كيف يمكن للناشطين أن ينهضوا بالإصلاحات البيئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على نحو أفضل؟

*هذه المقالة هي الورقة الفائزة  في مسابقة مقال الطلاب لعام 2021.

لا يضمن التوجه نحو جعل نظام الطاقة الحالي خالياً من الكربون مستقبلاً مستداماً إذا ما تم التغافل عن التحديات التي تتجاوز مجرد انبعاثات الكربون، ولم يتم تقويم النموذج الاقتصادي الذي ما زال يُفاقم التحديات التي نواجهها. إذ يتطلب الإصلاح البيئي الحقيقي نهجاً تداخلياً متعدد الجوانب، لا يقتصر على معالجة المشاكل فحسب، بل يبادِر بالإصلاح. فضلاً عن أن الأزمات الاجتماعية والسياسية والبيئية التي نواجهها هي أعراض لنفس المشكلة، ويجب التعامل معها من هذا المنطلق. ومن أجل التوصل إلى مستقبل مستدام، ينبغي للسياسات أن تعالج المسائل الراهنة دون خلق المزيد من التحديات أو مفاقمة التحديات القائمة. وإذا كان هناك سبب لوجود الحركات الاجتماعية، فهو مواجهة القيم السائدة باعتبارها قيماً مرنة وقابلة للتغيير وتقديم طرق بديلة للعيش. ثمة دعوات متزايدة من الخبراء والنشطاء في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لإجراء إصلاحات في المنطقة، من أجل معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية الأوسع نطاقاً، مع إزالة الكربون من أنظمة الطاقة في الوقت نفسه.

تهتم الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتطوير الطاقة المتجددة على نطاق واسع. ومن أبرز الأمثلة على ذلك محطة نور للطاقة الشمسية بمدينة ورزازات في المغرب ومجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي. ويُعد هذا النهج امتداداً لنموذج الطاقة الحالي. إذ تتسم مثل هذه المشاريع الضخمة بطابع سياسي بقدر ما هي مشاريع اقتصادية. فهي تسعى إلى دعم النُظم السياسية الإقصائية، وتمكن الدول من تعزيز النظم الاجتماعية والسياسية القائمة؛ ومن ثَمَّ تحد، على نحو متزايد، من الاستقلال السياسي للفرد. وتعد المشاريع الضخمة للطاقة إسقاطات للطابع المركزي للدولة، لأنها لا تتطلب أي إسهام من المناطق المحلية التي تُقام بها. ولذلك فإنها تحد بفاعلية من الحرية السياسية. ومن شأن وجود نموذج بديل، وهو نموذج الطاقة المتجددة اللامركزي، أن يسمح بأن تظل ملكية وتشغيل مشاريع الطاقة المتجددة في المجتمعات المحلية التي تعمل فيها. وفي حين يُمكن تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن التكنولوجيا السابقة لم تكن كذلك. وهذه الإمكانية تسمح بإنشاء نظام للطاقة ليس مستداماً فحسب، بل أيضاً منصفاً اجتماعياً ومملوكاً ومصمماً على نحو ديمقراطي. إذ يتسم النظام اللامركزي -الذي يكون للأفراد بموجبه دور مباشر في كيفية عمل أنظمة الطاقة الخاصة بهم- بأهمية حيوية لضمان تحقيق العدالة في الطاقة إلى جانب العدالة المناخية.

تنطوي بنية أنظمة الطاقة على تأثيرات ثقافية واجتماعية سياسية واقتصادية واسعة النطاق. ويتعين على النشطاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يدركوا أن الطاقة أداة بالغة الأهمية لتعزيز القضايا البيئية والسياسية والعدالة الاجتماعية. ونظراً إلى أن المستخدم اليوم من تكنولوجيا الطاقة سيعمل لسنوات قادمة، فإننا بصدد فرصة لن تتكرر سوى مرة واحدة في القرن لبناء نظام أكثر عدلاً ومراعاةً للبيئة. وينبغي تركيز الجهود على ما يلي:

  • زيادة الوعي والتثقيف بشأن التحسينات التي يُمكن أن يُحققها نظام الطاقة اللامركزي للمجتمعات المحلية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
  • التشجيع على إدخال لوائح تنظيمية تسمح وتشجع على تركيب أنظمة الطاقة المتجددة على مستوى المجتمع المحلي.
  • نمو المنظمات التي تقودها المجتمعات المحلية، والتي تدعم الملكية المجتمعية لأصول الطاقة المتجددة، ووضع أُطر يمكن تنفيذها في جميع أنحاء المنطقة.

وتتنوع العقبات التي تحول دون ملكية المستهلكين لمصادر الطاقة المتجددة، ما بين عقبات سياسية وقانونية وإدارية واقتصادية وتنظيمية وثقافية. لذا يتعين على النشطاء أن يدركوا ضرورة القيام بالعديد من التطورات على عدة جبهات في آن.

النموذج المركزي للطاقة المتجددة النموذج اللامركزي للطاقة المتجددة
فهم الطاقة الطاقة بوصفها سلعة، وأحد العوامل المساعدة في تراكم رأس المال والتوسع الاقتصادي. الطاقة بوصفها مصدراً يمكن إضفاء الطابع الديمقراطي عليه واستغلاله لتلبية احتياجات المجتمعات.
الهدف تهدف إلى إزالة الكربون من الاقتصاد القائم، وإلى فصل أزمة المناخ عن الاقتصاد؛ في إشارة إلى إمكانية الوصول إلى حل لأزمة المناخ دون معالجة المشاكل الاجتماعية الاقتصادية، والعكس أيضاً صحيح. التحول إلى اقتصاد تمثيلي خالٍ من الكربون يخدم احتياجات الجميع على نحو أفضل. فضلاً عن أن القضايا الاجتماعية والسياسية وقضايا المناخ مرتبطة ببعضها البعض، مما يبرز عدم توافق الرأسمالية التي تنزع إلى العولمة مع المحدودية الإيكولوجية للأرض.
الحل استبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة لإفساح المجال أمام الرأسمالية الخالية من الكربون.

الحدُّ من انبعاثات غازات الدفيئة باستخدام آليات السوق والتكنولوجيا الحديثة، في إطار الهيكل الحالي للقوة الاقتصادية والسياسية للشركات.

استبدال النظام الرأسمالي المُعولم بالتنمية الاقتصادية المستدامة لتلبية الاحتياجات البشرية بدلاً من احتياجات تراكم رأس المال.

إنشاء نظام اجتماعي اقتصادي بديل يقوم على مبادئ الاستقلال الفردي/المجتمعي، مع وجود منصة للطاقة تحل محل شركات الطاقة المؤسسية.

جدول يقارن وجهتَي النظر السائدتَين حول نظرية التحول إلى الطاقة المتجددة.

تُعد تجربة تحول الطاقة في الأردن، حتى الآن، مثالاً قوياً على الانتقال العادل اجتماعياً للطاقة. وعلى النشطاء الإقليميين أن يسعوا إلى تكرار جوانب إطارها التنظيمي والسياساتي في أنظمة الطاقة الإقليمية الأخرى. في عام 2015، مول الأردن تركيب 400 نظام للطاقة الكهربائية الشمسية المنزلية. ويتراوح حجم كل نظام من 1 إلى 4 كيلوواط. وتمنح الحكومة قروضاً لأصحاب المنازل في المجتمعات الريفية، الذين يسددون القرض بالأموال التي كانوا سينفقونها لولا ذلك لسداد فاتورة الكهرباء. وبمجرد سداد القروض، تعيد الوزارة استثمار الأموال في منازل أخرى. وهذا يبين مدى إمكانية تطبيق اللامركزية على أنظمة الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، طالما أن هناك تنظيم سليم قائم في بيئة سياسية داعمة.

غير أن معظم الأمثلة على توظيف الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُظهِر، بدلاً من ذلك، اعتماداً على الأنظمة العالية التطوّر التقني، دون تطوير أي سياسات تتيح مجالاً للامركزية. وتعد محاولات التعامل مع أزمة التغير المناخي بمعزل عن التوابع الأخلاقية والأدبية والسياسية، اعتماداً على التسويات الفنية وحدها، أمراً يعمل على تشويش ذلك الإدراك الأساسي أنه ليس الوقود المستهلك فحسب بل النظام المطبَّق نفسه هو أيضاً غير مُستدام. إلا أن هذه العقلية ما زالت سائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تمكِّن الطاقة المتجددة اللامركزية الأفراد من أن يكون لهم رأي أكبر في طريقة عمل أنظمة الطاقة لديهم، مما يعزز الاستقلالية السياسية والاجتماعية المفقودة اليوم. سيتضح لنا من التعامل مع أنظمة الطاقة بهذه الطريقة أهمية المسؤولية الفردية/المجتمعية في خفض استهلاك الطاقة، وهي مشكلة بيئية ذات صلة في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فضلاً عن أن ثمة حاجة إلى زيادة الوعي بكيفية إسهام الطاقة اللامركزية في دعم السياسات اللامركزية؛ ويلعب النشطاء دوراً حاسماً في التثقيف وبناء حركة شاملة واسعة النطاق.

نُفذّت خطط انتقالية عادلة في العديد من المجتمعات المحلية وعلى مستوى الدول عبر أنحاء العالم. ويتنامى الدعم للتشريعات الداعمة لعمليات الانتقال اللامركزية في كثير من الدول. وعلى النشطاء القيام بحملات لإدراج نظرية ديمقراطية الطاقة في المناهج الجامعية، إضافة إلى إبرازها في أعمال المؤسسات العالمية للطاقة المتجددة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كالوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينيا).

ونظراً للخطر الوجودي الذي نواجهه الآن، نتيجة الوقود الأحفوري إلى حد كبير، فلا بد من إعادة تقييم علاقتنا بأنظمة الطاقة. ففي جميع أنحاء العالم، تنطلق ثورات في مجال الطاقة المتجددة يُقرّها المجتمع، وهي ثورات ممكنة حيث تكون هناك لائحة سياسية وقانونية قوية، إضافة إلى دعم جماهيري مع وجود منظمات محلية ملتزمة بتطوير مثل هذه الأنظمة. فإن تطوير مثل هذه الأُطُر هو ما يجب على النشطاء السياسيين ودعاة العدالة الاجتماعية، لا النشطاء البيئيين فحسب، أن يركزوا جهودهم عليه، وذلك حين يترسّخ الوعي بالدور الذي قد تلعبه أنظمة الطاقة هذه في تمكين التغيير. ويجب أن يعلم صناع السياسات أن الطاقة المتجددة المموَّلة من الأموال العامة والمملوكة للقطاع العام هي ورقة رابحة للجميع وذات أثر نافع على المناخ. وعلى المواطنين المعنيِّين الضغط لإجراء تغييرات في السياسات تسمح بتطوير مثل هذه الأنظمة.

يجب أن يدرك النشطاء أيضاً الظروفَ السانحة التي تتيحها البيئات الحضرية في المنطقة لبناء نظام طاقة لامركزي مملوك ومدار من قبل القطاع العام. وسيخلق تعزيز ديمقراطية الطاقة على مستوى البلديات قاعدة لدفع التغيير على المستوى الوطني. فالأنظمة الحضرية اللامركزية ستعمل أيضاً على خفض الحاجة إلى مزيد من المشاريع الضخمة في مجال الطاقة.

وكما في النشاطية السياسية، على دعاة ديمقراطية الطاقة أن يتذكروا أهمية توسيع نطاق التحول الديمقراطي بدلاً من تطبيق الديمقراطية على الفور. وتشمل أمثلة التنظيمات التي تُفضي إلى زيادة المشاركة في سياسات الطاقة أولئك الذين يتخذون القرارات بشأن مواقع توربينات الرياح أو المستهلكين الذين يقررون أسعار مزوِّداتهم بالطاقة في البلديات. وهكذا فإن إصلاح أنظمة الطاقة يحتاج إلى وقت.

يتعين على النشطاء تأسيس منظمات تدعم امتلاك المجتمع لأصول الطاقة المتجددة. وعلى هذه المنظمات تقديم المشورة الإدارية والمالية للأفراد والمجتمعات، بناء على فهم سليم للوائح الإقليمية والوطنية. فلهذه المنظمات دور أساسي في تحفيز عملية التحول اللامركزي في مجال الطاقة، وستثبت فائدتها في تحديد شكل الانتقال الواقع. ومع أنظمة لامركزية للطاقة، ستصبح متطلبات كل منطقة لها خصوصيتها. إلا أن الحوار الإقليمي شرط فيما يتعلق بتسهيل فرص التعلُّم والتطوير، إضافة إلى توفير قاعدة دعم وعرض النجاحات كلما برزت. ومن جديد، هناك حاجة إلى جهود النشطاء لا من أجل إنشاء مثل تلك المنظمات فحسب، بل أيضاً للحفاظ عليها وتطويرها مع تقدم عملية الانتقال والتحول.

يمثل التحول عن الوقود الأحفوري عنصراً مهماً في مكافحة التغير المناخي. غير أن ما يتم تجاهله غالباً هو الملكية المركزية وسيطرة الشركات والجهات الفاعلة في الدولة على موارد الطاقة. وهذا يتحيز بشكل كبير للتوجه إلى توليد الكهرباء من أجل الربح، بدلاً من مراعاة الواقع الإنساني والإيكولوجي. ويُستبعَد من الملكية ودوائر صنع القرار أولئك المتأثرين بشكل مباشر. لكن هذا الأمر بحاجة إلى تغيير إذا أردنا إقامة مجتمع أكثر استدامة.

تسود اليوم فكرة "الطاقة كسلعة"، حتى مع تحولات قطاع الطاقة نحو مصادر الطاقة المتجددة. فالانتقال أمر حتمي، لكن العدالة ليست كذلك. وعلى الإصلاحات البيئية الهادفة أن تدرك أن المشاكل التي نواجهها متداخلة. إذ إن وجود نظام لامركزي للطاقة لن يؤدي فقط إلى إقامة نظام طاقة مستدام بسرعة وكفاءة، ولكنه سيخفف في الوقت نفسه من المظالم الاجتماعية والسياسية، وهي أعراض النظام نفسه الذي يتسبب في التدهور البيئي الذي يسعى النشطاء إلى حلها. فيجب أن يدرك أنصار الطاقة اللامركزية تلك المنافع واسعة النطاق التي تقدمها هذه الأنظمة، ويقوموا من ثَمّ بحشد الدعم من شبكة واسعة من الأفراد والنشطاء والمجتمعات عبر أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.