ينشر هذا التقرير بالشراكة مع مؤسسة هاينريش بول - مكتب الشرق الأوسط
مقدمة
بدأت أكوام القمامة تتراكم مرة أخرى في شوارع المدن اللبنانية الكبرى , ؛ إنه سيناريو مألوف للغاية، ويعيدنا إلى عام 2014، عندما أوقفت شركة "سوكلين" -الشركة التي أُسندت إليها إدارة النفايات الصلبة في بيروت وجبل لبنان- عملياتها متسببة في امتلاء الشوارع بأكوام القمامة لعدة أشهر. مرة أخرى، تقف لبنان على حافة أزمة نفايات جديدة، لكن هذه المرة في دولة أكثر هشاشة وعلى حافة الهاوية. تحدث النفايات الصلبة تدميراً شديداً لشوارع بيروت وجبل لبنان من جهات عدة؛ ومنها عدم حصول المقاول على أجره، والتكلفة العالية للنقل التي تقلل معدل تكرار عمليات الجمع ، وإغلاق مدافن النفايات التي امتلأت عن آخرها، وكذلك عرقلة الأعمال في مدافن النفايات بسبب المتعدين الذين ينتظرون جمع المعادن وغيرها من المواد القيمة لبيعها وكسب المال، في الوقت الذي تمر فيه لبنان بأشد الأزمات الاقتصادية والمالية.
أدى غياب الإدارة المستدامة والمتكاملة للنفايات الصلبة في لبنان إلى حرمان المواطنين من حقهم في التمتع بصحة جيدة ؛ حيث إن تفريغ القمامة وإحراقها في الهواء الطلق -الذي يحدث بسبب تقاعس السلطات التنظيمية- له آثار سلبية على صحة السكان في المحيط المجاور. وقد أبلغ بعض الأفراد عن إصابتهم بأمراض تنفسية ومشاكل جلدية، بينما اشتكى آخرون من تدهور صحتهم العقلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإحراق القمامة في الهواء الطلق أن يتسبب في الإصابة بالسرطان وأمراض القلب. وقد تفاوت أثر هذه الممارسات على المجتمعات الفقيرة، نظراً إلى أن مواقع الحرق غالباً ما تكون على مقربة منها، كما أن هذه المناطق لا تستطيع تحمل تكاليف الرعاية الصحية .
علاوة على ذلك، فإن تكلفة التدهور البيئي الناتج عن عدم وجود خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة كانت تعادل 66.5 مليون دولار في عام 2012 ) وقفزت إلى 200 مليون دولار في عام 2018. وتنعكس تكلفة التدهور البيئي في فقدان الرفاهية وهو ما يظهر في تدهور جودة الحياة، والخسائر الاقتصادية والبيئية، وأمور أخرى. كان قطاع النفايات الصلبة مسؤولاً عن حوالي 10 ٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في البلاد في عام 2011، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المكبات المفتوحة، وحرق النفايات في الهواء الطلق في جميع أنحاء البلاد. ,
إن استراتيجية إدارة النفايات الصلبة المتكاملة على المستوى الوطني هي الحل الوحيد طويل الأمد لمشكلة النفايات الصلبة. وفي ظل غياب مثل هذه الخطة، وفي أعقاب أزمة النفايات الصلبة في عام 2015؛ حاولت العديد من الحركات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني والبلديات معالجة غياب الخطة الوطنية من خلال قيادة تدخلات صغيرة تعتمد على الفرز عند المصدر وتقييم النفايات، وذلك بغرض تقليل أحجام النفايات المرسلة إلى المكبّات. , , ومع ذلك، لا يمكن تنفيذ أي من هذه المشاريع على المستوى الوطني، لأن هذه المبادرات تعتمد على إرادة البلدية الضعيفة والمضطربة.
تستخدم هذه الورقة تحليل الأنظمة لاستكشاف كيف أن سوء إدارة النفايات الصلبة لم يكن سوى عملية صنع قرار سياسي مقصودة ومصممة لرعاية وحماية الاختلال الوظيفي من خلال المحسوبية وسيطرة النخبة. ستُقدّم الفرضية الأساسية باستخدام الرسم التوضيحي للعلاقات السببية، والذي سيجري تحليله بعد ذلك والتحقق من صحته من خلال دراسات الحالة التي تشمل بلديات: بيت مري وضهور الشوير وبريح.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.