سياسات الدعم الاجتماعي في الجزائر: بين الأسقف المالية والموازنات المحاسبية

تُنشر هذه الورقة ضمن منشور أطول حول موضوع الاحماية الاجتماعة في الجزائر، وممكن قراءتها خلال هذا الرابط.

انتهجت الجزائر منذ بداية الألفية خياراً اقتصاديًّا يعتمد على طابع اجتماعي للدولة الجزائرية في ظلّ اقتصاد رأسمالي. جاء هذا الخيار كما ذكره الدكتور بن أشنهو – وزير المالية من 1999 إلى 2001 ومن 2003 إلى 2005- خياراً ضروريًّا لإعادة الثقة إلى الجزائريين بالنظر للظروف التي مرت بها الجزائر خلال التسعينيات.

قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك تناقضاً في المصطلحات بين الطابع الاجتماعي للدولة والنظام الرأسمالي، إلا أنه ومند بداية التسعينيات انتهجت الجزائر نظام السوق الحرة مع إقرار قانون النقد والقرض 90/10 المؤرخ في 14/04/1990 والذي كرس استقلالية البنك المركزي. كما جاءت إصلاحات حكومة مولود حمروش لإقرار الانفتاح الاقتصادي والسياسي كخيار للتغيير. وفي منتصف التسعينيات عرفت الجزائر إصلاحات أملتها شروط صندوق النقد الدولي لإعادة جدولة الديون، فتم تسريح العمال والاستغناء عن مؤسسات عمومية وإعادة هيكلة أخرى كتكريس للخيار الرأسمالي.

لكن مع بداية الألفية وارتفاع أسعار البترول انتهجت الدولة الجزائرية خياراً اجتماعيًّا بتكريس خيار اقتصادي يعتمد على الإنفاق العمومي كمحرك للاقتصاد من خلال المخططات الخماسية (مخطط الإنعاش الاقتصادي 2001-2004، المخطط التكميلي لدعم النمو 2005- 2009 والمخطط الخماسي 2010- 2014) وهي مخططات مبنية على زيادة الإنفاق العمومي لتحريك عجلة التنمية.

بالإضافة إلى الإنفاق العمومي الكبير الذي عرفته حكومات بوتفليقة المتعاقبة، فقد اعتمدت السلطة سياسات لدعم أسعار بعض المواد الاستهلاكية، ومنها المحروقات، بالإضافة إلى تخفيضات في نسب الضرائب وتعويضات في نسب الفوائد وتمويل مختلف البرامج السكنية، وغير ذلك من صيغ الدعم المباشر وغير المباشر.

تم تمويل هذا الخيار الاقتصادي عن طريق عائدات المحروقات التي بلغت مستويات قياسية إلى غاية 2014. وقد تزامن ذلك مع تفاقم نِسب الدعم التي بلغت 24% من الميزانية العامة في 2021، وتعلق الدعم بما بات معروفاً بالسلم الاجتماعي، وأدى إلى ظهور تشوّهات في معامل الاقتصاد وفي العقد الاجتماعي جعلت من التخلي عن هذا الخيار أمراً صعباً للغاية.

لكن في الجهة المقابلة، اجتمعت عدة عوامل موضوعية جعلت من الإبقاء على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية بنفس الطريقة أمراً غير ممكن.

من التشوهات التي سببها الإنفاق العمومي وسياسات الدعم الاجتماعي عدم القيام بالاستثمارات اللازمة في مجال المحروقات، بحيث اختار النظام بسبب ضغط السلم الاجتماعي أو سياسات التحكيم في الموازنات (arbitrage des budgets) توظيف المبالغ اللازمة للاستثمار في تجديد المحروقات واستغلالها في سياسات الإنفاق الهائلة. لكن عدم الإنفاق على الاستثمار في السنوات الـ 15 الماضية أصبح اليوم سقفاً حقيقيًّا يحول دون المواصلة في نفس سياسات الإنفاق والدعم الاجتماعيين. عانت الجزائر من نقص في إنتاج البترول ولم تستطع إكمال حصصها اليومية المسموح بها في اتفاقها مع منظمة الدول المصدرة للنفط (OPEC) حيث تراجع إنتاج البترول في الجزائر من 2 مليوني برميل يوميًّا في 2005 إلى أقل من 1,5 مليون برميل يوميًّا في 2014 ليصل إلى 897 ألف برميل في 2020 و908 آلاف برميل في 2021.

هذا ويعاني قطاع المحروقات من تقلبات كثيرة في الأسعار بسبب العوامل الخارجية التي تؤثر عليه والتي تجعل من هذا القطاع الريعي (غير المنتج) قطاعاً سريع التأثر وغير مستدام يمكنه أن يعرّض الجزائر للتبعية الاقتصادية الخارجية التي تتحكم في أسعار المحروقات وتفرض معايير وكميات إنتاج من خلال عدة اتفاقيات (الاتحاد الأوروبي، منظمة التجارة العالمية، اتفاقيات التجارة المختلفة).

ومن التشوهات الأخرى التي سببها هذا الخيار، عدم تنويع الموارد والأنشطة الاقتصادية وتعلق النواة الصناعية تعلّقاً حيويًّا بالاستيراد، ما أدى إلى تشكيل اقتصاد ريعي يعاني من عجز هيكلي في الميزان التجاري منذ أكثر من 10 سنوات.

هذا العجز التجاري مرتبط بعجز آخر وهو عجز الميزانية السنوية للخزينة العمومية التي ارتفعت مديونيتها من 12% في 2010 إلى %51 نهاية 2020. وخلال الـ 10 سنوات الماضية لجأت الدولة الجزائرية إلى تغطية العجز في الميزانية وكذلك العجز المزدوج في الميزان التجاري وميزان المدفوعات باستهلاك صندوق ضبط الإيرادات واحتياطي الصرف الذي تراجع بالتالي من 194 مليار دولار في 2013 إلى حوالي 44 مليار دولار نهاية 2020.

كل هذه المؤشرات والقيود جعلت مراجعة نظام الدعم والإنفاق العمومي ضرورة آنية وحتمية اقتصادية. وسنحاول في هذه الورقة أن نجيب عن مجموعة أسئلة، ونبين بعض النقاط المتعلّقة بأفق الدعم في ظلّ القدرات المالية المتاحة.

  • فما هي صيغ الدعم الممكنة وكيف يمكن تمويلها في خضمّ القيود الموازناتية والأسقف المالية المتاحة؟
  • ما هي وضعية المحاسبة العمومية والتجارة الخارجية لقاء ذلك؟
  • ما هو مضمون قانون المالية 2022 الذي أعاد مسألة الدعم إلى طاولة النقاش السياسي والاجتماعي؟

لمحــــة تاريخية

يعاني الاقتصاد الجزائري من مشكلة اقتصادية شائكة تدعى العجز المزدوج، وتتسم بتفاقم عجزين مهمين هما عجز الميزانية للخزينة العمومية وعجز الحساب الجاري (المرتبط ارتباطاً مباشراً بعجز الميزان التجاري). حتى قبل انهيار أسعار البترول العالمية ابتداء من 2014، كانت السياسات المالية في الجزائر في منحنى لا يمكنه أن يكون مستداماً بحيث سجلت عجزاً في ميزانية الخزينة من 2009 إلى 2014 بشكل متتالٍ رغم أن أسعار النفط فاقت الـ 100 دولار للبرميل. وتراجع الادخار الذي بلغ 43,3 % من الناتج المحلي الخام إلى 25,2% من هذا الناتج في 2014.  ومع تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوى له منذ 2004، بلغ عجز الميزانية نسبة قياسية في 2015، تساوي 16,4% من الناتج المحلي الخام[1].

وبعد انهيار أسعار البترول، توجّب على الحكومة الجزائرية أن تبحث عن مصادر أخرى لتمويل ميزانيتها مع التحكم في مستوى الإنفاق. وبالرغم من أن نظام الدعم يساهم في تحقيق الحماية الاجتماعية وتوزيع الثروة لصالح الفئات الهشّة، لكن الفئات الميسورة هي التي تستقطب وتستفيد من هذا الدعم بشكل أكبر.

وبالتالي، فإن التحكّم في مستويات الدعم يمكنه أن يوفّر مداخيل إضافية للخزينة، وأن يساعد في تنويع الاقتصاد، وأن يساهم في الحد من مستوى الإنفاق غير المجدي كوجه من أوجه ترشيد الإنفاق. هكذا، يمكن لإصلاح منظومة الدعم أن تعزز حماية الفئات الهشة وتحقيق تنمية أكثر احتواءً وشمولية.

أرقام الدعم في الجزائر

يتكون الدعم في الجزائر من عدة محاور؛ ومنها دعم مباشر (صريح) عن طريق الخزينة، ودعم غير مباشر (ضمني) عن طريق تخفيض أسعار الطاقة والبنزين. وتتوزع أبرز تجليات هذا الدعم على النحو الآتي:

  • الإسكان: 357 مليار دينار جزائري (38% من الإعانات المباشرة).
  • دعم سعر الفائدة: 160 مليار دينار جزائري (18% من الإعانات المباشرة).
  • الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي: 74 مليار دينار جزائري (7% من الإعانات المباشرة).
  • السلع الغذائية: 225 مليار دينار جزائري (24% من الإعانات المباشرة).
  • الإعانات المباشرة للتعليم (منح دراسية، أعمال جامعية): 109 مليارات دينار (13% من الإعانات المباشرة).
  • الدعم الضمني للطاقة (الوقود والغاز والكهرباء) 1300 مليار دينار جزائري أو 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي أو 13 مليار دولار.

 

 وجاء في مشروع قانون المالية للعام 2022 في عرض أسباب طلب تعديل صيغة الدعم بأن مبلغ الدعم الإجمالي وصل إلى 3.250 مليارات دينار بين 2017-2020، أي ما يعادل 19,3% من الناتج المحلي الخام.

فمن جهة أخرى، من خلال استبيان للمعهد الوطني للإحصاء في 2011 تحت إشراف وزارة المالية (كما ذكره نور مداحي1 Nourmeddahi.github.io/El-Djazair/Quel_budget_quel_financement_Final.pdf page 12 ) اتضح أن الدعم الذي يصل إلى الفئات الهشة لا يتجاوز 28% من قيمة الدعم المباشر، في حين تستقطب الفئات الميسورة 72% من هذا الدعم.

أما بالنظر إلى المنتجات البترولية والبنزين فالحالة أخطر، بحيث تفقد الجزائر من 1,5 إلى 2 مليوني طن سنويًّا، أي ما يعادل أكثر من 2 ملياري دولار سنويًّا (1,15% من الناتج المحلي الخام السنوي) بسبب التهريب.

وصرح وزير الطاقة عبد المجيد عطار في 2021 لوكالة الأنباء الجزائرية بأن الجزائر دعمت استيراد البنزين بين 2015-2020 بمبلغ 897 مليار دينار. كما أن سوناطراك2سوناطراك  SONATRACH اختصار الشركة العامة لأبحاث وإنتاج ونقل وتحويل وتجارة الهيدروكربونات. قامت بتحويلات إلى محطات تحلية المياه بـ 54,3 مليار دينار حتى 2021.

أما بخصوص دعم السكن، فهو أيضاً يخلق تشوهات مهمة تجعل من إصلاح منظومة الدعم ضرورة آنية. فإن المكاسب المالية التي يحققها الحصول على سكن، سواء أكان مدعوماً أو اجتماعيًّا، يعادل ما يمكن الحصول عليه في حياة مهنية كاملة. وكنتيجة للبحث الدائم على هذا الربح، نشأت سوق مضاربة في العقار امتد أثرها إلى الادّخار، أي أصبح العقار ملجأ الفائض من الأموال والقيم المضافة مع غياب الضريبة على العقار والأرباح العقارية.

كل هذه المبالغ الضخمة التي تُضخّ في جهاز الدعم توضح التكلفة الباهظة التي تتكبدها الخزينة العمومية دون أن تكون النتائج المرجوة مرضية. من أجل هذا، فقد وضع ملف الدعم كأولوية للحكومة، وتم إدراجه في قانون المالية للعام 2022 على أن تتم دراسته واقتراح آليات بديلة تحفظ الطابع الاجتماعي والانسجام في المجتمع.

فمنذ 2016، اتخذت السلطة الجزائرية حزمة من التدابير لخفض مستوى الدعم من خلال رفع قيمة الضريبة على القيمة المضافة على الوقود من 7 إلى 17%، رغم أن هذا النوع من الضريبة هو الأكثر تنازلية وتأثيراً على الفئات الاجتماعية الدنيا،  وكذلك وضع عتبات لاستهلاك الكهرباء والغاز يتغير عندها سعر بيع هذه المواد (2500 وحدة حرارية للغاز /للثلاثي و250 كليواط للكهرباء/للثلاثي). كما تم رفع الضريبة على المنتجات البترولية من 1 دينار إلى 2,91 دينارين (أي بنسبة 191%).  وفي 2021، عادت الحكومة لتمنع استعمال أنواع البنزين العادي والممتاز وأبقت على نوعية واحدة من البنزين بدون رصاص.  بحيث يعتبر البنزين بدون رصاص أقل تلويثاً، لكن أعلى سعراً من البنزين العادي الذي كان الأكثر استعمالاً. ومع اعتماد البنزين بدون رصاص، فقد تم رفع سعر البنزين بشكل غير مباشر.

التجارة الخارجية وميزان المدفوعات

رغم كل هذه التدابير، إلا أن العجز في الميزان التجاري بقي مستمراً منذ 2014 إلى 2020 (في 2021 حققت الجزائر فائضاً بـ 1,6 مليار دولار حسب موقع وزارة المالية). وبالتالي، فإن الحساب الجاري، عرف عجزاً متتالياً من 2014 إلى 2020 كما هو موضّح في الجدول الآتي:

يظهر الجدول 2 العجز الذي يسجله الميزان التجاري والحساب الجاري منذ 2014 والذي يتوافق مع انهيار أسعار البترول. فرغم الانخفاض الكبير في الاستيراد من 71 مليار دولار في 2014 إلى 46 مليار دولار في 2019، إلا أن العجز بقي مستمراً.

وقد عمدت السلطات الجزائرية بناءً عليه إلى تقليص الاستيراد من خلال وضع عدة عراقيل إدارية أمام المستوردين، كاشتراط تراخيص للاستيراد ابتداءً من 2016 قبل أن تتراجع عن هذا الخيار وتضع حقوقاً إضافية تحفظية (Droits Additionnels Provisoires de Sauvegarde) على مواد ثانوية وعلى الاستيراد لإعادة البيع إلى وضعه دون تحويل أو تصنيع (revente en l’état). كما اشترطت البنوك على المستوردين هامش ضمان 120% على كل عملية استيراد تودع 30 يوماً على الأقل قبل الشحن. أما عن استيراد السيارات، فقد اشترطت الحكومات المتعاقبة على المتعاملين الامتثال لدفتر شروط معين دون أن يتمكن أي مستورد أو مصنع من الحصول على ترخيص. وهذا بسبب المبالغ الكبيرة التي يستهلكها استيراد السيارات من العملة الصعبة، أي أصبح فتح استيراد السيارات أو تصنيعها أمراً جدّ مكلفاً للخزينة في ظل العجز في الميزان التجاري المذكور أعلاه.

ـ الميزانية العمومية والكتلة النقدية

*الجدول من إعداد الكاتب من مصادر مختلفة: تقارير بنك الجزائر، قوانين المالية، إصدارات الخزينة العمومية والديوان الوطني للإحصاء.

تم تمويل العجز في ميزانية الخزينة العمومية عن طريق صندوق ضبط الإيرادات إلى غاية 2016، ثم من 2017 إلى 2019 عن طريق التمويل غير التقليدي وعن طريق طباعة النقود3تمت طباعة 2.185 ملياري دينار في 2017 و 5.556,20 مليارات دينار في 2018 و2019. ، ومن 2019 إلى اليوم عن طريق أرباح بنك الجزائر وعن طريق السوق البنكية (financement monétaire) أو ما يسمى بالادّخار.

ويوضح البيان أدناه تراجع احتياطي الصرف (بالأصفر) ابتداء من 2014. في المقابل، تتصاعد قيمة الكتلة النقدية ابتداء من 2016 بسبب التمويل غير التقليدي. وقد وصلت الكتلة النقدية في نهاية عام 2020 إلى 96% من الناتج الخام.

أما عجز الميزانية العامة، فهو مستمر من 2009 دون توقف. هذا العجز يقابله ارتفاع المديونية الداخلية بشكل مطّرد.

آليات مواجهة الأزمة

استنفدت الحكومة إلى اليوم غالبية الآليات المتاحة للحد من آثار تراجع عائدات صادرات المحروقات والتي نذكر منها:

  • استهلاك رصيد صندوق ضبط الإيرادات Fonds de Régulation des Recettes
  • استهلاك احتياطي الصرف.
  • المحافظة على ميزانية التجهيز لعدة سنوات بقصد التحكم فيها على المدى المتوسط.
  • تخفيض ميزانية التجهيز إلى النصف.
  • التمويل غير التقليدي بضخ 5.556 مليارات دينار جزائري.
  • تخفيض نسب الضمانات القانونية للبنوك من 12% إلى 2% بشكل تدريجي.
  • التمويل النقدي عن طريق البنوك.
  • التمويل عن طريق إصدار سندات الخزينة.
  • إقرار التمويل الإسلامي.
  • خفض قيمة سعر الصرف الذي يتزامن بشكل أساسي مع تراجع احتياطي الصرف.
  • تسيير السيولة البنكية عن طريق إعادة تمويل البنوك أو ما يسمى بالتيسير الكمي Quantitative Easing (QE).

لكن هذه الآليات كلها آنية وليس لها تأثير على طبيعة العجزين الهيكليين المذكورين أعلاه، وذلك بسبب عدم وجود قطاع خاص يمكنه أن ينوب عن القطاع العمومي في ما يتعلق بالاستثمار والهياكل.

لا تريد الحكومة الجزائرية مراجعة نظام الدعم كما ذكره البروفيسور مداحي لسببين رئيسيين وهما الحفاظ على العقد الاجتماعي القائم وفقدان القدرة الشرائية بسبب التضخم الذي سينتج عن مراجعة نظام الدعم. بالإضافة إلى ذريعة أخرى تتعلق بالحاجة المسبقة إلى توفر قاعدة معلومات للاستهداف.

فبدلاً من اللجوء، على سبيل المثال، إلى تخفيض ميزانية التجهيز التي تؤدي إلى رفع نسب البطالة (والتي بلغت 13  % إجمالاً و28% عند الشباب دون الـ 30 سنة)، يصبح خيار مراجعة نظام الدعم بشكل تدريجي أكثر نجاعة.

إن إقرار مراجعة الدعم في قانون المالية لسنة 2022 يعكس نفاد الآليات المتاحة خاصة مع تآكل احتياطي الصرف الذي يغطي اليوم أقل من 15 شهراً من الواردات.

بقيت خيارات أخرى يمكن الاعتماد عليها وهي المديونية الخارجية وإعادة سعر الصرف إلى نسب جد منخفضة.

لكن في الوقت الحالي، وحتى مع ارتفاع أسعار البترول، يبقى خيار الإبقاء على نظام الدعم كما هو اليوم خياراً صعباً في ظل وجود أولويات أهم بالنسبة للاقتصاد الوطني كالاستثمار والأمن الغذائي وترقية الصناعة.

هذا وينبغي التنويه أن نظام الدعم في الجزائر على عيوبه يبقى من أكثر الأنظمة التي تصل إلى الفئات الهشة كما هو مبين في الرسم البياني الذي يمثل معامل جيني (Gini) للفوارق الاجتماعية.

 

ــ قانون المالية 2022

أما أرقام الميزانية فجاءت تكرس خفض ميزانية التجهيز والعجز في الميزانية العامة للسنوات الثلاث المقبلة.

 

في قانون المالية لسنة 2022 تم إدراج ملف الدعم على أن تتم دراسته ووضع آليات تضمن تكريس الحفاظ على المكاسب الاجتماعية للدولة، لاسيما من خلال عقلنة الدعم ليكون موجهاً حصراً إلى الفئات المعوزة، بحيث جاء في مشروع قانون المالية لسنة 2022 في عرض أسباب إدراج ملف الدعم، أن الفئات التي تستفيد منه هي الفئات الميسورة، وأن المرور من نظام الدعم الحالي إلى نظام دعم موجه يأتي لضمان أكثر للعدالة الاجتماعية، وأنه أصبح مطلباً سياسيًّا للنواب.

وجاء في المادة 188 من قانون المالية: ''يوضع جهاز وطني للتعويضات النقدية لصالح الأسر المؤهلة، يتشكّل خصوصاً من الدوائر الوزارية المعنية والخبراء الاقتصاديين المعنيين والمنظمات المهنية.

تتم مراجعة وتعديل أسعار المنتوجات المدعمة بعد تحديد الآليات والإجراءات من طرف الجهاز المذكور، بهدف تحديد التعويضات الموجهة لصالح الأسر المؤهلة للتحويلات النقدية المباشرة.

تعرض نتائج أشغال الجهاز الوطني في شكل مشاريع قوانين على البرلمان بغرفتيه للبتّ فيها، لاسيما قائمة المنتوجات المدعومة المعنية بمراجعة الأسعار، فئات الأسر المستهدفة، معايير التأهيل للاستفادة من هذا التعويض وكذا كيفيات التحويل النقدي. ''

أما قانون المالية التكميلي لسنة 2022 فلم يتعرض لمسألة الدعم.

خـــــــــاتمة

وأخيراً، فقد اقترحت مجموعة من الباحثين وكذلك المختصين وحتى صندوق النقد الدولي على الجزائر، صيغاً وتجارب لبلدان أخرى أثبتت نجاعتها.  أذكر هنا اقتراحين لمجموعة "نبني" في 2018 لإصلاح نظام الدعم مع ربطه بالإصلاح الضريبي.

الاقتراح الأول يتعلق بالاستهداف التدريجي لـ40% من الأسر ذات الدخل المنخفض بإدخال معيار واضح (كالدخل) مع بناء قاعدة بيانات بالتوازي على أن يصل الاستهداف بعد تدقيق قاعدة البيانات إلى 20% من الأسر خلال 5 سنوات.

أما الاقتراح الثاني فهو الدخل الشامل والذي يمكّن جميع المواطنين الجزائريين، ما عدا الأغنياء، من الاستفادة من مبلغ معين (2000 دينار جزائري كاقتراح أول). ويهدف هذا الاقتراح إلى استهداف 90% من الجزائريين شريطة حيازتهم حساباً بنكيًّا، ما يمكّن الدولة من الحصول على قاعدة بيانات واستقطاب المداخيل التي تتواجد في السوق الموازية.

أما صندوق النقد الدولي فقد أصدر عام 2014 تقريراً مفصلاً عن تجارب الدعم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد حددت هذه الدراسة ستة عوامل مرتبطة بالإصلاح الفعال لأنظمة الدعم. وهي4صندوق النقد الدولي ● إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ● يوليو 2014  - إصلاح الدعم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - صفحة 3. :

  • الإعداد الجيد، بما في ذلك التخطيط الدقيق لسرعة الإصلاح والنطاق الذي يغطيه، بمساعدة فنية من الأطراف الدولية المعنية؛
  • الالتزام القوي بالإصلاح من جانب الحكومة، وهو ما يمكن تحقيقه ببناء توافق في الآراء الداعمة للإصلاح، من خلال التواصل وبناء التحالفات؛
  • تعزيز أو استحداث شبكات فعالة للأمان الاجتماعي بغية تخفيف أثر إصلاح الدعم على شرائح السكان محدودة الدخل؛
  • توافر أوضاع اقتصادية مواتية، ولا سيما معدلات نمو اقتصادي مرتفعة نسبيًّا؛
  • وجود حكومة متعددة الأحزاب تقوم ببناء توافق الآراء بشأن الإصلاح بين مختلف الأحزاب.

أما بالنسبة للجزائر فيقترح مختصو الصندوق على الحكومة الجزائرية ترتيب زيادات الأسعار عبر منتجات مختلفة مع إدخال تدريجي لتحويلات مالية تستهدف الفئات الهشّة. رفع الأسعار يجب أن يتم بشكل تدريجي وعبر منتجات مختلفة كما يجب تبني قائمة قواعد غير مسيّسة وواضحة لتحديد الأسعار، وفي الوقت نفسه يتم بناء قاعدة بيانات تسمح بالتوجيه الفعال للتحويلات النقدية.

وقد أبدت الجزائر منذ فترة نيتها للقيام بإصلاح نظام الدعم، بحيث صرح وزير المالية في 2017 بوجود مشروع تجربة على مستوى ولاية الجزائر العاصمة كولاية نموذجية لتحقيق دعم موجه، إلا أن التجربة بقيت حبيسة التصريحات السياسية.

وجاء قانون المالية لسنة 2022 ليضع مسألة الدعم على طاولة النقاش السياسي باستحداث جهاز وطني للتعويضات النقدية.

كما أن الحكومة الجزائرية مدركة تماماً لتكاليف التحويلات الاجتماعية، كما جاء ذلك في مشروع قانون المالية 2022 في باب عرض أسباب استحداث جهاز وطني للتعويضات النقدية، وهي مدركة باستحالة الاستمرار في نفس منظومة الدعم بسبب تآكل آليات تمويل العجزين المذكورين أعلاه.

المراجـــــــــــــع

  • قانون المالية 2022
  • مشروع قانون المالية 2022
  • بحث للبروفيسور نور الدين مداحي ورؤوف بوسكين Quel_budget_quel_financement_Final
  • موقع معامل جيني (Gini) للفوارق الاجتماعية
  • الميزانية العمومية من موقع وزارة المالية https://www.mf.gov.dz/index.php/ar/
  • الوضعيات الثلاثية من موقع بنك الجزائر https://www.bank-of-algeria.dz/
  • الميزان التجاري من موقع وزارة التجارة https://www.commerce.gov.dz/statistiques/collection/stat-commerce-exterieur
  • ''مقترح ـ نبني Nabni ـ'' إصلاح نظام دعم الأسعار وتعويض خسائر القدرة الشرائية ــ الجزئر مارس 2018
  • IMF Country Report N°18/169 – AlGERIA – June 2018
  • Rapport FMI 2016 sur les subventions en Algérie- IMF Country Report No. 16/128
  • صندوق النقد الدولي إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ● يوليو  2014  - إصلاح الدعم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: عرض موجز للتقدم في الآونة الأخيرة وتحديات الفترة المقبلة إعداد كارلو سدارلفيتش، ورندا صعب، ويونس زهار، وجورجيا  ألبرتين

[1] Rapport FMI 2016 sur les subventions en Algérie- IMF Country Report No. 16/128

 

Endnotes

Endnotes
1  Nourmeddahi.github.io/El-Djazair/Quel_budget_quel_financement_Final.pdf page 12
2 سوناطراك  SONATRACH اختصار الشركة العامة لأبحاث وإنتاج ونقل وتحويل وتجارة الهيدروكربونات.
3 تمت طباعة 2.185 ملياري دينار في 2017 و 5.556,20 مليارات دينار في 2018 و2019.
4 صندوق النقد الدولي ● إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ● يوليو 2014  - إصلاح الدعم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - صفحة 3.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.