فلسطين في وجدان الشارع البحريني: أصوات ضد التطبيع مع إسرائيل

احتجاج ضد الغارات الإسرائيلية على المسجد الأقصى في مدينة المحرق، البحرين في 8 نيسان/أبريل 2023.
احتجاج ضد الغارات الإسرائيلية على المسجد الأقصى في مدينة المحرق، البحرين في 8 نيسان/أبريل 2023. (c) صور الأناضول - أيمن يعقوب

لم يأتِ توقيع البحرين على الاتفاقيات الإبراهيمية في سبتمبر/ أيلول 2020، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من فراغ ومن دون مقدمات، ولكن جاء بعد سنوات من السماح لوفود إسرائيلية - اقتصادية مرة ورياضية مرة أخرى - بالقدوم إلى البحرين، بالإضافة إلى أحاديث جانبية وشراء برمجيات تجسسية لاستعمالها ضد المعارضة السياسية ونشطاء حقوق الإنسان.

وتضم الدولتان قواعد عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وتربطهما علاقات اقتصادية وأمنية ودبلوماسية ذات مستويات رفيعة، تجعل من الصعب مخالفة الموقف الأمريكي من أي قضية. إلا أن الحراك السياسي يختلف بين البلدين، إذ هناك العديد من الحركات والثورات عبر العقود التي تطالب بتعديلات وإصلاحات سياسية في البحرين، فيما تبقى الإمارات العربية المتحدة أكثر استقراراً ظاهريًّا نتيجة انعدام وجود الرأي الآخر إلا في السجون.

كما لم يأتِ توقيع البحرين على هذه الاتفاقية برضا جماهيري أو بموافقة مجلس النواب أو عبر استفتاء شعبي، بل جاء بقرار أحادي من الحكومة التي تتحكم في مفاصلها العائلة المالكة في البحرين، وهو ما قُوبل بالرفض الجماهيري عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتظاهرات غير مرخص لها في أنحاء البحرين.

ورغم أن المجاميع الرافضة لتطبيع حكومة البحرين مع إسرائيل لا تألو جهداً لإظهار تضامنها مع القضية الفلسطينية طيلة ثلاث سنوات، إلا أن التظاهرات والغضب والتضامن منذ بدء الحرب على غزة قد بلغ أوجّه، وتطالب فيها الجموع بإلغاء اتفاقيات التطبيع التي شملت، إلى جانب الاتفاقيات الإبراهيمية، اتفاقيات في المجال الأمني والاقتصادي والسياحي وغيرها، وطرد السفير الإسرائيلي وإعادة السفير البحريني.

أبدت السلطات بعض المرونة في التعاطي مع ردة الفعل الشعبية على الحرب، من خلال السماح لبعض التظاهرات والتجمعات التضامنية، وهو أمر لم تسمح به منذ أكثر من تسعة أعوام، كما أنها دعت لإنهاء الصراع بين حماس وإسرائيل، فيما أبقت على الاتفاقيات والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

هل تحتاج البحرين إلى التطبيع مع إسرائيل؟

لم يكن للسلطة في البحرين مواقف صارخة مساندة لفلسطين والقضية الفلسطينية طيلة أكثر من سبعين عاماً، إلا أن المناهج الدراسية كانت تشير إلى إسرائيل على أنها المحتل الغاصب، كما تشدد على حق الفلسطينيين/ات في الأرض، وعلى مأساة العيش تحت الاحتلال. إلا أن السلطات البحرينية حافظت طيلة هذه المدة على أن لا تكون حادة في العداء لإسرائيل، ولكن من دون تأسيس علاقات رسمية أيضاً.

ورغم أن البحرين أعلنت أن سبب توقيع الاتفاقية هو "استعادة حقوق الشعب الفلسطيني والعمل على تجسيد المبادرة العربية"، وهي الدوافع نفسها التي تحدثت عنها الإمارات، إلا أن ذلك لا يتفق مع ما يسعى إليه الفلسطينيون/ات. فقد سارعت القيادة الفلسطينية إلى رفضها الإعلان الثلاثي الأميركي- البحريني- الإسرائيلي، حول تطبيع العلاقات بين إسرائيل ومملكة البحرين، واصفة إياه بـ"خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية".

ويشير مراقبون/ات إلى أن السبب الوحيد الذي دفع البحرين لتوقيع الاتفاقية الإبراهيمية هو علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ توطّدت العلاقات مع الحليف الاستراتيجي خلال عهد ترامب، الذي أدار وجهه عن أي انتهاكات تحدث في دول الخليج، وامتنع عن انتقادها مقابل مشاريع ضخمة تم توقيعها مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي كانت على سلّم أولويات الرئيس السابق، بعد سلفه (أوباما) الذي انتقدت إدارته سجلات حقوق الإنسان، وطالبت بإصلاحات ديمقراطية تتناسب وتطلعات شعوب المنطقة.

كما تلتقي مصالح البحرين والولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل في عدائهما لإيران، التي تعتبرها السلطات في البحرين تهديداً خطيراً لها، كون البحرين تُحكم من قبل نظام سنّي، فيما غالبية السكان من الشيعة.

ورغم الحديث عن الفوائد الاقتصادية للدولتين، إلا أن اختلال ميزان الإنتاج، حيث ليس لدى البحرين الكثير لتنتجه، فإن الكفة تميل بشكل رئيسي لصالح الاقتصاد الإسرائيلي، إذ ستتحول البحرين إلى سوق جديدة للمنتجات الإسرائيلية الأمنية والتكنولوجية وغيرها. أما على الجانب السياحي، فلا يبدو أن الشعبين متحمّسان لقضاء أي إجازة في البلد الآخر، فللبحرينيين/ات موقفهم السياسي من الموضوع يتسم برفض واضح. فيما يتخوف الإسرائيليون/ات أمنياً من السياحة في البحرين.

من رفض التطبيع إلى تكثيف المقاطعة

مقاطعة إسرائيل في البحرين ليست وليدة توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية أو العدوان الأخير على غزة. فقد رخّصت السلطات البحرينية عمل الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني بقرار لوزير العمل والشؤون الاجتماعية رقم (1) لسنة 2002، وهي جمعية أسسها عدد من الناشطين/ات السياسيين/ات من مختلف الخلفيات السياسية والدينية والقومية، من بينهم/نّ أفراد من العائلة المالكة البحرينية.

عبّرت مختلف شرائح الشعب البحريني عن رفضها للتطبيع وتضامنها مع فلسطين، بدءاً من النواب المنتخبين/ات، وليس انتهاءً بالجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمعارضة السياسية وغيرها من التجمعات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية على اختلاف طوائفها الدينية.

وكان انتقاد أعضاء مجلس النواب خجولاً، إذ منع التعديل الذي أُدخل على قانون "مباشرة الحقوق السياسية" في يونيو/ حزيران 2018، "قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أي قانون من قوانينها" من الانتخاب والترشّح لمجلس النواب، والذي أُطلق عليه قانون "العزل السياسي"، الأمر الذي أدى إلى وصول نواب/ نائبات مستقلين/ات وغير حادّين/ات في انتقادهم/نّ للحكومة. ويبقى موقف المعارضة السياسية وموقف الجمعيات أكثر رفضاً لأي تطبيع مع إسرائيل وأكثر انتقاداً لما يحدث في غزة.

فبينما كانت ردة الفعل الأولية للبحرين على السابع من أكتوبر دعوة وزارتها الخارجية "جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتهدئة والوقف الفوري للتصعيد حفاظًا على الأرواح والممتلكات"، حذرت من أن استمرار القتال "سيكون له تأثيرات سلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة"، وطالبت "المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته والعمل على وقف الاقتتال بين الطرفين وحماية المدنيين وفقًا للقانون الدولي الإنساني، والدفع بجهود العملية السلمية، وإقامة الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية". تبع هذه الدعوة بيان في التاسع من الشهر ذاته أكدت فيه الخارجية البحرينية "ضرورة الوقف الفوري للقتال الدائر بين حركة حماس الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، محذرةً من أن الهجمات التي شنتها حماس تشكل تصعيداً خطيراً يهدد حياة المدنيين، معبرةً عن أسفها البالغ للخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات".

أما الموقف الجمعوي فجاء لا هوادة فيه، إذ تقول هديل إبراهيم كمال الدين،1في حديث مع الكاتبة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. قانونية وعضو الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني: "كإنسانة عربية وبحرينية، لا يمكن أن أقبل بأي شكل من أشكال التطبيع مع كيان غاصب، فقد اعتبر البحرينيون منذ بدء الاحتلال الصهيوني لفلسطين الذي نكّل بالشعب الفلسطيني وقتل ودمّر، الكيان الصهيوني عدوًّا بشكل صريح لا يقبل المساومة. ولكن بعد 7 أكتوبر شاهد العالم كله وحشية هذا الكيان الذي تمادى في ضرب كل مبادئ حقوق الإنسان بعرض الحائط، من دون أن يوقفه أحد، الأمر الذي شكل ما قام به من جرائم بشعة، صدمة في العالم الذي استطاع رؤية الوجه الحقيقي لهذا الكيان. الكثيرون أصبحوا مقتنعين بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام معه وأنه لا يمكن ان تكون هناك علاقات طبيعية مع مجرمين".

وتضيف: "الشعب البحريني لن يقبل بأي نوع من التطبيع مع هذا الكيان، خصوصاً بعد هذه الجرائم الوحشية التي يفترض أن تشكل دافعاً لحكومتنا لإنهاء التطبيع. فنحن نطالب بطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء جميع أشكال التمثيل الدبلوماسي، وإلغاء جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل وتجريمه".

وقالت عضو الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني زينب الدرازي2في حديث مع الكاتبة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. : "لم يكن خبر التطبيع مع الكيان الصهيوني الإرهابي مفاجئاً لنا كبحرينيين/ات. فقد اعتادت دول الخليج أن تمهد الطريق لكل القرارات التي تقوم بها من دون مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، عبر الحديث عنها لفترة طويلة في وسائل الإعلام. فكنا نعلم بأنه سيتم الاتفاق على التطبيع، مع لفّ هذه القرارات بالغموض من دون معرفة بنودها الرئيسية. وكل ما عرفناه هو أن التطبيع سيتم مع العدو الصهيوني، ومحاولة قبر القضية الفلسطينية بالكامل، باعتبار أنه حل سلام، وبهذا تنتهي القضية الفلسطينية".

وأشارت الدرازي إلى فتح قطر قنصلية لإسرائيل منذ وقت طويل، وإلى استقبال سلطنة عمان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فيما طبّعت البحرين والإمارات العربية المتحدة العلاقات مع إسرائيل، وتجري السعودية مباحثات من أجل تطبيع العلاقات، وتضيف: "إلا الكويت التي لا تزال القوى السياسية الوطنية التي لها ثقلها داخلها ترفض التطبيع، لذلك هي بقيت غير مطبّعة".

وأكدت كمال الدين أنها تعتزّ كأم "بأن ابني ولد في بيت مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني في استرجاع كامل أراضيه، وبأن الكيان الصهيوني هو عدو لنا وللأمة، كما تعلّم ابني مقاطعة كل من يدعم الكيان الصهيوني"، وأضافت: "فما يحدث في غزة لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام على أي شخص! وشعب البحرين ملتزم بقضايا الأمة، وتشكل القضية الفلسطينية بوصلة لنا، إذ إن لها مكانة خاصة في قلوبنا، شعبنا وقف وسيقف دائماً مع فلسطين إلى حين استرجاع كامل الأراضي والحقوق كاملة".

كمال الدين وآلاف غيرها، شاركوا/ن في وقفات تضامنية وتظاهرات خرجت في البحرين بترخيص من السلطات، بعد تسع سنوات من منع التظاهرات بشكل رسمي في البلاد، إذ سمحت السلطات بتنظيم محدود لعدد من الوقفات التضامنية والتظاهرات التي شارك فيها بضعة آلاف من البحرينيين/ات والمقيمين/ات تضامناً مع فلسطين، ودعوةً لإيقاف الحرب على غزة، وإلغاء التطبيع مع إسرائيل، في مناطق محددة كالاعتصام في الساحة المقابلة للجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع في المنامة، وأمام السفارة الفلسطينية في المنامة، والتظاهر بالقرب من جامع حمد كانو في المحرق، والاعتصام في ساحة الساية في البسيتين. كما تظاهر عشرات أمام المبنى الذي يضم السفارة الإسرائيلية في المرفأ المالي، لما يقل عن الساعة وتحت عيون السلطات الأمنية. يأتي ذلك في الوقت الذي تمنع فيه جارتها الإمارات العربية المتحدة أي انتقاد للتطبيع أو تضامن مع فلسطين.

شهدت بعض هذه التظاهرات لوماً مباشراً للسلطات في البحرين على التطبيع مع إسرائيل التي "تقتل الفلسطينيين/ات"، واعتبرت النظام شريكاً في الجريمة، كـ"آل خليفة يا عملاء، يا أذناب الأمريكان". فمن ضمن الشعارات التي تُرفع في الاعتصامات: "الشعب يريد إلغاء التطبيع"، "التطبيع جريمة، في أمة كريمة، لا تقبل الهزيمة"، "تحالفكم خِسّة وعار، فلسطين عربية، والحكام باعوا القضية".

بينت الدرازي: "يدين شعب البحرين التطبيع ونظام البحرين الذي قام بهذه الخطوة وكل من سانده. فقد طبّعت حكومة البحرين وسمحت للكيان الصهيوني بأن يتغلغل في كل مؤسسات الدولة. وتحاول بشكل كبير وفوقي بأن يقبل الشارع بالتطبيع".

وأوضحت الدرازي أنه "من خلال الكثير من الفعاليات والبيانات والحملات بالتعاون مع القوى السياسية البحرينية اليسارية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى كالاتحاد النسائي والجمعيات النسائية، نستمر في رفض التطبيع، واستغلال المناسبات المتعلقة بفلسطين لإظهار هذا الرفض بشكل قاطع الذي نعتبره خيانة عبر كل الطرق المتاحة ونطالب بإلغائه وطرد سفير الكيان الصهيوني الإرهابي من البحرين".

وتشير إلى أنه "بعد ثلاث سنوات من التطبيع، لا تزال ردة فعل الشعب البحريني كما هي، قوية وتزداد قوة، وأعتقد أن ما حدث في حي الشيخ جراح والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة قوّت من إيماننا. كل الأطفال والشباب الذين تعمّد النظام أن يخفي القضية عنهم/نّ، وأن كل ما حدث، فتح عيونهم/نّ على وجود كيان غاصب غير معترف به، بينما الآن أصبحت القضية الفلسطينية حية، في كل بيت، في قلب الطفل والشاب والشائب، رجالاً ونساءً، وهي جزء منا ومن تاريخنا وحياتنا، أصبح جميع البحرينيين يتفقون على طرد السفير والقضاء على وباء التطبيع، ونحن قادرون على ذلك كشعب بحريني وشعب عربي".

وأضافت الدرازي: "السلام الذي تدعو له أمريكا والدول العربية والخليجية ليس سلاماً، هو استسلام، لا يعيد الحقوق، الحقوق تأتي بقبضة اليد، بالعزم والنضال، ولا تأتي بالحلم والكلام والتخيّلات، محاولة قتل الجانب الإنساني في المطالبة بالحرية لفلسطين لن تنجح، فقد أثبت مناضلو غزة والشهداء، أن الجانب الإنساني والحسّي موجود".

وفي حديث3في حديث مع الكاتبة 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. لنائب سابق في البرلمان البحريني فضل عدم الكشف عن اسمه قال: "التضامن مع شعب فلسطين، لا سيما أثناء معركة طوفان الأقصى، هو تضامن واسع النطاق برغم محدودية الفسحة السياسية لذلك التعبير والتضامن، إلا أن شعب البحرين وظّف تلك المساحة المحدودة بذكاء وحنكة وبصيرة، وذلك عبر عدة وسائل ومواقف، ومن أهمها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع ونشِط، وكذلك الوقفات التضامنية وندوات المجالس الأهلية وكتابة العرائض والرسائل والبيانات الرافضة للتطبيع ورفض العدوان على غزة".

ولفت النائب إلى حملات "جمع التبرعات عبر جمعية الهلال البحرينية والمؤسسات الخيرية، وأخيراً القيام بالتظاهرات المرخصة وغير المرخصة للتعبير عن تضامن أهل البحرين بجميع تلاوينهم الدينية والسياسية والإثنية، بل حتى بعض الجاليات التي ساهمت مؤخراً في الوقفات والتظاهرات. وهذا يعكس إجماع شعب البحرين بكل فئاته على أن قضية فلسطين هي قضية مركزية وتمثل بوصلة الصراع مع هذا العدو العصيّ على التعايش، فضلاً عن الأمن والسلام".

أصوات المقاطعة

نشطت الدعوات إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية منذ بدء التطبيع، إلا أنها زادت خلال الحرب الأخيرة على غزة. فدعت العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة منتجات أمريكية وأوروبية تدعم إسرائيل بطريقة أو بأخرى، بعض منها لديه أعمال داخل المستوطنات أو يدعم شركات إسرائيلية أو يستثمر فيها. وتظهر هاته الدعوات في كل مرة يحدث فيها عدوان إسرائيلي على الفلسطينيين/ات. إلا أن الشارع البحريني كان أكثر التزاماً ومقاطعة هذه المرة، حتى بدت بعض ردهات هذه المطاعم والمقاهي خالية من الزبائن.

تقول القانونية كمال الدين: "لدينا ما يكفي من الخبرات في كل المجالات، ولا أستطيع استيعاب الحاجة للاستعانة بخبرة محتلّين أو أي حاجة للتعاون معهم .هم محتلّون، استنزفوا خيرات فلسطين وعاشوا على أرضها، فكيف يمكن للحكومات المطبِّعة أن تتوقع أي خير منهم، هم يبحثون عن مصلحتهم فقط وليس عن مصلحة الدول المطبِّعة معهم".

كما قال النائب السابق: "للشعوب خياراتها وللحكومات اعتباراتها. نحن ندرك أن التطبيع مع الكيان الصهيوني يتعدى العلاقات الدبلوماسية إلى علاقات أمنية واقتصادية وسياحية، وهذا لا يعنينا كشعوب ترفض التطبيع مع هذا الكيان على جميع الصعد، وندعو الحكومة دائماً إلى قطع العلاقات وطرد السفير وغلق السفارة الصهيونية في العاصمة المنامة. وعلى الصعيد الشعبي تصدى شعبنا لهذا التطبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال المجالس الأهلية المنتشرة في ربوع البحرين، وأعلن المقاطعة الاقتصادية الحاسمة لكل البضائع الصهيونية التي تدخل بلادنا، وكذلك الدعوة المستمرة لرفض التطبيع الثقافي وكذلك السياحي".

ويضيف: "وهذا موقف ينمّ عن وعي شعب البحرين ومواقفه المبدئية من قضية فلسطين أرض المقدسات، ومظلومية شعبها التاريخية على يد الصهاينة المحتلّين".

وتقول الدرازي عن المقاطعة: "نحن في جمعية مقاومة التطبيع نعمل على تعزيز القضية الفلسطينية منذ أن ألغت البحرين مكتب مقاطعة البضائع الصهيونية، وإحياء مسألة المقاطعة بشكل دائم على الفضاء الإلكتروني أو حضورياً، فالمقاطعة شيء أساسي وضروري، من خلالها نحافظ على قضيتنا وكياننا".

ودعت الدرازي الوزراء والوزيرات والمسؤولين/ات في الدولة إلى التخلي عن مناصبهم/نّ إذا تطلّب ذلك مصافحة الصهاينة والعمل معهم/نّ، لأنه سيشارك في قتل أطفال فلسطين، وستلطخ أيديهم/نّ بالدم الفلسطيني، حسب تعبيرها.

استمرار الدبلوماسية

رغم كل هذه المطالبات بطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية، إلا أن السلطات في البحرين أدارت أذناً صمّاء للمطالبات، واكتفت بتوقيف الرحلات إلى تل أبيب نظراً للوضع الأمني فيها، كما عاد السفير البحريني إلى المنامة من دون استدعاء، فيما غادر السفير الإسرائيلي بسبب التهديدات الأمنية. فلم تقم المنامة بقطع العلاقات الدبلوماسية أو طرد السفير أو حتى توقيف الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل.

وفي رده على إبقاء البحرين على موقفها من التطبيع قال النائب الأول لرئيس مجلس الشورى البحريني جمال فخرو4في حديث مع الكاتبة 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. : "الموقف الرسمي لمملكة البحرين واضح في دعم حل الدولتين ضمن قرارات القمة العربية والشرعية الدولية".

مضيفاً: "القضية الفلسطينية هي قضية الأمتين العربية والإسلامية، ولا يمكن لشعوب هاتين الأمتين إلا أن تتضامن معها حتى تتحقق أهداف الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل حزيران/يونيو 1967. شعب البحرين العربي المسلم لا يمكن أن يخرج من هذه العباءة، وسيبقى وفياً لعهده بدعم الشعب الفلسطيني أينما كان، في غزة أو في الضفة أو في الشتات".

وأشار فخرو إلى أن على المستوى الشعبي "اتخذ شعب البحرين قراره بدعم القضية الفلسطينية، وعبر عن ذلك بكافة الوسائل السلمية المتاحة، سواء بالتظاهر أو جمع التبرعات أو الدعم الإعلامي أو المعنوي أو حتى الدعم السياسي في المحافل البرلمانية الدولية من خلال السلطة التشريعية".

تحافظ البحرين على علاقتها بإسرائيل على الرغم من الحرب العنيفة في غزة، لنفس السبب الذي وقّعت من أجله اتفاقية التطبيع، وهو إرضاء حليفها الدولي الأول، الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك لأن المزاج العام في المنطقة يتجه إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل طال الزمان أو قصُر، ومنه الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية التي أكدت أن موضوع التطبيع مع إسرائيل هو مسألة وقت ليس إلا.

فرغم التضييق الأمني، اجتاح البحرينيون/ات الشوارع لإيصال صوتهم/نّ وإعلان تضامنهم/نّ مع غزة ودعوا لإيقاف الحرب وإيقاف التطبيع مع إسرائيل، كما أن العائلات البحرينية بدأت في البحث عن بدائل للسلع التي تدعم بشكل مادي أو معنوي إسرائيل، حتى أصبح هذا معتاداً في تضامنهم/نّ مع فلسطين.

بقيت إسرائيل مصنّفة كعدو لا علاقات تربطها بالبحرين لأكثر من 71 عاماً.  فعلى الرغم من البعد الجغرافي الذي يفصلها ثلاثة بلدان عن إسرائيل وما يزيد على الثلاثة آلاف كيلومتر، إلا أن البحرين انضمت إلى المزاج العام في المنطقة لتطبيع العلاقات مع عدو الأمس، صديق اليوم في العام 2019، ولم تتأثر هذه العلاقة الجديدة، رغم حرب إسرائيل على غزة في 2021، و2023 المستمرة حتى اليوم، الأمر الذي أضيف إلى الخلافات التي تفصل السلطات في البلد عن فئات كبيرة من الشعب التي طالبت في 2011 بتغييرات ديمقراطية، إلا أن الوضع السياسي والحقوقي في البلد تراجع منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.

Endnotes

Endnotes
1 في حديث مع الكاتبة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
2 في حديث مع الكاتبة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
3 في حديث مع الكاتبة 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
4 في حديث مع الكاتبة 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.