مستقبل وتحديات العمل الحقوقي في المنطقة العربية

arab-reform-initiative-reports-future-and-challenges-of-human-rights-action-in-the-arab-world

المقدمة

يواجــه المدافعــون والمدافعــات عــن حقــوق  النسان فــي المنطقــة العربيــة*1*هناك إشكالية في استعمال مصطلح المنطقة العربية أو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو ما شابه وخاصةً في التعرّض لحقوق الإنسان، حيث أن هذا النطاق الجغرافي في الأغلب ليس وحدة تحليلية جيدة مع الاختلافات الواسعة بين الدول النفطية وتلك غير النفطية وبين الممالك المستبدة والجمهوريات السلطوية، وبسبب وجود أقليات عرقية كبيرة غير عربية تعاني من هيمنة الأغلبية العربية كما هو الحال مع الأمازيغ والاكراد  والنوبيين والفور وغيرهم من الأقليات الكبيرة الموزّعة في أنحاء تلك المنطقة. كما يلعب شمول تعبير الشرق الأوسط لدول غير عربية كتركيا وإيران وخاصة لإسرائيل دوراً كبيراً في ذلك. عــدّة تحديــات تعيــد تشــكيل دور العمــل الحقوقــي وســبل عملـه وتأثيـره بفعـل تغيّـرات عولميـة وإقليميـة ّ ووطنيــة. وتســارعت هــذه التحدّيــات منــذ اندلاع حـركات مسـتمرّة وتحوّلات سياسـية كبيـرة فـي المنطقــة فــي مطلــع العقــد الــذي يقــارب علــى الانتهاء. وتواجـه الحركـة الحقوقيـة التـي تضـم فاعليـن أفـراد ومنظمات غيـر حكوميـة وتجمّعات وشــبكات أهليــة عابــرة للقوميــة وعولميــة ً ضغوطًا و/أو لا مبالاةً متزايــدة مــن جانــب حكومـات وقطاعـات مجتمعيـة متعـدّدة. ويخضـع الحقوقيّون لضغــوط متقاطعــة بســبب الزّخــم المتزايــد للحــركات القوميــة اليمينيــة وتزايــد العســكرة والأمننــة تجــاه الحــركات الاحتجاجية المتصاعــدة ضــد اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية، وكذلــك بســبب تدفّــق المهاجريــن غيــر النظامييــن فــراراً مــن أوضــاعٍ لا تُطاق فــي الجنــوب العالمــي نحــو المراكــز الحضريــة ودول الشــمال الغنــي. وأخيــرا، تتّســع الشــقوق فــي أبنيــة السياســة التمثيليــة والديمقراطيــة الإجرائية التــي كانــت تســمح للمجموعــات الحقوقيــة بممارســة الضغــوط والقيــام بأعمــال التمثيــل والمناصــرة.

وكانــت هــذه التحــوّلات والتأثيــرات، التــي تشــكل حاضــر ومســتقبل الحركــة الحقوقيــة، المحــور الأساسي لورشــة العمــل هــذه التــي ســعت لاستشــراف ســيناريوهات مســتقبلية للعمــل الحقوقــي، والتــي قــام بتنظيمهــا معهــد الأصفــري للمجتمــع المدنــي والمواطنــة فــي الجامعــة الأميركية فــي بيــروت بالاشتراك مــع مبــادرة الإصلاح العربيــة.

وانتظمــت ورشــة العمــل فــي عمّــان، الأردن فــي الرابــع والخامــس مــن شــباط/ فبرايــر، ٢٠٢٠ بالتعــاون مــع مركــز الفينيق للدراســات الاقتصادية والمعلوماتــي، وحضرهــا ٢٥ مــن العامليــن/ات فــي مجــال حقــوق الإنسان - مثلــوا ١٨ منظمــة مختلفــة، إقليميــة أو دوليــة. وحضرهـا نشـطاء فاعلـون مـن المغـرب وتونـس ومصــر والأردن ولبنــان وســوريا واليمــن، بينمــا تعــذّر حضــور ناشــطين مدعويــن مــن الجزائــر وليبيــا والســودان والعــراق والخليــج العربــي لأسـباب متعـدّدة سياسـية وأمنيـة. وجمعـت الورشــة بذلــك أكاديمييــن وسياســيين وممثليــن آخريــن للمجتمــع المدنــي ولهيئــات مانحــة مختلفــة.

الخلفية

بزغــت حركــة حقــوق الإنسان فــي دول عربيــة متعــدّدة فــي عقــد الســبعينيات مــن القــرن العشــرين وذلــك فــي صــورة منظمــات أهليــة تطوعيــة نشــأت علــى يــد ناشــطين سياســيين ومحاميــن. وتزامــن مــع تلــك الــولادة - وربمــا ســاهم فــي ظهورهــا - الانهيار البطــيء الممتــدّ لأيديولوجيات مــا بعــد الاستقلال وخاصــة القوميــة العربيــة منهــا. وبالتــوازي مــع تطــوّرات تنظيميّــة مشــابهة فــي العالــم الصناعــي، تعمّقــت هــذه الحركــة وتمأسســت مــع تنامــي دور الخطابــات الحقوقيــة التالــي لانهيــار المعســكر الاشتراكي فــي أواخــر الثمانينيــات وأوائــل التســعينيات. وبلغــت الحركـة الحقوقيـة مكانـة مهمّـة داخـل وخـارج المنطقـة منـذ مطلـع القـرن الواحـد والعشـرين وحتّـى اندلاع انتفاضـات الربيـع العربـي والحـراك الاجتماعي الهـادر فـي المنطقـة فـي ٢٠١٠/٢٠١١ .

ورغــم أنّ الأطر القانونيــة والمؤسســاتية التــي كُرِّســت لتنظيــم كونــي لحقــوق ّ الإنسان، ظهــرت كلهــا فــي الســنوات القليلــة التاليــة لنهايــة الحــرب العالميــة الثانيــة فــي الأربعينيات، إلّا أنهــا لــم تُثمــر عــن منظمــات وحركــة اجتماعيــة حقوقيــة واضحــة ومتمايــزة حتّــى الســبعينيات - عندمــا انتهــى العمــل فــي معظــم المعاهــدات المُكوِّنــة للشــرعة الدوليــة لحقــوق الإنسان وبروتوكولاتها. وزاد زخــم هــذه التنظيمــات الحقوقيــة مــع انهيــار الاتحاد الســوفياتي ومعــه الأحلام الطوباويــة حــول اشــتراكية اجتماعيــة واقتصاديــة تقودهــا الدولــة لصالــح الجميــع.

وفــي العقــد الأول مــن القــرن الحالــي عملــت الحركــة الحقوقيــة تحــت ضغــوط متلاحقة مــع تزايـد الانتهاكات المنهجيـة الواسـعة للحقـوق المدنيــة والسياســية بســبب الحــرب الكونيــة علـى الإرهاب عقـب هجمـات سـبتمبر ٢٠٠١ ،كمـا توجّــب علــى الحركــة أيضــاً أن توجِّــه اهتمامــاً أكبــر للحقــوق الاقتصادية والاجتماعية التــي تضــررت بشــدة مــن جــراء أزمتيــن اقتصاديتيــن طاحنتيــن (١٩٩٨ و٢٠٠٨).

Endnotes

Endnotes
1 *هناك إشكالية في استعمال مصطلح المنطقة العربية أو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو ما شابه وخاصةً في التعرّض لحقوق الإنسان، حيث أن هذا النطاق الجغرافي في الأغلب ليس وحدة تحليلية جيدة مع الاختلافات الواسعة بين الدول النفطية وتلك غير النفطية وبين الممالك المستبدة والجمهوريات السلطوية، وبسبب وجود أقليات عرقية كبيرة غير عربية تعاني من هيمنة الأغلبية العربية كما هو الحال مع الأمازيغ والاكراد  والنوبيين والفور وغيرهم من الأقليات الكبيرة الموزّعة في أنحاء تلك المنطقة. كما يلعب شمول تعبير الشرق الأوسط لدول غير عربية كتركيا وإيران وخاصة لإسرائيل دوراً كبيراً في ذلك.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.