ملخص تنفيذي
بالرغم من أن مصر تعد من أكثر الدول جفافا، والأعلى من بين دول العالم اعتمادا على مصدر أوحد للمياه يتمثل في نهر النيل، والذي يوفر أكثر من 93% من احتياجات مصر المائية، بحسب الوثائق الحكومية المصرية، إلا أن الحديث عن الأزمة المائية في مصر يتسم بغلبة التركيز على مدى إلزام اتفاقات المياه في الماضي مع بعض دول حوض النيل، أو عن صحة أخبار في الحاضر من شروع إثيوبيا في ملء وتشغيل سد النهضة من عدمه. وبالتالي يغيب عن المشهد الحديث عن مربط الفرس، ألا وهو مدى التأثيرات المحتملة لتشغيل سد النهضة على نصيب الفرد في مصر سنويا من المياه، الآن وفي المستقبل القريب والبعيد.
جدير بالذكر أن أزمة سد النهضة على حداثتها -منذ قرار إثيوبيا الأحادي ببناء سد النهضة بالمنطقة الحدودية الإثيوبية -السودانية- هي أحد العوامل التي قد تساهم في تكريس وزيادة ندرة المياه في مصر، ولكنها ليست العامل الوحيد، إذ ساهمت قبلها -ولا تزال تساهم- كل من الزيادة السكانية المطردة، وكذا التغيرات المناخية المتسارعة في التأثير على نصيب الفرد من المياه في مصر.
تحاول هذه الورقة -موجز السياسات- أن تسلط الضوء على جوهر الأزمة المائية في مصر، وخلفياتها التاريخية، ثم تسرد بشكل سريع بعض الأمثلة للمشروعات التي قامت بها الدولة المصرية مؤخرا، أو تشرع في القيام بها ضمن استراتيجية إدارة الموارد المائية الجديدة (2016 – 2050). وأخيرا، تسلط الورقة الضوء على أهمية أن يكون هناك تقييم مستمر لجدوى وتأثيرات هذه المشروعات، بشكل شامل، وليس من منظور مائي بحت، بل منظور أكثر شمولا يتضمن الأبعاد والعوامل والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، والبيئية، والثقافية، والسياسية. وتحاول تقديم بعض التوصيات واستخلاص بعض الدروس من أحد مشاريع المياه الكبرى الذي شرعت مصر فيه بالمشاركة مع السودان منذ قرابة خمسين عاما، وهو مشروع قناة جونجلي.
اقرأ المزيدمقدمة
شهد عام 2011 قرار إثيوبيا الأحادي ببناء سد النهضة بالمنطقة الحدودية الإثيوبية -السودانية، وهو ما تلاه اعتراضات مصرية استنادا على تأثيراته المحتملة على نصيب مصر من مياه النيل، إذ تعتمد مصر على مياه نهر النيل، ولا تتعدى المصادر الأخرى للمياه 7% من الموارد المائية، والذي تأتي 85 في المئة منه من مياه رافد النيل الأزرق من المنابع الإثيوبية، وتقدر إجمالي حصة مصر بـ 55,5 مليار متر مكعب سنويا. كما تعتمد مصر في إنتاج طاقتها على حوالي 7.3% من إجمالي الطاقة المولدة في البلاد على الطاقة الكهرومائية حاليا.
وعقب مرور عقد من 2011، أصبح سد النهضة الإثيوبي حقيقة واقعة، بعد أن استغرق بنائه 10 سنوات، وبالتالي فإن التعامل مع تأثيراته المحتملة على نصيب الفرد من المياه في مصر، وكذا التأثيرات البيئية والاقتصادية وغيرها على مصر هو أمر شديد الأهمية، ولا بد أن يقع في صلب أي سياسة واستراتيجية مائية يتم رسم ملامحها. لكن تقف العديد من التحديات في طريق إجراء دراسات جادة تستشف وتتعمق في هذه التأثيرات. ومن أبرز هذه التحديات هي العراقيل الإثيوبية أمام إشراك دولتي المصب مصر والسودان في لجان تشرف وتتابع عمليات تشغيل وملء سد النهضة.
وفي ظل الخطر المحدق الذي استمر يهيمن على هذا الملف، وهو التأثيرات المحتملة من التشغيل الإثيوبي المنفرد لسد النهضة دون اتفاق يشمل دول المصب، مصر والسودان، ويراعي مصالح سكانهما، فإن من المهم استكشاف كيف تعاملت الحكومات المصرية المتعاقبة مع ملف السياسات المائية، في سياق ملئ بالمخاطر، ولا يقتصر على خطر تأثيرات سد النهضة المحتملة فقط.
سياسات مائية في سياق ملئ بالمخاطر
يكاد يبلغ عمر الاتفاقات الدولية التي تستند عليها مصر في التأكيد على حقها في حصة المياه من حوض النيل قرابة ال 100 عام. إذ شكلت المعاهدة الإنجليزية–المصرية في عام 1929 إحدى أولى هذه الاتفاقات، ثم جاءت بعدها الاتفاقية المصرية – السودانية في العام 1959، بعد ثلاثة أعوام من استقلال السودان عن الحكم الإنجليزي–المصري المشترك؛ وفيها تم زيادة الحصة السنوية المضمونة لمصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب، وزيادة حصة السودان إلى 18.5 مليار متر مكعب. وتتجه إثيوبيا إلى رفض هذه الاتفاقات، وتحاجج بأنها اتفاقات غير ملزمة لها، كونها تمت في حقبة استعمارية كما في حالة اتفاقية 1929، أو لم تشملها كطرف كما في حالة اتفاقية 1959.
يعتبر الحديث عن الفقر المائي والتهديدات التي تحيط بمسألة الاستدامة المائية في مصر هو حديث قديم متجدد. إذ أن مصر كانت قد دخلت مرحلة الفقر المائي منذ ما قبل شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة بسنوات، حيث بلغ نصيب الفرد من المياه في مصر 740 متر مكعب سنويًا في عام 2007. وجدير بالذكر أن حد الفقر المائي العالمي هو ألف متر مكعب للفرد سنويا. ومن المقدّر أن يبلغ نصيب الفرد من المياه في مصر متوسط مقداره 566 متر مكعب سنويا بحلول عام 2025، وذلك وفقا لوزارة الري والموارد المائية المصرية.
إذا فحقيقة أن مصر قد دخلت مرحلة الفقر المائي هو أمر ليس نتيجة مباشرة على قضية سد النهضة الإثيوبي وتداعياته على نصيب مصر من مياه نهر النيل. ويمكن إجمالا تحديد 3 عوامل رئيسية وأسباب جذرية وراء ندرة المياه في مصر، وتؤدي إلى تفاقم الفقر المائي الحاد فيها إلى الآتي:
- النمو السكاني المتزايد: يعتبر الانفجار السكاني في مصر من أخطر الظواهر التي تؤثر على كافة القضايا تقريبا، بما فيها السياسات المائية، ففي دولة مثل مصر - وهي الأكبر من حيث عدد السكان في العالم العربي كله وتحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان في القارة الإفريقية بعد إثيوبيا ونيجيريا - فإن استمرار النمو السكاني المطرد يساهم في تفاقم الأزمة المائية.
- سد النهضة: بالرغم من أن تأثيرات تشغيل وملء سد النهضة لا تزال غير محددة ومعروفة بدقة، فإن توجه إثيوبيا الأحادي في تشغيله وعدم تقديم ضمانات كافية لدولتي المصب تراعي احتياجات شعوبهم المائية هو أمر يزيد من القلق والمخاوف حول تأثيرات تشغيل السد، ناهيك عن وصول المفاوضات في هذا الشأن إلى طريق مسدود، بعد تصعيد الأمر لمجلس الأمن، والاتحاد الإفريقي.
- تأثر مصر بالتغيرات المناخية: هناك حاجة لمزيد من الدراسات في هذا الصدد، لاستشفاف مدى تأثر الموارد المائية المختلفة في مصر بالتغيرات المناخية، وموائمة وإعادة تصميم السياسات المائية وفقا لهذه المتغيرات.
فمقارنة بنصيب الفرد من المياه الذي كان يبلغ 1893 متر مكعب سنويا في عام 1959، فإن الزيادة السكانية المهولة والمتضاعفة التي تشهدها مصر تؤثر أبلغ الأثر على الأمن المائي. فالمفارقة أنه حتى ولو استبعدنا من الناحية النظرية أي تأثير سلبي لأعمال بناء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي على نصيب الفرد من المياه، فإن مصر ستظل في مرحلة الفقر المائي الحاد.
بدأت مصر في تسليط مزيد من الاهتمام التشريعي على السياسات المائية وفي القلب منها نهر النيل، بوضع أول تشريع خاص بحماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث، وهو القانون رقم 48 لسنة 1982. لكن غاب حينها البعد الاستراتيجي والمتمثل في صياغة سياسات مائية وإشراك المجتمع فيها. وجاءت الخطوة المتأخرة في وضع استراتيجية لتنمية وإدارة الموارد المائية لتظهر في نهاية عام 2016 وتصدر من وزارة الري والموارد المائية. إذ تقع ضمن صلاحيات واختصاصات وزارة الري اختصاص وضع السياسات المائية اللازمة "لضمان تغطية كافة متطلبات الزراعة والصناعة والشرب والملاحة".
وبقراءة متعمقة لاستراتيجية تنمية وإدارة الموارد المائية حتى عام 2050 يتبين أن هناك فجوة كبيرة بين الموارد المائية المتاحة 59.25 مليار والاحتياجات المائية لمصر 110 مليار تبلغ الضعف تقريبًا. كما أنه على الرغم من اختصاص الوزارة بوضع السياسات المائية في مصر، إلا أنه هناك العديد من الأجهزة والوزارات الحكومية والتي تعتبر من أصحاب المصالح الرئيسيين عند الحديث عن السياسات المائية، ويبلغ عدد الوزارات التي قد تتداخل صلاحياتها ومصالحها ونطاق اختصاصاتها فيما يتعلق بمسألة المياه في مصر عدد 10 وزارات، وهو الأمر الذي يستدعي الحاجة إلى مزيد من الجهد للتنسيق وضمان عدم تعارض الاختصاصات. كما أنه لا توجد مؤشرات تدل على اتباع أي من أدوات الحوار المجتمعي أو إشراك أطراف المصالح المختلفين، وفي القلب منهم المواطنين في صياغة الاستراتيجية وهو ما قد يعد أحد نقاط الضعف، إضافة إلى افتقار الاستراتيجية للاعتماد على أهداف قابلة للقياس، وتركيزها على عرض خريطة استخدامات المياه في مصر، وكذا بعض البيانات الأخرى المتعلقة بالمياه، والتي وإن كان من المهم إتاحتها وعرضها للجمهور كما تم في الاستراتيجية، إلا أنها وحدها غير كافية.
وبرسم خريطة استخدامات المياه في مصر يتضح أنه على عكس ما يمكن توقعه من أن تكون مياه الشرب والاستخدام المنزلي، أو المياه التي تستخدمها الصناعة هي من تنال الحصة الأكبر من استخدامات المياه، نجد أنه في الحقيقة تحظى الزراعة وأعمال الري الخاصة بها بنصيب الأسد تحديدا ب 80% من استخدامات المياه في مصر. وبالرغم من أن هذا الرقم هو من وزارة الري المصرية، إلا أنه بتدقيق أكبر، ضمن إصدارات الوزارة نفسها، وتحديدا استراتيجية الموارد المائية 2050، يتبين أن هناك نسبة لا بأس بها من استخدامات قطاع الصناعة للمياه تأتي أيضا من شبكة مياه الشرب، وهي نسبة تتراوح ما بين 15-30% من جملة احتياجات قطاع الصناعة، والبالغة حوالي 5.40 مليار متر مكعب (دون الأخذ في الاعتبار مياه التبريد المستخدمة ضمن توليد الكهرباء) وذلك في عام 2015، بحسب الاستراتيجية.
مشروعات مائية جديدة في إطار حوكمة أفضل
بعد توضيح المخاطر الرئيسية التي تهدد الأمن المائي، من المهم التساؤل عن كيف تعاملت الحكومات المصرية المتعاقبة مع ملف السياسات المائية من ناحية إيجاد بدائل مثل مشاريع تحلية مياه البحر، ومن ناحية إيقاف إهدار المياه مثل مشاريع تبطين الترع، وقرارات إيقاف زراعة المحاصيل التي تستهلك قدرًا كبيرًا من المياه، إضافة إلى تطوير منظومة استخدام مياه الشرب في المنازل المصرية لتصبح عن طريق الدفع المسبق. وهل تأتي كل هذه الإجراءات ضمن سياسة مائية أكبر؟
منذ اندلاع ثورة يناير في عام 2011 وتوالي الحكومات والأنظمة السياسية المتعاقبة بوتيرة أسرع بكثير مما شهدته الحالة السياسية في مصر لعقود – حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك البلاد طيلة ثلاثة عقود (1981-2011)، شهدت العديد من القضايا الاستراتيجية تغيرات كبيرة في طريقة الإدارة، وكان منها ملف السياسات المائية.
بعد أن كان هذا الملف حكرا على أجهزة أمنية سيادية، بينما يقتصر تناول الوزارات المدنية على أجزاء بسيطة من الملف تتمثل في حماية البيئة والمياه من التلوث؛ أصبح هناك انعكاس أكبر لأدوار الوزارات المدنية، وعلى رأسها وزارة الري والموارد المائية.
ولطالما اتسمت إدارة هذا الملف بالسرية وعدم الإتاحة، وكذلك بالاعتماد على ردود الأفعال والاستجابات للأحداث والتطورات، بدلا من المبادرة، والإعلان عن مشاريع طموحة لا يتم ترجمة العديد منها في أرض الواقع، ناهيك عن الافتقار في الاعتماد على استراتيجيات وخطط واضحة تستشرف المستقبل. وقد تغيرت هذه الأبعاد نسبيا، من بعد ثورة يناير 2011، سواء كنتائج مباشرة لحالة الزخم، أو نتائج غير مباشرة مرتبطة بها.
وبتسليط مزيد من الضوء على الأبعاد الأربعة التي قمنا برصدها ضمن التطورات الخاصة بعملية صنع السياسات المائية فيما بعد ثورة يناير 2011 نجد تحقق تقدم نسبي كالآتي:
سن تشريعات وإبرام اتفاقات جديدة وإتاحة استراتيجيات تستشرف المستقبل
قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوقيع إعلان مبادئ الخرطوم في 2015 مع كل من السودان وإثيوبيا، وهو إعلان مبادئ حسن نية للتعامل بخصوص المياه المشتركة في نهر النيل بين البلدان الثلاثة، وتضمنت اعترافًا مصريًا بسد النهضة، مع تأكيدات على عدم الإضرار بمصالح شعوب دول المصب ولا شعوب دول المنبع.
لأول مرة يتم العمل على استراتيجية متعلقة بإدارة الموارد المائية في البلاد، وإتاحتها للجمهور من قبل وزارة الري والموارد المائية في ديسمبر 2016. إذ تستهدف الاستراتيجية، بحسب ما هو وارد فيها، زيادة مصادر الموارد المائية من خلال تحلية مياه البحر بمقدار 1.5 مليار متر مكعب حتى عام 2030 واستخدامه في قطاع مياه الشرب. كما تستهدف مضاعفة هذه الكمية عام 2037. إضافة إلى أهمية إتاحة الاستراتيجيات وتفاصيل المشاريع المتعلقة بالمياه للجمهور وهو ما تم التقدم فيه، لكن تبقى هناك فجوة في إشراك أكبر للمجتمع في صنع السياسات وليس مجرد الوعي بها.
كما تم إصدار تشريع جديد كقانون لتنظيم المياه والصرف الصحي، في سبتمبر 2021، وهو ما تضمن إجراءات تهدف إلى الحفاظ على المياه وعدم التساهل في إهدارها، وكان رئيس الوزراء الحالي، د. مصطفى مدبولي، قد سبق له التقدم بمسودة المشروع عندما كان وزيرا للإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية في يناير 2016.
ويأتي هذا التوجه من زيادة التشريعات والإعلان عن استراتيجيات للمياه ضمن توجه أكبر للنظام المصري منذ يوليو 2013، وهو يتمثل في حوكمة لكافة القطاعات والمجالات، بما فيها قطاعات التكنولوجيا والحقوق الرقمية، والتي عانت من تهميش وتأخر تشريعي لعقود سابقة.
تنفيذ مشروعات متعلقة بالمياه على أرض الواقع
في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهد ملف السياسات المائية العديد من المشروعات، والتي قمنا بإحصاء لها فوجدناها تبلغ 30 مشروعًا، اكتمل أغلبها بواقع 27 مشروع، بينما يجري العمل على إنهاء ثلاثة مشاريع أخري وهي مشروع تحديث أنظمة وبوابات مفيض قناطر إسنا، ومشروع مفيض توشكى، وكذا مشروع محطة تحلية مياه البحر بالحمام بمحافظة مطروح.
يأتي المشروع القومي لتبطين الترع كواحد من أضخم المشاريع المائية في مصر، إذ بحسب الهيئة العامة للاستعلامات، وهي هيئة إعلامية حكومية مصرية، فإن تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع فقط يأتي "بقيمة تقديرية 2.8 مليار جنيه في زمام حوالي 398 ألف فدان. وتتوزع مصادر التمويل الموضوعة حاليًا بواقع 60% من الاعتمادات المحلية و25% قروضًا خارجية و15% في شكل منح من مؤسسات التمويل الدولية، التي تدعم عددًا من برامج أنظمة الري الحديث، وطرق ترشيد المياه في الدول النامية".
ويستهدف المشروع القومي لتبطين الترع خفض إجمالي يتراوح ما بين 15 إلى 19 مليار متر مكعب من المياه والتي يتم هدرها سنويا على ضفاف النيل، نظرا إلى قدم منظومة الترع في مصر، إذ يعود تأسيسها إلى عصر محمد علي، أي قرابة 200 عام، كما أنها تتكون من طبيعة طينية تسمح بتسرب المياه، وهو ما يستهدف المشروع إلى استبداله بألواح خرسانية يتم تبطين الترع بها، وهي نفس المنظومة الجديدة التي تم اتباعها في الترع الجديدة التي تمتد في شبه جزيرة سيناء.
بينما تبلغ الميزانية المرصودة لمشروع مفيض توشكي قرابة ال 5 مليارات جنيه مصري، وفي الجدول التالي الذي قمنا بإعداده وفقا لرصد المشروعات المائية المختلفة من الجهات الحكومية المصرية (من الهيئة العامة للاستعلامات، ووزارة الري، وموقع رئاسة الجمهورية) في الفترة من 2014 وحتى 2021:
اسم المشروع |
محافظة |
التكلفة |
حالة التنفيذ |
المساحة |
محطة لتحلية مياه البحر بالحمام |
مطروح |
140 مليون دولار |
جاري تنفيذه |
|
محطة تحلية مياه البحر بمدينة العريش |
شمال سيناء |
|
تم تنفيذه |
|
رافع مياه كرم أبو نجيلة |
شمال سيناء |
75 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
|
تطوير وتطهير البحيرات الشمالية |
القاهرة |
88.5 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
|
استكمال البنية القومية لتنمية شمال سيناء |
شمال سيناء |
9 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
|
تغطية الترع والمصارف بالمحافظات المختلفة |
القاهرة وعدة محافظات |
207.5 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
|
تطوير الخطة المتكاملة للموارد المائية |
القاهرة |
2.5 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
|
تأهيل وتبطين الترع والمجاري المائية بالمحافظات المختلفة |
القاهرة |
1.6 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
|
تطوير واستعادة كفاءة بحيرة مريوط |
الإسكندرية |
|
تم تنفيذه |
|
تنمية منابع حوض نهر النيل |
القاهرة |
435 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
|
تشغيل الآبار بالطاقة الشمسية |
القاهرة |
110 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
|
مشروعات الخطة العاجلة بغرب الدلتا لمواجهة أخطار السيول |
القاهرة |
1.25 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
|
إعادة تأهيل قنطرة فم ترعة الإبراهيمية |
أسيوط |
|
تم تنفيذه |
|
حماية وتطوير السواحل والشواطئ المصرية |
القاهرة |
|
تم تنفيذه |
|
حفر وتجهيز الآبار الجوفية بمناطق مختلفة |
القاهرة |
|
تم تنفيذه |
|
حفر ٥٠ بئر بمنطقة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد |
الوادي الجديد |
152.939 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
|
مشروعات تبطين الترع بمحافظة بنى سويف |
بني سويف |
531 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
272 كم |
مشروعات تأهيل وتبطين الترع ومخرات السيول بمحافظه المنيا |
المنيا |
1.373 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
492 كم |
مشروع تبطين ترعة الشيخ سويف |
أسيوط |
18 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
7790 كم |
محطة مصرف بحر البقر |
بورسعيد |
1.2 مليار دولار |
تم تنفيذه |
|
محطة معالجة مياه الصرف الصحي بمنطقة أبورواش |
الجيزة |
6.2 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
600 كم2 |
افتتاح محطة الصرف الصحي بدفرة |
الغربية |
١٠٠ مليون جنيه |
تم تنفيذه |
٥٠ كم طول |
مفيض توشكى |
أسوان |
4.934 مليار جنيه |
جاري تنفيذه |
333 مليون متر |
سحارة سرابيوم |
الإسماعيلية |
1.3 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
400 متر |
سدود الإعاقة السيول بالغردقة |
البحر الأحمر |
|
تم تنفيذه |
|
تحديث أنظمة وبوابات مفيض قناطر إسنا |
قنا |
100 مليون جنيه |
جاري تنفيذه |
|
تطوير بحيرة البردويل بشمال سيناء |
شمال سيناء |
120 مليون جنيه |
تم تنفيذه |
595 كم² |
تشغيل ٢٥ بئر جوفي بالطاقة الشمسية بمركز الداخلة |
الوادي الجديد |
|
تم تنفيذه |
|
أعمال الحماية من أخطار السيول |
القاهرة |
2 مليار جنيه |
تم تنفيذه |
324 منشأ |
رفع كفاءة قناة سورجان بدمياط |
دمياط |
|
تم تنفيذه |
750مترًا |
دروس مستفادة وعملية تقييم مستمر للسياسات المائية
يعتبر التقييم الدوري والمراجعة المستمرة للتقدم في الأهداف الموضوعة ضمن عملية صنع السياسات العامة هو أحد المعايير المحورية لنجاح أو فشل السياسات. وبتطبيق ذلك على السياسات المائية المصرية نجد عدة ملاحظات وتوصيات جديرة بأخذها في الاعتبار كالآتي:
- من المهم أن تتضمن الاستراتيجية المائية أهدافا ملموسة وقابلة للقياس وأرقاما واقعية، بدلا من الكلام العام والفضفاض؛ وهو ما يغيب عن الاستراتيجية الحالية إذ تضمنت سردا لأرقام ووصفًا عامًا لأهداف طموحة لكن غير قابلة للقياس، فعلي سبيل المثال فإن الهدف العام للاستراتيجية ينص على "تحقيق الأمن المائي لمصر من خلال تحقيق إدارة مستدامة للموارد المائية" ولا يوجد توضيح لماهية الأمن المائي، وكيفية تحقيقه، في الوقت الذي يتدهور فيه نصيب الفرد من المياه سنويا، ويستمر الازدياد المطرد للسكان، والذي من المتوقع أن يصل إجمالي السكان في مصر لأكثر من 175 مليون نسمة في عام 2050. وبالرغم من نص الاستراتيجية على لزوم وضع "استراتيجيات مائية علمية وواقعية وقابلة للتنفيذ" فإن كثير من الأهداف التي تضمنتها لم تكن متدرجة ضمن إطار زمني، ناهيك عن عدم كونها قابلة للقياس أصلًا، مثل الهدف العام للاستراتيجية المتمثل في تحقيق الأمن المائي دون تعريفه.
- ويأتي جمهور المواطنين كطرف رئيسي في مقدمة أصحاب المصالح في قضية المياه، ولذلك فهناك أهمية متزايدة لتعزيز عملية التوعية بمخاطر وضع الندرة المائية والفقر المائي المتزايد في مصر حاليًا، والسعي لمزيد من إشراك المواطنين والمجتمع المدني في صياغة السياسات المائية والتوعية بها.
- استمر سعي مصر في تضمين موارد مائية مستهدفة خارج حدود الدولة للعمل عليها ضمن السياسة المائية، وتقع المشروعات المستهدفة لتلك الموارد المائية في أعالي النيل، ومنها مشروع قنـاة جونجلى، مشروع بحر الغزال، مشروع مستنقعات موشار. وبالرغم من كونها أهداف طموحة، وأفكار خارج الصندوق لتوفير الموارد المائية، وتلبية الاحتياجات المائية المتزايدة للدولة المصرية، إلا أنها قد تحمل تحديات مضاعفة، وبعضها قد يكون خارج سيطرة صانع القرار المصري. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وانطلاقا من اتفاقية النيل بين مصر والسودان في عام 1959، فإن مشروع جونجلي رغم السير في تنفيذه، تعرض للتعطل مرارًا، ولم يتم تحقيق الأثر المرتجى منه.
- يمكن التركيز على حالة مشروع قناة جونجلي بما فيها من دروس وخبرات مستفادة كأحد الحالات المهمة والجديرة بالدراسة حتى يتسنى لنا الأخذ في الاعتبار العديد من المعايير عند تقييم ودراسة جدوى المشاريع الطموحة التي شرعت السلطات المصرية في العمل عليها فيما يتعلق بالسياسات المائية.
دراسة حالة وتقييم أثر مشروع قناة جونجلي |
بناء على الاتفاقية الثنائية 8 نوفمبر 1959، وكونها سارية المفعول على مصر، تضمنت النص على العمل على مشروعات تهدف إلى الحد من الهادر من مياه النيل، في مستنقعات بحر الجبل، وبحر الزراف، وبحر الغزال، وفروعه، ونهر السوباط وفروعه، وحوض النيل الأبيض، على أن يكون صافي الفائدة مناصفة بين البلدين وكذلك مشاركة التكاليف مناصفة أيضًا.
- يوليو 1976: تم إسناد العمل في مشروع قناة جونجلي لشركتين فرنسيتين CCI & CFE وتم بالفعل حفر 265 كم من إجمالي طول القناة البالغ 360 كم. بنسبة تنفيذ بلغت 70%.
- عام 1983: على إثر الاضطرابات في جنوب السودان، توقف حفر القناة مؤقتا.
- فبراير 1984: توقف العمل في المشروع نهائيًا، بعد هجوم المتمردين على معسكر السوباط، وقيامهم بتدميره، وتدمير معدات الشركتين، فلجأت الشركتين إلى التحكيم.
- عام 1988: أصدرت هيئة التحكيم حكماً لصالح الشركتين، يتضمن إلزام وزارة الري بالسودان بصفتها المتعاقد بدفع تعويض لهما.
- 12 مارس 1991: أصدرت المحكمة العليا بالمملكة المتحدة أمرًا بتنفيذ الحكم.
- عام 1992: تم توقيع اتفاق بين السودان والشركتين، بموجبه تحدد المبلغ الواجب سداده ب 17.5 مليون دولار أمريكي. وتضمن تقسيط سداده، على فترات محددة.
- عام 2000: بحلول العام، كانت مصر والسودان قد قامتا بسداد 7.5 مليون دولار للشركتين بالمناصفة، وتبقى عليهما سداد 10 مليون دولار.
- 24 يوليو 2000: تم توقيع ملحق لاتفاقية التعويضات المبرمة سنة 1992، تم بموجبه، إعادة جدولة الدين المتبقي، بحيث يصبح القسط الأخير مستحقًا في 31 مارس 2007، بدلاً من 30 يونيو 2003.
إلا أن جمهورية السودان لم تقم بالسداد، فما كان من الشركتين إلا أن طالبتاها، بمبلغ مقداره 37,415,768 (قرابة 37.5 مليون يورو) عبارة عن المبلغ المستحق وفوائده.
وتبع ذلك إيقاف لحسابات وزارة الري السودانية في ثلاثة بنوك في فرنسا.
فقام المحامي العام في السودان بتقديم اعتراض على قرار محكمة التنفيذ بمصادرة أموال وزارة الري والموارد المائية السودانية، وقد بنى اعتراضه على أمرين:
1- أن المبلغ يستحق مناصفة بين مصر والسودان.
2- نظراً لانفصال جنوب السودان عن شماله، فإن هناك ترتيبات بين الشريكين (حكومة السودان، ودولة جنوب السودان) للنظر بشأن الديون الخارجية للسودان.
- 28 فبراير 2018 – انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، إلى التزام جمهورية مصر العربية باستكمال سداد باقي تكاليف الشركتين الفرنسيتين لمشروع قناة جونجلي.
ملحوظة: تم تجميع واستخلاص البيانات الموجودة في هذا الجدول اعتمادا على نص فتوى قضائية من مجلس الدولة المصري، وهي الفتوى رقم 303 بتاريخ 28 فبراير 2018، والموجهة إلى رئيس مجلس الوزراء المصري. |
خاتمة
هناك العديد من الآثار الإيجابية لمشاريع المياه التي جري تطبيقها في مصر خلال العقد الماضي (2011 – 2020)، وعلى وجه الخصوص المشاريع المتعلقة بالري والزراعة، إذ تبلغ احتياجات قطاع الزراعة 75% من إجمالي الاحتياجات المائية. ويأتي المشروع القومي لتبطين الترع كأحد أبرز هذه المشاريع، إذ قام النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي بتسريع وتيرة تطبيق المشروع، وتغيير الخطط الموضوعة له مسبقًا، فبعد أن كان من المفترض أن يتم الانتهاء من المشروع في عام 2030، أصدر الرئيس السيسي توجيهات تقضي بضرورة الانتهاء من المشروع في أقل من سنتين بدلا من 10 سنوات.
إلا أنه لا يزال هناك حاجة كبيرة لأن تراعي السياسات المائية كافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ولا تركز فقط على تحقيق أهداف متعلقة بالمفهوم البحت للأمن المائي من تساوي الموارد مع الاحتياجات. فمن الناحية الاقتصادية، ينبغي مراعاة العديد من المعايير المتمثلة في عدم التضحية بالأجيال القادمة وإثقال الميزانية العامة بالديون الداخلية والخارجية. بالإضافة إلى أنه من المهم أن يتم دمج العديد من المعايير والأهداف الاقتصادية من خفض نسب البطالة وتشغيل مزيد من العمالة الاحترافية المصرية في المشروعات المائية ومشاريع الطاقة.
فعند الحديث عن قضايا المياه، لا يمكن أن نختزلها بالحديث عن الأمن المائي فقط، صحيح أنه مهدد في مصر، إلا أن الحديث عن العدالة المائية أيضا هو جانب شديد الأهمية ضمن قضايا المياه، إذ ليس من المنصف أن يتم تحميل الأطراف الأضعف والأفقر والأكثر هشاشة اجتماعيًا واقتصاديًا ضمن المجتمع المصري أعباء متزايدة أو زيادات مهولة لتسعيرة المياه، في الوقت الذي يمكن اعتماد فكرة الشرائح الاستهلاكية، وفرض ضرائب لقطاعات الصناعة الاستهلاكية أو الرفاهية التي تعتمد على شبكة مياه الشرب، كما أوضحنا اعتماد قطاعات الصناعة على ما قد يصل إلى 30% من احتياجاتها على شبكة مياه الشرب.
مما يدعو للتفاؤل هو التقارب والنشاط الذي تقوم به الدبلوماسية المصرية، ومذكرات التعاون مع دول حوض النيل، وهي تعطي إيحاء بالتفاؤل والتطور بشكل مبدئي. إلا أن الاستدامة عنصر حيوي ينبغي أن يتم التركيز عليه، بحيث لا تتحول كل تلك الجهود إلى مجرد شكليات يتم تفريغها من معناها. تظل أفكار طموحة لكن ينقصها وجود أهداف ومعايير يمكن قياسها، إضافة إلى جدول زمني واضح للتنفيذ، وكذلك توزيع محدد للمسؤوليات بين أجهزة ووزارات السلطة التنفيذية.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.