الحركة الطلابية اللبنانية: لاعب سياسي جديد؟

حاز فوز الجماعات الطلابية المستقلة في انتخابات المجالس الطلابية في أواخر عام 2020 على إشادة واسعة بوصفه علامة فارقة في مكافحة نفوذ الأحزاب السياسية الطائفية التقليدية في لبنان. تبحث هذه الورقة في أهمية هذه الانتخابات الطلابية وتَجدَّد تعبئة الكيان الطلابي. وتهدف إلى فهم أفضل للسياسات والاستراتيجيات التي تنتهجها الجماعات الطلابية الجديدة، وخاصة فهمها لمفاهيم مثل الاستقلال، وتحاول استعراض الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه المجموعات الطلابية في نهاية المطاف في السياسة الوطنية.

طلاب النادي العلماني في الجامعة الامريكية في بيروت يحملون لافتة مكتوب عليه "التعليم حق للجميع" خلال مظاهرة امام بناية الجامعة الامريكية في بيروت – بيروت، لبنان، 29 كانون الأول/ديسمبر 2020. © EPA-EFE/NABIL MOUNZER

I.
مقدّمة

تصدرت المجموعات الطلابية المستقلة في لبنان، التي تتألف من جماعات معارضة للأحزاب السياسية التقليدية، العناوين الرئيسية في أواخر عام 2020، في أعقاب الحملات الانتخابية الناجحة للمجالس الطلابية في عدد قليل من الجامعات الخاصة. بعد مرور عام واحد على اندلاع انتفاضة تشرين الأول /أكتوبر 2019 التي اجتاحت البلاد التي تعاني من ضائقة مالية، ضد أحزابها الطائفية التقليدية، نظمت هذه الجماعات السياسية الطلابية المستقلة حملات انطلاقاً من أملها في استعادة المجالس الطلابية من الأحزاب السياسية التقليدية التي هيمنت على انتخابات الجامعات لعقود.1Chehayeb, K. (n.d.). Lebanon's sectarian parties trounced in unprecedented student elections. Middle East Eye. https://www.middleeasteye.net/news/lebanon-elections-student-victory-independents-sweep-sectarian. وقد كانت هذه الانتصارات الانتخابية جزءاً من حركة طلابية متجددة لا تنتمي إلى الأحزاب السياسية الطائفية في لبنان، ومهدت الطريق لتأسيس مجموعات طلابية ذات توجه مماثل في جامعات أخرى، فضلاً عن المبادرات الرامية إلى تنسيق وبناء الحركات بين الطلاب في مختلف أنحاء البلاد.

تبحث هذه الورقة أهمية هذه الانتخابات الطلابية وتَجدَّد تعبئة الكيان الطلابي. وتسعى إلى وضع هذه التعبئة في سياق تاريخي ممتد من النشاط الطلابي في البلاد، وكيف تمكنت الأحزاب السياسية الطائفية في البلاد من السيطرة بنجاح على العمل السياسي في الجامعات من خلال توسيع شبكات الرعاية الخاصة بها لتشمل الطلاب في مقابل الولاء السياسي.

بالرغم من أن بعض المجموعات الطلابية البديلة ذات التوجهات السياسية قامت بدور نشط لبعض الوقت، فقد وجدت هذه الورقة أن انتفاضة تشرين الأول /أكتوبر 2019 حفزت هذه الحركة وعجلت من عملية زيادة قدرات هذه المجموعات ووسعت قاعدة دعمها، فضلاً عن تكوين الروابط عبر مختلف الجامعات. علاوة على ذلك، أثرت الانتفاضة والأوضاع المتدهورة في البلاد على هذه المجموعات ودفعتها إلى زيادة إدماج القضايا الوطنية في أولويات منظماتها. وفي وقت قصير، أقامت أيضاً جسوراً للتعاون مع أحزاب سياسية جديدة مناهضة للمؤسسات، واكتسبت أهمية خاصةً من خلال وسائل الإعلام الشعبية الجديدة.

في حين عززت هذه المجموعات الطلابية المستقلة تعاونها داخل الجامعات وخارجها، بل وتعمل في بعض الحالات ضمن نفس الشبكة، فإنها أبقت على العديد من الاختلافات التي تتعلق بأيديولوجية كلاً منها، ومنظورها للاستقلال السياسي، والمجالات التي تحظى بأولويتها. وحتى الآن، لم يمنعها ذلك من العمل سوياً.

ورغم النمو الذي شهدته هذه المجموعات الطلابية المستقلة في لبنان مؤخراً، فإنها لا تزال تواجه الكثير من العقبات نفسها التي أعاقت نشأتها في الماضي. إذ تواجه مجموعات طلابية مختلفة تهديدات ومضايقات من مؤيدي الأحزاب التقليدية، في حين تواجه مجموعات أخرى عقبات إضافية لتأسيس منظماتها في الجامعات بسبب الرقابة والقيود التي تفرضها إدارات الجامعات عندما يتعلق الأمر بتشكيل جماعات سياسية. وعلاوة على ذلك، تواصل الأحزاب السياسية التقليدية والطائفية اللبنانية استخدام شبكات مصالحها لتوطيد وجودها في الجامعات.

ما ستقدم المجموعات الطلابية المستقلة في لبنان على فعله بعد ذلك سوف يكون أمراً بالغ الأهمية. ففي خلال فترة وجيزة نسبياً، تجاوزت تلك المجموعات نطاق الجامعات التي نشأت فيها، وتطرقت إلى تناول قضايا أوسع مثل التعليم والبطالة في جميع أنحاء البلاد، واتخذت مواقف مؤثرة بشأن القضايا الوطنية. وبالرغم من أن وجودها في مجموعة واسعة من الجامعات أمر مشجع، فإن قدرتها على التعبئة في الجامعة العامة الوحيدة في لبنان، حيث تتسم شبكات الأحزاب الطائفية ذات النفوذ بالقوة، لا يزال أمراً غير مؤكد.

يُمكن أن تضطلع الانتخابات البلدية والوطنية في لبنان المقرر إجراؤها عام 2022، والمجموعات الطلابية المستقلة الآن بدور هام في دعم المرشحين الذين يتنافسون مع الأحزاب السياسية الحاكمة في البلاد. وعلى الرغم من أنهم لا يستطيعون التصويت إلا بعد بلوغ سن 21 عاماً، فإن عضويتهم المتنامية وخبرتهم في تنظيم الحملات والتنظيم السياسي يزيد من قدرة الأحزاب السياسية المستقلة المحدودة، سواء كأفراد أو من خلال شبكاتهم الوطنية.

II.
المنهجية

اعتمدت النتائج التي توصلت إليها تلك الورقة بشكل رئيسي على سبع مجموعات نقاش بؤرية تألفت من 39 طالباً ينتمون لسبع مجموعات طلابية مستقلة شاركوا في الانتخابات في أربع جامعات خاصة في لبنان: مجموعة "النادي العلماني"، ومجموعة "التغيير يبدأ من هنا" من الجامعة الأميركية في بيروت، والطلاب المستقلين من الجامعة اللبنانية الأميركية بفرعيها في بيروت وجبيل، وحملة "طالب" والمستقلين من جامعة القديس يوسف في بيروت، و"مبادرة النهضة" من جامعة رفيق الحريري.

وقد اختير المشاركون ليكونوا شاملون فيما يتعلق بنوع الجنس، والعمر، والكلية التي يدرسون فيها، والمكان الذي أتى منه الطلاب. فقد كان متوسط عمر الطلاب المشاركين 20 عاماً، وفي السنة الثالثة من دراستهم الجامعية. وقد بلغت نسبة الإناث من مجموع المشاركين 41%.

هدفت الأسئلة التي طُرحت خلال مجموعات النقاش البؤرية إلى التوصل لفهم أفضل لدوافع الطلاب الفردية لكي يصبحوا نشطين سياسياً في الجامعة، بالإضافة إلى تصورهم حول الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصادية المستمرة. وعلاوة على ذلك، تناولت المناقشات بعمق علاقات المجموعات الطلابية المستقلة مع الأحزاب السياسية التقليدية في الجامعة والأحزاب المستقلة والمعارضة الأخرى داخل الجامعة وخارجها، فضلاً عن العقبات التي يواجهونها في التنظيم وإدارة الحملات. وأخيراً، ركز الطلاب خلال المناقشات على فهمهم للاستقلال السياسي، ودور المجموعات الطلابية في التغيير السياسي الأوسع نطاقاً في لبنان، وما هي الخطوات المستقبلية التي ينبغي أن تتخذها المجموعات الطلابية في مختلف أنحاء البلاد.

أجرى المؤلفان ثماني مقابلات رئيسية مع مجموعة من النشطاء الطلابيين السابقين البارزين، ونشطاء طلابيين مستقلين من الجامعة اللبنانية العامة، وممثلين عن أحزاب سياسية مستقلة كانت على تواصل مع طلاب الجامعات.

وأخيراً، من أجل تحديد السياق التاريخي للتطورات الأخيرة مع المجموعات الطلابية المستقلة، أجرى المؤلفان بحثاً مكتبياً شاملاً لوسائل الإعلام المحلية والمؤلفات الموجودة التي تناولت التعبئة الطلابية والانتخابات في لبنان.

III.
السياق التاريخي

لم تكن الحركات الطلابية مرتبطة دائماً بالسياسات الطائفية، وفي السنوات التي سبقت الحرب الأهلية عام 1975، كانت الحركات الطلابية فاعلاً قوياً في المعترك السياسي اللبناني. وخلال تلك الفترة، كان الطلاب يمثلون جزءاً لا يتجزأ من تيار المعارضة السياسية المتنامية في البلاد،2Traboulsi, Fawaz. (2007). A history of modern Lebanon. London: Pluto Press. وصاحب ذلك مطالب تجاوزت حدود الجامعة والحدود الوطنية.

في عام 1950، نظم طلاب المدارس الثانوية والجامعات، ومعظمهم من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، احتجاجات حاشدة دعت إلى إنشاء الجامعة اللبنانية العامة. نظرت هذه الحركة إلى الجامعة الوطنية باعتبارها مؤسسة تضفي الشرعية على استقلال لبنان، وخطوة نحو زيادة فرص الحصول على التعليم، لا سيما بالنسبة للطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً التي لم يكن أمامها بديل عن الجامعات الخاصة باهظة التكاليف.3منشور على الصفحة الرسمية لـ"قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني" بتاريخ 26 أيار/مايو 2019. https://www.facebook.com/LCPYouthSector/videos/700752140357620. وبعد رفض الحكومة لمطالبهم، دعا الطلاب إلى تنظيم احتجاجات حاشدة في 2 شباط/فبراير 1951، شارك فيها الآلاف من الطلاب والأساتذة وغيرهم. بيد أن قوات الأمن ردت بعنف، وانهالت بالضرب على الطلاب المحتجين، بل واستخدمت الذخيرة الحية. ونتيجة للتعبئة الطلابية عام 1951، تم الإعلان عن إنشاء الجامعة اللبنانية إلا أنها لم تُؤسس رسمياً حتى عام 1959. وحتى في ذلك الحين، ظلت الجامعة الوطنية تفتقر إلى المؤسسات والموارد الكافية لتأمين التعليم المجاني للجميع. وفي عام 1962، بلغت الحركة الطلابية ذروتها، حيث اجتاحت الإضرابات والاحتجاجات الشوارع ودعت إلى إجراء الإصلاحات اللازمة وتخصيص الميزانية للجامعة اللبنانية. وتضمنت بعض أهم المطالب شراء أرض رسمية للجامعة، وقد استجيبت هذه المطالب في النهاية عام 1965.4ياسين بلال. (د.ت.). تاريخ الحركة الطلابية. النداء. http://www.al-nidaa.com/politics/item/31154-2019-06-27-18-13-45.

في أعقاب نهاية حرب الأيام الستة عام 1967، بدأ الطلاب أيضاً في التعبئة حول القضايا السياسية التي تحدث خارج لبنان. وقد نظرت هذه الموجة الثورية من النشاط الطلابي إلى الحكومات الوطنية وإدارات الجامعات باعتبارها كيانات استبدادية مماثلة يتعين التصدي لها. وخلال تلك الفترة، "رفض العديد من الطلاب رفضاً قاطعاً السلطات القديمة وأبدوا تأييدهم للسلطات الجديدة التي تُقدم خططاً ثورية".5Anderson, Betty S. (2017, June 10). “The student movement in 1968”. Jadaliyya. Retrieved March 09, 2021, from https://www.jadaliyya.com/Details/23777. وقد كشفت دراسة استقصائية للطلاب في الجامعات اللبنانية في أوائل السبعينيات أجراها عالم الاجتماع حليم بركات، أن هذه الموجة اليسارية من التعبئة الطلابية أرادت "إحداث تغيير كامل لشبكة التنظيمات والتوجهات القيمية" وتحرير البشرية من "الهيمنة والاستغلال والحرمان".6Barakat, Halim Isber. (1977). Lebanon in strife: student preludes to the civil war. Austin: University of Texas Press. فقد دعا الطلاب إلى ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم من جهة، ودعوا أيضاً إلى الإطاحة بالحكومات الاستبدادية في المنطقة من جهة أخرى.7المرجع نفسه. وفي كتابه الذي تناول تاريخ السياسة الطلابية في لبنان، يستشهد مكرم رباح بالحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 والثورة الفلسطينية التي أعقبت ذلك باعتبارهما العاملين الخارجيين اللذين كانا سبباً في إثارة النشاط الطلابي في الجامعة8 Rabah, Makram. (2009) A campus at War: student politics at the American University of Beirut, 1967-1975. Beirut: Dar Nelson. . وبالتوازي مع ذلك، واصل الطلاب المطالبة بإصلاح النظام التعليمي باعتباره وسيلة لمعالجة التفاوتات الاقتصادية الصارخة في المجتمع. وقد كانت حقوق الطلاب والمساواة بينهم في صميم تحركاتهم، فضلاً عن الإصرار على تمثيل أفضل في المؤسسات الأكاديمية9  Bray-Collins, E. (2016). “Sectarianism from Below: Youth Politics in Post-war Lebanon.” Thesis submission, University of Toronto. .

تضاءل هذا الزخم الكبير مع بدء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، والتي استمرت 15 عاماً. وبحلول عام 1977، أصدر وزير التعليم الأسبق أسعد رزق المرسومين الاشتراعيين رقم 115 ورقم 122، الذي ألغى بموجبهما فعلياً مجالس الطلاب، ومشاركة الطلاب في عمليات صنع القرار في الجامعة اللبنانية. وفي حين أضفت الحركة الطلابية في لبنان على الطلاب طابعاً مؤسسياً، فقد تفككت الحركة الطلابية مع تصاعد التوترات الطائفية.

بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1990، احتفظت نسبة ضئيلة فقط من الشباب بميول سياسية يسارية مستقلة خارج الأحزاب التقليدية، في حين اتجهت الأغلبية نحو القادة الطائفيين للحرب الأهلية في البلاد. على سبيل المثال، أصبحت الممارسات السياسية داخل الجامعات حيزاً مهماً لتعبئة مؤيدي الحزبين المسيحيين المتنافسين، حزب "القوات اللبنانية"، وحزب "التيار الوطني الحر"، في الوقت الذي تعرض فيها زعيم حزب "القوات اللبنانية" للسجن بينما نُفي زعيم حزب "التيار الوطني الحر". غير أن هذه الفترة شهدت أيضاً تحالفات شبابية فيما بين الطوائف المختلفة بشأن القضايا المشتركة. فقد تعاون التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية إلى جانب الجماعات اليسارية المستقلة وأنصار الحزب التقدمي الاشتراكي الذي ينتمي أغلبية مؤيديه إلى الطائفة الدرزية، بشكل رئيسي في التنظيم والحشد للاحتجاجات التي اندلعت عام 2005 ضد الاحتلال السوري، والتي تُعد واحدة من أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد.

ومع انسحاب الجيش السوري من لبنان، كشف عهد ما بعد 2005 عن تعميق الانقسامات الطائفية والحزبية بين الشباب الذين اختاروا دعم أحد التحالفَين الكبيرَين في البلاد، وهما تحالف 14 آذار/مارس الموالي للغرب أو تحالف 8 آذار/مارس الموالي لسوريا. شهدت هذه الفترة "تسييساً لجيلٍ من الشباب، لم ينخرط كثير منه في السياسة من قبل"،10المرجع نفسه. ولكن تسييسهم جاء بشكلٍ أساسي ليصبحوا جزءاً من الأحزاب المختلفة للنخبة الحاكمة.

تجلَّى هذا الاستقطاب على مستوى الانتخابات الطلابية في الجامعات التي تحوّلت إلى "ساحة اختبار" للأحزاب السياسية التقليدية لتقييم شعبيّتها في أوساط الشباب، في ظل استعدادات تلك الأحزاب للانتخابات الوطنية.11المرجع نفسه. وقال د. باسل صلّوخ، أستاذ العلوم السياسية المشارك في الجامعة اللبنانية الأميركية، في تصريحات لـ"مبادرة الإصلاح العربي" إن الأحزاب السياسية التقليدية تستغل الانتخابات الطلابية لتقوية قواعدها الانتخابية والحفاظ على عملية التعبئة السياسية على أسس طائفية. وأضاف د. صلّوخ: "من منظور الأحزاب السياسية، أعتقد أن الانتخابات الطلابية قد وُظِّفت لاستعراض القوة والأهمية. لكن الأمر الآخر هو العثور على مجنّدين جدد وتعبئة -أو تحفيز- هوية ما، هي الهوية الطائفية".

وقد حاولت الأحزاب السياسية التقليدية تعزيز شرعيتها وحضورها في الحرم الجامعي، من خلال إنشاء أجنحة شبابية وتوزيع سبل الرعاية والكفالة على طلاب الجامعات12  Buljo, Henrik. “Students Taking to the Streets: Mobilizing for a Secular Lebanon”. (2020 ). فعلى سبيل المثال، وبينما يُحظر تماماً التمويل الخارجي للمجموعات الطلابية داخل الجامعة الأميركية في بيروت، استثمرت الأحزاب السياسية أحياناً آلاف الدولارات لتمويل حملاتها الطلابية.13​​على سبيل المثال، قدَّر أعضاء ”النادي الاجتماعي“، المناصر لـ”حزب القوات اللبنانية“، أنّ ميزانيتهم تصل إلى 6 آلاف دولار في العام 2008؛ انظر: The Lebanese Forces Social Club members, for example, estimated their budget to be close to 00 in 2008; Bray-Collins, Elinor. (2016). “Sectarianism from Below: Youth Politics in Post-war Lebanon.” Thesis submission, University of Toronto. إذ كانوا ربّما يهدون الطلاب الموالين لهم كتباً دراسية مجانية، ونسخاً من الامتحانات السابقة، وبطاقات وقوف السيارات، وقرطاسيات، وهواتف محمولة، وغيرها من الأشياء الأخرى14Bray-Collins, Elinor. (2016). “Sectarianism from Below: Youth Politics in Post-war Lebanon.” Thesis submission, University of Toronto. . وقد كانت تلك الهدايا والخدمات توظَّف لتحفيز دعم الأحزاب السياسية التقليدية في الحرم الجامعي والتصويت لها في الانتخابات الطلابية. ونتيجة لذلك، أعادت تلك الممارسات إنتاجَ الوضع القائم في السياسة اللبنانية، وقلّصت من فرص الطلاب وقدرتهم على الانغماس في خطاب سياسي نقدي ومتسامح، سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه.

بالتوازي مع ذلك، بدأت بعض المجموعات [الطلابية] الانتظامَ والتجمُّع كبديل للأحزاب الطائفية، وتجلَّى هذا في "النادي العلماني" بالجامعة الأميركية في بيروت، الذي تأسس في العام 2008 بهدف "التعبئة حول شكل متجدّد للمعارضة السياسية العلمانية في لبنان".15  Buljo, Henrik. “Students Taking to the Streets: Mobilizing for a Secular Lebanon”. (2020 ) ارتكزت شعاراتهم ومواقفهم المناهضة للطائفية على وجود استياء متزايد من التمثيل السياسي الطائفي والتكتيكات الزبائنية في إدارة الحملات، وسعت تلك الشعارات والمواقف إلى تحدي الخطاب السياسي القائم الذي هيمن على الحرم الجامعي. على مدار الوقت، صارت المجموعات الطلابية المتشابهة في الجامعات الأخرى تشنّ حملات ضد الوضع القائم الطائفي أيضاً، وإن كانوا غالباً على تردد من إبراز نبرة سياسية علنية في عملهم.

مع حلول صيف 2015، حين أثارت أزمة النفايات موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، كان هناك حضور للطلاب بأعداد كبيرة في الميادين. وفي الصيف التالي، خاضَت الحركتان السياسيتان حديثتا التشكيل "بيروت مدينتي" و"مواطنون ومواطنات في دولة" الانتخاباتِ في قوائم منفصلة ضد الأحزاب التقليدية، في محاولة غير موفّقة للفوز بالانتخابات البلدية في بيروت.

خلال تلك الفترة، بدأ المزيد من المجموعات الطلابية المناهضة للوضع القائم في تشكيل جماعات سياسية بديلة، لم تكن مشغولة فقط بجامعاتها، بل أيضاً بالقضايا الوطنية، وكانت تتواصل بانتظام مع الجماعات ذات الأفكار المماثلة في الجامعات الأخرى. ففي الجامعة الأميركية في بيروت، شكّل الطلاب "نادي السنديانة الحمراء" ذا الميول الشيوعية، الذي قاطع الانتخابات الطلابية على عكس "النادي العلماني". وكانت هناك أيضاً "الحركة الطلابية البديلة" في الجامعة اللبنانية الأميركية وحركة "صفحة بيضا" بجامعة القديس يوسف. أما في الجامعة اللبنانية الحكومية، فقد نجح الطلاب في الحشد لإلغاء قرار بفرض رسوم جامعية جديدة في العام 2014، وكان نجاحهم هذا على الرغم من عدم إنشاء تنظيمات مناهضة للنخبة الحاكمة. ومع ذلك، الطالبات النسويات شكّلن مجموعة "راديكال" بالجامعة اللبنانية الحكومية، ونظّمن أحاديث ونقاشات من حين لآخر؛ ولكن بدا أن معظم عمل المجموعة كان خارج الحرم الجامعي، ودار حول دعم جماعات حقوق المرأة وحقوق المهاجرين والتنظيمات الطلابية الأخرى في الجامعات الأخرى.

لم يكن حتى عام 2017 أن أنشأ الطلاب والمجموعات الطلابية في الحرم الجامعي، من غير المرتبطين بالأحزاب السياسية التقليدية في لبنان، شبكة رسمية. ففي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، قام طلاب من "النادي العلماني" في كلٍّ من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف بإطلاق شبكة "مدى"، بدعم من خريجي الجامعتَين وطلاب من جامعات أخرى. وتسعى هذه الشبكة التي يقودها الطلاب إلى دمج الشباب في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في لبنان؛ فقد كان أحد أهدافها الأساسية في 2017 هو تشكيل "عقد طلابي" لمنع ارتفاع الرسوم الجامعية الارتجالية وغير المنظمة.

IV.
التحليل والنتائج

1.
أهمية انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر في استقطاب الطلاب

كانت انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر حدثاً بالغ الأهمية أدّى إلى تعبئة طلاب الجامعات اللبنانية سياسياً. فقد جاءت في لحظة حرجة في التاريخ اللبناني الحديث؛ إذ تراجعت قيمة الليرة اللبنانية، التي كانت مرتبطة بالدولار منذ العام 1997، وبدأت في الانهيار.16The Economist (2019, October 5). A long-feared currency crisis has begun to bite in Lebanon. The Economist. https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2019/10/05/a-long-feared-currency-crisis-has-begun-to-bite-in-lebanon. وإضافة إلى الذعر في المصارف اللبنانية، الذي سرعان ما تلا ذلك، كانت هناك بالفعل احتجاجات متفرقة على ارتفاع معدل البطالة وتكاليف المعيشة على مدار العام السابق.17Chehayeb, K. (2019, September 19). Large protests in Beirut against desperate economic situation turn violent. Middle East Eye. https://www.middleeasteye.net/news/large-protests-beirut-against-desperate-economic-situation-turn-violent.

أثارت الانتفاضة انعتاقاً فريداً من السنوات السابقة من التنظيم والتعبئة في أوساط طلاب الجامعات. فلم تكن الانتفاضة سبباً فقط في حشد واستقطاب قطاعات واسعة من الشباب اللبناني، ومنهم مَن لم ينخرط في السياسة من قبل، ولكنها دفعت أيضاً عدداً كبيراً من الطلاب إلى التخلي عن الأحزاب السياسية التقليدية وفي بعض الحالات إلى الانضمام إلى الحركات المستقلة التي تتحدى الوضع القائم في لبنان. وقد أتاحت الانتفاضة أيضاً مساحات جديد لتشكيل الحركات، في ظل قيام المجموعات الطلابية بتنظيم الاحتجاجات والمسيرات بالتنسيق مع المجموعات الأخرى داخل الحرم الجامعي ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام، وعقد النقاشات العامة حول القضايا الاقتصادية والسياسية في أماكن مثل شارع العزارية بوسط بيروت أو ساحة النور في طرابلس؛ وبالتالي سد الفجوة -في النهاية- بين الحرم الجامعي والقضايا الوطنية على نطاق أوسع بكثير من قبل.

وقال 80% من الطلاب المشاركين في مجموعات النقاش البؤرية التي نظمتها "مبادرة الإصلاح العربي" إنهم شاركوا في الانتفاضة، سواء بصفتهم أفراداً أو منظمين أو متطوعين مع مجموعات طلابية قائمة من قبيل "النادي العلماني" بالجامعة الأميركية في بيروت. ويبدو أن الانتفاضة نفسها شجعت الطلاب على الانضمام إلى المجموعات المستقلة؛ فقد انضم 54% تقريباً من الطلاب المشاركين في هذا النقاش إلى المجموعات الطلابية التي تمثلهم خلال أو في أعقاب 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019. وكان هذا هو الوضع بشكل خاص في حرم الجامعة اللبنانية الأميركية بمدينة جبيل، حيث لم ينضم معظم الطلاب المشاركين في النقاش إلى مجموعاتهم حتى اندلاع الانتفاضة. بل قال الطلاب القلائل الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات إن الانتفاضة لعبت دوراً في إلهامهم الانضمام للمجموعات الطلابية والانخراط في النشاط السياسي. وقد كان هذا هو الحال على وجه الخصوص في نقاشات مجموعات النقاش البؤرية بجامعة رفيق الحريري.

أما بقية الطلاب المشاركين في مجموعات النقاش البؤرية، ونسبتهم 20٪، فكانوا في السابق حزبيّين أو متعاطفين مع الأحزاب السياسية التقليدية في لبنان، ولكنهم قطعوا ارتباطهم بها منذ الانتفاضة. ومعظم هؤلاء الطلاب أعضاء في مجموعتَي "التغيير يبدأ من هنا" بالجامعة الأميركية في بيروت و"المستقلّون" بجامعة القديس يوسف. وتمثّل كلتا المجموعتين ميولاً سياسية أكثر اعتدالاً، مقارنةً بنظرائهما الأكثر تقدماً واستنارة بشكل جمعي في "النادي العلماني" بالجامعة الأميركية في بيروت ومجموعة "طالب" بجامعة القديس يوسف. ويعتقد 49٪ من جميع الطلاب الذين أُجريت معهم مقابلات أن كثيراً من نظرائهم صاروا ينفصلون عن الأحزاب السياسية التقليدية منذ الانتفاضة ويدعمون البدائل السياسية، فيما يعتقد 51٪ أن الطلاب صاروا أكثر انخراطاً في السياسة.

لم يقتصر الأمر على الزيادة الكبيرة في عضوية المجموعات الطلابية المستقلة، بل إن إحدى تلك المجموعات -وقد شاركت في النقاش- تأسست رسمياً في أعقاب الانتفاضة. فعلى سبيل المثال، تأسست المجموعة الطلابية المستقلة بجامعة رفيق الحريري في كانون الثاني/يناير 2021، بعد أكثر من عام على اندلاع الانتفاضة، فيما يقول طلاب من مجموعة "التغيير يبدأ من هنا" بالجامعة الأميركية في بيروت إن مجموعتهم "وُلدت من رحم الثورة".

يبدو أن هذه التطورات تأتي، أساساً، في إطار المجموعات الطلابية نفسها. فما يربو على 20٪ فقط من الطلاب الذين عقدنا معهم مقابلات هم جزء من حزب أو حملة سياسية مستقلة، بما في ذلك حملة "بيروت مدينتي" وحركة "مواطنون ومواطنات في دولة" وتنظيم "لِحقّي". وهذا يبين أن نمو المجموعات الطلابية السياسية غير المرتبطة بالأحزاب التقليدية في البلاد كان أمراً أصيلاً، غير ناجم عن الأحزاب والحركات السياسية المستقلة حديثة النشأة. فقد اعتمدت الأحزاب والحركات السياسية المستقلة على المجموعات الطلابية للاطلاع على القضايا المتعلقة بالطلاب والشباب، وأبرزها الوصول إلى التعليم والوظائف. وسنتناول هذه العلاقة بمزيد من التفصيل في القسم التالي من الورقة.

وقد أثرت أيضاً المشاركة الطلابية النشطة في الانتفاضة في هؤلاء الطلاب لزيادة دمج القضايا الوطنية في تنظيماتهم الطلابية. وهذا فرق شاسع عما كان عليه الوضع في السنوات السابقة، حين كان "النادي العلماني" بالجامعة الأميركية في بيروت هو المجموعة الطلابية الأبرز في القيام بهذا الأمر باستمرار. إذ يعتقد 69٪ من جميع الطلاب المشاركين في مجموعات النقاش البؤرية، بدرجات متباينة، أن مطالبهم الرئيسية لا بد أن تشمل قضايا تتجاوز حدود كلياتهم وجامعاتهم. وفي حين أن بعض الطلاب يُدرجون موضوعات تنطبق على الطلاب، من قبيل التعليم الميسور التكلفة وتمويل الجامعة اللبنانية (الحكومية) والبطالة، أشار طلاب آخرون إلى قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالعمال المهاجرين واللاجئين والمثليين والنساء. بل دعا آخرون إلى إصلاحات هيكلية أوسع نطاقاً، مثل إقامة دولة مدنية بدلاً من دولة قائمة على المحاصصات الطائفية، وإلى إصلاح انتخابي من أجل انتخابات وطنية أكثر نزاهة.

يعتقد معظم الطلاب في مجموعات النقاش البؤرية أن القضايا التي يواجهونها بشكل مباشر، باعتبارهم طلاباً، هي قضايا ترتبط بالقضايا اللبنانية الأوسع. فقد قال أحدهم إنه سيكون من” النخبوية“ افتراض خلاف ذلك. فلم يكن الاختلاف الأساسي بين الطلاب الذين عُقدت معهم مقابلات يدور حول أهمية القضايا الوطنية، وإنما بالأحرى حول إن كان من الواجب اعتبار هذه القضايا أولوية مباشرة للمجموعات الطلابية. فيعتقد جميع الطلاب الذين أجريت معهم مقابلات من ”النادي العلماني“ بالجامعة الأميركية في بيروت أن لهذه القضايا الوطنية أولوية في نشاطهم. فقال أحدهم” لن نكون طلاباً إلى الأبد“. فيما ترى مجموعات طلابية أخرى الدمجَ بين القضايا الطلابية والوطنية في عملها. فعلى سبيل المثال، أقام طلاب من جامعة رفيق الحريري حملة ضد ارتفاع الرسوم الجامعية ومن أجل مزيد من الحريات السياسية داخل الحرم الجامعي، مع تواصلهم أيضاً مع النقابات وغيرها من المجموعات خارج الجامعة للعمل معاً على القضايا الوطنية، مثل الأزمة الاقتصادية والفساد وانعدام الشفافية تجاه الموارد العامة. يتمثّل أحد الأهداف المشتركة بين المجموعات المختلفة في خلق مزيد من المساحات للنشاطية السياسية والمشاركة السياسية داخل الجامعات، وهو ما يرون أنه أمر تقيده إدارة الجامعات بشدة وتمنعهم من القيام به وتعوق قدرتهم على زيادة عضوية مجموعاتهم.

علاوة على ذلك، تطورت قنوات الإعلام الناشطة والشعبية، والتي تعمل العديد منها فقط من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، ونمت شعبيتها وإمكاناتها في غمرة الانتفاضة، وتناولت الأحداث الجارية من خلال عدسة مناهضة للطائفية ومعارضة للمؤسسة القائمة. في اختلاف جلي عن وسائل الإعلام الرئيسية التابعة للدولة، التي تناصر الأحزاب التقليدية. غطت قنوات مثل قناة "ميغافون" الانتخابات الطلابية، وسلّطت الضوء على المجموعات المستقلة سياسياً، وعرضت ذلك لعشرات الآلاف من المشاهدين في لبنان وخارجها.

يذكر كريم صفي الدين، كان عضو النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت عندما كان طالباً وهو عضو الآن في شبكة "مدى"، أن هذه القنوات الجديدة لعبت دوراً جوهرياً في زيادة دعم ومناصرة هذه المجموعات الطلابية المستقلة سياسياً، لا سيما مع التجاهل الغالب من وسائل الإعلام التقليدية أو التشويه في بعض الأحيان لهذه المجموعات الجديدة. وأوضح صفي الدين: "إنه أمر بالغ الأهمية بسبب حالة الضجة الدعائية العامة، والمصداقية، [و] الشرعية التي تخلقها [لهذه المجموعات]".

2.
علاقات الأحزاب/التنظيمات السياسية الناشئة بالمجموعات الطلابية الجديدة

لم توسع الأحزاب/الحركات السياسية الجديدة التي نشأت أو حظيت بالدعم [حشدت أنصاراً لها] خلال الانتفاضة نفوذها وتأثيرها في الجامعات كما فعلت الأحزاب التقليدية القديمة. وفي مقابلات مع "مبادرة الإصلاح العربي"، أشار تنظيم "لِحقّي" وحركة "مواطنون ومواطنات في دولة" أنه على الرغم من وجود بعض الأعضاء لديهم ممن يدرسون في الجامعات، فهم يرون المجموعات الطلابية باعتبارها كيانات مستقلة يتواصلون معها دون اعتبارها امتدادات لتنظماتهم وأحزابهم الخاصة.

أيدت بعض الأحزاب المستقلة القوائم الطلابية المستقلة أو روجت لها، لكنها لم تلعب أي دور في تشكيلها. على سبيل المثال، ثمّة لجنة تابعة لتنظيم لِحقّي مخصصة للطلاب، وتهدف إلى دمج مظالم الطلاب وقضاياهم في سياساته العامة. كما أن حزب الكتلة الوطنية، أحد أقدم الأحزاب السياسية التي أعادت هيكلة نفسها وانحازت للانتفاضة الشعبية، دعم الطلاب المرشحين المستقلين خلال الانتخابات الطلابية الأخيرة؛ وفي مؤتمر صحفي معلن يوم 25 آذار/مارس 2021، أعلنوا تشكيل أول لجنة تابعة لهم للشباب والطلاب.18منشور حزب الكتلة الوطنية. فيسبوك. (26 آذار/مارس، 2021). https://www.facebook.com/Nationalbloc.lb/posts/2961342550769124. Post by National Bloc. Facebook. (2021, March 26). https://www.facebook.com/Nationalbloc.lb/posts/2961342550769124.

وهو ما يوضح بجلاء أن الحملات الانتخابية الجامعية الناجحة للمجموعات الطلابية لم تكن مجرد امتدادات أو نتائج عرضية للأحزاب والجماعات السياسية المؤيدة للانتفاضة؛ بل شركاء لهم.

3.
تصورات التغيير السياسي والاستقلال السياسي

علاوة على زيادة عضوية المجموعات الطلابية في أعقاب شهر تشرين الأول/أكتوبر لعام 2019، غيّر أعضاء هذه المجموعات تصوراتهم حول التغيير السياسي والمعنى المقصود من كونهم مستقلين سياسياً.

إذ أدرك الطلاب بالإجماع تقريباً وجود تحول في كيفية استيعابهم للاستقلال السياسي، إذ أشاروا إلى أنه كان يُنظر له آنفاً على أنه غير سياسي وغير نشط (خامل). وعند سؤالهم عن ماهية الاستقلال السياسي اليوم، أجاب 26% من الطلاب من خلال مجموعات النقاش البؤرية أنه يعني الاستقلال السياسي عن الأحزاب الحاكمة في لبنان، بينما قال 26% آخرون أنه يعني المشاركة السياسية والوعي مع "اعتماد" آراء ومواقف مستقلة، في حين ذكر 10% أنه يعني دعم حزب أو منصة بديلة.

في الوقت نفسه، كان بعض الطلاب غير واثقين من أفضل تعريف لمفهوم الاستقلال السياسي، بينما ربطه آخرون بمناهضة الطائفية والمساءلة القانونية والشفافية، ومكافحة الفساد، ودعم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وتبني آراء سياسية مستنيرة.

مع ذلك، بالرغم من المبادئ المشتركة العديدة التي قدمها هؤلاء الطلاب داخل مجموعاتهم، ثمّة أيضاً اختلافات أيديولوجية في بعض من هذه المساحات. أجمع معظم الطلاب في مجموعات النقاش على أن مجموعاتهم المعنية ليست مبنية على أيديولوجية موحدة؛ فهم يرون أيضاً أن مجموعتهم عبارة عن تحالف غير متجانس تربطه الأهداف والمبادئ نفسها. على سبيل المثال، أقر أحد الطلاب المستقلين في جامعة القديس يوسف أنه لا يعارض وجود نظام حكومي قائم على المحاصصة الطائفية، لكنه يؤمن بوجوب إصلاحه كي يكون أكثر شمولاً ونفعاً، بينما يعتقد آخر أنه يجب على جميع المجموعات الطلابية المستقلة أن تكون مستنيرة سياسياً وعلمانية. بل يعتقد طالب في حرم الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت أن العديد من الطلاب في مجموعته قد يتنافسون في الواقع ضد بعضهم البعض، إذا ترشحوا في الانتخابات الوطنية في المستقبل. وبالرغم من قدرة بعض المجموعات الطلابية على التعايش والتعاون سوياً بصرف النظر عن اختلافاتها، تقول هذه المجموعات أنه يجب على أعضائها التقيد الصارم بقيمها الأساسية، التي تحظر العنصرية ومعاداة المرأة على سبيل المثال.

يبدو هذا التوجه في تغير الوعي بين المجموعات الطلابية المستقلة سياسياً تغيراً داخلياً ونابعاً منها، دون وجود أي تأثير خارجي كبير. ثمّة 20% فقط من الطلاب الذين أُجريت معهم المقابلات كانوا في وقتٍ ما أطرافاً فاعلة مع حزب أو حملة سياسية مستقلة، معظمهم مع شبكة "مدى"، وهي شبكة شعبية طلابية وشبابية. في حين اشترك طلاب آخرون بشكل رئيسي من خلال التطوع في الحملات الخيرية والصليب الأحمر اللبناني، بينما قضى آخرون أوقاتهم في تجمعات تتعلق بهواياتهم والوظائف التي يتوقون لها.

لعب نمط تربية الطلاب دوراً صغيراً نسبياً في التأثير على آرائهم السياسية. ذكر ما يزيد قليلاً على38% من الطلاب إن آبائهم أثروا في آرائهم، سواء من الناحية الأيديولوجية أو من خلال استيائهم من الطبقة الحاكمة في البلاد وكذلك من الأحزاب السياسية. على الرغم من ذلك، ذكر حوالي ثلثي هؤلاء الطلاب أنهم لم يتأثروا بعائلاتهم ونمط تربيتهم، أو تم تشجيعهم بشكل فاعل على عدم الانخراط في السياسة وعدم المشاركة في الأنشطة السياسية. وهو ما يبرز في النهاية أن تحول العدد المتزايد من الطلاب المستقلين إلى أن يكونوا ناشطين سياسياً بدلاً من عدم المشاركة السياسية، جاء نتيجة اختيارهم بإرادتهم الحرة.

4.
لم تُنشأ جميع الجامعات متساوية: الرقابة والتهديدات والولاءات الحزبية

على الرغم من الارتفاع الملحوظ في الآونة الأخيرة في عضوية المجموعات الطلابية المستقلة والنجاحات الانتخابية الجديدة، تواجه المجموعات الطلابية المستقلة في لبنان عراقيل ومصاعب كبيرة في التنظيم وإدارة الحملات الانتخابية. على الرغم من اعتماد كل حرم جامعي خاص على خبراته الفريدة من حيث العلاقة بين إدارة الجامعة والهيئة الطلابية، فإن المجموعات الطلابية المختلفة السبع التي شاركت في مجموعات النقاش البؤرية واجهت عقبات متماثلة نسبياً.

ذكر الطلاب أن أكثر عائقين لوحظ تكرارهما كانا إدارات الجامعات الخاصة بهم وتعرضهم للافتراءات والتهديدات والمضايقات. فعلى صعيد الخلاف مع الإدارات الجامعية، يذكر النادي العلماني بالجامعة الأميركية في بيروت إن إدارتهم تتدخل في الشؤون الخاصة بمجلس الطلاب من خلال فرض الرقابة عليه. كانت الأندية الطلابية، في وقت ما، في حاجة إلى الحصول على موافقة من مكتب شؤون الطلاب بالجامعة قبل إصدار أي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. ورداً على ذلك الأمر، أصدر النادي العلماني بياناً حمل 13 توقيعاً، من مجموعات الطلاب في الجامعة الأميركية في بيروت وغيرها من الجامعات الأخرى، مطالباً في هذا البيان توضيح السبب الكامن وراء الرقابة المباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ورصد منشوراتها "سعياً للحفاظ على ما تبقى من حقوقنا الديمقراطية".19منشور الحزب العلماني بالجامعة الأميركية في بيروت على موقع إنستغرام (15 أيلول/سبتمبر 2020). https://www.instagram.com/p/CFK0rR7Jmx1/. Instagram Post by AUB Secular Club. (2020, September 15). ذكرت مجموعات أخرى أن إداراتها الجامعية متحيزة للأحزاب الحاكمة في لبنان. على سبيل المثال، ثمّة طلاب من جامعة رفيق الحريري - التي سُميت باسم رئيس الوزراء السابق المُغتال رفيق الحريري، مؤسس حزب تيار المستقبل - يقولون إن إدارة الجامعة والكلية مُسيّسة لصالح عدة أحزاب قديمة، ولا تسمح لهم بالتسجيل رسمياً بصفتهم منظمة طلابية. كما يقولون إن هذا أدى إلى نفور مجموعات طلابية أخرى في الجامعة كانوا يرغبون في التعاون معها، خوفاً من الانتقام. علاوة على ذلك، استطاع النادي العلماني بالجامعة الأميركية في بيروت استخدام اسمهم المقترح، بينما اضطر طلاب جامعة رفيق الحريري للإشارة إلى أنفسهم كمستقلين، لأن "ممارسة السياسة غير مباحة في [حرمنا] الجامعي". بالمثل، ذكر طلاب من حرم بلاط في الجامعة اللبنانية الأميركية أن إدارتهم أجبرتهم على حذف مقاطع فيديو بُثت على وسائل التواصل الاجتماعي وصفوا فيها أنفسهم بـ"المستقلين"، بحجة أن "جميع المرشحين في الانتخابات الجامعية مستقلون بالفعل".

ووفقاً لما ذكره الطلاب، تعد من الممارسات الشائعة تعرض المجموعات المستقلة للرقابة والافتراءات والفضائح على وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل مؤيدي الأحزاب، بينما استُهدِف بعض من مرشحيهم مباشرة وتم ترهيبهم عبر الإنترنت. ذكر طلاب من المستقلين في جامعة القديس يوسف أن الطلاب المناصرين للأحزاب التقليدية القديمة شهروا بهم وهددوهم عبر الإنترنت، وفي بعض الأحيان تُجمع كل هذه المواقف من قبل وسائل الإعلام التابعة. على سبيل المثال، نشرت قناة "إم تي في" التلفزيونية المحلية، الموالية لحزبي القوات اللبنانية والكتائب، مقطع إخباري يدعي أن النادي العلماني بجامعة القديس يوسف، وهي مجموعة ذات ميول يسارية، كانت تعمل لصالح حزب الله المدعوم من إيران.20مصلحة الطلاب - Lebanese Forces Students، (تشرين الثاني/نوفمبر 29، 2020). منشور مصلحة الطلاب على موقع "تويتر". https://twitter.com/LFStudents1/status/1333118827392098306. Lebanese Forces Students - مصلحة الطلاب. (2020, November 29). Post from Lebanese Forces Students. Twitter.

علاوة على ذلك، بعض الجامعات مشحونة سياسياً بصورة علنية أكثر من غيرها مما يمكن أن يقود إلى خلق بيئة جامعية مفزعة. فعلى سبيل المثال، غالباً ما يشير أنصار الأحزاب في جامعة القديس يوسف إليها بـ"حصن البشير" في إشارة إلى الرئيس المنتخب المغتال وزعيم ميليشيا حزب الكتائب خلال الحرب الأهلية، بشير الجميل. في الواقع، يحدث صدامات أحياناً بينهم وبين طلاب آخرين من أحزاب سياسية معارضة. كما يصطدم أحياناً طلاب من حزب الله وحركة أمل مع طلاب تابعين لحزب القوات اللبنانية، في جامعة القديس يوسف، ويتهم كل منهم الآخر بإثارة الفتنة الطائفية. وقبل انتخابات الطلبة في 2020، هاجم أنصار الجانبين بعضهم البعض وتبادلوا إلقاء قنابل مضيئة، قبل تدخل قوات الشرطة للتفريق بين طلاب الحزبين. ما أسفر عن سقوط العديد من الجرحى.

اعتبرت أربع مجموعات من السبع المستقلة التي جرى سؤالها أن وجود الطلاب الذين اختاروا البقاء بعيداً عن السياسة يعد عقبة. وتباينت الأسباب وراء ذلك، فقد ذكر الطلاب مجموعة متنوعة من الأسباب بدءاً من الجهل المزعوم وقلة الوعي والامتيازات وصولاً إلى اختيار البقاء بعيداً عن السياسة وعدم المشاركة في الانتخابات وممارسة العمل السياسي عن عمد. كما ذكرت مجموعة طلابية أيضاً أن اختلاف الأيدلوجية مع المجموعات المتحالفة قد ثبت أنه عقبة كذلك. فمعظم الطلاب في مناقشات المجموعات البؤرية تم تصنيفهم إما تقدميون أو يساريون، بينما يُعرف "التغيير يبدأ هنا" في الجامعة الأميركية في بيروت باعتباره كياناً أكثر وسطية وليبرالية، ويقول المستقلون في جامعة القديس يوسف إنهم لا يشتركون جميعاً في أيديولوجية محددة.

أعرب اثنان فقط من المجموعات الطلابية السبع أن المحسوبية تُشكل عقبة رئيسية أمام تنظيمهم. غير أن جميع المجموعات قالت إن المحسوبية السياسية منتشرة على نطاق واسع في الجامعات. إذ تُقدم الفروع الطلابية للأحزاب السياسية دعماً مالياً للرسوم الدراسية والكتب المدرسية، فضلاً عن المنح الدراسية وفرص العمل مقابل الولاء. وأضاف الطلاب في مجموعات النقاش أن القائمين على استقطاب الطلاب كثيراً ما يقتربون من طلاب السنة الأولى الذين تنتابهم رهبة الحياة الجامعية لمساعدتهم على الاستقرار في الجامعة مقابل الحصول على أصواتهم في الانتخابات الطلابية المقبلة. وخلاصة القول، ما زالت شبكات المحسوبية التابعة للأحزاب السياسية التقليدية  تؤدي دوراً هاماً في الجامعات اللبنانية، بعد عقود من انتهاء الحرب الأهلية. في حين لم يُنظر إلى الموارد المالية المحدودة وجائحة كورونا على أنهما عائقان رئيسيان في التنظيم وإدارة الحملات، إذ لم يُذكر أياً منهما سوى مرة واحدة.

تواجه المجموعات المستقلة والطلاب في الجامعات الخاصة الخمس عقبات مماثلة لتلك الموجودة في الجامعة اللبنانية العامة. باستثناء أنه في الجامعة العامة الوحيدة في البلاد، يوجد قدر أكبر بكثير من التحزب السياسي والمحسوبية. وعلى غرار المؤسسات العامة الأخرى في لبنان، يعتمد تعيين الموظفين على أساس المحاصصة الطائفية والانتماءات أو الولاءات للأحزاب السياسية. وفي الجامعة اللبنانية، قال طالبان من إحدى المجموعات السياسية المستقلة التي تأسست حديثاً لمبادرة الإصلاح العربي، إنهما يعتقدان أن هذا يعيق قدرتهما على العمل بحرية، سواء كان ذلك بسبب العقبات الإدارية أو العقوبات الأكاديمية المحتملة. وعلى العكس من ذلك، يعتقدان أن المجموعات الطلابية المنتسبة إلى الأحزاب التقليدية تمارس أنشطتها دون أي إزعاج.

من الجدير بالذكر أن الانتخابات في الجامعة اللبنانية تتأجل باستمرار. وقد عللت إدارة الجامعة ووزارة التعليم أن ذلك للحيلولة دون  إثارة التوترات السياسية، ولدرء احتمال اندلاع العنف. على سبيل المثال، في كانون الأول/ديسمبر عام 2017، ألغى وزير التعليم مروان حمادة، الانتخابات في الجامعة اللبنانية، خشية أن "يقع الطلاب في التطرف الموجود في مجتمعنا"، في إشارة إلى التحزب السياسي، والتوترات بين الأحزاب التقليدية.21حمادة: الجامعة اللبنانية بمعظم كلياتها تمتنع عن ممارسة الانتخابات الطلابية لكي لا يقع الطلاب في التطرف الموجود في مجتمعنا.، قناة "إم تي في اللبنانية" التلفزيونية،  (18 كانون الأول/ديسمبر 2017) https://www.mtv.com.lb/AMP/Details/768949.

وقال طالبان في السنة الثانية من إحدى المجموعات الطلابية المستقلة التي تأسست حديثاً في الجامعة اللبنانية، إنهما واجها عقبات خطيرة وأعمال انتقامية. وأعرب أحد الطلاب أن "الطلاب المستقلين سياسياً تعرضوا للتهديد عدة مرات"، مضيفاً أنهم يعتقدون أن الأحزاب السياسية التقليدية تنظر إليهم على أنهم "تهديدات" في الجامعة اللبنانية. في حين يرى طالب آخر أن الأساتذة المنتسبين إلى تيارات سياسية يُمكن أن يتنمروا عليهم في المحاضرات، أو يقيموا أعمالهم الأكاديمية على نحو غير منصف.

علاوة على ذلك، يقول الطالبان إن العديد من الطلاب يستفيدون من محسوبية الأحزاب السياسية التقليدية أو يشعرون بأن جهودهم الرامية إلى إنهاء هيمنة الأحزاب السياسية التقليدية في الجامعة اللبنانية لن تكون مجدية

V.
التطلع إلى المستقبل: بناء الشبكات داخل الجامعات وربط الخريجين بالطلاب

كانت الانتخابات الطلابية لعام 2020 إنجازاً كبيراً للمجموعات الطلابية اللبنانية غير المنتسبة إلى الطبقة الحاكمة في البلاد. فقد لعبت الأزمة الاقتصادية المتدهورة، والاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اندلعت في كافة أنحاء البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وانفجار مرفأ بيروت في 4  آب/أغسطس، دوراً كبيراً في حشد هذه المجموعات الطلابية. ولكن خلافاً لما حدث من قبل، لم تكن هذه الموجة من النشاط والتعبئة الطلابية مجرد رد فعل على تطورات معينة. ويبدو أن النشطاء من المجموعات المستقلة اغتنموا هذه الفرصة لإضفاء المزيد من الطابع المؤسسي على عدد من المجموعات الطلابية السياسية التي لولا ذلك لظلت مجزأة وانتقائية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هي شبكة "مدى". بالرغم من أنها تأسست قبل الانتفاضة، فقد تطورت لتصبح كياناً للتنسيق بين المجموعات الجامعية، وكذلك منصة لتنظيم الاحتجاجات، ومجموعات النقاش، والحملات الرقمية الموجهة.

خلال الانتخابات الطلابية لعام 2020، لعبت شبكة "مدى" دوراً هاماً في دعم الطلاب المرشحين المستقلين في مختلف الجامعات اللبنانية والترويج لهم.22منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على الفيسبوك، بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 https://www.facebook.com/MadaNetwork/photos/855004411706165/. ثم ساعدت في إنشاء "نوادي علمانية" جديدة، ومجموعات طلابية مستقلة في الجامعات الخاصة في جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك جامعة البلمند في حي الكورة إحدى أقضية محافظة الشمال، وجامعة الروح القدس – الكسليك، والجامعة الأنطونية، وجامعة بيروت العربية. فضلاً عن أنها دعمت النادي العلماني في الجامعة اللبنانية. خلاصة القول، لم تعد المجموعات الطلابية المستقلة تعمل بمفردها، فقد صار هناك شبكة تضم مثيلتها من المجموعات الأخرى في جميع أنحاء البلد تدعمها بقدرات مختلفة، حتى فيما يتعلق بالمسائل التي تتصل تحديداً بجامعات معينة.23منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على الفيسبوك، بتاريخ 17 كانون الثاني/نوفمبر 2020 https://www.facebook.com/MadaNetwork/photos/904961736710432. في حين تمتد جهودها إلى سياقات أخرى، فقد دعموا الاحتجاجات التي اندلعت في طرابلس بسبب الظروف المعيشية، وحشدوا للمشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة.24منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على الفيسبوك، بتاريخ 12 آذار/مارس 2020 https://www.facebook.com/MadaNetwork/photos/935308563675749.

اليوم، تسعى شبكة "مدى" إلى حشد الجهود بخطوات سريعة استجابة للقضايا المطروحة في جميع أنحاء البلاد، وتعمل حالياً بوصفها اتحاداً وطنياً للطلاب. فقد أطلقت مدى في 12 كانون الأول/ديسمبر 2020، "إعلان طلاب لبنان"، في فعالية عامة شارك فيها الطلاب والنشطاء السياسيون والصحفيون وغيرهم. تحدث الطلاب من مختلف المجموعات المستقلة إلى جمهور من أقرانهم والصحفيين والنشطاء حول ضرورة إنشاء حركة طلابية وطنية، تضم الجامعات في كافة أنحاء البلاد، في إطار روح ثورة تشرين الأول/أكتوبر، على حد قولهم. وقد حدد الاجتماع الذي ضم المجموعات الطلابية المختلفة في مدى، أربعة مطالب: (أ) التراجع عن قرارات دولرة أقساط الرسوم الدراسية، وتطبيق مبدأ العقد الطلابي الذي يُحدد نسبة الزيادة القصوى المتوقعة في الأقساط؛ (ب) ضمان حقوق الطلاب في الإدارة التشاركيّة الحقيقية، والمشاركة في المجالس الطلابية المنتخبة في كل جامعة؛ (ج) دعم وتمويل الجامعة اللبنانية؛ (د) دعم الأساتذة والعاملين في الجامعات. تناول الطلاب من مختلف الجامعات هذه القضايا بالتفصيل، وتحدثوا حول تجاربهم في جامعاتهم ومحاولة مواجهة نفوذ الأحزاب التقليدية في مجالس الطلاب، ومحاولة أن يكون لهم دور أكثر فعالية في إدارة الجامعات. خلاصة القول، وُجهت مطالبهم إلى إدارات جامعاتهم وحكام البلاد على حد سواء. وبعد أسبوع واحد من الإعلان، نظموا مسيرة "يوم الغضب" الطلابي في 19 كانون الأول/ديسمبر 2020، للاحتجاج على إدارات جامعاتهم والتأكيد مجدداً على مطالبهم.

أدى هذا الوجود الموحد إلى زيادة قوة الطلاب في لبنان، ومكنهم بشكل أفضل من الإعراب عن مطالبهم كمجموعات تعمل بشكل مستقل، ولكنها قادرة على التنسيق مع الأحزاب السياسية الجديدة غير الطائفية.25منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على إنستجرام، بتاريخ 22 شباط/فبراير 2021 https://www.instagram.com/p/CLm3QmlMtTm/.

في نهاية المطاف، دفعت هذه التطورات الكبيرة المجموعات الطلابية التي تُمثل الأحزاب التقليدية في جميع الجامعات إلى أخذ حذرها. ويُعترف البعض، ممن كانوا يتجاهلون غالباً المجموعات المستقلة في الماضي، بأنهم لم يشاركوا في الانتخابات الطلابية عام 2020، ويُعزى ذلك جزئياً إلى المشاعر المناهضة للحكومة التي ظهرت خلال الانتفاضة، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ومن الواضح أنهم ينظرون بدرجات متفاوتة إلى هذه المجموعات المستقلة باعتبارها منافسة تحظى بشعبية متزايدة.

قال أحد الطلاب من حزب "حركة أمل" إن ظهور مجموعات مثل مجموعة "التغيير يبدأ من هنا" في الجامعة الأميركية في بيروت، والتي ضمت بعض أنصار الأحزاب السياسية السابقين، والانتقادات المتزايدة الموجهة إلى الطلاب أنصار الحزب، أدت إلى هزيمتهم جزئياً. بينما وجهت انتقادات شديدة إلى الحزب بسبب فساده وإرسال أنصاره لمهاجمة المتظاهرين، أضاف أنهم مستعدون للحوار، إذا كانت المجموعات الطلابية المستقلة على استعداد للحوار أيضاً، مدعياً أنهم يرفضون المشاركة. وفي الوقت نفسه، يزعم أنهم يؤيدون ما يقوم به نظراؤهم العلمانيون، ويرغبون في "مساعدتهم".

من ناحية أخرى، قال طالب آخر من مجموعة حزب "القوات اللبنانية" بالجامعة الأميركية في بيروت، إن الانتخابات الطلابية في ذلك العام نُظمت في غضون فترة قصيرة للغاية، ولم يكن أمامهم الوقت الكافي للعثور على أفضل المرشحين. حاولت هذه الميليشيا التي تحولت إلى حزب سياسي أن تُقدم نفسها على أنها مختلفة عن بقية الأحزاب التقليدية في البلاد على مدى العام الماضي من خلال الادعاء بأنها أيدت انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019، ولو أن النجاح لم يحالفها في ذلك. فقد أثنى الطالب على انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019، لكنه يرفض أن يعتبرها "حركة سياسية، لأنها تفتقر إلى رؤية واضحة لما نريده نحن اللبنانيين". وبينما تقول المجموعات المشاركة في شبكة "مدى"، مثل مجموعة "طالب" بجامعة القديس يوسف، إن حزب "القوات اللبنانية" قد اِفترَى عليهم، وهددهم أثناء حملاتهم الانتخابية، يقول هذا الطالب الذي يُمثل الحزب إنهم يدعمون شبكة الطلاب.

في المرحلة القادمة، ما ستُقدم المجموعات الطلابية المستقلة في لبنان على فعله بعد ذلك سوف يكون أمراً بالغ الأهمية. ففي خلال فترة وجيزة نسبياً، تجاوزت تلك المجموعات نطاق الجامعات التي نشأت فيها، وتطرقت إلى تناول قضايا أوسع مثل التعليم والبطالة في جميع أنحاء البلاد، واتخذت مواقف مؤثرة بشأن القضايا الوطنية، ونظمت احتجاجات كبيرة. ومع قرب الانتخابات البلدية والوطنية في لبنان المقرر إجراؤها عام 2022، يُمكن أن تشارك المجموعات الطلابية المستقلة، سواء بمفردها أو من خلال شبكة مدى، في  تنظيم الحملات الانتخابية من خلال خريجيها في تحالف مع الأحزاب السياسية المستقلة الأخرى، أو أن تؤدي دوراً حاسماً بوصفها صوتاً لقطاع متزايد من طلاب الجامعات في لبنان.

يمكن لشبكة "مدى" أيضاً أن تتحول إلى حزب سياسي خاص بها، نظراً إلى أنها اتخذت مواقف قوية، واقترحت حلولاً لمجموعة من القضايا، وتعمل جنباً إلى جنب مع الأحزاب السياسية المستقلة بوصفها طرفاً متكافئاً، بدلاً من أن تكون مجرد فرعاً مقتصراً على الطلاب والمهنيين الشباب.

ولكن الأمر المؤكد هو أن  النمو البطيء للمجموعات  السياسية الطلابية غير المنتسبة إلى الأحزاب الحاكمة في لبنان قد تحول إلى تطور سريع على مدى العامين الماضيين، حيث كانت الأزمة الاقتصادية والانتفاضة بمثابة العوامل المحفزة الرئيسية. في حين يُشير الزخم الذي نجم عن الانتصارات الكاسحة في انتخابات المجالس الطلابية في الجامعات في الآونة الأخيرة، والتطور المؤسسي المتواصل، سواء كانت مجموعات فردية أو من خلال شبكة "مدى" والأحزاب السياسية البديلة، ونجاح المرشحين المستقلين والمجموعات في انتخابات النقابات المهنية مثل نقابة المحامين والمهندسين في بيروت، إلى أن هذه الحركة الطلابية لم تعد حركة تقوم على رد الفعل، ولديها القدرة على البقاء لفترة طويلة.

ملحق

مقابلات رئيسية مع مجموعة من النشطاء البارزين:

أليكسي حداد - حركة "مواطنون ومواطنات في دولة"

نديم القاق - تنظيم "لِـ حَقّي"

علي نور الدين - أحد مؤسسي "النادي العلماني"، وشبكة "مدى"

كريم صفي الدين - عضو سابق في “النادي العلماني"، وشبكة "مدى"

د. باسل صلّوخ، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية الأميركية

طالب من حزب "القوات اللبنانية"

طالب من  حزب "حركة أمل"

طالبان من النادي العلماني في الجامعة اللبنانية، طلبا عدم الكشف عن هويتهما

مجموعات النقاش البؤرية

النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت

مجموعة "التغيير يبدأ من هنا" في الجامعة الأميركية في بيروت

النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الأميركية - فرع بيروت

النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الأميركية - فرع جبيل

حملة "طالب" في جامعة القديس يوسف

حملة "مستقلون" في جامعة القديس يوسف

حملة "مستقلون" في جامعة رفيق الحريري

حملة "مستقلون" في  جامعة رفيق الحريري، و"مبادرة النهضة"

 

Endnotes

Endnotes
1 Chehayeb, K. (n.d.). Lebanon's sectarian parties trounced in unprecedented student elections. Middle East Eye. https://www.middleeasteye.net/news/lebanon-elections-student-victory-independents-sweep-sectarian.
2 Traboulsi, Fawaz. (2007). A history of modern Lebanon. London: Pluto Press.
3 منشور على الصفحة الرسمية لـ"قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني" بتاريخ 26 أيار/مايو 2019. https://www.facebook.com/LCPYouthSector/videos/700752140357620.
4 ياسين بلال. (د.ت.). تاريخ الحركة الطلابية. النداء. http://www.al-nidaa.com/politics/item/31154-2019-06-27-18-13-45.
5 Anderson, Betty S. (2017, June 10). “The student movement in 1968”. Jadaliyya. Retrieved March 09, 2021, from https://www.jadaliyya.com/Details/23777.
6 Barakat, Halim Isber. (1977). Lebanon in strife: student preludes to the civil war. Austin: University of Texas Press.
7 المرجع نفسه.
8  Rabah, Makram. (2009) A campus at War: student politics at the American University of Beirut, 1967-1975. Beirut: Dar Nelson.
9   Bray-Collins, E. (2016). “Sectarianism from Below: Youth Politics in Post-war Lebanon.” Thesis submission, University of Toronto.
10 المرجع نفسه.
11 المرجع نفسه.
12   Buljo, Henrik. “Students Taking to the Streets: Mobilizing for a Secular Lebanon”. (2020
13 ​​على سبيل المثال، قدَّر أعضاء ”النادي الاجتماعي“، المناصر لـ”حزب القوات اللبنانية“، أنّ ميزانيتهم تصل إلى 6 آلاف دولار في العام 2008؛ انظر: The Lebanese Forces Social Club members, for example, estimated their budget to be close to 00 in 2008; Bray-Collins, Elinor. (2016). “Sectarianism from Below: Youth Politics in Post-war Lebanon.” Thesis submission, University of Toronto.
14 Bray-Collins, Elinor. (2016). “Sectarianism from Below: Youth Politics in Post-war Lebanon.” Thesis submission, University of Toronto.
15   Buljo, Henrik. “Students Taking to the Streets: Mobilizing for a Secular Lebanon”. (2020
16 The Economist (2019, October 5). A long-feared currency crisis has begun to bite in Lebanon. The Economist. https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2019/10/05/a-long-feared-currency-crisis-has-begun-to-bite-in-lebanon.
17 Chehayeb, K. (2019, September 19). Large protests in Beirut against desperate economic situation turn violent. Middle East Eye. https://www.middleeasteye.net/news/large-protests-beirut-against-desperate-economic-situation-turn-violent.
18 منشور حزب الكتلة الوطنية. فيسبوك. (26 آذار/مارس، 2021). https://www.facebook.com/Nationalbloc.lb/posts/2961342550769124. Post by National Bloc. Facebook. (2021, March 26). https://www.facebook.com/Nationalbloc.lb/posts/2961342550769124.
19 منشور الحزب العلماني بالجامعة الأميركية في بيروت على موقع إنستغرام (15 أيلول/سبتمبر 2020). https://www.instagram.com/p/CFK0rR7Jmx1/. Instagram Post by AUB Secular Club. (2020, September 15).
20 مصلحة الطلاب - Lebanese Forces Students، (تشرين الثاني/نوفمبر 29، 2020). منشور مصلحة الطلاب على موقع "تويتر". https://twitter.com/LFStudents1/status/1333118827392098306. Lebanese Forces Students - مصلحة الطلاب. (2020, November 29). Post from Lebanese Forces Students. Twitter.
21 حمادة: الجامعة اللبنانية بمعظم كلياتها تمتنع عن ممارسة الانتخابات الطلابية لكي لا يقع الطلاب في التطرف الموجود في مجتمعنا.، قناة "إم تي في اللبنانية" التلفزيونية،  (18 كانون الأول/ديسمبر 2017) https://www.mtv.com.lb/AMP/Details/768949.
22 منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على الفيسبوك، بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 https://www.facebook.com/MadaNetwork/photos/855004411706165/.
23 منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على الفيسبوك، بتاريخ 17 كانون الثاني/نوفمبر 2020 https://www.facebook.com/MadaNetwork/photos/904961736710432.
24 منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على الفيسبوك، بتاريخ 12 آذار/مارس 2020 https://www.facebook.com/MadaNetwork/photos/935308563675749.
25 منشور على الصفحة الرسمية لشبكة "مدى" على إنستجرام، بتاريخ 22 شباط/فبراير 2021 https://www.instagram.com/p/CLm3QmlMtTm/.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.