مبادرة الإصلاح العربي تَنْعَى ببالغ الحزن والأسى وفاة بسمة قضماني

(باريس - 2 آذار/مارس 2023) تَنْعَى مبادرة الإصلاح العربي ببالغ الحزن والأسى وفاة الدكتورة بسمة قضماني، المديرة التنفيذية السابقة لمبادرة الإصلاح العربي، وعضوة مجلس إدارتها، التي وافتها المنية في 2 آذار/مارس 2023، بعد صراع طويل مع مرض حاربته بشجاعة وتصميم جديرين بالإعجاب. كانت بسمة مثقفة شغوفة وناشطة ملتزمة من أجل سوريا، بلدها الحبيب، والمنطقة العربية ككلّ والتي كانت تطمح أن تراها حرة ومزدهرة. فهي شخصية مُلهمة، ومحللة بارعة، وزميلة وصديقة حنونة وكريمة بشكل استثنائي، وستترك فراغاً من المستحيل ملؤه.

لم تكن مبادرة الإصلاح العربي قائمة اليوم لولا بسمة قضماني. ففي عام 2004، وفي أعقاب الجهود الوخيمة الرامية إلى تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية من خلال الغزو العسكري وتغيير النظام المفروض من الخارج، تأسست مبادرة الإصلاح العربي من أجل بناء أجندة محلية للإصلاح السياسي والاجتماعي، وكانت بسمة على رأسها. فقد كانت رؤيتها لكيفية تسخير البحث والمعرفة لتعزيز التغيير من الداخل، من خلال بناء الخبرات وشبكة من الباحثين وصانعي السياسات وأصحاب المصلحة الملتزمين بالتحول السياسي في المنطقة، إلى جانب التزامها بالتعبير عن أولئك الذين غالباً ما لا تلقى أصواتهم ووجهات نظرهم آذاناً صاغية على الصعيدين الوطني والدولي، بمثابة مخطط عمل لمبادرة الإصلاح العربي منذ ذلك الحين.

لعل محاولة إيجاز جميع أعمال بسمة ومساهماتها وابتكاراتها وتأثيرها ستكون مهمة مستحيلة. لكن بدلاً من ذلك، نود أن نسلط الضوء على القليل من إنجازاتها العديدة التي تعطي لمحة عن براعتها وجرأتها وطبيعة عملها الرائدة حقاً. فقد ترأست بسمة أحدث البحوث في القطاعات الأمنية العربية، وقادت الجهود الأولى على الإطلاق الرامية إلى إشراك ممثلي المؤسسات الأمنية في حوارات السياسة مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، ووضع أطر مفاهيمية جديدة لفهم العلاقة بين الأمن والاستبداد في المنطقة العربية. فقد جمعت بين الإسلاميين والعلمانيين في حوار مستمر حول القضايا الخلافية من أجل تأسيس رؤية إصلاحية مشتركة لإرساء ديمقراطية هادفة ودائمة. وأطلقت مؤشر الديمقراطية العربي، وهو مشروع خاص على مستوى المنطقة لقياس التحول الديمقراطي في جميع أنحاء المنطقة. وكل هذا قبل الأحداث الكارثية عام 2011.

في خضم الانتفاضات العربية التي اندلعت عام 2011 والتحولات الهائلة التي شهدتها المنطقة في أعقاب الثورات، أضافت بسمة بُعداً جديداً لعملها. ففي عام 2011، شاركت في تأسيس المجلس الوطني السوري، وبعد ذلك أصبحت عضوةً في اللجنة الدستورية، وشاركت في مباحثات جنيف بصفتها عضوة في هيئة التفاوض السورية. وفيما يتعلق بعملها معنا، فقد اتسمت هذه التجربة بأنها تطبيقاً عملياً وشخصياً: فقد وضعت سنوات عديدة من الدراسة والبحوث في عمليات الصراع وبناء السلام، وإرساء الديمقراطية، وبناء الدولة بشكل عادل ومنصف موضع التنفيذ. بيد أنه، على الرغم من أن نشاطها من أجل القضية السورية تتطلب قدراً هائلاً من وقتها وطاقتها، فإنها لم تفقد معنوياتها قط ولا تفانيها للعمل في مبادرة الإصلاح العربي. بل على العكس من ذلك، فقد شهدت مبادرة الإصلاح العربي توسعاً كبيراً خلال هذه الفترة ووضعت مسارات جديدة للبحوث تعكس الحقائق المتغيرة في المنطقة وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة. ففي ظل إدارتها، أجرت مبادرة الإصلاح العربي تقييماً لانهيار الدول القومية في المنطقة وما هو مطلوب لإعادة بنائها، ودق ناقوس الخطر بشأن المخاطر المتعلقة بتفكيك الكيانات الوطنية القائمة. وسعت دائماً إلى تحديد مساحات المشاركة وإيجاد الناشطين طرقاً إبداعية وبديلة للدعوة إلى إصلاح وإعادة بناء هيئاتهم الوطنية. وواصلت وضع مبادرة الإصلاح العربي بوصفها حافز لتعزيز الأوساط الاجتماعية للتعبير عن أجندتها وخوض المعارك المحددة من أجل التغيير الديمقراطي.

في عام 2019، استقالت بسمة من إدارة مؤسسة مبادرة الإصلاح العربي لكنها ظلت معنا بوصفها عضوةً في مجلس الإدارة، ولم تتوانَ في تقديم النصائح السديدة والرؤى الاستراتيجية الثاقبة والتشجيع والدعم المتفاني على كافة الأصعدة. وبالرغم من أن حزننا على وفاتها سيرافقنا لأمد بعيد، فإن إرثها سيستمر من خلال عملنا والتزامنا بتعزيز السياسات التشاركية والعدالة الاجتماعية والمساءلة والحقوق الكاملة والمتساوية في جميع أنحاء المنطقة. فقد تركت أثراً لا يُمحى على المنظمة والعاملين فيها، ونحن على يقين أيضاً أنها تركت بصمة خالدة في جموع الأشخاص الذين لمست حياتهم.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.