ملخّص تنفيذي
تستمرّ تقييمات برامج الحماية الاجتماعية المموّلة من البنك الدولي والحكومة المصرية في التركيز على الإنجازات بينما تهمل حساب أثر تلك البرامج نفسها على تغيير معدلات الفقر بين المصريين. لذا يمكن النظر إلى التقييمات الصادرة عن مراكز أبحاث مستقلّة بشكل أفضل حيث إنها تناقش الإنجازات ومخرجات برامج الحماية مقارنة بالنوايا الأولية للبرامج.
تبنّت مصر برنامجاً للإصلاح الاقتصادي عام 2014 لسدّ عجز الموازنة، نتجت عنه أزمة اقتصادية زادت معها حاجة البلاد إلى النقد الأجنبي. دخلت مصر في دائرة من الاقتراض والتضخم المتتاليين حتى وقت كتابة هذه الورقة. واكب البرنامج الاقتصادي المصري ارتفاع الأسعار عموماً والسلع الغذائية خاصة، ممّا أدّى إلى ارتفاعٍ في مستوى عدم قدرة الأسر الفقيرة على مواجهة هذه الزيادات. لكن رغم ذلك، تستمرّ الحكومة المصرية في تنفيذ إصلاحات اقتصادية تعهّدت بها للمُقرضين وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، بتقليل حجم الدعم وزيادة عدد الأسر المستفيدة من برامج الحماية الاجتماعية.
قدّم البنك الدولي مبادرة قدرها 400 مليون دولار إلى الحكومة المصرية لحماية الفئات الأكثر عوزاً، لينطلق من خلال وزارة التضامن الاجتماعي برنامج الحماية الاجتماعية "تكافل وكرامة". حاولت الحكومة المصرية طوال سنوات تنفيذ "تكافل وكرامة" التسع تفادي مشكلات برامج الدعم السابقة خصوصاً المتعلقة بعدم وصول الدعم لمستحقّيه الفعليين. وبعد أن ظلّت مصر لسنوات تقدّم الدعم العينيّ من خلال برامج كثيرة أبرزها الدعم السلعي (التموين)، والذي يبلغ عدد المسجلين فيه أكثر من 60 مليون شخصٍ تقريباً من إجمالي السكّان، وتكرار الحديث عن وجود مشكلة دائمة تعوق وصول الدعم لمستحقّيه، حاولت الحكومة التوسع في اعتماد التحويلات النقدية من خلال برنامج "تكافل وكرامة" لضمان وصول الدعم للفئات المستهدفة. لكن هل حدثَ هذا الأمر فعلاً أم لا؟ تعكس نتائج التقييمات المتعددة التي تمّت بشأن برامج الحماية الاجتماعية وتحديداً "تكافل وكرامة" تفاوتاً في مدى إظهار نجاح البرامج أو تحقيقها لبعض المستهدفات وفشلها في أخرى، وذلك وفقاً للجهة المقيّمة و معايير التقييم المعتمدة.
مقدمة
سجّلت مصر معدّلاً مرتفعاً في نسب الفقر على مدار سنوات طويلة. تظهر الإحصاءات الرسمية أن ثلث الشعب تقريباً من الفقراء حيث يزيد عدد السكان عن المئة مليون. وصلت نسبة الفقر في عام 2023 إلى 27.3%، بينما كانت في 2019 تبلغ 29.2%، بانخفاض قدره 2% تقريباً.
ويصل معدل الفقر إلى 43% في المحافظات الريفية مقارنة بالمحافظات الحضرية. ومؤخراً وفي إطار محاولاتها للحصول على تمويل جديد، أفصحت الحكومة المصرية للبنك الدولي عن وصول معدل الفقر إلى 32.5% عام 2022 لكن لم يعلن هذا الرقم محلّياً. ولا يزال بحث الدخل والإنفاق الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء متأخّراً عن الصدور وهو البحث الذي صدرت آخر نسخة منه عام 2020/2019، مقدمةً خريطة كاملة لأوجه إنفاق المصريين ومداخيلهم. )
وتجدر الإشارة إلى أن معدلات الفقر تزداد بين الأسر التي يصل عدد أفرادها إلى 10 أفراد لتسجل 80.6% في 2020/2019، بينما تنخفض هذه المعدلات بين الأسر التي لا يزيد عدد أفرادها عن ثلاثة.
تطورت برامج الحماية الاجتماعية في مصر من المساعدات الخيرية خلال فترة الملكية ومساهمات المجتمع المدني في مساعدة الفقراء، إلى برامج التموين أو الدعم السلعي وصدور أول قانون للتضامن الاجتماعي رقم 119 لسنة 1952، وصولاً إلى برامج "تكافل وكرامة" للتحويلات النقدية حالياً. ونصّ الدستور المصري 2014 على التزام الدولة بتوفير الحماية الاجتماعية لكل المواطنين. ويتصدّر الفقر واجهة ما تسعى مصر إلى القضاء عليه من خلال برامج الحماية الاجتماعية التي تعمل على مساعدة الفئات الأكثر فقراً على مواجهة الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
أدى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى زيادة الاقتراض الخارجي، والضغط على العملة الأجنبية من أجل سداد الديون الخارجية التي وصلت نهاية عام 2023 إلى 165 مليار دولار، وهو ما يشكل أكثر من 96% من الناتج المحلي الإجمالي. تَبع ذلك تقليل الدعم الموجّه للكهرباء والوقود ورغيف الخبز والتعليم والصحة. وتمّ تحرير سعر الصرف لأكثر من مرّة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2016، حتى فقد الجنيه المصري أكثر من 400% من قيمته أمام الدولار. نتج عن هذه القرارات ارتفاع معدلات التضخم نهاية 2023 إلى 35.2%. ومع التعويم الأول للجنيه في 2016، بدأت الحكومة في تنفيذ برنامج الحماية الاجتماعية المعتمد على التحويلات النقدية المباشرة أو "تكافل وكرامة" بالتعاون مع جهات دولية للعمل على زيادة قدرة الفئات الأكثر فقراً على مواجهة التضخم وانفلات الأسعار.
وتعتبر منظمة الأمم المتحدة القضاء على الفقر حول العالم بحلول عام 2030 محوراً هامّاً لأجندة التنمية المستدامة ويأتي إنهاء الفقر كهدف أوّل ضمن أهداف هذه الأجندة. وجعل القرار 202 من قبل منظمة العمل الدولية الحماية الاجتماعية أحد مسارات "تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة". وأضحت برامج الحماية الاجتماعية جزءاً من تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر ضمن الأجندة الوطنية للتنمية المستدامة.
لذا تقوم هذه الورقة بمناقشة التقييمات التي صدرت بشأن برنامج "تكافل وكرامة" في مصر، بتفسير هذه التقييمات والهدف منها، ومدى تأثير الجهة المموّلة للتقييم على دقته ونتائجه، وما إذا كانت هذه النتائج تعبّر بالفعل عن حقيقة ما يُحدثه هذا البرنامج من تغييرٍ في الواقع أم لا.
أولاً: كيف يعمل برنامج "تكافل وكرامة"؟
بدأ برنامج الحماية الاجتماعية "تكافل وكرامة" في مصر عام 2015، لتخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية على الفئات الأكثر فقراً. وبشكل عام يمكن تعريف البرنامجين كالتالي:
تكافل: دعم نقدي يستهدف الأسر الأكثر فقراً ولديها أطفال، وله شروط متعلقة بالصحة والتعليم للسيدات والأطفال (أضيفت الشروط في المرحلة الثانية من البرنامج).
كرامة: دعم نقدي غير مشروط يستهدف الفئات الفقيرة فوق 65 سنة، أو من لديهم عجز أو إعاقة تمنعهم من العمل.
يقدّم "تكافل" دعماً نقدياً للفئات المغطّاة مع ربط الدعم بخدمات التعليم والصحة، حيث أضافت الحكومة شروطاً للبرنامج في عام 2018 تُلزم الأسر التي تحصل على التحويلات النقدية بذهاب الأبناء إلى المدارس بنسبة حضور 80% شهرياً، والذهاب لجلسات استشارات صحية في الوحدات الصحية ثلاث مرّات سنوياً بالنسبة للسيدات. ووصل عدد المستفيدين المباشرين وغير المباشرين من البرنامج في عام 2024 إلى 21 مليون مواطن بعد تسجيل 5.2 مليون أسرة. في المقابل تلتزم 51٪ من الأسر المسجلة بزيارة الوحدات الصحية، ويواظب أبناء 63% من الأسر على الحضور المدرسي بنسبة 80٪ كمستهدف لتطوير رأس المال البشري.
وتعمل الحكومة من خلال البرنامجين على قياس مستوى الدخل الفعلي لجمع المزايا النقدية المقدّمة من الدولة تحت مظلة واحدة. وفي هذا السياق، يجمع البرنامج بيانات تحليلية أكبر عن المواطنين أثناء تقدمهم للبرنامج، مما يساعد في أنشطة وبرامج أخرى صُمّمت انطلاقاً من "تكافل وكرامة" مثل برنامج الشمول المالي "فرصة" المعني بتوفير فرص عمل للمحتاجين ووصل عدد المستفيدين منه إلى 26.312 شخصاً.
شكل 1
برنامج "تكافل" (استحقاق أسري) - قرار مجلس الوزراء 540 لسنة 2015
الأسرة |
المبلغ الشهري (بالجنيه) |
القيمة بالدولار في 2015 |
المبلغ المستحق للأسرة المعيشية المستحقة |
325 |
41.6 |
التلميذ في المرحلة الإبتدائية |
60 |
7.6 |
التلميذ في المرحلة الإعدادية |
80 |
10.2 |
التلميذ في المرحلة الثانوية |
100 |
12.8 |
برنامج "كرامة" (استحقاق فردي)- قرار مجلس الوزراء 540 لسنة 2015
مسنّون فوق 65/معاقين غير قادرين على العمل |
المبلغ الشهري (بالجنيه) |
القيمة بالدولار في 2015 |
شخص واحد |
350 |
44.8 |
شخصان |
700 |
89.7 |
ثلاثة (حد أقصى) |
1050 |
134.6 |
المصدر: الجريدة الرسمية، 11 آذار/مارس 2015، العدد 10 مكرر (د).
*تمّ احتساب القيمة بالدولار حسب سعر الصرف الرسمي في نهاية عام 2015، وكان الدولار يساوي 7.8 جنيهات.
1- مراحل مشروع "تكافل وكرامة"
انقسم مشروع "تكافل وكرامة" منذ انطلاقه إلى ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى (2015-2018): شهدت إطلاق المشروع رسميًا بهدف مساعدة الأسر الأكثر احتياجًا على مواجهة التحديات الاقتصادية، وبداية تطبيق نظام صرف الدعم النقدي وتأسيس البنية التحتية للبرنامج.
- المرحلة الثانية (2018-2021): نظراً للمشكلات التي واجهتها المرحلة الأولى في تحديد المستحقّين للدعم، شهدت المرحلة الثانية تحديثاً للمعايير الخاصة بتحديد الأسر المستحقة بما يتناسب مع التطورات الاقتصادية، إلى جانب اتخاذ إجراءات إدارية لتحسين عملية صرف الدعم.
- المرحلة الثالثة (2021-2024): هدفت إلى توسيع خدمات البرنامج لتشمل التدريب المهني وربطه ببرامج تنموية أخرى مثل "فرصة" و"حياة كريمة". كما استهدفت المرحلة تحقيق الاستدامة المالية للبرنامج.
2- معايير الحصول على معاش "تكافل وكرامة"
وضعت وزارة التضامن الاجتماعي عدة معايير للحصول على التحويلات النقدية من "تكافل وكرامة"، وقد تمّ تجاهل بعض الشروط المتعلقة بالصحة والتعليم في المرحلة الأولى ثم تنفيذها في المرحلة الثانية من البرنامج عام 2018. وتمثلت شروط الوزارة في ألا يكون الشخص يعمل في الحكومة أو القطاع الخاص بأجر تأميني أكثر من 400 جنيه (7 دولارات ونصف)، أو يتقاضى معاشاً تأمينياً، وأن تكون الأسرة التي تريد الانضمام لبرنامج "تكافل" لديها أبناء من حديثي الولادة وحتى سن 18 عاماً، وأن يكونوا ملتحقين بمراحل التعليم المختلفة لمن هم في سنّ بين الـ6 و18 عاماً. كما اشترطت الوزارة بأن يكون الأفراد المتقدمين لبرنامج "كرامة" من المسنّين (أكبر من 65 عاماً)، أو من المرضى الذين لا يستطيعون العمل. وانطوى أحد الشروط على كثيرٍ من المعايير التي من شأنها منع صرف الدعم النقدي مثل: امتلاك نصف فدان أرض زراعية، أو امتلاك سيارة أو توكتوك أو دفع مصروفات مدرسية أكثر من 3 آلاف جنيه (62.5 دولار) للطفل الواحد سنوياً. ويصرف معاش "تكافل" للأسر بحدّ أقصى 3 أطفال.
ويتمّ توفير قاعدة بيانات برنامجي تكافل وكرامة لكلٍّ من وزارة التموين، بحيث يتمّ توفير الدعم السلعي أو بطاقات التموين للأسر المستفيدة، وكذلك لوزارة الصحة في إطار برنامج "اتنين كفاية" لتوعية الأسر التي لديها طفلان بالاكتفاء بهما، ولوزارة التعليم في برنامج "لا أمّية مع التكافل" لمحو أمّية السيدات المستفيدات من البرنامج، ولبرنامج "سكن كريم" بوزارة الإسكان لتحسين ظروف سكن الأسر شديدة الفقر، ولوزارة التضامن الاجتماعي-المنفّذة للمشروع- ببرنامج "الألف يوم الأولى من حياة الطفل" للاهتمام بالأطفال ووضعهم الصحي والغذائي خلال سنواتهم الأولى، و كذلك برنامج "فرصة" للتمكين الاقتصادي الذي بدأته وزارة التضامن عام 2022.
وتمّ توحيد جميع برامج التحويلات النقدية في إطار برنامج "تكافل وكرامة"، وأصدرت الدولة قانون التحويلات النقدية الموحّد لدمج المستفيدين من برنامج الضمان الاجتماعي القديم إلى "تكافل وكرامة"، وهو ما يسمح بتغطية مالية لما يقرب من 1.2 مليون شخص. وكإجراء مساند للبرنامج، صدر قانون جديد للتأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019، وقانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018. وبذلك أصبح البرنامج هو التحويل النقدي الوحيد في البلاد، تستهدف الحكومة من خلاله تحسين برامج الحماية الاجتماعية عموماً وباستخدام سجل البيانات الذي تديره هيئة الرقابة الإدارية المصرية.
ويقوم البرنامج على منهجية يتمّ من خلالها إعطاء المتقدّمين للحصول على التحويلات النقدية نقاطاً محددة طبقاً لآلية إحصائية تتعلق بمسح الدخل والإنفاق المعلن في مصر 2020/2019، وهو المعروف بال Proxy Means Testing، ثم يتمّ التحقّق منها من خلال السجل الاجتماعي الموحّد المرتبط بالرقم القومي.
وقد قام البنك الدولي بتقديم دعمٍ قدره 900 مليون دولار للبرنامج خلال مرحلتيه الأولى والثانية منذ عام 2015 لـ3.7 مليون أسرة أي حوالي 12.8 مليون فرد حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو 2023.
شكل 2
حجم الدعم الحكومي الموجّه لبرنامج "تكافل وكرامة"
السنة المالية |
الدعم الحكومي لبرنامج تكافل وكرامة (مليار جنيه) |
القيمة بالدولار نهاية السنة المالية |
نسبة الزيادة % |
2022/2023 |
23.4 |
0.759 |
23.1 |
2022/2021 |
19 |
1.016 |
صفر |
2021/2020 |
19 |
1.217 |
2.7 |
2020/2019 |
18.5 |
1.156 |
5.7 |
2019/2018 |
17.51 |
1.054 |
سالب 0.11 |
2018/2017 |
17.53* |
0.98 |
135 |
2017/2016 |
7.45 |
0.41 |
338 |
2016/2015 |
1.700 |
0.19 |
بداية تنفيذ البرنامج |
تمّ دمج دعم "تكافل وكرامة" مع معاش التضامن الاجتماعي
المصدر: وزارة المالية، البيانات المالية للموازنة العامة، سنوات متفرقة، البنك المركزي المصري، البيانات التاريخية لسعر الصرف.
ثانياً: تقييمات برامج الحماية الاجتماعية
تفترض هذه الورقة أن تقييم برنامج "تكافل وكرامة" يجب أن يكون مستقلاً، بحيث يخرج بتحليل دقيق لمدى فاعلية البرنامج ككل، وتحديد نقاط قوته وضعفه وذلك للتوصل إلى تقييم حقيقي حول قدرة البرنامج على محاربة الفقر، وإخراج المستفيدين منه من تحت خطر الفقر كما تفترض نوايا البرنامج المعلنة عند تدشينه. كما يمكن، إذا كانت التقييمات مستقلّة، أن يتمّ اقتراح توصيات لتحسين الأداء، وجعل قدرة البرنامج أكبر على تحقيق أهدافه.
خرجت تقييمات للبرنامج من جهات محلّية في مصر، ومن مؤسسات دولية أخرى مرتبطة بالبرنامج مثل البنك الدولي، وتكمن أهمية التقييمات عموماً في:
- قياس الأثر: تحديد تأثير البرنامج في حياة المستفيدين منه، وما إذا كان يساعد على التخفيف من حدّة الفقر أم لا.
- معرفة نقاط الضعف: الوصول إلى نقاط محددة تعتبر ضعيفة وتنقص البرنامج ويجب تطويرها.
- الشفافية: إعطاء معلومات موثقة عن فاعلية البرنامج وإمكانية تحسينه.
تقدّم الورقة هنا ملخّصاً لتقييم "تكافل وكرامة" الصادر من البنك الدولي، وتقييمات محلية صدرت عن جهات مستقلة كالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن باحثين مستقلين، أو بيانات رسمية محلّية تقيّم المشروع.
1- مراجعات البنك الدولي
يمكن العودة إلى ما أعلنه البنك الدولي عن البرنامج وقت بدايته عام 2015، وتقديم البنك 400 مليون دولار دعماً للحكومة المصرية للبدء في مشروع "تكافل وكرامة". أكد البنك وقتها أن مصر حققت مؤشرات تنمية بشرية متقدمة خلال العشرين عاماً الماضية (1995-2015) واعتبر أن قطاعي التعليم والصحة بحاجة إلى مزيد من الاهتمام. وقالت بيانات البنك إن 21% من الأطفال المصريين في سن الرابعة يعانون من التقزّم بسبب سوء التغذية، كما قدّرت البيانات معدل الالتحاق بالتعليم ضمن فئة الـ20% الأكثر فقراً بنسبة تقلّ عن 50%. وفي ذلك الوقت كان "تكافل وكرامة" يستهدف حصول الفئات الفقيرة على خدمات التعليم والصحة بشكل أفضل وأكثر استدامة.
1.1 تقييم المرحلة الأولى
أورد تقييم البنك الدولي للمرحلة الأولى عام 2019 أن برنامج "تكافل وكرامة" قد خفّف من عدة مخاطر ترتبط بالسياسة والحوكمة، وقلّل هذه المخاطر من كبيرة إلى متوسطة. وخفّف من مخاطر "الاستراتيجيات والسياسات القطعية" من كبيرة إلى متوسطة أيضاً، وكذلك من مخاطر التصميم الفنّي للمشروع والتي تتعلق بتحسين تصميمه وكفاءة استهدافه.
وقال تقييم البنك الدولي إن المشروع في مرحلته الأولى قد عاد بالنفع على مليون أسرة فقيرة، منها نساء مستضعفات وأطفال ومعاقين. وأن طريقة التسجيل في البرنامج وشروطه قد حسّنت من الانتظام في الدراسة، وبالتالي من تقليل احتمال التسرّب من التعليم، وزيادة الحصيلة التعليمية بقدر أكبر مقارنة بما كانت عليه قبل الحصول على تحويلات "تكافل وكرامة".
واعتبر البنك الدولي أن البرنامج يعطي دلالات إحصائية كزيادة مستويات الاستهلاك لدى الأسر المستهدفة من 7.3% إلى 8.4%، وارتفاع معدل إنفاق الشخص -لنفس الأسر- على المواد الغذائية للبالغين من 8.3% إلى 8.9%. جاءت هذه التقديرات في سياق اتفاق الحكومة المصرية مع البنك الدولي على تقديم 900 مليون دولار لدعم البرنامج، منها 400 مليون دولار في بداية المشروع و500 مليون بعد المرحلة الأولى.
ومن النقاط الرئيسية التي جاءت في تقييم البنك لبرنامج "تكافل وكرامة" أنه قام بالآتي:
- حدَّ من احتمالات تعرّض الأسر المستفيدة للفقر بنسبة 11.4 نقطة مقارنة بغير المستفيدين.
- ساعد على زيادة نفقات المستفيدين على المدرسة والتنقّل منها وإليها وشراء المستلزمات الدراسية.
- زاد إنفاق الأسر المستفيدة على الطعام بنسبة 8.3-8.9% مقارنة بغير المستفيدين.
- لم تسجّل الجولة الأولى أي تأثير على معدلات الالتحاق بالتعليم بسبب عدم تنفيذ شروط البرنامج من قبل المستفيدين منه في ما يخصّ التعليم.
- انخفاض احتمالات العلاج من سوء التغذية.
- ليس للبرنامج أي تأثير على نسب التقزّم.
- تأثيرات "صغيرة وغير مهمة" على معايير النوع الاجتماعي وزيادة المساواة بين الجنسين في الأسر المشاركة.
1.2. تقييم المرحلة الثانية
في التقييم الثاني/المرحلة الثانية من البنك الدولي، والذي جاء لتنفيذ "مشروع توسيع نطاق تغطية التحويلات النقدية لبرنامج "تكافل وكرامة" و"بناء الأنظمة ذات الصلة" قبل صرف الـ500 مليون دولار الثانية للمشروع، اعتبر البنك أن "تكافل وكرامة" أحد المكونات المهمة في نظام الحماية الاجتماعية بمصر، وساعد بالفعل الأسر على تحمّل الخسائر التي تلحق بهم جرّاء الأزمات الاقتصادية المتكررة. وأشار البنك إلى أن المشروع يعمل على مساعدة الحكومة المصرية في توسيع ومواصلة تحديث شبكات الأمان الاجتماعي. وأنه استطاع تعزيز تكوين رأس المال البشري لكي يتمكّن المستحقون له من التخارج من الفقر فيما بعد.
لم يختلف تقييم البنك الدولي للمرحلة الأولى من المشروع عن المرحلة الثانية، حيث جاء الكلام عامّاً يركز على تحقيق "تكافل وكرامة" لمستهدفاته الخاصة بالفقر دون تحديدها. وأكد التقييم- رغم الاحتفاء وتقديم الـ500 مليون دولار بعد ذلك- أن مصر تنفق 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي في التحويلات النقدية، بينما المتوسط العالمي 0.9% والإقليمي 0.42% وهو "إنفاق ليس كافياً ويمكن زيادته" حسب التقييم. وأشار تقييم البنك الدولي إلى ارتفاع نسبة الأسر الفقيرة المدرجة ضمن الفئات المستهدفة "86% من المستفيدين من "تكافل وكرامة" ضمن أفقر 40% من الأسر".
وخلص البنك الدولي من تقييمه إلى الآتي:
- تأثير "تكافل وكرامة" في زيادة إجمالي أصول الأسرة المستهدفة، لزيادة الاستثمار في أصول إنتاجية.
- لم يستطع البرنامج حماية الأسر من تأثيرات جائحة كوفيد-19.
- انخفاض معدلات ديون الأسر المستفيدة.
- مشاركة الأسر المستفيدة في سوق العمل غير الرسمي (على غير ما يرغب البرنامج).
وفي 28 أيار/مايو 2024، نشر البنك الدولي ملخّصاً لنتائج برنامجي "تكافل وكرامة" في مصر، ومنه نستخلص رؤية البنك في أن "تكافل وكرامة" هو "أكبر برنامج تحويلات نقدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" باعتبار وصوله إلى 4.67 ملايين أسرة (متوسط 4 أفراد لكل أسرة) حسب بيانات البنك الدولي، كما تحصل 600 ألف أسرة إضافية على تحويلات نقدية من قبل منظمات المجتمع المدني بالتنسيق مع الحكومة، وتشكل النساء 75% من المستفيدين. ويعتبر التقييم أن برامج اقتصادية أخرى مثل "فرصة" اعتمدت على السجل الاجتماعي لـ"تكافل وكرامة" لخلق فرص عمل للأشخاص العاطلين.
أورد التقييم الثاني من البنك الدولي أحاديث من المستفيدات من التحويلات النقدية حول ما أصبحن يفعلنه في حياتهن الاجتماعية والصحية نظراً لحصولهن على معاشات "تكافل وكرامة". وجاء في ملخص كلماتهن، أنهن أصبحن يدفعن الرسوم الدراسية لأبنائهن، ويشترين اللحوم، ويتمكنّ من الحصول على العلاج. كما يؤكد التقييم أن البرنامج يستخدم آلية مناسبة لإيصال الدعم والتظلّم والتكيّف مع الصدمات والاستجابة لها. ويصل المسجلون في البرنامج إلى 11.3 مليون أسرة (40.5 مليون نسمة)، وهي أرقام تتناقض مع ما تعلنه وزارة التضامن الاجتماعي من وصول الأسر إلى 5.2 مليون. وهنا يظهر أن هناك تضارباً في طريقة حساب المستفيدين من البرامج من قبل الحكومة المصرية والبنك الدولي، لكن لم يعلن الطرفان طريقة الحساب التي أدت إلى ذلك التناقض.
ويوضح التقييم أن "تكافل وكرامة" ومن خلال بيانات المستفيدين يعمل على إجراءات أخرى مثل:
- مكافحة الأمّية.
- العمل على الحدّ من معدلات الخصوبة.
- تسهيل الحصول على خدمات تنظيم الأسرة.
- المساعدة في تحسين ظروف السكن.
- الاهتمام بتغذية الأطفال.
- تمكين المرأة.
- محاربة الزواج المبكر.
- زيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية.
الجدير بالذكر أن التقييم أورد نقطة واحدة عن قصورٍ في البرنامج حول حصول تسرّب بواقع 6.4% من مستهدفات البرنامج، حيث تصل التحويلات النقدية إلى أسر غير فقيرة.
2- تقييم المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI)
قام المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، بطلب من البنك الدولي ووزارة التضامن الاجتماعي المصرية، بإجراء تقييمين لبرنامج "تكافل وكرامة"، الأول تمّ بعد 15 شهراً من بدء البرنامج في آذار/مارس 2015 بتمويل من الخارجية البريطانية، والثاني صدر في أيلول/سبتمبر 2022 بتمويل من هيئة المعونة الأمريكية.
وجاء في التقييم الأول أن البرنامج حسّن من رفاهية الأسرة بشكل كبير، وزاد استهلاكها لكل فرد بالغ بنسبة 8.4٪، وخفّض احتمالية الفقر بنسبة 11.4 نقطة مئوية. أما التقييم الثاني، فجاء فيه انخفاض في الاستهلاك غير الغذائي على الاتصالات والهواتف وأجهزة التلفاز لدى المستهدفين، واعتبر التقييم أن الأسر كانت تستثمر في قدرتها على توليد الدخل في المستقبل. ويرى التقييم زيادة في حيازات الأصول الإنتاجية كالثروة الحيوانية والتقنيات الزراعية كالجرارات والمحاريث. وأظهر التقييم أن الأسر المستفيدة لديها مستويات أقلّ من الديون مقارنة بالأسر غير المستفيدة، بعد سداد الأقساط والديون لمقرضين غير رسميين. وأن الأسر قد خرجت من طور الاحتياج إلى مرحلة تحسين الدخل وبناء الأصول. وأكد التقييم زيادة احتمالية التحاق أطفال الأسر المستفيدة بالتعليم بنسبة بين أربعة وخمسة في المائة. وأقرّ التقييم أن الأسر المستهدفة تميل إلى العمل غير الرسمي بنسبة 85%، وذلك لكونهم لا يريدون الانضمام إلى برنامج "فرصة" منذ 2021 الذي يوفّر لهم فرص عمل، حتى لا يؤدي هذا إلى خروجهم من "تكافل" - وتلك نقطة أغفلها تقييم البنك الدولي - كذلك بسبب زيادة حيازة الأسر من الأصول الإنتاجية وبدء أعمالها الخاصة. ويشير التقييم إلى مساعدة البرنامج في تحوّلات إيجابية لدى الأسر المستفيدة. واستنتج التقييم أن آثار البرنامج ستؤتي ثمارها في المستقبل.
بينما يعتبر آخرون أن برنامج الحماية الاجتماعية "تكافل وكرامة" لم يستطع مجاراة الارتفاع الحاصل في الأسعار خلال السنوات الماضية وأن الإنفاق الاجتماعي للأسر (صحة وتعليم وحماية اجتماعية) انخفض من 7% عام 2014 إلى 5.1% عام 2019.
3- تقييمات محلّية
اختلفت التقييمات المحلّية بناءً على الجهة صاحبة التقييم، وكلّما كانت التقييمات مستقلّة أكثر، كلّما تمّ ذكر المشكلات التي يواجهها "تكافل وكرامة" بشكل أكثر وضوحاً.
أكد تقييم للهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة رسمية تابعة لرئاسة الجمهورية، أن برنامج "تكافل وكرامة" يحقق "الهدف السامي الذي تريده الدولة" لتحسين ظروف الأسر الفقيرة، وتقليل معدلات التسرّب من التعليم، و"إجبار" الأسر على متابعة أطفالها صحّياً. وأورد التقييم أن البرنامج دمج الفئات المهمشة كالفلاحين والمستأجرين في المناطق المستهدفة، وزاد من الرضا العام عن الحكومة.
أما تقييم للدكتورة هويدا عدلي رومان، فجاء فيه أن "تكافل وكرامة" من البرامج المستهدفة للنساء، حيث تشكل النساء نحو 90% من المستهدفين. كما أورد التقييم أن التوسع في تغطية الأسر، جاء تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي منذ مطلع 2023. ورغم وجود شروط للبرنامج منذ بداياته، لكن هذه الشروط لم يتم تطبيقها سوى في عام 2020. كذلك يرى التقييم أن الاتجاه العام للفقر لم يتغيّر، فلا يزال 48% من سكان ريف الوجه القبلي ليس لديهم القدرة على توفير احتياجاتهم الأساسية اليومية، وتزداد قلة تأثير البرنامج على فئات بعينها مثل النساء والأطفال، كما أن ربط البرنامج بآخر مثل "فرصة" لم يُجدِ نفعاً، فقد وجد أن الأشخاص الذين يحصلون على معاشات "تكافل" لا يريدون الدخول في "فرصة" لأنه يوفر فرصة عمل وبالتالي الخروج من "تكافل" ويفضلون العمل غير الرسمي عليه. وترى رومان أيضاً أن المعاش المقدّم لا يجاري الارتفاع في الأسعار والتضخم.
وكشفت دراسة/تقييم ثالث صدر من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن اللجان التي تقوم بجمع معلومات وتنقيحها عن المتقدمين إلى "تكافل وكرامة"، وعددها 2600 لجنة، عن ضعف التواصل بين اللجان والبرنامج، وكون اللجان لا تعرف بشكل دقيق نوعية الأسر المستهدفة ومعايير الأهلية والاختيار للمتقدمين وهو ما سبّب -أحياناً- مشكلات للجان مع الأسر المتقدمة، ليصل الأمر إلى العنف حينما يتمّ استبعاد الأسر التي تقوم اللجان بتقييمها. وأوصى التقييم البرنامج بضرورة التطوير فيما يتعلق بالتواصل مع المجتمع المحلي من خلال قادته وزيادة التحويل المقدَّم لرفع الأسر فوق خط الفقر.
ثالثاً: تضارب التقييمات وعدم دقّتها كانعكاس لمشاكل هيكلية في برامج الحماية الاجتماعية
في إطار ما قدّمته تقييمات برامج الحماية الاجتماعية المتعددة والتي ركّز بعضها على نوايا السياسات وليس مخرجاتها أو هدفها الرئيسي وهو التخفيف من حدّة الفقر، يمكن النظر إلى هذه التقييمات كالتالي:
- لم تنشر التقييمات التي تمّت سواء من قبل البنك الدولي أو تلك التي تمّت محلياً البيانات والمعطيات التي تمّ جمعها خلال عملية البحث، وهو ما كان سيسمح للباحثين العمل عليها لبيان أثر البرنامج فعلياً في تغيير حياة الفقراء من خلال أبحاث وتقييمات أخرى متنوعة.
- لم تفصح تقييمات البنك الدولي عن الأسئلة التي تمّ توجيهها للمستفيدين والمستفيدات من البرنامج، وهو ما تقتضيه الشفافية المفترضة لعملية التقييم.
- لا يمكن النظر إلى تقييمات البنك الدولي أو معهد بحوث الغذاء أو التقييمات التي تتمّ من خلال جهات حكومية في مصر بأنها "مستقلة" حيث أن صاحب المصلحة - أي وزارة التضامن الاجتماعي - له علاقة مباشرة بالتقييم سواء بالتمويل أو بالإشراف، ما يعرقل حرية مجموعة البحث خلال جمع المعلومات أو النتائج المستقاة من البحث.
من هنا تحتاج تقييمات برامج الحماية الاجتماعية إلى تغييرات تجعلها قادرة على معرفة مدى قدرة المسجلين في "تكافل وكرامة" على الوصول إلى الخدمات المقدَّمة من البرنامج في التعليم والصحة، ومدى جودة الخدمات من عدمه، وتأثيرها في حياة كلّ مستفيد وبالتالي تأثيرها في المجتمع ككلّ على المدى الطويل.
ويُؤخذ في الاعتبار عند إجراء تقييمات - خصوصاً في مصر- أن هناك تحدّيات تواجه العاملين على التقييمات بشأن توافر البيانات الدقيقة المقدمة، واستقلالية من يقدّمونها أيضاً إلى الجهة المقيّمة. وبالنظر إلى التقييمات عموماً، نجد أنها ونتائجها مرتبطة بثلاثة عناصر هي: "طالب التقييم" و"معايير التقييم" و"المقيّم".
كما تحتاج تقييمات برامج الحماية الاجتماعية إلى تطبيق التطوّر في نماذج التقييم أو ما يعرف بنهج الجيل الخامس، بحيث تقيس التقييمات العوامل الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي تؤثر في نجاح البرنامج، وقياس أثر البرامج على الرعاية الاجتماعية على المدى البعيد، مع إشراك المستفيدين والإداريين القائمين على عمليات التسجيل في التقييم ما يجعل برامج الحماية الاجتماعية أكثر قدرة على الوصول إلى السكان ذوي الحاجة فعلاً. من ناحية اخرى، شهدت بعض الدول تجارب مختلفة مع تقييمات برامج الحماية الاجتماعية إذ اعتمدت البرازيل مثلاً نموذجاً خاصاً للتقييم ساعدها على التقليل من المشاكل خلال تطبيق تلك البرامج.
تقييم برامج الحماية الاجتماعية في البرازيل
اعتُبر تقييم برامج الحماية الاجتماعية الطريق إلى تطويرها في البرازيل. حيث أنشأت الحكومة إدارة عامة لتقييم برامج الحماية الاجتماعية المقدمة من الدولة (Secretariat of Evaluation and Information Management) عام 2004 وأصبح تحت مظلتها 21 برنامجاً.
رأت إدارة التقييم الجديدة أن التوقيت هامّ جداً في عملية التقييم بحيث يُمكّن صنّاع السياسات الاستفادة من نتائجه في عمل البرنامج. كذلك اختيار الباحثين القائمين على التقييمات، وتطوير نظام العمل بما يتيح شفافية النتائج وتلقّي التعليقات حولها، ويعمل على مواجهة الفساد.
طوّرت الإدارة البرازيلية نموذجها الخاص للتقييم من خلال شراكات مع مؤسسات بحثية مستقلة أجرت مسوحات على مستوى الدولة بلغت حوالي 140 تقييماً حتى 2012. ووظفت الإدارة من يتمتعون بخلفيات أكاديمية لإدارة عمليات التقييم والاستطلاع. ولكي لا تكون نتائج التقييمات ضارة بالعلاقة بين المقيمين وصناع السياسات، أوجدت إدارة التقييمات طريقة لكي تقوم بتقسيم العملية إلى ثلاثة مراحل تراتبية وإشراك صنّاع السياسات فيها. تختص المرحلة الأولى بإعادة التفكير في استراتيجيات تصميم برامج الحماية والمرحلة الثانية تناقش صنّاع السياسات حول استجاباتهم للمرحلة الأولى والأخطاء التي وقعوا فيها، والمرحلة الثالثة ترفع تقاريرها إلى الوزير المختصّ.
وساعد التقييم الدائم لبرامج الحماية الاجتماعية ونشر المعلومات الخاصة بعمليات التقييم والبيانات التي تمّ الحصول عليها في تقليل مشكلات برامج الحماية الاجتماعية في البرازيل.
بينما لا تزال برامج الحماية الاجتماعية في مصر قاصرة على تلك التعريفات المختلَف عليها فيما يتعلق بالمستحقّين، مثّل تعريف "المستحقّ" أحد تحدّيات هذه البرامج منذ سنوات. ودأبت الحكومات المصرية الحديث عن كون الدعم لا يصل إلى مستحقيه لأن البيانات التي تعتمد عليها الحكومة غير محدّثة. وجاء برنامج "تكافل وكرامة" باعتباره الحل لأن شروطه تعمل على تنقيح من يستحقّ الدعم النقدي من عدمه منذ لحظة التسجيل.
وتعكس الشروط السابق إدراجها للحصول على المعاشات النقدية من البرنامج استمرار الجدل حول تعريف الشخص الفقير المستحقّ للدعم. فهل هو الفقير طبقاً لخطّ الفقر الذي وصل إلى 1478 جنيه (50 دولاراً تقريباً، حسب أسعار 2023) شهرياً حسبما أشارت دراسة في 2023/2022، أم خط الفقر المدقع أي عدم القدرة على سداد الاحتياجات الأساسية للحياة والذي وصل إلى 1069 جنيه (35 دولاراً تقريباً، حسب أسعار 2023) شهرياً. كما لا توجد آلية محددة يتمّ بناءً عليها تقييم دخل العاملين في قطاع الزراعة أو القطاع غير الرسمي وبالتالي إدماجهم في البرنامج من عدمه.
ولذا تتعدد مشاكل قياس الأحقية حيث تدرج وزارة التضامن في شروط الحصول على معاش "تكافل وكرامة" ألّا يمتلك الفرد 3 رؤوس ماشية أو أكثر. وهو شرط يصعب التحقق منه، حيث لا توجد آلية في مصر يتمّ من خلالها تسجيل عدد الماشية التي يمتلكها المزارع/الفقير، كما أن امتلاك الماشية لا يعبّر عن الأموال بقدر ما يعتبر وسيلة مساعدة لمعيشة المزارعين الفقراء. وهناك شرط ثان يقضي بألا يمتلك المتقدم للبرنامج جرّاراً زراعياً أو سيارة نقل أو أجرة يعود موديلها إلى ما بعد سنة 2000. ويتجاهل هذا البند أن أسعار السيارات في مصر وقبل تحرير سعر الصرف لأكثر من مرة منذ 2016 وحتى 2024 لم تكن مرتفعة، كما أن امتلاك توك توك ليس من الرفاهية، بل هو وسيلة للعمل وتوفير أموال للإنفاق والأمر نفسه بالنسبة للجرار الزراعي.
ومن الشروط الأخرى المتعلقة بالأحقية أن يحضر أطفال المستفيد من برنامج "تكافل" إلى المدرسة بنسبة 80 % شهرياً، وهو شرط يبدو جيداً في ظاهره، ويحفّز على الانتظام التعليمي، لكنه يتجاهل كثافة الفصول في مصر التي تصل إلى 120 طالباً في محافظات القاهرة والجيزة، وهي أحد أسباب عزوف التلاميذ عن الذهاب إلى المدارس، كما أن آلية تسجيل غياب التلاميذ لا تزال ورقية ولا يمكن الاعتماد عليها أو التأكد منها بشكل دقيق.
ويحصل المواطنون من "تكافل وكرامة" على معاشات تتراوح بين 517 جنيه (10 دولارات، حسب أسعار 2024) وحتى 920 جنيه (18 دولاراً، حسب أسعار 2024) بعد آخر زيادة تمّ إقرارها في آذار/مارس 2024، وهو مبلغ أقلّ من خط الفقر القومي الذي حددته الحكومة والبالغ 10300 جنيه (203 دولارات) في السنة أي 858 جنيه (17 دولاراً) في الشهر. ولا يزال عدد مَن يحصلون على معاشات البرنامج يقارب 22 مليون فرد طبقاً لآخر أرقام رسمية، أي أقل من الأرقام الرسمية للفقر بحوالي 8 ملايين شخص، إضافة إلى أن الموظف الحكومي الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور مثلاً يعتبر غير مستحقّ لدعم نقدي من البرنامج، ويواجه الصدمات التضخمية المتتالية دون معين .
مثّلت تلك الشروط وعدم مواكبتها للظروف الاقتصادية مشكلة لبرنامج الحماية الاجتماعية "تكافل وكرامة"، كما اتسمت بكونها قادمة من أعلى حيث تمّ تصميمها وإطلاقها دون حوار مجتمعي أو نقاش برلماني حولها، لتتضح الثغرات الواحدة تلو الأخرى عند التنفيذ. واعترف تقييم للبنك الدولي بوجود نسبة أكثر قليلاً من 6% لمن يحصلون على معاشات "تكافل وكرامة" دون استحقاق.
على مستوى ثان، واجه البرنامج مشكلتين الأولى أن الأسر المقبولة تقدّم أوراقاً غير مثبتة، مثل عقود إيجار وهمية للحصول على التحويلات النقدية رغم أنهم يعيشون في بيوت أسر كبيرة، والثانية أن نسبة كبيرة من الفقراء غير مشمولة في البرنامج، خصوصاً ممن يتقاضون معاشات أخرى غير مربتطة ببرامج للتحويللات النقدية المباشرة لكنها لا تكفيهم، وهي مشكلة متعلقة بنقص المعلومات عن المتقدمين للمشروع.
خاتمة
منذ بداية عمل برنامج الحماية الاجتماعية "تكافل وكرامة" للتحويلات النقدية المشروطة، صدر أكثر من تقييم للبرنامج. تفاوتت التقييمات بين دولية قام بها البنك الدولي أو جهات أخرى بطلب من البنك أو عن طريق باحثين مستقلين. ركّزت التقييمات الحكومية على إنجازات البرنامج دون تقييم هدفه الأساسي وهو تخارج المستهدفين من الفقر. بينما أظهرت التقييمات المستقلة أن نجاح برامج الحماية الاجتماعية يمكن قياسه بتأثيره الحقيقي في تغيير حياة الفئة المستهدفة وهو ما لم يحدث.
وتكمن مشكلة التقييمات في عدم معرفة كيفية حصولها على المعلومات والبيانات. كذلك تؤثر عليها العلاقة بين المقيّم والجهة طالبة التقييم، وهو ما يجعل المعلومات المستقاة منها عامة ولا تعطي دلالات حقيقية عن مدى تأثير البرنامج في المستفيدين منه.
وتتجاهل التقييمات مستويات التضخم والتي لا يمكن للمبالغ التي تصرفها الحكومة للفئة المستهدفة أن تجابهه. وبالتالي يجب أن يتمّ النظر إلى البرنامج من خلال تقييمات مستقلّة، لكي يتمّ وضع آلية محددة لتطويره وتحقيق الاستفادة المطلوبة منه وهي تخارج المستفيدين من الفقر. بالاستفادة من تجارب دول أخرى في تقييم برامج الحماية الاجتماعية مثل البرازيل، والنظر إلى طرق التقييم الحديثة التي يمكن تطوير البرنامج من خلال الاعتماد عليها. كما يمكن عند تقييم "تكافل وكرامة" النظر إلى شبكة التحالفات المرتبطة به، سواء المنظمات الدولية مثل البنك الدولي ودوائره، كمساهمين، أو الحكومة المصرية والمؤسسات الأهلية الراغبة في المساعدة بالبرنامج ومن ثم التقرّب إلى صانع القرار في مصر.
https://documents1.worldbank.org/curated/en/099423504172337084/pdf/IDU06cf912bc0fecb04b160b6c504da2de20b47d.pdf
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.