الشباب والسلام والأمن في العراق: تنفيذ أولويات بناء السلام التي حددها الشباب على أرض الواقع

Copyright @FBA - 11 November 2021; Baghdad, Iraq - The Folke Bernadotte Academy (FBA) and UNFPA, in collaboration with the Ministry of Youth & Sports, held the first Organizational Development Leadership training for the Iraqi Coalition on Youth, Peace, Security (YPS) ©FBA

مقدمة

في كانون الأول/ديسمبر 2020، أطلقت الحكومة العراقية رسمياً التحالف الوطني للشباب والسلام والأمن، تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة، وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وأكاديمية فولك برنادوت (الوكالة السويدية المعنية بدعم جهود السلام والأمن والتنمية). وانطلاقاً من التزام الحكومة بتحقيق رؤية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250 بشأن مشاركة الشباب في عملية بناء السلام وحل النزاعات وقراريه اللاحقين رقم 2419 ورقم 2535، يسعى التحالف إلى إيجاد أرضية مشتركة تجمع الأطراف الفاعلة على مستوى القواعد الشعبية العراقية، من نشطاء السلام الشباب وزعماء المجتمعات المحلية، بدوائر صنع القرار الرسمية في العراق. ويدعو التحالف إلى تطبيق أجندة الشباب والسلام والأمن عبر السياسات والبرامج، ويعمل على تيسير تبادل الخبرات والمعرفة والمعلومات بين أعضاء التحالف والجهات الفاعلة في أجندة الشباب والسلام والأمن، ويدعم تمكين الشباب من المشاركة في عمليات بناء السلام والاضطلاع بأدوار قيادية خلالها.

يُشكل نجاح هذا التحالف أمراً بالغ الأهمية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العراق. يمر العراق بمرحلة إعادة إعمار مهمة، أتت عقب دحر داعش وموجة التعبئة الشعبية في محافظات وسط وجنوب العراق التي تصدرها الشباب إلى حدٍّ كبير والانتخابات التشريعية الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2021. تواجه البلاد تحديات كثيرة، من ضمنها الحفاظ على الاستقرار وضمان سيادة الدولة، ودعم القوى المناصرة للديمقراطية وتعزيز سيادة القانون، والنهوض بالاقتصاد وتوفير الخدمات، والتأكد من أن عملية إعادة التوزيع تلبي مطالب المواطنين بتحقيق العدالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والأكثر أهمية هو وجود تلك المجموعات البارزة من الشابات والشبان العراقيين الذين يحرصون على المشاركة في مختلف عمليات إعادة الإعمار وتجاوز مرحلة الصراعات والنزاعات. وبالفعل، يضطلع نشطاء السلام الشباب الذين يتزعمون المبادرات الشعبية وزعماء المجتمعات المحلية بعدد هائل من الأنشطة على أرض الواقع بهدف المساهمة في إعادة بناء المجتمع العراقي، وهو ما يُعدّ أحد المسارات الرئيسية لتحقيق السلام المستدام، حسبما يرى كثيرون.

يمكن أن تشكل أجندة الشباب والسلام والأمن إطاراً موحداً للحوار والشراكة بين الشباب وصناع القرار. أضف إلى ذلك أن إشراك الشباب في عمليات صناعة القرار لن يجعل السياسات أكثر مواءمةً لاحتياجات وتطلعات المواطنين فحسب، بل من شأنه أن يساعد في زيادة مشروعية العملية نفسها وضمان استدامتها. وبالتالي فإن تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن واستحداث آليات ناجحة لإدماج الشباب العراقي وإشراكهم في عمليات بناء السلام والتنمية والمساهمة في استدامتها وتمكينهم من تولي زمام الأمور هي عناصر أساسية في عملية إعادة إعمار دولة العراق الوطنية وضمان ازدهارها واستقرارها مستقبلاً. لكن حتى تصبح مشاركة الشباب مجدية فعلياً، لا بد أن نبدأ بالتطبيق العملي لأولويات السلام والأمن من وجهة نظر الشباب أنفسهم، مع النظر في طبيعة المشاركة السياسية للشباب على أرض الواقع. باختصار، لا بد أن يكون الهدف من التنفيذ العملي لأجندة الشباب والسلام والأمن هو البدء في تطبيق الأولويات التي حددها الشباب والشابات أنفسهم على أرض الواقع، بدعمٍ من صانعي القرار والجهات الفاعلة في أجندة الشباب والسلام والأمن.

في 7 كانون الأول/ديسمبر 2021، نظمت "مبادرة الإصلاح العربي" بالتعاون مع أكاديمية فولك برنادوت حوار سياسات عامة مغلقاً عبر الإنترنت - أُجري في إطار "قاعدة تشاتام هاوس"- بمشاركة جهات فاعلة حكومية ونشطاء شباب (من أعضاء تحالف الشباب والسلام والأمن) وباحثين وصناع سياسات ومستشارين، وذلك للتباحث سوياً في ما قد يبدو عليه الإدماج المُجدي للشباب في عمليات السلام والتنمية في العراق. وقد اشتمل النقاش على استعراض ما تعنيه مفاهيم "السلام" و"الأمن" و"المشاركة" فعلياً بالنسبة إلى الشباب العراقي من الناحيتين النظرية والعملية، ودراسة أمثلة مستمدة من الواقع على مشاركة الشباب في عمليات بناء السلام وماهية الممارسات السديدة التي يمكن استخلاصها منها. تناول النقاش أيضاً بعض الرؤى والأفكار الثاقبة المستقاة من الممارسات السديدة في سياقات أخرى في المنطقة، وقيّم أنواع السياسات والأساليب والبرامج التي يمكن أن تدعم مشاركة الشباب العراقي على المستويين الرسمي وغير الرسمي. وبهذا ساهم هذا الحوار السياسي في تحديد مختلف الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها تنفيذ أجندة للشباب والسلام والأمن في العراق يضعها الشباب بأنفسهم.

حلقة النقاش الأولى: تحديد الفرص الممكنة والتحديات التي تواجه تحالف الشباب والسلام والأمن في العراق

سياق تدشين التحالف على الصعيدين الوطني والإقليمي

بسبب طبيعته الإلزامية، يعد القرار رقم 2250 واحداً من أهم القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي والتي لاقت اهتماماً كبيراً من الحكومات والأطراف الفاعلة الوطنية والدولية وأيضاً الشباب. بالنسبة للسياق العراقي، كانت وزارة الشباب والرياضة هي الجهة الأكثر استعداداً واهتماماً بتنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن، فمنذ عام 2015 وهي تعمل على التعريف بالأجندة وتدعم الشروع في تطبيقها. وبالفعل، أدى الصراع مع داعش والنظر في كيفية تأثيره على الشبان والشابات في العراق إلى زيادة اهتمام الوزارة بأجندة الشباب والسلام والأمن. أتت الرغبة في تفعيل القرار رقم 2250 ثمارها في كانون الأول/ديسمبر 2020، بعد إطلاق تحالف الشباب والسلام والأمن في العراق، الذي وحد جهود نشطاء بناء السلام الشباب والمنظمات غير الحكومية والمسؤولين الحكوميين وأعضاء المجتمع المدني وجمعهم سوياً. في الوقت الراهن، أُقرت الوثائق التوجيهية والأطر المرجعية للتحالف وتم إعداد برنامج مدته 5 سنوات لتحديد رؤية أجندة الشباب والسلام والأمن في العراق. بالنسبة لوزارة الشباب والرياضة، يجب أن ترتكز كيفية تشكيل وعمل التحالف على الاستقلالية الكاملة: إذ يجب أن يُمنح الشبان والشابات العراقيون الممثلون في التحالف، حرية تحديد الأنشطة التي سيضطلعون بها، وتتمتع وزارة الشباب والرياضة بدور استشاري وهي المسؤولة أيضاً عن تخصيص الأموال للتحالف.

إضافة لذلك، تتضمن رؤية الأجندة العراقية أبعاداً إقليمية أيضاً: إذ يجب أن يكون تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن نابعاً من جهود جماعية من كافة أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويجب أن يكون دعم التحالف الإقليمي المُشكل بالفعل لتمكين الشباب العربي خلال عمليات صنع السياسات هدفاً مشتركاً. من شأن التجربة العراقية - جنباً إلى جنب مع الدروس المستفادة من السياقين الأردني والتونسي - أن تسهم في تشكيل تحالفات وطنية أخرى وتفعيل القرار رقم 2250 في بلدان عربية أخرى، بما في ذلك مصر وليبيا. على سبيل المثال، يمكن أن تدعم جامعة الدول العربية، بالتعاون مع المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية، جهود النهوض بالتحالف الإقليمي وذلك للمساعدة في تحقيق الأولويات التي حددها الشباب وتلبية تطلعاتهم للمشاركة في عمليات صنع السياسات.

التحديات التنفيذية التي تواجه أجندة الشباب والسلام والأمن في العراق

لعل التحدي الأكبر الذي يعرقل تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن في العراق وبلدان عربية أخرى يكمن في الحداثة النسبية للقرار الصادر منذ ست سنوات فحسب. وبالتالي لا يوجد قدر كاف من الوعي والمعرفة بالقرار رقم 2250 وانعكاساته على أرض الواقع عندما يتعلق الأمر بإدماج الشباب وتطبيق أولوياتهم بشأن السلام والأمن والتنمية. يمكن ملاحظة نقص الوعي هذا في عدة مستويات مختلفة. أولاً، ثمة ندرة في الخبراء الذين يمكنهم التحدث باستفاضة عن القرار وتحليل الآثار المترتبة عليه من منظور قانوني. للأسف لا تزال خبرة المنطقة العربية محدودة حالياً في هذا المجال، ناهيك عن العراق.

بالمثل، هناك تحدٍّ آخر يتطلّب التصدي له، وهو اعتماد مصطلحات معيّنة لأجندة الشباب والسلام والأمن، يفهمها ويدركها الشباب والشابات. ويحتاج الشباب إلى شرح وتوضيح القرار رقم 2250 لمجلس الأمن الدولي وتطبيقاته العملية من أجل تبنّي عملية تفعيله بأنفسهم. ويتعلق بهذا الأمر ذلك التحدي الناجم عن التعديلات الوزارية، التي قد تؤدي إلى تأخيرات كبيرة في تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن في العراق. فعند تغيُّر المقاعد الوزارية قد يستغرق الأمر ستة أشهر من الوزير الجديد لكي يفهم جميع البرامج التي سيُشرِف أو تُشرِف عليها، ومنها البرامج المدرجة ضمن أجندة الشباب والسلام والأمن، وإعطاءها الأولوية. وهذا بدوره يستغرق وقتاً طويلاً، وقد يتسبب في تأخير المشروعات.

ويتصل بالمسائل الناتجة عن نقص الوعي الكافي ذلك التحدي المالي الذي تواجهه الأبعاد البرنامجية لأجندة الشباب والسلام والأمن. فالموازنة العراقية تعتمد بشدة على أسعار النفط؛ وبالتالي فإن التنفيذ الفعال لأي مشروع يتوقف على نجاح الشراكات الدولية. ولكن هذه التحديات بالطبع ليست محصورة بأجندة الشباب والسلام والأمن وتفعيلها؛ فأي إطار سياسات جديد يمكن أن يواجه، وسيواجه، تحديات مماثلة. إضافة إلى ذلك، فكل دولة لها ديناميات مختلفة حين يتعلق الأمر بتطلعات الشباب والمشاركة السياسية والمدنية، ويجب أخذها في الاعتبار لتفعيل أجندة الشباب والسلام والأمن بنجاح. ويجب الإقرار بمجموعة مهارات الشباب والشابات في العراق، وتلك المعرفة التجريبية التي اكتسبوها من خلال ما خاضوه من أشكال النشاطية وعمليات بناء السلام، إضافة إلى تجاربهم الخاصة في انعدام الأمن والنزاع؛ ودعم تلك المهارات. وهذا قد يدعم تطوير نموذج ناجح لتحالف الشباب والسلام والأمن في العراق، وقد يساعد في ضمان تلبية أولويات الشباب.

أولويات الشباب العراقي وأشكال المشاركة السياسية

لكي يكون بالإمكان بناء أجندة عراقية ناجحة للشباب والسلام والأمن، فهناك حاجة إلى فهم شامل للشباب والشابات في العراق، وتطلعاتهم وحاجاتهم والتحديات التي تواجههم، إضافة إلى الكيفية التي يسعون بها إلى المشاركة كجهات فاعلة سياسية. ولكن في الوقت الحالي لا تقوم المكاتب الحكومية بجمع منهجي موحد للبيانات حول الشباب والسلام والأمن في العراق؛ ومع ذلك فالجهات الفاعلة الخارجية، مثل المنظمات غير الحكومية والمراكز البحثية والجامعات، تعقد مجموعة متنوعة من البحوث النوعية والكمية حول الشباب العراقي وأولوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد عقدت "مبادرة الإصلاح العربي" - كجزء من مشروعها المعنون "مسارات الشباب في سياق الصراع"- في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو استقصاءً كمّياً شمل 676 شاباً عراقياً من بغداد والبصرة والموصل لتقييم كيفية إدراكهم مفاهيم مثل السلام والأمن وآثار ذلك على أجندة الشباب والسلام والأمن.

وتكشف نتائج الاستقصاء أن لدى الشباب العراقي نفوراً من السياسة الرسمية. وفي حين أن هذا النفور قد يكون حقيقياً، كما هي الحال في انعدام الاهتمام بالسياسة الرسمية، فيمكن أن يكون أيضاً مرتبطاً بالخوف والشواغل الأمنية. فقد كان المشاركون مترددين، بوضوح، في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتصويت ونواياهم فيه، وذلك خوفاً من العواقب المحتملة. ولكن هناك - إضافة إلى الخوف - سبب آخر لإحجام الشباب العراقي عن المشاركة في العمليات السياسية الرسمية، وهو تصوُّرهم أنهم يفتقرون إلى القدرة على ذلك. فهم لا يرون في أنفسهم الجهات الفاعلة "المناسبة" لعملية بناء السلام. ويُوكِلون هذه المسؤوليات إلى المسؤولين الحكوميين، وهو أمر ربما كان مدهشاً نظراً لقيامهم بثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019. حين فشلت ثورة تشرين الأول/ أكتوبر في تحقيق نتائج ملموسة، ضعُف وتراجَع اهتمام الشباب العراقي بالمشاركة السياسية المباشرة.

ولكن الأمر نفسه لا ينطبق بالضرورة على المشاركة المدنية. فبعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر على وجه الخصوص، عبر أغلب المستطلَعة آراؤهم عن أنهم يفضلون المشاركة المدنية على المشاركة السياسية المباشرة. وقالوا إن هذا ليس بالضرورة نتيجة خوفهم من أي شكل من أشكال المشاركة السياسية المباشرة فحسب، وإنما لإيمانهم بقوة المشاركة المدنية وقدرتها على تحقيق تغيير فعَّال وتدريجي بدلاً من الركود غير المثمر.

ومع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أن أي شكل من أشكال المشاركة السياسية، بما في ذلك المشاركة المدنية، له أهمية ثانوية لدى شباب وشابات العراق. فاهتمامهم الأساسي وشاغلهم الأول هو الاقتصاد وسبل عيشهم. وبالنسبة للكثيرين كانت انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019 في أساسها نتيجة مظالم اقتصادية، فيما جاءت لاحقاً المطالب الأخرى المتعلقة بمحاربة الفساد والمناداة بتحسين الخدمات العمومية. وبالنسبة إلى الشباب العراقي، الذين لا يجدون دخلاً و/أو فرصاً للتوظيف، فليست لديهم القدرة على تكريس أنفسهم تماماً لأجندة بناء السلام والمشاركة السياسية. بيد أن الشباب العراقي يبدي تملُّكاً قوياً لبلده، ويريد توفير مستقبل أفضل للأجيال اللاحقة، لكنه على قناعة أنه لن يتمكن من هذا إلا إذا أتيحت له فرص مهنية مستقرة في بلده. ولهذا الغرض، فإنهم يتطلعون إلى المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لتوفر لهم المهارات اللازمة، ومعالجة شواغلهم المتعلقة بسبل العيش، والبدء - بعد ذلك فقط - في دعمهم خلال المشهد السياسي.

حتى هذه اللحظة، تبرز شواغل الأمن وسبل العيش باعتبارها الأسباب الأساسية وراء كون مشهد المشاركة السياسية الشبابية في العراق اليوم انتقائياً للغاية. إذا أتيحت الفرصة وأعطيت للشباب والشابات، فإنهم سيختارون أن يصبحوا نشطاء لا جهات فاعلة سياسية تقليدية. فوفقاً لهم، فكونهم نشطاء، و/أو يرفعون أصواتهم، و/أو يحتجون، لا يمثل مجرد شكلاً من أشكال المشاركة السياسية، وإنما واقعياً - في الحالة العراقية - "أفضل" تلك الأشكال. وفي الواقع، على مدار العامين الماضيين، زاد عدد الحركات السياسية التي يقودها شباب، الأمر الذي أدى إلى تغيير في القانون الانتخابي وتخفيض سن الترشّح إلى 25 عاماً. وبهذا المعنى، صارت الانتخابات أكثر شمولاً للشباب مع نزولهم إلى الشوارع وفرضوا رأيهم على النخبة السياسية. يوضح هذا المثال مدى الحاجة إلى سد الفجوة بين صناع القرار وبين الشباب الناشطين سياسياً لكن خارج العمليات السياسية الرسمية، من أجل ضمان إشراك هؤلاء الشباب باستمرار واستدامة في العمليات السياسية.

حلقة النقاش الثانية: دروس مقارنة مستفادة ورؤى لتحالف الشباب والسلام الأمن العراقي من أجل المضي قدماً

لسد الفجوة بين النشاط الشعبي الشبابي وبين العمليات السياسية الرسمية، لضمان تحقيق أجندة هادفة للشباب والسلام والأمن في العراق، فإن هناك حاجة إلى توضيح من الجهات الفاعلة السياسية في ما يتعلق بالخطوات التي هي على استعداد لاتخاذها من أجل تنفيذ الأجندة بنجاح، ولكن هناك أيضاً حاجة إلى التوصل إلى حل توافقي. فعلى كلا الطرفين أن يكون على استعداد للتوافق مع الطرف الآخر، لا سيّما حين يتعلق الأمر بالسياقات التي لا تكون فيها المشاركة السياسية للشباب أمراً شائعاً من الناحية التقليدية. وهذه العمليات تتطلب مزيداً من العمل والأنشطة، الأمر الذي يحتاج إلى صبر من كلا الطرفين.

ويمكن لتحالف الشباب والسلام والأمن الأردني، الذي أُسّس في العام 2017، أن يكون نموذجاً ذا صلة ويقدم رؤى في ما يتعلق بالخطوات الناجحة والدروس المستفادة التي يمكن أن تُثري أجندة الشباب والسلام والأمن في العراق وتفعيل التحالف.

أولاً، يجب التسليم بأن هذه العملية تستغرق وقتاً. فالتحالف العراقي حديث العهد نسبياً، ومن غير المتوقع أن يتمكن من إحراز تقدم كبير في عمله بسبب جائحة كورونا التي نجم عنها كثير من التأخير في تنفيذ الأبعاد البرنامجية. ويتعين على أعضاء التحالف ووزارة الشباب والرياضة الإقرار بحقيقة أن تنفيذ البرامج التي يقودها الشباب على أرض الواقع، لا سيما في الدول التي تشهد اضطرابات سياسية، سيستغرق وقتاً طويلاً. ثانياً، كما ذُكر آنفاً، يُمكن أن تواجه أجندة الشباب والسلام والأمن العديد من العقبات بسبب التعديلات الوزارية، والافتقار إلى آليات التمويل والخبرة الكافية. ولحل هذه المسألة في الأردن، أُنشئت وحدة فنية داخل وزارة الشباب بهدف التعجيل بتنفيذ الأجندة بغض النظر عن تغيير الوزير. وبهذه الطريقة، لا يتأثّر التزام الوزارة والخبرة التي اكتسبتها تجاه قضية الشباب والسلام والأمن. ويمكن إنشاء وحدة مماثلة في وزارة الشباب والرياضة في العراق.

ومن أجل تحسين مسألة التمويل، وافق تحالف الشباب والسلام والأمن الأردني أيضاً على تعديل لوائحه الداخلية وإضافة مادة تُلزم المؤسسات الأعضاء بدفع مستحقات سنوية، جرى تقديرها على أساس إيرادات تلك المؤسسات وأرباحها. ومن شأن ذلك أن يؤمن الحد الأدنى من الموارد اللازمة لعمل التحالف. علاوة على ذلك، سعى التحالف الأردني جاهداً لإشراك الشباب والشابات في جميع مراحل صنع القرار من أجل ضمان تفعيل أجندة يُهيمن عليها الشباب. وعلى أرض الواقع، لم يعنِ ذلك إشراك الشباب في حالات التصويت فحسب، بل أيضاً في إعداد وتصور عمليات صنع القرار نفسها. وأخيراً، أثبت القطاع الخاص أنه أحد أهم الأطراف المؤثرة التي يجب إشراكها في العملية المتعلقة بالشباب والسلام والأمن. وحتى الآن، لم يشارك القطاع الخاص بقدر كبير من النشاط في دعم الشباب والسلام والأمن، ولكن يلزم تشجيع القطاع الخاص على دعم التحالف ودعم أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة التي تضم 17 هدفاً. وبهذه الطريقة، يُمكن إيجاد ثلاثة مصادر مختلفة للتمويل من أجل تفعيل أجندة الشباب والسلام والأمن، وهي: القطاع الخاص، والمشاركة المؤسسية، والمساهمات الحكومية العامة. وخِتاماً، من المهم إدراك مواطن القوة في الآليات القائمة بالفعل. فعلى سبيل المثال، اتسم التحالف الأردني بالفعالية والسرعة في التكيف مع التحول الرقمي خلال الجائحة. وقد سمح ذلك بالتواصل على نطاق أوسع مع المزيد من الشباب والشابات الذين يعيشون في الأردن. ويمكن للتحالفات الأخرى في المنطقة أيضاً الاستفادة من هذا الوضع، وأن تحاول إشراك المزيد من الأطراف في العملية المتعلقة بالشباب والسلام والأمن، وذلك من خلال ضمان حصول الشباب في البلاد على التدريب الكافي على الأنظمة الرقمية.

إذا أخذنا هذه الدروس المستفادة في الاعتبار، ليس في الأردن فحسب، بل في المنطقة العربية بأسرها، يمكن القول إن المنطقة رائدة في تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن. فمن بين أمور أخرى، تُعد المنطقة العربية - إلى جانب تحالفات الشباب والسلام والأمن الوطنية التي أطلقتها بالفعل - أول منطقة تُطور بفاعلية استراتيجيةً وتحالفاً إقليميَّين للشباب والسلام والأمن. وفي المستقبل، يتمثل هدف الجهات الفاعلة الدولية والوطنية بالمنطقة في تحويل أسس التحالف الإقليمي للشباب والسلام والأمن إلى واقع ملموس، ويجب أن يرتكز على شراكات كاملة ومتساوية، وعمليات مباشرة وشفافة، وجهود لحشد مزيد من الجماعات والجهات الفاعلة في عملية التأييد والتوعية.

توصيات لتفعيل تحالف الشباب والسلام والأمن العراقي في المستقبل

  • تعزيز ومواصلة تقديم الدعم للتحالفات القائمة. ثمة توجه عالمي نحو دعم أجندات الشباب والسلام والأمن في المراحل الأولية فقط، وعدم متابعتها. وهذا يؤثر سلباً على جميع أصحاب المصلحة ويعوق أنشطة التحالف وقدرتها على الاستمرار.
  • ضمان إدماج الأهداف المتعلقة بالشباب والسلام والأمن في جميع السياسات والاستراتيجيات الوطنية الموجهة للشباب. ويُعد إدماج الشباب والسلام والأمن في أطر السياسات العامة أمراً أساسياً لتعزيز الالتزام الوطني. فضلاً عن أن أجندة الشباب والسلام والأمن ليست برنامجاً مستقلاً قائماً بذاته أو مشروعاً يُنفذ لمرة واحدة، ولن تُحقق النتائج المرجوة منها بفعالية واستدامة إذا كان يُنظر إليها على هذا النحو. ويجب أيضاً مراعاة أجندة الشباب والسلام والأمن عند تنفيذ السياسات في العراق، مع تهيئة مساحات صنع القرار لتكون أكثر قبولاً للأجيال الشابة.
  • الاستثمار في جمع البيانات الخاصة بالشباب والسلام والأمن. يجب أن تكون البحوث المتعلقة باحتياجات الشباب وأولوياتهم وتطلعاتهم منهجية. إذ يتطلب النجاح في وضع وتنفيذ سياسات مستدامة بقيادة الشباب أو موجهة نحوهم وجود بيانات نوعية وكمية عن الشباب.
  • تعزيز أوجه التعاون مع أجندة المرأة والسلام والأمن. يجب إدماج الأجندتين، لأن من الواجب عدم إغفال البُعد الجنساني في المشاركة السياسية للشباب، فضلاً عن أن الرؤى الثاقبة المستمدة من أجندة المرأة والسلام والأمن يُمكن أن تُفيد في تحسين تنفيذ أجندة الشباب والسلام والأمن. ومع أن قرار مجلس الأمن رقم 1325 كان واحداً من أكثر القرارات التي حازت تأييداً، فإن تنفيذ أهدافه على الصعيد العالمي لم يحقق نجاحاً كبيراً. ولذا يجب التحقيق في الأسباب الكامنة وراء أوجه القصور التي واجهها القرار عند تفعيل أجندة الشباب والسلام والأمن.
  • زيادة مصادر التمويل المستقلة. فيجب أن يؤمن تحالف الشباب والسلام والأمن تمويلاً مستداماً ومستقلاً، ويجب تمكينه من استخدام هذا التمويل للأغراض البرنامجية.
  • الاستثمار في دعم وبناء القدرات. فيجب العمل على تنفيذ المزيد من البرامج الرامية إلى بناء قدرات الشباب والشابات في العراق، بخلاف الدورات التدريبية الأولية على اكتساب القدرات. ويشكل دليل البرامج الذي تُعده الأمم المتحدة، من قبيل الأدلة التدريبية للشبكة الدولية لتثقيف الأقران وغيرها من الموارد، من الأدوات الناجحة في هذا الصدد، ويُمكن الاستعانة بها والبناء عليها.
  • تحديد ودعم المؤيدين. إذ تحتاج أجندة الشباب والسلام والأمن - مثل أي إطار سياسي آخر في العالم - إلى مؤيدين. ويجب أن يعمل هؤلاء المؤيدون - ومنهم النشطاء الشباب والمسؤولون الحكوميون - دعاةً لزيادة الوعي بأجندة الشباب والسلام والأمن وبأهميتها للحكومة العراقية وللشباب العراقي، وكيف تمضي قدماً.

يمكن تطبيق هذه التوصيات على الصعيدين الوطني والدولي إذا كانت هناك علاقات قوية وناجحة بين أعضاء التحالف والحكومات. وفي العراق، يُشكل استعدادُ الحكومة لإنشاء تحالف الشباب والسلام والأمن خطوةً واعدة من جانب الجهات السياسية الفاعلة نحو إشراك الشباب في عمليات بناء السلام. ومع ذلك، لا يزال هناك مجال للتحسين. فمن ناحية، يجب أن يكون هناك تفاهم متبادل وتفاعل منتظم بين الشباب والحكومة لتعزيز العلاقة في ما بينهم. ويتعين دعوة الشباب والشابات إلى الأماكن التي يمكنهم فيها تبادل الأفكار والتحديات والآراء مع هؤلاء المعنيين من أصحاب المصلحة؛ وفي المقابل، يجب أن تؤخذ هذه المخاوف والتصريحات على محمل الجد وأن تُدمج في الاستراتيجيات والسياسات الحكومية. وبالإضافة إلى ذلك، يجب إتاحة الفرصة أمام المزيد من الشباب لشغل مناصب قيادية في عمليات وضع السياسات، مع ضمان المساواة بين الجنسين في ذلك. ويتعين على التحالف تحليل ودراسة هيكل الحكومة وتحديد أين تتلاءم أجندة الشباب والسلام والأمن والتحالف مع هذا الهيكل. ويمكن لخطة عمل وطنية واضحة بشأن الشباب والسلام والأمن أن تشمل جميع نقاط العمل المذكورة آنفاً، وأن تضمن اتخاذ إجراءات عملية على أرض الواقع في المستقبل. ومن ناحية أخرى، يحتاج الشباب إلى الشعور بالثقة والتمكين والقوة الكافية للتعبير عن آرائهم واتخاذ الإجراءات وتهيئة بيئة مواتية للقيام بذلك. إذ تُشير الدروس المستفادة من الدول الأخرى في المنطقة العربية إلى أن الأمر متروك للشباب والشابات ليعبروا عن آرائهم لصانعي القرار والمطالبة بتلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.