عامٌ انتخابيٌ في العالم العربي: تقديم

Arab Reform Initiative - عامٌ انتخابيٌ في العالم العربي: تقديم
© DR

يمكن اعتبار الانتخابات التي تجري في تونس والعراق ولبنان، منذ عام 2011، انتخابات "حرة" في العالم العربي، لأسباب ليس أقلّها كونها لا تجري في ظل نظام استبدادي. على أن هذا لا يعني أن تنظيم تلك الانتخابات قد حقّق أعلى المعايير الديمقراطية، والحال أن العديد من انتهاكات القانون قد حدثت، وبخاصّة في العراق ولبنان.

تقدّم مبادرة الإصلاح العربي تحليلا لهذه الانتخابات من خلال ثلاث أوراق تركّز على رهاناتها ونتائجها بالإضافة إلى منظور كلّ منها لمستقبل كل بلد.

اهتمامات محلية وبروز مرشحي المجتمع المدني

كما يبيّن مؤلفو الدراسات الثلاث، فإن النقاش السياسي لا يزال، في البلدان الثلاثة جميعها، ضعيفا للغاية. وقد اختارت الأطراف شعارات غامضة لا تعكس الاهتمامات الرئيسية للمواطنين، تتعلّق مثلا بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والفساد المستشري. وقد أدى هذا إلى انخفاض نسبة المشاركة التي تظهر ابتعاد الناخبين، رغم أن هذه الانتخابات جاءت بعد فترة طويلة من الانتظار والتأجيلات المتكررة، كما كان الحال في تونس ولبنان.

كانت الانتخابات البلدية في 6 مايو في تونس أول انتخابات محلية منذ الثورة. وهي مثال واضح على أن هناك أزمة ثقة بين المواطنين والطبقة السياسية كما توضح الكاتبة "أسماء نويرة" في ورقتها. وتَظهر هذه الأزمة أيضًا في التصويت لصالح المرشحين المستقلين. وقد تم انتخاب العديد منهم على قوائم لم تكن مدعومة من قبل أي من الحزبين الرئيسيين في البلاد: النهضة ونداء تونس.

أما بالنسبة للانتخابات التشريعية التي جرت في اليوم عينه في لبنان، فلم يفز فيها بعضوية البرلمان سوى مرشح واحد من المجتمع المدني، رغم أن قوائم مرشحي المجتمع المدني تمكّنت من الفوز بالعديد من الأصوات من المواطنين الذين خاب أملهم من الأحزاب السياسية التقليدية. وفي العراق، تم اختيار العديد من مرشحي المجتمع المدني من قبل الأحزاب السياسية. كما كان الحال في قائمة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر "سائرون"، التي احتوت العديد من قادة حركة مكافحة الفساد.

وبطبيعة الحال، تميّز كلّ بلد بحالات خاصّة به. ففي تونس، التي اعتبرت استثناء في العالم العربي لما بعد 2011، كان أحد أهداف الانتخابات الأخيرة إرساء أسس ديمقراطية محلية فعالة. وتختلف الرهانات بالفعل في الانتخابات البلدية مقارنةً بالانتخابات التشريعية أو الرئاسية: ففي العديد من المجالس البلدية، لا توجد أغلبيات واضحة، وسيكون على المسؤولين المنتخبين العمل معاً بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. وكان الهدف من هذه الانتخابات أيضا المساهمة في توطيد النظام الديمقراطي الوشيك في فترة الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي وخيبة أمل المواطنين في السياسات التي أعقبت الثورة.

الجغرافيا السياسية والطائفية

تتميّز العملية الانتخابية التونسية – سواء أكانت رئاسية أو تشريعية أو بلدية، في هذه الحالة – عن سواها في كونها عملية داخلية بحتة، تشارك فيها أطراف تونسية. ولا تزال تونس خارج الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية. غير أن الحالة مختلفة بالنسبة للبنان والعراق حيث تتدخل الجهات الإقليمية في العملية الانتخابية من خلال حلفائها المحليين. وقد عكست الانتخابات، في كلا البلدين، تغيراً في التوازن داخل الجماعات الطائفية.

في العراق، أصبح تحالف مقتدى الصدر الآن أكبر مجموعة في البرلمان، بينما خسر حزب الدعوة الكثير من مقاعده. كما فقدت الجماعات السياسية السنيّة كلّ مصداقية لها في عيون الناخبين السنّة، الذين صوت الكثير منهم لصالح القائمة التي يقودها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. ويبين ذلك حدود الخطاب الطائفي الذي يتبنّاه العديد من القادة السياسيين العراقيين (من جميع الطوائف) كما يشير إلى صعود خطاب "وطني" جديد كما هو موضح في ورقة عصام الخفاجي.

وفي الحالة اللبنانية، يمكن ملاحظة تغيير مماثل في التوازن بين الطوائف: فحزب الله يتقدم على أمل داخل الثنائي الشيعي، والحريري يخسر الانتخابات، بينما يصعد زعماء آخرون من السنّة، وثمّة توازن جديد بين الحزبين المسيحيين الرئيسيين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. بيد أن العديد من المراقبين ركزوا فقط على انتصار حزب الله، وبالتالي انتصار إيران، متجاهلين صعود المجموعات السياسية المعارضة لحزب الله وللتأثير الإيراني في لبنان.

ومع ذلك، سيواجه كل من لبنان والعراق نفس التحدي في المستقبل القريب: تشكيل حكومة جديدة.

أما العنصر المشترك الجديد في هذه الانتخابات الثلاث فهو ارتفاع عدد النساء المنتخبات. ففي العراق، تمّ انتخاب 84 امرأة، بينما تمّ انتخاب ست نساء فقط في لبنان (مقارنة بأربع في البرلمان السابق)، لكن مشاركتهن في العملية وصلت إلى رقم قياسي مع 86 مرشّحة، وكان المرشح الوحيد للمجتمع المدني الذي فاز بمقعد نيابي هو امرأة. أما في تونس كسبت المرشحات النساء 45٪ من أصوات الناخبين، وأظهرت نتائج الفرز النهائية فوز سعاد عبد الرحيم، كمرشحة عن حركة النهضة، لتصبح بالتالي أول امرأة في تاريخ تونس تتولى منصب "شيخة المدينة" منذ تأسيس النظام البلدي في 1858.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.