الحماية الاجتماعية في ظل مشروع قيس سعيّد السياسي: لمحات ومؤشرات بحثاً عن رؤية

social-protection-under-kais-saieds-political-project
تونسيون يهتفون بشعارات ويحملون الأعلام الوطنية خلال احتجاج ضد الرئيس التونسي قيس سعيد في تونس العاصمة، تونس - نيسان/أبريل 2022. © ياسين الجعيدي - وكالة الأناضول

مقدمة

يرى المدافعون عن تبني نظام العقد الاجتماعي من أجل توفير الحماية الاجتماعية أن الأخيرة أصبحت أساساً لشرعية واستدامة أيّ مشروع سياسي، حتى لو كان هذا المشروع لا يفسح المجال للمشاركة السياسية.1Loewe, Markus, and Tina Zintl. 2021. “State Fragility, Social Contracts and the Role of Social Protection: Perspectives from the Middle East and North Africa (MENA) Region.” Social Sciences 10 (447): 1–23. https://doi.org/https://doi.org/10.3390/socsci10120447

فعلى مدى التاريخ، غالباً ما برهنت مرحلة بناء الدولة خلال فترة ما بعد الاستقلال في دول عربية مثل مصر أو تونس أو الجزائر، على صحة هذا الرأي، إذ اضطلعت الدولة -بمحض إرادتها- بمهمة تقديم الخدمات والحماية لفئات المجتمع، وهو ما ساعد أنظمة الحكم حديثة التأسيس على اكتساب الشرعية سريعاً لحكمها المفروض على الدولة. وعملت السياسات الاجتماعية للدولة عموماً على دعم التمسك بعقد اجتماعي أساسي (قائم على التبعية): تقوم الدولة بموجبه بتوفير الخدمات، بينما يقدم الشعب فروض الطاعة والولاء.2El-Haddad, Amirah. 2019. “Redefining the social contract in the wake of the Arab Spring:The experiences of Egypt, Morocco and Tunisia.” World Development 127 (2020): 1-22. https://doi.org/10.1016/j.worlddev.2019.104774 لا يعني هذا أن السياسات الاجتماعية في فترة ما بعد الاستقلال في المنطقة لم تحقق أيّ إنجازات إيجابية خلال سنواتها الأولى، ولكن ينبغي حالياً دراسة وبحث "قصص النجاح" تلك من خلال تحليل دوافعها السياسية، على الصعيدين المحلي والعالمي.

بدأت الدراسات التي أجريت خلال الآونة الأخيرة في المنطقة في تحليل وتفكيك السرديات الرسمية السائدة منذ فترة طويلة، بدايةً من استكشاف كيفية قيام النخب خلال فترة ما بعد الاستقلال بتكريس الإرث الاستعماري إلى دور الرعاية الاجتماعية في إدامة الدروع الأمنية المحيطة بالأنظمة الاستبدادية. لكن الوضع في فترة ما بعد الاستقلال يختلف كثيراً عن المشهد في مرحلة ما بعد الانتفاضات العربية. فمنذ 2011، لا تزال المظالم في مختلف أنحاء المنطقة تتميز بطابع اجتماعي واقتصادي -وهو ما يتماشى مع الدعوات بتوفير الخدمات والحماية- لكنها تطالب أيضاً بالمشاركة السياسية -بدرجات متفاوتة- وتُعبر عن المطلب المشترك بإنهاء العقود الاجتماعية القديمة. ثمة إجماع على أن انحسار الدور الاجتماعي للدولة في ظل النظام النيوليبرالي العالمي وأوجه القصور التي تعاني منها النماذج الإنمائية تُعد هي الدوافع الرئيسية لانتفاضات 2011، لكن عدد هذه الدوافع آخذ في الازدياد منذ ذلك الحين. فقد باتت اليوم مرتبطة أيضاً بالمعضلة القائمة بين قدرة الدولة على الإيفاء من جديد بالمطالب الثلاثة، المتعلقة بتوفير الخدمات والحماية والسماح بالمشاركة السياسية، في خضم الاضطرابات الدولية والطبيعة الذاتية للمشاريع السياسية المحلية في المنطقة العربية.

وفي هذا الصدد، أصبحت التجربة التونسية تمثل دراسة حالة توضيحية على نطاق واسع. وغالباً ما يُلخص هذا الوضع الحالي في تونس باعتباره إجهاض -أو إفساد- لأسس عقد اجتماعي جديد واستيلاء سياسي على الزخم الاجتماعي. يُستشهد أيضاً في كثير من الأحيان بالحالة التونسية بوصفها دليلاً تأكيدياً على ضرورة إجراء تحولات منهجية في كيفية فهم ديناميات فترة ما بعد الانتفاضات من خلال الإقرار، على قدم المساواة، بأن الاستمرارية والقطيعة السياسية هما حالتان يمكن أن توجدان معاً.3انظر على سبيل المثال: Cavatorta, Francesco. 2015. “No Democratic Change … and Yet No Authoritarian Continuity: The Inter-Paradigm Debate and North Africa After the Uprisings.” British Journal of Middle Eastern Studies 42 (1): 135–45. https://doi.org/10.1080/13530194.2015.973200   و Hinnebusch, Raymond. 2015. “Change and Continuity after the Arab Uprising: The Consequences of State Formation in Arab North African States.” British Journal of Middle Eastern Studies 42 (1): 12–30. https://doi.org/10.1080/13530194.2015.973182

هذا الاضطراب المتواصل لأكثر من عقدٍ ليس سوى تجسيداً للتوترات بين النخب السياسية التي تعارض أو تحاول أن تحد من احتمالات التغيير للحفاظ على (أو إعادة توزيع) الامتيازات ودعم بعض الفئات الاجتماعية التي تأبى القبول بمسار ثوريّ لم يتحقق بعد. لكن في الوقت ذاته، حدثت أمور كثيرة، بداية من عنف الشرطة إلى الاستغلال والاستيلاء السياسي على المساعي والجهود المدنية، وهو ما أدى إلى التفكيك البطيء لشبكات العمل الجماعي وترك تأثيراً عميقاً على قدرة الأفراد على إبقاء روح الثورة حيةً. في حالة تونس، أدت الاحتياجات التي لم يجرِ تلبيتها وحالة الإرهاق العام وخيبة الأمل والجمود السياسي، إلى جانب الإدارة الفوضوية خلال جائحة كوفيد-19، إلى إفساح المجال إلى منعطف بارز آخر، تحديداً إعلان الرئيس قيس سعيّد عن إجراءات استثنائية وتعليق أعمال البرلمان ثم حلّه لاحقاً. لا يمكن بأيّ حال تناول الحماية الاجتماعية وأوجه الهشاشة في تونس دون محاولة فهم المسار الذي أدى إلى أحداث 25 تموز/يوليو، ودون أيضاً التطرق لمحدودية مشروع سعيّد السياسيّ.

هذه الدراسة ليست معنيةً بإعادة تقييم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس، ولا تدعي تقديم إجابات. بيد أنه من منظور العقد الاجتماعي، تسلط الدراسة الضوء على النقاط الغامضة في النقاشات حول الحماية الاجتماعية في تونس في القسم الأول، وتحديداً "الديناميات غير المعلنة لأشكال الهشاشة غير المرئية". وفي القسم الثاني، تستقصي الدراسة صياغة وتداعيات المسألة الاجتماعية في المشروع السياسي الجديد الذي يقوده قيس سعيّد من خلال استعراض قوام لغته الخطابية في الفترة بين نهاية آب/أغسطس 2022 ونهاية أيار/مايو 2023. يُعزى اختيار هذه الفترة استناداً إلى الفصلين 100 و101 من دستور عام 2022، اللتين تنصان على أن رئيس الجمهورية هو صانع السياسات الرسمي، وأن حكومته هي مجرد هيئة تنفيذية لسياسات الرئيس. فقد شهدت هذه الفترة عدداً لا يحصى من الأحداث، بما في ذلك الانتخابات التشريعية وإنجاز مجلس نواب الشعب الجديد الذي لم يزل نشاطه في أيامه الأولى، ومن ثَم فهو مستبعد من التحليل الحالي. وفي حين يبدو كلا القسمين مختلفين في جوهرهما ونهجهما، فإنهما يخدمان معاً، لا سيما في غياب وجود علاقة واضحة، البحث عن ومضات لمناقشة ترتكز حول الحماية الاجتماعية في جدول أعمال قيس سعيّد. إذ يحدد القسم الأول مجموعة من العناصر الهيكلية ذات الصلة بهذه المناقشة، بينما يبحث القسم الثاني في دلالات مثل هذه العناصر في خطاب الرئيس.

في هذه الدراسة، تُفهم الحماية الاجتماعية بمعناها الاجتماعي - السياسي، وليس من مفهوم الأنظمة التقنية التي تقتصر على مخططات التصنيف القائم على الدخل والأساس المنطقي للمساعدات. ويقر هذا التعريف بأن الحماية الاجتماعية هي مجموعة من السياسات الاجتماعية التي ترتكز على نهج قائم على الحقوق وعلى العدالة في الحصول على هذه الحقوق. تشمل هذه السياسات مجموعة متنوعة من المجالات من السيادة الغذائية إلى الكفاءة المؤسسية وكفاءة البنية التحتية، ومن المخاطر البيئية إلى التعليم والإسكان. ويرفض هذا التعريف الربط بين الحماية الاجتماعية و"الأزمة"، نظراً إلى أن الأزمات ليست سوى نتيجة "للنظام الذي يعمل على النحو المقصود"،4 Marcuse, Peter, and David Madden. 2016. In Defense of Housing: The Politics of Crisis. Verso Books.

وهي عنصر خطابي خطير مناهض للحقيقة لأنه يرسخ لوهم المساواة والمعاناة بوصفها ظواهر "مؤقتة" في "أوقات استثنائية".

المهمشين لديهم هوامش أيضاً: النسيج الوثيق للهشاشة

في دراسة ميدانية نوعية أجراها "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" لدراسة أشكال الهشاشة "اللامرئية"5المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 2023. أشكال الهشاشة والمقاومة "اللامرئية" أو "المغيبة". [عبر الإنترنت] https://ftdes.net/rapports/precarite.ar.pdf [تم الاطلاع عليه بتاريخ 2 أيار/مايو 2023]

، ثمة العديد من المقاربات المثيرة للاهتمام التي يمكن البدء بها لمناقشة الحماية الاجتماعية من منظور العقد الاجتماعي. فبادئ ذي بدء، تتسع الفجوة بين المهمشين والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية6تركز الدراسة أساساً على الجهات الفاعلة غير الحكومية التالية: الأحزاب السياسية، والمنظمات الإنسانية، ووسائل الإعلام.

، مما يكشف عن خطوط فاصلة مهمة وأزمة ثقة مستمرة. فقد أعرب الأفراد، وكذلك المجموعات التي أجريت معها المقابلات7مثل: جامعي إكليل الجبل، وجامعي البلاستيك، وصغار الصيادين، وما إلى ذلك.

، أنهم اختاروا العيش في انقطاع تام عن الجهات الحكومية وغير الحكومية والنأي بأنفسهم عن المجال المدني، وهو ما ينطوي أيضاً على التخلي المتعمد عن حقوقهم المدنية. هذا الاختيار المشترك بين العديد منهم يتشكل في المقام الأول بسبب اليأس، وكذلك أيضاً بسبب ما يتعرضون له من تغييب مستمر أو ما يتحملونه من إغفال من قبل النخب السياسية. بإيجاز، يتحول التغييب المستمر إلى إغفال متعمد والذي يوصف، على حد تعبيرهم، بأنه آلية تكيفية ووقائية لحماية "أوضاعهم غير الرسمية" للمقاومة الاقتصادية والنجاة من القمع أو الاستغلال. فضلاً عن أنها تُمثل وسيلة للتعبير عن الاعتراض8مقتطفات من المقابلات الواردة في الدراسة تعكس مفهوم آصف بيات حول "الزحف الهادئ للمعتاد".

، نظراً إلى أن ابتعاد هذه الجماعات عن المجال المدني لا يعني غياب العمل الجماعي أو المساحات التنظيمية وأشكال الاحتجاج.9حول التفاوض على فضاءات المقاومة والبقاء، انظرMelliti, Imed, and Hichem Abdessmad, eds. 2022. Vulnérables: Portraits Sociologiques. Tunis: Dissonance.

تتجانس هذه النتائج بشدة مع مناقشة "العقد الاجتماعي الوثيق" بوصفه إطاراً نقدياً بالغ الأهمية في دراسة وجود عقود اجتماعية متنوعة على مستويات متعددة، لا سيما على المستويات المهمشة سياسياً.10Siddiqi, Ayesha, and Sophie Blackburn. 2022. “Scales of Disaster: Intimate Social Contracts on the Margins of the Postcolonial State.” Critique of Anthropology 42 (3): 324–40. https://doi.org/10.1177/0308275X221120167

إذ إن الهوامش هي في الواقع مساحة سياسية في حد ذاتها، والغياب الملحوظ للثقة، ورفض الجهات الفاعلة من النخبة، والتخلي عن الحقوق المدنية على هذا المستوى لا يعني بالضرورة عجز نهج العقد الاجتماعي أو استحالة وجوده خارج تعريفه التقليدي. على العكس من ذلك، يدعو هذا الأمر إلى فهم مختلف لتشكيل العقد الاجتماعي "المركزي" وتطوره، من خلال الاعتراف بثراء وتعقيد العقود الاجتماعية الوثيقة.

تتجسد العقود الاجتماعية الوثيقة في ديناميات القوة والعلاقات الجماعية، وتبنى على عادات ثقافية محددة بالسياق ومخصصة ثقافياً، وتدمج الأنماط التأسيسية للتنظيم المجتمعي. وتُمثل القبائل، بوصفها هياكل اجتماعية وسياسية سبقت الدولة "الحديثة"، مثالاً توضيحياً مهماً. ففي تونس، في حين عملت دولة ما بعد الاستقلال على محو وجودها، وحتى على تفكيكها، تؤكد الدراسات الحديثة على استمرار وجودها وانتعاش قوتها ودورها.11See: Ben Jaballah, Sofien (eds.). 2022.

وعلى الرغم من أن هذه الهياكل تنطوي على حلول جماعية على مستوى المجتمع المحلي، فإنها ليست مثالية لأنها تميل بالقدر نفسه إلى إدامة أوجه التفاوت داخل هذه المجتمعات وفيما بينها. وغالباً ما تنجم هذه التفاوتات عن العوامل الاجتماعية والثقافية، بشكل خاص فيما يتعلق بالجنس12ومن أكثر أوجه التفاوت بين الجنسين وضوحاً الحصول على الأراضي. وفقاً للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (2021)، فإن 5% فقط من النساء العاملات في الزراعة هن من أصحاب الأراضي. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك الفجوة في الأجور بين الجنسين التي لوحظت في الأنشطة غير المستقرة بالفعل مثل العمل الزراعي الموسمي. وعلاوة على ذلك، من الشائع للغاية أن تكون المرأة هي المعيل الوحيدة لأسرتها في الضواحي الحضرية والأماكن الريفية، بالرغم من أن العادات الاجتماعية تمنح الرجل/الزوج السلطة بوصفه رب الأسرة المعيشية للإدارة الحصرية للدخل الناتج.

والوضع الاجتماعي.13غالباً ما تُكتسب عن طريق الميراث و/أو حيازة الأصول ووسائل الإنتاج. فعلى سبيل المثال، تشكل ملكية الأراضي في البيئات الزراعية عاملاً حاسماً في هذا الصدد.

وبالرغم من عدم تقديم قواعد مكتوبة لهذه العقود الاجتماعية الوثيقة، فإنها تتطور بقدر ما تسمح بالحفاظ على ديناميات القوة والامتيازات، وكذلك بإعادة إنتاج مفارقة الظالم والمظلوم على الصعيد الجزئي.14Freire, Paulo. 1970. Pedagogy of the Oppressed. The Continuum Publishing Company

بيد أن قيمة هذه العقود تكمن في مساهمتها في العقد الاجتماعي المركزي، بشرط أن تحترم هذه العقود طبيعته التنظيمية وأن تحترم وسائل التنظيم الاجتماعي والديناميات الجماعية البناءة على مستوى المجتمع المحلي. في الواقع، تقدم هذه العقود فرصاً لفهم التعقيدات غير المرئية للمجتمعات المحلية وتحولاتها وتكشف - من خلال المقارنة - كيف ومتى تنفصل المجتمعات عن العقد الاجتماعي المركزي، أو تتحدى هذا العقد، ولماذا تفعل ذلك، وما البدائل التي تتبناها. في هذا السياق، تساعد العقود الاجتماعية الوثيقة على اكتشاف الثغرات التي تتطلب إصلاحاً عاجلاً على المستوى المركزي وتكشف أيضاً عن نقاط الانطلاق للحد من أوجه التفاوت داخل الجماعات بالمقابل. وهذا يعني أن العقود الاجتماعية المركزية والوثيقة ليست مناقضة لبعضها البعض؛ بل تستفيد من بعضهما البعض وتتداخل تطوراتهما.15 Siddiqi and Blackburn. Op. cit.

وبناءً على ذلك، يطرح تحديد التغييب المتعمد كوسيلة للتكيف والمقاومة أسئلة صعبة أمام صانعي السياسات والخبراء على حد سواء، لأنه يشير إلى صعوبة متزايدة في الوصول إلى هذه المجموعات وأخذ دينامياتها بعين الاعتبار عند وضع السياسات. ورغم ذلك، فإن هذا يستدعي أيضاً طرح أسئلة جديدة لا تقل أهمية، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات بين الدولة والمجتمعات. استخدام صيغة الجمع في "المجتمعات" هنا يتوافق مع المناقشة التي غالباً ما يُتغافل عنها بشأن الفهم الضروري للمجتمع، في السياقات التقليدية، بوصفه كتلة غير متجانسة، يجب أن توجه تفرعاتها وتنوعها السلطة المركزية بدلاً من رفضها المستمر أو طمسها.16تستدعي المناقشة أيضاً النظر في القواسم المشتركة عبر الوطنية، والخبرات المشتركة، والتضامن.

وبالمثل، يجب ألا ننظر إلى هذه العلاقات من خلال مجرد غياب الدولة أو حضورها، بل أيضاً من خلال "كيفية حضور الدولة" - إذ يُمثل القمع، والتواطؤ، وعدم التدخل، وما إلى ذلك، أشكالاً مختلفة من الحضور، وكيف يكون غيابها وأين - والغياب هو أيضاً اختيار متعمد للتقاعس عن العمل أو الانسحاب المتعمد من بعض المناطق. وهذا هو جوهر أي عملية لتحديد العقد الاجتماعي أو التفاوض عليه.

أظهرت دراسة أشكال الهشاشة غير المرئية مجموعة من العوامل التي لا تقل أهمية والناجمة عن الجمع بين ندرة الموارد وانسحاب السلطة المركزية من المناطق التي تناولتها الدراسة. وتجاوزت المنهجية التجريبية المستخدمة في تعريف الجماعات التي تناولتها الدراسة الفئات السائدة لتسليط الضوء على أنماط المقاومة الاقتصادية لكل بيئة17بيئة الإقامة المباشرة، على النحو المحدد في الدراسة التي استكشفت البيئة البحرية (الأنشطة الساحلية)، والأماكن الحضرية، والغابات، والأماكن الريفية، وأماكن التعدين.

، مما يضع الوصول إلى الموارد والصراع عليها في صدارة المناقشات. وخلصت الدراسة إلى أن هناك خريطة إقليمية تختلف تماماً عن الخرائط الرسمية، وهذه المساحة يتم التفاوض عليها وتنظيمها وإدارتها من قبل المجموعات التي تناولتها الدراسة وفق الأسس والآفاق غير المرئية أو غير الرسمية، وغالباً ما تنطوي هذه السياقات على العنف، وخاصة في البيئات التي تؤثر فيها المشاكل البيئية والمناخية على الموارد المتاحة تأثيراً كبيراً.

في حين ينطوي النهج الإقليمي للهشاشة على إمكانية التوصل إلى فهم أكثر رسوخاً للهشاشة في حالة تونس، فإن الدراسة المعنية هنا تفتقر إلى عامل حاسم لديناميات البلاد، وهو الهجرة بكافة أشكالها. إذ يشكل تنقل الفئات الضعيفة أو تحركها بعداً أساسياً في تطور العقود الاجتماعية الوثيقة والتفاوض المتبادل بينها. يقدم النظر في الهشاشة حسب البيئة منظور تحليلي أولي ملائم إلى حد كبير ولكن لا يجب أن يخدم ذلك فهم الديناميات الملحوظة بوصفها ثابتة. وفي حين ترتكز هذه الديناميات وتتشكل حول إطار مكاني معين وموارده وأنماط الأنشطة المنتظمة فيه، فإن هذه الديناميات متغيرة ويعاد تعريفها بالقدر نفسه وباستمرار من خلال تدفقات من التجارب الفردية والجماعية للحركة. وتقع هذه الديناميات في تقاطعات متعددة مع أشكال مختلفة من الهجرة وتتحاور مع مسارات الحركة والتجارب الوطنية والعابرة للحدود.18فيما يتعلق بتقاطع الهشاشة المحلية مع هشاشة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في تونس، انظر: مرام تبيني، 2023. الحق في السكن كصراعات أماكن ومجالات وهوامش: مهاجرو جنوب الصحراء في تونس مثالاً. تونس. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. [على الانترنت] https://ftdes.net/rapports/logement.ar.pdf. فيما يتعلق بمسارات التنقل والهجرة الجماعية بحثاً عن الحراك الاجتماعي، انظر حالة البائعين الجائلين في تونس، وهي دراسة ميدانية أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع منصة إنكفاضة ضمن سلسلة "وثائقيات الواب". دراسة متكاملة، تحرير وتنسيق سفيان جاب الله، متاح باللغة العربية هنا: سوق نهج اسبانيا أو منهاج الاقتصاد الشارعي في تونس

وبالتالي، يجب أن تتضمن دراسة الهشاشة ضمن إطار مكاني محدد، أو بيئة، اعتبارات منهجية تسمح بتتبع أشكال الهشاشة المتداخلة، وأشكال الهشاشة "الداخلية" "والخارجية"، وكذلك الهجرة بوصفها شكل من أشكال المقاومة، سواء أكان ذلك بحثاً عن موارد جديدة مقترناً باستمرار المعاناة أم سعياً إلى التنقل الاجتماعي - والذي يحل محل التعليم بشكل متزايد كوسيلة للنجاة. فضلاً عن أن جائحة كوفيد-19 كانت مرحلة بالغة الأهمية في دراسة الأشكال المستجدة من الهشاشة والتشكيك في التعريف ذاته لمثل هذا المصطلح الذي يظهر بشكل مختلف خارج النطاق الاقتصادي، ليشمل الشعور بالتهميش السياسي أيضاً. ففي تونس، أعقبت الجائحة موجات غير مسبوقة من الهجرة19انظر على سبيل المثال: زهير بن جنات، 2022. "جائحة كوفيد 19 وتطور نوايا الهجرة لدى الأسر التونسية". تونس. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. https://ftdes.net/rapports/FTDES_Migration_Covid_Ar.pdf

، مما سلط الضوء على خسارة مقلقة في رأس المال البشري وزيادة تدهور الخدمات العامة، خاصة في قطاع الصحة. فقد هاجر الأفراد من ذوي المؤهلات العالية وذوي الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية، ليس بحثاً عن فرص اقتصادية، بل نوعية حياة أفضل وشعور بالحرية والتقدير والأمن.20لا تزال الإحصاءات في هذا الصدد نادرة ومتباينة، ولا تزال الظاهرة لا تحظى بالدراسة الكافية. الدوافع مشتركة في الدوائر الوثيقة بين الأسر والأصدقاء، وتمتد إلى جيل كامل وتؤثر عليه. يمكن لأي شخص مقيم في تونس أن يشعر بذلك، بغض النظر عن مناهج البحث "المناسبة".

تجسد كل هذه الأشكال من الهجرة مجتمعة جوهر النظام القائم وعدم استعداده لمواجهة نموذج "الحلول الفردية للمشكلات الجماعية".

وختاماً، يمكن أن يؤدي الفهم المكاني أو الإقليمي للهشاشة إلى تحرير تصميم الاستجابة من جمود التصنيفات الفنية القائمة على الخبرة والدخل التي عفا عليها الزمن، مع دمج القضية البيئية. فضلاً عن أن وضع الموقع الجغرافي في قلب النقاش يمهد الطريق بالقدر نفسه للنُهج القائمة على العدالة في التعامل مع أشكال الهشاشة من خلال ضمان الاعتراف بديناميات التوزيع والسيطرة الشاملة على الوصول إلى الموارد. ومع ذلك، ومن أجل توسيع نطاق إمكانات النهج الإقليمي، لا بد من إدماج تجارب التنقل. وتدعو إلى النظر في عنصر الوقت بوصفه بعداً أساسياً لفهم أشكال الهشاشة المتعددة الطبقات وتطورها. يفشل الإطار الرئيسي لدورة الحياة عند التفكير في الحماية الاجتماعية في فهم الترابط الجوهري المتمثل في التعرض للهشاشة واختيار التنقل كجزء من دورة "الحياة" لمجموعة اجتماعية تتجاوز الفرد وتستدعي تفهماً بين الأجيال لاستمرار الهشاشة أو تفاقمها أو إنهائها.21لا يظهر جزء من هذه المناقشة في البحوث المتعلقة بالمغتربين إلا بالتركيز المتزايد على دورهم الاقتصادي على المستوى الكلي (التحويلات المالية والاستثمارات)، مما يلقي بظلاله على أدوارهم الاجتماعية والاقتصادية على نطاقات أصغر.

وخلاصة القول هي نظرة مختلفة إلى الهشاشة تحول فهمها من فئات بسيطة في العدم إلى تجارب اجتماعية وسياسية وإرادة تتقاطع في إطارات مكانية وزمنية متغيرة.

يعتمد القسم التالي على عناصر النقاش هذه لدراسة مدى دمجها وتداعياتها في مشروع سعيّد السياسي.

"ليست هناك نتائج لهذا البحث"

في ظل حالة الطوارئ، يتمتع قيس سعيّد بالسلطة المطلقة للحكم في جميع شؤون الدولة بموجب أمر رئاسي.22بعد اللجوء إلى الفصل 80 من دستور 2014 الذي لم يعد سارياً، ولكن بشكل خاص الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021.

ويُدعم ذلك بخطاب غير نصي عام مكون من عناصر متكررة وتؤكد بقوة على أن: مشروع سعيّد السياسي هو واجب أمام "الله والتاريخ والشعب"، "لتصحيح الانحراف" ومعالجة أسباب المظالم التي يبدو أنها كلها أجنبية على الدولة. لا تزال خطابات سعيّد وظهوره العلني تشكل عنصراً أساسياً في مشروعه، إذ تُشكل وتعيد تشكيل المخيلة العامة، بينما توجه عدداً لا يحصى من الرسائل إلى الجهات الفاعلة والمؤسسات السياسية المحلية والدولية غالباً بشكل غير مباشر.23للاطلاع على نظرة عامة على خطابات سعيد  منذ تموز/يوليو 2021 إلى حزيران/يونيو 2022، انظر "حدث قيس سعيد قال"، مشروع من إعداد منصة إنكفاضة. انظر أيضاً: ملاك الأكحل، 2022. شعبٌ شبح وشعْبوية من القمة: حالة قيس سعيد. سلسلة بوادر، مبادرة الإصلاح العربي.

تُعرِّف المجموعة التنظيمية لخطاب سعيّد الشعب بأنه كيان واحد متجانس وقع ضحية للنخب السياسية السابقة (المستبعدة من هذا الكيان والمعارضة له)، وهو شعب "بائس" يحتاج إلى شخص قائد واحد لإنصافه. هذا الشخص القائد يعرف الطريق الذي لا يبدأ بإصلاحات اقتصادية اجتماعية عاجلة بل من خلال "تطهير" أو "تنقية" البلاد وهياكل الدولة من "قوى الشر"، والتي من شأن القضاء عليها أن يساعد الدولة في أداء وظيفتها على النحو اللائق والوفاء بالتزاماتها الاجتماعية.  تظل "قوى الشر" هذه مجهولة، ولا تحمل اسماً، وليس لها ملامح واضحة، مما يسمح باستخدامها وتفسيرها وتوسيعها لتشمل أي شخص وفقاً للسياق.24مثال حديث يلخص معظم هذه العناصر الخطابية في اجتماع مباشر مع رئيسة الحكومة، 8 أيار/مايو 2023.https://tinyurl.com/yc55nw9s

إن "أخرنة" العدو هو بالفعل سمة رئيسية من سمات خطاب سعيّد، إلى جانب إضفاء الطابع الأجنبي على محركات "الأزمة".25فيما يتعلق بـ "التحول الخارجي" واستخداماته السياسية والخطابية، انظر: فوّاز طرابلسي في مقابلة مع مجلة "صفر" يناقش الحالة اللبنانية https://alsifr.org/fawwaz-traboulsi-lebanese-narratives

تتسم خطابات سعيّد بسمات وأصوات شفهية متكررة وملحوظة، وتأخذ دلالات أكثر وضوحاً عند النظر في سياقاتها، أو الصورة العامة التي تُبنى لإيصال الرسالة. من الممكن تحديد ثلاثة سياقات على النحو العام، وهي الظهور الفردي (الأقل شيوعاً)، والاجتماعات والزيارات الرسمية، والسياقات العامة التي تشمل لقاءات مع الجماهير والتفاعل مع الفئات الأكثر هشاشةً. بيد أن التساؤلات حول مكان تلك الفئات الأكثر هشاشةً، والإجراءات التي تُتخذ للتصدي إلى ضعفهم، لا تزال قائمة في مشروع سعيّد السياسي. فيما يلي، توجه هذه التساؤلات التركيز في استعراض عام لقوام خطابات سعيّد في محاولة لتحديد أين تقع الحماية الاجتماعية، بمعناها الأوسع، ضمن مشروعه السياسي.

ولتحقيق هذه الغاية، تم إجراء مراجعة ثلاثية الأبعاد لتحديد خطاب سعيّد، ومن ثَم تحديد المسألة الاجتماعية على نطاق واسع، والحماية الاجتماعية على وجه الخصوص. تشمل هذه المراجعة 1- المراسيم والقرارات، 2- النشاط الرئاسي، وهي الاجتماعات الرسمية مع الهيئة التنفيذية26أعضاء الحكومة فقط. لا تتناول المراجعة الاجتماعات الرسمية مع الجهات الفاعلة الدولية والمسؤولين غير التونسيين.

والزيارات الميدانية ذات الطابع الاجتماعي27الأماكن العامة والأسواق والأحياء الشعبية وما إلى ذلك في تفاعل مباشر مع الجمهور، باستثناء الاحتفالات الرسمية والاحتفالات التذكارية وزيارات المؤسسات العامة.

، و3- مجموعة مختارة من الخطابات. جرى استعراض النشاط الرئاسي والخطابات من خلال مراجعة حساب الرئاسة الرسمي على موقع "تويتر". وتم توثيق المراسيم والقرارات الوزارية الواردة بالرجوع إلى الجريدة الرسمية التونسية. كلاهما يشكلان مواد أرشيفية تناولتها هذه الدراسة بإيجاز للفترة الممتدة من 17 آب/أغسطس 2022، تاريخ إصدار الدستور لعام 28بعنوان دستور 25 تموز/يوليو. وقد خضع النص، الذي صاغه الرئيس، لاستفتاء في تموز/يوليو 2022 ودخل حيز التنفيذ بعد شهر. النص الكامل للدستور https://tinyurl.com/y3ahx2sv

2022، إلى أيار/مايو 2023. ويُعزى اختيار هذه الفترة استناداً إلى الفصلين 100 و101 من دستور عام 2022، اللتين تنصان على أن رئيس الجمهورية هو صانع السياسات الرسمي، وأن حكومته هي مجرد هيئة تنفيذية لسياسات الرئيس.

المراسيم والقرارات الوزارية

تمت مراجعة المراسيم والقرارات الوزارية المتعلقة مباشرة بالحماية الاجتماعية على مدى تسعة أشهر متتالية بدءاً من دخول دستور 2022 حيز التنفيذ، مع التأكيد بشكل عام على الالتزامات الاجتماعية29دستور الجمهورية التونسية الصادر في 25 تموز/يوليو 2022. المواد 12 و16 و18 و19 و22 و43 و44 و46 و47 و48 ومن 51 إلى 54.

للدولة كما حددها دستور 2014. وجرى استعراض ما مجموعه 109 عدداً من الجريدة الرسمية التونسية، ولم يحدد سوى 18 نصاً تتصل مباشرة بالحماية الاجتماعية على النحو التالي: 5 مراسيم رئاسية، بما في ذلك قرض لدعم آليات الحماية الاجتماعية30اتفاق ثنائي مع اليابان.

، و11 قراراً وزارياً صادراً عن وزارة الشؤون الاجتماعية، و2 قراراً وزارياً صادراً عن وزارة الأسرة والمرأة والأطفال وكبار السن.31لوضع مقدار النصوص المتعلقة بالحماية الاجتماعية في إطار مقارنة، للتوضيح، يجب ملاحظة أن عدد النصوص في كل عدد من الجريدة الرسمية يتفاوت من نص واحد إلى 60 نصاً وأكثر. معظم النصوص، منذ تموز/يوليو 2021، تتعلق بإقالة وتعيين موظفين حكوميين جدد. ولم يحص المؤلف جميع النصوص في الأعداد المدروسة، ولكن تقريباً، استناداً إلى متوسط تقديري قدره 10 نصوص لكل عدد، واستعراض ما مجموعه 109 عدداً من الجريدة الرسمية بما يعادل 1090 نصاً إجمالاً، ومن ثم فإن عدد النصوص المتعلقة بالحماية الاجتماعية ضئيل.

يمكن وصف هذه النصوص بأنها ارتجالية وإدارية وفارغة من المحتوى في جوهرها، وتتراوح ما بين زيادات صغيرة في الأجور ومخصصات المساعدات النقدية، وإجراءات استثنائية وظرفية، إلى تعديلات طفيفة واستكمال القوانين والقرارات السابقة التي لا ترقى إلى مستوى الإصلاح.

أظهرت هذه المراجعة عنصرين من عناصر الاستجابة: 1- العدد الضئيل من التدابير الاجتماعية، مما يعكس عدم الأولوية لهذه القضية، و2- مجرد استمرار السياسات السابقة كما نفذتها هذه التدابير، ولكن الأهم من ذلك كله هو غياب الرؤية وعجز الدولة عن النهوض بدورها الاجتماعي. النصوص التي تمت مراجعتها لا توازن، على أي مستوى، الطابع غير الاجتماعي لعلامة فارقة أخرى: وهي ميزانية الدولة لعام 2023. في الواقع، يعد قانون ميزانية الدولة لعام 2023 أبرز ما في هذا المقال، إذ إنه يعكس حدة الوضع في البلاد وعجز الدولة عن تحقيق الإصلاحات الهيكلية الضرورية، ولكن الأهم من ذلك هو استمرار السياسات السابقة للظلم المالي والتنمية غير المتكافئة.32للاطلاع على مزيد من التفاصيل حول قانون ميزانية الدولة لعام 2023: ميزانية 2023: ماذا لو لم يكن هناك سوى 100 دينار في خزينة الدولة؟

تمثل النفقات المخصصة للتوظيف والشؤون الاجتماعية 8% من ميزانية الدولة، والنفقات الاستثمارية 8.7% منها، بينما تأتي 58% من إيرادات الدولة لتمويل ميزانيتها لعام 2023 من الضرائب على الاستهلاك والدخل فقط.33المرجع السابق.

بينما لا يحمل القانون، الذي صاغته الهيئة التنفيذية وسط "محادثات" مع صندوق النقد الدولي، أي مؤشرات على رؤية اجتماعية قائمة على العدالة أو آفاق للتغيير. وقد أثار القانون، الذي شوه سمعة الخطاب الاجتماعي للرئيس، نقاشاً عاماً تأثر إلى حد كبير بالانقسامات السياسية والمواقف الانفصالية (مع سعيّد أو ضده). وعلى الرغم من أنه يتضمن بعض بنود الميزانية التي تدعم المبادرات الاقتصادية والمشاريع الصغيرة للفئات الأكثر ضعفاً، والعائلات ذات الدخل المحدود، والخريجين العاطلين عن العمل، فإن هذه المخصصات، عند قراءتها بشكل كلي في ضوء السياق، هي مجرد إدامة لمنطق "المساعدة ورفع الأعباء".34On the colonial roots of the burden-lifting rationale, containment practices, and their judicial ramifications in Tunisia today, see: Ben Achour, Sana. 2021. La répression pénale de la pauvreté  [Online]

وتشير التصريحات الرئاسية الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، إلى رؤية مختلفة و"منعطف جديد"، دون أن تتحول إلى رؤية اجتماعية اقتصادية واضحة أو خطط بديلة. وفي 4 أيار/مايو 2023، وخلال اجتماع مع رئيسة الحكومة، ذكَّر سعيّد فريقه التنفيذي بتفرد صلاحياته المتعلقة بصنع السياسات، مشيراً إلى أنه "ليس من حق أي جهة في تونس أن تتصرف خلاف السياسة التي يحددها رئيس الجمهورية".35الفيديو الكامل https://tinyurl.com/4f3m2rdm

ويأتي هذا التصريح بعد قرار سعيّد بإقالة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، على ما يبدو بعد أن أجرت مقابلة صحفية أكدت فيها تقدم نظام دعم جديد يتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي. وفي السياق نفسه، وبعد إعلان حالة الطوارئ بفترة وجيزة، أمر سعيّد بإجراء مراجعة كاملة لقروض وديون البلاد، مشيراً إلى سوء الإدارة والفساد في هذا الصدد، لكنه لم يذكر أبداً أي مساع محتملة لإلغاء الديون لعدة أشهر.36لم تكن هناك مناقشة في سياق حساس ومحدد للغاية ومناورات سياسية إقليمية تتعلق بالهجرة غير الشرعية في البحر الأبيض المتوسط قبل اجتماعاته الأخيرة مع رئيسة وزراء إيطاليا. اطلع على تغريدة الرئاسة التونسية المنشورة في 6 حزيران/يونيو 2023 https://tinyurl.com/mts7avsb. حول تجارب إلغاء الديون من جانب واحد وتاريخ الديون الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك تونس، انظر مقابلة إريك توسان مع مجلة "صفر" https://alsifr.org/eric-toussaint

وفي العديد من المناسبات، أعرب سعيّد عن رفضه لأي "إملاءات خارجية"، بما في ذلك من قبل صندوق النقد الدولي، وعن رغبته في التعامل مع الوضع داخلياً، مما يعارض ويشكك في مفاوضات حكومته التقنية مع الصندوق. وفي وقت سابق من شهر حزيران/يونيو، أشار سعيّد علناً إلى مسألة الدعم المالي، مقترحاً فرض الضرائب على الأشخاص الذين يستفيدون بغير حق من مثل هذه التدابير الاجتماعية37وكالة تونس أفريقيا للأنباء، 1 حزيران/يونيو 2023  https://tinyurl.com/2tnup7r5

، في إطار ما يبدو أنه مقدمة لاقتراح جديد واستجابة "أكثر عدالة" لصندوق النقد الدولي.

الخطابات والنشاط الرئاسي

بين أيلول/سبتمبر 2022 وأيار/مايو 2023، التقى الرئيس سعيّد مع أعضاء الحكومة 136 مرة.38باستثناء المجالس الوزارية والأمنية، وملاحظة أن بعض الاجتماعات تجمع بين وزارتين أو أكثر وهنا تُحسب بشكل منفصل أي على أساس تمثيل وزارة معينة في جميع الاجتماعات. تمت المراجعة بغض النظر عن حالات الإقالة والتعيينات الجديدة بالإضافة إلى التعديلات الجزئية. غير أن بعض النتائج قد تتأثر بشغور الوظائف، مثل حالة وزارة التشغيل، لكن بشكل غير ملحوظ.

إذا استثنينا الاجتماعات مع رئيسة الحكومة بسبب طبيعة منصبها والعدد اللامحدود من القضايا التي دعيت إلى "مناقشتها"3957 اجتماعاً مع رئيسة الحكومة خلال الفترة التي تناولتها الدراسة والبالغة تسعة أشهر.

، فإن الاجتماعات الرسمية مع وزارة الشؤون الاجتماعية تمثل فقط 6% من مجمل الاجتماعات الوزارية حسب القطاع مقارنة بالاجتماعات مع وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الخارجية، والتي تمثل على التوالي 34% و26% و12% من الاجتماعات الوزارية حسب القطاع. وتمثل الاجتماعات مع الوزارات التي ترتبط مهمتها مباشرة بالمسائل الاجتماعية40وزراء التعليم [4]، التعليم العالي [2]، البنية التحتية والإسكان [1]، البيئة [1]، النقل [0]، الصحة [3]، التشغيل [1]، الشؤون الثقافية [3]، المرأة والأسرة والأطفال وكبار السن [0]

24% من المجموع الإجمالي، مع ملاحظة أن سعيّد لم يدع وزارة الأسرة والمرأة والأطفال وكبار السن في أي مناسبة خلال الفترة التي شملها التحقيق.

تُعد وزارة الشؤون الاجتماعية هي الهيئة الرئيسية المسؤولة عن الحماية الاجتماعية في تونس. بيد أن العدد المحدود من الاجتماعات مع وزارة الشؤون الاجتماعية لا يعني غياب القضية الاجتماعية من "تفاعلات" سعيّد مع فريقه التنفيذي، خاصةً عند استقباله لرئيسة الحكومة. بشكل عام، القضية حاضرة من خلال مجموعتين من العناصر، هما: 1- مجال خطابي يدور في الغالب حول شعارات تتعلق "بالدور الاجتماعي للدولة" و"حل الوضع الاقتصادي والاجتماعي" و"العدالة الاجتماعية"، 2- والتركيز الشديد على مكونات مشروع سعيّد السياسي مثل مشروع الصلح الجزائي41باختصار، يروج سعيّد لهذا البرنامج باعتباره الحل لتطبيق العدالة التوزيعية كما يراها: سوف يستثمر الأكثر فساداً في المناطق الأقل تطوراً مع مسؤولية تمتد عشر سنوات لتصحيح أخطائهم السابقة والبدء من جديد. وقد شكل سعيّد لجنة لضمان تنفيذ المشروع، من الواضح أنها لم تحرز أي تقدم بعد أشهر من تشكيلها، وهو تباطؤ رد عليه سعيّد مؤخراً بإقالة رئيس اللجنة في آذار/مارس 2023.

، و"الحرب" ضد الفساد والاحتكار، وبرنامج الشركات الأهلية المثير للجدل.42أثار البرنامج الذي يخضع للمرسوم رقم 15/2022 نقاشات وانتقادات واسعة، لا سيما أن سعيّد نفسه صدق على قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ووقع عليه في عام 2020، ولا يزال ينتظر اتخاذ تدابير تنفيذية لإدخاله حيز التنفيذ. ويرى المراقبون أن برنامج الشركات الأهلية الذي أطلقه سعيّد يمنح الدولة هامشاً كبيراً من السيطرة والتدخل، في حين أن نموذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني للإدارة مستقل بطبيعته عن السلطة المركزية. ويرى بعض المراقبين المرسوم رقم 15/2022 بمثابة الإجراء الاجتماعي والاقتصادي الوحيد الذي اتخذه سعيّد حتى الآن على الرغم من عيوبه وتقادمه.

ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة فاحصة على التسجيلات المتاحة للاجتماعات مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ومع مراعاة التركيز على مضمون تلك الاجتماعات، يظهر مزيد من التفصيل في النقاش بعيداً عن تواترها وبالنظر إلى محتوى تلك الاجتماعات، التي غالباً ما يتم اغتنامها كفرصة منفردة لسعيّد لإرسال رسائل إلى الجميع عدا الشخص الذي يجري معه الحوار مباشرة. على سبيل المثال، في اجتماع مباشر عُقد في 3 آذار/مارس 2023 مع وزارة الشؤون الاجتماعية43الفيديو الكامل https://tinyurl.com/5dzue79m

، بدأ سعيّد بوصف القضية الاقتصادية والاجتماعية بأنها "جوهرية" وربطها مباشرة بالمساءلة ووعده "الشعب" باستعادة العدالة. من بين سبع دقائق من الحوار الفردي، كانت ست دقائق مخصصة للتطرق إلى نقطة توتر سياسي حديثة مع الاتحاد العام التونسي للشغل44نظم الاتحاد العام التونسي للشغل سلسلة من التظاهرات في جميع أنحاء البلاد استعداداً لمسيرة مركزية للتنديد بالوضع العام للحريات وحقوق الإنسان في ظل حكم سعيّد، ودعت الأمينة العامة للاتحاد الأوروبي للنقابات للانضمام تضامناً. ردت الرئاسة على الفور بمطالبة المدعوة بمغادرة الأراضي التونسية معتبرة تصريحاتها تدخلاً أجنبياً في الشؤون الوطنية. وقد أدى ذلك إلى مزيد من التوتر بين الرئيس والاتحاد العام التونسي للشغل  https://tinyurl.com/2p8jp3sc

، مع وجود مواد أرشيفية "لتذكير" القيادة الحالية للاتحاد بالمهمة "الاجتماعية الحصرية" للمؤسسة. منذ بداية عام 2023، وعلى مدى خمسة أشهر، هذه هي المرة الوحيدة التي عقد فيها سعيّد اجتماع مع وزارة الشؤون الاجتماعية وحدها، والمرة الثانية كانت بحضور رئيسة الحكومة ووزير الداخلية بشأن التأخيرات في توزيع وحدات الإسكان الاجتماعي.

عند تحليل قلة هذه الاجتماعات في إطار نشاط وزارة الشؤون الاجتماعية، كما هو واضح من العدد ومضمون المراسيم والقرارات الوزارية التي تم استعراضها في القسم السابق، فضلاً عن المقارنة بعدد الاجتماعات مع قطاعات أخرى، فإن ذلك يؤكد توجهاً وهو أن: ما لا يزال يمثل أهمية وأولوية قصوى بالنسبة للرئيس، بعد أشهر من نجاحه في فرض دستور جديد، هو الأمن والقضاء والشؤون الخارجية45تباعاً: 27 و21 و10 اجتماعات خلال الفترة المشمولة بالدراسة. لمزيد من التوضيح، فإن الاجتماعات مع المسؤولين والمؤسسات التونسية الأخرى التي جرى استعراضها خلال الفترة نفسها هي كما يلي: رئيس المجلس الأعلى للقضاء [6]، رئيس مجلس نواب الشعب منذ الانتخابات التشريعية [3]، البنك المركزي [2]، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والحرف اليدوية [2]، الاتحاد العام التونسي للشغل [2]، منظمات المجتمع المدني [2] - الاتحاد التونسي لحقوق الإنسان والمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

، وجميعها تخدم تنفيذ مشروعه.

واصل سعيّد أيضاً القيام بزيارات ميدانية منتظمة ذات طابع اجتماعي والتي بلغت 16 زيارة طوال الفترة التي تم التحقيق فيها، معظمها في العاصمة والمناطق المحيطة بها، وسط هتافات من الحشود التي عبرت عن دعمها أو أعربت عن المظالم الاجتماعية والاقتصادية خلال لقاء قصير مع الرئيس. ولهذه الزيارات دوران: إعادة التأكيد على شرعية وشعبية سعيّد، بغض النظر عن معدلات مشاركة الناخبين في مراحل مشروعه46تباعاً: الاستشارة الإلكترونية الوطنية (من كانون الثاني/يناير إلى آذار/مارس 2022)، الاستفتاء على الدستور الجديد (تموز/يوليو 2022)، والانتخابات التشريعية (كانون الأول/ديسمبر 2022 وكانون الثاني/يناير 2023، جولتان) بعد تعديل قانون الانتخابات. شهدت جميع هذه الأحداث إقبالاً منخفضاً بشكل غير مسبوق. يمكن أن تخضع الاستشارة الإلكترونية التي تم تنظيمها طوال الربع الأول من عام 2022 للتحليل لاستكشاف كيف أن صياغة الأسئلة المقترحة وخيارات الإجابة تنطوي على رؤية اجتماعية وسياسية مسبقة لتونس كما يراها سعيّد. وفي حين أن المعلقين والباحثين تجاهلوها لكونها "إلزامية" و"غير تمثيلية"، ولم يشارك سوى 4.4% فقط من التونسيين فيها (انظر: الاستشارة الإلكترونية، الحقيقة وراء الأرقام)، فإنها لا تزال تقدم للباحثين أفكارً ًمثيرة للاهتمام حول كيفية انعكاس النتائج المجمعة على خطاب سعيّد وكيفية إدراج هذه النتائج في سرده. التقرير النهائي، بما في ذلك الأسئلة والنتائج، متاح هنا: https://www.e-istichara.tn/home

، والحفاظ على صورة "إمام المحتاجين"، والإيثار والقرب من شعبه، مُنكراً ذاته من أجلهم، ومشاركاً في صراعاتهم وتضحياتهم. خلال زيارة ميدانية إلى سوق محلي في حي شعبي في تونس في شباط/فبراير الماضي، ألقى رجل كلمة على الرئيس قائلاً: "نحن صبورون لأنك طلبت من أن نتحلى بالصبر، وما زلنا ننتظر"، وأجاب سعيّد قائلاً: "أنا أعلم ماذا يعني أن يكون لديك أطفال وتكون مرهقاً".47الفيديو الكامل https://tinyurl.com/ybzsst6z

يعكس مثل هذا التفاعل الأفكار التي شاركها الباحثون الميدانيون الذين شاركوا في الدراسة حول نقاط الضعف غير المرئية التي تمت مناقشتها أعلاه: "الشعب" أعطى سعيّد تفويضاً مطلقاً وسلطة تامة، فقط في حالة تحقيق نتائج، والوقت يكاد أن ينفد.48مقابلة مختصرة مع أعضاء فريق البحث. تونس، نيسان/أبريل 2023.

يُثير ذلك التساؤل عما إذا كان سعيّد يدرك تماماً التغييرات الاجتماعية والسياسية التي تجري في الوقت الراهن، والأهم من ذلك، تفكك شبكات الأمان والتماسك الاجتماعي كما لاحظ علماء الاجتماع منذ الجائحة.

منذ انتخابات 2019 والأشهر الأولى من الجائحة، وعلى مدى ثلاث سنوات، لا تزال تونس تشهد استمرار الدينامية الخبيثة نفسها التي ميزت حقبة ما بعد الثورة: وهي أن الأجندات السياسية تطغى وتلقي بظلالها على مدى خطورة الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وتبني الدولة في خضوع لتلك الأجندات على حساب القضايا الاجتماعية. والمنطق نفسه ما زال يُقدم "للشعب": تحقيق الاستقرار السياسي، على النحو الذي تحدده النخبة الحاكمة، يأتي قبل معالجة المسائل الاقتصادية والاجتماعية. في إطار هذه الدراسة، يبدو أن القضية الاجتماعية حاضرة إلى حد ما في جدول أعمال سعيّد، ولكنها خالية من معانيها، وتتقلص بفعل الفجوة بين الخطاب والممارسة، وغياب الرؤية، وكلها مقرونة بعجز الدولة. فضلاً عن أن عدم استقرار حكم سعيّد واستبعاد الجهات الفاعلة المدنية والاجتماعية يزيد من تعزيز هذه الفجوة. بيد أن الاهتمام بالقضية الاجتماعية، كخطاب، لا يزال ذا أهمية كبيرة بالنسبة لسعيّد بوصفها وسيلة سياسية متجذرة في صميم خطاب مشروعه للتخفيف من معاناة الناس، والانقطاع عن النخب السابقة، وتقرير المصير، والسيادة، والعدالة - وهو مشروع يعبر إلى حد كبير عن استياء حقيقي يشاركه فيه التونسيون. هؤلاء الأشخاص "الشرفاء"، و"الوطنيين"، والفقراء يشكلون حزام الأمان لسعيّد، حتى إشعار آخر.

بشكل عام، تبدو الجهود التي تم تلخيصها في هذه الدراسة سعياً إلى إيجاد أدلة لتحديد مكانة الحماية الاجتماعية في المشروع السياسي الجاري في تونس بلا جدوى، ومناقشة إصلاحات الحماية الاجتماعية تبدو واهية وسابقة لأوانها في ظل الظروف الراهنة؛ وكذلك استكشاف كيف تنعكس المبادرات الدولية والمحلية في هذا الصدد في تونس في ظل حكم سعيّد. بيد أنه من الضروري الإشارة إلى أن مبدأ الحماية الاجتماعية الشاملة، وهو أجندة دولية تشغل معظم مجالات صنع السياسات العامة على الصعيد العالمي، لا سيما منذ الجائحة، ينعكس في الفصل المتعلق بالمسائل الاجتماعية في مبادرة الحوار الوطني التي يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب ثلاث منظمات شريكة.49مقابلة مختصرة مع ممثل تنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو أحد الأعضاء الأربعة في المبادرة. تونس، أيار/مايو 2023.

وفقاً لممثل لإحدى المنظمات الأعضاء، فإن مسودة المبادرة تضع الأسس السياسية لكل الفصول من خلال اقتراح مناقشة "عقد جمهوري". وأوضح الممثل بإيجاز هذه النقطة قائلاً إنه "لا يوجد في تونس اليوم عقد اجتماعي وهو السبيل الوحيد للمضي قدماً ونحن بحاجة إلى استئناف عملية التفاوض هذه بالذات. ولكن نظراً إلى أن مصطلح 'عقد اجتماعي' غالباً ما كان مرتبطاً في السنوات السابقة بالمسائل الاجتماعية بشكل شبه حصري، فإن فهمه لا يزال قديماً في تونس، على الأقل في مجالات النقاش العامة.  اللجوء إلى فكرة عقد أو اتفاق 'جمهوري' هو ببساطة وسيلة لاستيعاب الجانب السياسي والتغلب على انفصال الجانب الاجتماعي عن الجانب السياسي، ويعكس رؤية شاملة تتناول الجميع." تحليل تبني المبادرة وتكييف مبدأ الحماية الاجتماعية الشاملة مع السياق التونسي من منظور الاتحاد وفي إطار نظرته إلى "العقد الجمهوري"، يبدو وكأنه موضوع بحث مثير للاهتمام، ولكن نظراً إلى التوترات السياسية الداخلية التي تعيق الطريق أمام أي حوار، يبدو أن المبادرة لا تعدو كونها حبر على ورق.

خاتمة

تؤثر سياسة الحماية الاجتماعية الفاشلة تأثيراً كبيراً على التماسك الاجتماعي على المدى الطويل. ومع ذلك، هناك خطورة أكبر في الوهم الناجم عن ذلك، سواء بشكل خطابي أم غير ذلك، من خلال الشعور الزائف بالأمن الذي يقيد العمل الجماعي. وفي مثل هذه الحالات، لا تبرر قيود النظام القائم من خلال النقص الهيكلي في ذلك النظام ذاته بل بنقل المسؤولية إلى المواطنين، أو المخاطر العالمية، أو إلى فاعل غير معروف من الخارج. إن الحفاظ على مثل هذا الوهم أمر بالغ الأهمية بالنسبة للنخب الحاكمة كي تتهرب أكثر من المساءلة أو تخفي عجز الدولة الهيكلي عن تقديم الخدمات العامة/الاجتماعية ومنع الانهيار المؤسسي. والأهم من ذلك، فإن هذا النهج يعرقل العمل الجماعي الذي يدعو إلى المضي قدماً ضد الركود. في حالة تونس، تتسع "الهوامش"، والضعف يأخذ أشكالاً جديدة، في حين يدور المشروع السياسي الحالي حول وعود لم يتم الوفاء بها بتوفير الإعالة والحماية وشعور زائف بالمشاركة السياسية الخاضعة للسيطرة الشديدة. بيد أن التفاوض (أو إعادة التفاوض) على عقد اجتماعي في تونس لم يعد بإمكانه تجاهل الهوامش أو التزام الدولة بتوفير الإعالة والحماية والمشاركة السياسية دون تنازلات. والفشل في القيام بذلك يعادل التآكل البطيء لشرعية الدولة.

مشروع سعيّد السياسي لا يهتم بإبرام عقد اجتماعي جديد أو باستعادة العملية الاجتماعية والسياسية التي تفضي إلى تحقيق هذا الهدف. إنه مشروع من القمة إلى القاعدة، وغير تشاركي، ومنعزل، ولم يحظى بالتخطيط، إذ لا يزال يتعين إثبات النأي الحقيقي عن ممارسات الدولة السابقة (خصوصاً فيما يتعلق بالاستجابة الأمنية لجميع القضايا) والسياسات الاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من وضوح مثل هذا الأمر، حاولت هذه الدراسة بجدية البحث عن دلائل على رؤية اجتماعية شاملة وراء مشروعات الرئيس من برنامج الصلح الجزائي وبرنامج الشركات الأهلية، فضلاً عن عدم استقرار مشروعه للجهات الفاعلة الاجتماعية، لاستنتاج (أو التحقق) أنه لا توجد رؤية على الإطلاق. العلاقة بين القيادة السياسية الحالية والمجتمع هي في أحسن الأحوال لحظة هدنة للانفصال السياسي الذي جسده سعيّد في لحظة حرجة. في غضون ذلك، تظل العدالة الاجتماعية مجرد شعار.

ورغم ذلك، ثمة فائدتان تود هذه الدراسة التأكيد عليهما. أولاً، على الرغم من التهميش المتزايد للجهات الفاعلة المدنية والاجتماعية واستبعادها من عمليات صنع القرار في عهد سعيّد، فإن الواجب الرئيسي لمنظمات المجتمع المدني اليوم هو الحفاظ على مجالات الحوار على مستوى القاعدة الشعبية ضمن الهوامش المتبقية من العمل. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لما هو قادم، في جميع السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك من خلال البحوث الميدانية لتتبع الطفرات الاجتماعية وضمان إنتاج المعرفة المتأصلة في السياق والمستندة إلى الأدلة ليس فقط من أجل وضع السياسات المستنيرة، كلما كان ذلك ممكناً، بل وأيضاً للتفاوض على النحو اللائق مع الهيئات المدنية على الصعيدين المحلي والدولي. فضلاً عن أن الوقت قد حان لكي تراجع منظمات المجتمع المدني المحلية أدواتها وتعيد النظر في علاقتها مع الهوامش وكذلك مع الجهات الفاعلة الدولية والجهات المانحة. ويتسم الاستثمار في مساحات التوتر بالقدر نفسه من الأهمية مع التركيز على الديناميات داخل الحركات الشعبية الناشئة وفيما بينها وعلى مجالات صنع السياسات العالمية. إن تقلص المساحة المدنية اليوم ليس ظاهرة تونسية حصرية، بل هو بالأحرى دليل على ملاحظة أعمق ومشتركة في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، وهي ظاهرة معدية بوضوح. تكمن الكثير من الإجابات على النضال الحالي للمجتمع المدني في هذا السياق، والاستباق هو الحل.

ثانياً، وبناءً على القضية الاجتماعية بوصفها حجر الزاوية لمثل هذه الجهود، فإن ما يجب أن يوجه العمل المستقبلي هو أيضاً تحول ضروري في نموذج الحماية الاجتماعية نحو نهج قائم على العدالة يرفض الخطاب السائد حول "المساعدات في أوقات الأزمات"، ويضمن تحصين سياسات الحماية الاجتماعية من عدم الاستقرار السياسي والاستغلال. إن النهج القائم على العدالة يأخذ النهج القائم على الحقوق خطوة إلى الأمام ويسمح بالنظر في الأسباب الجذرية للضعف من أجل حلها تدريجياً بما يتجاوز مجرد منطق التخفيف والقدرة على مواجهة الصدمات. فضلاً عن أنه يقدم مساحة لدمج الوسائل الوثيقة للتنظيم الاجتماعي السياسي للجماعة وللحد بالمثل من أوجه عدم المساواة المتأصلة في الثقافة داخل المجموعة. ومن شأن إهمال أو جعل الفئات الضعيفة ودينامياتها غير مرئية أن يشكل تهديداً دائماً لأي عملية سياسية. فضلاً عن أن نزع الطابع السياسي عن الاستجابات حول الضعف تجسد بالقدر نفسه هذا الضعف أو هشاشة النظام السياسي. وكذلك الحال بالنسبة للاستغلال السياسي للمعاناة الجماعية، سواء من قبل النخب الحاكمة أم الجهات الفاعلة المدنية، مهما كانت نواياها حسنة.

 

Endnotes

Endnotes
1 Loewe, Markus, and Tina Zintl. 2021. “State Fragility, Social Contracts and the Role of Social Protection: Perspectives from the Middle East and North Africa (MENA) Region.” Social Sciences 10 (447): 1–23. https://doi.org/https://doi.org/10.3390/socsci10120447

2 El-Haddad, Amirah. 2019. “Redefining the social contract in the wake of the Arab Spring:The experiences of Egypt, Morocco and Tunisia.” World Development 127 (2020): 1-22. https://doi.org/10.1016/j.worlddev.2019.104774
3 انظر على سبيل المثال: Cavatorta, Francesco. 2015. “No Democratic Change … and Yet No Authoritarian Continuity: The Inter-Paradigm Debate and North Africa After the Uprisings.” British Journal of Middle Eastern Studies 42 (1): 135–45. https://doi.org/10.1080/13530194.2015.973200   و Hinnebusch, Raymond. 2015. “Change and Continuity after the Arab Uprising: The Consequences of State Formation in Arab North African States.” British Journal of Middle Eastern Studies 42 (1): 12–30. https://doi.org/10.1080/13530194.2015.973182
4  Marcuse, Peter, and David Madden. 2016. In Defense of Housing: The Politics of Crisis. Verso Books.

5 المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 2023. أشكال الهشاشة والمقاومة "اللامرئية" أو "المغيبة". [عبر الإنترنت] https://ftdes.net/rapports/precarite.ar.pdf [تم الاطلاع عليه بتاريخ 2 أيار/مايو 2023]

6 تركز الدراسة أساساً على الجهات الفاعلة غير الحكومية التالية: الأحزاب السياسية، والمنظمات الإنسانية، ووسائل الإعلام.

7 مثل: جامعي إكليل الجبل، وجامعي البلاستيك، وصغار الصيادين، وما إلى ذلك.

8 مقتطفات من المقابلات الواردة في الدراسة تعكس مفهوم آصف بيات حول "الزحف الهادئ للمعتاد".

9 حول التفاوض على فضاءات المقاومة والبقاء، انظرMelliti, Imed, and Hichem Abdessmad, eds. 2022. Vulnérables: Portraits Sociologiques. Tunis: Dissonance.

10 Siddiqi, Ayesha, and Sophie Blackburn. 2022. “Scales of Disaster: Intimate Social Contracts on the Margins of the Postcolonial State.” Critique of Anthropology 42 (3): 324–40. https://doi.org/10.1177/0308275X221120167

11 See: Ben Jaballah, Sofien (eds.). 2022.

12 ومن أكثر أوجه التفاوت بين الجنسين وضوحاً الحصول على الأراضي. وفقاً للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (2021)، فإن 5% فقط من النساء العاملات في الزراعة هن من أصحاب الأراضي. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك الفجوة في الأجور بين الجنسين التي لوحظت في الأنشطة غير المستقرة بالفعل مثل العمل الزراعي الموسمي. وعلاوة على ذلك، من الشائع للغاية أن تكون المرأة هي المعيل الوحيدة لأسرتها في الضواحي الحضرية والأماكن الريفية، بالرغم من أن العادات الاجتماعية تمنح الرجل/الزوج السلطة بوصفه رب الأسرة المعيشية للإدارة الحصرية للدخل الناتج.

13 غالباً ما تُكتسب عن طريق الميراث و/أو حيازة الأصول ووسائل الإنتاج. فعلى سبيل المثال، تشكل ملكية الأراضي في البيئات الزراعية عاملاً حاسماً في هذا الصدد.

14 Freire, Paulo. 1970. Pedagogy of the Oppressed. The Continuum Publishing Company

15  Siddiqi and Blackburn. Op. cit.

16 تستدعي المناقشة أيضاً النظر في القواسم المشتركة عبر الوطنية، والخبرات المشتركة، والتضامن.

17 بيئة الإقامة المباشرة، على النحو المحدد في الدراسة التي استكشفت البيئة البحرية (الأنشطة الساحلية)، والأماكن الحضرية، والغابات، والأماكن الريفية، وأماكن التعدين.

18 فيما يتعلق بتقاطع الهشاشة المحلية مع هشاشة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في تونس، انظر: مرام تبيني، 2023. الحق في السكن كصراعات أماكن ومجالات وهوامش: مهاجرو جنوب الصحراء في تونس مثالاً. تونس. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. [على الانترنت] https://ftdes.net/rapports/logement.ar.pdf. فيما يتعلق بمسارات التنقل والهجرة الجماعية بحثاً عن الحراك الاجتماعي، انظر حالة البائعين الجائلين في تونس، وهي دراسة ميدانية أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع منصة إنكفاضة ضمن سلسلة "وثائقيات الواب". دراسة متكاملة، تحرير وتنسيق سفيان جاب الله، متاح باللغة العربية هنا: سوق نهج اسبانيا أو منهاج الاقتصاد الشارعي في تونس

19 انظر على سبيل المثال: زهير بن جنات، 2022. "جائحة كوفيد 19 وتطور نوايا الهجرة لدى الأسر التونسية". تونس. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. https://ftdes.net/rapports/FTDES_Migration_Covid_Ar.pdf

20 لا تزال الإحصاءات في هذا الصدد نادرة ومتباينة، ولا تزال الظاهرة لا تحظى بالدراسة الكافية. الدوافع مشتركة في الدوائر الوثيقة بين الأسر والأصدقاء، وتمتد إلى جيل كامل وتؤثر عليه. يمكن لأي شخص مقيم في تونس أن يشعر بذلك، بغض النظر عن مناهج البحث "المناسبة".

21 لا يظهر جزء من هذه المناقشة في البحوث المتعلقة بالمغتربين إلا بالتركيز المتزايد على دورهم الاقتصادي على المستوى الكلي (التحويلات المالية والاستثمارات)، مما يلقي بظلاله على أدوارهم الاجتماعية والاقتصادية على نطاقات أصغر.

22 بعد اللجوء إلى الفصل 80 من دستور 2014 الذي لم يعد سارياً، ولكن بشكل خاص الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021.

23 للاطلاع على نظرة عامة على خطابات سعيد  منذ تموز/يوليو 2021 إلى حزيران/يونيو 2022، انظر "حدث قيس سعيد قال"، مشروع من إعداد منصة إنكفاضة. انظر أيضاً: ملاك الأكحل، 2022. شعبٌ شبح وشعْبوية من القمة: حالة قيس سعيد. سلسلة بوادر، مبادرة الإصلاح العربي.

24 مثال حديث يلخص معظم هذه العناصر الخطابية في اجتماع مباشر مع رئيسة الحكومة، 8 أيار/مايو 2023.https://tinyurl.com/yc55nw9s

25 فيما يتعلق بـ "التحول الخارجي" واستخداماته السياسية والخطابية، انظر: فوّاز طرابلسي في مقابلة مع مجلة "صفر" يناقش الحالة اللبنانية https://alsifr.org/fawwaz-traboulsi-lebanese-narratives

26 أعضاء الحكومة فقط. لا تتناول المراجعة الاجتماعات الرسمية مع الجهات الفاعلة الدولية والمسؤولين غير التونسيين.

27 الأماكن العامة والأسواق والأحياء الشعبية وما إلى ذلك في تفاعل مباشر مع الجمهور، باستثناء الاحتفالات الرسمية والاحتفالات التذكارية وزيارات المؤسسات العامة.

28 بعنوان دستور 25 تموز/يوليو. وقد خضع النص، الذي صاغه الرئيس، لاستفتاء في تموز/يوليو 2022 ودخل حيز التنفيذ بعد شهر. النص الكامل للدستور https://tinyurl.com/y3ahx2sv

29 دستور الجمهورية التونسية الصادر في 25 تموز/يوليو 2022. المواد 12 و16 و18 و19 و22 و43 و44 و46 و47 و48 ومن 51 إلى 54.

30 اتفاق ثنائي مع اليابان.

31 لوضع مقدار النصوص المتعلقة بالحماية الاجتماعية في إطار مقارنة، للتوضيح، يجب ملاحظة أن عدد النصوص في كل عدد من الجريدة الرسمية يتفاوت من نص واحد إلى 60 نصاً وأكثر. معظم النصوص، منذ تموز/يوليو 2021، تتعلق بإقالة وتعيين موظفين حكوميين جدد. ولم يحص المؤلف جميع النصوص في الأعداد المدروسة، ولكن تقريباً، استناداً إلى متوسط تقديري قدره 10 نصوص لكل عدد، واستعراض ما مجموعه 109 عدداً من الجريدة الرسمية بما يعادل 1090 نصاً إجمالاً، ومن ثم فإن عدد النصوص المتعلقة بالحماية الاجتماعية ضئيل.

32 للاطلاع على مزيد من التفاصيل حول قانون ميزانية الدولة لعام 2023: ميزانية 2023: ماذا لو لم يكن هناك سوى 100 دينار في خزينة الدولة؟

33 المرجع السابق.

34 On the colonial roots of the burden-lifting rationale, containment practices, and their judicial ramifications in Tunisia today, see: Ben Achour, Sana. 2021. La répression pénale de la pauvreté  [Online]

35 الفيديو الكامل https://tinyurl.com/4f3m2rdm

36 لم تكن هناك مناقشة في سياق حساس ومحدد للغاية ومناورات سياسية إقليمية تتعلق بالهجرة غير الشرعية في البحر الأبيض المتوسط قبل اجتماعاته الأخيرة مع رئيسة وزراء إيطاليا. اطلع على تغريدة الرئاسة التونسية المنشورة في 6 حزيران/يونيو 2023 https://tinyurl.com/mts7avsb. حول تجارب إلغاء الديون من جانب واحد وتاريخ الديون الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك تونس، انظر مقابلة إريك توسان مع مجلة "صفر" https://alsifr.org/eric-toussaint

37 وكالة تونس أفريقيا للأنباء، 1 حزيران/يونيو 2023  https://tinyurl.com/2tnup7r5

38 باستثناء المجالس الوزارية والأمنية، وملاحظة أن بعض الاجتماعات تجمع بين وزارتين أو أكثر وهنا تُحسب بشكل منفصل أي على أساس تمثيل وزارة معينة في جميع الاجتماعات. تمت المراجعة بغض النظر عن حالات الإقالة والتعيينات الجديدة بالإضافة إلى التعديلات الجزئية. غير أن بعض النتائج قد تتأثر بشغور الوظائف، مثل حالة وزارة التشغيل، لكن بشكل غير ملحوظ.

39 57 اجتماعاً مع رئيسة الحكومة خلال الفترة التي تناولتها الدراسة والبالغة تسعة أشهر.

40 وزراء التعليم [4]، التعليم العالي [2]، البنية التحتية والإسكان [1]، البيئة [1]، النقل [0]، الصحة [3]، التشغيل [1]، الشؤون الثقافية [3]، المرأة والأسرة والأطفال وكبار السن [0]

41 باختصار، يروج سعيّد لهذا البرنامج باعتباره الحل لتطبيق العدالة التوزيعية كما يراها: سوف يستثمر الأكثر فساداً في المناطق الأقل تطوراً مع مسؤولية تمتد عشر سنوات لتصحيح أخطائهم السابقة والبدء من جديد. وقد شكل سعيّد لجنة لضمان تنفيذ المشروع، من الواضح أنها لم تحرز أي تقدم بعد أشهر من تشكيلها، وهو تباطؤ رد عليه سعيّد مؤخراً بإقالة رئيس اللجنة في آذار/مارس 2023.

42 أثار البرنامج الذي يخضع للمرسوم رقم 15/2022 نقاشات وانتقادات واسعة، لا سيما أن سعيّد نفسه صدق على قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ووقع عليه في عام 2020، ولا يزال ينتظر اتخاذ تدابير تنفيذية لإدخاله حيز التنفيذ. ويرى المراقبون أن برنامج الشركات الأهلية الذي أطلقه سعيّد يمنح الدولة هامشاً كبيراً من السيطرة والتدخل، في حين أن نموذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني للإدارة مستقل بطبيعته عن السلطة المركزية. ويرى بعض المراقبين المرسوم رقم 15/2022 بمثابة الإجراء الاجتماعي والاقتصادي الوحيد الذي اتخذه سعيّد حتى الآن على الرغم من عيوبه وتقادمه.

43 الفيديو الكامل https://tinyurl.com/5dzue79m

44 نظم الاتحاد العام التونسي للشغل سلسلة من التظاهرات في جميع أنحاء البلاد استعداداً لمسيرة مركزية للتنديد بالوضع العام للحريات وحقوق الإنسان في ظل حكم سعيّد، ودعت الأمينة العامة للاتحاد الأوروبي للنقابات للانضمام تضامناً. ردت الرئاسة على الفور بمطالبة المدعوة بمغادرة الأراضي التونسية معتبرة تصريحاتها تدخلاً أجنبياً في الشؤون الوطنية. وقد أدى ذلك إلى مزيد من التوتر بين الرئيس والاتحاد العام التونسي للشغل  https://tinyurl.com/2p8jp3sc

45 تباعاً: 27 و21 و10 اجتماعات خلال الفترة المشمولة بالدراسة. لمزيد من التوضيح، فإن الاجتماعات مع المسؤولين والمؤسسات التونسية الأخرى التي جرى استعراضها خلال الفترة نفسها هي كما يلي: رئيس المجلس الأعلى للقضاء [6]، رئيس مجلس نواب الشعب منذ الانتخابات التشريعية [3]، البنك المركزي [2]، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والحرف اليدوية [2]، الاتحاد العام التونسي للشغل [2]، منظمات المجتمع المدني [2] - الاتحاد التونسي لحقوق الإنسان والمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

46 تباعاً: الاستشارة الإلكترونية الوطنية (من كانون الثاني/يناير إلى آذار/مارس 2022)، الاستفتاء على الدستور الجديد (تموز/يوليو 2022)، والانتخابات التشريعية (كانون الأول/ديسمبر 2022 وكانون الثاني/يناير 2023، جولتان) بعد تعديل قانون الانتخابات. شهدت جميع هذه الأحداث إقبالاً منخفضاً بشكل غير مسبوق. يمكن أن تخضع الاستشارة الإلكترونية التي تم تنظيمها طوال الربع الأول من عام 2022 للتحليل لاستكشاف كيف أن صياغة الأسئلة المقترحة وخيارات الإجابة تنطوي على رؤية اجتماعية وسياسية مسبقة لتونس كما يراها سعيّد. وفي حين أن المعلقين والباحثين تجاهلوها لكونها "إلزامية" و"غير تمثيلية"، ولم يشارك سوى 4.4% فقط من التونسيين فيها (انظر: الاستشارة الإلكترونية، الحقيقة وراء الأرقام)، فإنها لا تزال تقدم للباحثين أفكارً ًمثيرة للاهتمام حول كيفية انعكاس النتائج المجمعة على خطاب سعيّد وكيفية إدراج هذه النتائج في سرده. التقرير النهائي، بما في ذلك الأسئلة والنتائج، متاح هنا: https://www.e-istichara.tn/home

47 الفيديو الكامل https://tinyurl.com/ybzsst6z

48 مقابلة مختصرة مع أعضاء فريق البحث. تونس، نيسان/أبريل 2023.

49 مقابلة مختصرة مع ممثل تنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو أحد الأعضاء الأربعة في المبادرة. تونس، أيار/مايو 2023.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.