"مقترح ليون": خارطة طريق جديد من أجل ليبيا

© ويكيبيديا

Summary

في السادس والعشرين من نيسان/ابريل، وبعد ستة أشهر من الدبلوماسية المكوكية لتسهيل الحوار بين الأطراف الليبية المتناحرة، تقدم برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، بمقترح مسودّة اتفاقية من أجل تشكيل حكومة توافق وطني وإيجاد مخرج للأزمة في ليبيا.

اقرأ المزيد

في السادس والعشرين من نيسان/ابريل، وبعد ستة أشهر من الدبلوماسية المكوكية لتسهيل الحوار بين الأطراف الليبية المتناحرة، تقدم برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، بمقترح مسودّة اتفاقية من أجل تشكيل حكومة توافق وطني وإيجاد مخرج للأزمة في ليبيا.

منذ انطلاقتها في شهر أيلول/سبتمبر الفائت، توزعت مسيرة الحوار على أكثر من مسار، وتضمن ذلك عقد لقاءات في أماكن مختلفة، لضمان أن يشمل الحوار مشاركة ممثلين عن مختلف مكوّنات المجتمع الليبي. وقد حققت المباحثات بين السيد ليون والفرقاء الليبيين تقدما ملموسا خلال الأشهر الستة الماضية. وتمخض عن هذه المباحثات مسودّة اتفاق قُدِّمت إلى كافة الفرقاء، كما نُشرت على الملأ الأسبوع الماضي. وقد تنفس الليبيون أخيرا لصعداء وهم يرون أملا في الأفق بعد حرب ضارية استمرت سنة تقريبا وامتدت على كامل التراب الليبي.

ولعلّ الجانب الجوهري في هذه المسودّة، كما أراه، ليس المضمون بقدر ما هو الشفافية والشمول الذين يسمان إطلاق هذه المسودّة. وقد غدا الليبيون بفضل وسائل التواصل الاجتماعي قادرين على قراءة هذه المسودّة والتفاعل معها والتعليق عليها.

ومن نتائج مقترح الاتفاق المؤلف من ست عشرة صفحة نشير الى نقطتان اثنتان: الأولى أن خارطة الطريق السابقة التي وضعها الليبيون أنفسهم باعتبارها "الإعلان الدستوري" الذي نشر عام 2011 ليحكم المرحلة الانتقالية لم تكن مناسبة لتقود ليبيا خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة وبالغة التعقيد، خاصة وأن افتقاد الإعلان لمسألة الفصل بين السلطات والرقابة المتبادل بينها جعل الإعلان الدستوري يتحول إلى مصدر للتشويش وعدم الثقة في البلاد اليوم. والنقطة الثانية هي تمديد المرحلة الانتقالية عامين إضافيين عمّا كان مقررا في الإعلان الدستوري.

ما الجديد إذن في مسودّة الاتفاق التي قدمها ليون؟

تضمن مسودّة الاتفاق الجديد فصلا بين السلطات التي كانت – بدون وجه حق – محتكَرة في الإعلان الدستوري بيد مؤسسة واحدة هي السلطة التشريعية. وتعطي الوثيقة السلطة التنفيذية إلى حكومة اتفاق وطني تتمتع بسلطات واسعة. وتتضمن الوثيقة استقلال الحكومة عن السلطة التشريعية. لقد أثبتت الأحداث التي توالت على ليبيا بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام في عام 2012 أنه من غير الممكن أن يُحكَم بلد ما من قبل برلمان مؤلف من مائتي شخص. وقد ثبت أن نقل السلطة من يد حاكم فرد واحد إلى حكومة جمعية كان له أثر تدميري. وقد جاءت مسودّة اتفاق ليون لتفصل بين السلطات ولتجعل العلاقة بين هذه السلطات قائمة على أساس المراقبة والتوازن بحيث لا يطغى فرع من فروع الحكومة على الفرعين الآخرين.

ويبدو أن القضية المركزية في مسودّة الاتفاق هي الاتفاقات الأمنية التي ترسل رسائل واضحة ضدّ الإرهاب والتطرف والاتجار بالأشخاص والهجرة غير المشروعة. وتُميز الاتفاقية بين الجيش والشرطة وبين الأجهزة الأمنية و"التشكيلات العسكرية." إن الليبيين لم يخرجوا إلى الشوارع متحدين دكتاتورا سفاحا بأيدٍ عاريةٍ وقلوب شجاعةٍ، لكي يتمّ رميهم بعد ذلك بين أيدي ميليشيات مسلحة. وأكثر من ذلك، تؤكد مسودّة الاتفاق على أن ليبيا دولة مدنية وأن الجيش والقوات المسلحة تحت إمرة السلطة المدنية وعليها بالتالي أن تكون محايدة سياسيا.

والجدير بالذكر أن مسودّة الاتفاق تشير إلى الازدياد الكبير في حالات انتهاك حقوق الإنسان التي تغطي مساحة البلاد وهي تدين هذه الاعتداءات بقوة. كما تشير المسودّة إلى عشرات ألوف اللاجئين والنازحين الذين لم يفقدوا فقط بيوتهم بل فقدوا وطنهم، وأكدت على الالتزام بتأمين العودة الطوعية لهؤلاء المجهرين. وعلى الصعيد نفسه تم التأكيد بوضوح في المسودّة على أهمية المشاركة المتساوية التي تضمن مشاركة المرأة وإدماج الشباب وحماية حقوق الأقليات.

كما تمّ التأكيد على دور المساعدات الدولية لحكومة التوافق الوطني، رغم أن الفصل الصغير المعنون بـ "الدعم الدولي" لا يزال بحاجة إلى تفصيل وتحديد أكثر. لقد ثبت الآن أكثر من أي وقت مضى أن الحرب على الإرهاب هي حرب دولية ومن الواضح أن حكومة التوافق الوطني الليبية غير قادرة على مواجهة ذلك بمفردها.

مسودّة الاتفاق هي لليبيين جمعيا

لعل أهم نقطة في مسودّة الاتفاق هي أنها خاطبت في الفقرة الافتتاحية الليبيين كافّة قائلة إن هذه الاتفاقية المستقبلية تتطلب "الجهود الدائمة والملموسة للشعب الليبي". وتضيف المقدمة مؤكدة تصميمها على أن "كل الليبيين لديهم الفرصة للمشاركة الفعالة في جهود بناء لدولة."

ولا غروَ أن هذه الاتفاقية هي في مصلحة الليبيين جميعا وليس في مصلحة دعاة تقاسم السلطة. فعملية الحوار التي جرت على أكثر من صعيد لم تكن محصورة في إطار الحوار بين الأطراف التقليدية، بل شملت المجالس المحلية والأحزاب السياسية والشباب والنساء الذين شاركوا في مناقشة مسودّة الاتفاق وتقدموا بمقترحات وتعديلات. وتبحث بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) في إمكانية زيادة دائرة الأطراف المنضوية في عملية الحوار من خلال ترتيب إضافة مجموعات جديدة للدخول في الحوار، من مثل زعماء العشائر وقادة الجيش والمجموعات المسلحة. ومن الخطأ الاعتقاد أن مسودّة الاتفاق هذه قد صُممت من أجل الأطراف المتصارعة، سواء أكانت أطرافا سياسية أم عسكرية. لقد قامت مجموعات متنوعة من الليبيين وأفراد عاديون بالتعبير عن رأيهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومناقشة المسودّة وإعطاء الملاحظات والانتقادات، وتقديم الطلبات، وهذا في الحقيقة ما يجعل الشعب الليبي هو المالك الحقيقي لهذه المسودّة وللاتفاقية المقبلة. ولا يمكن لأي مجموعة مسلحة أو زعيم سياسي أو برلماني سابق أو عضو في مجلس النواب أن يزعم ملكية هذا المنتج الذي أسهم كل الليبيين في ولادته ومنحه الحياة، إذا ما تمّ له ذلك.

واليوم، تحمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، كما الأمم المتحدة كما المجتمع الدولي، مسؤولية أخلاقية جسيمة تجاه الليبيين كافة. وهذا يعني أنه لا بدّ من توقيع مسودّة الاتفاق هذه، ولا بد من خارطة طريق جديدة يكون اتّباعها بجدية ودقة أمرا ضروريا لإخراج ليبيا من الفوضى التي تعيش فيها. فلم يعد حوض البحر المتوسط بقادر على تحمل كلفة قوارب الموت أو تهريب السلاح أو الإرهابيين والمتطرفين الذين يتجولون أحرارا ويهددون بتدمير معظم المعالم الحضارية في العالم.

في عام 1948، تمت مناقشة مستقبل ليبيا باعتبارها مستعمرة إيطالية سابقة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وتمّ تشكيل لجنة رباعية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفياتي لمعرفة ما يريده "الشعب الليبي". وبعد زيارة كافة أرجاء البلاد، قررت اللجنة وأعلمت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأن غالبية الليبيين يريدون الاستقلال. ألا يمكن تكرار التجربة اليوم؟ هل تستطيع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التواصل مع الليبيين وسؤالهم إذا ما كانوا يريدون السلام المبني على مبادرة السيد ليون؟

ينبغي أن تجد مسودّة الاتفاق طريقها إلى الشعب الليبي، وينبغي على الليبيين أن يتركوا بصمتهم عليها. ولا مناص من أن إيجاد الآلية المناسبة لتصل خارطة الطريق، التي تعتبر أمرا حيويا للشعب الطامح إلى استعادة الأمل والكرامة، إلى هذا الشعب من أجل الموافقة عليها. من حق الليبيين أن يُمنحوا الفرصة ليكون لهم القول الفصل في ذلك. وقد يتم ذلك عن طريق استفتاء تجريه الأمم المتحدة بوجود مراقبين دوليين، أو عبر استطلاع رأي عن طريق الانترنت، أو عن طريق استخدام تكنولوجيا جديدة للحصول على رأي الليبيين وصوتهم. وليس من الصعب تحقيق ذلك إذا ما تأمن الدعم الدولي المناسب له. إن ما نحتاج إليه اليوم أكثر من أي شيء آخر هو تجنب العقبات والعناد الذي يصطنعه بعض الناس هنا او هناك.

لقد ضاق الليبيون ذرعا بالقادة السياسيين الذين يفرضون أنفسهم عليهم ويتقلدون سلطة لم يفوضهم بها أحد. كما ضاقوا ذرعا أكثر بأولئك الشباب الذين يجوبون شوارع المدن والبلدات الليبية بقمصان التي شيرت وشحاطات الفليب فلوب والبنادق والمسدسات والصواريخ المضادة للطيارات. من يدري كم عددهم؟ بالتأكيد أقلية: لسبب بسيط وهو أن الأغلبية لا يمكن أن تسعى لتدمير بلدها. من يفعل ذلك هم فقط عشاق السلطة والمال.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.