المشاركة السياسية للشباب في تونس ما بعد 2011: دراسة مدى تأثير نظام الحصص المقررة للشباب من وجهة نظر أعضاء المجالس البلدية المحلية

خلاصة وافية

في عام 2014، وفي محاولة منها لإشراك الشباب في السياسات المؤسسِّية، عدلت تونس قانونها الانتخابي ليتضمن حصة للشباب، مع التمثيل الإلزامي لهم في قوائم الانتخابات البلدية. وفي الفترة بين شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو من عام 2018، انعقدت الانتخابات البلدية التونسية، التي شهدت أول تطبيق عملي لحصص الشباب الإلزامية تلك على أرض الواقع. هذه الصفة الإلزامية لنظام الحصص تعني نظرياً أن عدد أكبر من الشباب قد ترشحوا في تلك الانتخابات وأنهم باتوا يشاركون الآن في وضع السياسات المؤسسِّية على المستوى المحلي. إذاً، كيف أثرت حصص الشباب تلك في تحفيز الشباب على المشاركة المجدية في العملية السياسية؟

للإجابة على هذا السؤال، أجرت مبادرة الإصلاح العربي مقابلات نوعية متعمقة مع عشرة شباب من أعضاء المجالس المحلية في بلديات القصرين وفوسانة ومجاز الباب والقيروان وحاجب العيون والشبيكة. يهدف البحث إلى فهم ما يميز هؤلاء الأعضاء الشباب عن باقي فئتهم العمرية، ويسعى على وجه التحديد إلى فهم العوامل التي جعلتهم نشطين في المجال السياسي. يحاول البحث أيضاً تقصي مدى تأثير التنشئة الاجتماعية السياسية عليهم، وكذلك مبادئهم ومفاهيمهم السياسية. وأخيراً، يدرس البحث الصعوبات التي واجهها الأعضاء الشباب الذين يعملون في المؤسسات العامة -التي تعد جديدة بالنسبة لهم- أو التي لا يزالون يواجهونها.

وقد توصل البحث إلى أن التنشئتين الاجتماعيتين الأولية والثانوية هما السبب في المشاركة السياسية للشباب. فقد خاض الأعضاء الشباب غمار السياسة "بمساعدة" عوامل تنشئتهم الاجتماعية الأولية (متمثلة في الأسرة) وتنشئتهم الاجتماعية الثانوية (متمثلةً في المجتمع المدني والعمل التطوعي وما شابه ذلك)، مع ذلك، ترشح جميع الأعضاء الذين التقيناهم بناءً على طلبٍ من أشخاص أكبر سناً في محيطهم (من الأسرة أو الأصدقاء أو الأساتذة) كانوا يبحثون عن شباب لإضافتهم في قوائمهم. أيّ أنه لم يبادر أيّ أحدٍ منهم بتقديم أوراق ترشحه، ولم يفكر سوى اثنين منهم فقط في الترشح قبل طلب ذلك منهما بالفعل.

وجد البحث أيضاً أن فارق السن ونوع الجنس يعتبران مصدراً للتوتر بالنسبة لأولئك الأعضاء الشباب. إذ إن الفوارق العمرية بينهم وبين أعضاء المجلس -ورئيس البلدية أيضاً- يمكن أن تؤثر سلباً على عمل الشباب في المجلس. قد تظهر هذه الفوارق العمرية في شكل تفاوت في الخبرة وهو ما يضر بمصلحة الأعضاء الشباب، بما أن كثير من الأعضاء الأكبر سناً قد شغلوا المناصب ذاتها خلال حقبة بن علي. على نفس المنوال، يتقاطع نوع الجنس مع السن بصورة سلبية بالنسبة للعضوات الشابات. أشارت معظم العضوات أن الأعضاء الرجال الأكبر سناً يتصرفون بأسلوب معين للتقليل من شأنهن خلال الاجتماعات. وذكرن أيضاً أن الرجال غالباً ما يستغلون القيود الزمانية والمكانية التي تعيق المرأة (مثل عدم قدرتهن على البقاء خارج المنزل لوقت متأخر من الليل أو الجلوس في مقاهي الرجال) لاتخاذ القرارات في غيابهن. بيد أنه من الصعب بالفعل تشكيل تحالفات على أساس السن، والتحالف الوحيد الذي تم تشكيله على هذا الأساس كان بين ثلاث شابات في بلدية الشبيكة.

على الرغم من الصعوبات التي يواجهونها بسبب أعمارهم ونوع جنسهم، يكتسب معظم الأعضاء، مع الوقت، خبرة وثقة في النفس، وهو ما يدفعهم إلى التفكير في إعادة ترشيح أنفسهم مرة أخرى. أُثيرت مسائل التعلُّم والفهم ورؤية التأثير النهائي للعضو في المحيط المحلي بوصفها أكثر الجوانب تحفيزاً في عمل الأعضاء. مع ذلك، لا يزال لدى الأعضاء الشباب أفكاراً متميزة فيما يتعلق بالسياسات الانتخابية: إذ ينبذ كافة الأعضاء الأحزاب السياسية، حتى من ترشحوا تحت رايات حزبية. فهم يرون أن "مصلحة البلاد" هي المحرك الرئيسي لِتوجهاتهم السياسية، وإن كان البعض يرون أن مهمتهم هي محاربة التهميش التاريخي لمناطقهم. في الوقت الراهن، لا ينتمي أي من الأعضاء الذين حاورناهم لحزب سياسي، وأعرب معظمهم عن رفضهم الصريح للأحزاب. فهم يرون أنها غير فعالة وتضر "بمصلحة البلاد" التي تحتل الصدارة في تقييم العضو للمشهد السياسي. غالباً ما وُصفت الأحزاب بأنها تتنافى مع "مصلحة الأمة"، وهو مفهوم يتجاوز الانتماءات السياسية أو الأيديولوجيات أو الطبقات الاجتماعية.

ومن ثم فإن نظام الحصص المقررة للشباب يبدو فعالاً من ناحية إشراك الشباب في السياسات المؤسسِّية لدرجة أن معظم الأعضاء الذين التقيناهم يفكرون في مواصلة مشاركتهم في المشهد السياسي بل وتعميقها (من خلال الترشح للانتخابات التشريعية على سبيل المثال). لكن حصة الشباب حققت أقصى ما يمكن تحقيقه نظراً لعدم وجود تنوع في صفوف الشباب المسموح لهم بالالتحاق في تلك الحصة. إذ تفسح الحصص المجال للشرائح الأكثر تعليماً من الشباب -من خريجي الجامعات- لكنها لا تتوسع لتشمل الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة في وقت مبكر. إضافة لذلك، غالباً ما انخرط هؤلاء الشباب في السياسية من خلال أسرهم أو الانتماء لبعض الكيانات مثل الاتحادات الطلابية والمنظمات غير الحكومية المحلية. في ضوء ما سبق، نرى أن نظام حصص الشباب -الذي لا يزال في مراحله الأولى- ليس له سوى تأثير محدود بما أنه يقتصر في الأساس على الشباب الذين لديهم استعداد لدخول الميدان السياسي.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.