في كانون الأول/ديسمبر 2020، أطلقت الحكومة العراقية رسمياً التحالف الوطني للشباب والسلام والأمن، تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة، وبدعم وتعاون من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وأكاديمية فولك برنادوت، ومنظمة السلام والحرية. وانطلاقاً من التزام الحكومة بتحقيق رؤية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250، يسعى التحالف إلى إيجاد أرضية مشتركة تجمع الأطراف الفاعلة على مستوى القواعد الشعبية العراقية، من نشطاء السلام الشباب وزعماء المجتمعات المحلية، بدوائر صنع القرار الرسمية. غير أنه في الواقع، ووفقاً لتعقيبات الشباب العراقي، يبدو أن عضوية التحالف تقتصر على فئة معينة من الأشخاص، وبخلاف ما كان متوقعاً، المجال ليس متاحاً أمام الجميع ولا يتسم بالشفافية، فضلاً عن أن النقاط المشتركة بين الجهود الرسمية التي تبذلها الحكومة لتنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن وما يقوم به النشطاء الشباب في الميدان على المستوى الشعبي لا تزال محدودة.
بيد أن خلق مساحات مفتوحة بصورة مشروعة لنشطاء السلام الشباب للتعبير عن آرائهم والمشاركة في عمليات بناء السلام وصنع القرار يكتسي أهمية قصوى في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العراق. إذ يمر العراق بمرحلة إعادة إعمار مهمة، جاءت إثر دحر داعش وموجة التعبئة الشعبية في الجنوب التي تصدرها الشباب إلى حدٍ كبير والانتخابات التشريعية الأخيرة. في حين تواجه البلاد تحديات كثيرة، منها الحفاظ على الاستقرار وضمان سيادة الدولة، ودعم القوى المناصرة للديمقراطية وتعزيز سيادة القانون، والنهوض بالاقتصاد وتوفير الخدمات، والتأكد من أن عملية إعادة التوزيع تلبي مطالب المواطنين بتحقيق العدالة الاجتماعية. والأهم من ذلك هو أن الشباب العراقي حريصون على المشاركة في مختلف عمليات إعادة الإعمار هذه، وبالفعل، يضطلع نشطاء السلام الشباب وزعماء المجتمعات المحلية بعدد هائل من الأنشطة على أرض الواقع بهدف المساهمة في إعادة بناء المجتمع العراقي. ومن ثَمَّ، يُعد تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن واستحداث آليات ناجحة لإدماج الشباب العراقي وإشراكهم في عمليات صنع السياسات والتنمية، أمراً أساسياً في عملية إعادة إعمار الدولة القومية العراقية وتحقيق الازدهار والاستقرار في المستقبل.
في 9 كانون الأول/ديسمبر 2021، نظمت "مبادرة الإصلاح العربي"، بالتعاون مع عدد من النشطاء المدنيين من الشباب العراقي، حوار سياسات عامة مغلق ضم نشطاء السلام والمجتمع المدني من الشباب العراقي الذين يواجهون حالياً الإقصاء أو التهميش من أجندة الشباب والسلام والأمن العراقية الرسمية. وسعت هذه المناقشة -التي نُظمت كجلسة لتبادل الأفكار- إلى إبراز أولوياتهم الخاصة بالسلام والتنمية، وتطلعاتهم فيما يتعلق بالإدماج، وكيف يرغبون في المشاركة في أجندة الشباب والسلام والأمن، وأنواع المساحات والآليات المشروعة التي يمكنهم تصورها من أجل إدماجهم بصورة مجدية. وانطوت المناقشة أيضاً على تفكير جماعي فيما يتعلق بالسبل التي يمكن من خلالها للحلفاء الخارجيين أن يساعدوا في دعم إدماج الشباب بصورة مجدية في عمليات صنع السياسات والقرارات في العراق. وبذلك، فإن المناقشة المغلقة، التي عُقدت في إطار قاعدة تشاتام هاوس، تهدف إلى المساهمة في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250 في العراق من خلال اتباع نهج ينطلق من القاعدة إلى القمة للتفكير بشكل جماعي في أولويات ومقترحات أولئك الذين يعملون بالتوازي مع العملية الرسمية التي تتبع نهج تنازلي من القمة للقاعدة.
تحديد الأولويات والاختلافات في النهج والتحديات الراهنة في تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن
بالنسبة لهؤلاء النشطاء والشباب من جماعات المجتمع المدني الذين لم يشاركوا في تحالف الشباب والسلام والأمن أو تعرضوا للإقصاء لاحقاً، فإن النهج الذي اتبعته الحكومة العراقية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250 قوبل بقدر من التشكك و/أو خيبة الأمل من جانب الكثيرين. وثمة شعور سائد بين بعض النشطاء بأنه لم يتم اتخاذ أي مبادرات مجدية تجاه الشباب في البلاد منذ عام 2003، ونتيجة لذلك، ثمة ضرورة لتنظيم حملات التوعية الموجهة للحكومة وكذلك نحو الشباب فيما يتعلق بأجندة الشباب والسلام والأمن وآثارها. وحتى بالنسبة للنشطاء المدنيين الشباب الذين يؤكدون أن الوضع اليوم أفضل مما كان عليه عام 2008 أو عام 2015، بفضل اعتماد أجندة القرار رقم 2250 رسمياً وإطلاق تحالف الشباب والسلام والأمن، لا تزال هناك فائدة من زيادة وعي الشباب العادي حول إطار عمل الشباب والسلام والأمن وإدماج الأجندة في جميع الوزارات.
الواقع أنه على الرغم من إطلاق تحالف الشباب والسلام والأمن، لا يزال العديد من النشطاء يشعرون بأن هناك مجالاً واسعاً لإجراء تحسينات فيما يتعلق بتحقيق مشاركة الشباب بصورة مجدية، وكذلك إحراز تقدم على أرض الواقع فيما يخص السياسات والبرامج الخاصة بالشباب. وفي حين يسعى التحالف إلى دعوة الشباب للمشاركة في صنع القرار، فإن قرار وزارة الشباب والرياضة باستبعاد فئات معينة من العضوية يقوض الثقة في قدرة التحالف على العمل باستقلالية. في الحقيقة، ثمة شعور بأن الطريقة التي بدأ بها التحالف تُمثل شكلاً من أشكال الاستيلاء والسيطرة وتعكس استمرار هيمنة الحكومة العراقية على الشباب وقدرتهم على أن يكون لهم رأي في عمليات صنع القرار. وهناك أيضاً شعور بأن إطلاق التحالف قد تم بدافع الشعور بالالتزام المفروض، وليس بسبب الإخلاص الحقيقي لروح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250. ومن هذا المنطلق، فإن القلق الذي يساور النشطاء المدنيين الشباب هو أن التحالف يواجه خطر أن يصبح مجرد واجهة، إذ يعطي الانطباع بأن الشباب يشاركون مشاركة حقيقية في عمليات صنع القرار ولكن في الواقع يعاني من تدخل الدولة. وكمثال على ذلك، لم يشارك التحالف في وضع استراتيجية مكافحة ومنع التطرف العنيف، على الرغم من الآثار الواضحة لها فيما يتعلق بالاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالشباب.
حتى الآن، ثمة شعور عام بأن الشباب، حتى أولئك الشباب الأعضاء في التحالف، لن يشاركوا بصورة مجدية في عمليات صنع القرار أو يكونوا قادرين على ممارسة أي تأثير في السياسة العامة. وهناك شعور بأنه سيكون من الضروري ممارسة الضغوط على صانعي السياسات لإشراك الشباب في عمليات صنع القرار وعدم حصرهم في دور مقدمي الخدمات الأقل أهمية. وهناك أيضاً حاجة إلى تغيير في المنطق الكامن وراء الطريقة التي يجب أن تُنفذ من خلالها أجندة الشباب والسلام والأمن في العراق. ففي الوقت الراهن، يسود شعور بأن الشباب لا بد وأن يدعموا التزامات الحكومة، في حين يجب أن يكون المنطق عكس ذلك: إذ يتعين على الحكومة العراقية أن تدعم الشباب ومبادراتهم وأفكارهم وتأثيرهم السياسي وقدرتهم على العمل باستقلالية.
أما فيما يتعلق بالسياسات والبرامج التي تم تنفيذها ضمن إطار أجندة الشباب والسلام والأمن، فقد أعرب الشباب أيضاً عن إحباطهم إلى حدٍ ما من عدم حدوث تقدم ملموس وأيضاً من النهج غير المنظم الذي تتبعه وزارة الشباب والرياضة. فمن ناحية، ثمة حاجة إلى وجود خطة عمل يتم من خلالها تعميم البرامج والسياسات الموجهة للشباب، وكذلك مشاركتهم في عمليات صنع القرار، في كافة الوزارات. لن يساهم هذا في إفساح مجال أكبر للشباب خلال عمليات صنع القرار وأيضاً تمكينهم من الاضطلاع بأدوار قيادية أكثر فحسب، وإنما سيعكس أيضاً مدى جدية الحكومة العراقية في الالتزام بالتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2250.
ومن ناحية أخرى، يرى الشباب النشطاء في مجال السلام والمجتمع المدني، أنه ينبغي دراسة كافة الأبعاد المختلفة لإدماج الشباب -السياسية والاجتماعية والاقتصادية- مجتمعةً باعتبارها مسارات متوازية. لكن حالياً، ثمة انطباع بأن الدولة تعمل دون تخطيط سليم أو مشاريع مناسبة، وأن التخطيط الإنمائي لا يشمل سوى بعض المناطق المختارة من قِبل الدولة. ولِتلبية الاحتياجات الهائلة للشباب في البلاد وأيضاً تعزيز قدرات الشباب للاضطلاع بدور قيادي في عملية التنمية الخاصة بهم، يعتقد النشطاء أنه ينبغي على وزارة الشباب والرياضة أن تضع خارطة طريق متوسطة المدى تتضمن مشاريع معينة يجري تنفيذها في كافة مناطق العراق، وأن التخطيط لا ينبغي أن يقتصر على أنشطة يضطلع بها لمرة واحدة فقط، بل يجب أن يشمل برامج واسعة النطاق.
وبالمثل، حتى بعد طرح برامج ومشاريع الشباب والبدء في تطبيقها، عبّر النشطاء الشباب عن ضرورة عدم تدخل الوزارة في الأنشطة نفسها: وقالوا إنه يجب إعطاء الشباب درجة من الاستقلالية خلال تنفيذ البرامج، وأنه ينبغي تحديد المهام والمسؤوليات بوضوح. وستؤدي إقامة شراكات بين مختلف الوزارات ومنظمات المجتمع المدني والمبادرات الشعبية الشبابية إلى إفساح المجال لتعميم إدماج الشباب في مختلف المجالات وأيضاً زيادة القدرة على تحقيق الأثر.
لكن العنصر الحاسم لضمان تنفيذ القرار رقم 2250 بنجاح يتمثل أيضاً في توسيع أجندة الشباب والسلام والأمن لتتجاوز نطاق التحالف الرسمي بل وحتى النشطاء الشباب. إذ توجد شبكات أخرى تتكون من نشطاء المجتمع المدني الشباب والمجموعات الناشطة، من بينها "شبكة 2250" و"شبكة الشباب"، بالإضافة إلى الشبكات الإلكترونية، من المهم أيضاً استحداث مسارات تضمن إدماجهم. ويجب على التحالف عدم احتكار إمكانية الوصول إلى عمليات صنع القرار والتمثيل، ولا ينبغي أن تتعامل معه الحكومة العراقية أو المجتمع الدولي على هذا الأساس.
بالإضافة لذلك، توجد إجراءات أخرى يمكن اتخاذها لتعزيز قدرات الشباب على نطاق أوسع من أجل المشاركة في عمليات صنع القرار وتنفيذ الأنشطة على أرض الواقع. ويشمل ذلك: تبادل الخبرات فيما بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعزيز قدرات الشباب لِتحسين فهمهم لعملية صنع السياسات وكيفية اتخاذ مواقف وتوصيات سياسية، وتوفير منابر للشباب للتعبير عن أولوياتهم والدفاع عن حقوقهم بأنفسهم.
والأهم من ذلك، أنه بالنسبة للنشطاء المدنيين الشباب غير المشمولين حالياً في تحالف الشباب والسلام والأمن الرسمي، فثمة إقرار بأن تلبية احتياجات الشباب وتطبيق أولوياتهم وتحقيق الإدماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهم، كلها أمور تتطلب شراكات متعددة وعمل جماعي تعاوني. يطالب الشباب بتقوية العلاقات مع الحكومة العراقية -العمل مع الوزارات وصناع القرار مباشرةً وليس بالتوازي معهم- ومزيد من البرامج التي تشمل كافة المجالات والمناطق والفئات السكانية. يمثل الشباب ما يزيد عن 60% من سكان العراق حالياً، وبالتالي، يجب أن يكونوا ركيزة أساسية في أيّ مشروع تنموي: ومن هذا المنطلق، فإن الإدماج الاقتصادي للشباب، والتركيز على تنظيم المشاريع والتحول الاقتصادي، بالإضافة إلى تطوير الأنظمة الاجتماعية التي تعزز المساواة وحماية حرية التعبير وحقوق وأمن الشباب، يجب أن تشكل الأساس لأيّ نهج تتبناه الدولة.
رسالة إلى المجتمع الدولي
بالنسبة لأعضاء المجتمع الدولي الذين يسعون إلى دعم إدماج الشباب العراقي ومشاركته المجدية في العمليات السياسية، وتطبيق أجندة الشباب والسلام والأمن على نطاقٍ أوسع، فإنه ينبغي توجيه الجهود نحو دعم حقوق الشباب، وحريتهم في التعبير عن آرائهم وتشكيل جمعيات ومنظمات، وتعميم مشاركتهم في كافة ميادين صنع القرار. وبالمثل، يجب على المجتمع الدولي التأكد من أن استراتيجيات الشباب ترتبط بكافة أبعاد أجندة الشباب والسلام والأمن وألا تقتصر فقط على تلك المجالات التي ترى الحكومة العراقية أنها تمثل أولوية. ومن ثم، يمكن للمجتمع الدولي مساعدة الحكومة من أجل اعتماد أجندة وطنية، وفي الوقت نفسه ممارسة الضغط عليها للتأكد من أن الشباب لا يتعرضون للتهميش السياسي أو الاستغلال. وبالفعل، يمكن إشراك الشباب في وضع هذه الاستراتيجية الوطنية وإشراكهم أيضاً في الإشراف على تطبيقها وإنجاز المراحل المهمة منها والتحقق من تأثيرها.
وأخيراً، يمكن لأعضاء المجتمع الدولي أن يدعوا إلى آليات تمويل تدعم أجندة الشباب والسلام والأمن حتى لا تخضع لإدارة تنازلية من قِبل وزارة الشباب والرياضة فقط: مثلاً، على الشباب أن يؤدوا دوراً مهماً في الإشراف على كيفية استخدام التمويل، ويجب أن يُمنحوا درجة من الاستقلالية التشغيلية عندما يُستخدم التمويل من أجل دعم المشاريع والأنشطة.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.