مصر: ثمن التقاعس في الإصلاح الضريبي

تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه الورقة بالتعاون مع الزملاء والزميلات في منظمة “نساء من أجل العدالة“. لقراءة المقال كاملاً، يرجى الضغط على “حمّل PDF” على يسار الصفحة.

محامون مصريون يرددون شعارات خلال احتجاج على ضريبة القيمة المضافة المعتمدة حديثا، أمام محكمة النقض في القاهرة، مصر، 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2016. © EPA/محمد كمال

مقدمة

عانت الماليات العامة للدولة المصرية - كالماليات العامة لكثير من الدول - عجزاً شبه دائم، وبالرغم من أن قليلاً من العجز في ميزانيات الدول ليس بمفسد الثريد على الأقل بالنسبة لغالبية النظريات الاقتصادية السائدة، إلا أن العجز المستدام والمتفاقم في الميزانيات العامة له أطواره الانفجارية التي يعجز فيها الاقتصاد. ففي فترات الرواج الاقتصادي، يكثُر الاقتراض بشروط ميسّرة، ما يشجع الدول على الاعتماد على الاقتراض كمصدر ثانوي للتمويل لفترات ممتدة حتى يصبح مصدراً دائماً للتمويل. يأتي سوق المال بنهاية لكل فترة اقتراض سهل، لتضطر الحكومة إلى مواجهة الواقع الذي حاولت تجنّبه باستجلاب القيمة المستقبلية عن طريق الاقتراض. في هذا الظرف، تواجه الحكومة ثلاث أدوات، الاقتراض بسعر الفائدة الأعلى، التقشف وتقطيع أوصال برامج الخدمات والحماية الاجتماعية، ورفع الضرائب والجمارك.

الاقتراض بالسعر الأعلى هو الخيار الأول لكل حكومة، لسبب بسيط وهو أنه لا يتطلب إعادة صياغة العقد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة، ثمن ذلك هو تفاقم العجز، فالاقتراض بعد الأزمة كالاقتراض قبل الأزمة ليس حلاً ولكن مجرد تأجيل للأزمة، علّ السوق يتعافى وتذهب الأزمة أدراج الريح. بعد انتهاء إمكانية الاقتراض في الظروف الاقتصادية الراهنة للأزمة، تلجأ الحكومة إلى الاستعانة بكامل أدواتها ولكن بدرجات وتخوفات مختلفة جراء كل منها. فالتقشف دعوة للغضب الاجتماعي الواسع، وله آثاره الكارثية على الطبقات الفقيرة  والمتوسطة وعلى الاقتصاد الكلي جراء التخفيض المباشر في القدرة الشرائية لهذه الطبقات. فرض الضرائب من الناحية الأخرى يمكن اللجوء إليه لتوليد الموارد الممكنة، سواء من الاقتصاد كلية أو من القطاعات والطبقات التي تتركز فيها فوائض القيمة للمرور من الأزمة بأقل كم من التشاحن الاجتماعي.

كلما استفحلت الأزمة كلما اضطرت الحكومة إلى استخدام أدواتها أكثر وبحدة أكبر، فالديون ليست إلا ضرائب مؤجلة. فتبقى الضرائب هي مربط الفرس في كل أزمة اقتصادية. فكما تتراءى أمامنا ملامح لأزمة اقتصادية عالمية، تتراءى أيضاً تساؤلات؛ هل كان بإمكاننا أن نُقبل على هذه الأزمة بعبء أقل ومساحة أكبر للمناورة؟ في هذا الإطار نتناول السياسات الضريبية في السنين الماضية، وإن كان بالإمكان أفضل مما كان. فدور الضرائب الأساسي هو توفير احتياجات الحكومة المالية لتنفيذ الدور المنوط بها في العقد الاجتماعي رسمياً كان أو غير رسمي. لذلك تعتبر الضرائب مدخلاً رائعاً لفهم الاقتصاد السياسي لأي دولة. فالسياسات الضريبية أداة أساسية لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي، وتعبّر مباشرة عن الحسابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحركة لهذا الاقتصاد. في هذه الورقة نتطرق إلى الدور الرئيسي للضرائب في تمويل متطلبات العقد الاجتماعي من زاوية الكفاية وفاعلية التحصيل.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.