معضلات مستعصية: قضايا الحوكمة الداخلية في المنظمات الحقوقية المصرية

Arab Reform Initiative - معضلات مستعصية: قضايا الحوكمة الداخلية في المنظمات الحقوقية المصرية
العلامات المميزة لبعض المنظمات غير الحكومية المصرية، وإشارات إلى القوانين المتعلقة بالحق في تكوين الجمعيات في مصر. © ARI

ملخَّص

ترمي هذه الورقة البحثية إلى استكشاف الحالة الراهنة للحوكمة الداخلية في المنظمات الحقوقية غير الحكومية المصرية فتنظر في هياكلها الداخلية بما فيها عمليات اتخاذ القرار، ووجود مجالس الإدارة وما تقوم به من أدوار، والعلاقة مع المانحين، ومستويات المساءلة، وتمثيل الدوائر الجماهيرية، إضافة إلى العلاقة مع الحكومة في بيئة قمعية على المستويين القانوني والسياسي. وأطروحة الورقة، كما هو متوقع، أن البيئة القمعية لعمل المجتمع المدني في مصر قد عرقلت تطوير آليات راسخة للحوكمة الداخلية في العديد من المنظمات، إلا أن الورقة تجادل أيضًا أن الديناميات الداخلية لتلك المنظمات ساهمت على نحو كبير في إضعاف هياكل الحوكمة الداخلية لمعظمها. ومن المعضلات التي استمرت على مر أجيال ومراحل متعاقبة للمنظمات الحقوقية المصرية معضلة التوازن بين العمل العام والمهنية والبيروقراطية، وتعذر ترك المؤسسين/المديرين لمناصبهم المؤثرة أو ممانعتهم للقيام بمثل هذه الخطوة، وتطوير آليات تشاركية لتحسين المساءلة أمام دوائر الجماهير، والفشل في التصدي لـ “وصمة” التمويل الأجنبي.

اقرأ المزيد

مقدمة

يثير تكاثر المنظمات غير الحكومية، والجدل المتنامي المحيط بتعريفها ودورها، أسئلة عديدة تتعلق بحوكمتها الداخلية، بالأخص لأن المنظمات غير الحكومية، رغم استقلالها عن القطاع العام المنتسب إلى الدولة، ينظر إليها ككيانات معتمدة على أموال شبه "عامة" بما أنها تتلقى التمويل للقيام بعمل عام من مصادر محلية أو أجنبية. ومن هنا ارتفعت الأصوات المطالبة بمزيد من الشفافية والتدقيق في المنظمات، وهياكلها الإدارية، وعملياتها واختصاصها. ومع تزايد أعداد المنظمات المنخرطة في مناصرة حقوق الإنسان، صار البحث لازمًا في مزاعمها بالتمثيل وبالمساءلة، أمام دوائرها الجماهيرية ومانحيها والدولة أيضًا. إن هذه الأسئلة والجدالات التي شغلت الأدبيات الدولية وممارسات المنظمات في العديد من البلدان قد وجدت من يثيرها أيضًا وسط المنظمات المصرية وبين منتقديها ومؤيديها.

وقد عملت المنظمات الحقوقية المصرية، منذ إنشاء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في منتصف الثمانينيات وحتى الآن، في بيئة قانونية وسياسية قمعية. وبحلول أواخر 2016، عند إجراء البحث الميداني لهذه الورقة، كانت تلك المنظمات تواجه أسوأ الحملات القمعية، على المجتمع المدني بصفة عامة وعلى المنظمات الحقوقية بالأخص، منذ نشأتها. وأمام أزمة كهذه، عادت إلى الصدارة أسئلة الحوكمة الداخلية، وفي القلب منها قضايا المساءلة والتمثيل والوصمة المحيطة بالتمويل الأجنبي، بحيث أعيد طرحها وتقييمها في ضوء ممارسات تلك المنظمات وخبراتها على مدار الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية. طوال تلك الأعوام ظهرت أجيال جديدة من المنظمات ومن المدافعين الحقوقيين، كما تغير السياق السياسي والقانوني، من سنوات الرئيس الأسبق حسني مبارك الأولى (1981- 2011)، مرورا بالسنوات القليلة التالية على ثورة 25 يناير 2011، والتي شهدت توسعًا كبيرًا في نشاط وعدد الفاعلين الحقوقين (2011 – 2013)، لنصل إلى الأعوام الأربعة التالية تحت قيادة النظام الراهن بعد أن طرد الجيش حكومة الأخوان المسلمين من السلطة وسيطر على المجال السياسي عقب تظاهرات شعبية في منتصف 2013. وشهدت تلك الأعوام (2017-2013) انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان في مصر ومناخ من التهديدات والقمع الواقع على المنظمات الحقوقية والمدافعين الحقوقيين.

منهجية البحث والتعريف بالمنظمات

استندت الدراسة إلى مقابلات معمقة وموحدة هيكليا مع عشرة منظمات، معظمها مع رؤساء مجالس الإدارة، وثلاث من الهيئات المانحة، واثنين من الخبراء المستقلين في مجال المجتمع المدني المصري، من ذوي الخبرة كأعضاء في مجالس إدارات عدد من المنظمات المحلية. وقد جاء رؤساء مجالس الإدارة الذين أجريت معهم المقابلات من خلفيات متنوعة كمؤسسين لعدد من المنظمات وأعضاء في مجالس إدارة منظمات أخرى، كما أثرى بعضهم البحث بـ "ذكرياتهم المؤسساتية" عن عدة منظمات من داخل الحركة الحقوقية. والمنظمات العشرة كلها كيانات مسجلة، لها مقرات وتراتبية داخلية وأفراد عاملون، ونظم لتقديم التقارير ولوائح داخلية. وقد روعي في اختيار المنظمات أن تتباين من حيث نطاق العمل والاختصاص، إضافة إلى التاريخ وسنوات الإنشاء. وبتحديد أكثر، تم إنشاء اثنتين منها بعد 25 يناير 2011، وثلاثة في التسعينيات، وأربعة في الفترة من 2005 إلى 2010، وشهدت كلها توسعًا في النطاق والاختصاص بعد يناير 2011 وحتى 2014. علاوة على هذا كانت ثلاثة من المنظمات التي أجريت معها المقابلات منظمات نسوية، وتنوعت اختصاصات السبعة الباقية بين الحقوق الاجتماعية والعمالية، وحرية الفكر والتعبير، والحقوق الشخصية. ومع هذا فإن الثغرة الظاهرة في منهجية هذا البحث هي غياب المعطيات الأولية من المانحين والهيئات المموِلة، حيث أحجم العديد من المانحين الذين فاتحناهم للمقابلة عن التعاون وتقديم المعلومات اللازمة لهذا البحث، إلا أننا حاولنا سد هذه الثغرة بمراجعة الأدبيات المتاحة عن علاقات المانحين بالمنظمات عامة، وداخل مصر بصفة خاصة. ولذا فأننا نوصي بإجراء بحوث تكميلية حول هذه النقطة لتشجيع المانحين ودفعهم لنشر رؤاهم عن دورهم وآرائهم في تطوير الحوكمة الداخلية للمنظمات الحقوقية المصرية.

 الإطار المفاهيمي

إن وضع إطار مفاهيمي للنظر في "الحوكمة الداخلية" للمنظمات غير الحكومية وعناصرها يتطلب البدء بمفهومي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية اللذين تتبناهما هذه الورقة.

·        المجتمع المدني

يُعرّف المجتمع المدني، بحسب المدرسة الفكرية الليبرالية، بأنه كل أنواع التنظيمات الواقعة فيما بين العائلة والدولة1Henry Veltmeyer, “Civil Society and Social Movements: The Dynamics of Inter-Sectorial Alliances and Urban-Rural Linkages in Latin America”, UNRISD Programme Paper Number 10, (2004), Maha Abdelrahman, “The Politics Of ‘Uncivil’ Society in Egypt”, Review of African Political Economy, 29:91 (2007), pp. 21-35, and Jenny Pearce, “NGOs and Social Change: Agents or Facilitators?”, Development in Practice, 3:3 (1993), pp. 222-227 ويعد المجتمع المدني في هذه المدرسة لازمًا لمجابهة سلطة الدولة، مما يعود بنا إلى مقولة أليكسيس دي توكفيل الكلاسيكية عن أهمية وجود مجتمع مدني نشط ومستقل من شأنه تعزيز الديمقراطية والمشاركة ومجابهة هيمنة الدولة على "الحقوق الطبيعية" للبشر وتقليل تدخل الدول.2Claire Mercer, “NGOs, Civil Society and Democratization: A Critical Review of Literature”, Progress in Development Studies, 39:2 (2012), pp. 151-179. وكثيرا ما توصف هذه العلاقة المباشرة والكلاسيكية في الأدبيات بأنها منتمية إلى المدرسة الفكرية "الليبرالية"، فقد استمرت مع تصور فربا وألموند عن الثقافة المدنية. ويتبنى هنتنغتن هذا المفهوم ذاته في نظرياته عن التحديث والتحول الديمقراطي، كما يفعل بتنام في تصوره لـ"رأس المال الاجتماعي". وقد تصدت المدرسة الماركسية بدورها للمجتمع المدني، استنادًا إلى أعمال غرامشي وهابرماس عن الحيز العام. والمجتمع المدني بحسب هذه المدرسة الأخيرة لا يشكل حيزًا مستقلًا لمجابهة تدخل الدولة، بل إنه عند غرامشي "حيز يشغله النضال من أجل السيطرة المادية والأيديولوجية والثقافية على المجتمع"، وهو ما يشمل الدولة.3Lina Suleiman, “The NGOs And the Grand Illusions of Development and Democracy,” International Society for Third-Sector Research and Johns Hopkins University: Voluntas, 24 (2013), pp. 241–261.

  • المنظمات غير الحكومية

يتسم مفهوم المنظمات غير الحكومية بدوره بالتنوع وإثارة الجدل، وبأن مؤلفين مختلفين يستخدمونه للإحالة إلى تصورات متباينة، فيشير ألطان-ألجاي وإجدويغو (2012) إلى هذا الجدل وتباين أنواع المنظمات غير الحكومية بالاستناد لا إلى الأنشطة والعضوية وحدها، بل أيضًا إلى الفوارق بين المنظمات الشمالية "ذاتية الحكم" والمنظمات الجنوبية المعتمدة على التمويل الأجنبي.4Altan-Olcay, Ozlom & Icduygu, Ahmet, “Mapping Civil Society in the Middle East: The Cases of Egypt, Lebanon And Turkey”, British Journal of Middle Eastern Studies, 39:2 (2012), pp. 157-179. وتحدد بيرس عاملين رئيسيين في التفرقة بين المنظمات غير الحكومية: 1- المنظمات المكونة من أشخاص منتمين إلى الطبقة الوسطى، ممن يختارون العمل مع المهمشين في سبيل قضية معينة، و2- المنظمات العضوية المكونة من أشخاص لهم هويات ومصالح محددة، تتوقف على طبقتهم أو نوعهم الاجتماعي أو أصلهم العرقي أو خلفيتهم الثقافية، المحتاجين إلى تنظيم وتمثيل جمعي.

أما الجدل الآخر الدائر في أدبيات المنظمات غير الحكومية فينصب على دورها، إذ تعود بيرس لتشير إلى تنوع الأدوار المنتظرة من المنظمات، والتي تشمل المناصرة والحشد ودفع التحول الديمقراطي وإعادة بناء المجتمع المدني وغيرها. ويشير هولمن ويينسترم إلى "الآمال الكبيرة" المعقودة على المنظمات غير الحكومية، مما يمكن تفسيره بأسباب عديدة، أولها هو افتراض أن تكاثر المنظمات كأطراف مستقلة الحركة يوجد فرصة للتعبير عن أعداد أكبر من الجماعات، ويخلق قوة دافعة للمزيد من الضغط على الدولة. وقد ينظر إلى المنظمات غير الحكومية أيضًا ككيانات تتعاون مع المنظمات العضوية في التخفيف من حدة الفقر وتمكين المجتمعات المحلية، مما يزيد بدوره من المشاركة في النطاق السياسي.5Elizabeth Boulding, “Protest, Voting and Political Change:
The Effects of NGOs on Politics in Developing Democracies,” A Dissertation Submitted in Partial Satisfaction of the Requirements for the Degree, University of California, San Diego (2007).   تعالت الحجتان في سياق من صعود السياسات الاقتصادية النيوليبرالية (التي تبنتها المؤسسات المالية الدولية وكذلك العديد من المانحين) المبشرة بتحجيم دور الدولة ورفع الدعم وخدمات الرفاهية عن الفقراء. في هذا السياق يمكن للمنظمات غير الحكومية القيام بدور في تمكين الفقراء وتخفيف آثار انسحاب الدولة، بل والتشارك مع القطاع الخاص في بعض الحالات لتقديم الخدمات.6See Maha Abdelrahman, “Civil Society Exposed, the Politics of NGOs in Egypt,” Cairo: AUC Book Press, 2004, and Hans Holmén and Magnus Jirström,” Look Who's Talking! Second Thoughts about NGOs as Representing Civil Society,” Journal of Asian and African Studies, 44:42 (2009), and Ranjita Mohanty, “Civil Society and NGOs”, The Indian Journal of Political Science, 63:2/3 (2002), pp. 213-232, and Jenny Pearce, (1993), op. cit..

  • المنظمات غير الحكومية والحوكمة الداخلية

ظهر مفهوم الحوكمة في البداية متصلًا بالحكومة والقطاع العام، ثم انتقل إلى قطاع الأعمال وكذلك إلى قطاع المنظمات غير الحكومية/غير الربحية، وتمت عدة محاولات لتعريف الحوكمة الرشيدة للمنظمات غير الحكومية. وتنبع معظم التعريفات والنقاشات من مواثيق الحوكمة الطوعية التي تم تبنيها في مختلف البلدان. وعلى هذا فإن ميثاق ممارسات الحوكمة الرشيدة للمنظمات الأهلية والتطوعية والخيرية في أيرلندا يعرف الحوكمة بأنها "... كيفية إدارة المنظمة وتوجيهها ومراقبتها. والحوكمة الرشيدة تعني قيام المنظمة بتصميم وإقرار سياسات وإجراءات تضمن فعالية سير المنظمة".7انظر الميثاق الآيرلندي في الرابط التالي www.governancecode.ie/about.php    وقد حدد العجاتي أهم عناصر الحوكمة بأنها "... التفويض والشفافية والمساءلة والمشاركة والتمكين".8Mohamed El Agati, “Undermining Standards of Good Governance: Egypt’s NGO Law and its Impact on the Transparency and Accountability of CSOs,” The International Journal of Not-for-Profit Law, 9:2, (2007), p. 10.

من جهة أخرى تولى رنز تعريف الحوكمة بأنها "عملية توفير القيادة الاستراتيجية لمنظمة غير حكومية، وهي تتضمن وظائف تحديد الاتجاه وصنع السياسات والقرارات الاستراتيجية، والإشراف على الأداء المنظماتي ورصده، وضمان المساءلة الإجمالية. والحوكمة غير الربحية هي عملية سياسية ومنظماتية تنطوي على عدة وظائف وتخاطب العديد من أصحاب المصلحة".9David Renz, “Nonprofit Governance and the Work of the Board,” Midwest Center for Non-Profit Leadership, (2007), p. 1. يعود رنز في تعريفه فينسب الحوكمة إلى وجود مجلس إدارة يتولى وظائف وضع السياسات والاستراتيجيات والإشراف، وعادة ما يتكون مثل هذا المجلس من متطوعين ينتخبهم أعضاء المنظمة على نطاق أوسع.

وتعريف المنظمات غير الحكومية لأغراض هذه الدراسة هو أنها منظمات غير حكومية وغير ربحية تتمركز في المراكز الحضرية، وخاصة القاهرة، وينصب عملها على المناصرة وممارسة الضغط والتقاضي والتوثيق في مجال حقوق الإنسان. وتنصب الدراسة على المنظمات غير الحكومية ذات الهيكل المؤسساتي بوجه خاص، بغرض استكشاف الجهود الرامية لإقرار آليات للحوكمة الداخلية. والعناصر المحورية في الحوكمة الداخلية، استنادًا إلى الاستعراض المقدم أعلاه، هي مستوى الديمقراطية الداخلية في عملية اتخاذ القرار، ووجود أعضاء مجلس إدارة ملتزمين، يؤدون وظائف القيادة ووضع الاستراتيجيات، والشفافية الداخلية والخارجية، والمساءلة أمام المانحين ودوائر الجماهير الممثلة. رغم أن الهيكل المؤسساتي لعدد من الحالات يتضمن منظمات مسجلة كمكاتب محاماة أو شركات مدنية، إلا أن التعريف المتبنى لأغراض هذه الدراسة ينطبق على جميع المنظمات الخاضعة للبحث بغض النظر عن وضعها القانوني من حيث التسجيل.

تحليل النتائج

يبين الاستعراض المفاهيمي الوجيز الوارد أعلاه أن معظم الانتقادات والاتهامات الموجهة إلى المنظمات غير الحكومية تتعلق بهذه المجالات الرئيسية: الاعتماد على التمويل الأجنبي الذي يؤثر في أجنداتها وأولوياتها، ومستوى التمثيل بما أن المنظمات تزعم التحرك نيابة عن المجموعات المهمشة رغم عدم اطلاعها بالضرورة على الاحتياجات والتعقيدات الحقيقية لتلك المجموعات، وقضايا المساءلة على الأصعدة كافة: المساءلة أمام العاملين والفرق، وأمام المانحين، وأمام الحكومة والدولة، والأهم المساءلة أمام دوائر جماهيرها المزعومة. وبحسب عبارة مور وستيوارت القاسية فإن "... المنظمات غير الحكومية تقدم نفسها كمختصين وخبراء في المشاكل التي تصوغها هي ذاتها، وتتعيش من التمويل الأجنبي وحده، ويمكنها أن تفعل ما يحلو لها بشرط إرضاء الممول. إنها تدعي التحدث نيابة عن الفقراء أو المحرومين أو النساء أو المعاقين أو ضحايا الإيدز أو ما شئت من مجموعات، لكن كيف نعرف نحن أنها تمثل زبائنها أو تخدمهم بأي شكل من الأشكال؟".10Mick Moore and Sheelagh Stewart, “Corporate Governance for NGOs?”, Development in Practice Journal, 8:3 (Aug. 1998), p. 336. وقد تكون هذه المقولة قاسية ولكن يجب ان نتذكرها ونسعى الى استخدامها في بحثنا عن موضوعات التمثيل والمساءلة في المنظمات غير الحكومية.

ستتصدى الورقة عبر الاستعراض التالي لمختلف جوانب الحوكمة الداخلية كما وردت في النقاش الوارد أعلاه، ومختلف أساليب المساءلة ومستوياتها، ومدى انطباق الانتقادات المتنوعة الواردة في الأدبيات على وضع المنظمات غير الحكومية في مصر.

عملية اتخاذ القرار: العلاقة مع العاملين

تباينت عملية اتخاذ القرار في جميع المنظمات بحسب الهيكل الداخلي والتراتبية، وكان الملمح الرئيسي المشترك فيما بين المنظمات الخاضعة للدراسة كلها هو المشاركة القوية للعاملين في تشكيل البرامج بوجه خاص، وأيضًا في مناقشة اللائحة الداخلية الحاكمة لعلاقتهم بالمؤسسة وإدارتها. في وجود تنظيم هيكلي سليم، كان لدى كل منظمة وحدة للبرامج ووحدة للماليات. وتنقسم وحدة البرامج إلى برامج مختلفة بحسب نطاق عمل كل منظمة واختصاصها، وكذلك بحسب حجمها. وينسحب نفس الاعتبار على الوحدة المالية والإدارية، التي قد تضم عدة عاملين بأدوار متعددة في المنظمات الأكبر حجمًا، ومحاسبًا واحدًا في حالة المنظمات الأصغر. ومن الملامح المحورية الأخرى أن السلطات والمهام الإدارية لا تتركز بالكامل في يد المدير/ة التنفيذي/ة، بل إن ذلك الرئيس يقتسم سلطاته مع فريق للإدارة العليا. ويشمل هذا الفريق المدير المساعد، ورؤساء البرامج، والمدير الإداري إذا كانت المنظمة كبيرة الحجم.

ومع أن المنظمات التي أجريت معها المقابلات صرحت كلها بوجود لائحة داخلية مدونة نوقشت فيما بين العاملين، في اجتماعات عامة وفي منتديات خاصة، إلا أن تطبيق تلك اللائحة اختلف من منظمة للأخرى، وقرر العديد من المديرين التنفيذيين أنهم يواجهون تحديًا كبيرًا في إقناع الأفراد بالالتزام باللائحة.

وكما قال واحد من المديرين التنفيذيين، " تسألين عن اللائحة: نحن لدينا لائحة، لكن كيف أقنع هؤلاء "النشطاء" بالتصرف "كموظفين"، بالنظر للمخاطر التي يواجهونها يوميًا لأداء عملهم؟". واشتكى رئيس مجلس إدارة سابق من أنه، رغم مرونة اللائحة بما يكفي لتقيد العاملين بها، إلا أنه وجد صعوبة في تنفيذ الإجراءات التأديبية بحق العاملين غير الملتزمين بها. وقال: " على سبيل المثال تداوم واحدة من أفضل العاملين عندي على الحضور متأخرة كل يوم بدون عذر مقبول، كما أنها قد تتغيب عن العمل بدون الاتصال هاتفيًا أو إرسال رسالة إلكترونية، وبدون سبب واضح. وقد تحادثنا بصفة ودية عدة مرات، وقدمت الكثير من النصائح. في النهاية يحضر المدير الإداري كشف المرتبات لتصديقي عليه في نهاية الشهر، وأكتشف أن أكثر من ثلث مرتبها سيقتطع تأديبيًا ... فأقلل الخصم إلى 5% من مرتبها فقط".

واللائحة الداخلية لا تقتصر على قواعد الحضور والإجازات السنوية، بل تشمل أيضًا المواثيق الأخلاقية واحترام الخصوصية، خاصة في حالة المنظمات المعنية بحقوق المرأة والجمعيات النسوية. كما أنها تضم القواعد والآليات اللازمة لحماية الموظفين والعاملين في حالة الاعتقال أو مواجهة أي تضييق من الدولة وأجهزتها الأمنية، بجانب إجراءات التعيين وتدرج الرواتب. في جميع المنظمات كانت الهياكل والديناميات الداخلية مرنة بما يكفي لتكيف اللائحة مع الأفراد الخلاقين غير البيروقراطيين، حيث يدرك المديرون التنفيذيون جميعًا أن المنظمات غير الحكومية عامة والمنظمات الحقوقية خاصة لا تعين مجرد "موظفين"، بل نشطاء ومناصرين ومدافعين. لكن رغم وعي المديرين التنفيذيين وأفراد الإدارة العليا، في جميع المنظمات التي أجريت معها المقابلات، وإصرارهم على إشراك العاملين في عملية اتخاذ القرار على مستويات مختلفة، إلا أن وجود مجلس الإدارة وما يؤديه من أدوار شكل معضلة معقدة بالنسبة للمنظمات كافة.

عملية اتخاذ القرار: مجالس الإدارة

من أعمدة الحوكمة الرشيدة للمنظمات غير الحكومية وجود مجلس إدارة فاعل ومنفصل عن الفريق الإداري. والمدير التنفيذي مسؤول أمام المجلس الذي يؤدي عدة وظائف رئيسية تتضمن: 1) وضع رسالة المنظمة ورؤيتها وقيمها الأساسية، و2) اختيار وتعيين المدير التنفيذي للمنظمة، و3) دعم أداء المدير التنفيذي وتقييمه، وصوغ الاستراتيجية المستقبلية للمنظمة، و4) ضمان حصول المنظمة على الموارد المالية وغير المالية الكافية لتنفيذ خطتها، و5) تعزيز مصداقية المنظمة وصورتها العامة، و6) تمثيل المنظمة ومناصرتها. وفي بعض الحالات يطلق على مجلس الإدارة المجلس الاستشاري أو مجلس الأمناء، فيقدم أعضاؤه المشورة بشأن الاستراتيجيات وتطوير الرؤى، وينبغي أن يكونوا هم حاملي المسؤولية الأولى ضمن سلسلة المساءلة بما أنهم يساعدون في جمع التبرعات (أو يوافقون على استراتيجيات جمعها التي تنفذها المنظمة) ويقيمون أداء المدير التنفيذي وفريقه، كما أنهم يوجهون المنظمة في النهاية بصفتهم الهيئة الرئيسية التي يرفع المدير التنفيذي وفريقه التقارير إليها.11Renz, op. cit., pp. 2-3.

ولعل وجود مجالس الإدارة الفاعلة، الملتزمة، من التحديات الرئيسية التي تواجه المنظمات غير الحكومية المصرية بصفة عامة، وليس المنظمات الحقوقية وحدها. فعادة ما يكون هناك خلط بين دور الحوكمة ودور الإدارة، وكما قال أحد الخبراء في مجال المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في مصر، فإنه " في المنظمات الكبيرة تتولى الإدارة الغوص في تفاصيل الإدارة اليومية، لكنها تهيمن أيضًا على مجلس الإدارة، الذي يُزاح دوره جانبًا. أما في حالة المنظمات الصغيرة، وبخاصة جمعيات تنمية المجتمعات المحلية، فإن الإدارة هي مجلس الإدارة والأمور كلها مختلطة. إذن فإن معادلة الإدارة والحوكمة إشكالية في القطاع الأهلي برمته، بقدر ما هي إشكالية في الدولة، بين سلطة تنفيذية تملك كل شيء، وسلطة تشريعية ضعيفة."

ومن بين المنظمات العشر التي أُجريت معها المقابلات كانت اثنتان فقط تتمتعان بمجلس إدارة فاعل وملتزم، وفي واحدة منهما لم يكن أعضاء مجلس الإدارة يتولون إدارة أي من برامج المنظمة.

وهناك عدة أسباب قد تفسر معضلات مجالس الإدارة في القطاع الأهلي في مصر، ويأتي على رأسها البيئة القانونية والسياسية القمعية للقطاع الأهلي. وقد شكل القانون رقم 84 لسنة 200212في 29 نوفمبر 2016 وافق مجلس النواب على قانون جديد للجمعيات الأهلية، إلا أنه لم يحصل على تصديق رئيس الجمهورية حتى 29 مايو 2017 بعد كتابة المسودة النهائية لهذه الورقة البحثية. وقد وصف السيد ماينا كياي، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات، وصف القانون "المزمع" بما يلي: "إذا تم العمل بهذا المشروع فمن شأنه هدم المجتمع المدني في البلاد طوال أجيال قادمة". عقبة كأداء أمام نشوء مجتمع مدني فاعل وإيجابي في مصر، وأجمل تقرير التنمية البشرية لسنة 200813Heba Handousa, et. Al., “Egypt Social Contract, The Role of Civil Society,” UNDP: Egypt Human Development Report 2008, p. 92. نقاط الاحتكاك الرئيسية الواردة في القانون. وكانت نقطة الاحتكاك الأولى هي اشتراط قيام جميع منظمات المجتمع المدني المصري بـ "توفيق" أوضاعها القانونية والتسجيل لدى وزارة التضامن الاجتماعي. إلا أن المنظمات غير الحكومية، تحت ولاية وزارة التضامن الاجتماعي، معرضة لعقوبات جسيمة على عدد من المخالفات. وتستند سلطة تجريم المنظمات ورؤسائها إلى نصوص غامضة الصياغة، وهكذا فإن إنشاء أو إدارة منظمة أو جمعية بغرض "الدعوة إلى عرقلة نصوص الدستور" قد يؤدي إلى حكم بالسجن. ومن النصوص الإشكالية الأخرى حق الدولة في حل الجمعية الأهلية، الذي يجب أن يكون من اختصاص القضاء وحده وفي حالة المخالفة الجسيمة وعبر سلسلة من الخطوات الإجرائية التي تسبق الحل، بما فيها الطعن على الحكم القضائي وفق المادة 42 من القانون. إن القانون 84 لسنة 2002 يلجأ بصفة عامة إلى عبارات مفتوحة للتأويل من قبيل "النظام العام" و"الآداب العامة" و"تهديد الوحدة الوطنية". وقد تختلف التأويلات باختلاف الزمان والمكان والظروف، مما يسمح للسلطات بطيف عريض من الردود على أنشطة الجمعيات الأهلية، وبأدوات للإشراف على الأنشطة ومراقبتها.

عمل هذا القانون التقييدي على دفع العديد من المنظمات غير الحكومية إلى التسجيل كمكاتب محاماة أو شركات مدنية، وهي كيانات لا يشترط هيكلها القانوني وجود مجلس للإدارة. وحتى في حالة بعض المنظمات التي أبدت الاستعداد للتسجيل بموجب هذا القانون القمعي، فقد تم حرمانها من الموافقة على التسجيل واضطرت للجوء إلى المحاكم طوال سنوات لاكتساب صفة الجمعية المسجلة. على سبيل المثال، حاولت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، المنشأة في 1985، التسجيل بموجب القانون رقم 32 لسنة 1964، فرفض تسجيلها. كما رفض التسجيل بموجب القانون رقم 153 لسنة 1999. وحتى بعد صدور القانون رقم 84 لسنة 2002، حاولت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن على حرمان الحكومة لها من التسجيل، واكتسبت أخيرًا صفة الجمعية المسجلة في يونية 2003، بعد 16 عامًا من المعارك القانونية. وعلى نحو مماثل تمكنت مؤسسة المرأة الجديدة من التسجيل بموجب القانون 84 في سنة 2003، بعد معركة قانونية وبيروقراطية طويلة.14Mariez Tadros, “A Battle Half Won,” Al-Ahram Weekly, on 30 October-5 November 2003, available at  is.gd/zGabbx

وبجانب القيود القانونية، تأتي القيود السياسية لتزيد الطين بلة. فقد عمل قانون التظاهر، ومشروع قانون مكافحة الإرهاب، والتحقيق الجاري فيما يعرف باسم "قضية التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية"، إضافة إلى تجميد أموال عدد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، عملت كلها على مفاقمة السياق السياسي والقانوني المتدهور لكيانات المجتمع المدني في مصر منذ 2013. فلن يدهشنا إذن أن العديد من المنظمات التي أجريت معها المقابلات شرعت في محاولات لإقرار مجالس إدارة أو تفعيل مجالسها القائمة في الفترة 2011- 2013، عندما انفتح الوضع السياسي في مصر وقلت التعديات على الحق في تكوين الجمعيات. وقد شهدت الفترة نفسها أيضًا تسارعًا في نمو العديد من المنظمات، التي سعت إلى تشكيل مجالس إدارة لدعمها في جهودها التوسعية. ولكن هذه الجهود تباطأت أو توقفت بعد منتصف 2013.

بخلاف البيئة القانونية والسياسية القمعية، لكن على صعيد متصل بها أيضًا، يأتي التحدي المتمثل في انتقاء وتعيين أعضاء مجلس الإدارة. فلأن معظم تلك المنظمات بدأت كمبادرات من نشطاء حقوقيين وتطورت إلى مؤسسات فإنها تجد في محيطها مجتمعًا من الخبراء والمؤيدين المستعدين لتقديم المشورة الفنية ولكن ليس إلى حد تولي مناصب أعضاء مجلس الإدارة فعليًا، فهم يفضلون وظائف المشورة على وظائف الحوكمة، لتجنب المساءلة القانونية أيضًا.

وبحسب تصريح أحد هؤلاء الخبراء، الذي شارك في عضوية عدد من مجالس الإدارة،"كنت أتلقى مكالمة من صديق عزيز وناشط حقوقي مرموق، ليبلغني بحاجته إلى وضع اسمي كعضو مجلس إدارة في منظمة جديدة يؤسسها، فأقبل بالطبع، مدركا أنها وظيفة رمزية... لا أذكر آخر مرة حضرت فيها اجتماعًا لمجلس إدارة واحدة من تلك المنظمات." وكما قال العديد من رؤساء مجالس الإدارة فإن العثور على أعضاء المجالس، من ذوي الاهتمام الصادق بقضية حقوق الإنسان، المستعدين لتحمل المسؤولية القانونية عن المنظمة في مثل هذه البيئة القمعية، ولديهم أيضًا الوقت اللازم للمشاركة الفعالة في هذه المسؤوليات، هو مهمة شاقة.

يجدر بنا أيضًا أن نلاحظ أن المنظمات النسوية بصفة خاصة اتسمت بحرص أكبر عند تعيين أعضاء جدد في مجالس الإدارة، فعلى حد تعبير رئيسة مجلس إدارة منظمة نسوية، فهناك صعوبة في العثور على "أعضاء مجالس إدارة يتمتعون بالتوافق الفكري والإيمان بالقيم النسوية... بل إننا اتفقنا كأعضاء مؤسسين وأعضاء مجلس إدارة على اتخاذ قراراتنا بالإجماع وليس بأغلبية الأصوات... مما ساعد "الجمعية" على الاستمرار والنمو في تناغم تام".

لكن البيئة القمعية وصعوبة إيجاد أعضاء مجلس إدارة ملتزمين ليستا السببين الوحيدين لضعف مجالس إدارة المنظمات غير الحكومية، فقد وجدت المشكلة حتى في فترة 2005- 2010 التي اتسمت بقيود أقل نسبيا، مقارنة بالفترة 2014- 2016 التي شهدت حملة قمعية غير مسبوقة.

وكما صرح أحد رؤساء مجالس الإدارة الذين أجريت معهم المقابلات فإنه " كنا في حالة استرخاء في فترة 2005-2010، ورغم توافر الفرصة لإعادة التفكير والتصدي لمسألة الحوكمة ومجالس الإدارة، إلا أننا لم نفعل. كنا نمتلك اعتراف المجتمع الدولي ونتعرض لتضييق أقل من الدولة. لكننا استسلمنا للوضع القائم المريح، وأضعنا فرصة ذهبية لمعالجة المسألة."

لكن رئيسًا آخر عرض رؤية مختلفة لأهمية مجلس الإدارة. فاستنادًا إلى خبرة تلك المنظمة، كانت لدى العاملين قدرة أكبر على رسم استراتيجيات المنظمة، ورغم محاولة اجتذاب مجموعة خارجية من الأصدقاء/المستشارين لمساعدة العاملين أثناء فترة التوسع في 2011- 2013، إلا أن التجربة لم تصادف النجاح.

ومن نماذج الحوكمة الأخرى التي طورتها إحدى المنظمات قبل 2011، نموذج تشكيل جمعية عامة من العاملين بدلًا من اجتذاب متطوعين مستقلين للقيام بدور مجلس الإدارة. وقد تبنت بعض المنظمات هذا النموذج البديل لتجنب مواجهة أزمة كتلك التي واجهت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في 1993. أدت الأزمة إلى تفتت المنظمة بعد تسلل عدد من الأعضاء، من ذوي الدوافع السياسية في المقام الأول، إلى الجمعية العامة.15ياسمين شاش، "مولد وتطور وتحديات الحركة الحقوقية في مصر"، مبادرة الإصلاح العربي، ٤ أغسطس ٢٠١٧، متاح على https://www.arab-reform.net/ar/node/1095 في هذا النموذج يجتمع العاملون في مؤتمر عند نهاية العام، ورئيس المنظمة مسؤول أمامهم، وتتم مناقشة التقرير الختامي والموازنة، وأخيرا يتم انتخاب رئيس جديد لولاية مدتها عام واحد. وقد وصف معظم من أجريت معهم المقابلات هذا النموذج بأنه يفتقر إلى أهم عناصر الحوكمة، حيث أن الرئيس مسؤول أمام موظفيه لمدة يوم واحد سنويا، لكنهم مسؤولون أمامه طوال العام. كما لا يخلو النموذج من العيوب، لأنه توجد كتل متنازعة وسط العاملين تؤيد مرشحين مختلفين لمنصب الرئيس، وهي بيئة إدارية غير صحية. لكن على الرغم من المثالب الواضحة لهذا النموذج إلا أنه ينشد تقييد سلطات الرئيس في علاقته بالعاملين، وضمان مشاركة أكبر في عملية اتخاذ القرار داخل المنظمة، بدلًا من وضع رئيس مجلس الإدارة والمنظمة برمتها موضع المساءلة أمام مجموعة خارجية من أصحاب المصلحة الذين يتولون القيام بدور الدعم والقيادة للمنظمة.

عملية اتخاذ القرار: المؤسسون ورؤساء مجالس الإدارة

أدى غياب مجالس الإدارة القوية عن معظم المنظمات التي أجريت معها المقابلات إلى اللامركزية في المسؤوليات والسلطات الإدارية لمنصب المدير التنفيذي. وقد تمتعت معظم المنظمات الخاضعة للبحث بهيكل يتضمن مجموعة مركزية عليا تقود المنظمة بشكل من الأشكال، إلا أن المسمى الوظيفي للمجموعة يختلف من منظمة لأخرى، كما أن عضويتها تتضمن أفرادًا إداريين في بعض الحالات، وتقتصر في حالات أخرى على كبار مسؤولي البرامج. وفي بعض الحالات يكون للمدير التنفيذي نواب أو مساعدون، بينما يوجد في منظمات أخرى مدير للبرامج يتولى التنسيق بين جميع البرامج، إلخ. وتعمل هذه الهياكل على توزيع مسؤوليات الرئيس وسلطاته بين أفراد المجموعة المركزية، وتوفر قدرًا من التفويض في حالة غياب المدير التنفيذي لأي سبب.

وقد تعلق أحد التحديات الكبرى التي واجهتها كل المنظمات بالمؤسس أو المؤسسين. فكما هو الحال في معظم المنظمات، تبدأ المنظمة الحقوقية كمبادرة يؤسسها ناشط أو مجموعة من الناشطين الذين يبذلون كل جهد ممكن، كمؤسسين، لتطوير وتعزيز المنظمة التي بدأت كمجرد فكرة. يكرس المؤسسون سنوات من أعمارهم للمنظمة، في مواجهة خطر الاعتقال والتضييق القانوني وخوض العديد من المعارك، ومن ثم فهم يلتصقون بمنظماتـهم، ولا يتركون منصب الرئيس. وقد تصدى مور وستيوارت لهذه المعضلة بإيجاز، فصرحا بأن "الأفراد أو الجماعات الصغيرة المكرسة للمنظمة وللقضية التي تمثلها يعتبرون التزامهم سببًا للنجاح، وربما يشعرون بالأحقية في جني ثمار هذا النجاح، حتى إذا لم تزد الثمار عن مزايا غير ملموسة من قبيل الشهرة والاحترام والتقدير. إن مؤسسي المنظمات غير الحكومية، مثل أصحاب الأعمال الصغيرة، قد يعزفون عن اقتسام السلطة الإدارية ومناصبها مع المستجدين، في اللحظة التي تتمتع فيها المنظمة بإمكانية النمو السريع." 16Moore and Stewart, op. cit., p. 336.

وقد تحدث من أُجريت معهم المقابلات عن المسؤوليات القانونية والأدبية المؤثرة في قرار البقاء في المنصب أو تركه، كما تبين المقتطفات التالية.

"لقد بدأت مبادرة معينة، ومن غير الأخلاقي أن أنسحب وأرحل بدون أن أضمن لها الاستدامة والاستمرارية، أما عن خططي المستقبلية فأنا لا أريد البقاء في هذا المنصب إلى الأبد..." – المدير التنفيذي الحالي لإحدى المنظمات.

"... لن أسمح بانهيار المنظمة بعد رحيلي. لقد استنزفت وصرت عاجزًا عن الكتابة أو البحث، [لكن] قبل الرحيل [ينبغي] أن أضمن تأمين التمويل لبعض الوقت حتى أتمكن من الانسحاب... وعقد مكتب المحاماة باسمي، أنا الشخص المسؤول قانونًا في حالة مواجهة المنظمة لأي صعوبات قانونية... لا يمكنني تعريض العاملين للخطر..." – مدير تنفيذي سابق لإحدى المنظمات.

"بالطبع كنت خائفًا من الإقدام على خطوة ترك منصب الرئيس، لكنني كنت متعبًا ومستنزفًا. [ومع ذلك] كنت محرجًا أيضًا من التمتع بكل تلك السلطات" – مدير تنفيذي سابق لإحدى المنظمات.

وحتى إذا اتخذ الرؤساء قرارا صادقا بالرحيل لمتابعة مسيرة مهنية شخصية أو لتحقيق طموحات أكاديمية فإنهم يواجهون تحدي العثور على بديل. وفي غياب مجالس الإدارة، لا توجد آلية واضحة لانتقاء رئيس جديد. ورغم أن بعض المنظمات حاولت تمكين العديد من أفراد العاملين وتفويضهم لحضور الاجتماعات مع المانحين وأصحاب المصلحة، إلا أن الرجوع للمؤسسين يستمر لطلب النصح وصياغة المواقف والاستراتيجيات التي تعزز تماسك المنظمة.

إن تحدي المؤسسين وأثره في إضعاف الحوكمة الداخلية للمنظمات غير الحكومية قد وجد تفسيره في بعض الدراسات من خلال "نظرية مؤسسة الجيل الأول"، بما أن المؤسسين يمارسون درجة غير متناسبة من السيطرة، وهكذا يعجز مجلس الإدارة عن أن يصبح مستقلا وفعالا.17Juki Kim, “Accountability, Governance, and Non-governmental Organizations: A Comparative Study of Twelve Asia-Pacific Nations”, A paper submitted to the conference on Governance, Organizational Effectiveness, and the Nonprofit Sector in Asia Pacific, organized by the Asia Pacific Philanthropy Consortium, 2003, p. 24. لكن التحدي يظل قائما، وهو يواجه المنظمات الحقوقية في مصر، ويعرقل التطور المؤسساتي والتحول المهني، حيث أن رصيد النفوذ والسلطة لدى المؤسسين في بعض الحالات يعوق نمو المنظمة بشكل حيوي وفعال.

التمويل الأجنبي والمسؤولية أمام المانحين

لعل الجدل المحيط بالتمويل الأجنبي أن يكون الأطول أمدًا في أدبيات المنظمات غير الحكومية بعامة، وفي مصر بخاصة. وتحفل الأبحاث من آسيا، الهند وبنغلاديش على سبيل المثال، بانتقادات عديدة لما يسمى بنموذج العمل الخاص بالمنظمات غير الحكومية، وتلقي باللوم على مجتمع المانحين الدولي في تحويل الجمعيات، التي كان ينبغي أن تظل جمعيات محلية قائمة على العضوية، إلى منظمات مهنية غير مسيسة.18Mohanty, op. cit., pp. 213-232. وقد تعرضت المنظمات غير الحكومية في مصر، وخاصة في مجال حقوق الإنسان، للانتقاد لاعتمادها على التمويل الأجنبي، بحيث تتعرض تدخلاتها وأنشطتها لخطر التوقف مع تغير أولويات وأجندات المانحين، ومن ثم فإن تأثيرها لا يكون مستدامًا.

إلا أن هذه الانتقادات لا تراعي السياق القانوني الذي يعرقل التمويل المحلي. فبحسب تقرير التنمية البشرية المصري لسنة 2008، "لا تملك المنظمات غير الحكومية الحق في تلقي التبرعات إلا بموافقة وزارة التضامن الاجتماعي. ويلزم إذن الوزارة لأي تمويل أجنبي المصدر. كما أن جمع التبرعات عن طريق تنظيم المعارض والفعاليات العامة مثل الحفلات لجمع الأموال يتطلب موافقة مسبقة وإجراءات معقدة تسيطر عليها وزارة التضامن الاجتماعي. ويمنح القانون الوزارة سلطة حصرية في الهيمنة على إدارة الجمعيات من الناحية المالية."19Handousa, op. cit., p. 92.

وبجوار الموانع القانونية، تجد المنظمات العاملة في المجال الحقوقي بصفة خاصة صعوبة شديدة في التماس التمويل من الشركات ورجال الأعمال المحليين، الذين يترددون في تقديم تمويل لمنظمات تقوم بفضح انتهاكات الدولة لحقوق الإنسان، حيث قد يكون لهذا التمويل عواقب سلبية على شركاتهم، ناهيك عن علاقاتهم القوية المعتادة مع الدولة، في بلد تسعى الشركات الكبرى فيه للحفاظ على علاقات ودية مع المفاصل الحاكمة لشبكات الفساد والمحاباة واغلبيتها واقعة تحت تأثير او سيطرة النظام الحاكم.20Nicola Pratt, “Human Rights NGOs and the ‘Foreign Funding Debate’ in Egypt”, in Anthony Tirado Chase and Amr Hamzawy (eds.), Human Rights in the Arab World: Independent Voices, University of Pennsylvania Press, 2007, p. 119.

ولا توجد أدلة على أن التمويل المحلي قادر على تعزيز المنظمات أو إكسابها المزيد من الاستقلالية، بل إن خبرة بعض بلدان شرق آسيا، مثل كوريا الجنوبية التي قامت عدة شركات فيها بتأسيس جمعيات خيرية محلية، تظهر سوء الحوكمة والفساد، حيث "قامت أكبر الشركات الكورية بإنشاء ما يصل إلى 45 منظمة خيرية، إما لتجنب ضريبة الهبة والأيلولة، أو لحماية الشركات الضخمة من الاستيلاء العدواني... وكان أكثر من ثلث أعضاء مجالس إدارة الجمعيات الخيرية مرتبطين بالشركات أو بعائلات المؤسسين".21Kim, 2003, op. cit., p. 5. وحتى في سياق شديد القمعية كالسياق الصيني، شوهت سلسلة من قضايا الاختلاس مصداقية المنظمات غير الحكومية (ولكن في مجال التنمية المجتمعية وليس حقوق الإنسان)، مما دفع الحكومة إلى إقرار تدابير للرقابة المالية على المنظمات غير الحكومية ذات التمويل الحكومي، وعلى الجمعيات المحلية.22المرجع السابق، ص. 14.

والمثير أنه، رغم إجماع المنظمات التي أجريت معها المقابلات لهذه الورقة على أن القطاع الأهلي في مصر لا يمكنه البقاء بدون تمويل أجنبي، إلا أن عددًا من المدافعين الحقوقيين ينظرون إلى التمويل الأجنبي على أنه "شر لا بد منه، في غياب مصادر التمويل المحلي".23Pratt, 2007, op. cit., p. 119. وقد يمكن تفسير هذا ببيئة الوصم المحيطة بالتمويل الأجنبي و"التدخل الأجنبي" كما تشير إليهما وسائل الإعلام الموالية للحكومة والمتشدقة بالوطنية.

وعلى العكس يرى البعض جوانب إيجابية للتمويل الأجنبي. وقال أحد المانحين في مقابلة أن "التمويل من مانحين دوليين أكثر شفافية وله قواعد واضحة، ويشترط تقديم تقارير مالية وبرامجية مفصلة، على عكس التمويل القادم من حكومتي ليبيا والعراق في التسعينيات، مثلًا."

بالنظر إلى ضخامة الوصمة والجدال المحيطين بالتمويل الأجنبي، وتعدد طبقاتهما، فسوف يركز القسم التالي على جانبين رئيسيين من هذه القضية يهمان هذه الورقة، وهما: أ) تحويل المساءلة ووضع الأجندات، وب) تأثير المانحين في الحوكمة الداخلية.

  • أ‌- تحويل المساءلة ووضع الأجندات

يُتهم التمويل الأجنبي بتحويل مساءلة تلك المنظمات في اتجاه مانحيها بدلًا من أن تكون أمام مجتمعاتها ودوائر جماهيرها.24Suleiman, op. cit., pp. 622-9. فالمانحون بحسب هذا الانتقاد يفرضون أجندتهم أو اتجاهاتهم أو أساليبهم الخاصة، بحسب صيحات الموضة الفكرية التي تفسد المجال وتلوث جوهر "القضية". ومع أن هذه الحجة قد تصدق بوجه خاص على التمويل المخصص للتنمية المحلية، إلا أن تغيير التوجه لازم لتقييم مسألة المساءلة في حالة المنظمات الحقوقية.

وقد رسم المجلس الدولي لسياسات حقوق الإنسان خريطة لعلاقات المساءلة المختلفة في المنظمات غير الحكومية، ومن هذه العلاقات الرئيسية المساءلة أمام المانحين. ويخلص التقرير إلى أن المنظمات غير الحكومية تبذل "بصفة عامة جهودًا كبيرة كي تفسر لمانحيها ما تفعله وما تحققه وتبرر لهم تكلفة أنشطتها، بينما يفرض المانحون عادة شروطا للمنح تتعلق بالتقارير المالية وتقييم التأثير. وتعني الطبيعة التعاقدية للعلاقة حصولها على نصيب الأسد من الاهتمام في مناقشات المساءلة. ومع ذلك فإن الرأي القائل بأن المنظمات غير الحكومية مسؤولة أمام مانحيها في المقام الأول لا يستقيم إلا ضمن تفسير ضيق يختزل المساءلة إلى ما لا يزيد عن النزاهة المالية".25International Council on Human Rights Policy (ICHRP), “Online Discussion Forum on Human Rights Principles and NGO Accountability: An Approach Paper”, available at www.ichrp.org/approach_paper.pdf, p. 5.

وقد أكدت جميع المنظمات التي أجريت معها المقابلات من أجل هذه الدراسة أنها تحدد أجنداتها بأنفسها، وتضع استراتيجياتها مع فرقها وأعضاء مجالس إدارتها أو مستشاريها.

وكما قرر رئيس سابق لإحدى المنظمات فإن "أفكار المشروعات هي أفكارنا ونحن من نقرر التوقيت المناسب لها عندما نكون مستعدين للشروع في برنامج جديد.. المانحون لا يفرضون البرامج علينا. إذا قبلوا مشروعنا الجديد فلا بأس، لكننا نرفض إذا أتونا ببرنامج جاهز". وقال رئيس حالي لإحدى المنظمات أنهم يتمتعون "بعلاقة ممتازة مع المانحين، وهم يستمعون لاحتياجاتنا، وإذا لم يفعلوا فإننا نفعل ما نريد.. لقد نصحونا، على سبيل المثال، بالتمهل في التوسع في محافظات جديدة، ورغم أنها كانت نصيحة سليمة إلا أنني لم أستطع إبلاغ فريقي الذي يعمل منذ عامين في المحافظة بأننا لن نبدأ البرنامج هناك، وهكذا بدأناه".

ويجب أن نأخذ في الإعتبار أنه في حالة المنظمات ذات العلاقة التصادمية مع الدولة، بسبب توثيقها للانتهاكات الحقوقية على سبيل المثال، يمكن لضحايا الانتهاكات والعاملين على توثيقها أن يتعرضوا للخطر، ومن ثم فإن أدوات المساءلة والشفافية، مثل نشر التقارير المالية على الإنترنت، قد تأتي بأثر عكسي في رأيهم. وكما توحي الخبرات المشابهة من أمريكا اللاتينية فإنه "يلزم تحليل السياق قبل صياغة مطالب عمومية بالمزيد من المساءلة. فكما ذكرنا، لا يمكن تطبيق الشروط نفسها على المنظمات العاملة في بيئات ديمقراطية وتلك العاملة في سياقات استبدادية".26Juana Kweitel, “Experimentation and Innovation in the Accountability of Human Rights Organizations in Latin America”, International Journal of Human Rights, 11:20, June-December 2014, p. 313.

  • ب‌- المانحون والحوكمة الداخلية

من الجوانب الأخرى لعلاقة المانحين بالمنظمات غير الحكومية تأثيرهم في هياكل الحوكمة الداخلية للمنظمات. ويهمنا لتحليل هذه العلاقة أن نلاحظ أن "المانحين" ليسوا كتلة صماء، فهناك أنواع عديدة ومتنوعة من المانحين، كما أن سياساتهم وإجراءاتهم تتباين وتؤثر في طريقة اختيار ممنوحيهم والعمل معهم، ومستوى التواصل وعمقه، ودرجة التفاعل مع المنظمات المحلية، والتوقعات والتقارير، والتأثير.

وميزت المنظمات التي أجريت معها المقابلات لأجل هذه الدراسة بين المانحين الذين ينظرون للمنظمات كشركاء، وهؤلاء الذين ينظرون إليهم كمجرد ممنوحين. وقد حظي المانحون الشركاء بوجه خاص بعلاقات عمل أفضل مع المنظمات، نظرا لايمانهم بقيم واحدة ولأنهم يبنون العلاقة على التفاهم والشفافية والحوار المتبادل. وكانت أغلبية هؤلاء المانحين من المؤسسات الحقوقية الدولية و/أو المنظمات الدولية النسوية (أو المعنية بالمرأة). وتفضل معظم المنظمات غير الحكومية المصرية التمويل القادم من مؤسسات خاصة مقارنة بالحكومات. وأكدت جميع المنظمات التي أجريت معها المقابلات أنها لا تلتمس التمويل من هيئة المعونة الأمريكية على وجه الخصوص، وأنها تفضل العمل مع الحكومات الاسكندنافية بسبب مواقفها السياسية المحايدة، ولأنها لا تمتلك تاريخًا "استعماريًا" في المنطقة العربية.

وهناك أيضًا فوارق واختلافات بين المانحين الدوليين تؤثر على توجهاتهم ونوعية الشراكة مما ينسحب على أثرهم في تطور هياكل الحوكمة الداخلية للمنظمات المحلية الممنوحة.

وقال أحد المانحين الذين أجريت معهم المقابلات إنه "ثمة مسؤولية تقع على عاتق المانحين بتوجيه النصح للمنظمات والعمل معها لتطوير مجالس إدارتها وتنمية قدراتها لتحسين التخطيط الاستراتيجي، وتحديد اطر واضحة للبرامج وتوصيفات وظيفية محددة لمسؤوليها ... وتساعد كل هذه الجهود والنقاشات المتبادلة المنظمات على اكتساب الطابع المؤسساتي وزيادة فعاليتها وتعزيز تأثير أنشطتها."

ويؤيد بعض المديرين التنفيذيين الذين أجريت معهم المقابلات هذا الرأي، ويتفقون أن شروط المانحين ساعدت المنظمات المصرية على تطوير هياكلها الداخلية، وتحسين آليات التقارير ووضع اللوائح التنظيمية، والأهم هو الاحتفاظ بنظم مالية فعالة وشفافة. ويقول أحد هؤلاء المديرين أن "شروط المانحين حسًنت من المصداقية العامة للمنظمات كما حمتها عندما بدأت الحكومة عبر مؤسساتها في التدقيق القانوني والمالي في نشاط هذه المؤسسات ... بدون هذه الشروط (من المانحين للاحتفاظ بنظم مالية وإدارية شفافة وواضحة) كان الوضع ليصبح أسوأ" في حالة التدقيق من جانب الحكومة بغض النظر عن دوافعه.

من جهة أخرى فضل مانحون آخرون إقامة علاقة أقل تداخلًا مع المنظمات، فلم تشترط إلا آليات المساءلة المعيارية التي تتمثل في تقارير مالية وبرامجية منتظمة، وفضلت عدم الضلوع المباشر في جهود المنظمات لتطوير حوكمتها الداخلية.

وعمومًا تتسم علاقة المانحين بالمنظمات غير الحكومية بتعقيد بالغ، وهي في جوهرها علاقة سلطة، يحوز فيها المانحون تأثيرًا أكبر نسبيًا بسبب سيطرتهم على المال وقرار المنح. ومع ذلك فإن القيمة المشتركة، قيمة "حقوق الإنسان"، تتخلل هذه العلاقة. ويمكن للمانحين "القيام بدور حوكمي داعم وإيجابي إذا أدركوا طبيعة المساءلات المتعارضة التي يتعين على الممنوحين التوفيق بينها، واحترموا قرارات المنظمات المتمتعة بنظم سليمة وفعالة لاتخاذ القرار، ودعموا جهود تلك المنظمات لتحسين المساءلة فيها. لكن اشتراط التقارير البيروقراطية قليلة المرونة، من جهة أخرى، يستنزف موارد المنظمات ووقتها، وحين يفرض المانحون أولوياتهم الخاصة فإن هذا كفيل بتقويض الفعالية."27ICHRP, op. cit., p. 6.

التمثيل والمساءلة أمام دوائر الجماهير

ترتبط علاقات المانحين والمنظمات، على نحو لا فكاك منه، بقضية "أمام من" تُساءل المنظمات في النهاية، وما أشكال وآليات المساءلة التي تجب عليها أمام دوائر جماهيرها والمجتمعات أو الجماعات التي تزعم الدفاع عن حقوقها. ويعرّف المجلس الدولي لسياسات حقوق الإنسان دوائر الجماهير التي تحاسب المنظمات أمامها بأنها "الأشخاص الذين تعمل المنظمات لأجلهم أو معهم أو نيابة عنهم. وفي حالة المنظمات الحقوقية فإن الدائرة المركزية تتمثل عادة في الضحايا والناجين من الانتهاكات الحقوقية، أما لسائر المنظمات فهي تتمثل في المستفيدين من عملها، أو في أعضائها، إلخ. وإذن فإن ضمان مشاركة هؤلاء المستفيدين ومنحهم دورًا مركزيًا في عمل المنظمة هو أمر طبيعي ولا غبار عليه."28المرجع السابق، ص. 5.

وفيما أثار جدلًا فكريًا واسعًا ومعروفًا، شككت جريدة "الإيكونوميست" اللليبرالية في مزاعم التمثيل والمساءلة التي تقدمها المنظمات الأهلية عن "الناس" وأمامهم. وتساءلت المجلة الأسبوعية عما إذا لم يكن "نفوذ المنظمات المتزايد، المرموقة منها وغير المرموقة، يثير أسئلة هامة: من الذي انتخب أوكسفام، أو ... التجمع من أجل أممية شيوعية ثورية؟ إن تلك الكيانات تقوم، بدرجات مختلفة، بابتزاز الشركات الملتزمة بالقانون لانتزاع الاعتراف بالخطأ، وابتزاز الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا لانتزاع تغييرات في السياسات. وقد تزعم أنها تتصرف لمصلحة الناس ـ لكن هذا ما يفعله المستهدفون بانتقادها أيضًا، أي الحكومات والمؤسسات الدولية المتهمة. إن حكومات الغرب وأجهزتها مسؤولة في النهاية أمام ناخبيها، لكن من الذي يسائل النشطاء؟"29The Economist, “Angry and Ineffective,” 21/09/2000, available at www.economist.com/node/374657

أدى هذا الجدال إلى سلسلة من الأوراق البحثية التي تعالج الموضوع، وصار أحد أهم الأسباب وراء المطالبات واسعة النطاق بإلزام المنظمات بالمساءلة هو أن المنظمات ذاتها تطالب الدول بالتصرف وفق قواعد معينة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في هذه الحالة). وقد يكون لدى الدول الديمقراطية التي تعتمد مؤسساتها الحاكمة في النهاية على أصوات الناخبين حجة تتقدم بها هنا، لمطالبة المنظمات التطوعية بأن تبرر وتثبت مدى تمثيليتها وخضوعها للمساءلة، إلا أن مثل هذه المطالبة تصبح هزلية في ظل نظم استبدادية، تستعين بحجج مستمدة من سياقات اجتماعية وسياسية مختلفة لتقويض أو تشويه المنظمات غير الحكومية، أو تستعمل قوانين قمعية وهيئات رقابية غير خاضعة للمساءلة لتتحكم في المجتمع المدني.

لقد انشغلت الحركة الحقوقية المصرية بقضايا التمثيل والمساءلة أمام دوائر جماهيرها منذ مولدها، فقد نجم تفتت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن خلاف محتدم حول هذه القضايا بالذات، قضايا التمثيل والشرعية. فمن جهة كان هناك المنادون بمنظمة واسعة العضوية، لحشد الجماهير ودمج حقوق الإنسان ضمن "النضال الشعبي الحقيقي"، مثل هاني شكر الله. ومن جهة أخرى دافع بعض النشطاء عن منظمة مغلقة ومهنية تستمد شرعيتها من عالمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وضم هؤلاء أشخاص مثل محمد السيد سعيد وبهي الدين حسن، اللذين انطلقا لتأسيس معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 1993.30شاش، مرجع سابق، ص 8-9.

ومع أن جميع المنظمات التي أجريت معها المقابلات، من بين تلك المؤسسة قبل 25 يناير 2011، تبنت في نهاية الأمر الشكل الأخير كمنظمات "مغلقة" مهنية/قائمة على الخبرة، إلا أنها تمكنت من بناء علاقات تمثيلية قوية مع عدد من الدوائر الجماهيرية. وقد تطورت هذه العلاقات من خلال أنشطة المنظمات وبرامجها للتقاضي والمساعدة القانونية والمناصرة وبناء القدرات والتدريب الصيفي للطلبة، إلخ. وبمرور الزمن استطاعت المنظمات والمدافعون الحقوقيون التواصل بانتظام مع شبكات العمال المتضررين والمتصدين لتزايد خصخصة المنشآت العامة، ممن فاتحوهم لطلب المعونة القانونية، أو طلبة الجامعة المفصولين بسبب التعبير عن رأيهم داخل الجامعة، أو النساء المطالبات بالمساواة في مكان العمل، أو ضحايا التعذيب والاحتجاز غير المشروع وعائلاتهم.

وقد شهد العامان اللذان أعقبا ثورة 25 يناير 2011 انفتاحًا غير مسبوق في المجالين العام والسياسي في مصر، فرحبت المنظمات بهذه الفرصة وانتهزتها لتوسيع دوائرها الجماهيرية. وانتشرت عدة منظمات إلى محافظات خارج القاهرة، في رد على الانتقاد الموجه لها بأن عملها ينحصر في المراكز الحضرية الكبرى، منفصلة عن الجماهير التي تمثلها. وترافق مع التوسع الجغرافي توسع في نطاق العمل والبرامج أيضًا. وفي هذا السياق المستجد عادت فكرة إنشاء "منظمة حقوقية وطنية عريضة قائمة على العضوية" إلى جدول أعمال الحركة الحقوقية في مصر، وتحولت مقرات العديد من المنظمات إلى نقاط التقاء للمبادرات والجمعيات والمتطوعين وشبكات النشطاء.31Yara Abdel Wahed, “Egypt Post the January 25th Revolution: The Relationship between Non-Governmental Organizations and Networks of Activists,” a masters’ thesis submitted to the Public Policy and Administration Department, American University in Cairo, 2015.

وعلى حد وصف أحد المديرين الذين أجريت معهم المقابلات لهذه الفترة فإن " الخطاب الحقوقي انتقل الآن إلى الشارع، وصار الناس يتغنون بالكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية". ومع ذلك فهؤلاء الناس لا يمكنهم مساءلة المنظمات بسهولة نظرا لافتقارهم الى القنوات والقدرات اللازمة للقيام بمثل هذه المساءلة. ولا تقتصر تلك القيود على الحالة المصرية، فقد نشأ جدال مشابه داخل المنظمات الحقوقية الأمريكية اللاتينية، إذ اعتبرت بعض المؤسسات أن الدفاع عن المعايير الحقوقية الدولية يضفي الشرعية على المنظمات الحقوقية، بينما احتج آخرون بأن المنظمات تمثل مجموعات غير منظمة، لا يمكنها إبداء الرضا ولا تقديم تفويض صريح. ولكن حتى في مثل هذه الحالات فإن الالتزام بالمساءلة يصبح أكثر أهمية. ومن شأن المساءلة التي تتم من خلال التشارك في المعلومات مع دوائر الجماهير أن تؤدي الى تطور في قدرة المنظمة على التمثيل وقناعة المُمثلين بشرعية هذا الفعل. وبالتالي يتطور التمثيل من خلال المساءلة مع مضي الوقت وتراكم الممارسة والثقة المتبادلة.32Kweitel, op. cit., p. 315.

ومن بين المنظمات التي أجريت معها مقابلات، تأسست اثنتان بعد 2011، ورغم أنهما وقت كتابة البحث كانتا مسجلتين ك "مكاتب محاماة"   إلا أن الهيكل المبدئي لهما كان موضوعًا على أساس أن تكونا منظمات قائمة على العضوية، ولهما فروع في عدة محافظات. وفي كل فرع أو مكتب كان من المقرر أن يوجد ثلاثة أعضاء وعدة متطوعين. لكن هذا الهيكل المزمع لم يشهد تطورًا أكبر، بسبب عودة المناخ القمعي السياسي والقانوني بدءًا من 2014، في واحدة من أسوأ الحملات القمعية على المنظمات غير الحكومية منذ ظهورها في ثمانينيات القرن العشرين.

وكما صرح رئيس واحدة من هاتين المنظمتين، "اضطررنا لتعليق برنامج المتطوعين، فهي مسؤولية هائلة ولا يمكننا تعريض الطلبة الشباب لخطر الاعتقال أو أية مسؤولية قانونية أخرى."

وقد استفاض المجلس الدولي لسياسات حقوق الإنسان في بحث إشكاليات التمثيل والمساءلة الجماهيرية للمنظمات الحقوقية، وخاصة في سياق الدول السلطوية. ويعترف المجلس أن "الواقع عادة ما يكون أكثر تعقيدًا بكثير." ويوضع على سبيل المثال أن "التواصل مع الجماهير قد يكون مقيدًا أو محدودًا، كما هو حال المنظمات العاملة نيابة عن أشخاص من المتوفين أو المختفين، أو نيابة عن السجناء، أو نيابة عن المحتجزين في أماكن سرية. والمنظمة التي تعمل لتحسين أوضاع مجموعة ما قد تصرح أيضًا بأنها لا "تمثل" تلك المجموعة ولا قضيتها. وفي حالات أخرى قد تنطوي القضايا التي تروجها المنظمات على دائرة جماهيرية عريضة أو مفرقة (على سبيل المثال، المناصرة لحماية البيئة أو تعزيز الوعي العام بالحقوق)."33(ICHRP) International Council on Human Rights Policy. ICHRP Online Discussion Forum on Human Rights Principles and NGO Accountability an Approach Paper. http://www.ichrp.org/approach_paper.pdf, last accessed November 2016, p.5

وقد أشارت واحدة من رؤساء المنظمات الذين أجريت معهم المقابلات إلى علاقة سلطة أخرى، بين المنظمات القاهرية المهنية المؤسساتية، والمبادرات النسوية اللا مؤسساتية الوليدة خارج القاهرة. وقالت في مقابلة: "لقد اشتغلنا مع تلك المجموعات وقدمنا لها الرعاية وبناء القدرات، وأراد الكثير منهم التحول إلى فروع للمنظمة في مجتمعاتهم المحلية، لكننا رفضنا بشكل جماعي. لا نريد للمبادرات الجديدة أن تكون نسخة منا، بل نريد لها التطور بشكل مستقل، داخل مجتمعاتها".

لكن رغم كل هذه التحديات فما زال بعض من أجريت معهم المقابلات يؤمنون بإمكانية إنشاء منظمة قائمة على العضوية، من شأنها تعزيز مساءلة المنظمات أمام المجتمع ودوائرها الجماهيرية، ومعالجة مسألة التمثيل.

وقال مدير إحدى المنظمات: "أنا لا أريد ابتلاع المبادرات الجديدة، فنحن نتطلع إلى عملية بطيئة من استيعاب الأعضاء الذين يؤمنون بحقوق الإنسان ويحترمونها. نحتاج لانتهاز القوة الدافعة المتولدة عن 25 يناير حول حقوق الإنسان، برغم كل الصعوبات، ويمكننا أن نبدأ بقبول عشرة أعضاء، ثم عشرة بعدهم يوصون بآخرين، وهكذا..."

العمل الجماعي والتنظيم الطوعي

في كل النقاشات والانتقادات المتعلقة بحوكمة المنظمات غير الحكومية ومحاسبتها وتمثيليتها، وفيما يتعلق بمزاعم فسادها واتهامها بعدم الشفافية، تتواتر الإشارات إلى التنظيم الطوعي والمواثيق السلوكية كإحدى الأدوات الكفيلة بتعزيز الحوكمة الداخلية في ذلك القطاع، وتشتمل الأمثلة على مؤتمر سنة 2004 للمنظمات غير الحكومية ذات العلاقة الاستشارية مع الأمم المتحدة (CONGO)، وميثاق السلوك الطوعي الذي خرج به المؤتمر والذي يشدد على المسؤوليات المرتبطة بالتمثيل. في العام نفسه أصدر الاتحاد العالمي للمنظمات غير الحكومية (WANGO)34World Association of Non-Governmental Organizations (WANGO), “Code of Ethics and Conduct for NGOs”, 2014, available at  www.wango.org/codeofethics/COEEnglish.pdf ميثاقا سلوكيا مماثلا. وفي 2006 تبنت أحد عشر منظمة غير حكومية دولية رائدة ميثاق المساءلة للمنظمات غير الحكومية الدولية.35من اجل مراجعة ميثاق المساءلة للمنظمات غير الحكومية الدولية والذي جرت صياغته أول مرة في عام 2005 وروجع في عام 2014 وأيضا على جهود أخرى في نفس الصدد يمكن مراجعة الرابط التالي   accountablenow.org/ وتتكفل هذه الوثائق والمواثيق بتغطية الحوكمة الرشيدة، والإدارة، وجمع التبرعات، وإشراك أصحاب المصالح المتعددين، كما تشير تحديدًا إلى احترام المبادئ الدولية (مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، والاستقلالية، والمناصرة المسؤولة، والفعالية في وضع البرامج، وعدم التمييز، والشفافية، والتمويل الأخلاقي.

وإلى جوار المواثيق السلوكية الدولية، كانت هناك محاولات مشابهة على المستوى الوطني في عدة بلدان، ففي منطقة آسيا والمحيط الهادي على سبيل المثال، هناك ميثاق السلوك الأسترالي، وميثاق المنظمات غير الحكومية الفلبيني، وميثاق LP3E الإندونيسي، والميثاق الأخلاقي الياباني للمنظمات التنموية، والميثاق السلوكي لمنتدى المنظمات الباكستانية غير الحكومية.36Kim, op. cit., p. 25.

وقد انصب معظم العمل الجماعي للمنظمات الحقوقية المصرية على تنسيق المواقف أو الأنشطة. وعلى الصعيد الأول تميز ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة (الملتقى) والمؤلف من ١٩ منظمة حقوقية. ومن أمثلة العمل الجماعي في نشاط محدد جبهة الدفاع عن المتظاهرين المصريين التي أسست كمجموعة غير رسمية من النشطاء والعاملين في المنظمات الوطنية للدفاع عن حق المواطنين في حرية التجمع، وتزويدهم بالمعونة القانونية في أعقاب إضرابات المحلة العمالية في 2008. ويعقد الملتقى جلسات غير دورية لتنسيق المواقف والنظر في الانشطة المشتركة والتي كان من أبرزها التقرير المشترك الذي قدمه الملتقى لمجلس حقوق الإنسان في ٢٠١٤ في اطار المراجعة الدورية الشاملة لاوضاع حقوق الإنسان في مصر.37مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، "في تقريرها للأمم المتحدة ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، ١٩ منظمة حقوقية: تدهور هائل في حقوق الإنسان في مصر في السنوات الأربع الماضية"، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤، متاح على   www.cihrs.org/?p=9580   ومن ناحيتها، تقدم الجبهة المساعدة القانونية المجانية للمتظاهرين المحتجزين، وتنشر المعلومات عن أوضاع المتظاهرين وخاصة عند اعتقالهم أو إحالتهم للمحاكمة في أنحاء البلاد. وقد نشطت الجبهة من قبل 2011، وهي تعتمد على المتطوعين بدلا من التنسيق المؤسساتي.

وكما شرح بعض من أجريت معهم المقابلات فقد حاولت المنظمات الحقوقية صياغة ميثاق سلوكي مشابه في عام 2000، وسط مخاوف من قانون الجمعيات القمعي لسنة 1999. لكن المحاولة لم تكلل للنجاح للأسف. لكن رغم غياب وثيقة عامة أو ميثاق أخلاقي للمنظمات الحقوقية، إلا أن النقاشات والمشاورات لم تنقطع، على أساس فردي، بين منظمات مختلفة. لكن بخلاف المشاورات الفردية فليس ثمة آلية للتشارك في ممارسات الحوكمة الفضلى من قبيل انتقاء أعضاء مجلس الإدارة وتفعيل أدوارهم، وانتقاء الرؤساء الجدد وتعيينهم، أو المساعدة في وضع لوائح داخلية مرنة وفعالة.

خاتمة

الحوكمة الداخلية للمنظمات غير الحكومية عامل أساسي لكفاءتها على الصعيد الداخلي وفعاليتها في الخارج ومصداقيتها في أعين الجمهور العام على السواء. ومع ذلك فقد يصعب تقييم وضع الحوكمة الداخلية للمنظمات بدون مراعاة السياق القانوني والسياسي شديد القمعية المحيط بها وبعملها. إن الاتهامات السياسية والتهديدات الأمنية تؤثر في مستويات الشفافية والإفصاح التي يمكن للمنظمات تحملها، بالنظر لالتزامها الأدبي والأخلاقي بحماية عامليها وجمهورها من احتمالات الاعتقال وغيره من أشكال التضييق القانوني والخارج عن نطاق القانون.

كما أن وجود قانون قمعي للجمعيات يثني دعاة حقوق الإنسان عن التطوع كأعضاء بمجالس إدارة تلك المنظمات وإلا وقعوا تحت طائلة القانون. ثم أنه يعقد العلاقة مع المانحين ويعرقل التطور نحو الشراكة المتبادلة. وتعمل البيئة القانونية والسياسية القمعية، قبل أي شيء آخر، على تعويق جهود التواصل والتوسع والاشتباك مع أعداد أكبر من أصحاب المصلحة.

ومع هذا كله فإن البيئة القانونية والسياسية ليست العنصر الوحيد المؤثر في الحوكمة الداخلية للمنظمات غير الحكومية، حيث أن ملامح الحركة الحقوقية ونشأتها وأساليب تطورها أثرت بدورها في الحوكمة الداخلية لمنظماتها ضمن الحركة الأعرض. ويمكن تقسيم هذه المراحل التطورية على النحو التالي:

  • نشأة الحركة وتطورها (1985 و2005)

في تلك المرحلة واجهت المنظمات عدة تحديات، أولها انقسام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في 1993 والثاني هو القانون القمعي رقم 159 لسنة 1999 الذي استبدل به لاحقًا القانون 84 لسنة 2002. في تلك المرحلة التأسيسية واجه الجيل الأول من المنظمات أسئلة عديدة ظلت تلاحق المنظمات فيما بعد، وعلى رأسها السؤال عما إذا كان من الأفضل إنشاء منظمات قائمة على العضوية أم تبني الهيكل المغلق المكون من خبراء. وقد عمل تسلل البعض (أو الخوف من تسلل المزيد) من غير المؤيدين لحقوق الإنسان إلى عضوية المنظمات على دفع منظمات تأسست لاحقًا إلى اختيار نموذج المنظمة المغلقة لتجنب هذا النوع من الاختراق. وبدلًا من تعيين مجالس حاكمة، تبنت المنظمات في تلك المرحلة نماذجًا مشوهة تعتمد على جمعيات عامة مكونة من العاملين وليس من أعضاء خارجيين، كحل بديل لمسالة الحوكمة الداخلية. والملمح الثاني لهذه المرحلة هو قرار الحصول على التمويل من الخارج، بعد أن اتجهت النوايا في البداية إلى الاعتماد الكلي على التبرعات المحلية والتمويل الذاتي. شهدت تلك المرحلة أيضًا نموذجًا هاما لتنسيق التحركات بين منظمات مختلفة، التنسيق الذي نجح في إلغاء قانون الجمعيات لسنة 1999.

  • الجيل الثاني من المنظمات (2005- 2010)

في تلك المرحلة تأسست منظمات جديدة على يد جيل شاب من المدافعين الحقوقيين، ورغم أن البيئة القانونية والسياسية في تلك المرحلة اتسمت بقمع أقل نسبيا إلا أن أسئلة الحوكمة الداخلية لم تجد حلًا شافيًا. لقد تعلمت المنظمات المؤسسة في تلك المرحلة من سابقاتها، وجاء على رأس الدروس أنه من المهم زيادة مشاركة العاملين في عملية اتخاذ القرار، وضبط السلطات الممنوحة للمؤسسين والرؤساء بدون ضوابط في أكثر الأحيان. وهكذا ظهر انشغال أكبر بعملية اتخاذ القرار، ومشاركة العاملين فيها وفي تصميم البرامج. ولكن لم تتم محاولات جدية لإنشاء مجالس إدارة ملتزمة وفاعلة، وكانت اللوائح الداخلية موجودة ولكنها غير مفعلة، أو ليس طوال الوقت على الأقل، كما خضعت سلطات الرؤساء لقيود محدودة من خلال إشراك العاملين وفرق الإدارة العليا. ومن حيث نطاق العمل، اتسمت المنظمات في تلك المرحلة بمهنية أكبر، ومزيد من التخصص في نوع معين من الحقوق مثل الحقوق الأكاديمية، والحقوق الشخصية، وحرية التعبير، وحقوق المرأة، إلخ. وفيما يتعلق بالتمويل الأجنبي تمكن هذا الجيل الجديد من المنظمات من بناء شراكات أقوى مع المانحين والهيئات الممولة، على أسس أكثر ندية، وتغلب على وصمة التمويل الأجنبي كواحدة من أكبر المعضلات التي واجهت الرعيل الأول من المنظمات.

  • مرحلة التوسع (2011- 2013)

في المرحلتين السابقتين تمكنت المنظمات من بناء علاقات متزايدة القوة مع دوائر المستهدفين بالدفاع عن حقوقهم والمعنيين بقضايا حقوق الإنسان، إلا أن مسألة المحاسبة لم تلق معالجة مرضية. كانت المنظمات تسعى إلى توسيع دوائر التواصل وحيز أنشطتها، بما في ذلك جغرافيًا، واستفادت في هذا من ثورة 25 يناير التي فتحت المجال العام على نحو درامي حيث تزايد حشد المواطنين واهتمامهم السياسي. وبدأت المنظمات في تلك المرحلة في توسع سريع يشمل نطاق العمل وامتداده الجغرافي على السواء. وظهرت مكاتب في محافظات مختلفة، وتضاعفت أعداد العاملين عدة مرات، وتزايدت جهود التواصل والاشتباك مع الجماهير، وتأسست منظمات جديدة. وخلال هذه المرحلة من التوسع المتسارع، وما صاحبها من تطورات سياسية متلاحقة، عادت تطل برأسها في النقاش الدائر بين المنظمات أسئلة مجالس الحوكمة والشرعية والمساءلة أمام الجمهور الأوسع. وبدأ بعض المنظمات ينظر في تفعيل مجالس إدارتها وتعزيز دورها، وقرر البعض الآخر معاودة النظر في نموذج "المنظمات القائمة على العضوية". إلا أن الحملة القمعية على المنظمات التي بدأت في منتصف ٢٠١٣ مع التحولات السياسية الدرامية في مصر وسقوط حكومة الأخوان المسلمين عرقلت التطورات الممكنة في مجال الحوكمة الداخلية، التي كانت المنظمات مضطرة للتصدي لها في مرحلة التوسع والنمو.

  • مرحلة التقييد والحملة القمعية (2013 - 2017)

وفي تلك الفترة وحتى كتابة هذه الورقة واجهت المنظمات الحقوقية واحدة من أقسى الحملات القمعية التي تصاعدت تدريجيًا، ولم تقتصر على تهديد وجود المنظمات ذاتها بل أمتدت لتمس عدد من أبرز المدافعين الحقوقيين، الذين جُمدت أصولهم المالية وممتلكاتهم أو مُنعوا من السفر خارج البلاد أو أضطروا للبقاء في منفى إختياري. واضطرت العديد من المنظمات إلى تقليص برامجها والاستغناء عن بعض العاملين، أو نقل أنشطة للخارج.وأفاد عاملون في عدد من هذه المنظمات أنهم اشتركوا بفعالية في عملية اتخاذ القرار المتعلق بمستقبل المنظمات وأثره على حرياتهم وحياتهم. ورغم أن المتوقع في أزمة كهذه هو تكثيف المنظمات لعملها الجماعي، وربما توحيد المواقف حيال التضييقات الحكومية، بحيث تتمكن من مقاومة حملة الدولة القمعية، إلا أن ردود أفعال المنظمات تباينت، ففضل بعضها اتباع مسار المناصرة الدولية، وفضل آخرون الاعتراض الداخلي على الحملة القمعية، وقررت مجموعة ثالثة أن تخضع للتسجيل بموجب القانون 84 لسنة 2002، أو تفعيل التسجيل القائم فعلًا في بعض الحالات. وتبنت بعض المنظمات مزيجًا من كل هذه الاستراتيجيات، لكن تنوع التحركات أضعف أثرها الجمعي ووقعها على الدولة.

وطوال تلك المراحل الأربع المختلفة، ظلت المنظمات الحقوقية تواجه معضلات مستعصية كان لها أثر مباشر في الحوكمة الداخلية كما راجعناها على نحو شامل في تحليل النتائج، وهذه المعضلات هي:

-إيجاد التوازن بين التحول المهني والبيروقراطية، وكيفية تفعيل اللوائح الداخلية، وإقرار التراتبيات والهياكل، وتعزيز آليات تعيين العاملين وتطوير مهاراتهم، إلخ، في إطار من المرونة التي تفسح المجال لإبداع النشطاء والمدافعين الحقوقيين. ومعظم العاملين في هذه المنظمات وقادتها نشطاء لديهم استجابة سلبية تلقائية للبيروقراطية وتحويل عملهم الى مهنة في إطار مؤسسي. بيد أن الاعتماد الكبير على التمويل الأجنبي الذي صار مورد الدخل الرئيسي لمنظمات عدة، كان يستلزم التحول المهني استجابة لاحتياجات المانحين لضمان الشفافية والمساءلة الداخلية وتقديم التقارير الدورية!

  • أوجد التمويل الأجنبي، حتى وإن كان بغير شروط واستجابة لمشروعات من تصميم المنظمات نفسها، تدابير تلقائية للمساءلة أمام المانحين. وما زالت كيفية التصدي لهذه المساءلة مع الاحتفاظ بالاستقلالية تشكل تحديًا. وعلاوة على هذا فإن بعض المنظمات الحقوقية والمدافعين الحقوقيين، عند تلقي التمويل الأجنبي، ظلوا عاجزين عن التغلب على الوصمة المرتبطة به، وعجزوا عن إثبات استقلالهم علنًا، بدلا من الاعتراف بأن هذا التمويل "شر لا بد منه". وفي واقع الأمر فإن التمويل المحلي قد لا يكون حلُا وهو على الأقل لا يخلو من المشاكل. فمثل هذا التمويل سيأتي في أغلب الأحيان من قطاع الأعمال المحلي ومن ثم فالأرجح أن يرتبط بأجندات سياسية أو اجتماعية تتعارض مع القضايا التي تناصرها المنظمات الحقوقية، مثل الحقوق البيئية لمجتمع محلي ما يعاني من التلوث الصناعي، أو حق السكن لمجتمع محلي يواجه رغبات ومشاريع مطوري المناطق الجذابة عمرانيا من أجل المشاريع التجارية أو الإسكان باهظ الثمن وهو أمر يورط شركات الأعمال هذه عادة في عمليات إخلاء جبري يحتاجون فيها الى دعم وقوة الاجهزة الحكومية.
  • يتعين على المانحين العمل مع المنظمات في صورة شراكة وبناء القدرات والدعم اللازمين لتطوير هياكل حوكمة ناجعة لهذه المنظمات، دون خوف من تهمة التدخل الخارجي في استراتيجيات المنظمات أو أجنداتها. وتسعى عدة منظمات لبناء علاقات شراكة وتعاون مع المانحين تقوم على الثقة المتبادلة، وهو ما يجب أن يدفع المانحين للتصرف كشركاء وتقديم الأدوات والآليات اللازمة لنمو المنظمات استراتيجيًا، وتشكيل مجالس الإدارة وإيجاد بيئة إدارية صحية داخل هذه المنظمات. ومع ذلك يظل إيجاد توازن بين الاجراءات والاقتراحات التي يمكن وصفها بالداعمة وتلك التي قد يشكو منها البعض بصفتها تدخلا، مسألة دقيقة وحرجة.
  • لا مفر من تحجيم سلطات المديرين التنفيذين للمنظمات عن طريق إشراك مجالس الإدارة في عملية الحوكمة. والمشكلة أن معظم المديرين هم أيضًا مؤسسون لهذه المنظمات، يخشون من تركها أو يعجزون عن القيام بمثل هذه الخطوة، مما يعرقل فرص تطور المنظمات ونموها. ويشعر بعض هؤلاء المؤسسون انهم ناضلوا "بعرقهم ودمائهم" من أجل إقامة هذه المنظمات وتنميتها مما يجعلهم عاجزين أحيانا عن تركها. ويؤدي هذا في أحيان كثيرة إلى وأد فرص المنظمة في النمو، ويتركها عالقة في توازن القوة القائم بين المؤسسين. ولكن من جهة أخرى، حين يوجد المدير والمؤسس المستعد للرحيل، فإن هناك صعوبة كبيرة في العثور على مدير جديد أو الاعتماد على مجلس إدارة ملتزم وفعال.
  • يظل بناء الدعم الجماهيري وتوسعة نطاقات التواصل الشعبية معضلة تواجه المنظمات الحقوقية وهو الأمر الذي يجعلها أيضا تفتقر إلى قنوات محلية حقيقية للمساءلة. وهذه المعضلة: معضلة إشراك الجماهير في عمليات صياغة الاستراتيجيات والسياسات، ووضع الأجندات وتحديد الأولويات، بدلا من الدخول في علاقة بين "محسنين" و"متلقين للإحسان"، أكثر المعضلات استعصاء على الحل. وتواجه المنظمات أيضًا تحدي تحقيق التوازن بين تمكين ودعم المبادرات الحقوقية وشبكات النشطاء الوليدة، وفي نفس الوقت تركها تنمو بصورة طبيعية في سياقاتها المحلية وبحسب احتياجات مجتمعاتها التي تعمل فيها. ورغم تمكن عدة منظمات من حشد شبكات من المتطوعين في عدة مواقع خارج القاهرة، وخاصة بعد ثورة 25 يناير، إلا أن ضمان إيمان هؤلاء المتطوعين الصادق بمبادئ حقوق الإنسان وقيمها واحترامهم لها يظل مهمة شاقة، ولكن لا بد منها إذا أرادت المنظمات القائمة حقًا، في مستقبل ما، أن تقف موقف المساءلة أمام هؤلاء المتطوعين أو الأعضاء، وبالتالي أمام المجتمعات المحلية التي تسعى لتمثيلها والدفاع عنها.

 [7] انظر الميثاق الآيرلندي في الرابط التالي www.governancecode.ie/about.php

Endnotes

Endnotes
1 Henry Veltmeyer, “Civil Society and Social Movements: The Dynamics of Inter-Sectorial Alliances and Urban-Rural Linkages in Latin America”, UNRISD Programme Paper Number 10, (2004), Maha Abdelrahman, “The Politics Of ‘Uncivil’ Society in Egypt”, Review of African Political Economy, 29:91 (2007), pp. 21-35, and Jenny Pearce, “NGOs and Social Change: Agents or Facilitators?”, Development in Practice, 3:3 (1993), pp. 222-227
2 Claire Mercer, “NGOs, Civil Society and Democratization: A Critical Review of Literature”, Progress in Development Studies, 39:2 (2012), pp. 151-179.
3 Lina Suleiman, “The NGOs And the Grand Illusions of Development and Democracy,” International Society for Third-Sector Research and Johns Hopkins University: Voluntas, 24 (2013), pp. 241–261.
4 Altan-Olcay, Ozlom & Icduygu, Ahmet, “Mapping Civil Society in the Middle East: The Cases of Egypt, Lebanon And Turkey”, British Journal of Middle Eastern Studies, 39:2 (2012), pp. 157-179.
5 Elizabeth Boulding, “Protest, Voting and Political Change:
The Effects of NGOs on Politics in Developing Democracies,” A Dissertation Submitted in Partial Satisfaction of the Requirements for the Degree, University of California, San Diego (2007).
6 See Maha Abdelrahman, “Civil Society Exposed, the Politics of NGOs in Egypt,” Cairo: AUC Book Press, 2004, and Hans Holmén and Magnus Jirström,” Look Who's Talking! Second Thoughts about NGOs as Representing Civil Society,” Journal of Asian and African Studies, 44:42 (2009), and Ranjita Mohanty, “Civil Society and NGOs”, The Indian Journal of Political Science, 63:2/3 (2002), pp. 213-232, and Jenny Pearce, (1993), op. cit..
7 انظر الميثاق الآيرلندي في الرابط التالي www.governancecode.ie/about.php
8 Mohamed El Agati, “Undermining Standards of Good Governance: Egypt’s NGO Law and its Impact on the Transparency and Accountability of CSOs,” The International Journal of Not-for-Profit Law, 9:2, (2007), p. 10.
9 David Renz, “Nonprofit Governance and the Work of the Board,” Midwest Center for Non-Profit Leadership, (2007), p. 1.
10 Mick Moore and Sheelagh Stewart, “Corporate Governance for NGOs?”, Development in Practice Journal, 8:3 (Aug. 1998), p. 336.
11 Renz, op. cit., pp. 2-3.
12 في 29 نوفمبر 2016 وافق مجلس النواب على قانون جديد للجمعيات الأهلية، إلا أنه لم يحصل على تصديق رئيس الجمهورية حتى 29 مايو 2017 بعد كتابة المسودة النهائية لهذه الورقة البحثية. وقد وصف السيد ماينا كياي، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات، وصف القانون "المزمع" بما يلي: "إذا تم العمل بهذا المشروع فمن شأنه هدم المجتمع المدني في البلاد طوال أجيال قادمة".
13 Heba Handousa, et. Al., “Egypt Social Contract, The Role of Civil Society,” UNDP: Egypt Human Development Report 2008, p. 92.
14 Mariez Tadros, “A Battle Half Won,” Al-Ahram Weekly, on 30 October-5 November 2003, available at  is.gd/zGabbx
15 ياسمين شاش، "مولد وتطور وتحديات الحركة الحقوقية في مصر"، مبادرة الإصلاح العربي، ٤ أغسطس ٢٠١٧، متاح على https://www.arab-reform.net/ar/node/1095
16 Moore and Stewart, op. cit., p. 336.
17 Juki Kim, “Accountability, Governance, and Non-governmental Organizations: A Comparative Study of Twelve Asia-Pacific Nations”, A paper submitted to the conference on Governance, Organizational Effectiveness, and the Nonprofit Sector in Asia Pacific, organized by the Asia Pacific Philanthropy Consortium, 2003, p. 24.
18 Mohanty, op. cit., pp. 213-232.
19 Handousa, op. cit., p. 92.
20 Nicola Pratt, “Human Rights NGOs and the ‘Foreign Funding Debate’ in Egypt”, in Anthony Tirado Chase and Amr Hamzawy (eds.), Human Rights in the Arab World: Independent Voices, University of Pennsylvania Press, 2007, p. 119.
21 Kim, 2003, op. cit., p. 5.
22 المرجع السابق، ص. 14.
23 Pratt, 2007, op. cit., p. 119.
24 Suleiman, op. cit., pp. 622-9.
25 International Council on Human Rights Policy (ICHRP), “Online Discussion Forum on Human Rights Principles and NGO Accountability: An Approach Paper”, available at www.ichrp.org/approach_paper.pdf, p. 5.
26 Juana Kweitel, “Experimentation and Innovation in the Accountability of Human Rights Organizations in Latin America”, International Journal of Human Rights, 11:20, June-December 2014, p. 313.
27 ICHRP, op. cit., p. 6.
28 المرجع السابق، ص. 5.
29 The Economist, “Angry and Ineffective,” 21/09/2000, available at www.economist.com/node/374657
30 شاش، مرجع سابق، ص 8-9.
31 Yara Abdel Wahed, “Egypt Post the January 25th Revolution: The Relationship between Non-Governmental Organizations and Networks of Activists,” a masters’ thesis submitted to the Public Policy and Administration Department, American University in Cairo, 2015.
32 Kweitel, op. cit., p. 315.
33 (ICHRP) International Council on Human Rights Policy. ICHRP Online Discussion Forum on Human Rights Principles and NGO Accountability an Approach Paper. http://www.ichrp.org/approach_paper.pdf, last accessed November 2016, p.5
34 World Association of Non-Governmental Organizations (WANGO), “Code of Ethics and Conduct for NGOs”, 2014, available at  www.wango.org/codeofethics/COEEnglish.pdf
35 من اجل مراجعة ميثاق المساءلة للمنظمات غير الحكومية الدولية والذي جرت صياغته أول مرة في عام 2005 وروجع في عام 2014 وأيضا على جهود أخرى في نفس الصدد يمكن مراجعة الرابط التالي   accountablenow.org/
36 Kim, op. cit., p. 25.
37 مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، "في تقريرها للأمم المتحدة ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، ١٩ منظمة حقوقية: تدهور هائل في حقوق الإنسان في مصر في السنوات الأربع الماضية"، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤، متاح على   www.cihrs.org/?p=9580

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.