25تشرين الثاني/ نوفمبر
2018
الشباب الجزائري الناشط:  بين العيش في الشتات ونهج جديد للعمل السياسي؟

 

نظّمت مبادرة الإصلاح العربي في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 في باريس بفرنسا، كجزء من مشروعها البحثي الواسع "الشباب العربي كفاعل سياسي"، حواراً سياسياً ضمّ ثلاثة عشر ناشطا جزائريا مقيما في أوروبا. وكان الهدف من الحوار تبادل وجهات النظر حول أشكال العمل الممكنة في الجزائر والسبل الجديدة لإشراك الشباب الجزائري، باعتبارها مؤشّرات على الفكر السياسي والممارسة.

كان دور الشباب والشتات محوريا في النقاشات التي جرت، وقد تمّ بحث ذلك الدور من زوايا مختلفة. فتبادل المشاركون بدايةً خبراتهم ومعرفتهم بالأنشطة التي جرى تحقيقها في الجزائر أو في الخارج فيما يتعلق بتعزيز الديمقراطية والمشاركة المدنية بالمعنى الأوسع. وكانت الغاية من ذلك هي تسليط الضوء على تنوع تجارب المشاركين، ومعرفة مدى تأثير العيش في الخارج على العمل في الجزائر على الصعيدين الشخصي والمجتمعي.

وتاليا ركّز المشاركون على الأساليب العملية للمشاركة، فحاولوا الإجابة عن أسئلة حول وسائل العمل على المستوى السياسي في الجزائر وكيفية تصور العمل بالاشتراك مع الجهات الفاعلة العامة والتخطيط لهذا العمل والخبرة المستخلصة منه. كما ناقش المشاركون الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب في التأثير على السياسة العامة ورؤية الشباب للمستقبل السياسي للجزائر بعد بوتفليقة. ما تأثير ريادة الأعمال والعمل الاهلي باعتبارهما أداتين للتعبير السياسي، وما فوائدهما وحدودهما، وكيف سيكون دورهما في حال حدوث انتقال؟ لقد أفسحت هذه الأسئلة المجال أمام المشاركين للتعبير عن آرائهم في مواضيع متنوعة، بما في ذلك الثقافة والتعليم والمواطنة والتاريخ والنماذج الاجتماعية والمؤسسية، والخصوصيات الوطنية ومقاربتها مع أفضل الممارسات الدولية، وحقوق المرأة والحفاظ على البيئة. وقد أتاح هذا الأمر  مساحة واسعة للتفكير في جزائر ديمقراطية حقا وشعبية حقاً، حيث يكون جميع المواطنين ممثّلين ومشاركين.

العوامل التي تشكل موقف الشباب تجاه القطاع السياسي

كان أحد العناصر الرئيسية للمناقشة يتعلق بالعوامل المختلفة التي تشكّل المواقف السياسية والسلوك السياسي للشباب تجاه القطاع السياسي، وكيف يقوم ذلك بدوره بتشكيل طرق مشاركتهم وأشكالها. وقد اتفق المشاركون في الحوار على أن هناك حالة عدم ثقة بين الجزائريين تجاه كل ما هو سياسي. ويُعزى هذا إلى الصدمات المتراكمة المرتبطة بماضي البلاد والتي أثبت القطاع السياسي عدم قدرته أو استطاعته معالجتها. وبديهي أنْ ليس كل الجزائريين قد عاشوا في الخارج، ولذلك تراهم غالباً ما تكون لهم صورة مثالية عن الغرب ومؤسساته، فتجد لدى الناس عموما انطباعا بأن الأمور في الغرب أفضل مما هي عليه في بلادهم، بسبب وجود مؤسسات راسخة وقوية وشرعية، في حين أن الشعور السائد بين الجزائريين هو أنه "لا يوجد الكثير في بلادهم". وقد تعزّز هذا من خلال تأثير وسائل الإعلام الأجنبية التي تغذّي عقدة الدونية الموجودة في الأساس و"كراهية الذات" المستمرة في مرحلة ما بعد الاستعمار. وقصارى القول أن هناك استمرارية استعمارية، وأن النظام الحالي يؤبّد ردود الفعل والممارسات الهيكلية المرتبطة بعلاقة تبعية مع الغرب. وقد تكون إحدى النتائج الرئيسية لذلك أن ثقة الناس في الجمعيات والمؤسسات في البلاد تتضاءل أكثر فأكثر. وثمّة في الوقت نفسه شكل من أشكال العنف الناتج عن صمت الناس خلال الحروب لا بدّ من أخذه في الحسبان، حيث لا يزال الخوف  وصدمات التي ولدتها ينتقل من جيل إلى آخر. ومع ذلك لم يكن هناك وفاق مدني حقيقي. فـ" الوفاق المدني لم يكن في الحقيقة وفاقا ولا مدنيا! لم يطلب أحد المغفرة، ولم يمنحها أحد ".

يترجم هذا الإرث التاريخي والطريقة التي تعاملت بها الطبقة السياسية – أو أحجمت عنها – سخطا واضحا يشعر به الجزائريون وإلى افتقار إلى الإيمان بأن التغيير يمكن أن يأتي من جانب السياسة. فما إن تبدي مجموعةٌ ما علامات على زيادة النشاط، حتى يأتي ردّ الفعل العام من باب: "من أين أتوا؟ من يرسلهم ومن يمولهم؟ وليس من باب "ما الذي يقومون به؟" وكما لخّص أحد المشاركين، فإن "المشكلة هي أن الجزائري، من وجهة نظر الدولة، ليس فاعلا مؤثّرا في تقرير مصيره ولا عاملا عليه، وإنما هو مجرّد زبون يشتري السلم لاجتماعي ".

وبالنسبة للمشاركين في الحوار، قد يكون ثمّة حاجة لإحداث قطيعة مع جملة من النُهج الراسخة لبناء الثقة في القطاع السياسي. بداية وقبل كل شيء، ينبغي أن تتوقف النخبة عن التفكير في نفسها كطليعة وأن تبدأ بدلاً من ذلك بالإصغاء إلى المجتمع. ومن ثمّة فإن الطريقة التي يمكن أن يساهم بها النشطاء الشباب في هذه العملية والدرجة التي ينبغي أن يعملوا بها مع القطاع السياسي الرسمي هما قيد مناقشتها. وبينما يجادل البعض بأن المؤسسات موجودة وأنه من الضروري قبول هذا الواقع ومحاولة إحداث التغيير من داخل النظام، هناك من لا يعترف بهذه المؤسسات ويدعو بدل ذلك إلى انفصال تام عن الحكومة التي يعتقد أنها "لن تصغي أبدا".

العمل الأهلي في الميدان

لا يرى الكثير من الجزائريين أن المساحة العامة ملكا لهم أو جزءً من وطنهم، إلا أن هناك فوران محلي كبير في الوقت الحالي، الذي ليس بالضرورة مركزياً ويحدث بعيداً عن القطاع السياسي الرسمي. ومن المهم أن هذا القطاع الأهلي يملأ الفراغ الذي أحدثه غياب الدولة: العديد من الجمعيات هي جمعيات خيرية أو جمعيات تعزّز التضامن الاجتماعي، الامر الذي يخلق شبكة أمان اجتماعي إضافية.

ورغم أهميتها تحدث تلك المبادرات في إطار يقيّد قدرتها في العمل والإنجاز على نطاق أوسع، ذلك أن الأراضي الجزائرية شاسعة، وفيها ديموغرافيا مجزأة وحقائق مختلفة للغاية؛ أضف إلى ذلك ميل المبادرات الحالية إلى التركيز على الجزائر العاصمة وسوء التنسيق فيما بينها. يؤكد غياب أي شعور بالاهتمام المشترك على هذا التشرذم والطبيعة المنعزلة للعمل، كما يؤدي عدم وجود ميادين عامة ومنتديات لتبادل الرؤى حول الإجراءات الملموسة إلى فقر كبير في المعلومات الجيدة التي يمكنها أن تثري النقاش العام. يفاقم عدم استعداد البعض لتبادل المعلومات من عدم القدرة على نشر المعلومات والتشبيك بين جميع المبادرات من أجل تمكين تبادل الخبرات وتكرار الممارسات الجيدة. ويوجد اليوم على مستوى الشتات الجزائري وفي داخل البلاد فائض في الجمعيات الجديدة التي أنشأها الشباب، والتي يمكن أن تضاف إلى أخرى موجودة وناشطة في الأساس، وهو ما يدلّ على نقص كبير في التنسيق والتعاون، لا سيما بين الجمعيات الطلابية.

ومن جهة أخرى لا ينبغي أن ننسى أن العمل الجمعوي في الجزائر يتم في سياق غير ديمقراطي، إذ يصعب فيه - من الناحية العملية - على النشطاء والجهات الفاعلة في المجتمع المدني أن يجتمعوا بسبب القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات. كما فقدت العديد من الجمعيات ترخيصها، مما زاد في تعقيد نشاطها في هذا المجال. ولا يضمن الحصول على ترخيص من الدولة أي حرية للعمل، بل على العكس تمامًا: فمن خلال المرور عبر القنوات الرسمية، تضع مجموعات المجتمع المدني نفسها بشكل علني على رادار المراقبة التابع للدولة.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن الحصول على الترخيص أمر أساسي للجمعيات للحصول على الموارد، فإن الميزانية الكبيرة للدولة لا تكاد تخصّص أي شيء للمبادرات القائمة، ولا يستطيع العديد من الشباب الذين ينشئون جمعيات أو مجموعات طلابية تمويل مبادراتهم بشكل مستدام على المدى الطويل مع صعوبة استمرار التمويلات الخاصة إلى ما لا نهاية.

ورغم هذه القيود، تؤدي الجهات الفاعلة المحلية مهمة هائلة وكبيرة في جمع، توزيع وإعادة تنظيم العمل الاهلي، وهناك عدد من المشاريع الناجحة في جميع أنحاء البلاد. ولعل أنجح المبادرات في الواقع هي تلك التي تندمج في البيئة المحلية وتشمل البنية التحتية الحالية واستخداماتها المحلية. ويكمن التحدي في الحاجة إلى المزيد من وضوح الرؤية من أجل زيادة تحفيز المشاركة الشعبية. وعلى سبيل المثال، رغم نجاح المناصرة المجتمعية في الجزائر ، فإن الجزائريين ليسوا على دراية كافية بها ولا بالاستراتيجيات الناجحة التي ينبغي في الحقيقة تسليط الضوء عليها. من هذا المنطلق، تم إنشاء مشاريع مثل "شبكة (Chabaka)، وهي دليل تعاوني يطلب من الناس ملء المبادرات الإيجابية على خريطة، إلى جانب جدول أعمال تفاعلي للمتابعة.

الشتات الجزائري: مصدر للفعل على الأرض؟

بيّن المشاركون في هذه الفعالية على أن الشتات الجزائري يتمتع بالمهارات والموارد تجعله قادر على الاستفادة من العمل الأهلي الحالي في البلاد، وعلى لعب دور حاسم في أي عملية انتقالية في المستقبل. ويعتقد المشاركون في النقاش أن مغادرة البلاد تمنح الجزائريين فسحة تمكّنهم من تأمّل بلادهم بشكل مختلف، وتمكّن الأفراد من رؤية أنفسهم كفاعلين دون أن يقعوا فريسة الجبرية والقصور الذاتي اللذين يسودان المجتمع الجزائري، وهم يستطيعون ذلك من خلال تقديم أمثلة على كيفية قيام الناس في أماكن أخرى بتحريك الأمور في بلدانهم والنجاح في بعض الأحيان في نظم بيئية مماثلة (أو حتى أكثر تعقيدًا).

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يكون المغتربون في باريس (أو أي مكان آخر في الغرب) مدرَّبين بشكل أفضل ولديهم موارد أكثر من مواطنيهم المقيمين في الجزائر، حيث توجد تسهيلات لأعضاء الشتات للحصول على تمويل من مصادر غربية، بل إنهم غالبًا ما يتمتعون فوق ذلك بإحساس قوي بالانتماء للجزائر ورغبة في إدراك ما يحدث هناك. نرى هذا في قدرة الحركة الشعبية الحالية، حركة 22 فيفري (شباط/فبراير)، على جمع الناس تحت يافطة واحدة. ويمكن الاستفادة من هذا الشعور بالانتماء لبناء مجتمع قوي.

وتوجد هناك تحفظات جوهرية حول تأثير تجارب الشتات وقدرته على الاستفادة بشكل فعال من العمل المحلي في الجزائر. فهناك فقر كبير في التواصل والفعالية والتماسك داخل الشتات. ويكاد لا يوجد أي تنسيق في الجزائر نفسها، حيث لا يتمتع الشتات في كثير من الأحيان بسمعة طيبة. ذلك أن البعض داخل الجزائر لا يثق في الشتات بسبب سلوكهم الأخلاقي المزعج لهم وميلهم للتحدث نيابة عن الشباب بذريعة امتلاك الموارد. وبينما ينظّم الشتات في المهجر للعديد من الأحداث، التي يحضروها ممثلوه، فإنه غالبًا ما يكون هناك نقص في المتابعة وفي الإجراءات الملموسة، ومردّ ذلك جزئيًا علاقة الشتات الجزائري المحدّدة جدًا مع الفضاءات الخاصة والعامة، ما يجعل الاستثمار في العمل المحلي صعبًا. وقد قال المشاركون في الحوار إنهم كثيراً ما يسمعون عبارة "أنت أجنبي" عندما لا يكونون ينحدرون أساسا من منطقة محلية بعينها، أو – وهو أسوأ من ذلك – عندما يعيشون خارج الجزائر.

ومع ذلك، أكد النشطاء المشاركون في الحوار أنّ للشتات دوره في عملية الانتقال في المستقبل، ولكنهم يصرّون على أن يكون الممثلون المحليون الشباب في مقدّمة المشهد، بينما يلعب المغتربون دورًا رئيسيًا في دعمهم. وبذلك يقتصر دورهم على اغتنام الفرص والموارد وتوجيهها نحو المبادرات داخل الجزائر. على وجه الخصوص، يحتاج الشتات إلى أن يكون قادرًا على نقل المنهجيات وإجراء التدريب حتى لا يخلق تبعيات. وكما ذكر أحد المشاركين، فإن دور مشاريع المغتربين هو "التنحي جانباً والربط بين أولئك الذين يعيشون في الجزائر واستخدام كل ما نستطيع من علاقاتنا الدولية. أن نكون خاضعين للمساءلة أمام الإدارات الأجنبية مع عدم اضطرارنا إلى قول كل شيء أمام السلطات الجزائرية هو أمر مفيد، ولكنه هو سبب آخر للتنحي جانباً".

ومن بين الإجراءات الملموسة التي أشار إليها المشاركون والتي يمكن للمغتربين القيام بها: تفعيل منصات التشاور للمواطنين على نطاق واسع؛ التشبيك بين المبادرات في مختلف المدن؛ توفير المواد التعليمية حول ممارسة الديمقراطية؛ استخدام المنصات المفتوحة مثل Ushaidi، للإشارة إلى المشاكل المتعلقة بالفساد أو سوء نشر الأموال العامة؛ رفع الوعي لدى الجزائريين في حقّهم في تقرير كيفية إنفاق ميزانية الدولة؛ وإنشاء برلمان إلكتروني يكون لصوت المواطن فيه تأثير أكبر على ما يحدث. وربما استطاع المغتربون بشكل خاصّ أن يساعدوا في استخلاص المعرفة من التجارب الأجنبية، وخاصة فيما يتعلق بتقنيات المناصرة، ورفع الوعي بأفضل الممارسات وكيفية تطبيقها في الجزائر، من خلال الشراكات مع الجمعيات الأجنبية على سبيل المثال.

ولعلّ من الضرورة بمكان، إذا أردنا تحقيق هذه الأمور، أن يدرك العاملون في الشتات الديناميات التي تتكشّف في الجزائر وأن يكونوا قادرين على مواءمة أنفسهم مع الوقائع على الأرض. وكمثال على ما نقول، منذ اندلاع حركة 22 فيفري، أصبح من الصعب للغاية معرفة الواقع على الأرض على الرغم من الحجم الهائل للمعلومات التي يتمّ نشرها عبر الشبكات الاجتماعية، لذلك، ربما أتت أفضل المعلومات من الأقارب والمعارف الذين يشهدون أنفسهم الحالة المتطورة، ويمكنهم بدورهم نقل هذه المعلومات إلى أعضاء الشتات لغرض التنسيق العابر للحدود.

على نطاق أوسع، كيف يمكن تحقيق تحول ديمقراطي؟

بالنسبة للمشاركين في حوار السياسات، من المستحيل التحدّث عن تغيير سياسي حقيقي دون تعزيز فكرة المواطنة وممارستها، فلا مناص من أن يغدو المواطنون فاعلين، فيتمتعون بالوسائل والموارد اللازمة لممارسة مواطنتهم بالكامل. بل إن من الضروري في الواقع وجود استراتيجية سياسية يقودها المواطنون أنفسهم. بيد أن هذا يتطلّب وجود قاسم مشترك بين المواطنين والمغتربين لانتقال ديمقراطي يتمّ فيه إعادة التفكير في المؤسسات.

وفي سبيل تحقيق ذلك، أكّد المشاركون الحاجة إلى توفير المزيد من المساحات للنقاش والتجمع وتبادل الآراء، لأن ربط الناس والتشبيك بينهم من شأنه أن يبني الثقة ويعزّز العلاقات الاجتماعية – وهو ما يريده الجميع. ويمكن تحقيق ذلك، على سبيل المثال، من خلال إنشاء "مراكز ثقافية متنقّلة للمواطنين"، يتمّ تطويرها بالاشتراك مع المجتمع المدني، ويمكنها أن تستخدِم المنصّات الرقمية لإطلاق النقاش وبناء الإجماع بين المواطنين. ولكنْ يتعيّن في مثل هذه العملية استخدام لغة بسيطة ومباشرة، فالتنظير بين الناس حول المواطنة لن يحفزّهم كما يحفّزهم الحديث عن حياتهم اليومية والأوساخ في الشوارع والجوانب العملية للحياة. ولن يبرهن مثل هذا الأسلوب على استعداد الجزائريين للتحليل فقط، بل يثبت أيضا أن لديهم أشياء ذات صلة للحديث بشأنها فيما بينهم.

ويبقى من الأهمية بمكان، مع ذلك، توفير أدوات للعمل والاتحاد. وتوفّر الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت، في الوقت الراهن، حرية نسبية للتعبير وتسمح للناس بالتعرف على الديمقراطية من خلال تجربة حية عبر الشبكة العنكبوتية التي تزيد والشبكات الاجتماعية من إمكان الحصول على المعلومات ليس على المستوى المحلي فحسب ولكن أيضًا على المستوى العالمي؛ ومع ذلك، فمن غير الواضح مدى حيادية هذه الأنظمة الأساسية. ولا ننسَ أن المؤسسات العامة معروفة بعنادها، وبالتالي بينما لا يعدم النشطاء الجزائريون والجهات الفاعلة في المجتمع المدني الوسيلة ليكونوا فاعلين على المستوى المحلي، فإن جهودهم الرامية إلى زيادة التأثير على نطاق أوسع غالباً ما تتعثر.

وقد يكون من المفيد التركيز – إذا أخذنا ذلك كلّه في الحسبان – على نشاط المنظمات المحلية الذي لا تتطلّب الكثير من الموارد لإحداث تأثير:  وربما كان من الأنسب، بدلاً من محاولة الوصول إلى ما يتعذر الوصول إليه، العمل على نطاق أكثر محلية. يجب تقديم الدعم للمنظمات المناسبة من خلال تعيين الأشخاص المناسبين على كل الصعد. ولعل النهج السليم، كما رأى المشاركون في الحوار، يكمن في نبذ فكرة البدء من نقطة الصفر لخلق أشياء جديدة، وهو ما يكون في معظم الحالات غير قابل للتطبيق وغير مناسب أساسا، ولنلحظْ بدلاً من ذلك ما هو قائم بالفعل ونتشاور مع السكان ونجمع الخبرات ونقلّص المشروعات الكبيرة وسنتبدل بها مشاريع عملية صغيرة، مع الحفاظ على منظور مخطّط له على أن تكون المنهجيات والأدوات والتقنيات المستخدمة متاحة مجانًا لأكبر عدد ممكن من الناس.

والحال أنه يتّضح بشكل لا لبس فيه في مرحلة ما أن المواطنين منظمون بشكل أفضل وأنهم قادرون على تحقيق نتائج أفضل من بيروقراطية الدولة، فسيغدون جزءًا لا مفر منه من المعادلة، ولذلك فإن التحدي الآن هو جعل المواطنين لا غنى عنهم لعمل الدولة.