لبنان: الانتخابات البلدية بعيدة المنال

(c) ناصر طلال / الأناضول

بعد توقف دام تسع سنوات اتسم بالتأجيل المتكرر، يستعد لبنان لإجراء الانتخابات البلدية، لكن الجدول الزمني لا يزال غير مؤكد. هناك سيناريوان محتملان: إما أن تجري الانتخابات في موعدها المقرر، وفقًا للجدول الزمني الذي أعلنه وزير الداخلية والبلديات في 24 آذار/مارس (حيث تمتد الانتخابات من 4 إلى 25 أيار/مايو)، أو أن يتم تأجيلها في اللحظة الأخيرة لأسباب "تقنية" وأمنية، كما كانت الحال في كثير من الأحيان في الماضي.

وإذا أُجريت الانتخابات في الموعد المعلن، فستكون الانتخابات بمثابة انتصار زائف للالتزام بالدستور والعملية الديمقراطية، ولكن من المرجح أن تحصل فوضى لوجستية بسبب عدم كفاية الوقت المتاح للتحضير لها. وعلى الرغم من أن التأجيل قد يبدو انتكاسة، إلا أنه قد يمنح المؤسسات الحكومية متنفّسًا للتحضير للانتخابات بشكل أكثر منهجية وإدخال الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.

وعلى الرغم من تأكيدات وزير الداخلية والبلديات وتصريحات نواب مثل جهاد الصمد – رئيس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النيابية – بأن الجهود جارية لإجراء الانتخابات في موعدها، إلا أن العقبات العملية لا تزال قائمة. فمع عدم تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات، وعدم تأمين الميزانية اللازمة، وعدم توجيه الدعوات إلى الهيئات الناخبة، وعدم صدور مراسيم رسمية لإضفاء الطابع الرسمي على العملية أو فتح مجال الترشيح، وعدم وجود ضمانات أمنية في ظل تجدد الغارات الإسرائيلية على بيروت وجنوب لبنان، فإن تنظيم الانتخابات في الموعد الدستوري هو أمر صعب المنال.

وبعيداً عن التحديات اللوجستية المباشرة لإجراء الانتخابات، تلحّ الحاجة إلى إصلاح نظام الانتخابات البلدية الذي يعاني من أوجه قصور هيكلية وديناميكيات اجتماعية وسياسية راسخة تعيق التنمية المحلية الحقيقية.

التحديات التي تواجه الانتخابات البلدية لعام 2025

التطبيع الخطير للانتخابات

لقد تأجلت الانتخابات البلدية في لبنان (التي يفترض أن تُجرى كل ست سنوات) مرارًا وتكرارًا – حيث انتخبت المجالس الحالية في أيار/مايو 2016. وفي عام 2022، تذرعت الحكومة بالصعوبات اللوجستية والتداخل مع الانتخابات النيابية لتبرير التأجيل الأول. وفي عام 2023، اتُّخذت الصعوبات المالية كحجة للتأجيل الثاني. وفي نيسان/ أبريل 2024، مدد مجلس النواب ولاية المجالس البلدية والاختيارية (مجالس الحكم المحلي المنتخبة على مستوى الأحياء أو القرى) حتى أيار/مايو 2025، متذرعاً بمخاوف أمنية بسبب النزاع المسلح بين حزب الله وإسرائيل. وفي حين يؤكد المسؤولون الآن أن الانتخابات ستُجرى في موعدها، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي تدابير ملموسة لضمان هذا الإجراء، ما يثير المخاوف من تأجيل الانتخابات مرة أخرى في اللحظة الأخيرة. وقد أدت هذه التمديدات المتكررة إلى إصابة الحكم المحلي بالشلل، حيث إن العديد من البلديات إما غير فعالة أو يديرها محافظون وقائمقامون (مفوضو الأقضية) في وضع تصريف الأعمال.

وتعكس هذه التأجيلات الخلل السياسي الأوسع نطاقاً في لبنان. فتاريخياً، تأجلت الانتخابات النيابية والبلدية مراراً وتكراراً. وفي حين تأجلت الانتخابات النيابية عدة مرات على مدى العقدين الماضيين، إلا أن هذا التأجيل هو الأول من نوعه للانتخابات البلدية منذ عام 1998. وغالباً ما سعى النظام السياسي القائم على أساس طائفي في البلاد، والمقاوم بشدة للإصلاح، إلى تجنب الانتخابات عندما لا يمكن توقع نتائجها. وتتناسب التأجيلات الأخيرة مع هذا النمط، حيث سمحت للنخبة الحاكمة بالإبقاء على قبضتها على السلطة دون مواجهة المساءلة الانتخابية.

العقبات المتبقية التي تواجه طموحات الحكومة

أتاح انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف رئيس الوزراء نواف سلام، وهو قاضٍ مرموق ذو مكانة دولية، فرصة للتفاؤل بإمكانية إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر. وقد تجلّى طموحهما المعلن في عودة الدولة إلى الوقوف على قدميها من جديد في تصريح وزير الداخلية الأخير. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الخطاب، لا تزال هناك العديد من العقبات العملية التي تنتظرنا.

ولم يتم بعد تعيين اللجنة العليا للانتخابات، المكلفة بالإشراف على العملية الانتخابية. وينص الإطار القانوني الذي وضع بموجب قانون الانتخابات لعام 2017 (القانون رقم 44) على تعيين أعضاء اللجنة العليا للانتخابات قبل ستة أشهر على الأقل من إجراء أي انتخابات. وبدون وجود اللجنة العليا للانتخابات، فإن المضي قدمًا في إجراء الانتخابات من شأنه أن ينتهك القانون ويثير مخاوف بشأن النزاهة والشرعية.

وعلاوة على ذلك، لم تبدأ الإجراءات الإدارية اللازمة لدعوة الهيئات الناخبة ووضع اللمسات الأخيرة على لوائح الشطب. ومع تبقي أسابيع فقط على الموعد النهائي للانتخابات في أيار/مايو، فإن عدم الاستعدادات يجعل من المستحيل عملياً إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. فبموجب القانون، يجب على الحكومة أن توجه الدعوة الرسمية للهيئات الناخبة قبل 90 يومًا على الأقل من موعد الانتخابات لضمان توفير الوقت الكافي للاستعدادات اللوجستية والإدارية.

وبالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من تخصيص أموال للانتخابات في موازنة العام 2025 التي أقرت مؤخرًا، إلا الأموال اللازمة لم تؤمن بعد. وأخيرًا، لم تصدر أي مراسيم لإضفاء الطابع الرسمي على العملية، ولم يتم إرسال أي دعوات لتسجيل المرشحين، ما يجعل الجدول الزمني بأكمله في حالة من عدم اليقين.

ما هي الإصلاحات المطلوبة على المديين القصير والطويل؟

مراكز التصويت الكبرى: الفاكهة المتدلية

إن حجم الدمار والنزوح الذي لحق بالسكان في أعقاب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، بالإضافة إلى القتال الدائر في البلدات الحدودية في الهرمل على الحدود اللبنانية السورية، يفرض تحديات كبيرة أمام إجراء الانتخابات، حيث إن العديد من مراكز الاقتراع لم تعد صالحة. وقد أصبحت إقامة مراكز اقتراع كبرى – مراكز اقتراع مركزية مجهزة لخدمة أعداد كبيرة من الناخبين – أمراً بالغ الأهمية في هذا السياق. ومن شأن هذه المراكز أن توفر أماكن آمنة يسهُل وصول المواطنين إليها لممارسة حقهم في التصويت، خاصة بالنسبة للنازحين أو المقيمين في المناطق التي دُمرت فيها البنية التحتية. ولن تؤدي إقامة المراكز الكبرى إلى تسهيل الجوانب اللوجستية للعملية الانتخابية فحسب، بل ستبعث بإشارة قوية من الثنائي عون-سلام إلى مرونة المؤسسات الديمقراطية في لبنان.

كما يمكن للمراكز الانتخابية الكبرى أن تشجع على إقبال الناخبين، لا سيما الناخبين المسجلين في البلدات التي لم يعودوا يقيمون فيها. في الوقت الحالي، يمتنع العديد من الناخبين عن المشاركة في الانتخابات لأنه عليهم قطع مسافات طويلة للإدلاء بأصواتهم. عبر توفير مراكز تصويت أكثر ملاءمة ومركزية، يمكن أن يتشجع الناخبون على المشاركة الكثيفة.1Jouhari, I. (2023, December). Voting Megacentres and the Future of Lebanon’s Elections. Democracy Reporting International. Retrieved from https://democracy-reporting.org/en/office/lebanon/publications/Voting%20Megacentres%20and%20the%20Future%20of%20Lebanon%E2%80%99s%20Elections

وفي حين أن إقامة المراكز الكبرى تتطلب بعض الوقت، إلا أنها تبقى ثمرة متدلية نسبياً. إذ إنّ العمل اللوجستي والإداري سهل ومباشر، والجدول الزمني للتنفيذ أقصر بكثير من الجدول الزمني للإصلاحات الانتخابية الأكثر تعقيداً. علاوةً على ذلك، يمكن للمراكز الانتخابية الكبرى أن تخفض تكاليف الانتخابات بشكل كبير من خلال توحيد مراكز الاقتراع وتحسين كفاءتها. ويحظى استحداثها بدعم واسع النطاق من الجهات المانحة الدولية، إذ أنها تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية لضمان إجراء انتخابات آمنة وميسّرة، لا سيما في بيئات ما بعد النزاع. وبالتالي، يمكن واقعياً إقامة مراكز الاقتراع الكبرى في الوقت المناسب للانتخابات البلدية إذا تأخرت حتى خريف 2025، ما يوفر خطوة مهمة نحو استعادة نزاهة الانتخابات.

هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية ولكن من غير المرجح أن تتم في ظل التركيبة السياسية الحالية

ويرى البعض أن الانتخابات البلدية يجب أن تُجرى بعد إجراء إصلاحات أساسية في الحوكمة والمسائل المالية، حيث تعاني البلديات حالياً من عدم كفاية التمويل وضعف الهياكل المؤسسية. هناك أربعة إصلاحات هيكلية من شأنها أن تعزز حوكمة البلديات، ولكن من غير المرجح أن يقوم البرلمان الحالي – الذي تهيمن عليه القوى السياسية التقليدية – بإجراء هذه الإصلاحات في ولايته الحالية التي تنتهي في أيار/مايو 2026.

الاندماجات البلدية

أحد الإصلاحات الأساسية والمثيرة للجدل في الوقت نفسه هو دمج البلديات. فلبنان لديه مشهد حكم محلي مجزأ يتألف من 1062 بلدية – وهي أعلى كثافة في الكيلومتر المربع على مستوى العالم. هذه التجزئة الإقليمية الشديدة تضعف القدرة على القيام بمبادرات تنموية شاملة، وتقوض الإدارة السليمة. لطالما دعت منظمات مثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية (DRI) – حيث كنت أعمل حتى وقت قريب – إلى الاندماج لتعزيز قدرات البلديات وخلق وفورات في الإيرادات وتحسين تقديم الخدمات.2الصديق، ز. (2024، ديسمبر/كانون الأول). تعزيز الديمقراطية المحلية في لبنان: دمج البلديات نموذجا. المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية، تم الاسترجاع من ومع ذلك، فإن هذه المقترحات لا تلقى ترحيباً من قبل اللاعبين السياسيين المهيمنين تقليدياً في لبنان – سواء كانت الأحزاب الطائفية على المستوى الوطني أو حلفاءها المحليين – لأن الإصلاحات التي تخلق وحدات إدارية بصلاحيات واسعة تقوض السياسات العائلية والعشائرية التي تعتمد عليها السياسة البلدية.

تعزيز الإيرادات البلدية

ومن الإصلاحات الرئيسية الأخرى تعزيز إيرادات البلديات. فمعظم البلديات تعاني من نقص في التمويل والموظفين، حيث تعتبر 75% منها صغيرة الحجم، و20% متوسطة الحجم، و5% كبيرة.3Democracy Reporting International. (2020, November). Restructuring subnational governance in Lebanon: Toward Efficient Public Spending and Reduced Regional Inequalities. Retrieved from https://democracy-reporting.org/en/office/lebanon/publications/restructuring-subnational-governance-in-lebanon. وينبع هذا الضغط المالي من ثلاث مشاكل: أولاً، لا تزال عائدات الضرائب البلدية ضئيلة مقارنة بالصلاحيات الإدارية الممنوحة للمجالس البلدية.4تشمل مصادر الإيرادات الأساسية للبلديات في لبنان رسم القيمة التأجيرية، والرسم على رخص البناء، والمخصصات من الصندوق البلدي المستقل. حتى عام 2019، كانت أكثر من نصف بلديات لبنان تعمل بميزانية سنوية تبلغ نحو 100 مليون ليرة لبنانية (نحو 67,000 دولار أمريكي آنذاك) - وهو مبلغ متواضع بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها بموجب القانون. ثانياً، يتم تخصيص حصة البلديات من الصندوق البلدي المستقل على أساس صيغة غير عادلة، ويتم تحويلها من خلال أقساط غير منتظمة. ثالثاً، على الرغم من دعم بعض المشرعين للمقترحات القانونية التي وضعها المعهد الديمقراطي اللبناني والمؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم في العام 2023 لتعزيز مالية البلديات،5Democracy Reporting International. (2023, July). DRI and LFPCP launch two draft laws on municipal fees and surtaxes. Retrieved from https://democracy-reporting.org/en/office/lebanon/news/DRI إلا أن الكتل النيابية الأكثر نفوذاً رفضت هذه الجهود متذرعةً بـــ"عدم وجود زخم" وأولويات أخرى ملحة.

اللامركزية الإدارية

وفي صميم إصلاح الحكم المحلي تكمن اللامركزية الإدارية، وهي التغيير الأكثر جوهرية، ولكنه بعيد المنال. ففي حين أن الزعماء السياسيين غالباً ما يتشدّقون باللامركزية، لا تزال الأحزاب المهيمنة مترددة في الانخراط بشكل جدي في هذا الاتجاه. ومن شأن النظام اللامركزي القائم على المجالس الإقليمية المنتخبة أن يعرقل العمل السائد في السياسة اللبنانية: فهو لن يعيد توزيع الثروة الوطنية بطريقة تجعل من الصعب على عدد قليل من الأحزاب الاستحواذ عليها، كما تفعل حالياً من خلال سيطرتها على الوزارات فحسب، بل سيفتح الباب أيضاً أمام ظهور جهات سياسية جديدة. بعد سنوات من المداولات في اللجنة الفرعية البرلمانية المعنية باللامركزية، تم تعليق المناقشات إلى أجل غير مسمى في تشرين الأول/أكتوبر 2019 بسبب الخلافات السياسية العميقة حول أربع قضايا خلافية: (1) اللامركزية المالية والضريبية، (2) الشرطة الإقليمية وإنفاذ القانون، (3) إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، (4) نموذج الحكم في بيروت. كما توقفت جهود طموحة مماثلة لتحديث قانون البلديات لعام 1977 (آخر تعديل له في عام 1997) بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية. وقد علّقت اللجنة الفرعية التي تم تشكيلها لمراجعة القانون في حزيران/يونيو 2019 عملها في تشرين الأول/أكتوبر 2023، دون وجود مسار واضح للمضي قدمًا. وبصفتي أحد الحاضرين في هذه المناقشات، فقد شهدت بنفسي كيف أن المشرعين كانوا يتناقشون في الدوائر الانتخابية، ولم يحرزوا تقدمًا يذكر.

يسمح نظام الحوكمة البلدية الضعيف للسياسيين بممارسة سيطرة أكبر على المجالس البلدية، ما يضمن بقاءها معتمدة على شبكات المحسوبية وموافقة الحكومة المركزية. وبالتالي، فإن النظام المجزأ الحالي يجعل من السهل على النخب السياسية التلاعب بالنتائج المحلية بدلاً من التنافس مع سلطات إقليمية أقوى وأكثر استقلالية.

وهذا هو السبب في أن إجراء إصلاح شامل لنظام الحكم المحلي في لبنان غير واقعي على المدى القصير. فإعادة النظر في القوانين والأنظمة هي عملية طويلة الأمد، ومن المرجح أن يكون التقدم تدريجياً. ومع ذلك، فإن إبقاء هذه المسألة على جدول الأعمال السياسي أمر ضروري. يجب على دعاة الإصلاح أن يدركوا أن السياسة هي فن الممكن، وعليهم أن يعملوا ضمن الصعوبات القائمة مع وضع الانتخابات البرلمانية لعام 2026 نصب أعينهم كفرصة لإحياء النقاش.

اعتماد قانون المحاصصة بين الجنسين

لا تزال السياسة البلدية، مثلها مثل السياسة الوطنية، حكراً على الرجال بأغلبية ساحقة. يهيمن على المجال السياسي كبار الشخصيات الذكورية التي تتشبث بعقليات عفا عليها الزمن وترفض الأفكار التقدمية والفاعلية الفردية باعتبارها مثالية ساذجة وتفتقر إلى الخبرة. ينبع هذا الموقف الاستسلامي من البديهية الضمنية القائلة بأن "هذا هو لبنان، ولن يتغير أبدًا". وهو موقف انهزامي متعمد ويهدف إلى تثبيط عزيمة عوامل التغيير ودفعها إلى الاستسلام. إن هذه الانهزامية ليست فقط لا أساس لها من الصحة، بل هي أيضاً تديم نفسها بنفسها.

وتمتد هذه القبضة الأبوية الخانقة على السياسات البلدية إلى ما هو أبعد من النوع الاجتماعي لتشكل هيكل الحكم المحلي ذاته. فقد حولت العقليات العشائرية والقبلية المتجذرة بعمق في التفكير الأبوي المجالس البلدية إلى ترتيبات مصغرة لتقاسم السلطة، حيث يجب أن تكون كل عائلة ممثلة فيها. وبدلاً من تعزيز المنافسة الحقيقية حول برامج أو رؤى التنمية، أصبحت هذه المجالس ساحات للتمثيل التافه والوجاهة الاجتماعية وتعزيز النفوذ. لا ينصب التركيز على الحوكمة، بل على السلطة الرمزية – حيث يتم التعامل مع المناصب المنتخبة كعلامات على النفوذ العائلي بدلاً من كونها وسائل للخدمة العامة.

ويفسر هذا الإقصاء على الأرجح سبب غياب النساء والشباب إلى حد كبير عن الانتخابات البلدية. في عام 2016، شكلت النساء 5.6% فقط من أعضاء المجالس البلدية المنتخبة، وهي إحصائية تسلط الضوء على التحيزات الجنسانية الراسخة والثقافة السياسية التي تهمش شرائح كبيرة من المجتمع. هذا النقص في التمثيل لا يقلل من شرعية الحكم المحلي فحسب، بل يحرم البلديات من وجهات النظر المتنوعة الضرورية للتنمية المحلية.

تتمثل إحدى الخطوات الحاسمة نحو تصحيح هذا التمثيل الناقص في اعتماد كوتا نسائية. وقد ظهرت الفكرة لأول مرة في عام 2006 مع لجنة فؤاد بطرس التي اقترحت تخصيص كوتا نسائية بنسبة 30% للنساء في اللوائح الانتخابية. وقد أثرت هذه التوصية على جهود الإصلاح اللاحقة، مثل مشروع قانون الانتخابات البلدية الذي قدمه زياد بارود عام 2010، والذي لم يتم اعتماده أبدًا. وبعد مرور عقد من الزمن، في عام 2021، تجسدت اندفاعة متجددة من أجل الكوتا النسائية في شكل مشروع قانون مدعوم من قبل تحالف يضم أكثر من 50 منظمة، بما في ذلك الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية. كما دافع العديد من النواب عن تبنيه، ولا سيما عناية عز الدين، وبلال عبد الله، وسامي الجميل، وسيمون أبي رميا، وندى البستاني، ونجاة عون، وحليمة قعقور. ومع ذلك، وعلى الرغم من جهود المناصرة المتزايدة والمحاولات المتجددة للإسراع في إقرار هذا التدبير، لا تزال المؤسسة السياسية في لبنان6​ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. (20 شباط/فبراير 2025). " الكوتا النسائية الآن: خارطة طريق لإقرار قانون الكوتا النسائية في الانتخابات البلدية" https://www.undp.org/lebanon/press-releases/gender-quota-now-roadmap-endorse-gender-quota-law-municipal-elections. غير راغبة في إقرار قانون من شأنه أن يخل بالنظام الأبوي الذي تتغذى عليه.

الفرص المحتملة للإصلاحيين

وحتى لو كان من المستبعد إجراء الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها لإطلاق إمكانات الحكم البلدي في لبنان قبل الانتخابات المقبلة، فلا يزال بإمكان القوى ذات العقلية الإصلاحية استخدام الانتخابات المقبلة للدفع بأجندة إصلاحية - شريطة أن تضخّ مضمونًا برنامجيًا في الحملات الانتخابية، وتعتمد عمليات اختيار المرشحين الشاملة، وتحشد النساء والشباب ليس فقط كناخبين، بل كمرشحين لتحدي النظام الأبوي المتجذر، وتصوغ استراتيجية لتأمين نجاحات تدريجية في المعارك البلدية الرئيسية.

رهانات الانتخابات البلدية المقبلة

وعادة ما تتحول العملية الانتخابية البلدية في لبنان – ببلدياته الصغيرة الكثيرة – إلى تنافس على الولاءات العائلية الصغيرة المتجذرة بعمق لدرجة أنها تطغى على أي خطاب موضوعي حول الحوكمة. ويفتقر معظم المرشحين حتى للفهم الأساسي لقانون البلديات والحوكمة، ناهيك عن رؤية متماسكة للتنمية. وعادةً ما تكون الحملات الانتخابية خالية من المحتوى البرنامجي، وتقوم بدلاً من ذلك على الروابط التقليدية وشبكات المحسوبية. ويؤدي ذلك إلى استمرار الواقع حيث يعطي المسؤولون المنتخبون الأولوية للمكاسب الشخصية على حساب الصالح العام، ما يؤدي إلى وعود سطحية وغياب مزمن للتقدم الملموس.

إنني أشهد هذا الخواء بشكل مباشر هذا العام. فمع اقتراب يوم الانتخابات، تنهال عليّ طلبات الاستشارة من رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية الطموحين، ومعظمهم لا يملكون أي رؤية أو وعي باحتياجات ناخبيهم ولا يفهمون القوانين واللوائح البلدية. فبدلاً من البحث عن إرشادات حقيقية، يبحث المرشحون عن أفكار جاهزة لإعادة تغليفها في تعهدات انتخابية جوفاء، ويتدافعون لاختلاق أجندة لا يفهمونها ولا ينوون تنفيذها، ما يديم بالتالي جولة من الخطابات الفارغة والجمود.

وعلى الرغم من أن الروابط العائلية وديناميكيات السلطة المحلية تلعب دوراً أكبر في الانتخابات البلدية من الانتماء الحزبي، إلا أن الحسابات السياسية المعقدة لا تزال تلوح في الأفق. وتبذل الأحزاب التقليدية جهوداً إضافية للحفاظ على أهميتها خلال هذه الفترة التي تشهد تضاؤل نفوذها بسبب ركود الاقتصاد والسخط العام والانقسامات الداخلية.

وبالتالي، ستكون نتائج الانتخابات البلدية بمثابة مقياس للمزاج العام، ويمكن أن تؤثر على الزخم المؤدي إلى الانتخابات البرلمانية. وقد يؤدي الأداء الضعيف للأحزاب التقليدية على المستوى المحلي إلى إضعاف قوتها التفاوضية وترجيح كفة المرشحين المستقلين أو غير المنحازين، وربما يشير إلى مزيد من الخسائر في الانتخابات النيابية. وبالنظر إلى هذه المخاطر، تأخذ الأحزاب التقليدية الانتخابات البلدية على محمل الجد.

استراتيجيات الجماعات المستقلة والإصلاحية

وتواجه الجماعات المستقلة والإصلاحية معركة شاقة في تحدي هذا النظام الراسخ. ومع ذلك، فقد أظهرت الانتخابات النيابية لعام 2022 إمكانية فوز المجموعات المستقلة، مع تحالفات مثل "شمالنا" و"التقدم"، بمقاعد برلمانية. ومن خلال اعتماد عمليات اختيار المرشحين الشاملة، يمكن للمستقلين تكرار هذا النجاح على المستوى البلدي. وللاستفادة من هذه اللحظة، يجب على الجهات الفاعلة المستقلة والمجموعات السياسية النظر في استراتيجيات مخصصة للبلديات الكبيرة والصغيرة على حد سواء.

ففي المراكز الحضرية الرئيسية، من غير المرجح أن يحصل المستقلون في المراكز الحضرية الكبرى على مجالس بلدية كاملة بسبب المصالح السياسية الراسخة. ومع ذلك، يمكنهم زيادة تمثيلهم من خلال تشكيل تحالفات مع أفراد غير حزبيين أو وسطيين. كما أن تقديم مرشحين ذوي علاقات مجتمعية قوية والتزام بالإصلاح – وبعضهم قد يكون منتمياً إلى حزب – يمكن أن يلقى صدى لدى الناخبين الذين يبحثون عن بدائل للمرشحين التقليديين.

فالبلديات الصغيرة، التي قد تكون غير جذابة للأحزاب الكبرى بسبب التضخم المفرط الذي يؤثر على الميزانيات المحدودة أصلاً، يمكن أن تشكل أرضاً خصبة للمستقلين، حيث يكون العمل فيها مجانياً تقريباً. ومن خلال تقديم قوائم شاملة أو قوائم الأغلبية، يمكن للمستقلين تحقيق انتصارات كبيرة على المستوى المحلي قد تغير المشهد السياسي بشكل جماعي. وعلى الرغم من تواضع هذه الإنجازات على المستوى الفردي، إلا أنها تحمل أهمية رمزية ويمكن أن توجد زخمًا لتغيير أوسع على المستوى الوطني.

وفي هذا السياق، فإن التحدي المشترك للأحزاب التقليدية والجماعات البديلة على حد سواء هو ضمان التمثيل المسيحي في المجالس البلدية في بيروت وطرابلس. فعلى عكس الانتخابات النيابية، التي تلتزم بنظام المحاصصة الطائفية، تسمح الانتخابات البلدية بالمناصفة بين المرشحين، حيث يمكن للناخبين المزج بين مرشحين من لوائح مختلفة. كانت هذه الديناميكية واضحة في الانتخابات البلدية في طرابلس عام 2016، حيث فشل المرشحون المسيحيون والعلويون في الحصول على مقاعد في المجلس البلدي. ويثير غياب شخصية سياسية سنية مهيمنة في أي من المدينتين للتوسط في تحالفات تضمن التمثيل المسيحي خطر استبعاد هذه الطوائف من الحكم البلدي. أما بالنسبة للجماعات البديلة، فإن وضع نفسها كوسيط لشراكات شاملة بين المسلمين والمسيحيين في هاتين المدينتين يمكن أن يعزز مكانتها ويمكنها من التعامل مع الوضع لصالحها، وربما الخروج في المقدمة في الانتخابات المقبلة.

من أجل تنشيط النظام البلدي في لبنان، هناك حاجة إلى تغيير جذري. ومن شأن تشجيع المشاركة الفعّالة للنساء والشباب في الانتخابات المحلية أن يضخّ منظورات جديدة ويعرقل شبكات المحسوبية الراسخة التي تهيمن على السياسات البلدية.

وينبغي على الجماعات السياسية المستقلة وغير المنتمية أن تضمّن هذه الإصلاحات في حملاتها الانتخابية، وأن تدعو ليس فقط إلى إنشاء مراكز انتخابية كبرى واعتماد قانون الكوتا بين الجنسين، بل أيضاً إلى دمج البلديات الصغيرة وزيادة إيرادات البلديات، تمهيداً لتحقيق اللامركزية الإدارية. وبدون هذه الإصلاحات، فإن الانتخابات المقبلة قد لا تكون أكثر من مجرد ممارسة رمزية، تقدم وهم الديمقراطية بينما تديم نظامًا معيبًا للغاية.

Endnotes

Endnotes
1 Jouhari, I. (2023, December). Voting Megacentres and the Future of Lebanon’s Elections. Democracy Reporting International. Retrieved from https://democracy-reporting.org/en/office/lebanon/publications/Voting%20Megacentres%20and%20the%20Future%20of%20Lebanon%E2%80%99s%20Elections
2 الصديق، ز. (2024، ديسمبر/كانون الأول). تعزيز الديمقراطية المحلية في لبنان: دمج البلديات نموذجا. المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية، تم الاسترجاع من
3 Democracy Reporting International. (2020, November). Restructuring subnational governance in Lebanon: Toward Efficient Public Spending and Reduced Regional Inequalities. Retrieved from https://democracy-reporting.org/en/office/lebanon/publications/restructuring-subnational-governance-in-lebanon.
4 تشمل مصادر الإيرادات الأساسية للبلديات في لبنان رسم القيمة التأجيرية، والرسم على رخص البناء، والمخصصات من الصندوق البلدي المستقل. حتى عام 2019، كانت أكثر من نصف بلديات لبنان تعمل بميزانية سنوية تبلغ نحو 100 مليون ليرة لبنانية (نحو 67,000 دولار أمريكي آنذاك) - وهو مبلغ متواضع بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها بموجب القانون.
5 Democracy Reporting International. (2023, July). DRI and LFPCP launch two draft laws on municipal fees and surtaxes. Retrieved from https://democracy-reporting.org/en/office/lebanon/news/DRI
6 ​ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. (20 شباط/فبراير 2025). " الكوتا النسائية الآن: خارطة طريق لإقرار قانون الكوتا النسائية في الانتخابات البلدية" https://www.undp.org/lebanon/press-releases/gender-quota-now-roadmap-endorse-gender-quota-law-municipal-elections.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.