الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية

هل من الضروري أن يكون الكلام على تعدد ثقافي أو أهلي في المجتمعات المشرقية أو العربية عنصرا أول في مقاربة عنصرها الثاني هو تفكيك هذه المجتمعات أو تمكين القوى الغربية النافذة من مواطئ قدم موثوقة فيها؟ هل ما من سبيل إلى تصليب وحدة وتماسك المجتمعات المعنية دون إسدال ستار من الصمت على وقائع التعدد هذه تحت قناع "الوحدة الوطنية"؟ هل يمكن أن نطوّر مقاربة تجمع بين رؤية هذه الوقائع، دون تمويه ودون تهويل أو تهوين، وأن نضع المقاربة هذه في سياق بلورة وطنية ديمقراطية تضمن المساواة والمواطنة المتكافئة لسكان البلاد جميعا على اختلاف أصولهم وفصولهم؟ إن محنة العراق الراهنة تقدم برهانا عمليا على ضرورة تجاوز سياسة النعامة في شأن التكوين الاجتماعي الثقافي الديني للمجتمعات العربية. وسورية لا تستطيع أن تكون بمنأى عن تفاعل مشكلات التعددية المكبوتة مع الحضور الخارجي الكثيف والعدواني. هذا مع ما هو معلوم من أن الحضور الغربي اقترن تاريخيا بتزلزل مجتمعاتنا المشرقية منذ أيام المسألة الشرقية. ترسيخ الوطنية السورية من شأنه أن يقطع الطريق على نشوء مسألة شرقية، أو شامية، جديدة تحت عنوان قديم جديد: حماية الأقليات أو نشر الديمقراطية. تقترح الورقة إعادة هيكلة الوطنية السورية وفقا لوجهة استيعابية ترى إلى العروبة كجزء من السورية وكركن أساسي من أركان وطنية سورية ديمقراطية. ونحرص على تمييز هذه الرؤية عن وجهة استبعادية ترى أن المرء لا يستطيع أن يكون عربيا إلا إذا كف عن كونه سورياً أو مسلما أو مسيحيا، أو سنيا أو شيعيا،.. إلخ، ولا يستطيع بالمقابل أن يكون سورياً إلا إذا كف عن كونه عربيا أو كرديا، مسلما أو مسيحيا. أي أننا نعترض على العروبة المطلقة، عقيدة "العروبة أولا"، كما نرفض السورية المطلقة، عقيدة "سوريا أولا". نرى كذلك أن سورية لا يمكن أن تكون ديمقراطية على أرضية أي من التوجهين الاستبعاديين المذكورين. فأول الديمقراطية الاعتراف بالواقع الوطني بكل تعقيده وأبعاده. وأول التمثيل الديمقراطي للسوريين هو التمثيل الديمقراطي لواقعهم، أي صياغة مفاهيم مفتوحة على تعقيدات الواقع الفعلي للمجتمع السوري.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.