فرص عمل الشباب وسبل عيشهم في سوريا: تقييم آثار الصراع والإعداد للتعافي

تقرير عن حوار السياسات العامة الذي عُقد في 28 نيسان/أبريل 2021

تتوجه “مبادرة الإصلاح العربي” و”مركز بروكنجز الدوحة” بالشكر إلى ثيودوسيا روسّي على مساعدتها الكبيرة في إعداد هذا التقرير.

طلاب جامعة خلال امتحان في الجامعة، دمشق، سوريا, 31 أيّار/مايو 2021. © EPA

مقدمة

خلال العقد الذي سبق الصراع في سوريا، بلغ متوسط النمو الاقتصادي 4.5% سنوياً، بينما انخفضت معدلات البطالة في صفوف الشباب من 26% في العام 2001 إلى 20% في 2010. جاء ذلك نتيجة النجاح الملحوظ الذي حققته البرامج المُعدة لإدماج الشباب اقتصادياً، من قبيل برامج تنمية المشاريع الحرة وريادة الأعمال، رغم الصعوبات التي واجهتها بسبب تفشي الفساد والمحسوبية. لكن منذ العام 2011، أدى الانهيار الاقتصادي المصاحب للصراع إلى خسائر فادحة في فرص عمل الشباب في القطاعين العام والخاص. وارتفعت معدلات بطالة الشباب ارتفاعاً بالغاً وصل إلى 78% في العام 2015، ورغم النمو الذي شهدته المشاريع الحرة في بعض المناطق، في محاولة للتأقلم ومسايرة الأوضاع، فقد بات الوضع اليوم خطيراً للغاية لدرجة أن استراتيجيات سبل العيش المتاحة لم تعد كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

مع ذلك، ثمة شواهد عالمية وأخرى مستقاة من السياقات المشابهة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تؤكد أن استعادة سبل كسب الرزق وتنشيط سوق العمل وإيجاد فرص عمل جديدة هي أمور لا يمكن أن تنتظر لحين انتهاء الصراع. بل على العكس من ذلك، ينبغي حتى في ظل الأوضاع بالغة الخطورة وغير المستقرة الناجمة عن الصراع أن تُطور برامج تهدف إلى تعزيز فرص عمل للشباب وتنمية سبل عيشهم لضمان استمرارية الإدماج الاقتصادي لهم على المدى الطويل والمساعدة في تحقيق الاستقرار ومواصلة جهود التعافي في مرحلة ما بعد الصراع.

ما هي البدائل المجدية لبرامج توظيف الشباب التقليدية الموجودة حالياً التي يمكنها تعزيز سبل العيش في مختلف سياقات الصراع السوري؟ ما هي أنواع البرامج والتدخلات الأكثر فاعلية التي من شأنها أن تحقق أقصى منفعة؟ ما هو تصورنا عن تعزيز فرص عمل الشباب وسبل عيشهم فيما يتعلق ببناء السلام والإدارة السليمة في فترة ما بعد الصراع؟

للإجابة على تلك الأسئلة، نظمت "مبادرة الإصلاح العربي" بالاشتراك مع "مركز بروكنجز الدوحة" حوار سياسات عامة مغلق ضمّ مجموعة من الممارسين والباحثين المرموقين، في 28 نيسان/أبريل 2021. استعرض المشاركون في الحوار، الذي أُجري في إطار "قاعدة تشاتام هاوس"، وتبنى نهج شامل يتناول سوريا بأكملها، كيفية تلبية مختلف الأطراف الفاعلة لاحتياجات الشباب في سوريا من خلال البرامج والمبادرات، إضافة إلى الرؤى والأفكار المستقاة من البرامج الموجهة لتحسين سبل عيش الشباب في سياقات النزاعات الأخرى، والتي يمكن تنفيذها وتطبيقها في سوريا.

يعرض هذا التقرير الرؤى والأفكار التي تبلورت خلال الحوار، بما في ذلك الدروس التي يمكن استخلاصها من الحالات المشابهة والمشاريع الواعدة التي يجري تنفيذها حالياً في سوريا. يقدم التقرير أيضاً أفكار وتصورات المجموعة حول الحلول المحتملة التي لا يمكنها تحقيق الرفاه الاقتصادي للشباب فحسب، بل يمكنها أيضاً المساهمة في تحقيق المصالحة وإعادة الإعمار على المستوى المجتمعي.

الملاحظات الافتتاحية: تأثير الصراع في سبل عيش الشباب ومسارات عملهم في سوريا

خلف الصراع السوري دماراً كبيراً وراءه على مدى العقد الماضي، وتكبدت البلاد تكاليف باهظة للغاية شملت كثير من الأبعاد ، بما في ذلك الخسائر في الأرواح وتدمير المجتمعات المحلية وفقدان سبل العيش. فحتى الآن، أسفر الصراع عن أكثر من 500 ألف قتيل و6 ملايين لاجئ ونزوح من 7 إلى 8 مليون شخص داخلياً. ويوجد اليوم أكثر من 13 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. وانخفض متوسط العمر المتوقع للأطفال في سوريا بمقدار 13 عاماً مما كان عليه قبل اندلاع الصراع، واضطر 1.75 مليون طفل على الأقل إلى ترك المدرسة.

وبحلول عام 2020، وصلت تكلفة الصراع من ناحية الأضرار المادية والخسائر في الأنشطة الاقتصادية إلى ما يقرب من حوالي 500 مليار دولار. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 79% -متراجعاً من 62 مليار دولار إلى 13 مليار دولار- وشهدت معدلات الفقر زيادة بلغت 70%. في الوقت ذاته، وصلت معدلات البطالة في البلاد بين كافة السكان البالغين إلى 50% في حين بلغت 78% في صفوف الشباب. علماً بأن كل هذه التقديرات أُحتسبت قبل اندلاع جائحة كورونا وقبل الأزمة المالية اللبنانية والعقوبات الأميركية المفروضة بموجب قانون قيصر والانخفاض الذي شهدته العملة مؤخراً. وبالفعل، تراجع دخل الموظف الذي كان يجني 500 دولار شهرياً في عام 2010 إلى حوالي 20 دولار شهرياً فحسب اليوم.

لهذا، لا ينبغي أن ينتظر الأفراد والمنظمات والحكومات لحين انتهاء النزاع في سوريا لمعالجة تلك المسائل، بل ينبغي عليهم بدلاً من ذلك البدء في إرساء الأسس التي يمكن البناء عليها لاحقاً.

حلقة النقاش الأولى: البرامج الموجهة للشباب في كافة أنحاء سوريا: كيف تستجيب برامج المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لاحتياجات الشباب؟

البرامج الحالية الموجهة لتحسين سبل عيش الشباب وإيجاد فرص عمل لهم

إن أيّ مناقشة تدور حول دور المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية في تلبية احتياجات الشباب في سوريا فيما يتعلق بسبل العيش وفرص العمل يجب أن تتحلى بالواقعية والصدق. لهذا فإن الإجابة الصادقة والأمينة عن سؤال، "كيف نستجيب لاحتياجات الشباب؟"، هي أن الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للتصدي للتحديات الجسيمة المتعلقة ببطالة الشباب ليست كافية على الإطلاق. ففي العام 2020، بلغ الجزء المخصص لتنفيذ برامج تحسين سبل العيش ضمن "خطة الاستجابة الإنسانية" 1% فقط من الميزانية الإجمالية للخطة.

أصبح هذا العجز الحاد في تمويل برامج التعافي المبكر ودعم سبل العيش سمة دائمة تميز الاستجابة الإنسانية في سوريا، حيث يعطي كثير من المانحين الأولوية للمساعدة اللازمة لإنقاذ الأرواح على حساب تأسيس أنظمة مرنة قادرة على الصمود. وفي حين لا تزال المساعدة في إنقاذ الأرواح مهمة وضرورية وحاسمة للغاية في بعض المناطق السورية ولِبعض الفئات السكانية، فإن الأوضاع في بعض المناطق الأخرى أصبحت مناسبة لزيادة التمويل المقدم لدعم التعافي المبكر.

يعد "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، في كثير من دول العالم، واحداً من البرامج الريادية التي تعمل على توفير فرص عمل للشباب. لكن حجم إنفاق البرنامج على هذه المسألة في سوريا أقل من مثيله في أيٍّ من مناطق العالم العربي ذات الفئات السكانية المتأثرة بالصراع، بما في ذلك العراق واليمن والصومال وليبيا وفلسطين. مثلاً، تزيد حصة الفرد في العراق من البرنامج عن حصته في سوريا بأربعة أضعاف. لذا، وبهذا القدر المتدني من الإنفاق، لن يكون هناك ببساطة تأثير ملموس لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على معدلات بطالة الشباب في سوريا وسبل عيشهم، بغض النظر عن مدى ابتكارية أو تميُّز برامجه.

بالإضافة لذلك، يفضل كثير من المانحين الاستثمار في حلول تحسين سبل عيش الأفراد، مثل التدريب المهني وتوزيع الأصول. لكن نظراً لحجم العمليات في سوريا ونقص المعلومات المُحدثة عن سوق العمل وطبيعة الأزمة الاقتصادية ذاتها، يجب على المنظمات أن تعالج القضايا الهيكلية التي تؤثر في سوق العمل والقطاع الخاص والاقتصاد ككل في سوريا، حتى يتسنى لها التوصل لحلول مستدامة.

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الأزمة، يقدر أن نحو ثلثي البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية في سوريا قد تضررت، مع تعرض أكثر من نصفها لأضرار بالغة الشدة، في حين لا تصل الكهرباء لحوالي 69% من الأحياء سوى 12 ساعة يومياً فقط. ينبغي إعادة بناء المرافق والهياكل الأساسية في سوريا، وينبغي بالأخص تحسين سبل وصول الأفراد إلى الطاقة ووسائل النقل، وذلك لمعالجة مسألة فرص عمل الشباب بطريقة مستدامة وقابلة للتطوير. لهذا، من الضروري للغاية الاستثمار في النُهُج الهيكلية، من قبيل دعم بيئات العمل الشاملة للجميع في المناطق الحضرية والريفية على حدٍ سواء.

يبدو جلياً أيضاً أن التحدي الذي تشكله مسألة توفير فرص عمل للشباب وتحسين سبل عيشهم يتطلب حلولاً سياسية بقدر حاجته إلى البرامج الاجتماعية والاقتصادية. مثلاً، سيكون من المستحيل مواجهة الظواهر السلبية المنتشرة حالياً من ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب وإقدامهم على الانتحار ومحاولات الهجرة غير الشرعية والمشاركة في الأنشطة المحظورة، دون إحراز بعض التقدم السياسي فيما يتعلق بتخفيف حدة المخاوف الأمنية لدى الشباب.

تعد السياسات الوطنية والدولية ضرورية لمعالجة العوامل المؤدية إلى الانهيار الاقتصادي والوصول بالبلد إلى مسار التعافي المستدام في نهاية المطاف. أضف إلى ذلك حقيقة أن استعادة سبل كسب الرزق وإيجاد فرص عمل جديدة للشباب هي أمور لا يمكن أن تنتظر لحين التوصل لنهاية سياسية -ما تزال مجهولة وغير واضحة المعالم- لهذا الصراع. لا بد بالفعل من توفير فرص عمل للشباب وتحسين سبل عيشهم لتعزيز مبدأ الشمولية ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع وتجنب عدم الاستقرار مستقبلاً.

يدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مجموعة من المشاريع والتدخلات المختلفة التي تهدف إلى توفير فرص عمل وسبل رزق للشباب في سوريا. يتضمن ذلك برامج الطوارئ والتعافي التقليدية، من قبيل التدريب المهني وتوزيع المستلزمات والأدوات الإنتاجية وإيجاد وظائف للأفراد والتدريب العملي وأنشطة إنعاش الأعمال التجارية. إضافة لذلك، يسعى البرنامج إلى إشراك الشباب في عملية وضع وتصميم المشاريع التي تعكس تطلعاتهم، مع إعطاء اهتمام خاص للشابات والأشخاص ذوي الإعاقات.

يدير البرنامج أيضاً مشروعات مختلفة لدعم الشباب خلال المراحل الانتقالية من حياتهم، ويساعدهم في تحويل أفكارهم التجارية ومشاريع تخرجهم إلى شركات ناشئة في مختلف أنحاء البلاد. ففي خلال سنتين، رعى البرنامج وقدم الدعم لأكثر من 100 شركة ناشئة. صحيح أن هذا الرقم لا يزال صغيراً جداً، إلا أنه يبعث الأمل ويسلط الضوء على مدى قدرة الشباب السوري على التغيير. تجدر الإشارة إلى أن بعض تلك الشركات ابتكرت منتجات جديدة لمواجهة جائحة كورونا عُرضت في المنتديات العالمية المهتمة بالحلول الابتكارية. علاوة على ذلك، وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (وهي منظمة عالمية تعبر عن مصالح شركات الاتصالات المتنقلة في جميع أنحاء العالم) برنامج تدريبي مشترك لدعم رائدات الأعمال باستخدام الحلول التكنولوجية.

أدت الأزمة في سوريا إلى زيادة أوجه عدم المساواة وتفاقم الفروقات الطبقية والاجتماعية. وجعلت فرص الوصول إلى سبل كسب الرزق وعيش حياة لائقة وكريمة صعبة على الشباب. يمكن أن تساهم كل هذه العوامل في تأجيج حالة عدم الاستقرار مستقبلاً: أولاً، من خلال ازدياد الانقسامات الاجتماعية وترسيخ المفاهيم المتعلقة بِالإقصاء والظلم. ثانياً، من خلال المساهمة في احتدام المنافسة على فرص كسب رزق محدودة أصلاً. ثالثاً وأخيراً، من خلال زيادة أعداد الشباب الذين يواجهون خطر المشاركة في أنشطة اقتصادية محظورة والانضمام إلى ميليشيات مسلحة.

تشكل معدلات البطالة المرتفعة في صفوف الشباب فرصة ضائعة للدور المحتمل الذي يمكن أن يضطلع به الشباب في إعادة بناء وطنهم. فأولئك الشباب المنشغلون بتوفير الكفاف لأنفسهم ولِأسرهم لا يشاركون بفاعلية في عملية التعافي، ولا يملكون أدوات ووسائل تمكنهم من الإعراب عن آرائهم بشأن مستقبل مجتمعاتهم، وأصواتهم غير ممثَّلة بالقدر الكافي وغير مسموعة، وفي نهاية المطاف سيصبحون جزءاً من جيل جديد أكثر انقساماً.

الأدلة العملية على فوائد البرامج

أحد العوامل الأساسية التي تُعيق أنشطة البرامج في سياقات الصراع هي تباين مستويات الخطاب بين الأطراف الفاعلة المتعددة التي غالباً ما ينصب تركيزها على أمور مختلفة، وتمثل باختصار إحدى الحالات المذكورة في هذا الشكل:

تمثل حالة سوريا السياق الوارد أعلى يسار الرسم البياني، مع وجود صراع عنيف واسع النطاق، أدى إلى حدوث دمار كبير، وفي ظل حكومة لا تعبأ كثيراً بالشعب. في الوقت ذاته، ينشط كثير من الاقتصاديين والمتخصصين في مجال التنمية بالركن الأيمن السفلي من الرسم البياني، مع التركيز على القضايا المتصلة بالتنمية وكيفية مساعدة الأفراد في الحصول على الوظائف وعيش حياة ذات مغزى. غالباً ما تتضمن أنشطة البرامج مشاركة خبراء متخصصين في أحد المجالين المطروحين هنا فقط -سياق الصراع العنيف و"السرديات المتعلقة بالسلام" الشبيهة بأسلوب الأمم المتحدة أو سياق السلام الإيجابي و"السرديات المتعلقة بالعمل"- لكنها نادراً ما تشتمل على فرق من الخبراء المتخصصين في كلا الأمرين. تتمثل المشكلة في أن مسألة تحقيق السلام وتوفير الوظائف عادة ما تكون متداخلة ومترابطة للغاية. وعليه، كيف يمكننا استحداث سرديات ومبادرات يمكنها العمل على كلا المستويين الكلي والجزئي؟

في إطار مشروع مشترك بين البنك الدولي ومختلف وكالات الأمم المتحدة، أجرى مجموعة من الأكاديميين دراسة استقصائية عالمية حول البرامج التي صُممت على مدار العشر سنوات الماضية والتي تحاول الجمع بين هاتين السرديتين. وقد أحصوا 2415 برنامجاً في المجمل، حصل 51 برنامجاً منها على تقييم جيد للغاية واقترنت عناصر العمل الواردة فيها بأدلة إلى حدٍ ما. اشتملت الدراسة أيضاً على تحليل تضمن دراسة حالة لـ 33 برنامجاً تجمع بين سردية السلام على المستوى الكلي وسردية فرص العمل على المستوى الجزئي، إضافة إلى تقييم لكيفية ارتباط الوظائف بالسلام.

في حالة سوريا تحديداً، ثمة شواهد من المقيمين داخل سوريا ومن اللاجئين الذين يعيشون في البلدان المجاورة على [وجود] برامج تتبنى مثل هذه النُهُج. لكن الأدلة ما تزال قليلة وثمة حاجة لمزيدٍ من الفهم حتى يمكن توجيه السياسات العامة بشكلٍ أفضل. إذ تواجه كثير من الدول خطر تكرار تجربة سوريا نفسها. عند مقارنة الاتجاه التنازلي لمستوى الرضا عن الحياة في سوريا قبل اندلاع النزاع ومستوى الرضا عن الحياة في لبنان خلال السنوات الأخيرة، سنجد أن أوجه التشابه صادمة. ربما يكون هذا مؤشر على قرب حدوث أزمة مشابهة في لبنان. ما يمكن استنتاجه من كل هذا -إذا لم نتمكن من إيجاد وظائف للعاطلين عن العمل والمساعدة في توفير سبل كسب رزق لهم- هو أننا قد نشهد مزيداً من الأزمات في بلدانٍ أخرى.

في مشروع آخر، أجرى الباحثون تقييماً للأثر لتحديد الكيفية التي يُمكن من خلالها أن تساعد تدخلات في مجال الأمن الغذائي الوضع في سوريا. وقد كشفت البيانات التي جرى تجميعها من مجموعات التجارب المقارنة -المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة- أن أداء المجموعة التجريبية كان أفضل في طائفة متنوعة من المؤشرات، بما في ذلك الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والقدرة على التأقلم. وحتى التدخّلات الزراعية البسيطة أثبتت فاعليتها؛ فعلى سبيل المثال، أدى توفير البذور للفلاحين الفقراء في المناطق الريفية في سوريا إلى الحد من الاتجاه نحو تزويج بناتهم الصغار بنسبة 80%.

وعلى نحو مماثل، أظهرت دراسة حول إصدار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تصاريح عمل للاجئين السوريين في الأردن، أهمية التدخّلات المتصلة بتأمين سبل العيش. فقد اضطر العديد من اللاجئين السوريين في الأردن إلى تطبيق مستويات عالية من استراتيجيات التكيُّف الطارئة؛ وفي الوقت نفسه، انخفضت إلى حد كبير تطبيق استراتيجيات التكيُّف الطارئة بالنسبة لمن لديهم تصاريح عمل. وفي حين يتضمن إصدار تراخيص العمل توفير إطار قانوني وتسخير الإرادة السياسية، إلا أن الأدلة تُشير إلى أن هذا لا يفيد اللاجئين السوريين فحسب، بل إنه يساعد أيضاً في بناء التماسك الاجتماعي في الأردن. فقد شهد التماسك الاجتماعي تحسناً كبيراً بوجه عام في المجموعة التجريبية مقارنة بالمجموعة الضابطة في هذا السياق.

ثمة أدلة علمية قوية تثبت أن البرامج المخصصة لدعم التدخلات المتصلة بتوفير فرص العمل وتأمين سبل العيش المنفذة أثناء الصراع يمكن أن تنجح. ومن ثَمَّ، فإن مفهوم الانتظار إلى أن ينتهي الصراع لا مبرر له على الإطلاق. بيد أن ذلك ليس بالأمر الذي تود العديد من الحكومات الأوروبية أن تسمعه، لأنها لا تريد التعامل مع الموقف على أرض الواقع الذي يشمل أشخاصاً يحاولون العيش وكسب الرزق، وتفضل فقط التفكير في السياق الإنساني. تشير الاستنتاجات المستخلصة من الأدلة التجريبية إلى أن الطريقة التي تُصمم من خلالها البرامج على قدر من الأهمية. وإنها ليست بالضرورة مسألة مرتبطة بالأموال، بل بكيفية إنفاقها. يُمكن للبرامج المخصصة لدعم فرص العمل في مناطق الصراع مثل سوريا تسهيل عملية بناء السلام وتحقيق التماسك الاجتماعي وتقليل احتمالات الخلاف أو العنف في المستقبل؛ بيد أن هذه البرامج المتكاملة، رغم فاعليتها، فهي أيضاً الأكثر صعوبة في التصميم، لأنها يجب أن تجمع بين الخبرة في مجال بناء السلام والخبرة في دعم فرص العمل.

النُهج الهيكلية رغم ديناميات الصراع

نظراً إلى أن المشاركين في مشاريع دعم فرص العمل وتأمين سبل العيش في سوريا لا يمكنهم الانتظار حتى ينتهي الصراع أو ظهور اقتصاد وطني مستدام، فما الذي يُمكن القيام به أيضاً في الوقت الذي يتم فيه العمل على التوصل إلى حل للقضايا الأخرى؟ إحدى النُهج الهيكلية التي أثبتت قدراً من النجاح هي الشراكات الخارجية مع الشركات المملوكة للمنظمات. إذ إن عقد مذكرة تفاهم بين المنظمات غير الحكومية سواء الوطنية منها أو الدولية والوزارات الحكومية أمر بالغ الأهمية، لأن لا أحد لديه القدرة التي تتمتع بها الحكومة في تقديم الخدمات. بيد أنه ينبغي التنبيه هنا إلى أننا نتحدث عن الحكومة المدنية، والجيران والأصدقاء الذين يعملون في المكاتب الحكومية، وليست السلطات ذات الصلة بسياسة الموقف. وعلاوة على ذلك، نظراً إلى المسائل الأمنية، تتطلب هذه البرامج عدداً كبيراً من الموظفين و/أو المتطوعين الذين يتلقون أجراً مقابل خدماتهم لتجنب انتقال الأشخاص من مكان إلى آخر، واختيارهم على المستوى المحلي لكي يكونوا معروفين. وهذا من شأنه أن يقلل من المخاطر الأمنية ويزيد من فرص التفاعلات المؤثرة.

أُقيمت إحدى هذه الشراكات مع وزارة الزراعة، مما أدى إلى تحقيق تحسينات رأسمالية والحصول على التدريب في مجال الإرشاد الزراعي، فضلاً عن توفير فرص العمل. فعلى سبيل المثال، ساهم أحد مشاريع الشراكة، المنفذة في المناطق الريفية في حماة ودمشق، في تدريب النساء على كيفية زراعة الفطر وكيفية إضافة قيمة من خلال إعداده كمكونات جاهزة للبيع للمستهلكين النهائيين. فقد قدم المشروع المعدات اللازمة لزراعة الفطر وتجهيزه. ومن هذا المنطلق، لم يركز هذا المشروع على تنظيم المشاريع الحرة فحسب، بل أيضاً على إعادة إنشاء سلاسل القيمة التي تنقل المنتج إلى المستخدم النهائي.

يسعى هذا النهج الهيكلي أيضاً إلى رأب الصدع بين سوقين مختلفين: وهما السوق الحكومية والسوق السوداء. إذ إن السوق الحكومية لا تستطيع أن توفر كل احتياجات المنتجين، وبالتالي فمن الضروري إيجاد توازن حتى يتسنى للناس التحكم في مدخلاتهم ومدفوعاتهم من أجل شراء المواد الخام.

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، فقد تم الاتفاق على عقد شراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من أجل الاستفادة من الأراضي غير المستغلة المحيطة بمركز للشباب المحتجزين. فقد تمت زراعة الأرض وتحسينها وإعادة حفر آبار المياه. وقد أبدى الشباب في المركز والمجتمع المحلي المحيط به اهتماماً بالزراعة، وتعلموا من الخبراء الزراعيين، وتلقوا تدريباً مهنياً. ويتمثل أحد الدروس الهامة المستفادة أنه على الرغم من ضرورة السعي نحو إيجاد حلول وطنية للصراع، فإنه من الضروري بالقدر نفسه مراعاة القدرات والاحتياجات المحلية وتطوير الطاقات المحلية من أجل تعزيز سبل العيش وإعادة بناء المجتمعات المحلية.

وفي أحد البرامج الأخرى، أُنشئت جمعية تعاونية ريفية لاستعادة الخدمات البيطرية. وبدلاً من العمل مع الأطباء البيطريين على انفراد، نُظمت مجموعات للمشاركة في الاستثمار في المعدات وإجراءات التشخيص والعلاج. وقد جاء رأس المال الأولي اللازم للاستثمار في الجمعية التعاونية - رأس المال الوحيد من خارج البلاد - من منظمة "أوكسفام". وفي إطار مشروع مماثل مملوك من قبل العاملين فيه، بدأت الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية نشاطاً تجارياً لصناعة الملابس والخياطة تديره الجمعية مع مراكز في أربع مدن: دمشق، وحمص، وحماة، وحلب. وينطوي هذا البرنامج على نهج يغلب عليه الطابع التقليدي يتمثل في أن المنظمة تمتلك النشاط التجاري وتُديره، لكن العاملين يمتلكون حصصاً في المشروع. لذا مع نجاح المشروع، ينجح العاملون فيه. فضلاً عن أنه يشجع الصناعات المنزلية، حيث لا تحتاج النساء إلى مغادرة منازلهن ومع ذلك يُنتجن ما يعادل إنتاج المصنع.

يُمكن للشركاء الخارجيين في هذه البرامج ألا يقتصر دورهم على مجرد التدريب، بل أيضاً تقديم الدعم للأشخاص الذين عانوا من الصدمات النفسية ومساعدة الأشخاص على إعادة بناء حياتهم. ويمكن أن يشمل ذلك أيضاً تقديم المشورة والتوجيه بشأن إعداد الأطر القانونية لإنشاء الأنشطة التجارية، بالإضافة إلى توفير المنصات التقنية. ففي الأردن، على سبيل المثال، تم تطوير منصة رقمية لمساعدة منتجي الوسائط الرقمية من اللاجئين السوريين على دخول السوق وفي نهاية المطاف بيع منتجاتهم. تدل مثل هذه المنصات على أن رواد الأعمال الأفراد ليسوا بالضرورة مقيدين بمواقعهم الجغرافية.

لا بد أن نتذكر أننا نأتي بأفضل الأفكار على أرض الواقع وبين الناس. ففي العام الماضي، أُنشئت مدرسة للتدريب على فن التصوير الفوتوغرافي في مخيم للاجئين، استهدفت الشباب السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاماً. وقد استجابوا بشكل جيد للتدريب لدرجة أن الصور التي التقطوها عُرضت في معرض فني في مانهاتن وتم بيعها بمزاد، وحققت مكاسب بلغت 50 ألف دولار أعيد استثمارها مباشرة في مدرسة المخيم. ولعل هذه هي المرة الأولى التي يتبرع فيها شباب اللاجئين لمشروع يستهدف شباب اللاجئين. فالتكنولوجيا الموجودة اليوم لا يجب أن تقتصر على النخبة. ويجب علينا أن نفكر في كيفية إضفاء الطابع الديمقراطي على التكنولوجيا لكي يستفيد منها الجميع.

مناقشة

ثمة عدة عناصر فيما يتعلق بسياق الشباب في الصراع يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ففي السياق السوري، هناك أطفال لم تكن أعمارهم تتجاوز سبع سنوات عندما بدأ الصراع؛ واليوم صارت أعمارهم 17 عاماً. فهم لا يعرفون شيئاً سوى الصراع، والعيش في فقر، والكفاح من أجل الطعام، والبحث عن الماء. فقد حُرم هؤلاء الأطفال من عيش شبابهم بصورة طبيعية وتعرضوا للإهمال وتُركوا دون مساعدة. وثمة شباب يفكرون في أن يصبحوا أطباء ومحامين في ظل اقتصاد لم يعد يدعم مثل هذه الطموحات. فقد تناول تقرير نشره المجلس النرويجي للاجئين في العام الماضي تطلعات الشباب؛ ومن المؤسف مقارنة هذه التطلعات بواقعهم الأليم. وهناك شابات وفتيات شاهدن وتعرضن لأشياء لا توصف. وبالنسبة لهؤلاء الشباب فإن النطاق الإيجابي للإمكانيات يتضاءل بشدة: فهم لا يعرفون كيف يبدو المستقبل، أو ما الذي يرغبون في القيام به.

لا يزال الشباب السوري يعتقد أن العمل لصالح الحكومة هو أفضل خيار للحصول على عمل جيد ومُحترم. هل هذا حقاً ما يجب أن يطمح إليه الشباب في المستقبل؟ هل هذه تُعد فرصة عمل جيدة؟ أم أن ذلك عودة للماضي؟ بينما نسعى إلى إيجاد حلول ونحن نمضي قدماً، يجب أن نتأكد من أن تلك الحلول لا تجعل الفقر هو مصير الشباب. إذ إن العمل في قطاع الزراعة قد يضع الطعام على الطاولة، ولكنه ليس استراتيجية استشرافية - بل مجرد استراتيجية للتكيُّف. وعند التطلع إلى المستقبل، من الضروري أخذ العمل والاقتصاد في المستقبل بعين الاعتبار. وإذا سمح التمويل والعقوبات المفروضة ببعض الاستثناءات، فستُقدم المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية تدريباً للفتيات على التقنيات المتطورة، وتعلمهن البرمجة، ودراسة تقنيات الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية.

من شأن إجراء المقابلات في سياقات مماثلة للصراع الدائر أن يوفر فهماً أفضل للطريقة التي يُقدم بها الصراع للأفراد شعوراً متواصلاً بالوعود الكاذبة وعدم القدرة على تحقيق طموحاتهم وتوقعاتهم للمستقبل. وهذا في الواقع يُشكل موجز بيانات المخاطر التي قد يواجهها الأشخاص وتفضيلاتهم الاقتصادية. ومن منظور الشباب في الصراع، أحياناً قد يكون للأمل تكلفة. ومحاولة القيام بالأشياء التي تستمر في الفشل لها تكلفة. وإذا صممت المنظمات برامج وتدخلات تطلب من الشباب تحمل قدر معين من المخاطر، فلا بد وأن تعترف بأن توقعات الشباب وتطلعاتهم قد لا تكلل بالنجاح. يتعين على الممارسين ألا يكتفوا بأخذ العوامل القابلة للقياس بعين الاعتبار فحسب، مثل عمليات تقييم الاحتياجات، بل يجب عليهم أيضاً أن يضعوا التصورات والتطلعات والمشاعر في الاعتبار. أما بالنسبة للأفراد، غالباً ما تكون هذه هي الحالة نفسها: إذ إن التصورات تُشكل واقع الفرد. ويجب على المنظمات أن تدرك ليس فقط كيف تبدو حياة الشباب اليوم، بل أيضاً كيف يتصورن حياتهم عندما يكبرون.

عند دراسة الأدوار التي تضطلع بها المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية، من الضروري دراسة الأنظمة التي تنظم عملها، وبالتحديد في سوريا. فقد أخفقت العديد من البرامج الرامية إلى توفير الدعم الاقتصادي للشباب في تحقيق أهدافها. والأسباب وراء ذلك عديدة، من بينها الحرب المستمرة، والأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، وتأثير النزوح على رأس المال الاجتماعي. وكثيراً ما تُعزى إخفاقات برامج التمكين الاقتصادي هذه إلى عوامل منهجية وإلى العقلية الكامنة وراء التدخّلات الدولية في مناطق الصراع. ومن بين هذه العوامل الرؤية الضيقة والمحدودة للعديد من البرامج في سوريا. فكثيراً ما يُتوقع من المنظمات غير الحكومية والأفراد على حد سواء تنفيذ حلول جاهزة للصراع السوري دون فهم الاحتياجات الفعلية للمجتمعات المحلية أو البيئات التي يعملون فيها. وقد أدى ذلك إلى وجود برامج غير مستدامة وغير قادرة على إحداث أي تأثير.

ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في شمال سوريا، حيث حاولت بعض الجهات المانحة زراعة القمح في مناطق لم يسبق أن زُرع فيها، ولم تكن البيئة والبنية التحتية مهيأة لمثل هذا النشاط. ولم يفشل هذا المشروع في إنتاج أي شيء فحسب، بل ألحق الضرر أيضاً بحياة المزارعين والأراضي. والمثال الثاني هو برامج التمكين الاقتصادي للمرأة في سوريا، التي توفر في معظمها معدات وأدوات الخياطة أو مجموعات أدوات تجميل للنساء بدلاً من تقديم الدعم الاقتصادي لهن فعلياً. فالعديد من الجهات المانحة لا ترغب في توفير فرص العمل أو إنشاء برامج مدرة للدخل في سوريا بسبب المخاطر المرتبطة بذلك، وهو أمر مفهوم. بيد أن الأمر المرفوض هو أنها ليست على استعداد لدراسة بدائل للمشاريع عالية المخاطر أو التوصل إلى حلول لقضايا مهمة، مثل كيفية تحويل الأموال داخل سوريا أو كيفية إعداد البنية التحتية المناسبة لتمويل المشاريع متناهية الصغر.

أدت هذه الأنواع من سياسات التمويل إلى سيطرة قطاع المنظمات غير الحكومية على القطاع الخاص في سوريا، وبالتحديد في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام. ونتيجة لذلك، أصبح الشباب ذوي المهارات الآن أكثر استعداداً للعمل مع المنظمات غير الحكومية بدلاً من العمل كمعلمين أو تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة خاصة بهم. وفي المستقبل القريب، ستعتمد سوريا اعتماداً كبيراً على التمويل الدولي. ولكي تؤدي المنظمات غير الحكومية دوراً في مسار التعافي، علينا أن نعيد النظر في النظام برمته، بما في ذلك سياسات التمويل. وينبغي أن نركز على تعليم الشركاء المحليين، ووضع برامج تلبي احتياجات المجتمعات المحلية السورية.

في حالة سوريا، تتمثل إحدى القضايا الرئيسية في تجزئة الفضاء السياسي. إذ تسيطر القوات الكردية، والقوات التركية، والميليشيات على مناطق مختلفة: إذاً كيف يمكن للمنظمات أن تقوم بتدخلات دون تسييس؟ الإجابة السهلة هي أن توفير فرص عمل للشباب ليست مسألة سياسية. بيد أنه من المؤسف أن تقديم هذا الادعاء يُمكن أن يضفي شرعية غير مقصودة على السلطات المسيطرة. على سبيل المثال، يطلب الاتحاد الأوروبي من الأطراف الخارجية عدم الظهور بشكل واضح في المناطق التي تسيطر عليها تركيا خوفاً من إضفاء الشرعية على الأهداف التركية في سوريا. إذاً، كيف يمكن للمنظمات الوصول للشباب دون أن تتخذ موقفاً سياسياً أو تدعم جهات فاعلة معينة حكومية أو غير حكومية، ولا سيما عندما تكون هذه الروابط قادرة على نزع الشرعية عن المنظمات المذكورة أو إلحاق الضرر بها؟ ومن ثَمَّ، فمن الصعب أن تظل مستقلة وأن تضمن عدم إحداث آثار جانبية غير مقصودة، كما هو الحال في هذه اللحظة التي تُفتقد فيها الاستقلالية عندما يتوقف المؤيدون الرئيسيون عن تقديم الدعم. بيد أن الاستمرار في العمل على نطاق صغير ومركز من أجل الحفاظ على الاستقلالية وتجنب المخاطرة بالتدخل السياسي من جانب الجهات الفاعلة سواء التابعة للدولة أو غير التابعة للدولة يحد أيضاً من القدرة على توسيع نطاق الوصول وتحقيق التأثير. ولذا فهو توازن صعب ودقيق.

تلعب المنظمات المحلية دوراً حاسماً في تصميم البرامج الموجهة للشباب. لكن لسوء الحظ لا تتلقّى سوى أقل من 1٪ من التمويل الدولي، ولذا تعاني من أجل البقاء والصمود. غير أن خلق مجتمع مدني حيوي هو أمر أساسي في عملية إعادة بناء المجتمعات المفككة والتي شهدت أشكالاً من المعاناة. لذا فإن زيادة الدعم للمنظمات المحلية يمثل قضية كبرى. وبالمثل، من القضايا الأساسية في عملية "توطين" الدعم والتنمية هو عدم وجود تعريف دقيق لماهية "المحلية". وفي الحالة السورية، ما تزال المنظمات الوطنية الكبرى غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تُعامَل باعتبارها متلقٍّ سلبي للتمويل الدولي؛ أي مجرد منفذين لمشروعات جاهزة، لا دافعين باتجاه التغيير.

هناك العديد من المنظمات المحلية التي تقوم بجهود فائقة على الأرض؛ ويمكن لمنصات التمويل الجماعي للأزمات الإنسانية، مثل CanDo، أن تصبح وسيلة لزيادة الدعم المقدم إليها. وبالمثل، أصدرت اللجنة الدائمة المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة مؤخراً دليلها للعمل مع الشباب، الذي ربما يوفّر رؤى حول العمل مع الشباب ومن أجلهم في السياقات الإنسانية. وقد نشر المجلس النرويجي للاجئين أيضاً دراسة جديدة تقدم إطاراً لفهم "رفاه الشباب في أثناء النزوح" في العام 2020.

حلقة النقاش الثانية: ما البدائل الموجودة؟ رؤى من الحالات المقارنة والمشاريع القائمة

أجرى "اتحاد أبحاث سبل العيش الآمن" (بقيادة "معهد التنمية الخارجية" في لندن ODI) بحثاً يقدم رؤى متعمقة حول تعزيز سبل العيش في سياقات الصراع خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. سعى هذا المشروع البحثي، الذي استمر عشر سنوات، إلى فهم طرق الناس -بمناطق الصراعات والحروب- في كسب عيشهم والوصول إلى الخدمات، وما هو تصورهم للدولة. ويشمل المشروع أيضاً بحثاً كيفياً متعمقاً حول حالات خاصة في بلدان معينة، إضافة إلى جهود مقارنة من أجل استخلاص سمات مشتركة بين البلدان المختلفة. ويتضمن أيضاً استقصاء فردياً لحوالي عشرة آلاف شخص، أُجريَ ثلاث مرات على فترات مدتها ثلاث سنوات، وشمل سؤال المشاركين حول الدخل والوصول إلى الخدمات الصحية وتصوراتهم عن الحكومة، إلخ. أتاح هذا البحث فهماً طولياً عميقاً للكيفية التي تكسب بها الأسر التي عانت من الصراع قوتها، وأوضح أيضاً أنه حتى بعد نهاية الصراع يستمر الناس في المعاناة من الهشاشة، مما يدل على أنه ليس هناك ثنائية الصراع وما بعد الصراع. فالصعوبات الاقتصادية لا ترتبط بالضرورة بوجود صراع؛ فاستمرار اللايقين والهشاشة من المسلَّمات.

في المتوسط، كانت الصدمات متواصلة وشائعة، ولكن لم تكن مرتبطة بالضرورة بالصراع. وتشمل تلك الصدمات النزاعات حول الأراضي والأمراض التي تصيب المواشي والمشكلات الصحية. وبالتالي تتعطل باستمرار استراتيجيات سبل العيش وتحصيل القوت، نتيجة الصدمات، وتميل الأسر في تلك السياقات إلى التنويع لتكون أقل عرضة للمخاطر. إضافة لهذا، تميل أيضاً تلك الأسر إلى الاقتراض لمواجهة الصدمات وتخفيف أعباء الاستهلاك؛ ومع ذلك فإن تحمل المزيد من الديون قد يسهم في إحداث تقلّبات اقتصادية. فعادة ما يكون الاقتراض الأسري من أجل حاجات أساسية فورية، وعادة ما يكون من الأقارب والأصدقاء، مما يشير إلى أهمية تلك الروابط الاجتماعية في استراتيجيات التكيف.

كشف البحث أيضاً عن مجموعة متنوعة من استراتيجيات سبل العيش، علاوة على تدهور زراعي ينطوي على الانتقال من السياقات الريفية إلى السياقات الحضرية التي لا تستطيع استيعاب العمالة. وقد ظهرت أربع استراتيجيات تميل الأسر إلى اتباعها في اقتصادات ما بعد الصراع. أولى تلك الاستراتيجيات هي الهجرة من أجل العمل، مما قد يجلب تحويلات مالية. ومع ذلك تنطوي هذه الاستراتيجية على تكاليف بدء وانطلاق عالية فيما يتعلق بالاقتراض، وليست في الحقيقة تجربة تحويلية مثلما يُنظَر إليها في العادة. أما الاستراتيجية الثانية فهي العمل الحر أو ريادة الأعمال. أما الاستراتيجية الثالثة فهي العمل بأجور عرضية، وقد تكون محفوفة بالمخاطر مع احتمالية إساءة المعاملة. أما الاستراتيجية الرابعة فهي العيش بالدَّين. نادراً ما تكون هذه الاستراتيجيات خياراً، وغالباً ما تكون ملاذاً أخيراً لمن يلجأ إليها. وبالتالي يتعرّض دخل الأسرة في العادة للتقلّبات، مما يجعل من الصعب رسم مسار للتعافي الاقتصادي.

في الواقع، يكشف البحث حول العمل الحر وريادة الأعمال عن أن هذا أقرب لأن يكون استراتيجية تكيُّف منه إلى أحد الخيارات المحتملة. فيميل الترويج لريادة الأعمال إلى الارتباط بمجموعة من الفرضيات التي لا تتماشى مع طبيعة عمل الاقتصاد على أرض الواقع. من هذه الفرضيات أن الجميع على استعداد ومقدرة على العيش بالدَّين، وأن ريادة الأعمال مهارة أو قيمة عامة يتقنها الجميع، وأن فهم الناس للمخاطر والسلوك الاقتصادي يتلاقى مع الممارسات الجيدة في ريادة الأعمال. لكن برامج ريادة الأعمال بحاجة إلى أن تكون مصحوبة بشبكات أمان، كي لا يتجه الناس إليها لمجرد عدم وجود خيارات أخرى.

غير أن هناك مشكلات تتصل بالقياس والافتقار إلى تعريفات دقيقة تمثّل عائقاً قوياً أمام الجهود المبذولة للاستقصاء حول برامج محددة لسبل عيش الشباب وتعزيز فرص التوظيف في سياقات مقارنة للصراع وما بعد الصراع. فهناك عدد قليل جداً من التقييمات متوسطة المدى (خمس سنوات أو أكثر) لتأثير البرامج الموجهة للشباب على سياقات الصراع، وهناك كثير من المشروعات قصيرة المدى وغير قابلة للتوسع. على هذا النحو، وفي كثير من السياقات، بمجرد توقف المشروعات لن يتغير الكثير بعدها، ولا تُجرَى قياسات منهجية للوصول إلى تأثير طويل المدى.

علاوة على ذلك، يختلف تعريف "الشباب" اختلافاً كبيراً تبعاً لعوامل عدة كالسياق والثقافة. فليس الشباب فئة واحدة متجانسة: إذ لا يتشابه أولئك الموجودون في المناطق الريفية والحضرية ولا أولئك الموجودون في مناطق سيطرة النظام وغيرها من المناطق، إلخ. ولأن فترة الشباب هي فترة انتقالية في حياة الإنسان، تتميز بوجود عملية تكامل اجتماعي واقتصادي وسياسي، فمن الصعب تعقب الآثار طويلة المدى مع دخول الشباب مرحلة النضج. في هذه الفترة الانتقالية يدخل الشباب حياتهم الاقتصادية في أسواق العمل الرسمية غير المنظمة، بما لهذا من عواقب على آفاق مستقبلهم ونموهم المهني. وبالمثل، يمكن للصراعات أن تعيق بشدة مسارهم التعليمي. وبالتالي فإن عملية الإدماج الاقتصادي للشباب ترتبط بكل من سياقاتهم المحددة ووضع الاقتصاد الكلي. ربما ينبغي للمنظمات التفكير في دمج الشباب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية أولاً، ثم التفكير في سبل العيش ثانياً، نظراً إلى أن العملية الأولى تعزّز الثانية.

في الواقع، لو أرادت المنظمات معالجة قضية بطالة الشباب، فعليها التركيز على السياسات (لا البرامج، مع أهمية البرامج أيضاً). ففي حالات مقارنة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يخسر الشباب سنوات طويلة من التعليم بسبب الصراعات، ولكنهم خلال ذلك يجنون أيضاً كثيراً من المهارات من سوق العمل. ويصبح السؤال إذن: كيف يمكنهم الحصول على شهادات بهذه المهارات التي تعلموها واكتسبوها؟ في الأردن، على سبيل المثال، تُبذل جهود لمنح الشباب شهادات بذلك عبر منهجية "الاعتراف بالتعليم السابق" وتغيير عقلية "التعلُّم من أجل الكسب" إلى "الكسب من أجل التعلُّم (المستمر)". وهذا الأمر مهم في الحالة السورية، حيث خسر كثير من الشباب سنوات من التعليم المدرسي.

ومع ذلك، ليست هناك فرص كافية في سوق العمل، وهي مشكلة لا بد من معالجتها. فلو لم تكن لدى القطاع الخاص القدرة على خلق المزيد من فرص العمل، فهناك برامج أخرى يمكنها دعم الشباب، كالأشغال العامة. وفي الواقع، على الحكومات التدخل وخلق فرص عمل، لا سيما للعمالة ذات المهارات المنخفضة وشبه المدرَّبة. ويمكن تنفيذ الأشغال العامة في سوريا، لكن قد يتطلّب هذا الاستثمار في عمليات إعادة التأهيل وإعادة الإعمار، التي يجب أن تكون كثيفة العمالة من أجل خلق فرص عمل. ويمكن أيضاً أن يوفر استخدام المنصات الرقمية في البحث عن العمل فرصاً للشباب لتعلُّم مهارات جديدة. وقد تكون المبادرات المرتبطة بتعزيز المهارات الرقمية فعالة من حيث التكلفة أيضاً.

أخيراً، نظراً للتركيز في منطقة الشرق الأوسط على ريادة الأعمال كأحد الحلول لمشكلة بطالة الشباب، فمن المهم أن ندرك أن روح المبادرة وريادة الأعمال ليست مما يحظى به الجميع. وليس التدريب بالأمر الكافي؛ فالناس بحاجة أيضاً إلى وجود تمويل. على هذا النحو، يتحتم على الجهات الفاعلة الخارجية العمل على إعداد سياسات تعزّز الإدماج المالي في أوساط الشباب. وإن تم تشجيع الشباب على العمل في القطاع الخاص، فلا بد أن تكون تلك الوظائف ”لائقة“ ورسمية وأجرها مجزٍ يكفي للمعيشة؛ وإلا فسيستمر الشباب في السعي نحو الحصول على وظيفة في القطاع العام. وفي حين أن منظمة العمل الدولية لديها برامج مختلفة لتقديم الدعم إلى الشباب، فإن أهم شيء هو وجود رؤية على المدى القصير والمتوسط والطويل.

نقاش

في سوريا، كما في حالات الصراع الأخرى، لا بد أن تكون البرامج الموجهة للشباب مصحوبة بتقنيات للتعافي من صدمات الحرب. ومع أن جميع الشباب تقريباً في البرامج المقامة في سوريا يظهر في البداية أنهم مصابون باضطراب ما بعد الصدمة، لكن هذا أمر يمكن علاجه من خلال برامج معينة تقوم بتعليمهم تقنيات إدارة الصدمة. ومن الضروري تلبية الحاجات النفسية والاجتماعية للشباب، لأن مشكلات الصحة النفسية لها أثر كبير على أمور أخرى من قبيل المشاركة والالتزام المجتمعي لدى الشباب.

وتكشف أيضاً البحوث التي أُجريت على الشباب في سوريا عن وجود رغبة قوية ومتكررة في فعل كل ما يحتاجه الأمر لمغادرة البلاد والاستقرار في مكان آخر. وحتى حين يحاول الشباب الانخراط في جهات ومنظمات المجتمع المدني، فإن هذا يكون من أجل تدعيم السيرة الذاتية ليكون بإمكانهم التقدم للمنح الدراسية والعثور على طريقة للخروج من البلاد. فيما تحاول الفتيات أيضاً استغلال الزواج كوسيلة للفرار من سوريا. ويعدّ هذا توجُّهاً خطيراً مقلقاً؛ لأنه من غير الممكن إعادة بناء سوريا من أوروبا. وبينما يحاول كثير من السوريين في لبنان تحويل الأموال إلى أسرهم في سوريا، وتشجيعهم على تطوير مشروعات مدرة للدخل لتحقيق الاستقلالية المالية، فإن كثيراً من هذه المشروعات تفشل أو لا تكون مربحة.

تحتاج البرامج إلى التوطين وأن تصبح محلية، لتصل إلى مستوى القرى، خصوصاً بالنظر إلى سياق انعدام الأمان وغياب وسائل النقل، مما يجعل من الصعب وشبه المستحيل السفر والتنقل بين المناطق. فعلى سبيل المثال، تعتبر نقاط التفتيش كابوساً يعيق السفر، ويحاول كثير من الشباب الحصول على بطاقات أمنية ليتمكنوا فقط من التنقل بأمان. هذه التحديات الأمنية والاقتصادية هي العقبة الكبرى أمام وجود أنشطة هادفة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. غير أن هناك أدلة أخرى على أن الشباب في سوريا يتمتعون بقدر كبير من المرونة. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها ميرسي كوربس للمساعدات الإنسانية أن 35٪ على الأقل من شباب سوريا قد تبنّوا طرقاً جديدة للحصول على سبل العيش. فالشباب في سوريا يتركون مجال الزراعة وصاروا مرتبطين بالتقنيات الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما قد نتوقع. وما زالت الأسواق، كذلك، مفتوحة في سوريا وتواصل حركتها على الرغم من استمرار الصراع.

ومع ذلك، لا يمكن تعزيز التنمية الاقتصادية في سياق التضخم المفرط وانعدام البنية التحتية، إلخ. فمن المهم إدراك أن الاقتصاد السوري أفقر بكثير اليوم مما كان عليه لسنوات عدة قبل ذلك. وهذا الأمر يستدعي ثلاثة أشياء على الأقل. أولاً، ليس للذكريات عن مستويات معيشية أفضل في الماضي أي فائدة في التخطيط للمستقبل. فعلى المستويين الكلي والفردي، نجد أن المنح والأصول اليوم أقل بكثير مما كانت عليه في السابق. ثانياً، سوريا اليوم بلد قاحل ومنخفض الدخل، ولا بد من ضبط وتغيير التوقعات وفقاً لهذا الأمر. الأمر الثالث أن قطاعات كالزراعة المَطَرية لأصحاب الحيازات الصغيرة لها أهميتها. فالحديث إذن عن اقتصاديات رقمية قد يؤدي إلى تغذية الأوهام بدلاً من تقديم آمال واقعية حيال التوظيف أو النمو.

وفي حين أن الاستثمار في ريادة الأعمال سيكون أمراً محورياً، وعلى الرغم أن مستوى مهارات العمال السوريين قد كانت مرتفعة، لكن هناك الآن غياب لتعليم الشباب السوري. سيلزم الأمر توفير عملية بناء القدرات التي تركز على المهارات المهنية والشخصية. وبالمثل، عند التفكير في الدعم المالي لا بد أن يكون التدريب على ريادة الأعمال قائماً ضمن سلسلة القيمة. فمجرد تقديم ماكينة خياطة إلى إحدى صاحبات المشروعات الصغيرة دون ربطها بالسوق وأماكن الحصول على المواد الخام لن يسمح بتوليد دخل لها، وقد ينتهي الأمر بأن تقوم ببيع الماكينة نفسها.

من التحديات التقنية الهائلة التي تواجه البرامج الموجَّهة للشباب في سوريا هي أيضاً مسألة توقعات؛ إذ يبدو أن المنظمات في الخارج تتوقع ألا تؤدي برامج التنمية الشبابية إلى خلق فرص عمل فحسب، بل أن تؤدي أيضاً إلى مشاركة مدنية ووكالة اجتماعية شبابية، إلخ. ومن أجل إقامة هذه النتائج التنموية الشبابية الكبرى قد نحتاج إلى نهج رئيسي شامل في مسألة التمكين الاقتصادي للعائلات شديدة الفقر؛ وقد نحتاج إلى البدء بشكل كبير وطموح حقاً ثم التدرج إلى الخطط الأقل طموحاً.

لا بد من دعم المشاركة الاقتصادية وقابلية التوظيف من خلال برامج تعليمية قائمة على المهارات الحياتية، إضافة إلى مشاركة اجتماعية ومجتمعية هادفة. فالشباب ينقسمون إلى فئتين: مَن هم في المدارس، وتعليمهم لم ينقطع، ولكنهم يتخرجون ليواجهوا سوق عمل لا يمكنه استيعابهم؛ ومَن تركوا المدارس وهم الفئة الأكثر حرماناً.

أوقات الصراع هي اللحظة الأمثل لبناء الثقة مع الجهات الفاعلة المحلية، وهي أفضل وقت لتجربة مناهج ومقاربات جديدة إضافة إلى اختبار كيفية العمل بأسلوب يراعي تلك الصراعات. فلن يكون هناك قياس حقيقي منطقي إلا بعد تحقيق تسوية سلمية، أو على الأقل وقف إطلاق النار بشكل مستقر وطويل المدى مع إنهاء أعمال المقاطعة السياسية. وفي حين أن القيود الحالية في السياق السوري ستجعل الاستثمارات واسعة النطاق شيئاً غير فعال، ما زال من الضروري إجراء اختبار تجريبي والعمل بناء على ذلك.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.