* تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه المقالة بالتعاون مع تشاتام هاوس، وهي جزء من سلسلة تتناول مستقبل الحوكمة والأمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتأثيرهما على دور الدولة في المنطقة.
غالباً ما تُصوّرُ سلطنة عمان على أنها "واحة سلام" حيث يتمتّع نظام الحكم بالمناعة ضد المعارضة، ولا يواجه الانتقاد بصورةٍ المباشر، أو أنه يستوعب المعارضة بنجاح على افتراض أنه أكثر شرعية من الأنظمة الحاكمة في البلدان الأخرى. وفضلاً عن كونها مبالغة في التبسيط، تقدم هذه الادعاءات رؤيةً من فوق، مُحرَّفةً، للعلاقات بين الدولة والمجتمع في السلطنة تميل نحو الدولة.
تهدف هذه الإحاطة إلى تغيير هذا المنظور من خلال توفير تحليلٍ أكثر تمييزاً للعلاقة بين النظام والجهات الفاعلة التي تُنازعه. ومن خلال مقاربتها الدولة على أنها مجال لتَنازع السلطة بين الحكام والمجتمع، تُبرز هذه الإحاطة أهمية الجهات المُعارضِة - مثل مجموعات الشباب والعمال الصناعيين والمثقفين - ومواجهاتها مع النظام. وتبدأ أولاً باستعراض السياق السياسي العماني، وتُلقي الضوء على أبرز مراحل الربيع العربي والتحدّي الذي واجهه النظام السياسي في أعقابه، وتبحث في كيفية تفاعل الجهات الفاعلة على كلا الجانبين خلال هذه المراحل وكيف نجح النظام في احتوائها.
وتفترض هذه الإحاطة، إن العلاقة المتبادلة بين النظام والمعارضة في عُمان محكومة بإدراك النظام للتهديد خلال فترات الاحتجاج، الذي يرتبط بدوره بفقدان السلطة المُحتمل في كل مرحلة من هذه المراحل. إن النظام لا يتنازل أو يلجأ إلى القمع من تلقاء نفسه، بل هو يأخذ في الحسبان مستوى التهديد الذي يشكّله الاحتجاج وكذلك المطالب وردود الفعل المُحتملة من الجهات الفاعلة المعنية، وبالتالي يستخدم مجموعة مختلفة من الأدوات تتراوح بين القمع والتيسير النقدي و / أو التنازل السياسي.
على مدى العقد الماضي، واجه النظام العُماني حدثين رئيسيين من أحداث الاحتجاج تمثّلا في الاحتجاجات المتّصلة بالربيع العربي في عام 2011 واحتجاجات البطالة في عامي 2018 و2019. في الاحتجاجات المتّصلة بالربيع العربي، كان من بين الجهات الفاعلة المشاركة عُمّال الصناعة في صحار الذين سعوا إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية، ومثقفين في مسقط طلبوا من السلطان الانفتاح السياسي (مثل مجلس منتخب يتمتع بسلطاتٍ تشريعية أوسع، وعزل المسؤولين الفاسدين) والمتظاهرين المتعلّمين من أبناء الطبقة العاملة في جميع أنحاء البلاد، الذين أرادوا التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وفي احتجاجات عامَي 2018 و2019، شملت الجهات الفاعلة المشاركة في الإحتجاج الشبابَ العاطلين عن العمل والخريجين الجُدد في مدن مثل مسقط وصور وصلالة، ممن احتجوا على معدلات البطالة المرتفعة وإجراءات التقشف وطالبوا بالإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك المزيد من الوظائف في القطاع العام. وفي كِلتا الواقعتين، سعت الجهات الفاعلة المعنية إلى الإصلاح الاقتصادي و / أو السياسي. غير أن أياً من تلك الجهود لم يسع إلى زعزعة استقرار النظام. ونتيجة لذلك، كان رد فعل النظام محسوباً بدقة، إذ مُنِحت بعض التنازلات لتهدئة بعض المتظاهرين، واستُخدم القمع لضمان قبول المتظاهرين غير الراضين بالتنازلات تجنباً للتصعيد.
وتختلف طبيعة الاحتجاج الذي واجهه النظام العُماني خلال العقد الماضي عن ذلك الذي واجهه سابقاً خلال تاريخه الحديث، مثل حركات التمرد المناطقية ذات الأيديولوجيات الماركسية في ظفار، التي سعت للإطاحة بالنظام، فضلا عن الحركات الانفصالية الداعمة لإقامة نظام إمامي في المنطقة الداخلية. فقد مثّلت هذه الأحداث تهديداً أكبر للنظام العماني من الاحتجاجات الأخيرة، وكان رد النظام عليها أكثر وحشية وشمل تنازلات أقل (إن وجدت). وبالمقارنة، كانت الاحتجاجات الأخيرة موجهة نحو الإصلاح، وبالتالي كانت أقل تهديداً للنظام؛ وقد قوبِلت بدرجة من التنازل والوعيد بالقمع، وتنفيذه (لردع المزيد من المعارضة).
السياق السياسي في عُمان
تحكُم عمان مَلَكية مطلقة، والسلطان هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وكذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبالمقارنة مع الملوك الآخرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتمتع سُلطان عُمان بموقع قوي فريدٍ من نوعه، فهو غير مرتهنٍ إلى القيود التي يواجهها الملوك ممن نفذوا الإصلاحات الموجّهة نحو الديمقراطية - كما هو الحال في المغرب أو الأردن - كما أنه غير مُقيد بعائلةٍ ملكيةٍ قوية سياسياً مثلما هو الحال في ممالك الخليج الأخرى. وعلاوة على ذلك، أثناء وجوده في السلطة، كان السلطان قابوس (1970-2020) الحاكم الوحيد الذي يعرفه العديد من العمانيين. لذلك كان يتمتع بأفضلية كبيرة لأنه لم يكن يُنظر إليه على أنه خليفة لسابق.
وفي حين إن السلطان لا يتشارك السلطة مع أحد، إلا أنه يسعى للحصول على مشورة من برلمان يُعرَف بأسم مجلس عُمان، وهو يتألف من مجلسين هما مجلس الشورى، وهو الهيئة التشريعية الوحيدة في البلاد ويُنتَخَب جميع أعضائه البالغ عددهم 86 انتخاباً ديمقراطياً لتمثيل المحافظات العمانية الإحدى عشرة (تسمّى ولايات). أمّا المجلس الثاني فهو مجلس الدولة ويتألف من 83 عضواً يُعيّنون جميعاً من قِبَل السلطان. يجتمع المجلس بناءً على طلب السلطان ويتخذ قراراته بشأن القضايا التي يطرحها السلطان بأغلبية الأصوات، لكنه لا يتمتع بصلاحيات سن القوانين. ولدى عُمان دستور يُسمّى القانون الأساسي، الذي أدخله السلطان قابوس وأصدره في عام 1996، وهو يوفر إطاراً قانونياً وحُرّيات مدنية مُحسّنة (من خلال ضمان المساواة والرعاية الطبيّة والتعليم والتسامح الديني).
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للعلاقات بين الدولة والمُجتمع في عُمان؟ على الرغم من الخطوات الإيجابية نحو اللبرلة على مدى العقود الثلاثة الماضية، إلا إن المناخ السياسي المقيَّد في البلاد يخلق اختلالاً في توازن القوى لصالح الدولة، ما يجعل من الصعب إحداث احتجاج لأنّ الحرّيات السياسية لا تزال محدودة. وفي الواقع، ثمة القليل من السبل المتاحة للمشاركة السياسية؛ إذ لا يُسمَح بتشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية، فيما تُفرَضُ القيود على القوانين النقابية. كذلك فإن الحريات المدنيّة مُقيدة أيضاً؛ وإنّ كان القانون الأساسي يكفل حرية التعبير، إلا إن هذا لا يُطبّق على أرض الواقع. والتعبير العام مُقيدٌ هو الآخر، كذلك هو حال وسائل الإعلام المطبوعة والمذاعة المحلية، إذ تطغى الرقابة (وتشرف عليها الوكالات الحكومية). وفضلاً عن ذلك، فإن قواعد حرية تكوين الجمعيات يشوبها الغموض؛ فمن الناحية الدستورية، يُسمح للعمانيين بتكوين جمعيات ولكن يجب عليهم الحصول على إذن كتابي من السلطات قبل القيام بذلك ولا يمكن لهم أن ينتقدوا النظام.
وعلى النحو نفسه، فإن لدى المجتمع المدني في عُمان القليل من السلطة. وهو يتكوّن بصورةٍ أساسية من مجموعات أسستها الحكومة أو تخضع لسلطتها؛ ولا يمكنها معارضة الحكومة علانيةً، وبالتالي لا يمكنها إحداث تغيير كبير في المجال العام. وتشمل هذه المجموعات جمعية المرأة العمانية، والجمعية العمانية للخدمات البترولية، والجمعيات المهنية (على سبيل المثال، جمعية الاطباء والمهندسين، إلخ). ومع ذلك، هناك مجموعات صغيرة وما تزال في طور النمو من الشباب العمانيين المتعلّمين تأسست منذ عام 2007 وتسعى للتأثير على المجال العام من خلال النشاط عبر الإنترنت في مواضيع من قبيل الحاجة إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد تكتسب هذه المجموعات في نهاية المطاف قوة جذب أوسع وتُمثّل تحدياً أكبر للنظام مما تمثّله الصّيغُ الحالية للمجتمع المدني.
الإحتجاج في عُمان في السنوات الأخيرة
إذا نظرنا إلى الدولة على أنها مساحة لتنازُعِ السلطة بين الحكام والمجتمع، فإن قوة النظام وردود الفعل إزاء المعارضة في عمان أمر مهم؛ إذ يمكن أن تكون مؤشراً على مكمنِ السلطة وطبيعة التحدّيات التي تواجهها. وعلى الرغم من أن عُمان تُصوَّر أحياناً على أنها دولة مُحصّنة ضد المعارضة، فقد واجه النظام العماني في الواقع حركات تمرّد عديدة عبر تأريخه الحديث، تمثّلت في التمرّدات القبلية بشكل أساسي، والاحتجاجات الناجمة عن الصعوبات الاقتصادية، والاحتجاج الساعي للإصلاح. كانت هذه الفئة الأخيرة، هي الفئة التي واجهها النظام في الآونة الأخيرة، في 2011 احتجاجات الربيع العربي و2018 و2019 احتجاجات البطالة التي سعت إلى الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي و / أو السياسي (بدلاً من الإطاحة بالنظام أو الانفصال).
بدأت احتجاجات عام 2011 في مسقط في كانون الثاني/يناير 2011 ثم امتدت إلى مدينة صحار الصناعية في شباط/فبراير وكذلك إلى صلالة في الجنوب، وإلى المناطق النائية. وفي صحار، حشد آلاف العُمّال الصناعيين أنفسهم للمطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، مثل ارتفاع أجور المعيشة وخفض الأسعار وإيجاد حل للبطالة. وفي مسقط، تعاون المثقفون ونظّموا عريضة طلبوا فيها من السلطان إجراء إصلاحات سياسية، أي إبعاد المسؤولين الفاسدين وإتاحة مجال سياسي أكثر انفتاحاً. وقد شمل هذا المطلب الأخير إصلاح القانون الأساسي ومنح السلطة التشريعية للمجلس المنتخب (مجلس الشورى). كان هناك أيضاً الآلاف من المتظاهرين المتعلّمين ومُعظمهم من الطبقة العاملة الذين نزلوا إلى الشوارع، بما فيهم الطلاب وموظفيّ الوزارة. وبوجه عام، كانت الحركة سلميةً إلى حد كبير (بما في ذلك الاعتصامات والعرائض وأعمال الشغب والمظاهرات) باستثناء مناسبات قليلة، لا سيما في صحار حيث أضرم المتظاهرون النار في هايبر ماركت لولو المملوك للهند ورشقوا قوات الأمن بالحجارة.
وبعد تجاهُل الاحتجاجات الأولية الأصغر حجماً في مسقط، رد النظام بمزيج من التسهيلات النقدية والإصلاحات السياسية والقمع لإرضاء المحتجين وردع المزيد من الاحتجاجات. أولاً، وبدءاً من 26 شباط/فبراير (بعد شهر من بدء الاحتجاجات الأولى في مسقط)، أجرى السلطان تعديلاً وزارياً، وأبعدَ شخصيات مستهدفة، وحلّ وزارة الاقتصاد الوطني التي كان يُنظر إليها على أنها فاسدة، ووعد باستقلالية المدعي العام، واقترح إصلاحات جديدة للقانون الأساسي لعام 1996، إلا أن تلك الإصلاحات لم تَحدّ من صلاحياته الواسعة ولكنها أدخلت إصلاحات مدنية مهمة مثل إنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك. وتضمنت التسهيلات النقدية استحداث 50 ألف وظيفة جديدة في القطاع العام، وإعانات بطالة شهرية جديدة بقيمة 390 دولاراً أميركياً؛ وخفض معدلات المساهمة في المعاشات التقاعدية لموظفي الخدمة المدنية؛ وزيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص؛ وبدلات أعلى للطلاب الذين يعيشون بعيداً عن بيوتهم؛ ورواتب لتغطية تكاليف معيشة أفراد الجيش والأمن؛ وزيادة بنسبة 100% في المعاشات للمسجلين في وزارة التنمية الاجتماعية؛ والتعهد بزيادة النفقات بنسبة 26٪ لتوفير المزيد من مزايا الرعاية الاجتماعية.
كذلك استُخدِم القمع مع بداية احتجاجات صحار، ولكنه استُخدِم في وقت لاحق أيضاً. وفي صحار، فضّت قوات الأمن الاحتجاجات باستخدامها القوة والرصاص المطاطي والغاز المسيّل للدموع واعتُقِل العشرات من المتظاهرين، كما قُتل اثنان. وفي الأشهر التالية، جرى قمعُ أو اعتقال المتظاهرين الذين خرجوا أو نظّموا اعتصامات في مسقط وصور وصحار وصلالة. وفي 1 و28 آذار/مارس، استخدم الجيش الذخيرة الحية والدبابات العسكرية، ثم وُضعت صحار تحت السيطرة العسكرية لمدة أسبوع. وعندما اندلعت تظاهرة تطالب بالمزيد من الوظائف وزيادة الأجور في صلالة في 14 مايو / أيار، تدخّل الجيش وقطعت السلطات الاتصال بالإنترنت. وفي يونيو/حزيران 2011، تلقّى أكثر من عشرة متظاهرين معتقلين أحكاماً بالسجن بتهمة قطع الطرق، وإهانة موظفي الخدمة المدنية أثناء الخدمة، وإغلاق العمل في مؤسسة حكومية؛ تراوحت هذه الأحكام بين ستة أشهر وخمس سنوات. كما استُهدف الأشخاص الذين انتقدوا النظام ولكنهم لم يحتجوا عليه. وفي أيلول/سبتمبر 2011، على سبيل المثال، اُلقِي القبض على محرر صحيفة اتهم وزارة العدل بالفساد وحُكم عليه بالسجن خمسة أشهر. وبعد شهر، صدر مرسوم ملكي يقيّد حرية التعبير. وبهذه الاستراتيجية، احتوى النظام الحدث الفوري وردَع المزيد من الاحتجاج في المستقبل. وكان الاحتجاج قد خمد بحلول منتصف نيسان/أبريل 2011، على الرغم من تجدد بعض الاحتجاجات على نطاق أصغر في عامي 2012 و2013 وقد جرى قمعها.
اندلعت الاحتجاجات وأعمال الشغب والإضرابات والتجمّعات على مستوى البلاد رداً على الصعوبات الاقتصادية في كانون الثاني/ يناير 2018 وكانون الأول/ ديسمبر 2018 وكانون الثاني/ يناير 2019. وقد وصلت هذه الأحداث إلى عدة مدن منها مسقط وصحار وصور وصلالة، حيث شارك فيها الآلاف من الخريجين الجُدد والشباب العاطلين عن العمل. واحتجّ المتظاهرون على معدلات البطالة المرتفعة والتدابير التقشفية التي اعتمدها النظام في كانون الثاني/ يناير 2017 للتعويض عن انخفاض أسعار النفط وإنفاقه الزائد لاحتواء انتفاضات 2011. وتضمّنت هذه الإجراءات خفض الإنفاق الحكومي على الإعانات بأكثر من 500 مليون ريال عماني في عامي 2015-2016. تُمثّل البطالة مشكلة كبيرة في السلطنة، إذ يُقدّر المعدل الوطني بنسبة 15% على الصعيد الوطني ويشمل أكثر من 30% من شريحة الشباب في عام 2017.
احتوى النظام هذه الاحتجاجات من خلال استهداف السكان بالحوافز المالية إلى جانب قمع المعارضة المستمرة على المدَيَين القصير والطويل. وحدّد النظام سعر البنزين العادي، فيما أبقى على ربط سِعرَي الديزل والبنزين الممتاز بأسعار النفط الخام العالمية. كما وعد النظام بتوفير فرص عمل في إطار زمني مدته ستة أشهر، وتقييد توظيف العمالة الأجنبية في 2018، وإنشاء مركز وطني للبطالة في 2019. كما قمع المتظاهرين الذين ظلوا غير راضين وغير مقتنعين بهذه الوعود. وفي المدن الجنوبية، جرى اعتقال المتظاهرين فور وصولهم إلى مواقع الاحتجاج، ومن غير الواضح ما إذا كان قد أُطلِق سراحهم ومتى. كما واجه آخرون وحشية شرطة مكافحة الشغب، ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، اعتُقِل ما لا يقل عن 30 شخصاً ممن احتجوا على البطالة ثم أطلق سراحهم لاحقاً في عام 2018. وفي يناير / كانون الثاني 2019، اعتقلت قوات الشرطة صحفِيّين إذاعيين كانا يغطيان احتجاجاً ضد البطالة في مسقط، وبحسب التقارير فقد أُجبِر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين شاركوا في الاحتجاج على حذف الصور ومقاطع الفيديو التي التقطوها. انتهت هذه الاحتجاجات في كانون الثاني/ يناير 2019.
نظرة مستقبلية: العلاقات بين الدولة والمجتمع بعد 2011
في فترة ما بعد الربيع العربي، تغيّرت العلاقات بين الدولة والمجتمع، حيث زادت خيبة أمل عموم السكان - ولا سيّما الشباب - في النظام، خصوصاً فيما يتعلّق بوعود الانفتاح السياسي وتوفير فرص العمل. وفي الواقع، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2015 57% (مقارنة بـ 76% في عام 2011) ما يشير إلى أن العمانيين يشعرون بخيبة أمل من وعود التغيير السياسي أكثر مما كانوا عليه في عام 2011.
بعد عشر سنوات من انتفاضات 2011، أصبح من الواضح إن الإصلاحات المحدودة التي أجراها النظام لم تكن ترمي إلى أن تكون خطوة نحو الانتقال؛ وبدلاً من ذلك، كانت جزءاً من استراتيجية تهدف إلى استرضاء المُحتجين واحتواء تهديد الاحتجاجات. وتُظهر الاعتقالات المتكرّرة للمتظاهرين والناشطين والقيود المفروضة على حرية التعبير في عامي 2011 و2012 إن النظام يأبى التخلّي عن احتكاره للسلطة بأي قدْر (من خلال مشاركتها مع الهيئة التشريعية أو من خلال فتح المجال السياسي). ويدلُّ قمع النظام للمتظاهرين في عامي 2018 و2019، إلى جانب الوعود بتوفير الوظائف، التي لم ينفذها بعد، على مشكلة رئيسية: لا تزال العلاقات بين الدولة والمجتمع في عُمان محكومة بنموذج الدولة شبه الريعية الذي لا يستطيع النظام تحمُّل الإبقاء عليه، وبدون توفُّر الأموال لاسترضاء المتظاهرين، قد يلجأ النظام إلى زيادة القمع.
ورغم إنّه يمضي قُدُماً، سيواجه النظام استياءاً متزايداً ناجماً عن الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة وأن الدولة تبنّت استراتيجية لخفض الإنفاق العام منذ عام 2014 وستضطر إلى اعتماد إجراءات تقشفية، بسبب انخفاض أسعار النفط والتأثير الاقتصادي لجائحة فيروس كورونا. ومن المرجح أيضاً أن يواجه خيبةَ أملٍ شعبية متزايدة من جراء عدم الوفاء بوعود الإصلاح التي قُطِعَت منذ عام 2011. وسوف لن يكون الفاعلين الرئيسيين في الاحتجاج رؤساء القبائل أو الزعماء الدينيون أو الضباط العسكريون أو نخب رجال الاعمال، فكلهم يهدفون إلى الحفاظ على الوضع الراهن. بدلاً من ذلك، سيأتي الاحتجاج من الشباب العمانيين المتعلمين ومن الطبقة العاملة. يجب على النظام تكييف استراتيجيته لمواكبة التحولات التي يمر بها مواطنوه. وإلى جانب تنويع الاقتصاد، يجب على النظام أن يفتح المجال السياسي، وأن يتوقف عن قمع حرية التعبير، وأن يقلل الاعتماد على الاستراتيجيات القمعية مثل اعتقال المتظاهرين واستهداف النشطاء.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.