فهم الأسباب الجذرية وراء يأس الشباب في إقليم كردستان العراق

شباب يخرجون إلى الشوارع للاحتفال بعد الاستفتاء غير الدستوري المثير للجدل لإقامة دولة مستقلة لحكومة إقليم كردستان العراق (IKRG) في 25 سبتمبر 2017 في أربيل ، العراق. وقد أجري الاستفتاء غير الدستوري غير الملزم في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. © حميد حسين - وكالة الأناضول

عقب غزو العراق في 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، رحب الغرب لسنوات عديدة بإقليم كردستان العراق باعتباره "العراق الآخر" نظراً للسلام والازدهار النسبيين اللذين تمتع بهما. لكن بعد عقدين، بات الإقليم يواجه تحديات الحكم والإدارة ذاتها التي تعاني منها باقي مناطق البلاد، وهو ما حطم آمال جيلٍ بأكمله نشأ ونضج في ظل الحكم الذاتي الكردي للإقليم ولديه ذكريات قليلة أو معدومة عن الحياة في عهد النظام السابق.

فكثيراً ما أخفق الإقليم في تلبية احتياجات الشباب ومطالبهم فيما يتعلق بالتعليم الجيد وتوفير فرص العمل، وهو ما أدى إلى  تزايد سخط وخيبة أمل الشباب. تنبع هذه اللحظة غير المسبوقة التي يواجه شباب المنطقة ضغط هائل فيها من الركود الاقتصادي الذي يثبط تطلعات الشباب المجبرين على تحمل الوطأة العظمى لقراراتٍ لم يشاركوا في اتخاذها. تؤدي المشاركة السياسية للشباب (أو عدم المشاركة) دوراً مهماً أيضاً، إلى جانب العوامل الاقتصادية. إذ إن عمليات وضع السياسات ليست شاملة وغير تشاركية، وذلك بسبب تضاؤل الاهتمام بالسياسة وعدم كفاية المشاركة والإدماج الحاليين للشباب. ومن ثم، فإن السياسات والخطط الاجتماعية والاقتصادية لا تتماشى مع احتياجات وتطلعات الشباب الذين يتزايد عددهم باطراد ولا تلبيها.

وهكذا، تزايدت المعارضة وحالة الإحباط منذ الاستفتاء المشحون على الاستقلال في عام 2017، على الرغم من جهود السلطات لاحتواء الاحتجاجات. وفي عام 2022، وللسنةِ الثانية على التوالي، نظم طلاب الجامعات في محافظتي السليمانية وحلبجة تظاهرات مع دعوات للمقاطعة امتدت لأسبوعٍ مطالبين الحكومة بمواصلة صرف المنح الشهرية الصغيرة وتحسين ظروف السكن وتخفيض المصاريف الدراسية. وفي عام 2021، خرج طلاب الجامعات إلى الشوارع مطالبين باستئناف المنح الشهرية التي جرى وقف صرفها في 2015 في إطار خطة التدابير التقشفية التي نفذتها حكومة كردستان العراق. وفي العام السابق لذلك، اندلعت موجة أخرى من الاحتجاجات التي تصدرها الشباب بشكلٍ كبير في محافظة السليمانية والتي سرعان ما امتدت إلى المدن النائية متوسطة الكثافة التي تعاني بشكل خاص من التأثيرات الحادة للأزمات الاقتصادية. وكانت اللهجة السائدة في هذه التظاهرات متطرفة مقارنة باحتجاجات ما قبل استفتاء الاستقلال، فقد نادى المتظاهرون بإنهاء النظام السياسي في الإقليم القائم على حكم حزبين رئيسيين. مع ذلك، أدت المطالب التي نادى بها المحتجون في عامي 2021 و2022 إلى خروج عشرات الآلاف من الطلاب إلى الشوارع.

اعتُبرت تداعيات الاستفتاء التي تضمنت -من جملة أمور أخرى- انتكاسة في المناطق المتنازع عليها وتراجع النفوذ أمام الحكومة المركزية في بغداد، أنها فشل للنخبة السياسية في النهوض بالطموحات القومية الكردية. وأعطت أيضاً دفعة قوية للخطاب الأكثر تطرفاً السائد في المظاهرات الأخيرة والدعوات التي تنادي بتغيير نظام حكم الحزبين في إقليم كردستان العراق. لكن الحكومة تذرعت بهذا الغضب وهذه اللهجة المتطرفة في المظاهرات ورفضت احتجاجات الشباب واصفةً إياها بأنها غير شرعية، وهو ما أدى إلى زيادة اتساع الفجوة بين الشباب والسلطات.

لا يعبر الشباب عن إحباطهم من خلال تنظيم احتجاجات في الشوارع وحسب، بل إن تدفقات الهجرة المستمرة بحثاً عن حياة أفضل في الخارج تهدد حياتهم أيضاً. ففي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021، تصدرت صور المهاجرين الأكراد من العراق -معظمهم شباب- العالقين على الحدود البيلاروسية البولندية عناوين الأخبار العالمية. فقد خاضوا هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر بسبب البطالة المستمرة والآخذة في التزايد وفقدان الأمل، على الرغم من الثروات النفطية التي تتمتع بها المنطقة.

وعليه، فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يشكل مطالب وتطلعات الشباب يعد أمراً أساسياً لفهم أسباب تصاعد حالة الإحباط  والمعارضة المتزايدة في إقليم كردستان العراق.

"عقد ذهبي"

بعد مطلع الألفية، بدا المستقبل مشرقاً لأكراد العراق. فقد عانوا من الإبادة الجماعية وآثار العقوبات الاقتصادية القاسية خلال العقدين الماضيين. مع ذلك، وبينما سقطت باقي مناطق العراق في حالة من الفوضى بعد غزو 2003 بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين الذي كان يحكم البلاد منذ فترة طويلة، ظلت الأوضاع في إقليم كردستان العراق هادئة. فقد تمتع الإقليم بسلام واستقرار نسبيين وبدأ ينعم بعقدٍ من الازدهار الاقتصادي. وزاد أمل الأكراد الذين كانوا الفائزين الأكبر من تغيّر النظام. ووعدت الأحزاب الحاكمة السكان الأكراد بأن حصتهم من الميزانية الاتحادية وعائدات النفط من آبار النفط المحفورة حديثاً في المنطقة، يمكن أن تعوضهم عن حالة الجدب التي عانوا منها خلال العقد السابق. وفي عام 2009، أعلن مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق آنذاك، بدء تصدير النفط من إقليم كردستان واصفاً الحدث بأنه "يوم تاريخي" و"خطوة جبارة" ووعد بأن يخدم "هذا الإنجاز مصالح الشعب العراقي كله، خاصة الأكراد".

بدأت إمكانية الوصول الجديدة إلى الثروة النفطية، التي لم تكن متاحة سابقاً بسبب العقوبات الدولية وبقاء النفط رهن سيطرة نظام البعث، في تمويل مشاريع تشييد الوحدات السكنية المغلقة الضخمة (الكمبوندات) ومراكز التسوق والمدارس الخاصة في أكبر مدن الإقليم، وهو ما أدى إلى زيادة التفاوت في الدخل بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. وبدا أن تطلعات القيادة السياسية بتحويل أربيل، عاصمة الإقليم، إلى "دبي أخرى" بدأت سريعاً تصبح حقيقة واقعة. وآمن الناس شباباً وكباراً بهذا الوعد. ومع ذلك، فقد أتى النموذج الاقتصادي الذي تبناه الإقليم على حساب بعض الاعتبارات السياسية والأولويات الإنمائية للأجيال القادمة.

كفلت حكومة إقليم كردستان العراق مجانية التعليم والرعاية الصحية ودعمت الوقود وأتاحت وظائف في القطاع العام، موفرةً بذلك فرص عمل مقابل الولاء والإذعان. وقدمت قروضاً لدعم تأسيس المشاريع الخاصة وتسديد الرهون العقارية السكنية لمواطنيها. وأصبح القطاع العام المُشغِل الأكبر الوحيد القادر على استيعاب عشرات الآلاف من الخريجين الشباب المُنضمين سنوياً إلى سوق العمل. وزادت القدرة الاستيعابية للقطاع العام مع توفير وظائف جديدة بصفة مطردة، في حين ظل القطاع الخاص صغيراً إلى حدٍ ما. وتحسنت الأحوال المعيشية بوتيرة سريعة. وشهد الاقتصاد نمواً كبيراً بفضل إيرادات النفط والاستثمارات العامة. وزادت الميزانية السنوية للحكومة من 2.5 مليار دولار في عام 2005 إلى 13 مليار دولار في عام 2013. وعلى المدى القصير، أثمرت نتائج هذا النموذج الاقتصادي عن تدني وتراجع التفاوتات وأوجه عدم المساواة وانخفاض معدلات الفقر والنجاح في تحقيق رخاء وازدهار عادل يتقاسمه الجميع نوعاً ما. لكن على المدى الطويل، أصبح تمويل رواتب هذا القطاع العام المتضخم والذي يفتقر إلى الكفاءة يمثل عبئاً  حقيقياً وتحدياً كبيراً خاصةً في ظل تقلب أسعار النفط.

كانت هذه التطورات هي ما استهلت وشكلت إلى حدٍ كبير العقد الاجتماعي الحالي بين الحكام والمحكومين، حيث صاغت النخبة السياسية في الإقليم السياسات العامة بناء على الهوية والقومية الكردية، أو کوردیَّتی. وهذا هو السياق الذي جرى فيه وضع هذا العقد الاجتماعي الضعيف والمجزأ وذو الرؤية القاصرة، الذي يركز على التعليم الشامل والتغطية الصحية بالإضافة إلى إجراءات تحسين الرفاه الاجتماعي  وفرص العمل الواضحة دون التأكد من إمكانية استدامة هذا النموذج.

عقد اجتماعي فاسد في جوهره

منذ عام 2015، بدأت عدة جوانب من هذا العقد الاجتماعي تنهار. أولاً، بسبب الركود الاقتصادي، الذي جاء نتيجة للحرب مع ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، وتراجع أسعار النفط (بين عامي 2014 و2016 ثم في عام 2020 مرة أخرى)، ونتيجة أيضاً للنزاعات المطولة بشأن تقاسم إيرادات النفط مع حكومة العراق الاتحادية. ولم يعد القطاع العام قادراً على استيعاب آلاف الشباب المنضمين إلى سوق العمل سنوياً. لهذا منذ عام 2013 عكفت حكومة إقليم كردستان العراق، التي كانت تعمل في السابق وفقاً لقانون موازنة، على خفض الإنفاق العام بما في ذلك خفض الرواتب وتجميد التوظيف، وبفعلها ذلك، وجهت الحكومة ضربة كبيرة لجيل بأكمله يتوقع التمتع بفرص عمل والحصول على مزايا واستحقاقات. فقد كانوا يعتقدون أن التعليم الجامعي سوف يمكنهم من العثور على وظائف، لكنهم بدلاً من ذلك، اصطدموا فجأة باحتمالية التنافس من أجل الحصول على فرص عمل بعيدة المنال. فبسبب مشكلة عدم ملاءمة المهارات (التفاوت بين العرض والطلب فيما يتعلق بالمهارات) الطويلة الأمد لم يتجهز هؤلاء الشباب بالمهارات المناسبة لسوق العمل. وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والكسل بين الشباب، لتصل النسبة الإجمالية للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاماً و 24 عاماً والذين لا يشاركون في أيّ أنشطة تعليمية أو وظيفية أو تدريبية إلى 30% (20% للذكور و40% للإناث). ويسود شعور بأن معظم فرص العمل تعتمد على العلاقات السياسية والاجتماعية للمرء وليس الجدارة.

ثانياً، يرتبط أيضاً النمو المتعثر للقطاع الخاص بطبيعة الاقتصاد السياسي في الإقليم. فقد أدى التطور السريع لبعض القطاعات مثل قطاعي الموارد الطبيعية والعقارات على حساب القطاعات الأكثر إنتاجية والتي تتطلب عمالة كثيفة، وهي ظاهرة تعرف باسم المرض الهولندي، إلى تدهور اقتصاد الإقليم والحيلولة دون نمو قطاعات أخرى مثل الصناعات التحويلية والزراعة. على نحوٍ مماثل، تستفيد الشركات الضخمة التي لها علاقات سياسية من العائدات والصفقات السخية التي تقوض المنافسة وتطوير المشاريع وتوفير فرص العمل. وغالباً ما تسيطر الشركات المملوكة للحزبين الحاكمين أو المرتبطة بهما على القطاعات الأكثر ربحيةً، مثل قطاعات العقارات والاتصالات والنفط والغاز. ولا يزال نمو القطاع الخاص غير كافٍ لاستيعاب العمالة الفائضة. أضف إلى ذلك العزوف عن العمل في القطاع الخاص الذي يفتقر بشدة إلى التنظيم والذي لا تزال أجوره منخفضة على الرغم من ساعات العمل الطويلة. والأدهى من ذلك، أن إقليم كردستان -شأنه شأن سائر مناطق العراق- لم ينجُ مما يعرف "بِلعنة الموارد": فقد انتهى به الأمر بنمو اقتصادي أقل، وديمقراطية أقل، ومساواة اجتماعية أقل، ليس بسبب ندرة الموارد الطبيعية وإنما  بسبب وفرتها.

ثالثاً، أدى نحو عقد من السياسات التقشفية إلى التراجع السريع في الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة، خاصة الرعاية الصحية والتعليم. وهي قطاعات ليست بالغة الأهمية في حياة الناس اليومية وحسب، وإنما تُعد أيضاً، إلى جانب الخدمات الأمنية، أهم قطاعات تشغيلية في القطاع العام، لا سيما فيما يتعلق بمشاركة النساء في القوى العاملة. لا تزال الحكومة توفر الخدمات الأساسية في قطاعي التعليم والرعاية الصحية، لكن جودة هذه الخدمات انخفضت. وأدى اندلاع الاحتجاجات والإضرابات على تأخر صرف الرواتب، إضافة إلى نقص الكوادر التعليمية والطبية، إلى مزيد من التدهور في الخدمات العامة المقدمة. وحرمت جائحة كوفيد-19، التي استلزمت دخول المرضى للمستشفيات وأجبرت الطلاب على التعليم المنزلي، الكثيرين من الحصول على تجربة تعليمية مفيدة وفضحت الوضع المتدني وغير اللائق لِقطاعين حيويين مثل قطاعي التعليم والصحة. وأُجبر الناس على اللجوء إلى العيادات/المستشفيات والمدارس الخاصة للحصول على رعاية صحية أفضل والتمتع بتجربة تعليمية أكثر فائدة.

إضافة إلى ذلك، أدى سوء تقديم الخدمات العامة إلى خلق سوق مزدهرة للتعليم والرعاية الصحية الخاصين. وهو ما أجبر الناس على الدفع مقابل الحصول على الخدمات ذاتها التي يحق لهم الحصول عليها بالفعل بجودة أفضل. على سبيل المثال، أصبح الطموحون في الطبقة المتوسطة مجبورين على إرسال أبنائهم إلى المدارس والجامعات الخاصة لاكتساب المهارات أملاً في زيادة أفضليتهم التنافسية في سوق العمل التي تزداد ضيقاً. وكانت النتيجة إحساساً متعاظماً بعدم المساواة الاجتماعية والظلم، الذي يلمسه الشباب بشدة، خاصةً وأنهم هم من يتحملون وطأة هذه العواقب.

ساهمت كل هذه العوامل في تزايد الاستياء من الحكومة، لدرجة أن الاحتجاجات في الشوارع باتت حدثاً عادياً، وإن كانت مقتصرة على محافظات شرق الإقليم. أصبحت الاحتجاجات الأخيرة أكثر عنفاً أيضاً، بسبب التواجد الأمني الكثيف الذي تفرضه السلطات في الأماكن العامة وسياسة عدم التسامح المتزايدة تجاه المعارضة. تنص الصفقة غير المنطوقة التي تترسخ في قلب السياسات الكردية في العراق على سيطرة الأحزاب الحاكمة على المجال السياسي، لكنها في المقابل توفر حياة أفضل. ومع ذلك، أثرت سياسات التقشف التي تتبناها الحكومة منذ عام 2015 على التحسينات التي طرأت على مستويات المعيشة وأدت إلى تراجعها. فضلاً عن ذلك، جعل نموذج التنمية الاقتصادية المعتمد في الإقليم خلال العقد الماضي كثير من الناس يشعرون بالاستبعاد وأن احتمالات ارتقائهم الاجتماعي بعيدة المنال. وقد ساهم أيضاً في زيادة الاستياء العام والسخط على سياسات الحكومة، في فترة بات فيها سكان الإقليم أكثر استياءً من أي وقت مضى ويكافحون من أجل تغطية نفقاتهم في خضم أزمة ارتفاع معدلات التضخم وغلاء المعيشة.

آفاق المستقبل

يشير هذا المسار إلى دليل واضح على أن الوضع الحالي غير مستدام ويتطلب تصحيح. وأصبح من الضروري إعادة التفاوض بشأن العقد الاجتماعي أو إعادة صياغته، لإعادة ترتيب العلاقة بين الحكومة والمجتمع والتزامات كل منهما تجاه الآخر. ويجب إصلاح القطاع العام لضمان توفير الخدمات الأساسية التي ينتظر من الحكومة تقديمها. وهو أمر جوهري لتلبية توقعات المواطنين من الحكومة وإتاحة الفرصة أمام ظهور عقد اجتماعي أكثر توازناً  ورسوخاً.

يجب أن يحمي العقد الاجتماعي الجديد المعاد صياغته الفئات الأشد ضعفاً مثل أصحاب الدخل المنخفض وأن يحفز تنمية الثروة البشرية. يتمثل التحدي الرئيسي هنا في التغلب على الخلافات الحزبية التي تُعقِد قضايا الإدارة والحكم في الإقليم، وأيضاً في مكافحة المحسوبية ومحاباة الأقارب. توجد بعض التطورات المُبشرة فقد أصبحت القضايا الاجتماعية والاقتصادية عوامل محفزة أدت إلى إحداث زيادة كبيرة في تنظيم المشاريع والاضطلاع بالأنشطة، وهو ما يشير إلى أن الجيل الجديد راغب في نبذ نظام المحسوبية. يتبنى الجيل الجديد أيضاً نموذج مواطنة أكثر شمولاً يعطي مزيد من الحقوق والمسؤوليات للمواطنين. فقد شكلوا منصات جديدة وصاغوا أفكاراً وأحلاماً مبتكرة سعياً لبناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً. لكن هذه المؤشرات الإيجابية مقيدة بشدة من قبل النظام الذي يعملون فيه ويمثلون بارقة أمل وليس شعاعاً عريضاً من التقدم.

ففي جميع القطاعات، يمكن العثور على مواهب تنتظر من ينميها ويستفيد منها، وحس ريادي جاهز لإطلاق العنان له، وشباب متلهفين لمنحهم فرصتهم، يلجمهم اقتصاد الإقليم المنهار وسياساته الفاسدة. إضافة إلى افتقارهم إلى فرص المشاركة في العملية السياسية، ولهذا غالباً ما يلجأون إلى الوسائل غير السياسية الأخرى لإيضاح مطالبهم والتعبير عن استيائهم.  ثمة أيضاً سأم متزايد من الحزبين الحاكمين في الإقليم منذ تأسيسه عام 1991. ويُعد الإقبال الضعيف اللافت في الانتخابات الأخيرة مؤشراً على فقدان المواطنين الثقة في إمكانية إحداث تغيير في الوضع الراهن عبر الوسائل التقليدية. يُعد الامتناع عن التصويت أيضاً قراراً سياسياً. لهذا بات من الضروري التصدي لمسألة تضاؤل الاهتمام بالسياسة وتسهيل انخراط ومشاركة الشباب في العملية السياسية.

من المؤكد أنه بينما يُحمِّل الحزبان الحاكمان في إقليم كردستان العراق الحكومة الاتحادية في بغداد مسؤولية الركود الاقتصادي، فإن الأجيال الشابة لا تتوقع الحصول على الوظائف والخدمات والفرص من الحكومة المركزية للعراق، وإنما من حكام إقليمهم شبه المستقل، الذين أشرفوا على صعوده وازدهاره لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في ضمان التوزيع العادل والمنصف لموارده. من المرجح أن تؤدي اللامبالاة وعدم الاكتراث بتلبية المطالب وإحباط المواطنين الشباب إلى مزيد من الاستياء الذي قد يسفر عنه اندلاع اضطرابات شبيهة بتلك التي واجهتها مناطق أخرى من العراق خلال السنوات الأخيرة.

 

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.