكالية الانتقال السياسي في السودان: مدخل تحليلي، تحرير محمد أحمد الفيلابي، المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني، 2019، ص 74.

[lxiii]  "السودان. حمدوك و"تجمع المهنيين" يبحث تأمين "مليونيه 30 يونيو""، الأناضول، 25 تموز/يونيو 2020، متاح على https://bit.ly/3j66smP

[lxiv]  عبد الحميد عوض، "السودان: "تجمع المهنيين" يوجه انتقادات حادة إلى حكومة حمدوك"، العربي الجديد، 26 كانون الثاني/يناير 2020، متاح على https://bit.ly/35YxEzo

[lxv]  السر سيد أحمد، "السودان على طريق اصطفاف سياسي جديد؟"، السفير العربي، 24 حزيران/يوليو 2020، متاح على https://bit.ly/3jTs2eT

[lxvi]  محمد أبو الفضل، "الاستقطابات الحزبية تضاعف أزمة تجمع المهنيين في السودان"، العرب، 10 تموز/يونيو 2020، متاح على https://bit.ly/3kZySi0

[lxvii]  الصفحة الرسمية لتجمع المهنيين السودانيين، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، متاح على https://www.facebook.com/SdnProAssociation

[lxviii] . صلاح جعفر، مقابلة سبق ذكرها.

[lxix]  "تجمع المهنيين السودانيين ينسحب من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير"، الجزيرة نت، 25 حزيران/يوليو 2020، متاح على https://bit.ly/35Zqjzw

[lxx]  خالد عثمان الفيل، "اتفاق الأطراف السودانية وتحديات الفترة الانتقالية"، مركز الجزيرة للدراسات، 5 أيلول/سبتمبر 2019، متاح على https://bit.ly/338oD5F

[lxxi] . سماهر المبارك، مقابلة سبق ذكرها.

[lxxii]  الشفيع خضر، "الثورة والتحول الديمقراطي في السودان، ماذا يحدث في منطقتنا؟"، مرجع سابق.

[lxxiii]  لمزيد من التفصيل يمكن الاطلاع على الوثيقتين على موقع التجمع، على الرابط الآتي: https://bit.ly/3fvuqq7

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.