سياسات النقل المصرية 2014-2021

تنشر مبادرة الإصلاح العربي هذه الورقة بالتعاون مع الزملاء والزميلات في منظمة “نساء من أجل العدالة“.

ترام قديم في مدينة الإسكندرية في مصر، 08 أيلول/سبتمبر 2019. ©EPA-EFE/KHALED ELFIQI

1. مقدمة

تقدم قناة اليوتيوب التابعة لوزارة النقل المصرية توثيقاً ممتازاً للتغييرات بعيدة المدى التي تحدث في قطاع النقل في مصر؛ من طرق سريعة جديدة تربط المدن والجسور الجديدة؛ وعربات قطار جديدة لخطوط السكك الحديدية الوطنية؛ وأنظمة النقل العام الجديدة مثل المترو والقطار الأحادي (المونوريل) والقطار الكهربائي. ففي الفترة بين عامي 2014 و2021، استثمرت الدولة المصرية تريليون جنيه مصري (حوالي 63.6 مليار دولار أميركي) في قطاع النقل، في سعيها لتحقيق التنمية المستدامة. 

تسعى هذه الورقة إلى دراسة السياسات والاستثمارات الحكومية في قطاع النقل من منظور التنمية المستدامة، مع التركيز على الأبعاد البيئية والاجتماعية. 

أولاً: نقدم تعريفاً محدداً للقطاع بغرض تحديد بعض العناصر الأساسية للتحليل مثل: التنقل الحضري والسفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية، ثم نحدد بإيجاز أفضل الممارسات العالمية لكل عنصر. 

ثانياً: نقدم معلومات أساسية عن نظام تخطيط النقل في مصر الذي يوجه استثمارات الدولة، وكذلك معلومات عن الاستثمارات العامة والخاصة نفسها، بالإضافة إلى دور القطاع شبه رسمي، في محاولة منا للإجابة عن سؤال: أين ذهبت كل هذه الأموال؟ 

ثالثاً: نقدم تقييماً -عالي المستوى- لهذه الاستثمارات مقابل أفضل الممارسات العالمية، وندرس مساهمتها في التنمية المستدامة. كما نقدم تقييماً للتنقل الحضري لأكبر أربع تجمعات حضرية في مصر (القاهرة والإسكندرية والمنصورة وسوهاج)، يتضمن تقييماً للسفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية على المستوى الوطني. 

وفي الختام: نستخلص الاستنتاجات، ونحاول استنباط رؤى من التحليل. 

1.1 السياسات والبنية التحتية التي تؤثر على التنقل: قطاع النقل 

يغطي قطاع النقل البنية التحتية الأساسية للنقل (الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات)، وكذلك الهيئات المنظِّمة (الوزارات والهيئات والوكالات)، والشركات التي تقدم خدمات نقل الأشخاص (المشغلين) أو البضائع (اللوجستيات) باستخدام هذه البنية التحتية. تقسم تدفقات الأشخاص والبضائع إلى تدفقات داخل المدن والمناطق الحضرية (التنقل الحضري)، وبين المدن (التنقل الداخلي) وبين مصر والعالم (التنقل الدولي). 

يضطلع النقل بدور مهم في الاقتصاد والمجتمع؛ فهو يساهم بنسبة 5٪ في الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل 6.7٪ من ميزانية كل أسرة -باستثناء مشتريات السيارات- ويوفر فرص عمل لملايين العمال، لا سيما في القطاع غير الرسمي. 

يؤثر النقل على البيئة -ومن ثم على الصحة العامة- لأنه يساهم بشكل كبير في تلوث الهواء داخل الدولة، كما أنه ثاني أكبر وأسرع مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومن هنا، يعد الحد من تأثير النقل على المناخ هدفاً رئيسياً للسياسة على الصعيد العالمي، لا سيما في ضوء اتفاقيات باريس بشأن التغير المناخي 2015. 

من ناحية أخرى؛ تعد حوادث الطرق من أهم قضايا الصحة العامة، حيث تقتل 19 مصرياً يومياً، وتصيب كثيرين غيرهم، وتقلل من الرفاه والرخاء. 

يمكن تعزيز الوصول العادل إلى وسائل النقل من خلال ضمان وصول المواطنين إلى الفرص والخدمات بتكلفة ميسورة وبأمان. بالنسبة لمواطني الريف، غالباً ما يعني ذلك الوصول الميسور الذي لا تقطعه العقبات إلى الطرق المؤدية إلى أقرب الأسواق، ومراكز التعليم، والصحة، والمرافق العامة بتكلفة معقولة. أما بالنسبة لسكان المناطق الحضرية، فإن الوصول يقاس بفارق وقت التنقل(journey gap)  بين أولئك الذين لديهم سيارات خاصة ودراجات نارية، وأولئك الذين ليس لديهم هذه المركبات للقيام بالرحلة نفسها، وكذلك يقاس بوقت الوصول إلى العمل للمقيمين في الأحياء المختلفة. وبالنسبة للمواطنين الأكثر هشاشة وضعفاً، فالمقياس هنا يمكن أن يكون قدرة الفقراء على تحمل تكلفة التذكرة؛ وكذلك الأمان من التحرش بالنساء، أو تمكن ذوي الإعاقة من الوصول إلى نظام النقل. 

ومن هنا يمكننا القول إن النقل هو -إلى حد كبير- أداة للتنمية البشرية والاندماج الاجتماعي. كما يمكن للاستثمارات فيه أن تجلب عوائد اقتصادية كبيرة، وهو يمثل إحدى الخيارات الأولى للسعي وراء مجالات التنمية. 

لأغراض هذه الورقة، يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع من التنقل داخل قطاع النقل: 

  • التنقل بين المناطق الحضرية، أو سفر الأشخاص داخل المدن للوصول إلى العمل والفرص.
  • السفر بين المدن، أو سفر الأشخاص بين المدن (محليًا وإقليميًا ودوليًا).
  • الشحن والخدمات اللوجستية، أو حركة البضائع أو المنتجات أو المواد الخام. يمكن التمييز بين النقل المادي (الشحن) وعملية إدارة عملية النقل المادي بأكملها (اللوجستيات)، والتي تشمل التخزين والتعبئة والجمارك وما إلى ذلك.

2.1ما الذي تعنيه بنية تحتية ناجحة للنقل؟ 

1.2.1 التنقل الحضري 

تفحص شركة "مكنزي وشركاه" أنظمة النقل الحضري عالمياً لتحديد مكونات التنقل الحضري الفعال، وقد توصلت إلى خمسة محددات للأنظمة "الرائدة": 

  • التوافر: وهو يعني وجود بنية تحتية مناسبة للطرق، وبنية تحتية للنقل العام، وبنية تحتية لركوب الدراجات والمشاة، وأنماط تنقل جديدة. تقاس جودة النظام بمؤشرات مثل كثافة الشبكات وجودتها، ونسبة السكان المستفيدين، وعدد وسائل النقل المشتركة (دراجات وسيارات للإيجار قصير الأجل). 
  • السلامة والتنمية المستدامة: تقاس السلامة بمعدل وقوع الحوادث، وتدابير تطهير وسائل النقل العام ذات الصلة بكوفيد-19، والسلامة البيئية؛ كما تقاس بجودة الهواء المحلي وتكوين تجمعات المركبات الذي يؤثر على انبعاثات الغازات الدفيئة. 
  • القدرة على تحمل التكاليف: وتعني نسبة إنفاق الأسرة المخصص للنقل، والتدابير المتخذة لحماية المستخدمين المعرضين للخطر.
  • الكفاءة: وتعني تأثير الازدحام المروري على السيارات الخاصة، وعلى وسائل النقل العام، فضلاً عن معدل دوران مركبات النقل العام ومدى موثوقية الاعتماد على خدماتها.
  • التسهيلات والكماليات: مثل توافر الخدمات الإلكترونية (التطبيقات، شبكات الواي فاي، أنظمة معلومات الركاب، الدفع عبر الإنترنت)، راحة السفر (جودة التنقل بالحافلات والقطارات، وإمكانية الوصول إليها)، تعدد الوسائل المتوفرة (القدرة على التبديل بين الحافلات والسكك الحديدية)، وتجربة حجز التذاكر (بطاقة السفر الشاملة، الدفع عن طريق التطبيق، وتغطيتها لوسائط النقل المختلفة).

يصنف التقرير المدن إلى فئات، ويحدد المدن الرائدة منها بكثافة الاستثمار في تحسين توافر البنية التحتية للنقل العام، بينما تتجاهل المدن الأقل مرتبةً الاستثمارَ في سلامة واستدامة أنظمتها. 

تنتقد أدبيات عدالة النقل تخطيط النقل التقليدي بسبب التركيز على أداء النظام، واستبعاد الاعتبارات الاجتماعية للمستخدمين، وتقترح اللجوء إلى النقل المستدام لمعالجة وتخفيف الفوارق في التنقل وإمكانية الوصول. 

2.2.1 السفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية 

يعد النقل من عوامل تمكين النمو الاقتصادي والتنمية. في عام 2014، أظهرت مؤسسات تمويل التنمية أرقاماً مثل خسارة 40٪ من قيمة المنتجات المنقولة من صعيد مصر بسبب ضعف الخدمات اللوجستية؛ وأن الخدمات اللوجستية تمثل حوالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط عالمي يتراوح بين 10-12٪، وهو ما يجعل الطرق في مصر تصنف من بين الأسوأ على مستوى العالم. 

يفحص المنتدى الاقتصادي العالمي البنية التحتية للنقل باستخدام مؤشر التنافسية العالمية، الذي يُقيّم المؤسسات والسياسات والبنية التحتية. وهو يبني نتائج فحصه على البيانات الإحصائية (طول الشبكة) وعلى بيانات المسح (الملاحظة والرصد) على مدى توافر وجودة البنية التحتية للنقل والخدمات. 

تغطي ركائز النقل مؤشرات مثل "كثافة المطارات" و"ازدحام الطرق" و"جودة الطرق" و"كفاءة صناعة الخدمات اللوجستية". 

2. الخلفية

 

1.2 تخطيط النقل في مصر 

تاريخياً، كان تخطيط النقل في مصر يهيمن عليه مستشارون أجانب يعملون مع وزارة التخطيط أو وزارة النقل في إطار المساعدة الثنائية والمساعدة الفنية. فمنذ الخمسينيات من القرن الماضي، قام الخبراء الفرنسيون والبريطانيون والسوفييت واليابانيون على دراسة وتصميم واقتراح تدخلات لتخطيط وبناء البنية التحتية للتنقل الحضري والسفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية. الدراستان الأحدث والأكثر تأثيراً هما: مخطط النقل الشامل لإقليم القاهرة الكبرى (CREATS) ، وهو المخطط الرئيسي للنقل داخل القاهرة، بدأ العمل عليه في عام 2000 واستُكمل في عام 2002؛ والخطة العامة لنظام النقل القومي (MiNTS)، التي بدأت مصر فيها عام 2009، وانتهت منها في عام 2012. 

كان الهدف المحدد من الخطة العامة لنظام النقل القومي هو "تنويع [مكوناتها] بما يتجاوز مفاهيم "المَرافق" التقليدية المرتبطة بتوفير البنية التحتية"، والاتجاه نحو تضمين ما تسميه "التقنيات البرمجية" و"العناصر البشرية". تشير "التقنيات البرمجية" إلى اعتماد التكنولوجيا والمعايير الدولية والتكامل النموذجي، بينما يشير "العنصر البشري" إلى وجود موظفين مؤهلين (من خلال برامج تدريب متخصصة) يمارسون أنشطتهم عبر مختلف الحدود الوزارية ويتمتعون بإمكانية الوصول إلى البيانات لأغراض صنع القرار. 

2.2 قطاع النقل في مصر 

1.2.2 هيمنة الاستثمارات العامة 

استثمرت الدولة المصرية تريليون جنيه مصري (حوالي 63.6 مليار دولار أميركي في عام 2021) على مدار سبع سنوات في مجال النقل؛ حيث  90٪ من تدفقات الاستثمارات العامة إلى قطاع النقل (على عكس الاستثمارات الخاصة). تضاعف حجم هذه الاستثمارات العامة من حوالي 8 مليار دولار أميركي سنوياً في عام 2014 إلى 245 مليار جنيه مصري (حوالي 15.5 مليار دولار أميركي) في السنة المالية 2021 /2022. يوضح الجدول (2-1) توزيع الاستثمارات حسب المؤسسة ونوع المشروع والحجم النسبي. 

تضع وزارة النقل خططًا خاصة بالنقل وتراقب تنفيذها بشكل مباشر أو من خلال إحدى الهيئات الاقتصادية التابعة لها. ومن بين هؤلاء المشغلين مثلاً: الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو التي تدير مترو القاهرة، وسكك حديد مصر. كما تضم هيئات أكثر تخصصاً مثل: الهيئة العامة للطرق والكباري -التي تقوم على صيانة الطرق في جميع أنحاء البلاد- وجهاز تنظيم النقل البري -الذي ينظم النقل البري للبضائع والركاب- والمعهد القومي للنقل، الذي يجري دراسات النقل ويقدم الدورات التدريبية. 

الجدول (2-1): تفاصيل ميزانية وزارة التخطيط للسنة المالية 21-22. لم يصل إجمالي الميزانيات إلى 245 مليار جنيه مصري لأن بعض المشروعات لم ترد في المستند المصدر. 

 

 

اسم المؤسسة/تابعة لـ 

 

 

 

المهام والأهداف 

 

 

نماذج من المشروعات 

 

 

الميزانية (السنة المالية 21-22) 

 

 

وزارة النقل 

 

 

وضع الخطط الخاصة بالنقل ومراقبة تنفيذها. 

 

 

توسعة الطريق الدائري بالقاهرة 

توسعة محاور النيل 

 

23 مليار جنيه مصري (حوالي 1.5 مليار دولار أميركي) 

 

 

الهيئة القومية للأنفاق/وزارة النقل 

 

 

تنفيذ خطوط المترو 

 

 

 

الخط الثالث والرابع من مترو القاهرة 

القطار السريع 

المونوريل الشرقي والغربي 

مترو أبو قير بالإسكندرية 

القطار الكهربائي عالي السرعة 

 

 

 

113 مليار جنيه مصري (حوالي 7.2 مليار دولار أميركي) 

 

 

 

سكك حديد مصر / وزارة النقل 

 

 

 

إدارة وتشغيل شبكة السكك الحديدية 

 

 

 

أعمال الصيانة المتراكمة 

تطوير أنظمة السلامة والاتصالات 

 

 

 

27 مليار جنيه مصري (حوالي 1.7 مليار دولار أميركي) 

 

 

 

الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو 

 

 

 

تشغيل المترو 

 

 

   

33 مليار جنيه مصري (حوالي 2 مليار دولار أميركي) 

 

 

 

الهيئة العامة للطرق والكباري 

 

صيانة شبكات الطرق 

 

 
 

جهاز تنظيم النقل البري 

 

 

 

تنظيم النقل البري للركاب والبضائع 

 

 

الأتوبيس الترددي السريع على الطريق الدائري 

 

 

 

الجهاز المركزي للتعمير 

 

 

مشاريع الطرق 

 

 

الطرق العامة بالقاهرة 

 

 

 

3 مليار جنيه مصري (حوالي 190 مليون دولار أميركي) 

 

 

أهم الهيئات هي الهيئة القومية للأنفاق، حيث تحظى بنصيب الأسد من الاستثمارات. تأسست هذه الهيئة في عام 1983 لتسهيل بناء مترو القاهرة، وتطورت منذ ذلك الحين ووسعت نطاقها لتشمل إنشاء خط السكة الحديد الجديدة "للقطار السريع". 

من المرجح أن يشمل الجزء الذي لم يظهر في الجدول من الاستثمارات في شبكة النقل الاستثمارات في منطقة قناة السويس من خلال هيئة قناة السويس، في التوسع المستمر للبنية التحتية للموانئ الداخلية الجافة على مستوى البلاد، والبنية التحتية للموانئ البحرية والموانئ النهرية والمباني الإدارية، بالإضافة إلى المشروع القومي للطرق. يتضمن هذا المشروع إنشاء 5000 كيلومتر من الطرق الجديدة في مختلف أنحاء الدولة، وقد أوشك على الاكتمال حالياً. جاء تمويل بعض أجزاء هذا المشروع من بنك الاستثمار القومي، الذي تورط في ديون كبيرة، ويخضع حالياً لعملية إعادة هيكلة لتجنب التعثر في السداد. 

تعتبر وزارة الإسكان آخر مؤسسة عامة لها وزنها في النقل القومي، حيث تضطلع ببناء وصيانة المجتمعات العمرانية الجديدة من خلال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لها، وباعتبارها مساهماً رئيسياً في شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية. 

يتركز نطاق عمل وزارة التنمية المحلية حول المحافظات، حيث تتحكم في الهيئتين الوحيدتين المسؤولتين عن تشغيل الحافلات العامة في مصر -هيئة النقل العام بالقاهرة، والهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية- بالإضافة إلى عدد كبير من الطرق المحلية. تنظم المحافظات أيضاً قطاع المواصلات العمومية (انظر القسم 2.2.3). 

2.2.2 ابتكارات الاستثمارات الخاصة 

رغم أن تدفقات الاستثمارات الخاصة محدودة للغاية، إلا أنها ليست أقل تأثيراً. تغيرت خارطة التنقل الحضري بسبب دخول فاعلين جدد من شركات تأجير السيارات الخاصة (مثل: أوبر وكريم) التي استقطعت جزءاً من سوق سيارات الأجرة داخل المدن، وكذلك سوق الحافلات (الميكروباص) المتطورة التابعة لشركة سويفل، كما هيمنت هذه الشركات على الخدمة داخل المدن وانضم إليها عدد كبير من مشغلي الحافلات الخاصة الذين يتنافسون للحصول على امتيازات خاصة للعمل داخل القاهرة. كما تغيرت خارطة السفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية، إذ إن هذه الشركات تقدم أيضاً خدمة السفر بين المدن، كما تقوم الشركات الناشئة -مثل تريلا Trella- برقمنة شحن البضائع، وهناك شركات ناشئة أخرى في مجال الخدمات اللوجستية -مثل بوسطة- تجذب الأموال الاستثمارية وتواصل النمو. 

3.2.2 القطاع غير الرسمي يواصل نشاطه 

إلا أن هذه التدفقات الاستثمارية لم تتمكن بعدُ من أن تحل محل القطاع غير الرسمي الحالي بشكل كبير، هذا القطاع الذي يستمر في الازدهار داخل قطاع النقل. تهيمن وسائل النقل الخاصة شبه الرسمية على التنقل الحضري، وتحديداً الحافلات (الميكروباصات) وتتسع لـ 7 أو 14 راكب، وعادة ما تكون مملوكة لسائقيها أو يقوم على تنظيمها أفراد قلائل، وتسمى بـ"المواصلات العمومية". يشهد السفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية أيضاً قدراً كبيراً من النقل غير الرسمي، حيث تقدم الميكروباصات خدمات سريعة -وأحياناً خدمات خاصة- للنقل بين المحافظات، كما تضطلع سيارات النصف نقل بنقل كمية كبيرة من البضائع. 

3. التقييم 

1.3 التنقل الحضري 

1.1.3 إقليم القاهرة الكبرى 

1.1.1.3 توافر البنية التحتية 

تركزت الاستثمارات العامة في النقل على منطقة القاهرة الكبرى. في السنة المالية 2015-2016، ذهب 93٪ من ميزانية الاستثمار القومي في النقل العام إلى توسعة الخط الثالث لمترو الأنفاق بالقاهرة. 

ازدادت الاستثمارات في النقل العام بشكل ملحوظ وتنوعت منذ ذلك الحين، وتوسعت لتشمل: خطي المونوريل الشرقي والغربي بطول إجمالي يبلغ 98 كيلومتراً، ونظام جديد للنقل بالقطار السريع (90 كيلومتراً) سيربط القاهرة بضواحيها الغربية، ومقترح لنظام النقل بالحافلات الترددية السريعة (أتوبيسات BRT) على الطريق الدائري (بطول حوالي 100 كيلومتراً)، بالإضافة إلى التوسع المتوقع لشبكة مترو القاهرة بمقدار 52 كيلومتراً حتى عام 2025. ستعمل هذه الاستثمارات على تحسين إمكانية الوصول بشكل كبير، وزيادة نسبة الأفراد الذين يمكنهم الوصول إلى الشبكة. كما أن هذه الشبكة نفسها ستصبح محبَّذة للاستخدام، إذ إنها ستصل إلى مزيد من الأماكن. علاوة على ذلك، فالمشاريع القائمة على السكك الحديدية كلها كهربائية، ومن ثم فهي عالية الكفاءة. في الواقع، جاء تمويل المونوريل -بشكل مبتكر- من خلال إصدار السندات الخضراء، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط؛ إذ ثبت أن مترو القاهرة يحد من التلوث. 

تعمل الاستثمارات في شبكة الطرق على تغيير البيئة الحضرية لصالح الشوارع المصممة للتنقل بالسيارات، وتشمل بناء طرق سريعة جديدة وكبيرة بين المدن، وتوسيع الشوارع الداخلية للمدينة. في حين أن هذا يحسن من عامل التوافر، إلا أن ثمة أسئلة أثيرت حول ما إذا كان التخفيف من الازدحام المروري سيستمر طالما كانت هناك مخاوف تتعلق بالسلامة على الطرق. 

أما البنية التحتية لركوب الدراجات والمشاة فهي متراجعة بشكل كبير، مع وجود بعض مشاريع ممرات الدراجات المتفرقة (ومعظمها سيئة التصميم) مثل: محور ناصر في مدينة 6 أكتوبر أو ممشى أهل مصر، بجانب عدد كبير من جسور المشاة المرتبطة بتوسيع شبكة الطرق. 

تعمل أنماط التنقل الجديدة (مثل خدمات استئجار السيارات الخاصة، أو النقل بالحافلات الصغيرة المشتركة (الميكروباص) القابلة للحجز) على زيادة توافر الخدمة، ولكنها تظل ضعيفة التنظيم. من ناحية أخرى، يتزايد تهديد نقاط الضعف التنظيمية لمقدار مساهمة القطاع الخاص في تطوير وصيانة نظام متوازن على مستوى المدينة. 

2.1.1.3 العمران الموجه نحو النقل العام 

غير أن هذه الاستثمارات الجديدة تتضمن تحولاً كبيراً في نموذج التخطيط الحضري للدولة المصرية؛ ففي حين أن النواة الأولى لجميع المجتمعات العمرانية الجديدة الثمانية في القاهرة الكبرى كان كل ما يربطها بالمدينة الرئيسية هو شبكةٌ من الطرق، فإن التطورات الجديدة اليوم يتمحور تصميمها وتنفيذها بشكل متزايد حول توسيع شبكة النقل. 

ومن الأمثلة على ذلك مدينة السادس من أكتوبر؛ بدأ تطوير هذه المدينة من الثمانينيات باعتبارها أولى المجتمعات العمرانية الجديدة بالقرب من القاهرة. وفي التسعينيات أنشئ طريق المحور السريع لربطه مباشرة بوسط المدينة، ثم بدأت هيئة النقل العام بالقاهرة في تشغيل خدمات حافلات محدودة. وبحلول عام 2020، سافر حوالي 3٪ من الركاب في حافلات هيئة النقل العام بالقاهرة (CTA)، مقارنة بـ 74٪ سافروا في الحافلات الصغيرة (الميكروباص)، وهي تمثل خدمات النقل غير الرسمية التي انتشرت لملء فجوة إمداد النقل العام. 

يهدف العمران الموجه نحو النقل العام إلى زيادة حجم المساحات السكنية والتجارية والترفيهية على مسافة قريبة من وسائل النقل العام، وإنشاء مشاريع تطوير جديدة جنباً إلى جنب مع وسائل النقل العام. ويعتبر على نطاق واسع أفضل ممارسات التنمية الحضرية. 

نشهد اليوم تطورات جديدة في إقليم القاهرة الكبرى، مرتبطة بشكل متزايد بشبكة النقل قيد الإنشاء المذكورة أعلاه. من المتوقع أن يستأثر قطار المونوريل الشرقي بنسبة 5-10٪ من الطلب على السفر من الميكروباصات غير الرسمية. كما أن العاصمة الإدارية الجديدة مصممة حول خط القطار الكهربائي السريع والمونوريل الغربي. كما كُلِّفت شركات الحافلات الخاصة بتقديم خدماتها إلى وداخل العاصمة الإدارية الجديدة حتى قبل أن تدخل هذه المدينة الجديدة حيز الاستخدام. 

3.1.1.3 الرقمنة في قطاع النقل 

ريادة القطاع الخاص للجهود الرامية إلى رقمنة التنقل. 

زاد الجيل الأول من التقنيات الرقمية من راحة السفر؛ فأولاً: بدأت تطبيقات تخطيط الرحلات (مثل بيقولك Bey2ollak وخرائط جوجل) في تلبية احتياجات ركاب السيارات الخاصة من خلال تقديم بيانات الازدحام المروري. وبمرور الوقت، توسعت لتشمل بيانات النقل العام، وفي بعض الأحيان تكون هذه البيانات آنية ومباشرة. ثانياً: بدأت شركات نقل الركاب بتأجير السيارات الخاصة (مثل أوبر وكريم) في تقديم خدمات سيارات الأجرة معززة بخيارات النقل والدفع الرقمية. ثم جاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2180 لسنة 2019 (قانون تنظيم خدمات النقل البري باستخدام تكنولوجيا المعلومات) لينظم هذه الخدمات ويدمجها مع الهيكل التنظيمي العام. 

أتاحت التقنيات الرقمية كفاءات جديدة في التشغيل على نحو متزايد، كما عززت تقديم الخدمة؛ حيث تزايد استخدام المشغلين لأنظمة الإدارة الرقمية لقوافل السيارات، كما وفروا أنظمة فورية لمعلومات المسافرين وأتاحوها للجمهور. تعمل أوضاع التنقل الجديدة بشكل متزايد على تلبية احتياجات الأسواق المتخصصة، مثل تقديم خدمات طلب السكوتر (مثل أوبر سكوتر) أو الرحلات الموسمية الطويلة (مثل سويفل). 

4.1.1.3 القطاع الخاص في مقابل القطاع العام 

يؤدي التحول نحو مزيد من مشاركة القطاع الخاص في قطاع النقل إلى زيادة انتشار جهود تحديث النظام سالفة الذكر. ففي مجال النقل البري، أتاح كلٌ من قرار محافظ القاهرة رقم 1567 لعام 2004، والقرار رقم 3853 لعام 2008 (قرارات الحافلات الخاصة) توفير خدمات القطاع الخاص باستخدام الحافلات الصغيرة (الميكروباص) والحافلات العامة الكبيرة (الأتوبيس) على التوالي. وفي مجال النقل بالسكك الحديدية، ألغى القانون رقم 20 لسنة 2018 (تعديل لقانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر) احتكار الدولة لمشاريع شبكة السكك الحديدية القومية، مما سمح بمشاركة القطاع الخاص في إنشاء وصيانة وتشغيل خدمات السكك الحديدية. من ناحية أخرى سيطرت الهيئة المستقلة للنقل في باريس للتنمية (RATPdev) -مشغل دولي- مؤخراً على تشغيل الخط الثالث لمترو القاهرة، مع تكليف بزيادة عدد الركاب من خلال تحسين جودة الخدمة والكفاءات التشغيلية. كما نظم القانون رقم 150 لعام 2020 (قانون تنظيم انتظار المركبات) حالات انتظار المركبات في الشارع، وحدد -لأول مرة- المعايير واللوائح للمنظمين غير الرسميين لعمليات وقوف وانتظار المركبات. 

2.1.3 الإسكندرية 

شهدت الإسكندرية -ثاني أكبر مدينة في مصر- زيادة في حصتها من الاستثمارات في قطاع النقل. 

تشمل الاستثمارات في وسائل النقل العام تجديد جزء من أسطول شبكة الترام مؤخراً (وهو ما يُعد أول إضافة لعربات جديدة للترام منذ السبعينيات)، بالإضافة إلى استمرار تحديث خط أبو قير - الإسكندرية وتزويده بالكهرباء ليصبح نظام مترو. وقد كان الخط الأول من مترو أنفاق القاهرة نتيجة لمشروع مماثل في الثمانينيات. 

3.1.3 المدن من الدرجة الثانية والثالثة 

تُبنى العاصمة الإدارية الجديدة حول بنية تحتية جديدة لشبكة النقل العام (مشروع القطار الكهربائي الخفيف ومشروع مونوريل غرب القاهرة) والخدمات (خدمات الحافلات داخل العاصمة الإدارية الجديدة، والربط بين العاصمة الإدارية الجديدة ومنطقة القاهرة الكبرى). 

وتدرس المنصورة -وهي رابع أكبر مدينة في مصر- حالياً العديد من مشاريع السكك الحديدية الجديدة: سكة حديد لنقل الركاب بين المدن، تربط طنطا مع دمياط مروراً بالمنصورة، وقطار لنقل الركاب بين المدن يربط بين المنصورة وبلقاس، ثم إلى مدينة المنصورة الجديدة أو جمصة. وقد أشير إلى هذا المشروع الثاني في وسائل الإعلام المصرية باسم "مترو المنصورة". 

وقد شهدت سوهاج -ثالث أكبر مدينة في مصر- استثمارات في شبكة الطرق. بيد أن المقترحات المحلية لبناء خط مترو يربط المدينة التاريخية بمدينة سوهاج الجديدة لم تتحول بعد إلى مقترحات لمشاريع ملموسة على أرض الواقع. 

2.3 السفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية 

1.2.3 شبكة الطرق 

ساهم المشروع القومي للطرق في تحسين التواصل الإقليمي بين المدن في مصر. فقد أسفر اهتمام مصر بجودة الطرق -كما هو واضح في مؤشر جودة الطرق المشار إليه آنفاً، وهو جزء من مؤشر التنافسية العالمي الذي يصدر سنوياً عن المنتدى الاقتصادي العالمي- عن تقدم مصر في الترتيب من المركز 113 إلى المركز رقم 28 عالمياً، ويشمل المشروع القومي للطرق بناء ما يربو على 21 محوراً جديداً على النيل، التي يتوقع أن تحسن بشكل كبير التواصل بين المناطق الريفية والمدن الكبيرة القريبة منها. 

2.2.3 شبكة السكك الحديدية 

وفقاً للهيئة القومية لسكك حديد مصر، وصل عدد ركاب القطارات إلى نحو 270 مليون راكب في عام 2019، ومعظمهم من المواطنين ذوي الدخل المنخفض الذين يعتبر قطاع السكك الحديدية بالنسبة لهم الوسيلة الرئيسية للسفر بين المدن بأسعار معقولة. بيد أن البنية التحتية للسكك الحديدية تعاني من التقادم، وسوء الصيانة، وتشهد حوادث وتأخيرات متكررة، الأمر الذي يؤثر بشدة على المواطنين المصريين الأكثر فقراً. ودائماً ما تشير وزارة النقل المصرية إلى مشكلة اكتظاظ قطاع السكك الحديدية، حيث تتجاوز نسبة الإشغال في القطارات 120% من طاقتها الاستيعابية. 

تشمل الاستثمارات الحالية في قطاع السكك الحديدية المصري تنفيذ نظام جديد لإدارة السلامة يشمل إدخال تحسينات على الإشارات وتحسين إدارة الموارد البشرية، وتحسين دقة مواعيد القطارات التي تعمل في الوقت المحدد من 75% إلى 90%، وشراء عربات جديدة. 

وقد دفعت مشكلة الاكتظاظ الدولة إلى الاستثمار في بناء شبكة سكك حديدية كهربائية موازية للشبكة القديمة، والتي يشار إليها باسم "السكك الحديدية فائقة السرعة/القطار السريع". وقد وقّعت الهيئة القومية للأنفاق مؤخراً عقداً لتشييد مرحلة أولى تربط بين العين السخنة ومدينة العلمين الجديدة مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتعتزم توسيع الشبكة لاحقاً لتصل إلى 1800 كيلومتر تصل إلى ميناء سفاجا والأقصر وأسوان ومدينة السادس من أكتوبر. 

وفي حين ستشمل الشبكة قطارات فائقة السرعة تنطلق بسرعة 250 كم/ساعة، فإنها ستتكون بشكل أساسي من قطارات إقليمية تربط بين المدن القريبة وقطارات شحن تربط الموانئ البحرية بمجموعة متنوعة من الموانئ الجافة الداخلية حول المدن المصرية. ومن المتوقع أن تنقل المرحلة الأولى 30 مليون مسافر سنوياً، في حين تهدف المرحلتان الثانية والثالثة على التوالي إلى تخفيف الازدحام على شبكة سكك حديد مصر القائمة بالفعل والسماح بعمل رحلات سياحية لمدة يوم واحد بين المنتجعات السياحية الساحلية المصرية على البحر الأحمر والمواقع الأثرية في الأقصر وأسوان. 

3.2.3 التجارة الدولية 

في حين تستحضر شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة صور القطارات فائقة السرعة في أوروبا، فمن المحتمل أن تضطلع هذه القطارات بدور صغير بالنسبة للشحن. ففي الوقت الحالي، تُمثل البضائع المنقولة عبر شبكة سكك حديد مصر 1% من جميع البضائع المنقولة داخل مصر. ومن المتوقع أن تزيد قطارات الشحن التي تشكل جزءاً من شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة هذه النسبة إلى 15%، وهو ما يُعد زيادة كبيرة.  

تبحث الدراسات الحالية إمكانية ربط شبكة السكك الحديدية المصرية بالسودان، فضلاً عن ربط شبكة الطرق في مصر مع السودان وتشاد (عبر ليبيا). 

4. الخاتمة

 

1.4 الفترة بين عامي 2014-2021 شهدت تنفيذ خطط النقل القديمة 

إذا عدنا بالزمن إلى عام 2014 -الذي يُعد نقطة الانطلاق لمشاريع النقل في مصر- وكان لديكم تريليون جنيه يُمكنكم إنفاقها، ماذا ستفعلون بها؟ 

ركزت الدولة المصرية على تنفيذ أحدث خطط النقل الشاملة: الخطة العامة لنظام النقل القومي (, MiNTS2012) على المستوى الوطني، ومخطط النقل الشامل لإقليم القاهرة الكبرى (, CREATS2002) لمنطقة القاهرة الكبرى. إذا نظرنا عن كثب، سنجد أن كلتا الخطتين هما المصدر غير المعلن لأغلب المشاريع الحالية (وليس جميعها): 

  • فقد تناولت الخطة العامة للنقل القومي البنية التحتية للطرق باعتبارها "تحظى بأولوية استثمارية قصوى" مما يمهد الطريق أمام المشروع القومي للطرق. في حين مهدت خدمات السكك الحديدية -ولا سيما دورها في تيسير النقل البحري والخدمات اللوجستية- الطريق أمام ما يُسمى على نحو غير دقيق بشبكة السكك الحديدية فائقة السرعة التي تركز على الشحن. 
  • في حين اقترح مخطط النقل الشامل لإقليم القاهرة الكبرى توسيع نطاق وسائل النقل داخل منطقة القاهرة الكبرى، من خلال تشييد خطوط مترو القاهرة التي يجري بناؤها حالياً، وقطارات المونوريل، ومشروع القطار الكهربائي السريع. 

على مدى الأعوام الماضية نجحت الدولة المصرية في توسيع نطاق تنفيذ هذه المشاريع المخطط لها منذ أمد بعيد: فقد تحسنت الطرق في مصر بشكل كبير، وقفزت إلى المركز الـ 85 بحسب تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي. وانتقلت شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة من مجرد فكرة متصورة إلى مقترح ثم إلى مرحلة التنفيذ وشراء جميع المكونات اللازمة. وباتت منطقة القاهرة الكبرى موقع بناء للبنية التحتية الجديدة للنقل. وتكاد الاستثمارات السنوية تبلغ ضعف ما كانت عليه منذ سبعة أعوام. 

2.4 التنفيذ الانتقائي يفضل الاستثمارات الثابتة على الاستثمارات الناعمة 

يُشكل تقييم الفوائد المترتبة على هذه الاستثمارات تحدياً أكثر صعوبة: فقد قفزت مصر أربعة مراكز فقط في محور البنية التحتية العام في مؤشر التنافسية العالمي لعام 2019. بل انخفض تصنيفها في مؤشر "دي إتش إل للترابط العالمي" نظراً إلى الركود الذي أصاب الاستثمارات الناعمة، مثل الاستثمار في بيئات التشغيل والشركات التي تستخدم شبكات الطرق الجديدة. كذلك فإن الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة ينقل عدداً من الركاب أقل مما كان متوقعاً، مما دفع وزارة النقل إلى التعاقد مع "الهيئة المستقلة للنقل في باريس للتنمية" الفرنسية لزيادة عدد الركاب. 

يركز دور "الهيئة المستقلة للنقل في باريس" على بناء ما جاء في الخطة العامة للنقل القومي تحت مُسمى مكوني "التقنيات البرمجية" و "العنصر البشري"؛ ويهدف إلى "تحسين دقة المواعيد والانتظام، وممارسات خدمة العملاء المشهود بها، وصيانة الأصول على نحو جيد"، وفي الوقت نفسه العمل على تعزيز رأس المال البشري المحلي، من خلال تأسيس مركز محلي للتدريب على النقل. 

ورغم إحراز بعض التقدم على صعيد "التقنيات البرمجية" (قانون هيئة تنظيم النقل البري، وقانون تنظيم خدمات النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، وقانون تنظيم انتظار المركبات، وتعديل قانون الهيئة القومية لسكك حديد مصر)، وكذلك على صعيد "العنصر البشري" (من خلال قيام "الهيئة المستقلة للنقل في باريس" بتأسيس "مركز التدريب على النقل")، فإن هذا التقدم يتضاءل بالمقارنة مع الجانب المتعلق بالبنية التحتية. إذ لم يكن هناك استثمار مالي معادل للقطاع العام في أي من الركائز الأساسية للخطة العامة للنقل القومي، مما أدى إلى اتجاه التطوير في قطاع النقل الذي تقوده الدولة نحو الاسفلت. وهذا يتناقض مع استثمارات القطاع الخاص، التي استخدمت في الغالب مبالغ أقل نسبياً في "التقنيات البرمجية" و "العامل البشري" ولكنها تسعى إلى تحقيق عائدات أعلى. 

3.4 المزيد من الاستثمارات المنتشرة على نطاق أوسع، لكن هل تكفي؟ 

في السنة المالية 2021/2022، خُصص حوالي 16 مليار دولار أميركي للاستثمارات في البنية التحتية للنقل، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بعام 2014. 

تتوزع هذه الاستثمارات على أماكن ومشاريع متفرقة: 

  • ففي عام 2015، أُنفقت جميع الاستثمارات القومية المُخصصة للنقل العام على مترو أنفاق القاهرة، أما في عام 2021 فقد شملت الاستثمارات العديد من المشاريع في جميع أنحاء القاهرة والإسكندرية والعاصمة الإدارية الجديدة. 
  • دارت مناقشات موسعة حول وسائل النقل التي تربط المجتمعات العمرانية الجديدة في جميع المحافظات مع التجمعات الحضرية القديمة -كما هو الحال في سوهاج- وغالبا ما جرى التخطيط لهذا الربط من خلال شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة. وهذا يمثل إنجازاً مهماً في تمكين المجتمعات العمرانية الجديدة من تحقيق الأهداف السكانية التي ظلت بعيدة المنال منذ أمد بعيد بسبب ضعف وسائل النقل الجماعي. 
  • ينطبق هذا النقد على الاستثمارات في الطرق، التي استهدفت فقط تحسين أداء النظام الذي يركز على السيارات، علاوة على المزايا التي عادت على السفر بين المدن والشحن والخدمات اللوجستية على حساب المواطنين المحليين والتنقل الحضري. 
  • وينطبق هذا جزئياً على الاستثمارات في قطاع السكك الحديدية التي تستفيد من زيادة إمكانية الوصول إليها من خلال توسيع شبكة النقل العام. 

4.4 إبراز أهمية تبني نهج جديد للاستثمار في السنوات السبع القادمة 

1.4.4 استثمارات ناعمة في " التقنيات البرمجية" و "العناصر البشرية" 

تشمل الخطوات الرئيسية نحو نظام نقل أكثر عدلاً وإنصافاً، جهاز تنظيم النقل البري المُنشأ حديثاً، وقانون تنظيم انتظار المركبات الجديد. 

  • من حيث المبدأ، يجب أن يضطلع جهاز تنظيم النقل البري بإعداد وتولي زمام المبادرات الناعمة التي تحقق فوائد اجتماعية على نطاق واسع. 
  • كذلك من حيث المبدأ، يجب أن يُتيح قانون تنظيم انتظار المركبات لمستخدمي السيارات الأكثر ثراءً المساهمة بمزيد من التمويل لمشاريع النقل الجماعي التي تفيد المواطنين الأفقر الذين يعتمدون على النقل الجماعي. 

ولتحقيق مهامهم بفاعلية، يحتاج جهاز تنظيم النقل البري ومكاتب النقل المحلية إلى التوسع من الناحية المؤسسية وفي القدرات.1 ويعد الاستثمار في الصناديق الهيكلية المخصصة لجهاز تنظيم النقل البري -والمؤسسات الأخرى التي تعمل على تنظيم النقل على المستويين الوطني والمحلي- أمراً ضرورياً للوصول إلى تلك الغاية، ويتطلب نهجاً استثمارياً مختلفاً وجديداً يؤيد المزيد من الرقابة وتوزيع الأموال على نحو لا مركزي. 

2.4.4 تطبيق اللامركزية على الاستثمارات 

تتسم عملية صنع القرار والتمويل في قطاع النقل بقدر كبير من المركزية، حيث تدار معظم الأموال من خلال مؤسسات على المستوى الوطني مقرها القاهرة. وفي حين تتدفق الأموال على نطاق أوسع في جميع أنحاء البلاد، لا تزال معظم الأموال تتدفق إلى مشاريع النقل في القاهرة والإسكندرية. وهذا يعكس جزئياً الخطط القائمة مسبقاً بالفعل لمقترحات المشاريع داخل هذه المدن. وعلى النقيض من ذلك، فإن لدى كل من المنصورة وسوهاج مقترحات بشأن شبكات مترو خاصة بكل منهما نابعة من وجود جامعات في كل منهما. وخلافاً للقاهرة والإسكندرية، فإن الافتقار إلى الاستثمارات في خطط النقل للانتقال بهذه المقترحات من مرحلة الأفكار إلى مرحلة تصميم المشاريع يحرم هذه المدن فعلياً من حصتها النسبية من الاستثمارات الوطنية في مجال النقل. 

أما الاستثمارات المحلية في النقل مثل إدخال تحسينات على محطات النقل الطرفية والتقاطعات، وتطوير الخدمات التشغيلية لقطاع النقل الخاص المهيمن، والبنية التحتية الفعلية للتنقل؛ فهي استثمارات ضئيلة وغير منسقة. تزداد هذه المسألة تعقيداً بسبب صعوبة الحصول على البيانات وقلة مشاركة الجمهور في مرحلتي التفكير والإعداد لخطط النقل. وكثيراً ما لا تتم مبادرات النقل على المستوى المحلي لأن المحافظات والبلديات المحلية لا تملك القدرة على تخطيط الاستثمارات الرأسمالية متوسطة الأجل، وتصميم المشاريع، وتقييمها، وتنفيذها؛ وليس لديها الأموال أو السلطة لجمع أو استخدام الأموال المحدودة لبناء هذه القدرات وتنفيذ مشاريع فعالة. 

3.4.4 الفعالية المحتملة للاستثمارات غير الرأسمالية وآفاق المستقبل 

سعدت خلال العام الماضي بالمشاركة في العديد من المشاريع المختلفة، وتصميم العديد من المبادرات المحتملة التي من شأنها أن تُحسن الإنجازات التي شهدها قطاع النقل بسرعة وبمعدلات أعلى بكثير. 

المثال الأول: خطة هادفة لدعم الحراك الاجتماعي، تزيد من التمويل على مستوى النظام، وتحسن جودة الخدمات، وتحمي في الوقت نفسه فئات المستخدمين الأكثر تأثراً من زيادة الأسعار، وتسمح لهم بالوصول إلى سوق العمل على مستوى المدن، ومن ثم تُعزز الحراك الاجتماعي. 

المثال الثاني: خطط رفع مستوى التنقل الحضري المستدامة على الصعيدين الإقليمي والمحلي، والتي تُحدد أسباب المشكلة القائمة في السياق الحالي، وتتوقع التصورات المستقبلية، وتحدد الرؤية المحلية ومجموعة من الأهداف، وتقترح حزم من التدابير لتحقيق الأهداف المذكورة وتحويلها إلى خارطة طريق قابلة للتنفيذ. 

يجب أن تكون الاستثمارات في "التقنيات البرمجية" و "العناصر البشرية" في مجال النقل محور دورات الاستثمار العام في المستقبل، وأن تكون امتداداً طبيعياً لتحقيق مفهوم النقل بوصفه عاملاً تمكينياً للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتمكين المحافظات والمحليات من التنقل الحضري على نحو أكثر فعالية داخل مدنها، والسفر فيما بين مدنها، وتعزيز قدرتها على النقل والشحن. 

ثمة حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث الهادفة لتطوير هذه المبادرات من مرحلة الأفكار إلى مفاهيم قابلة للتطبيق. ويجب أن يطغى على تخطيط النقل الطابع المحلي المتكرر. كما يجب التفكير ملياً في الكيفية التي تتمكن بها الدولة المركزية من ضمان توجيه قدراتها الاستثمارية المتزايدة بفعالية أكبر نحو المستفيدين النهائيين من خلال مؤسساتها المتعددة المستويات: الوزارات والهيئات والمحافظات والوحدات المحلية. 

5. المراجع

  1. Ministry of Transport. وزارة النقل المصرية - Egyptian Ministry of Transport YouTube Channel. https://www.youtube.com/channel/UCQohChyiu_oOOxA6WOFY-jQ/videos (2021).
  2. Ministry of Transport. القناة الفضائية المصرية - نشرة الثانية ظهرا - تقرير حول إنجازات وزارة النقل خلال 7 سنوات. (2021).
  3. MoP. The Sustainable Development Strategy (SDS) - Egypt 2030. http://mcit.gov.eg/Upcont/Documents/Reports%20and%20Documents_492016000_English_Booklet_2030_compressed_4_9_16.pdf (2014).
  4. AmCham Egypt. COVID-19 Impacts on Egypt’s Transportation Sector. https://www.amcham.org.eg/information-resources/covid-19-response/covid-19-impacts-on-egypts-transportation-sector (2020).
  5. CAPMAS. Household Income, Expenditure and Spending Survey (HIECS) FY2019/2020. (2020).
  6. MoE & EEAA. Egypt’s First Biennial Update Report 2018. (2018).
  7. World Health Organisation. Global status report on road safety 2018. https://www.who.int/publications/i/item/9789241565684 (2018).
  8. Hegazy, M., Kalila, A. & Klopp, J. M. Towards Transit-Centric New Desert Communities in the Greater Cairo Region. https://transportforcairo.com/wp-content/uploads/2019/07/EN_Transportation_Policy.pdf (2019).
  9. Hegazy, M., Kalila, A. & Mahfouz, H. Multimodal network planning, identification of high capacity bus corridor and park and ride facilities. https://transportforcairo.com/wp-content/uploads/2020/04/WB_GCR_Multi-modal-Transport-Stragey_2019_en_v2.pdf (2019).
  10. World Bank Group. Transport Global Practice. https://www.worldbank.org/en/topic/transport/overview#2 (2021).
  11. McKinsey & Company. Urban transportation systems of 25 global cities. (2021).
  12. Martens, K. Transport Justice: Designing Fair Transportation Systems. (2017).
  13. World Bank Group. Country Partnership Framework the Arab Republic of Egypt for the Period FY2015-2019. https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/23501 (2015).
  14. Geiger, T. Infrastructure & Competitiveness.
  15. JICA. CREATS - Cairo Regional Area Transport Study - Transportation Master Plan and Feasibility Study of Urban Transport Projects in Greater Cairo Region in the Arab Republic of Egypt. (2002).
  16. JICA, Almec Corporation, Katahira & Engineers International, & Oriental Consultants Co., LTD. MiNTS - Misr National Transport Study - The Comprehensive Study on the Master Plan for Nationwide Transport System in the Arab Republic of Egypt - Final Report. (2012).
  17. Ministry of Planning and Economic Development. Sustainable Development Plan Budget FY21-22. (2021).
  18. Daily News Egypt. National Investment Bank refutes liquidation reports, puts restructure plan into operation. https://dailynewsegypt.com/2021/08/11/national-investment-bank-refutes-liquidation-reports-puts-restructure-plan-into-operation/ (2021).
  19. Behrens, R., McCormick, D. & Mfinanga, D. Paratransit in African Cities: Operations, Regulation and Reform. (Routledge, 2015).
  20. Shawkat, Y. & Khalil, O. The Built Environment Budget FY 2015/16 An Analysis of Spatial Justice in Egypt. (2016).
  21. Enterprise. Monorail, water treatment projects in Egypt to receive USD 500 mn in green bond funding. https://enterprise.press/stories/2020/10/21/monorail-water-treatment-projects-in-egypt-to-receive-usd-500-mn-in-green-bond-funding-23632/ (2020).
  22. Heger, M., Wheeler, D. J. & Meisner, C. M. Motor Vehicle Density and Air Pollution in Greater Cairo: Fuel Subsidy Removal and Metro Line Extension and their Effect on Congestion and Pollution? 1–0 http://documents.worldbank.org/curated/en/987971570048516056/Motor-Vehicle-Density-and-Air-Pollution-in-Greater-Cairo-Fuel-Subsidy-Removal-and-Metro-Line-Extension-and-their-Effect-on-Congestion-and-Pollution (2019).
  23. Hegazy, M. & Elnady, A. Re-imagining our Streets: No new roads. Re-imagine existing Streets. Shift how we travel! https://api-aps.aucegypt.edu//uploads/articlesAttachments/1620129390pdfEN_Transportation%202_Policy_Final_Web.pdf (2020).
  24. Shawkat, Y. Cairo’s New Roads: An Assault on Pedestrians and Mass Transit. American University in Cairo - Alternative Policy Solutions Center http://aps.aucegypt.edu/en/commentary-post/cairos-new-roads-an-assault-on-pedestrians-and-mass-transit/ (2020).
  25. Hegazy, M. Don’t Take Away My Bus Route! Public Bus Investments, Regulations and Services as a Powerful Social Justice Lever. https://aps.aucegypt.edu/en/articles/732/dont-take-away-my-bus-route-public-bus-investments-regulations-and-services-as-a-powerful-social-justice-lever (2021).
  26. Transport for Cairo. Sustainable Urban Mobility Plan for 6th of October City Diagnostic, Scenarios and Vision (Forthcoming). (2020).
  27. RATP Newsroom. RATP Dev Mobility Cairo will operate and maintain Line 3 of Cairo Metro. Press Release https://www.ratp.fr/en/groupe-ratp/newsroom/ratpdev/ratp-dev-mobility-cairo-will-operate-and-maintain-line-3-cairo-metro (2020).
  28. Christeller, R. Tram modernisation in Alexandria/ Egypt. Urban Transport Magazine https://www.urban-transport-magazine.com/en/tram-modernisation-in-alexandria-egypt/ (2019).
  29. European Investement Bank. Egypt: The EU Bank supports the upgrading of Tanta - EL Mansoura – Damietta railway. https://www.eib.org/en/press/all/2020-047-egypt-the-eu-bank-supports-the-upgrading-of-tanta-el-mansoura-damietta-railway (2020).
  30. Ardila-Gomez, A. Egypt - Railway Improvement and Safety for Egypt Project: Concept Project Information Document (PID) - Railway Improvement and Safety for Egypt - P175137 (English). https://documents.worldbank.org/en/publication/documents-reports/documentdetail (2020).
  31. محسن, م. وزير النقل: تكلفة تحديث نظم الإشارات في السكك الحديدية تتجاوز الـ50 مليار جنيه - جريدة المال. جريدة المال (2021).
  32. OECD. OECD Investment Policy Reviews: Egypt 2020. (OECD, 2020). doi:10.1787/9f9c589a-en.
  33. Dr. Mona Kotb. Government Presentation on Sustainable Transportation in Egypt. (2021).

 

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.