مقدمة
مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة (COP) هو هيئة صنع القرار لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCC) المكلفة بالتفاوض وتقييم اللوائح الدولية بشأن الحد من تغير المناخ الذي يتسبب فيه نشاط الإنسان، على النحو المنصوص عليه في بروتوكول كيوتو لعام 1997 . في كل عام، يُنظّم مؤتمر الأطراف في بلد مختلف حيث يقرر الدبلوماسيون والسياسيون والنشطاء والصحفيون من جميع أنحاء العالم أفضل مسار للعمل للحد من أسباب وتأثيرات تغير المناخ والسيطرة عليها.
عُقد أول مؤتمر أطراف لتغير المناخ في الشرق الأوسط في عام 2001، حيث اجتمع المندوبون في مراكش بالمغرب لحضور مؤتمر التغير المناخي (COP7)، واتفقوا على تبني مزيد من اللوائح الخاصة بسوق الكربون العالمية . وبعد أكثر من 10 سنوات، انعقد مؤتمر الأطراف مرة أخرى في الشرق الأوسط في عام 2012، عندما استضافت قطر (COP18)، ووافق المندوبون على تمديد بروتوكول كيوتو حتى عام 2020. ومع ذلك، تعرض هذا المؤتمر للانتقادات بوصفه "مؤتمراً ذي طموحات منخفضة" نظراً لاعتماده تعهدات اعتبرها العديد من المحللين مخيبة للآمال . من ناحية أخرى، كان أحد الإنجازات الرئيسية لهذا المؤتمر هو إحراز بعض التقدم في مفهوم الخسارة والأضرار، والفكرة التي مفادها أن بعض البلدان التي تواجه مخاطر استثنائية يمكنها أن تسعى للحصول على مساعدة مالية خاصة، عندما تواجه حالة طوارئ مناخية.
استمرت المناقشات حول التعهدات المناخية حتى (COP21) في عام 2015، وهو ما أسفر عن اتفاقية باريس. طالبت الاتفاقية بجهد جماعي لتقييد الاحتباس الحراري بمقدار درجتين مئويتين، مع طموح مثالي بتخفيضه بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، وهو الأمر الذي يتطلب خفضاً بنسبة 50٪ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050 . ورغم أن هذا الهدف الأخير لن يمنع الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والجفاف، والتصحر، إلا أنه يعتبر الحدّ التي سيصبح عنده التأثير المرتبط بتغير المناخ مدمراً، ويصعب إدارته . علاوة على ذلك، يُقدِّر العلماء أن الاتفاق على حد الدرجتين، بدلاً من حد الـ 1.5 درجة، من شأنه أن يُعرض 420 مليون شخص آخرين لموجات حرارة مدمرة، وتلف في المحاصيل على نطاق واسع في المناطق المعرضة للخطر مثل أفريقيا أو الشرق الأوسط .
ولتحقيق هذه الأهداف؛ تقدم البلدان إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المساهمات المحددة وطنياً، التي تُدرج فيها خططها لتقليل وتخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيف مع آثار تغير المناخ. تختلف المساهمات المحددة وطنياً على نطاق واسع بين البلدان اعتماداً على تأثير الكربون، ومدى تأثرها بتغير المناخ، واستعدادها لمعالجة القضايا الملحّة. أكد مؤتمر الأطراف (COP26) في غلاسكو على أهمية البقاء تحت حد الـ 1.5 درجة مع الدول التي أعادت تأكيد تعهداتها والموافقة على تقديم مساهمات وطنية جديدة وذات طموحات أوسع؛ وللمرة الأولى، كان هناك اتفاق تاريخي بشأن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري ، كما وعدت الدول المانحة بزيادة تعهداتها. فعلى سبيل المثال، سعت الولايات المتحدة إلى مضاعفة تعهداتها الحالية إلى ما يقدر بـ 11.4 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2024، منها 3 مليار دولار مخصصة للمساعدة في التكيف مع التغير المناخي ، كما قالت المملكة المتحدة أيضاً إنها تعتزم مضاعفة تعهداتها لتمويل المناخ إلى 11.6 مليار دولار بين عامي 2020 و2025 .
عاد مؤتمر الأطراف لتغير المناخ هذا العام إلى الشرق الأوسط، حيث تستضيف مصر قمة المناخ (COP27) في شرم الشيخ بين 6 و18 تشرين الثاني/نوفمبر. الرهانات في هذا المؤتمر واضحة جدًا؛ فالعديد من البلدان إما لم تقدم مساهمات وطنية جديدة أو قدمت مساهمات أقل من المتوقع. ووفقاً لباحثي الأمم المتحدة، فالأمر لا يقتصر على أننا نقترب بشكل خطير من تجاوز حد الـ 1.5 درجة ، بل الكارثة الأكبر هي أنه من المحتمل أننا في طريقنا لنشهد ارتفاعاً كارثياً في درجات الحرارة بمقدار 2.8 درجة بحلول نهاية القرن.
ستكون منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من بين أكثر المناطق تضرراً في العالم، مما يجعل مؤتمر (COP27) في مصر ذا أهمية قصوى للضغط من أجل الحفاظ على حد الـ 1.5 درجة، ولطرح أدلة جديدة من شأنها أن تحث البلدان المتقدمة على تقديم مزيد من التمويل المناخي والالتزام بتبني آليات الخسائر والأضرار. ومع ذلك، فإن نشطاء المناخ - الذين يعدون جزءاً أساسياً منذ فترة طويلة من مفاوضات مؤتمر الأطراف - قد دقوا ناقوس الخطر بشأن سجل حقوق الإنسان في مصر، خوفاً من أن مؤتمر المناخ (COP27) في مصر ليس مكاناً آمناً يستطيع فيه نشطاء البيئة وحقوق الإنسان مناقشة وعرض مواقفهم علانية.
تستعرض هذه الورقة التحديات المتعلقة بمؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP27) وتبحث في المخاطر التي تدق أبواب العالمَين الأفريقي والعربي، والتحديات المحيطة بقضايا تمويل المناخ والخسائر والأضرار، لا سيما فيما يتعلق بأهداف اتفاقية باريس؟ كما يقدم العديد من التوصيات حول كيفية إعادة التفكير في هذه التحديات.
ما هي المخاطر التي تهدد البلدان الأفريقية والعربية؟
بالنسبة لمصر، يعد مؤتمر المناخ (COP27) فرصة للدول العربية والأفريقية لرفع سقف مطالبها واستراتيجياتها، لا سيما فيما يتعلق بتمويل المناخ . فعلى الرغم من كونها تتعرض بشدة لتأثيرات تغير المناخ (على سبيل المثال، قد يُهجّر ما يقارب الـ 700 مليون أفريقي بسبب الجفاف بحلول عام 2030 ) وفقدانها من 5 ٪ إلى 15 ٪ من أثر نموها الاقتصادي السنوي على الفرد بسبب آثار التغير المناخي؛ إلا أن مطالب أفريقيا أُهملت منذ فترة طويلة في مفاوضات المناخ الدولية، وفي توزيع تمويل المناخ . وذلك مرده لأسباب عدة، منها عدم اهتمام المستثمرين بتنمية أفريقيا، فمن بين المليارات التي تُقدم في تمويل المناخ، لم يُخصّص لأفريقيا سوى 5.5٪ فقط من تعهدات تمويل المناخ العالمي ، بينما تُقدر احتياجاتها الحقيقية بين 1.3 و1.6 تريليون دولار أميركي بين 2020 و2030، إذا كان لها أن تصل إلى أهدافها الإنمائية وتفي بالمساهمات المحددة وطنياً . ومن ثم؛ تعتزم مصر استخدام موقعها الجغرافي الفريد ووزنها الدبلوماسي وعلاقاتها الجيدة مع الغرب لتسهيل الحصول على تمويل المناخ وضمانه للدول الأفريقية . بالإضافة إلى ذلك، تريد مصر تعزيز التعاون بين دول جنوب الكرة الأرضية وأن تصبح صوتهم الرائد . ولتسليط الضوء على تركيز مؤتمر الأطراف هذا على أفريقيا، عقدت الحكومة المصرية النسخة الثانية من منتدى مصر للتعاون الدولي في عاصمتها الإدارية الجديدة في أيلول/سبتمبر 2022، حيث دعت خلالها المشاركين من جميع أنحاء أفريقيا لصياغة استراتيجية مشتركة لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP27) . وشدد المنتدى على أهمية زيادة التمويل المختلط، والمُيَسّر، وكذلك المعونات المقدمة إلى البلدان النامية، وأعلن "الحاجة إلى تجنب المقاربات التي تشجع على سحب الاستثمارات المفاجئة من الوقود الأحفوري، لأن هذا... من شأنه أن يهدد تنمية أفريقيا".
أما في الشرق الأوسط، فقد يؤدي عدم وجود تحرك عالمي إلى جعل المنطقة بأكملها غير صالحة للسكن، حيث يمكن أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 5 درجات بحلول نهاية القرن . حتى على المدى القصير، يبدو المستقبل محفوفاً بالمخاطر، حيث تشهد المنطقة بأكملها حالياً درجات حرارة عالية تتجاوز أعلى الدرجات المُسجّلة، وتصحرًا متفشياً، وعواصف رملية متكررة. في بعض البلدان مثل لبنان وسوريا وإيران، يتعرض النظام السياسي والاجتماعي - المضطرب بالفعل - لمزيد من التهديدات بسبب عجز الدولة عن مساعدة سكانها على مواجهة مناخ يزداد تطرفاً بوتيرة سريعة ، ومن المتوقع أن تؤدي تأثيرات الاحتباس الحراري إلى زيادة التوترات المرتفعة بين الدول المُتنازِعة مثل سوريا وتركيا، اللتين تتنافسان على السيطرة على نهر الفرات بسبب حالات الجفاف الآخذة في التوسع . وفي هذا السياق، سعت الدول العربية إلى رفع صوتها والكشف عن مخاوفها خلال مفاوضات مؤتمر الأطراف؛ إذ توحدت 22 دولة عربية في كتلة واحدة مع المملكة العربية السعودية بصفتها المفاوض الرئيسي. من الناحية التاريخية؛ لقد دعموا الجهود المبذولة لتحسين جهود التكيف والتخفيف من حدة التغير المناخي، وفضلوا منح القروض في تمويل المناخ ، وخلال مؤتمر المناخ (COP27) تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم 2.5 مليار دولار لمبادرة الشرق الأوسط الخضراء التي تسعى إلى تقليل انبعاثات الكربون الإقليمية بنسبة 60٪ في السنوات القادمة .
بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت كل دولة عربية - باستثناء اليمن وليبيا لأنهما لم يكونا ضمن أطراف اتفاقية باريس - المساهمات المحددة وطنياً. على سبيل المثال، تتصور رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 أن 50٪ من إنتاجها من الطاقة بحلول عام 2030 سيُصنَّع من مصادر متجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح . إلا أن الفساد المتغلغل والأزمة السياسية والاقتصادية التي لا تنتهي أبداً قد ألقت بظلالها على جدوى خطط المناخ تلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، إذ إن اقتصادات العديد من بلدان الشرق الأوسط تعتمد جزئياً أو كلياً على تلويث الموارد الطبيعية؛ بل إن بعض البلدان - مثل لبنان وتونس - ترى في استغلال الغاز الطبيعي حلاً لاقتصاداتها المتعثرة . أما المملكة العربية السعودية - زعيم الكتلة العربية - فلديها أيضاً تاريخ طويل في عرقلة العمل المناخي ، وخلال مؤتمر المناخ (COP26)، زعمت هيئة الإذاعة البريطانية أن المملكة العربية السعودية - مع أستراليا والصين - تسببت في تباطؤ التحول عن الوقود الأحفوري .
لقد علقت كلٌ من الدول العربية والأفريقية آمالاً كبيرة على مؤتمر المناخ (COP27) باعتباره فرصة لتقديم حجج تدفع نحو تجديد المساعدة في التعامل مع تغير المناخ باعتبارها طريقة لمواجهة التهديدات البيئية التي تلوح في الأفق. ويبقى أن نرى كيف سيحدث ذلك خلال مفاوضات المؤتمر مع استمرار استغراق الدول الأفريقية والعربية في المصالح المتنافسة؛ ففي حين تسعى الدول الغنية بالنفط والغاز إلى تبوؤ مكانة رائدة في مجال التنمية المستدامة، فإنها لا تزال تعتمد حتى الآن على الوقود الأحفوري وتخطط للحفاظ على الإنتاج وفقاً لمتطلبات السوق العالمية، مما يلقي بظلال من الشك على التزامها باتفاقية باريس .
ما هي المخاطر التي تهدد نشطاء البيئة؟
النشطاء هم الجهات الفاعلة المركزية في مفاوضات مؤتمر الأطراف للتغير المناخي؛ إنهم يمثلون أصواتاً شعبية لا تجد دائماً تمثيلاً مناسباً داخل الحكومات. يضطلع النشطاء من جنوب الكرة الأرضية على وجه الخصوص بدور مهم، لأنهم يمثلون الشعوب التي ستتضرر بشكل أكبر إذا لم تُستوفى تعهدات المناخ ؛ وبهذا يمكن للنشطاء أن يكونوا هم ألسنة وأصوات الملايين الذين يعتمد مصيرهم على نتائج المفاوضات.
بيد أن هناك مخاوف من أن النشطاء لن يتمكنوا من أداء دورهم في مؤتمر الأطراف هذا بسبب تقلص الفضاء المدني في مصر. تعرض العديد من نشطاء حقوق الإنسان للسجن على مر السنين، وفي كثير من الأحيان كان ذلك دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة ، كما لفتت قضية الناشط الحقوقي المصري البريطاني علاء عبد الفتاح انتباه العالم، خاصة أنه دخل مؤخراً في إضراب عن الماء . في الفترة التي سبقت مؤتمر قمة المناخ (COP27)، قبضت الشرطة المصرية على النشطاء واحتجزتهم على خلفية العصيان السلمي ، وأفادت منظمات حقوق الإنسان الدولية أن العديد من المنظمات غير الحكومية المصرية قد منعتها الحكومة من الوصول إلى قمة المناخ (COP27)، مما يشير إلى أن مصر تسعى إلى تحييد أولئك الذين انتقدوا سياساتها . لم يُمنح الإذن بالحضور إلا لـ 35 منظمة بيئية غير حكومية سبق لها أن عملت بالفعل وتعاونت مع الحكومة في مشاريع أخرى . ذكر النشطاء أيضاً أنهم واجهوا صعوبات في الحصول على تأشيرات لدخول مصر، أو العثور على سكن بأسعار معقولة في شرم الشيخ باهظة الثمن . وقد أدى ذلك إلى مخاوف من أن الحكومة المصرية تسعى إلى إحكام السيطرة على السردية التي ستظهر في مؤتمر المناخ (COP27) ومحاولة منع سيطرة الحديث عن سجلها في مجال حقوق الإنسان والبيئة على المؤتمر .
في مقابلة مع "وكالة أسوشيتيد برس"، نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري هذه المزاعم، وقال إنه سيكون هناك "منشأة مجاورة لمركز المؤتمرات" حيث سيتمكن النشطاء من الاجتماع والتجمع بشكل منفصل عن المكان الرئيسي. بالإضافة إلى ذلك، سيُمنح المشاركون "حق الوصول - في إحدى المفاوضات - إلى صالة المفاوضات الرئيسية نفسها" . وعلى حد قول الباحثة حفصة حلاوة "تريد مصر حصد الاعتراف الدبلوماسي، ويتمثل جزء من ذلك في فتح ذراعيها – ولكن بقدر محدود – لدعاة المجتمع المدني، لأن ما تفعله مصر هو تسويق نفسها على أنها حكومة ذات تفكير مستقبلي نشط في التحول للطاقة النظيفة". ومع ذلك، فإن الناشطين الذين مُنحوا حق الوصول إلى قمة المناخ (COP27) هم في الواقع من المعارضة المُقيّدة، وغير قادرين على التشكيك في أصول السياسة البيئية للبلد. ومن ثم فإن مؤتمر الأطراف هذا يشهد تكميم ومنع أولئك الذين كان من الممكن أن يكونوا صوت السكان في الطرف الذي يتحمل أسوأ تبعات أزمة المناخ، ومن غير المؤكد ما إذا كان مؤتمر الأطراف هذا سيكون قادراً على تلبية مطالب وتحديات أولئك الذين يرون فيه طوق نجاة. فبدون مشاركة كافية وحرة من النشطاء، فإن قمة المناخ (COP27) تخاطر بعدم معالجة التجربة الحية للملايين في جميع أنحاء العالم بشكل صحيح، وبالتالي تستمر المفاوضات في التركيز فقط على الموضوعات المجردة، وليس على الحقائق المادية.
فخ تمويل المناخ
يتمثل أحد الأهداف المعلنة لمؤتمر المناخ (COP27) في تعزيز آليات تمويل المناخ، وتحسين إمكانية الوصول إلى تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها، ونأمل أن تتجاوز التعهدات التي قُطعت العام الماضي. بحلول عام 2020، جُمع ما يربو على 83 مليار دولار على مستوى العالم في إطار تمويل المناخ، وبحلول عام 2022 تعهدت الحكومات والشركات المتعددة الجنسيات والمقرضين من القطاع الخاص، بتقديم ما يُقدر بنحو 96 مليار دولار سنوياً، وقد يتجاوز ذلك حاجز 100 مليار دولار في عام 2023. بيد أن هذا الحاجز كان من المفترض أن يتم الوصول إليه عام 2020، مما دفع الكثيرين إلى القول إن الجهات المانحة تتخلف عن الوفاء بتعهداتها. وإذا نظرنا إلى الوضع الراهن نظرة أشمل فسوف يتبين لنا أن تعهدات تمويل المناخ قد تزايدت على نحو مضطرد في العقد الماضي، حيث ارتفعت بنسبة 56% من 52 مليار دولار في عام 2013 إلى 83 مليار دولار في عام 2020. بيد أنه يتعين الحفاظ على هذا الزخم للوصول إلى التعهد بتقديم 1 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030. ولكن لكي يظل تغير المناخ أقل من 1.5 درجة مئوية، فلا بد من تخصيص ما يُقدر بنحو 1.6 إلى 3.8 تريليون دولار لتمويل المناخ، وهذا يعني أن التعهدات الحالية غير كافية إلى حد كبير، وأن الحكومات في البلدان المتقدمة تواجه تحديات محلية كبيرة لجمع التمويل.
وراء هذه التعهدات السامية تكمن حقيقة معقدة فيما يتعلق بتمويل المناخ. فعلى سبيل المثال، على الصعيد العالمي، وزع غالبية تمويل المناخ لدعم مشاريع التخفيف من آثار تغير المناخ، مما يترك القليل للغاية لمشاريع التكيف مع تغيرات المناخ. فبين عامي 2000 و 2019 كان من المقدر أن يوزع 65% من إجمالي تمويل المناخ لدعم مشاريع التخفيف من حدة تغير المناخ، والتي غالباً ما تُعد استثمارات مربحة أكثر بكثير. وبالإضافة إلى ذلك، يذهب معظم التمويل المخصص للتكيف إلى البلدان النامية، بينما معظم التمويل المخصص للتخفيف يُقدم إلى البلدان المتوسطة الدخل، نظراً إلى أنها تميل إلى أن تكون أكثر ملاءمة من الناحية المالية ومناسبة على نحو أكثر للأعمال والمشروعات. وفوق كل ذلك تكمن قضية أن تمويل المناخ يُقدم على هيئة قروض وليس منح. وعلى حد تعبير ميمونة أبو عمير، الناشطة في مجال التغير المناخي، فإن "الاتجاه نحو القروض ينطوي على إشكالية كبيرة لأن القروض يجب سدادها بفائدة ولأنها تُقدم عادة للمشاريع التي يمكن أن تظهر عائداً على الاستثمار، ولذا من غير المحتمل أن تُقدم لتمويل المشاريع المصممة لمساعدة البلدان على أن تصبح أكثر قدرة على التكيف".
من الصعب للغاية تقدير الأرقام الدقيقة بشأن تمويل المناخ. وفقاً لتقديرات منظمة "أوكسفام" فإن نحو 75% إلى 80% من إجمالي تمويل المناخ في عام 2018 قُدم على هيئة قروض. وبحسب تقديرات دراسة أخرى أجرها مجموعة من الباحثين السويسريين فإن 82% من هذه الأموال قدمت كمنح لتمويل جهود التكيف في عام 2019، بينما قُسم تمويل جهود التخفيف إلى 54% للقروض و 44% للمنح. ويُعزى هذا التناقض إلى أن إحصاءات تمويل المناخ هي تقارير ذاتية إلى حد كبير، مما يعني أن الدول تأخذ على عاتقها مسؤولية تقديم التقارير حول حجم مساهمتها، باستخدام مقاييسها وتعريفاتها الخاصة لما يمكن وصفه تمويلاً للمناخ. وتشكل القروض، التي تتسم بأسعار فائدة مرتفعة أحياناً، مصدراً للضغوط المالية بالنسبة للدول التي تعاني بالفعل من تضخم الديون. وبالتالي، فقد أصبح تمويل المناخ موضع خلاف، نظراً إلى أنه أصبح يشبه على نحو متزايد مصطلح عام غامض ينطوي على تجميع الاستثمارات ذات الصلة بالبيئة والتي لا تُحدد بشكل واضح. ووفقاً لتقديرات منظمة "أوكسفام" فإنه في الفترة بين عامي 2017 و 2018، في حين قُدم حوالي 60 مليار دولار في هيئة تمويل مناخ، فإن القيمة الحقيقية قد تكون أقل من 19 إلى 22.5 مليار دولار سنوياً بمجرد سداد القروض والفوائد، وعندما تُستبدل الاستثمارات المالية التي كانت مؤهلة بشكل خاطئ بوصفها تستحق تمويل المناخ. في الواقع، أظهرت الدراسات التي أجرتها منظمة "أوكسفام" أن الاستثمارات التي لا تنطوي على جهود التخفيف أو التكيف كأهداف رئيسية لها قد صُنفت بشكل مخادع على أنها تمويل مناخ وجُمعت على أنها وفاء بتعهد تمويل المناخ لبلد ما.
هل تحقق تقدم كبير في مسألة الخسائر والأضرار؟
ترتبط المسائل التي لا تنقضي المتعلقة بالخسائر والأضرار ارتباطاً وثيقاً بالنقاش حول تمويل المناخ، وتُعرَّف عادة بأنها آثار تغير المناخ والتدهور البيئي التي لا يمكن تجنبها أو التخفيف من حدتها من خلال تدابير التكيف أو التخفيف، ومن ثم تتجاوز نطاق الآليات "المعتادة" لتمويل المناخ. على سبيل المثال، يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذي يهدد الملايين في الدول التي قد تعجز عن إحداث تأثير ملحوظ عالمياً على تغير المناخ. بعبارة أخرى، يمكن تفسير النقاش حول الخسائر والأضرار على أنه بحث لإيجاد الطرق المثلى لتعويض الدول التي تعاني بصورة متفاوتة من ظاهرة مدمرة ليس لديها هي نفسها سيطرة عليها. ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 3.3-3.6 مليار إنسان (ما يقرب من نصف سكان العالم) يعيشون في مناطق معرضة للتأثر بتغيرات المناخ، ومعظمها في العالم النامي. وداخل المناطق التي تتسم بأنها قليلة التأثر بالمناخ ظاهرياً، تعيش مجتمعات كبيرة محرومة من حقوقها والمعرضة أيضاً بشدة للتأثر بتغير المناخ. حاولت تقديرات عديدة تحديد التكلفة المطلوبة للخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث البيئية، وأشارت إحدى التقديرات عام 2015 إلى أنها ستتجاوز 400 مليار دولار بحلول عام 2030، والتي سترتفع بعد ذلك إلى 1-2 تريليون دولار بحلول عام 2050. في حين أشارت تقديرات أخرى إلى مبالغ تتراوح ما بين 20-580 مليار دولار في عام 2030، إلى 1.1-1.7 تريليون دولار في عام 2050. ومع تضاؤل قدرة العالم على الوفاء بتعهداته الخاصة بالمناخ، فمن المرجح أن يزداد الطلب على تمويل الخسائر والأضرار بشكل كبير في العقود المقبلة.
في عام 2013، بعد سنوات من النقاش، قررت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي خلال مؤتمر المناخ (COP19) على إنشاء "آلية وارسو الدولية المعنية بالخسائر والأضرار المرتبطة بتأثيرات تغير المناخ" (WIM) التي تتمثل اختصاصاتها في تعزيز الحوار ومساعدة الدول المعرضة للخطر وإسداء المشورة إليها. وقد شملت اختصاصاتها أيضاً تقديم الدعم المالي. تحققت العلامة الفارقة الثانية عام 2015 خلال مؤتمر المناخ (COP21)، حيث نص اتفاق باريس للمناخ الناتج عن المؤتمر على أن "الأطراف تدرك أهمية تجنب الخسائر والأضرار المرتبطة بالآثار الضارة الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك الظواهر المناخية الشديدة والظواهر البطيئة الحدوث، والتقليل منها إلى أدنى حد ومعالجتها، ودور التنمية المستدامة في الحد من مخاطر الخسائر والأضرار". بيد أن الدول المتقدمة لا ترغب في الاتفاق على إطار للمسؤولية والتعويض، بالنظر إلى أن ذلك يمكن أن ينشأ أساساً قانونيا للنزاعات والدعاوى القضائية ضدها. وخلال مؤتمر المناخ (COP26)، حظيت مسألة الخسائر والأضرار بقدر كبير من الاهتمام، توج بإنشاء حوار غلاسكو بشأن الخسائر والأضرار كمجال يمكن فيه إجراء مناقشات حول كيفية التقليل إلى أدنى حد من آثار الخسائر والأضرار. غير أن الطلب الذي تقدمت به عدة دول نامية لإنشاء صندوق خاص بالمناخ ومركز مخصص للخسائر والأضرار قوبل بالرفض، تحت ذريعة أن الآليات القائمة كافية بالفعل. وقد كان من المتوقع على نطاق واسع إحياء هذه المناقشة خلال مؤتمر المناخ (COP27)، لا سيما في ضوء الفيضانات الأخيرة التي عصفت بباكستان، الدولة التي تنتج أقل من 1% من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر، أضيفت الخسائر والأضرار رسمياً إلى جدول أعمال مؤتمر المناخ. ومن المتوقع أن تتضافر جهود العديد من الدول، بما في ذلك الصين، للضغط على العالم المتقدم لحمله على قبول تشكيل آليات رسمية يمكن من خلالها معالجة الخسائر والأضرار ليس من حيث الاقتراحات أو المساعدة التقنية فحسب، بل من خلال تعهدات مالية قوية وشفافة.
تمهد هذه المناقشة بشأن الخسائر والأضرار الطريق أمام إجراء مناقشة أخرى بشأن التعويضات المناخية، وهي مسألة شائكة في المناقشات الدولية، مثل تحديد مدى الضرر الذي أحدثته جهات فاعلة محددة، وبالتالي يصعب تحديد المبلغ اللازم للتعويض. بالإضافة إلى ذلك، من خلال قبول حقيقة أنها مَدينة بالتعويضات، تخاطر الدول المتقدمة بتعريض نفسها لسلسلة من الدعاوى القضائية والمنازعات. ويزعم آخرون أن الضخ الهائل للمساعدات والأموال الخاصة بالمناخ في الدول التي تعاني من مستويات مرتفعة من الفساد ليس بالفكرة السديدة، وأن هذا من الممكن أن تستخدمه الحكومات الفاسدة في الاستيلاء على مطلب شرعي لإثراء نفسها بطرق لا تعود بالفائدة على سكانها. فضلاً عن أنها تثير مسألة أن الحكومات يمكن أن تعتمد ببساطة على تدفقات الأموال السهلة، وبالتالي تثنيها عن مواصلة تنمية اقتصاداتها لأنه لا يوجد أي حافز للقيام بذلك. ورداً على ذلك، دافع بعض الناشطين بأن الخسائر والأضرار لا يجب أن تناقش من منظور التعويضات بل من منظور التضامن. إذ إن الدول تستحق المساعدة ليس بسبب ما حدث في الماضي ولكن بسبب ما سيحدث في المستقبل إذا لم يتم القيام بما يكفي.
الاستنتاجات والتوصيات
في الوقت الراهن، التوقعات ليست واعدة. إذ يبدو الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية الذي روج له مراراً وتكراراً منذ قمة المناخ (COP21) غير قابل للتحقيق على نحو متزايد، وهذا يعني أن مئات الملايين، إن لم يكن المليارات، الذين يعيشون في المناطق الأكثر عرضةً للخطر في العالم، والتي تشمل الشرق الأوسط وأفريقيا، سوف يكون لزاماً عليهم أن يتعاملوا مع سيناريوهات كارثية فاصلة في العقود المقبلة، وأن المساعدات التي دائماً ما يتلقون الوعود بالحصول عليها لم تف حتى الآن بما هو مطلوب. والواقع أن التعهدات بتمويل المناخ ليست غير كافية فحسب؛ بل إنها تعتمد أيضاً على أنظمة معيبة تُخفي القيمة الحقيقية للتمويل الذي يُقدم. وعلى الرغم من أن التطورات الأخيرة بشأن الخسائر والأضرار تدعو إلى التفاؤل بشكل أكبر، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيتم تقديم تعهدات كبيرة والوفاء بها. وبينما من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت قمة المناخ (COP27) ستتمكن من إحداث تغيير كبير على المدى الطويل، فإن تهميش مصر للناشطين في مجال البيئة هو بالفعل نذير شؤم، إذ أنه يشير إلى الإحجام عن التعامل مع أولئك الذين يعبرون عن آراء ومطالب الفئات الأكثر تضرراً.
ولكي ينجح مؤتمر المناخ هذا، ينبغي له أن يحقق تقدماً كبيراً في تمويل الخسائر والأضرار. ويفضل أن توافق الدول المتقدمة على تشكيل هيئة محددة في إطار اختصاص اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي لتنظيم ومراقبة توزيع أموال الخسائر والأضرار على الدول المستحقة. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من التعهد بتقديم مزيد من تمويل المناخ، والوفاء بهذه التعهدات، ولا بد من تبني معايير أكثر صرامة بشأن ما يمكن وصفه بتمويل المناخ، دون التخلي عن إعفاء أي ديون ناشئة عن ذلك التمويل.
ويمكن أيضاً إجراء نقاش حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن يصبح تمويل المناخ أكثر لامركزية. وبدلاً من إرسال التمويل إلى الحكومات المركزية، فمن الممكن توزيعه على المجتمعات أو المنظمات النشطة في كثير من الأحيان، وهو ما من شأنه أن يضمن توزيعاً أكثر عدلاً ومباشرة للموارد. ويمكن تمكين الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والناشطين في مجال البيئة من التعامل مع مثل هذه العمليات على الصعيد المحلي، ونظراً إلى أنهم سيكونون المتلقين لجزء من هذا التمويل، يمكن أن تصبح آرائهم ومكانتهم أكبر وأكثر أهمية.
يمكن ولا بد أن يكون مؤتمر المناخ هذا فرصة لدفع الناشطين العرب والأفارقة في مجال المناخ وتوصياتهم إلى الصدارة. ويجب أيضاً أن تُسمع أصوات وآراء ووجهات نظر الشباب والسكان الأصليين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والناشطين النسويين إذا كانت هناك رغبة حقيقة لعقد مناقشات عادلة وكافية خلال مؤتمر المناخ. يمكن أن يكون الحضور المتزايد فرصة لتوسيع نطاق عمليات الناشطين وتأثيرهم، مما يؤدي إلى زيادة الوعي على المستوى المحلي الذي يمكن أن يرسي الأساس لسرد أكثر موضعية بشأن تغير المناخ. لطالما اعتمد الناشطون والباحثون في الشرق الأوسط وأفريقيا على السرديات والنماذج الغربية حول البيئة، والتي لا تتوافق دائماً مع الواقع المحلي. فثمة حاجة ماسة إلى سرد جديد وأكثر موضعية بشأن تغير المناخ يمكن أن يعكس على نحو أفضل الشواغل اليومية.
في عام 2023، سيعقد مؤتمر المناخ القادم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً، إذ ستستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28). ومن المنطقي أن نتوقع إجراء مناقشات مماثلة في ذلك الوقت. وكما أن مؤتمر المناخ (COP28) في العام القادم قد يحمل في طياته القدرة على تغيير نماذج تغير المناخ بشكل جذري، فضلاً عن الانتقال العادل في العالم العربي، فقد لا يُسفر هذا المؤتمر أيضاً عن أي نتيجة، وقد يكون فشلاً آخر له عواقب طويلة الأمد على المناقشات والمفاوضات الخاصة بالمناخ، وهو ما من شأنه أن يدفع العالم إلى الاقتراب من كارثة مناخية لا مفر منها على نحو متزايد
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.