عن ضيق القوالب النظرية و اتساع الميادين: صيف مصر المشتعل

epa03768119 Egyptian policemen shout slogans against President Morsi and hold a poster reading in Arabic 'Down with the rule of the Murchid (leader of the Brotherhood)' as they join a protest in Cairo, Egypt, 30 June 2013. Tens of thousands of Egyptians took to the streets in rival rallies on 30 June, as the opposition demanded Islamist President Mohammed Morsi step down on his first anniversary in office. Tensions between Morsi's supporters and his opponents have risen in the lead-up to the anniversary, with at least seven killed in clashes last week. EPA/ALI ZIDI

للمرة المئة، سبقت الممارسات اطر التحليل المسبقة، اختلط فيها اللاعبون المنادون باستمرار الثورة بالقادمين لمساندة الجيش في وجه حليف الأمس/ غريم اليوم المتمثل في تنظيم الاخوان المسلمين. امتزج الثوار بالفلول  والديموقراطيون بذوي النزعة الفاشية، وطالبي الرزق  والحق في التعبير بمناصري الرجوع للسلطوية كإطار مستقر طالما عاش المصريون في كنفه.

ما تشهده الساحة المصرية هو " غليان ثوري متعدد الطبقات" تحاول عبره عدة قوي اجتماعية التعبير عن مطالبها التي لم تتحقق قط، و تحاول من خلاله القوي السياسية المتبلورة ركوب الموجة لفرض سيطرتها في المرحلة القادمة. هكذا يتضح ان خلع الرئيس ليس تحديا للشرعية الديموقراطية بقدر ما هو تجسيد لصراعات السلطة في لحظة لم يتبلور فيها بعد البديل الثوري و تتسابق فيها البدائل المطروحة دوليا كسيناريوهات واردة لاقامة نظام انتقالي. هنا تتبارز علنيا قاعدتان للشرعية: احداهما الشرعية التمثيلية و الاخري شرعية الميادين. و لكن هل يجسد الاخوان فعلا الخيار الديموقراطي امام خيار سلطوي يقترحه العسكر و تحالفات الطبقة الوسطي الحضرية؟ و هل تستطيع الجموع المحتشدة  باسم الشرعية الثورية تجاوز أبوية المؤسسة العسكرية؟ هذا هو التحدي الذي يستعصي علي  فهم فئات التحليل المستندة لأدبيات الانتقال الديموقراطي و المبجلة -ابتداءا وانتهاءا- للديموقراطية التمثيلية كطوق نجاة وحيد لثورات الكرامة العربية و في القلب منها مصر.

حدود الصندوقراطية:

تعجز التحليلات المنادية بحماية المكتسبات الديموقراطية حين يتم مواجهاتها بالسياق  السياسي و التشريعي الذي تحقق في إطاره انتصار الاسلام السياسي في الانتخابات ( استفتاء مارس، استنزاف الميادين و اقتصار مهندسي المرحلة الانتقالية علي الجيش و التكنوقراط القدامي و الاسلاميين قبل اي استفتاء شعبي بين فبراير ومارس ٢٠١١). تخجل  هذة الحججةحين نذكرها بالإعلانات الدستورية  المتعددة التي اصدرها الرئيس الاخواني  منذ انتخابه و التي جاءت منافية لأي قواعد ديموقراطية. تتلجلج  ايضاً حين نعرض صورا للمليشيات الاسلامية سواء الإخوانية او السلفية  و تحالفهما مع الامن و الجيش ضد المتظاهرين و المضربين منذ الصيف الماضي. و تتهافت مقولة الانتقال الديموقراطي حين نتجاوز حسابات تأليف الحكومة و كتابة الدستور بشكل اقصائئ  لكل التيارات المناهضة للاسلام السياسي كمرجعية وحيدة، و نستعرض آليات التمكين المؤسسي التي قام بها الاخوان يوميا علي مدي عام، كتيار سياسي يستأثر بكل مفاتيح اجهزة الدولة الادارية، علي مستوي الوزارات و منابر الاعلام و الثقافة ومراكز القيادة في المحافظات. و تسقط ورقة التوت الاخيرة عن أطروحات شميت و ادونيل عن آليات التحول الديموقراطي عندما نسترجع الخطاب الاخير لمرسي كرئيس منتخب: خطاب هدد فيه علانية الخصوم السياسيين بالانتقام، كما وعد بخلق قواعد محلية لمناهضة العنف بشكل ذكرنا بلحظات الباتريوت أكت الامريكية بعد احداث سبتمبر ٢٠٠١.

ان الوقائع علي الارض تظهر ان احكام قبضة السلطة و الامن كان قادماً لا محالة من الاخوان او من اجهزة الدولة الامنية. و لذا  علينا ان  نقرا اشتعال المشهد المصري -بما يمثله من محورية في المنطقة- كمعطيات تعثر في سياق ثوري  تم احتواءه و ليست كإجراءات ديموقراطية تم وأدها قبل الأوان. فالانتقال الديموقراطي نفسه بدا كمسار بشكل غلبت عليه حسابات السلطوية و المحاصصة و الاقصاء. مسار فرضته المعايير الدولية قبل الأوان و اكتفت - كالعادة- بصحته الاجرائيه علي حساب سماع المطالب علي الارض و الزخم المنادي بوقت للتبلور و الفرز فبدت قوانين الاحزاب و الانتخابات التشريعية و اللجان الدستورية معايير كافية لنيل الرضاء الغربي و لاستيفاء شروط المقرطة الإجرائية كما تقيسها بيوت الخبرة الدولية سعيا لنقل الحالة الثورية الخارجة عن السيطرة بحكم التعريف الي حالة إصلاحية يمكن التعامل معها وفقا للقواعد الدولية التي اتبعت من قبل في شرق اوربا في العقدين الاخيرين .

التحديات الآنية للمسار الثوري:

تمثل الحاجة لخارطة طريق جديدة منتجة من القوي الثورية احد معضلات المشهد المصري بعد ٣٠ يونيو،  و لكنها تظل احدها و ليست اوحدها. فتعدد وتصارع القوي المضادة للثورة و المتمثلة في الثالوث الكلاسيكي من مؤسسات أمنية و اسلام سياسي و زعامات الصف الثاني من النظام القديم قد يحول دون تبلور سريع لرؤية باسم استمرار الثورة و ذلك علي الرغم من اتساع قاعدة حركة تمرد الشعبية المتزايدة خاصة بين القطاعات الشابة و المهنية و العمالية. و يمثل خطر الحرب الاهلية  كما يسمونه او تصاعد العنف بين مؤيدي و معارضي الاسلام السياسي  بشكل اكثر دقة، معوقا ثانيا تتلاعب به القوي المتخاصمة كفزاعات لإخضاع الزخم الشعبي و تدجينه في لحظة انهاك ما بعد الحشد. ان نظرة واحدة علي هروب مناصري الاخوان من التحرير او استعمال العنف فجر امس تجاه مناصري مرسي و قتل ٤٠ معتصماً،  تعكس الحجم الحقيقي للمخاطر الذي يروج لها كل من القوات المسلحة و الاخوان ككارت ضغط في صراعهما المحتدم. كما تعكس الصراعات الداخلية بين قوي المعارضة و انعدام الثقة فيما بينها و بين سائر التيارات الاسلامية التي أثرت مساندة الغضب الشعبي، تحد ثالث يخصم من قدرات  الجميع علي التفاوض او الضغط في وجه اي تصعيد للعنف من جهة الجيش  علي المستوي الآني،  و تعطل امكانيات تبلور قطب اكثر اقترابا من المطالب الشعبية التي مازالت تنادي بالشعار المفجر للطاقة منذ يناير ٢٠١١: عيش، حرية و عدالة اجتماعية.

نخطئ حين نتبني ثنائية الشرعية الديموقراطية/ الانقلاب العسكري  كمدخل للتفسير، فكلا المعسكرين كان و مازال يتخذ من اللحظة الانتقالية منفذا للسيطرة و اعادة بناء السلطوية.  ان التعامل مع الصيف المصري المشتعل كمسار ثوري مستمر  وليس كلحظة سقوط  روبسبير التي تضحي بمئات الالاف باسم احكام سلطة ترميدورية يعقبها حكم عسكري ممتد،كما ان الإصغاء الي الحشد الجديد ضد محاولات الاستلاب  المستمرة من ثالوث الثورة المضادة ، يقللا من المساحة بين الواقع و فئات التحليل المقترحة، القديم منها و الجديد، المتاثر بالمركزية الاوربية- الشرقية او المتسلح بذكريات امريكا اللاتينية في السبعينات. من الوارد ان يتضاءل الحشد كما حدث المرة تلو الاخري علي مدار العامين السابقين و لكن من الوارد ايضاً ان يفاجئنا بموجات متتالية لإعلان الغضب امام محاولات احتواء الثورة.  و لذا يتوجب علينا التطويع المستمر لم داخلنا التفسيرية ولاطرنا التحليلية حتي نستطيع الالمام بتعقيدات المشهد العربي. هذا المشهد مزدوج البوصلة في كل من مصر و تونس و الذي قد يرسم موجة رابعة  قيد التشكل للديموقراطية و آليات بناءها في لحظة مابعد سلطوية و ما بعد اسلامية معا، او انتصار للثورة المضادة ليس عبر الانقلاب فحسب و انما عبر تفتيت الصفوف كالمعتاد منذ ٢٠١١، و ربما حتي عبر الاحتكام لمعايير الانتقال الديموقراطي المقدسة.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.