زلزال سوريا يكشف عن آلة مساعدات معطوبة

ما الذي تسبب في عرقلة وصول المساعدات إلى سوريا بعد الزلزال المدمر الذي ضربها في 6 شباط/فبراير، وجعل توصيل المساعدات عملية صعبة للغاية؟ أو لنكن أكثر تحديداً؛ لماذا لم يصل سوى الفتات القليل من المساعدات إلى شمال غرب سوريا – وهي الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة – مع كونها المناطق الأكثر تضرراً في البلاد؟ يعالج هذا المقال الأسباب الكامنة وراء صعوبة تقديم مساعدات الزلازل إلى شمال غرب سوريا ويقدم بعض التوصيات لتحسين الوضع على أمل أن يؤدي الوضع المأساوي في النهاية إلى انفراجة في كيفية وصول المساعدات إلى المنطقة.

ما الذي تسبب في عرقلة وصول المساعدات إلى سوريا بعد الزلزال المدمر الذي ضربها في 6 فبراير/شباط1في 6 فبراير/شباط ضرب زلزال جنوب شرق تركيا وأجزاء من شمال سوريا. ويعتبر هذا الزلزال هو سابع أكثر الزلازل كارثية في القرن الحادي والعشرين، حيث سجل 7.8 درجة على مقياس ريختر مع توابع بلغت قوتها 7.6 درجة. حتى كتابة هذا التقرير، لقي أكثر من 33 ألف شخص حتفهم، وتحولت آلاف المباني إلى أنقاض. ، وجعل توصيل المساعدات عملية صعبة للغاية؟ أو لنكن أكثر تحديداً؛ لماذا لم يصل سوى الفتات القليل من المساعدات إلى شمال غرب سوريا – وهي الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة – مع كونها المناطق الأكثر تضرراً في البلاد؟

قد يكون مشهد نقص الدعم في شمال غرب سوريا في أعقاب الزلزال محيراً لمراقب عابر، خاصة إذا ما قورن بمستوى التعبئة التي شوهدت عبر الحدود في تركيا. بيد أن الأمر مختلف بالنسبة لأولئك المطلعين والمتابعين للسياق السوري؛ فقد رأوا أن الزلزال قد سلط الضوء بشكل واضح على العراقيل السياسية التي وُضعت أمام عمليات الإغاثة في البلاد منذ فترة طويلة.

ضرب الزلزال مناطق في سوريا تسيطر عليها مجموعات مختلفة؛ إلا أن تأثيره الأكبر والأشد كان في الشمال الغربي، وكذلك في حلب واللاذقية وأجزاء من حماة. ويمكننا أن نرى أن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال الغربي كانت هي الأكثر تضرراً؛ فمن بين الـ 5714 قتيلاً الذين أُبلغ عنهم في سوريا حتى 13 فبراير/شباط، كان 4400 ضحية منهم في الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا. دُمِر أكثر من 1700 مبنى بالكامل في المنطقة، مع تعرض 6300 مبنى آخر لتصدعات شديدة. لقد أدى الزلزال إلى تفاقم الأزمات الإنسانية الموجودة سابقاً في منطقة يضربها العوز وفي أمس حاجة للمساعدات الإنسانية، وبنيتها التحتية لا تكاد تصمد. إلا أن كل ذلك لم يشفع لها، فقد تلقت المنطقة مساعدات واهتماماً أقل من المناطق المتضررة الأخرى.

لم تصل الشاحنات الست الأولى المرسلة من الأمم المتحدة إلى المنطقة إلا في 9 فبراير/شباط، أي بعد أربعة أيام على الكارثة. احتوت الشاحنات على الخيم ومواد غير غذائية سبق تخصيصها وجدولتها للمخيمات، لكنها لم تشتمل على أي معدات إغاثة طارئة مثل الوقود ومعدات البحث والإنقاذ التي كان الناس في حاجة ماسة إليها؛ ومن ثم لم تكن تلك الشاحنات مجهزة بما يجعلها قادرة على تخفيف الأزمة الإنسانية. كما لم تكن هناك فرق كبيرة للبحث والإنقاذ، ولم يصل ممثلٌ واحد من الأمم المتحدة إلى المنطقة.

كانت تلك الاستجابة أبطأ من الاستجابات التي شهدتها أجزاء أخرى من سوريا؛ والتي كانت هي الأخرى بطيئة بالفعل وغير كافية. ففي غضون يومين، أرسلت حوالي 12 دولة فرق بحث وإنقاذ إلى دمشق، وقام ممثلو منظمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر برحلات إلى دمشق والمناطق المتضررة من الزلزال، مصحوبةً بمساعدات؛ ولكن حتى 13 فبراير/شباط، لم يزر أحدٌ منهم مناطق الشمال الغربي.

للمرة الأولى لا تكون الكارثة في سوريا سياسية بل طبيعية، لكن شلل الاستجابة الإنسانية - على الأقل حتى الآن - عانى من التسييس طويل الأمد للمساعدات. يحاول هذا المقال تقديم تحليل للأسباب الكامنة وراء صعوبة تقديم مساعدات الزلازل إلى شمال غرب سوريا. ويبدأ بشرح ما الذي يجعل المنطقة فريدة من نوعها، ولماذا يعكس وضعها القانوني والإنساني، إلى جانب تاريخ عمليات الإغاثة في سوريا، حالات التأخر في تقديم المساعدات. وأخيراً، يقدم بعض التوصيات لتحسين الوضع على أمل أن يؤدي الوضع المأساوي في النهاية إلى انفراجة في كيفية وصول المساعدات إلى المنطقة.

ما الذي يميز منطقة شمال غرب سوريا عن غيرها؟

شمال غرب سوريا هو آخر المناطق الرئيسية الباقية تحت سيطرة المعارضة في سوريا. يقيم هناك حوالي 4.6 مليون سوري، وقد تعرض أغلبهم للنزوح عدة مرات. وباعتبارها إحدى المناطق القليلة التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، تعرضت المنطقة لهجمات عسكرية متعددة من التحالف العسكري السوري الروسي. بطبيعة الحال، تجاهلت تلك الهجمات الحماية القانونية الإنسانية التي أقرتها المعاهدات الدولية للمدنيين العزّل، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية التي كان من المفترض حمايتها، مثل المستشفيات والمدارس والمنازل. تسببت الهجمات أيضاً في نزوح الملايين، وكثير منهم كانوا قد نزحوا داخلياً بالفعل بعد أن أُجبروا على الفرار من الأجزاء الأخرى في البلاد التي سيطرت عليها الحكومة السورية.

قبل الزلزال؛ كان هناك حوالي 4.1 مليون من السكان البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، تتراوح بين الاحتياج إلى الغذاء والمأوى والوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي. وكانت الأمم المتحدة تضطلع بدور رئيسي في تنسيق هذه الجهود والتفاوض بشأنها. بيد أن الهجمات على البنية التحتية أصابت القطاع الصحي في شمال غرب سوريا بالشلل وخلفت وراءها أزمة مأوى.

ثمة أجزاء من شمال غرب سوريا تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة كانت مرتبطة سابقاً بالقاعدة، وقد تعرضت لعقوبات من الأمم المتحدة والعديد من الدول من جانب واحد؛ وكان من الطبيعي أن يؤدي فرض عقوبات على هيئة تحرير الشام إلى تعقيد وعرقلة عمليات المساعدة الإنسانية في الماضي. فمهما يكن من أمر؛ لا تزال هناك آثار غير مباشرة وظاهرة للعقوبات، حتى لو كانت المساعدات الإنسانية مستثناة. بينما هناك أجزاء أخرى من شمال غرب سوريا تسيطر عليها جماعات المعارضة التي تدعمها تركيا؛ وغنيٌ عن القول إن سلطات الأمر الواقع التي حازت على السلطة بشكل غير رسمي من جراء النزاع المسلح – على عكس الحكومة السورية "ذات السيادة" – لا يمكنها تقديم طلبات رسمية للمساعدة، أو الضغط رسمياً للاعتراف بها، أو بناء أي نوع من الاستقرار في منطقة لا تزال محل نزاع.

لماذا تتعرض المساعدات في سوريا للتسييس؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال دون النظر إلى التطور التاريخي لعمليات المساعدة في سوريا منذ بدء الصراع، والإطار السياسي الذي تعمل فيه الأمم المتحدة.

تتطلب عمليات الإغاثة الإنسانية بشكل عام إذناً من الحكومة القائمة للوصول إلى المناطق وتقديم المساعدات. وفي سوريا؛ رفضت الحكومة منذ فترة طويلة منح الإذن بالوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة، وقد فعلت ذلك لمنع وصول الإمدادات الضرورية والدعم الإنساني لمن تعتبرهم منشقين. وإذا طُبّقت هذه الاستراتيجية في مناطق المعارضة الرئيسية، إلى جانب القصف المستمر، فغالباً ما يدفعها ذلك إلى الاستسلام. وحتى بعد أن أعادت الحكومة السورية السيطرة على بعض المناطق - اعتماداً على السكان المتبقين في تلك المناطق - غالباً ما مُنعت تصاريح المساعدات بشكل تعسفي.

كما استخدمت الحكومة السورية سلطتها السيادية لمعاقبة جهات الإغاثة الإنسانية الفاعلة التي كان يُنظر إليها على أنها تخالف شروطها. وغالباً ما رُفضت تأشيرات العاملين الأجانب في المجال الإنساني، أو يُمنع تجديدها إذا سعت المنظمات التي يعملون لديها إلى تقديم مساعدات لبعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أو نددت بانتهاكات الحكومة. حتى أن هناك منظمات بأكملها وضعت ضمن قائمة المنظمات الإرهابية فقط لأنها قدمت مساعدات في مناطق تسيطر عليها المعارضة، وكانت صريحة بشأن التنديد بجرائم الحكومة.

هذا بغض النظر عن الفساد المتفشي، والتدخل في قوائم المستفيدين، ورفض البرامج الإنسانية؛ وكلها ظواهر لا تزال منتشرة في عمليات الإغاثة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وهكذا أصبحت بيئة المساعدات معقدة وصعبة فوق ما كانت عليه. ولكي لا تفقد وكالات الأمم المتحدة الوصول إلى سوريا - وبالتالي تمويلها - لم تكن لديها النية لإثارة اعتراضات على ممارسات الحكومة وكسر القيود التي أضعفت قدرتها على تقديم المساعدات بطريقة شرعية لكل المحتاجين.

كيف تدخل المساعدات إذن  إلى شمال غرب سوريا؟

في عام 2014، واستجابة للاحتياجات الإنسانية الكبيرة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، واستمرار رفض الحكومة السماح بدخول المساعدات؛ أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار الأمم المتحدة عبر الحدود للسماح بدخول المساعدات دون موافقة الحكومة. سمح هذا القرار بإنشاء أربعة معابر حدودية للسماح للأمم المتحدة بالعمل داخل المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة لدمشق (معبرين حدوديين لشمال غرب سوريا؛ واحد لشمال شرق سوريا؛ وواحد في الجنوب الغربي بالقرب من الحدود الأردنية). بيد أن استخدام روسيا - حليف الحكومة السورية - المتتالي لحق الفيتو (وتهديد دول أخرى باستخدامه) إلى جانب استيلاء الحكومة على بعض تلك المناطق؛ قد قلّص من الوصول إلى أحد المعابر الحدودية في شمال غرب سوريا المعروف باسم باب الهوى. وبناءً على الوضع الحالي للقرار، يجب تجديد الإذن باستخدام هذا المعبر الحدودي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كل ستة أشهر.

ومن ثم فإن الطريقة الأساسية لدخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا حالياً هي من خلال المعبر الحدودي الوحيد المعتمد، والذي وفقاً لبيانات نشرتها الأمم المتحدة، يستفيد حوالي 2.7 مليون شخص في المنطقة شهرياً من المساعدات القادمة عبره. أمّا الطريقة الثانية لدخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا فهي عبر دمشق، حيث تمر وكالات الأمم المتحدة من المناطق التابعة للنظام إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. ويطلق على هذه الطريقة اسم عمليات الدخول عبر خطوط النزاع. وكانت العمليات عبر خطوط النزاع أقل فعالية بكثير من العمليات عبر الحدود لعدة أسباب، ووصلت حسب بعض التقديرات  إلى حوالي 47 ألف شخصاً فقط. إذ غالباً ما تمنع الحكومة السورية مرور القوافل أو تفرض شروطاً معينة من أجل السماح بمرورها -مثل التخلص من إمدادات محددة أو بعض المتطلبات الخاصة بالمراقبة- وهو ما يرفضه العاملون في المجال الإنساني. في بعض الحالات، يتسبب مثل هذا الدعم المشروط، والثقل السياسي لقبول مثل هذه المساعدات، في رفض السلطات في شمال غرب سوريا أيضاً لهذه القوافل.

ينصب التركيز هنا على المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة، لأن المنظمات الإنسانية غير الحكومية الأخرى سبق وأن أشارت، فيما يتعلق بما إذا كان مرور القوافل عبر الحدود ضرورياً أصلاً في شمال غرب سوريا، أنها لا تمتلك القدرة التنسيقية لتوسيع نطاق الاحتياجات بالطريقة التي يستطيع جهاز الأمم المتحدة تحقيقها. ومن ثم، فإن عمليات الأمم المتحدة الإنسانية ضرورية للغاية  لتلبية الاحتياجات على أرض الواقع بفعالية.

كيف كانت الاستجابة للزلزال في شمال غرب سوريا؟

بعد أيّ زلزال تصبح كل دقيقة مهمة، ويتحدد عدد الأرواح التي يتم إنقاذها بناءً على مدى سرعة تعبئة الدولة. خلال الأيام الأربعة الأولى، تلقت الحكومة السورية مساعدات من الأمم المتحدة، ومن حوالي 12 دولة أخرى، في حين لم تصل أيّ مساعدات لِشمال غرب سوريا. في البداية، ادعى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمات أخرى أن الطرق قد دُمرت. كان معبر باب الهوى الحدودي يعتمد على عمليات الإمداد من غازي عنتاب والمناطق المجاورة في تركيا، التي كانت بالقرب من مركز الزلزال وتضررت بشدة، لكن الصحفيين والنشطاء المتواجدين في الميدان عند معبر باب الهوى الحدودي قالوا إن الطرق كانت مفتوحة، وأن جثامين الضحايا السوريين لا تزال تدخل من تركيا منذ اليوم الثالث للكارثة، وأن الطرق لم تتعرض لأضرار جسيمة بدرجة تؤثر على إيصال المساعدات. مع ذلك، استغرقت القافلة الأولى المكونة من ست شاحنات ثلاثة أيام حتى تدخل من معبر باب الهوى. وتضمنت تلك القافلة مواد غير غذائية وخيم إيواء لكنها لم تحتوي على أيّ مساعدات إغاثية خاصة بالزلزال أو مستلزمات طوارئ. ومنذ ذلك الحين، اعتباراً من 13 فبراير/شباط، دخلت حوالي 58 شاحنة تابعة للأمم المتحدة إلى شمال غرب سوريا. وتقول المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية إن ما دخل لا يكفي على الإطلاق، وأن معبر باب الهوى وحده لا يكفي لتغطية حجم العمليات المطلوبة.

كانت هناك محاولة أيضاً للسماح بمرور قافلة تابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر خطوط النزاع في شمال غرب سوريا، لكن تقارير إعلامية أفادت بأن القافلة تعرقلت بسبب "مشاكل في الحصول على موافقة" من هيئة تحرير الشام.

أما على صعيد عمليات البحث والإنقاذ فقد كان الوضع أكثر خطورة. ففي 8 فبراير/شباط، تمكن فريق دعم تقني مصري صغير غير حكومي من دخول شمال غرب سوريا لتقديم الدعم للدفاع المدني السوري، وهو عبارة عن مجموعة محلية في شمال غرب سوريا تضطلع بجهود الإنقاذ، تلاهم فريق تطوعي إسباني مكون من ثلاثة أشخاص دون معدات. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يدخل أيّ فريق بحث وإنقاذ مختص كبير إلى شمال غرب سوريا.

منذ 7 فبراير/شباط، كانت حركة المرور الوحيدة المنتظمة إلى شمال غرب سوريا هي الشاحنات التي تنقل جثامين السوريين من تركيا لدفنها في سوريا.

إذن ما الذي يمكن فعله؟

أثار تأخر إيصال المساعدات إلى سوريا موجة كبيرة من الانتقادات. فمن ناحية، شجبت عدة جهات فاعلة نظام العقوبات المفروض على سوريا، واتهمته بالتسبب في التأخير والصعوبات التي تواجه التبرع بالأموال لسوريا دولياً. واستجابة للضغط الدولي، أصدرت الولايات المتحدة إعفاءً عاماً  على كافة المساعدات والتحويلات المالية المرتبطة بالزلزال خلال الستة أشهر المقبلة. ووفقاً لمصادر صحفية، وفي إطار المناقشات المغلقة التي يجريها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وافقت حكومة الأسد، في 13 فبراير/شباط، على السماح بدخول المساعدات من خلال معبرين حدوديين آخرين لمدة ثلاثة أشهر. في حين أن هذه تعد خطوة إيجابية، لكن سيكون من الأفضل طرحها مع التزام طويل الأجل يمكن التأكد منه بشكل موضوعي.

هذا الإعفاء المؤقت من العقوبات الأميركية يعد خطوة أولى جديرة بالترحيب، على الرغم من أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإلغاء الآثار غير المباشرة. ومع ذلك، لم يتضح لنا ما إذا كان هذا الإعفاء يشمل إجراءات مكافحة الإرهاب التي تمتد آثارها إلى شمال غرب سوريا. لا يتناول هذا الإعفاء أيضاً أموراً محورية مثل تسييس المساعدات والعراقيل التي تضعها دمشق، من بينها عدم كفاية معبر حدودي واحد لمرور المساعدات، والتأخيرات التي لا يمكن تفسيرها في تعبئة وإيصال المساعدات إلى المنطقة، ومحدودية الدعم المقدم من أجل عمليات البحث والإنقاذ في شمال غرب سوريا، وجميعها مسائل رئيسية كان لها دور لا يغتفر في مقتل آلاف السوريين.

في 12 فبراير/شباط، أيّ بعد مرور أسبوع تقريباً على الزلزال، اعترف مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، في تغريدة أن الأمم المتحدة خذلت السكان في شمال غرب سوريا وأن تركيزه سينصب على معالجة هذا الفشل. يعد تصريح غريفيثس هذا اعترافاً مهماً بفشل الاستجابة الدولية، لكن الأفعال أبلغ من الكلمات. فعلى الأقل، يمكن استغلال الزلزال لإصلاح بعض جوانب آلية إيصال المساعدات المعطوبة في سوريا، إضافةً إلى بعض الأشياء التي يمكن للأمم المتحدة والمانحين فعلها لتحسين الأوضاع فوراً:

  1. استخدام معابر حدودية إضافية لإدخال المساعدات إلى شمال غرب سوريا: يوجد إجماع قانوني بين عدد متزايد من القانونيين المرموقين بأنه ليست هناك حاجة لتفويض من مجلس الأمن لتوصيل المساعدات عبر الحدود، خاصة عندما تكون السلطات عاجزة أو غير راغبة في إعطاء موافقة من أجل إنقاذ الأرواح. يمكن للأمم المتحدة الأخذ بهذا الإجماع القانوني وإرسال مزيد من الإمدادات من خلال معابر حدودية أخرى في شمال غرب سوريا وتوفير قدر أكبر من الثقة في استمرار العمليات على المدى الطويل، دون الحاجة إلى طلب تصريح غالباً ما يُرفض بشكل تعسفي.
  2. يجب أن تلتزم الأطراف المتحاربة بالسماح بدخول المساعدات: يجب على جميع الأطراف، بما فيها الحكومة السورية وسلطات الأمر الواقع التي حازت على السلطة بصورة غير رسمية في شمال غرب سوريا، السماح بدخول المساعدات، أيّاً كانت الطريقة. وذلك لأن الاحتياجات هناك أساسية وكبيرة للغاية لدرجة تحول دون استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية. ويجب على الحلفاء الرئيسيين للأطراف المتحاربة الضغط عليهم لقبول تسهيل وصول المساعدات.
  1. الحد من تأثير العقوبات على المساعدات: يُعد الإعفاء العام على العقوبات التي قد تعرقل جهود الإغاثة الإنسانية أحد الخطوات الأولية المهمة، لكن هذا التسهيل يجب أن يُطبق على كلا المنطقتين الواقعتين في شمال غرب سوريا (إدلب وريف حلب). ثمة حاجة أيضاً إلى مضاعفة وزيادة فعالية الإعفاءات الإنسانية مع الحرص في الوقت ذاته على عدم إعادة تمكين أو مكافأة منتهكي حقوق الإنسان.
  2. إعادة شحذ الطاقات للتصدي للوضع في شمال غرب سوريا وتحسين ظروف ما يقرب من 5 ملايين شخص يعيشون هناك: حتى قبل الزلزال كان وضع المنطقة غير محتمل بالفعل. فقد كان السكان يعيشون في منطقة ذات استقرار هش، ويعتمدون على مساعدات يجب التفاوض عليها كل ستة أشهر.

ما أظهره الزلزال هو أن ثمة حاجة ماسَّة للتصدي للتحديات الأساسية التي واجهتها عمليات الإغاثة في شمال غرب سوريا. مع ضرورة تبني نهج جديد. إذا لم يكن الوضع الحالي يسمح بإجراء تسوية سياسية، فيجب على أقل تقدير التوصل لاتفاق جديد يسمح بتدفق المساعدات إلى المنطقة بطريقة مستدامة وقابلة للتوسع لإتاحة الفرصة للسكان من أجل إعادة الإعمار وتلبية احتياجاتهم الأساسية. لا يكفي مواصلة التفاوض بشأن إيصال المساعدات عبر الحدود كل ستة أشهر، ومن غير المقبول تجاهل أزمة الحكم في شمال غرب سوريا على أمل أن تختفي من تلقاء نفسها، ولا يكفي أيضاً التلاعب ببعض المتغيرات التي تجعل العمليات صعبة أو تهويلها، مع عدم ذكر أيّ عقبات حقيقية تواجهها هذه العمليات خوفاً من تراجع المانحين. ثمة أرواح تعتمد على ذلك.

Endnotes

Endnotes
1 في 6 فبراير/شباط ضرب زلزال جنوب شرق تركيا وأجزاء من شمال سوريا. ويعتبر هذا الزلزال هو سابع أكثر الزلازل كارثية في القرن الحادي والعشرين، حيث سجل 7.8 درجة على مقياس ريختر مع توابع بلغت قوتها 7.6 درجة. حتى كتابة هذا التقرير، لقي أكثر من 33 ألف شخص حتفهم، وتحولت آلاف المباني إلى أنقاض.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.