رؤية متعددة الأبعاد للحراك في السويداء: السلمية، والتضامن، ومشاركة النساء في النضال

مظاهرة مناهضة للأسد في السويداء، سوريا - أيلول/سبتمبر 2023.  © فهد سعد كيوان/شاترستوك

مقدمة

لا يمكنني نسيان صرختي الأولى أثناء تظاهرة في مدينة برزة في دمشق عام 2011: "ما في للأبد، ما في للأبد، عاشت سوريا ويسقط الأسد". وبعد دقائق معدودة، شعرت بطلق ناري يمر قرب رأسي. خسرت في تلك التظاهرة اثنين من أصدقائي، لكننا كناشطات وناشطين سوريين/ات، لم نتوقف عن الاحتجاج السلمي في العديد من المناطق السورية، بما فيها محافظة السويداء.

حينها، كان الشعور بالمشاركة والحرية ومواجهة الظلم غريباً ومخيفاً، لكنه كان مليئاً أيضاً بالحماس والأمل. وجيهة، البالغة من العمر ستة عشر عاماً، عاشت تلك المشاعر بعد مشاركتها في تظاهرة للطلاب/ات بمرافقة أخيها في السويداء: "كانت مدة التظاهرة خمس دقائق فقط لكنها غيرت حياتي".

بالنسبة إلى السويداء، تمثلت المشاركة في الاحتجاجات المتفرقة اللاحقة بخطوة طبيعية في رحلة التغيير. ومع أن الاحتجاجات لم تصل إلى حدة التصاعد المشهود في مناطق مثل ريف دمشق وحلب وحمص لناحية عدد المتظاهرين/ات وتكثيف نقاط التظاهر، إلا أنها أخذت طابعاً مختلفاً في 20 آب/أغسطس 2023. إذ تطورت الديناميكيات وازداد التوجه نحو الاحتجاج السلمي والمطالبة بالتغيير السياسي.

يسلّط هذا المقال الضوء على الحراك الشعبي في السويداء لفهمه ضمن السياق الجغرافي السياسي الأوسع، والنظر في أبعاده المختلفة كالقيادة، المطالب، التكتيكات، والسيناريوات المحتملة للمضيّ قدماً. كما يناقش ديناميكية احتجاجات محافظة السويداء عام 2023 وتحولاتها، مع التركيز على دور النساء والتحديات التي تواجههن. جُمعت البيانات عبر مقابلات نوعية مع ناشط سياسي وناشطتين سياسيتين ونسويتين من السويداء، نظراً إلى مشاركتهم/ن الفعالة في الاحتجاجات المستمرة، بالإضافة إلى ناشط من مدينة كفرنُبُّل لديه تجربة طويلة في الحراك السلمي منذ عام 2011.

خلفيتي السياسية والنسوية ساعدتني في متابعة الأحداث الجارية في سوريا منذ عام 2011، واختيار هؤلاء الأفراد لتقديم وجهات نظر عميقة حول الوضع الراهن.

اعتمد التحليل في هذا المقال إذاً على التجارب المباشرة وحضور الاجتماعات والمشاورات بوصفي ناشطة سياسية نسوية وعضوة في الأمانة العامة للحركة السياسية النسوية، وعلى خبرتي ورؤيتي المتعمقة حول الحركات النسائية والاحتجاجات في سوريا. كمتابعة للأحداث السياسية في سوريا والأحداث الإقليمية والدولية المتعلقة بها، تمكنت من فهم التحديات التي تواجهها النساء في سياق الحركات الاحتجاجية. وعلى الرغم من ذلك، يواجه البحث حول هذا الموضوع قيوداً سياسية واجتماعية تؤثر في جمع المعلومات والتفاعل مع المشاركين/ات، وتحديات مثل قلة الوصول إلى المعلومات. هنا يأتي دور البحث التشاركي في مساعدة الباحثة على تجاوز هذه الصعوبات عبر الاستماع إلى أصوات المشاركين/ات مباشرةً ومشاركتهن في عملية البحث.

لفهم ديناميكية الاحتجاجات في السويداء، يجب النظر إلى عوامل عدة تشكل خلفية لها. إذ تحظى هذه المحافظة بأهمية استراتيجية بسبب موقعها في الجنوب الغربي لسوريا قرب الحدود الأردنية، ما يجعلها محوراً للعديد من المصالح الإقليمية.

تركيبتها الديموغرافية التي تعتمد في غالبيتها على الطائفة الدرزية تضفي عليها خصوصية؛ فهذه الطائفة، المعروفة بتماسكها وتضامن أفرادها، تتحفظ غالباً على التدخل الخارجي، وتتجنب الوقوع في التوترات الطائفية.1محمد كامل حسين (كتاب) طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعرفة، 1962. https://archive.org/details/20200601_20200601_1113/page/n1/mode/2up

على الصعيد الاقتصادي، تأثرت السويداء بشكلٍ كبير بالأزمة الاقتصادية التي مرت بها سوريا. وعلى الرغم من أنها تعتبر منطقةً زراعية في الدرجة الأولى، إلا أن نقص الكهرباء والطاقة أثّرا سلباً على القطاع الزراعي، ما انعكس على معيشة الكثير من سكان المحافظة.2وحدة الدراسات السياسية، "الأزمة الاقتصادية في سورية: أسبابها وتداعياتها واتجاهاتها"  المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات تموز يوليو 2020،  https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/Reasons-and-Outlook-for-the-Economic-Crisis-in-Syria.aspx  .

من الناحية الأمنية، يعتبر الوضع في السويداء معقّداً. فعلى الرغم من أنها لم تكن مسرحاً للمعارك الكبيرة، إلا أنها شهدت تصاعداً في أعمال العنف المحلي بين حينٍ وآخر، وانتشار المخدرات، خصوصاً الكبتاغون.

في ظل هذا الانفلات الأمني، برزت العديد من الفصائل المحلية، بالإضافة إلى فصائل تتبع للأمن السوري و"حزب الله" والقوات الإيرانية الرديفة.3المرصد السوري لحقوق الإنسان، "قتلى وجرحى في اقتتال بين فصيلين محليين في مدينة السويداء والاستياء الشعبي يتسع رداً على الانفلات الأمني المتواصل في المحافظة" 2019، https://2u.pw/KJ98hPz كما تُعتبر المحافظة مأوى للكثير من أبنائها الذين رفضوا الخدمة العسكرية أو المطلوبين/ات للنظام بتهمٍ سياسية متنوعة،4الشرق الأوسط، " أبناء السويداء يجددون رفضهم الالتحاق بالخدمة الاحتياطية.. والنظام يفصل المعتكفين" 15 أيلول/سبتمبر 2014،  https://aawsat.com/home/article/181776 منها المشاركة في احتجاجات تهدف إلى زعزعة نظام الحكم أو إلى وهن نفسية الأمة.5ريان محمد، "تهمة "وهن نفسية الأمة" تثير سخرية السوريين"، العربي الجديد 11 أذار/مارس 2019، https://www.alaraby.co.uk/

وإذا نظرنا إلى الجانب السياسي، فقد شهدت السويداء تظاهرات متفرقة بقيادة نخبة من المثقفين/ات، استجابة لتدهور الظروف المعيشية. وأظهروا/ن تضامنهم/ن مع بقية المحافظات السورية، مطالبين/ات بإسقاط النظام، ومحمّلين الرئيس بشار الأسد مسؤولية تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. لكن بقيت المحافظة محايدة نسبياً تجاه الأحداث التي تجري في سوريا منذ عام 2011، وبقيت تحت سيطرة النظام.

إن الوضع الديموغرافي والجغرافي أضافا طابعاً خاصاً إلى الحياة السياسية والاجتماعية فيها.6بي بي سي نيوز عربي، "تظاهرات سوريا: أين تكمن خصوصية السويداء وأقليتها الدرزية أمام نظام الأسد؟" 13 أيلول/سبتمبر 2023، https://www.bbc.com/arabic/articles/c5149dp1nnlo في المقابل، لم تكن ردة فعل النظام أيضاً بالشدة نفسها مقارنة مع المحافظات الأخرى. لم يطلق النار مباشرة، أو يمطر المدينة بوابل من البراميل المتفجرة، لكنه كان يستخدم تكتيكات أخرى لترهيب المحتجين/ات مثل الخطف أو تسهيل هجوم عناصر من "داعش".

توصيف الحراك الحالي

أخذت الاحتجاجات المتفرقة السابقة شكلاً مختلفاً بتاريخ 20 آب/أغسطس 2023. تروي وجيهة التي أصبحت محامية وناشطة نسوية وحقوقية كيف بدأ الحراك بدعوة إلى الإضراب العام في المدينة احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ونُفذ هذا الإضراب. فاقترح حينها أحد الشبان أن يتظاهرن/وا بالتزامن مع الإضراب. وعلى الرغم من فقدانها الأمل في حضور عدد كبير من المتظاهرين/ات، فوجئت وجيهة بمشاركة نحو 50 شخصاً، غالبيتهم/ن من الشباب/ات. وازدادت الأعداد تدريجياً، فشارك فيها الآلاف من الشباب والشابات والنساء والفلاحين/ات والعمال والعاملات والطلاب والطالبات وشرائح واسعة وجديدة من المجتمع الأهلي من الذين لم يشاركن/وا سابقاً. وتوسعت المشاركة إلى القرى والمدن الأخرى في المحافظة.7"احتجاجات السويداء 2023" ويكيبيديا، 2023، https://ar.wikipedia.org/w/

من الاحتجاجات المعيشية إلى المطالبة بالتغيير السياسي

تعتبر المشاركة الواسعة في الاحتجاجات نتيجة تراكمية للظروف المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد إصدار قرارات متعلقة برفع الدعم عن الطاقة، ثم تزامُن زيادة الأجور والرواتب مع الارتفاع الحاد في الأسعار وانهيار سعر الليرة بشكلٍ غير مسبوق تاريخياً، بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية والقمع السياسي وغيرها من العوامل التي ساهمت في نمو الاستياء والغضب ضد النظام، وولّدت الحاجة الملحّة إلى التغيير.

كان الهدف من الاحتجاجات التعبير عن الاستياء من الأوضاع المعيشية المتدهورة. وسرعان ما تطور الأمر إلى تظاهرات تطالب بالحقوق الأساسية والتغيير السياسي. إذ وصل الكثير من السوريين والسوريات إلى نقطة فقدان الأمل تماماً في إمكانية تحسين النظام القائم من الداخل، خصوصاً أنه قائم على أسس استبدادية وقمعية، وإلى الإيمان بأن التغيير الجذري والشامل هو السبيل الوحيد لتحقيق الإصلاحات المطلوبة والعيش في مجتمع يحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية. إذ إن فقدان الأمل في إصلاح النظام القائم يوجّه  المطالب نحو إزاحة النظام الأمني الاستبدادي وإقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، والمطالبة بتشكيل حكومة انتقالية تقود البلاد نحو الديمقراطية، ودعوة إلى إجراء انتخابات تعبر عن إرادة الشعب.

وهذه مطالبات المحتجين والمحتجات نفسها في سوريا منذ عام 2011. إذ يعكس الحراك الحالي استمرارية الثورة السورية حتى تحقيق مطالبها، والتزامهم/ن وإصرارهم/ن على تحقيق العدالة والحرية، على الرغم من احتمالية مواجهة الاحتجاجات والتظاهرات لتحديات وصعوبات.

دور القيادة الروحية

ازدادت قوة وحجم الحراك بفضل دعم الشيخ حكمت الهجري،8يمثل الشيخ حكمت الهجري بالنسبة إلى محافظة السويداء رمزاً للوحدة والمقاومة، وصوتاً للمطالب المشروعة للشعب. فهو رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء، ويتمتع باحترام كبير من قبل أبناء الطائفة وأبناء المحافظة عموماً. إذ قاد السويداء في مواجهة التدخل الإيراني والميليشيات الموالية لها. كما وقف بقوة ضد النظام السوري، ودعا إلى التظاهرات المطالبة بالإصلاحات السياسية. الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، فمنح الحراك شرعية وزخماً أقوى.

وتشير ليليان، الناشطة والعضوة في الحركة السياسية السورية النسوية، إلى الدور الهام الذي لعبه الشيخ الهجري في تحييد دور الفصائل في السويداء، وحشد الناس للمشاركة في الاحتجاجات، وتوفير غطاء للحراك. فتقول: "أنا من الناس الذين شعروا بالأمان عندما تحدث الشيخ الهجري" الذي دعا إلى العيش بكرامة وتحقيق العدالة وحماية حقوق الشعب من القمع والاستبداد، متهماً النظام بخيانة شعبه وتدمير الاقتصاد الوطني9هبة محمد ووائل عصام، "السويداء: الشيخ الهجري يتهم من ينحاز إلى النظام السوري بـ’بيع كرامته’"، القدس العربي، 31 آب/أغسطس 2023، https://www.alquds.co.uk .

تُعد مضافة الشيخ الهجري مكاناً يجتمع فيه السياسيون المعارضون لمناقشة الحراك السياسي والحصول على مشورته، واستقاء الشرعية منه. كما تلقى الهجري اتصالات من مسؤولين أميركيين يدعمون الحراك في السويداء، ما يظهر تدخلات خارجية في الوضع السياسي في سوريا.

وعلى الرغم من تدخّله في السياسة، أكد الشيخ الهجري أهمية العلمانية في الدولة، والبعد الوطني لحراك السويداء. وإذا كان لهذه القيادات الدينية أن تلعب دوراً في توجيه وتعزيز الحراك، فمن الواجب أيضاً التفكير في التحديات والتوترات المحتملة المتعلقة بذلك، مثل التأثير على فصل الدين عن الدولة.

طرح الشيخ الهجري تبني العلمانية، لكن هل هذه الطروحات واقعية؟ وهل يوافق هو ومشايخ العقل في السويداء على سبيل المثال على تغيير قانون الأحوال الشخصية الذي يميز بشكلٍ واضح ضد النساء السوريات؟ أو تحريم قتل النساء بداعي الشرف؟

يقول كثيرون/رات إنه من المبكر الحديث عن هذه الأمور. لذلك، تحتاج التحديات والتوترات المحتملة المتعلقة بتدخل رجال الدين في السياسة إلى تناولها بحذر وفهم عميق للسياق المحلي والثقافي والديني، وضمان التعامل معها بحذر واستراتيجية واضحة لضمان تحقيق أهداف الحراك بطريقة تحافظ على التنوع والتعددية وتحترم حقوق وحريات جميع أعضاء المجتمع.

الفن والتضامن والاستقلالية: روح الحراك الشعبي في السويداء

في ساحة الكرامة في السويداء، إلى جانب الاحتجاجات السلمية، تبرز مظاهر حضارية وإنسانية. بعد كل تظاهرة تُنظف الساحة، ويقدم الطعام التراثي للمحافظة المعروف بـ"مليحية" لعناصر الشرطة في "قيادة شرطة السويداء"،10"لحظة إدخال منسف ‘مليحية’ إلى مبنى ‘قيادة الشرطة’ في السويداء وسط أهازيج المتظاهرين "، بلدي نيوز – ميديا،  2023  https://www.youtube.com/watch?v=l8dljiteuPs واستقبال وفود من بلدات وقرى المحافظة الأخرى، ومحافظة درعا أيضاً. تهدف هذه المبادرات إلى إبراز كرامة المواطن والدور الإيجابي للحراك، الذي يطالب بحقوق الناس وإسقاط النظام الاستبدادي والمنظومة الأمنية.

في هذا السياق، تقوم بعض الفصائل المحلية، من دون اللجوء إلى السلاح، بتأمين الحراك الشعبي، عبر تمشيط الساحة والتأكد من خلوّها من المتفجرات ومراقبة المداخل والمخارج والأسطح لحماية المتظاهرين/ات. كما تهتم بحماية مؤسسات الدولة.

من جانب آخر، شكل الفن جزءاً أساسياً من الحراك الشعبي في السويداء. ولعب دوراً مركزياً في الثورة السورية. فشهدت الساحات فعاليات فنية ومعارض تعكس قضايا الحراك الجوهرية. وحول هذا الأمر، يعلق الناشط السياسي والفنان سهيل ذيبان قائلاً: "الشعور بالحرية هو المحرّض الإبداعي الذي أطلق مَلَكات الفنانين الإبداعية".

تميز الحراك في السويداء بلافتات كاريكاتورية ومشاهد مسرحية خاصة، بالإضافة إلى أغاني الثورة التي ألهمت المتظاهرين/ات. كل هذه الأعمال الفنية تسلط الضوء على القضايا الرئيسية، وتعزز تأثير الحراك، مؤكدةً الرغبة في التغيير والحرية والعدالة. وكما يرى سهيل: "إذا لم يخدم الفن قضية فلا يعوَّل عليه" إذ إن الرسوم والعروض المسرحية والأغاني الثورية ليست مجرد تعبير عن مشاعر المتظاهرين/ات فحسب، بل هي أدوات فعالة لنقل رسالتهم/ن وتوحيد جهودهم/ن.

بينما تواصل "وجيهة" وزملاؤها التظاهر وإعلاء صوتهم/ن في ساحات الاحتجاج، يسعين/ون جاهدين/ات للحفاظ على استقلالية الحراك وحمايته من أي تأثير خارجي. يهمهم/ن الحفاظ على نقائه وهويته الأصيلة، بالابتعاد قدر الإمكان عن أي تمويل أو دعم مادي خارجي يمكن أن يُضعف من ذاتيته ويُشوّه صورته.

يؤكد العديد من الناشطين/ات على هذه النقطة، في كافة الاجتماعات واللقاءات. يتوجهون/ن برسالة قوية إلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية، يطلبون/ن منهن/م احترام قرارهن/م بالاستقلالية وعدم استغلال الحراك لأغراض خاصة. تقول وجيهة بثقة وإصرار: "نحن على الأرض، على دمنا، لا نريد من أحد أن يستثمر فينا".

في المجمل، يعتبر طرح الناشطين/ات حول "مواصلة استقلالية وذاتية الحراك" واقعياً. فأظهرت التجارب السابقة في الثورة السورية وغيرها من الثورات احتمال أن يكون للتمويل الخارجي أو الدعم المادي تأثيرات معقدة، تكون غالباً سلبية على ديناميات ونتائج الحراك. فربما يؤثر الدعم المادي الخارجي على استقلالية الحركات والتظاهرات، ويجعلها مرتهنة إلى أجندات وأهداف الجهات المانحة وتشويه هوية الحركات وأهدافها. ويُحتمل أن تثير قضايا الدعم المادي الخارجي تساؤلات وشكوكاً أخلاقية حول دوافع الجهات المانحة وتأثيراتها على الحركة الاحتجاجية، وأن تشوّه صورة الحراك والتساؤل عن مصداقيتها وأهدافها. لذلك، يبدو أن الناشطين/ات تعلموا/ن من التجارب السابقة ويسعين/ون إلى حماية حراكهن/م من التأثيرات السلبية للتمويل الخارجي، محاولين/ات الحفاظ على استقلاليته وهويته وأهدافه الأصيلة.

تضامن نشطاء/ناشطات المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مع حراك السويداء

في السياق نفسه، يبرز الناشطون/ات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام دعمهم/ن الكامل للحراك في السويداء عبر التظاهرات ووقفات التضامن. ويسعين/ون إلى تعزيز الوعي حول أهمية الحفاظ على سلمية الحراك. هذا التضامن لا يأتي بسهولة، فهذه المناطق تشهد توترات وصراعات دائمة وتخضع لسيطرة قوى الأمر الواقع بما فيها "جبهة النصرة"، ما يجعل التنظيم والمشاركة في هذه التظاهرات نشاطاً محفوفاً بالمخاطر. وعلى الرغم من ذلك، يصررن/ون على تحمل هذه المخاطر للتأكيد على أهمية الحفاظ على الحراك السلمي.

يبدو أيضاً أن هناك تفاعلاً وثيقاً بين الناشطين/ات في السويداء وأولئك الذين/اللواتي خضن/خاضوا تجارب مماثلة في مناطق أخرى من سوريا.

ويُعتبر "كسار الحسني"، وهو ناشط من مدينة كفرنُبُّل التي تميزت بنضالها السلمي منذ عام 2011، أحد الأمثلة الملموسة على هذا التفاعل. فيشارك تجربته مع نشطاء/ناشطات السويداء، مؤكداً أهمية الحفاظ على سلمية الحراك على الرغم من التحديات. ويحذر من استخدام السلاح وتخريب المنشآت العامة. كما يشجع على النقاش المفتوح والمشاركة الواسعة في الحراك. ويعد حراك السويداء بصمة لاستمرارية الثورة السورية وأملاً لإعادة إشعالها من جديد.

مشاركة النساء في الحراك الشعبي في السويداء:

تشهد مشاركة النساء في الحراك الشعبي في السويداء تحولاً ملحوظاً ونمواً مستمراً. تاريخياً، كانت المشاركة النسائية محدودة في المجالات العامة والسياسية، لكن في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد عام 2011، لعبت النساء دوراً أكثر فعالية وحضوراً في مختلف جوانب الحياة العامة، بدءاً من العمل التطوعي، والانخراط في المنظمات غير الحكومية التي تعمل على تحسين الظروف المعيشية والتعليم والصحة في المجتمع، ويبذلن جهوداً للتأثير على السياسات العامة والدفاع عن قضاياهن، وصولاً إلى المشاركة الفعّالة في الحراك الشعبي.11"سوريا: رفعت لواء الثورة .. المرأة في ربيع سوريا"، شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة، 2012، https://www.iknowpolitics.org/ar

باتت النساء في السويداء أكثر من مجرد مشاركات في الحراك؛ فيُعتبرن اليوم من القوى الدافعة وراءه عبر سعيهن إلى إحداث تغيير إيجابي ومستدام في المجتمع من خلال مشاركتهن الفعّالة والواسعة في الاحتجاجات والمطالبة بالمساواة والعدالة والحرية والتغيير السياسي. ليؤدين دوراً محورياً في الحراك، سواء عبر تقديم الدعم اللوجستي أو المساهمة في تنظيم الفعاليات أو حتى نشر الوعي السياسي والمشاركة في تشكيل اللجان الشعبية التي تقود الحراك، والتأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي.

توضح ليليان: "مشاركة النساء ازدادت تدريجياً، وأصبح لهن دور مهم في تحفيز الكثيرين وفي الحشد للمشاركة، وكان بعضهن مشاركاً في التنسيقيات وتنظيم الحراك". في هذا السياق، تصبح مشاركة النساء حاسمة لأسباب عدة، منها التنوع والتمثيل، إذ تضمن هذه المشاركة تنوع الآراء والأفكار وتساهم في إبراز قضايا واحتياجات محددة يُحتمل أن لا تُبرز بقوة في غيابهن. كما يحملن مجموعة من الخبرات والمهارات التي يمكن أن تغني الحراك وتساهم في نجاحه، ويمكن لوجودهن ومشاركتهن أن يحفّز المجتمع، ويعزز الروح المعنوية ويشجع على المزيد من المشاركة والتفاعل. لذلك، يجب تحديد ومناقشة القضايا التي تؤثر على النساء وضمان أن تكون جزءاً من الأجندة العامة للحراك، وتوفير مساحات آمنة تشجعهن على التعبير عن آرائهن ومشاركة تجاربهن بحرية، من دون الخوف من الأحكام الجاهزة أو التنمّر.

من المهم أيضاً تقديم الدعم اللازم للنساء، سواء كان معنوياً أو لوجستياً، وتوفير فرص التدريب وبناء القدرات لتعزيز مهاراتهن وقدرتهن على المشاركة بفعالية أكبر في الحراك. ويجب التركيز على تشجيعهن للمشاركة وإظهار قدراتهن ومهاراتهن بكل حرية وثقة.

عبر تطبيق هذه الخطوات والتركيز على تعزيز مشاركة النساء، يمكن تحقيق حراك أكثر فعالية وشمولية. إذ يسهم تنوع الأصوات والآراء في اتخاذ قرارات أكثر شمولاً واستناداً إلى مجموعة متنوعة من الخبرات والمهارات. في النهاية، هنّ يسعين إلى المساهمة في تحقيق تغيير إيجابي يعكس آمال وتطلعات جميع أفراد المجتمع، ويسهم في بناء مستقبل أفضل تسوده العدالة والمساواة والحرية.

وعلى الرغم من الدور الفعّال الذي يلعبنه في السويداء، لا تزال تواجههن تحديات جسيمة تقيد مشاركتهن في الأمور العامة. تلفت وجيهة إلى أن "مشاركة النساء لا تزال خجولة في التنظيم والاجتماعات وجلسات الحوار"، لأسباب متعددة، منها الضغوط اليومية التي تعيشها بعض النساء والتهديدات الأمنية والتشهير عبر الإنترنت من جهات مجهولة. وتعود تحديات أخرى أيضاً إلى المعتقدات الدينية والتقاليد الثقافية التي تعيق تمكين النساء في المجتمع.

من بين التحديات التي تواجه النساء في السويداء، التهديدات الأمنية المستمرة والتحقيقات المحتملة، على الرغم من عدم تسجيل أي حالات اعتقال حتى الآن. وتشير "وجيهة" إلى أن "احتمالية اعتقال النساء، قد تثير ردود فعل عنيفة، يمكن أن تصل إلى مستوى المواجهات مع الأجهزة الأمنية". وتحذر ليليان من أن: "اعتقال النساء في السويداء قد يحوّل الحراك إلى نزاع مسلح". لذلك، يُعتبر الاعتقال هاجساً، خصوصاً بالنسبة إلى النساء اللاتي يدرسن أو يعملن في دمشق، وإلى عائلاتهن، والخوف منه يثبط مشاركتهن في الأنشطة الاحتجاجية ويضع عبئاً إضافياً عليهن نتيجة الضغوط الاجتماعية والثقافية، ما يحدّ من فعالية الحراك الاجتماعي والسياسي.

يُعد تجاهل رغبة بعض النساء في عدم التصوير تحدياً بالفعل، كما أوضحت وجيهة حين تحدثت عن تصوير بعض الصحافيين غير المُحترم للخصوصية، ما قد يعرض النساء للخطر.  كما روت حادثة منع أب لابنته الناشطة من المشاركة في الاحتجاجات بعد رؤيتها في أحد التقارير الإعلامية، على الرغم من أنها أبلغت الصحافي برغبتها في عدم الظهور. وعلى إثر ذلك، لم تعد تستطيع الناشطة، التي كانت تقوم بدور هام في الرسم الكاريكاتوري وتخطيط اللافتات، من المشاركة. وهنا نجد أنها تواجه تحديات متقاطعة: انتهاك الصحافيين للخصوصية الذي يمكن أن يثبط عزيمة النساء ويشعرهن بالخوف، بينما يُحتمل أن يكون تدخل الأهل في قراراتهن ناتجاً عن رغبتهم  في حمايتهن، لكنه قد يقيد حريتهن في المشاركة العامة والنشاط السياسي. تحتاج هذه القضايا إلى فهم عميق لتحقيق التوازن بين حماية حقوق النساء والحفاظ على الحريات الصحفية والشخصية.

كما يُعد العنف الإلكتروني ضد النساء من أبرز التحديات التي تظهر في العصر الرقمي. إذ بيّنت إحدى الدارسات التي أجريتها لصالح الحركة السياسية النسوية أن 70% من الناشطات السياسيات يتعرضن للعنف عبر الإنترنت بسبب نشاطهن السياسي، بهدف إسكاتهن ومنعهن من المشاركة.12"العنف عبر الإنترنت وآثاره على المشاركة السياسية للناشطات السوريات: مواقع التواصل الاجتماعي نموذجا"، الحركة السياسية النسوية السورية، https://syrianwomenpm.org/ar/ وأكدت وجيهة ذلك، إذ يُستخدم العنف عبر الإنترنت برأيها كوسيلة لتقييد الحرية وترويع وتهديد المشاركات في الحراك الشعبي في السويداء. وذكرت مثالاً عن ناشطة نُشرت صورتها وصورة والدتها على صفحة مزيفة مع كلام مسيء. هذا النوع من التشهير يدفع الناشطات إلى التفكير ملياً قبل المشاركة في أي نشاط اجتماعي. كما تلقت وجيهة نفسها وغيرها من الناشطات تهديدات مباشرة من حسابات وهمية، مثل: "شفتك في التظاهرة وسأقوم بـ...". هذه التهديدات تثير مشاعر الخوف والقلق وتضيّق نطاق حرية التعبير والمشاركة.  وأوضحت أن العنف الرقمي سبّب لها "شعوراً سيئاً"، ما يُظهر أن الأثر النفسي لهذا النوع من العنف يمكن أن يكون عميقاً ومؤلماً.

وتشرح أن أخطر العوامل التي تقف عائقاً أمام مشاركة النساء، تتمثل في الفكر الذكوري السائد والتقاليد المجتمعية. كما تذكر أنها حضرت اجتماعات ضمّت ما لا يقل عن خمسين رجلاً وامرأتين فقط، وفي الكثير من الأحيان لا يهتم الرجال بوجود النساء: "يدعوننا إلى الحضور قبل نصف ساعة من الاجتماع، رفع عتب، أو بهدف الظهور الإعلامي".

في مجتمعات تسود فيها أفكار ذكورية، قد تقلّل قيمة آراء النساء ومشاركاتهن في النقاشات العامة والسياسية، وقد يميل الرجال إلى السيطرة على عمليات اتخاذ القرارات، ما يخفض فرص النساء في المشاركة بفعالية. وتلاحظ كل من وجيهة وليليان، أن مشاركة النساء في الاحتجاجات تقل كلما اتجهنا من المدينة نحو الريف للأسباب نفسها. فالمساحة المخصصة للنساء والتوقعات الاجتماعية تقيد مشاركة النساء أيضاً، إذ تفرض التقاليد توقعات معينة بشأن الأدوار التي يجب أن يلعبنها مثل التركيز على المسؤوليات المنزلية ورعاية الأسرة. مع ذلك، تؤكد وجيهة أنه "من الضروري أن نركز في الفترة المقبلة على عدم استغلالنا إعلامياً، وأن يكون دورنا أوضح وأقوى". على الرغم من كل ما سبق، نجد أن الحركة الاحتجاجية في السويداء توفر مساحة لمشاركة النساء بالحد الأدنى، لكنها افتقدت إلى التركيز على قضايا النساء في المطالبات. إذ لا يمكن النظر إلى قضايا النساء كقضايا ثانوية في أي مرحلة من المراحل. ومن الضروري عدم السماح للصورة الجميلة لمشاركة النساء في الاحتجاجات أن تغيّبنا عن القضايا العميقة التي يواجهنها. الواقع ليس مشرقاً كما يعتقد البعض، والمجتمع ليس منفتحاً ومحرراً كما يُفترض. فلا تزال العادات والتقاليد والدين تلعب دوراً كبيراً، وقضايا الشرف لا تزال موجودة، والفتيات لا يملكن الحق في اتخاذ القرار في حياتهن الخاصة، والقضايا المتعلقة بالإرث لا تزال قائمة. لذلك، إذا لم نطالب بالتغيير الآن، فلن نتمكن من القيام بذلك في المستقبل.

مع هذا، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها النساء، إلا أن مشاركتهن في الحراك الشعبي في السويداء تعد خطوة مهمة في طريق تحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز دورهن في الحياة السياسية والمجتمعية، كما شرحت ليليان: “ستكون مشاركة النساء في الحراك الشعبي من المكتسبات المستقبلية، وسيصبح من الصعب استبعادهن من أي دور قيادي".

السيناريوات المتوقعة لمستقبل الحراك في السويداء:

في الانتفاضة الشعبية في السويداء، تحولت الساحة السياسية إلى مكانٍ حي  للنقاش والتنظيم، حيث يجتمع الناس ويناقشون ويختلفون ويشكلون هيئاتهم وممثليهم. إذ يرى الكثيرون/ات، أن تنظيم الحراك سياسياً بشكل يشمل الجميع من دون استثناء أمر ضروري. فتؤكد ليليان أن "الحراك لا يزال في بدايته، وسينتج قادته خصوصاً من الشباب والشابات وينظم نفسه داخلياً".

تحدث اللقاءات السياسية والأهلية يومياً في أنحاء المحافظة، ما يجسد تبادل الأفكار والآراء بحرية تامة. وصدر أخيراً بيان بتوقيع "الانتفاضة الشعبية" من قبل الناشطين/ات في الحراك13"بيان للانتفاضة الشعبية بـ #السويداء"، فيديو فيسبوك، https://www.facebook.com/watch/ ، أكدن/وا فيه استمرار التظاهرات السلمية في ساحة الكرامة حتى تحقيق التغيير السياسي، مستندين/ات إلى قرار الأمم المتحدة 2254، والتمسك بوحدة الأرض السورية ورفض أي مشروع انفصالي خارجي أو خطاب طائفي محرض.

يبرز في هذا السياق تيار آخر يؤيد إقامة إدارة ذاتية مشابهة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، أو إدارة محلية تدير المحافظة ضمن إطار المرسوم 107 لعام 2011 الذي يتعلق بإعطاء الحق للمحافظات في تشكيل مجالس محلية منتخبة تهتم بشؤونها وتطويرها.

وفقاً لوجيهة، تسوّق لهذه الفكرة أحزاب وتجمعات سياسية ومدنية موجودة سواء داخل السويداء أو خارجها، على الرغم من الرفض الشعبي الذي يأتي لأسباب عدة، منها أن هدف الاحتجاجات هو الوصول إلى حل سوري شامل وليس تكرار تجارب فاشلة سابقة.

وتتوقع أن مصلحة النظام السوري تتسق مع هذا الطرح ليخفف الضغط عنه، ويتمكن لاحقاً من التعامل مع سلطة أمر الواقع أياً تكن.

ومن بين الأسباب التي تدعو البعض إلى رفض هذه الفكرة، الخوف من الانفصال. إذ تقول ليليان: "نحن نريد حلاً سورياً، لا نريد حلاً لمحافظة السويداء". وتضيف: "لا يوجد إرادة شعبية للانفصال، وسكان السويداء واعون تماماً لخطورة هذا الطرح، وهو الرأي الذي يمثل وجهة نظر غالبية المشاركين/ات في النقاشات العامة في السويداء.

على الجانب الآخر، هناك من يؤيد فكرة الإدارة المحلية، فيقول سهيل: "نحن قادرون على إدارة أمورنا بأنفسنا حتى يسقط هذا النظام". يعتقد سهيل أن النظام تخلى عن كل مسؤولياته تجاه المجتمع السوري بأسره، وأن أهل السويداء قادرون على إدارة أنفسهم وفق المرسوم 107، وهو يتحدث عن إدارة محلية مع إغلاق الأفرع الأمنية والإبقاء على الضابطة العدلية والشرطة وانتخاب المحافظ.

لكن هذا الطرح لا يتفق تماماً مع المرسوم 107 الذي تحدد المادة 31 منه العلاقة مع الأجهزة المركزية وتحفظ سلطات واسعة للمحافظين المعينين من طرف رئيس الجمهورية الذي يشرف على السلطات المحلية، ويحق له بحسب المادة 122 أن يحل المجالس المحلية على مختلف مستوياتها.

بين هذا وذاك،  تظهر مجموعة واسعة من الأفكار الوسطية التي قد تحقق توازناً بين هذين التيارين، ما يوفر الفرصة لصياغة رؤية أكثر عقلانية تؤكد على السلمية والحلول العملية بدلاً من النظرية، مع التركيز على تحقيق التغيير السياسي في السويداء كنموذج يمكن أن يُحاكى في أنحاء سوريا.

وعلى الرغم من استبعاد سيناريو النزاع المسلح ورفضه من قبل جميع الفعاليات المدنية والسياسية والدينية في محافظة السويداء، إلا أنه لا يزال موضوعاً للنقاش، خصوصاً بعد محاولة النظام استفزاز الأهالي بإطلاق النار على المحتجين عند محاولتهم إغلاق مركز حزب البعث في المدينة.

تؤكد وجيهة أنهن/م مصرون/ات على عدم الأخذ بـ"ردات الفعل". أما بالنسبة إلى سهيل، فهو يؤكد أنهن/م ماضون في سلميتهن/م للوصول إلى حلٍ سياسي شامل لكل سوريا. ومع هذا، لا يستبعد هذا السيناريو، ولا يرفضه بالمطلق كحل أخير لتحقيق إسقاط النظام الاستبدادي في كل سوريا. ويقول: "نحن في السويداء وضمن تفكيرنا الجمعي لا نعتدي على أحد، ولكننا لا نقف صامتين حين يُعتدى علينا".

وعلى الرغم من ذلك يُعتبر التمسك بجوهر الحراك المعيشي الوطني والحفاظ على أسلوبه السلمي أمراً ضرورياً. ومن المهم عزل القوى المخربة والمتطرفة التي تَستخدم الحماس والاندفاع كذريعة.

في الختام: يجب عدم تحميل الحراك الشعبي في السويداء أكثر مما يحتمل. على الرغم من أن مسار السويداء لم يغير الوضع العام في سوريا، إلا أنه بالتأكيد يمثل أحد أوجه التغيير. وينبغي النظر إلى الحراك كجزء من السياق الأوسع الذي يشمل تعثر الحل السياسي، إغلاق أبواب المبادرة العربية، وزيادة الضغط على النظام. فالحراك هو إحدى وسائل الضغط التي تهدف إلى دفع النظام نحو التغيير.

ومن الضروري التأكيد على أن ما يجري في السويداء يعبر عن إرادة الغالبية العظمى من الشعب السوري، وليس محصوراً في أهل المحافظة فقط. لكن في هذه المنطقة، اجتمعت الظروف التي سمحت للناس بالتظاهر بسلام، ما يؤكد هزيمة الأسد في مواجهته مع شعبه، وليس العكس.

من جهة أخرى، ضمان مشاركة النساء الفعّالة في الحياة السياسية، وتضمين قضايا النساء في برنامج الحركة الاحتجاجية في السويداء ليس ضرورياً لضمان حقوقهن فقط، بل لتحقيق تغيير إيجابي دائم في المجتمع ككل أيضاً، عبر التركيز على هذه القضايا ومعالجتها، يمكن للحراك أن يساهم في تحقيق مجتمع أكثر عدالة وإنصافاً للجميع، وبالتالي تحقيق التغيير الذي يتطلع إليه الجميع.

 

 

Endnotes

Endnotes
1 محمد كامل حسين (كتاب) طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعرفة، 1962. https://archive.org/details/20200601_20200601_1113/page/n1/mode/2up
2 وحدة الدراسات السياسية، "الأزمة الاقتصادية في سورية: أسبابها وتداعياتها واتجاهاتها"  المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات تموز يوليو 2020،  https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/Reasons-and-Outlook-for-the-Economic-Crisis-in-Syria.aspx  .
3 المرصد السوري لحقوق الإنسان، "قتلى وجرحى في اقتتال بين فصيلين محليين في مدينة السويداء والاستياء الشعبي يتسع رداً على الانفلات الأمني المتواصل في المحافظة" 2019، https://2u.pw/KJ98hPz
4 الشرق الأوسط، " أبناء السويداء يجددون رفضهم الالتحاق بالخدمة الاحتياطية.. والنظام يفصل المعتكفين" 15 أيلول/سبتمبر 2014،  https://aawsat.com/home/article/181776
5 ريان محمد، "تهمة "وهن نفسية الأمة" تثير سخرية السوريين"، العربي الجديد 11 أذار/مارس 2019، https://www.alaraby.co.uk/
6 بي بي سي نيوز عربي، "تظاهرات سوريا: أين تكمن خصوصية السويداء وأقليتها الدرزية أمام نظام الأسد؟" 13 أيلول/سبتمبر 2023، https://www.bbc.com/arabic/articles/c5149dp1nnlo
7 "احتجاجات السويداء 2023" ويكيبيديا، 2023، https://ar.wikipedia.org/w/
8 يمثل الشيخ حكمت الهجري بالنسبة إلى محافظة السويداء رمزاً للوحدة والمقاومة، وصوتاً للمطالب المشروعة للشعب. فهو رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء، ويتمتع باحترام كبير من قبل أبناء الطائفة وأبناء المحافظة عموماً. إذ قاد السويداء في مواجهة التدخل الإيراني والميليشيات الموالية لها. كما وقف بقوة ضد النظام السوري، ودعا إلى التظاهرات المطالبة بالإصلاحات السياسية.
9 هبة محمد ووائل عصام، "السويداء: الشيخ الهجري يتهم من ينحاز إلى النظام السوري بـ’بيع كرامته’"، القدس العربي، 31 آب/أغسطس 2023، https://www.alquds.co.uk
10 "لحظة إدخال منسف ‘مليحية’ إلى مبنى ‘قيادة الشرطة’ في السويداء وسط أهازيج المتظاهرين "، بلدي نيوز – ميديا،  2023  https://www.youtube.com/watch?v=l8dljiteuPs
11 "سوريا: رفعت لواء الثورة .. المرأة في ربيع سوريا"، شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة، 2012، https://www.iknowpolitics.org/ar
12 "العنف عبر الإنترنت وآثاره على المشاركة السياسية للناشطات السوريات: مواقع التواصل الاجتماعي نموذجا"، الحركة السياسية النسوية السورية، https://syrianwomenpm.org/ar/
13 "بيان للانتفاضة الشعبية بـ #السويداء"، فيديو فيسبوك، https://www.facebook.com/watch/

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.