حكم القطاعين الأمني والعسكري في مصر: تحالفات متغيرة وقمع مستمر

© Jonathan Rashad (Flickr)

على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الثورة في مصر، فإن محاولات إصلاح المؤسستين الشرطية والعسكرية - فضلا عن الخروج من حكمهما إلى حكم مدني ديمقراطي – لم تؤت ثمارها المرجوة. فالنصوص الدستورية، والتشكيلات الوزارية، والقوانين المنظمة للمجال العام، والممارسات الفعلية، تدل على اتساع نفوذ المؤسسات القمعية، وإن تغيرت علاقاتها البينية. فالدولة البوليسية التي حكمت قبل الثورة بالتحالف مع رجال الأعمال استبدلت بالدولة العسكرية (ذات الواجهات المختلفة) بعدها.

حاول العسكريون منذ البداية الاستفادة من الثورة في التخلص من النفوذ المتزايد لكل من رجال الأعمال والشرطة. غير أن اتساع نطاق الاحتجاجات الاجتماعية ألجأهم لتطوير تحالف سلطة جديد، ضم الإخوان – بوصفهم حركة محافظة ذات شعبية واسعة تمكنها من احتواء مطالبات التغيير – والشرطة – بعد أن وجهت إليها الثورة ضربة أضعفتها وأخضعتها للسلطان العسكري. وهذا التحالف - الذي بدأ يتشكل في مارس 2011، وظل متماسكا حتى ديسمبر/كانون الأول 2012 – ووجه بتحديات كبيرة في ظل ظرف ثوري أوجد معارضة لتوجهاته لا من قبل الجماهير فحسب، وإنما من قبل قواعد أطرافه الثلاثة، وإن بدرجات متفاوتة. كما ووجه بتحديات أخرى تتصل بصراعات القوة النسبية لكل طرف في داخل التحالف.

وهكذا، فقد خاض كل طرف (أو طائفة) من أطراف التحالف معاركه على ثلاث جبهات متوازية: معركة في داخل الطائفة ترمي لتماسكها، ومعركة مع الطوائف الأخرى في التحالف الحاكم بقصد زيادة النفوذ النسبي، ومعركة في مواجهة تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية ترمي لاحتوائها والسيطرة عليها. وقد استفادت "قيادات الطوائف" في المعركتين الأولى والثالثة من "عفوية" الاحتجاجات وافتقارها للتنظيم، فحرصت على إبقائها كذلك ليتراجع أثرها ويسهل احتواؤها بمضي الوقت. وتغيّر خطاب القيادات بالتوازي مع "تبنّي" مطالب التغيير في أوجه، إلى التصالح معه، فالتلكؤ في التعامل معه، فالتشكك فيه، فرفضه مع انحسار أمواجه.

وبالرغم من صمود هذا التحالف أمام تحديات صعبة خلال عامين من المد الثوري، فإنه بدأ في التراجع والانهيار في ديسمبر/كانون الأول 2012 لسبعة أسباب متداخلة رئيسة، هي :

  • فشل الإخوان في احتواء الاحتجاجات بسبب التناقض بين مشروعهم السياسي والاقتصادي-الاجتماعي من جهة والظرف الثوري من جهة أخرى ؛
  • تعمق الاستقطاب السياسي في ظل اعتماد الإخوان على الإسلاميين واستبعادهم المتزايد للأطراف الأخرى المؤثرة من معادلة الحكم ؛
  • تصاعد حدة العنف السياسي وانتقاله من القلب للأطراف بسرعة كبيرة ؛
  • تذمر الجيش من التراجع الجزئي لنفوذه في ظل ميل الرئيس للاعتماد على الشرطة في القمع الداخلي ؛
  • رفض القواعد الشرطية استعمالهم من قبل قيادات الطائفة في الدفاع عن التحالف الجديد إزاء الجماهير ؛
  • وتنامي القلق على الدولة من قبل الجيش في ظل "فشل" المدنيين في إدارة الملفات الاستراتيجية واحتواء الخلاف السياسي

وعجز الإخوان عن التعامل مع المخاوف المتصاعدة على بقاء الدولة.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.