تم تفعيل حالة الطوارئ من قِبل قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 بموافقة الأجهزة الأمنية التونسية في الجيش والشرطة. وكان هذان الجهازان، لا سيّما، نقابات الشرطة، التي تتعرض لانتقادات شديدة، في قلب الصراعات الدائرة في الأشهر الأخيرة، بين رئيس الدولة قيس سعيد ورئيس حكومته، هشام المشيشي. وقد أجرت مالك لكحل، الباحثة المرتبطة بمبادرة الإصلاح العربي، محادثة مع أودري بلوتا، طالبة الدكتوراه في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية بآكس، والتي تناولت أطروحتها موضوع تطور الأجهزة الأمنية في تونس منذ عام 2011.
هل يمكنكِ أن توضحي لي، سياق تطور عمل نقابات الشرطة في تونس؟
ما يجب أن تعرفيه قبل كل شيء، هو أن أول احتجاجات قام بها أفراد الشرطة في تونس تعود إلى تاريخ 15 يناير/كانون الثاني 2011، كان ذلك في صفاقس، قبل أن تنتشر رقعتها لتصل إلى تونس العاصمة في 17 يناير/كانون الثاني. كان الهدف من هذه المظاهرات، دفاع الشرطة عن أنفسهم، وحماية أنفسهم، لا سيّما من خلال إنشاء نقابة خاصة بهم. كان شهر يناير/كانون الثاني 2011 بمثابة صدمة حقيقية بالنسبة لأفراد الشرطة، حيث تعرض الكثير منهم للهجوم في منازلهم أو تلقوا تهديدات، وبالتالي كان إنشاؤهم للنقابات بمثابة رد فعل وقائي ضد هذه الحركات الاحتجاجية الجماهيرية.
جرت مفاوضات مع العديد من المديرين العامين في وزارة الداخلية في ذلك الوقت، وكلهم عارضوا إنشاء النقابات - مثلما يعارض أي رئيس مؤسسة مثل هذه المطالب، إذا جاز التعبير، فرفع هؤلاء المدراء في البداية، من أجل تهدئة غضب الشرطة، رواتبهم بمقدار مائة دينار، واقترحوا عليهم تشكيل جمعية، لكن، تم رفض العرض واستمروا في الضغط حتى حصولهم في 25 مايو/أيار 2011 على مراجعة الأنظمة الأساسية لقوى الأمن الداخلي، تسمح لهم بالتنظيم في نقابات.
توجد العديد من نقابات الشرطة في تونس، أولها النقابة الوطنية لقوى الأمن الداخلي (SNFSI، معروفة فيما بينهم باسم "الوطنية"). بطبيعة الحال، من المعقد جداً، الحصول على أرقام رسمية دقيقة تخص عدد أعضاء هذه النقابة، وكل ما نعرفه هو العدد الذي يصرحون به هم أنفسهم، في حدود 64000 عضو. تضم هذه النقابة مختلف هيئات وزارة الداخلية، لكنها تشمل أيضاً هيئات السجون والحماية المدنية. إذاً كانت هناك في بداية الأمر هذه النقابة، لكن بسرعة، في يوليو/تموز 2011، انشقت كتائب النظام العام (BOP) عن التنظيم الأول. وقد استفادت هذه الديناميكيات الانشقاقية في ذلك الوقت من دعم قدمته لهم الهيئة المديرة بالوزارة، عملاً بالمنطق المعروف "فرق تسد". وقد شجع المدراء العامون والمسؤولون السياسيون في وزارة الداخلية آنذاك، على إنشاء العديد من النقابات.
وهكذا شهدت تونس ولادة نقابة منافسة: نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل (SFDGUI)، ويتعلق الأمر بنقابة كتائب النظام العام، BOP، المسؤولة عن حفظ النظام أثناء المظاهرات، والتي تشكلت وفق نموذج الشركات، أي أن أعضاءها لا بد أن يكونوا أولاً عناصر لِحفظ النظام العام، لكن يمكنهم في الوقت نفسه عقد تحالفات مع نقابات أخرى، مثل نقابة الحرس الوطني أو الأمن العام أو حتى الحماية المدنية. تضم هذه النقابة في مجموعها، حوالي 34000 عضو.
ما هي العلاقة التي تربط نقابات الشرطة بشبكات التواصل الاجتماعية؟
هناك العديد من الأشياء التي لا بد من التمييز بينها. فمن جهة، هناك الصفحات الرسمية والوطنية لمختلف النقابات، وفي هذا المجال، نسجل شكلاً من أشكال الاحتراف في استخدام الشبكات الاجتماعية. لدى نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل SFDGUI على سبيل المثال فريق – يتشكل من عناصر الأمن ولكن أيضاً من المدنيين - مهمتهم "الإدارة المجتمعية"، يعملون مع خبراء الاتصال على سبيل المثال. لديهم أيضاً فريق مكوّن من بضعة عناصر تابعين لكتائب BOP، أربعة أو خمسة لا أكثر، يجوبون شوارع كافة أرجاء تونس، ويلتقطون الصور ومقاطع الفيديو ويضعون منشورات على موقع "فيسبوك". أما النقابة الرئيسية الأخرى، "الوطنية"، فقد عيّنت مديراً مجتمعياً، مسؤولاً عن إدارة صفحتها على "فيسبوك". يتولى أعضاء آخرون، داخل النقابة، مهمة إدارة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي والصفحة الرسمية. لكن عملياً، لا تملك اللجان التنفيذية الوطنية سوى القليل من السيطرة على صفحات مكاتبها الإقليمية أو المحلية. في مارس/آذار الماضي، على سبيل المثال، نشرت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل (SFDGUI) بياناً صحفياً (في إطار المفاوضات مع رئيس الحكومة بشأن الاتفاقات القطاعية) دعا فيه أعضائه للتحلي بضبط النفس على الشبكات الاجتماعية. في حين لا تملك اللجان التنفيذية لهذه النقابات السيطرة على صفحات الأقسام المحلية. وإذا حللنا محتوى الصفحات المختلفة لإحدى نقابات الشرطة نفسها، نلاحظ العديد من الاختلافات بين الصفحات الرسمية للنقابتَين وبين الصفحات الإقليمية والمحلية. زادت حدة هذه التناقضات خلال شتاء عام 2021 عندما تصاعدت الاحتجاجات المناهضة للشرطة. وهكذا، في فبراير/شباط الماضي، نظم الفرع المحلي للنقابة "الوطنية" مظاهرة في صفاقس. وخلال هذه المظاهرة، اعتدى أفراد من الشرطة لفظياً على المتظاهرين، ونعتوهم "بالشيوعيين" أو "الملحدين". وكان لافتاً للنظر على الشبكات الاجتماعية، أن الاتهامات والأوصاف المستخدمة من قِبل الفرع المحلي لهذا الاتحاد، اتسمت بشراسة أكبر، مقارنة بما يمكن قراءته على الصفحة الرسمية للنقابة، وأن تهجمات الفرع المحلي تتم بشكل أكثر انتظاماً ضد المتظاهرين.
كيف تحوّلت نقابات الشرطة لأداة صراع بين رأسي السلطة التنفيذية؟
إذا كانت الأرقام المعروضة سابقاً حقيقية – وهذا أمر يصعب التحقق منه – علماً أن هناك ما يقرب من 98000 موظف في وزارة الداخلية (وفقاً لقانون المالية لعام 2020)، فهذا يعني أن جميع أفراد الشرطة تقريباً منتسبون إلى نقابات، أو أن البعض منهم ينتمي إلى أكثر من نقابة واحدة. من المحتمل أن تكون الأرقام مبالغ فيها، لكن مع ذلك، يمكن اعتبار أنها تنطوي على قدر مهم من التمثيل. وهذا يمنحها وزناً يفوق حقيقتها، في المفاوضات مع الوزارة الوصية، ولكن أيضاً مع رئيس الحكومة. يجب أن نعلم أن نقابات الشرطة عندما لا تتفاوض مع إدارتها، فإنها تتفاوض مباشرة مع رئيس الحكومة. في الواقع، لم يكن رئيس الجمهورية يتدخل إلا قليلاً، وبطريقة يمكن اعتبارها رمزية إلى حد ما. وكان قيس سعيد قد دعا، على سبيل المثال، لتوحيد النقابات في فبراير/شباط 2021، وهي دعوة يمكن اعتبارها محاولة لمراقبتها بشكل أفضل والتحكم في عملها، لأن ما يحدث على أرض الواقع، هو أن هناك الكثير من النقابات، بما يجعل من الصعب جداً على السلطة التنفيذية السيطرة عليها.
هناك تحدي حقيقي يواجه السلطة التنفيذية: من جهة تملك هذه النقابات تمثيلاً يبدو مهماً للغاية، ومن ناحية أخرى، لديها سلطة حقيقية في التعيينات. في صفاقس على سبيل المثال، تظاهر أفراد من الشرطة ضد مدير المنطقة وتمكنوا من الحصول على قرار نقله. وهذا يدل على أن لديهم نفوذاً حقيقياً، وبالتالي، من مصلحة السلطات العامة الحصول على موافقة هذه النقابات.
لماذا فضلوا قيس سعيد على رئيس الحكومة هشام المشيشي؟
استناداً إلى مقابلة سابقة أجريتُها وبناءً على مطالعة ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو لي أنه في الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، سبق لأفراد الشرطة أن أعربوا عن عدم موافقتهم على السياسة المتبعة من قِبل رئيس الحكومة المشيشي. من طبيعة الإنسان أن ينسى، لكن من المفيد التذكير بأنه أثناء مظاهرات نقابات الشرطة المحلية ضد المتظاهرين، وجّه أفراد الشرطة هجماتهم ضد رئيس الحكومة وحمّلوه المسؤولية، لا سيّما فيما يخص الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. من ناحية أخرى، حمّلوا المشيشي مسؤولية إقالة توفيق شرف الدين، وزير الداخلية المعين من قِبل سعيد في سبتمبر/أيلول 2020، قبل عزله واستبداله بالمشيشي نفسه في يناير/كانون الثاني 2021، على خلفية الصراع مع قيس سعيد. عيّن المشيشي عدة شخصيات في وزارة الداخلية، من بينهم لزهر لونغو، الذي أُقيل بعد أيام قليلة من 25 يوليو/تموز 2021، مع الإشارة لأن هذا المسؤول كان محل انتقادات شديدة من قبل النقابات، لا سيّما بسبب صِلاته المفترضة أو المؤكدة بحركة النهضة، وتم أيضاً التحقيق معه للاشتباه في تورطه في قضايا فساد في عهد بن علي. وتم تخفيض رتبته عقاباً له، ورغم ذلك، عيّنه المشيشي رئيساً لأجهزة المخابرات في أبريل/نيسان الماضي. وهذا أمر مثيرٌ للاهتمام، لأن أحد ردود الفعل الأولى للنقابة الوطنية على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" بعد 25 يوليو/تموز كان تصريحها "هذا جيد، لكن الآن ينبغي أن تقوم التعيينات داخل أجهزة المخابرات على أساس الكفاءات وليس على المحاباة"، في إشارة لتلك التعيينات التي عارضتها النقابة.
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه في 25 يوليو/تموز قُمعت الاحتجاجات بعنف من قِبل كتائب حفظ النظام العام BOP، وهذا يتناقض مع صورة تلك الأمسية التي شهدنا فيها عناصر الشرطة يحتفلون بإعلان قيس سعيد. ويمكن تفسير ذلك أيضاً بوجود ذاكرة حقيقية ليوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 لدى أعضاء نقابات الشرطة والشرطة بشكل عام. لا بد من التذكير بأن أصل فكرة إنشاء النقابات الشرطية، هو حماية أنفسهم من الغضب الشعبي ومن ثمّ التنظيم كنقابة. وتحديداً، في يوليو/تموز، لعب هذا العنصر دوراً مهماً في رد فعل الشرطة، أو ما يمكن أن نصفه بنوع من الرغبة في عدم الوقوع في الجانب الخطأ.
كيف يمكن تفسير دعم الجيش للانقلاب؟
إذا أخذنا في الاعتبار أشكال تدخل الجيش في عام 2011، يبدو لي أن ما فعله الجيش يوم 25 يوليو/تموز غير مفاجئ إلى حد ما. عند تأكيد قيس سعيد في أبريل/نيسان الماضي أنه "القائد الأعلى لجميع القوات المسلحة"، كان يشير بوضوح إلى إمكانية اللجوء للقوات العسكرية والأمنية في سياق صراعه السياسي مع المشيشي والغنوشي. إلى جانب ذلك، وقّع العديد من أفراد الجيش على رسالة موّجهة لرئيس الجمهورية، تدعوه بشكل خاص إلى استخدام المادة 80 من الدستور. وكان مستشار الدفاع والأمن السابق للرئيس الباجي قائد السبسي، الذي ترأس مجلس الأمن القومي، الأميرال كمال العكروت، قد دعا هو أيضاً إلى استخدام هذه المادة 80. لكن مع ذلك، تظل تدخلات الجيش في الحياة السياسية محدودة للغاية. علينا أيضاً أن نتابع على أرض الواقع كيف ستتطور الأمور في المستقبل، وما هي الاستخدامات التي سيلجأ إليها قيس سعيد. لقد ترك الباجي قائد السبسي إلى قيس سعيد إرثاً يتمثل في مجلس أمن قومي بصلاحيات واسعة بشكل كبير، والسؤال المطروح هل سيستخدمها سعيد بالطريقة نفسها؟ إننا أمام المجهول نوعاً ما، لكن حتى الآن لا أعتقد أن الأمر كذلك، بالمقابل، ما يجب أن يثير القلق هو إدانة مدنيين في محاكم عسكرية، حتى وإن كان هذا الأمر للأسف ليس بالجديد.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.