علاج دون بتر؟": عن إصلاح الأمن في مصر

شهد جهاز الدولة في مصر خلال حكم مبارك الطويل تدهور وانهيار معظم المؤسسات والأجهزة والخدمات. فعانت القطاعات التي لم تعد في عداد "الهيئات السيادية" مما أسماه سامر سليمان "الحلقة المفرغة للشرعية". فليس في إمكان نظام لا يتمتع بالشرعية زيادة الضرائب ولا محاربة التهرب الضريبي. فتتناقص موارد النظام، ويصبح غير قادر على تحديث الأجهزة والخدمات المختلفة، بل يصبح حتى غير قادر على الحفاظ على نفس المستوى ومنع تدهور هذه الأجهزة والخدمات. وأمام تدهور الأداء وانهيار الأجهزة، تقل شرعية النظام المأزومة أصلا، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة أي جهد في مجال جمع الضرائب ومحاربة التهرب، الخ.
وأمام تناقص الشرعية وتدهور الأداء المتزايد، اعتمد النظام بشكل متزايد على أجهزة الأمن التي تطورت كميا وكيفيا. وقد استغلت هذه الأجهزة مركزيتها وسطوتها من أجل فرض هيمنتها وحصار حياة المواطنين وتضييق الخناق عليهم. كما استغلت هذه المؤسسات هذا الوضع لتطوير أذرع اقتصادية وشبكات فساد.
حاول فريق جمال مبارك إصلاح مختلف الأجهزة غير الأمنية وتحسين الخدمات. وكانت الوصفة المتبعة هي الالتفاف حول الأجهزة والمؤسسات العملاقة التي تم اعتبارها (وربما عن صواب) غير قابلة للإصلاح، وإنشاء هيئات صغيرة كًفئة على أن تتوسع وتكبر مستقبلا. والمشكلة في حالة وزارة الداخلية أنه من المستحيل إنشاء قوة أو وزارة موازية، دون تهديد السلم العام. فيجب إذن التصدي لصلب المشكلة في ظل صعوبة التوصل لحلول. ولست في صدد اقتراح حلول، ليس في هذه الورقة على الأقل. فالغرض من هذه الورقة كان أكثر تواضعا وهو محاولة التأكيد على أن وضع قائمة مفصلة بالمشاكل والحلول هو أمر ضروري لكنه غير كاف. وكذلك محاولة استحضار ببعض الحقائق والمبادئ العامة المستقاة من تجارب أخرى، بالإضافة إلى التأكيد أنه لا يمكن عمل كل شيء في وقت واحد. فالإصرار على إعادة الهيكلة والصياغة الكاملة هو رأي وجيه وغير واقعي في آن. فمن المهم وضع خطة طريق. وآمل أن تطلق هذه الورقة نقاشا يمكننا من وضع تصور أو أكثر لمن أين نبدأ.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.