حرب غزة في وسائل الإعلام في الشرق الأوسط: كيف تُنسج السرديات الإعلامية حول فلسطين في المنطقة

The Gaza War in Middle East Media: How Palestine is Spun Around the Region
Freedom of Press

شهدت عناوين الصحف والبرامج الحوارية التلفزيونية في جميع أنحاء الشرق الأوسط فيض من الأخبار حول غزة منذ أن شنت حماس هجومها على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبدأ الجيش الإسرائيلي في انتقامه المدمر. ومع ذلك، يبدو أن الكيفية التي تُصور من خلالها الحرب والسرديات التي تم تبنيها تعكس المصالح السياسية المحلية والحساسيات الاجتماعية في كل بلد بقدر ما تعكس الواقع المروع لما يحدث في غزة والضفة الغربية.

في المملكة العربية السعودية، أظهرت وسائل الإعلام تضامناً قوياً مع الفلسطينيين في حين لا تزال تصور التطبيع مع إسرائيل على أنه ضرورة حتمية لتحقيق السلام الإقليمي. أما في مصر، فقد سعت وسائل الإعلام التي تدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي وتلك المعارضة له بدلاً من ذلك إلى استخدام الحرب كمنصة لإظهار قوة السيسي أو الكشف عن عدم كفاءته. وفي لبنان، حيث دارت اشتباكات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية عبر الحدود لأكثر من شهرين، فقد حلت الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد تدريجياً محل المخاوف بشأن التصعيد إلى حرب شاملة. بينما في اليمن، فقد سعى الحوثيون إلى دعم غزة من بعيد، وأطلقوا الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل وهددوا شريان التجارة العالمية في البحر الأحمر، وبذلك تمكنوا من حشد بلدهم المنقسم تضامناً مع فلسطين. وفي طهران، التي ترعى كلاً من حزب الله والحوثيين، ثمة نقاش ساخن بين وسائل الإعلام المحافظة والإصلاحية حول ما إذا كان ينبغي لإيران نفسها أن تدخل في الحرب، في حين يؤكد المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي المناهضون للنظام أن تدمير حماس على يد إسرائيل يُمكن أن يكون في صالح وطنهم.

في المقال التالي، تجوب "مبادرة الإصلاح العربي" المنطقة لاستعراض آراء الخبراء من كل دولة، وتطرح وجهات نظرهم في صورة تعليقات وأسئلة وأجوبة، لدراسة العديد من السرديات الإعلامية التي تُنسج حول الحرب في غزة.


المملكة العربية السعودية: الجمع بين التضامن مع فلسطين والتطبيع مع إسرائيل

مقابلة مع الباحث السعودي عزيز الغشيان

كيف تُقيم المناقشات في وسائل الإعلام السعودية موقف البلاد فيما يتعلق بحرب غزة؟

عزيز الغشيان: لا أعتقد أن هناك فارقاً كبيراً بين الموقف السياسي [الذي تتبناه المملكة] والسرد [الإعلامي]... يمكن القول إن الخطاب الإعلامي السعودي يُظهر بشكل كبير التضامن مع الفلسطينيين ويشيطن الإسرائيليين. ولكن هذا يقودني إلى الحديث عن قناة العربية. ففي حين كانت قناة الجزيرة واضحة منذ البداية في ماهية السرد، تناولت قناة العربية القصص المروعة لضحايا هجمات حماس. ثم مع اندلاع أعمال الانتقام الإسرائيلية وزيادة حدتها، بدا واضحاً أن ذلك قد استحوذ على معظم التركيز.

واصلت قناة العربية - التي أتابعها أكثر من غيرها - أيضاً استضافة المتحدثين وتحديهم. فقد أجرت قناة العربية مقابلة مع خالد مشعل، المسؤول في حركة حماس، وتحدته قائلةً: "هل تعتقد أنه من العدل أن نقول إنكم تتحملون مسؤولية هذا أيضاً؟ لقد أثرتم رد فعل هائل". ولكنهم أجروا أيضاً مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين واعترضوا على روايتهم. وأرى أنه من المثير للاهتمام أنهم يحاولون أن يكونوا منصفين وأن يتمتعوا بالمصداقية.

يبدو أن وسائل الإعلام السعودية وضعت المملكة في موقع المراقب للصراع.

عزيز الغشيان: عندما أقول إنهم متضامنون مع القضية الفلسطينية، ماذا يعني ذلك؟ هنا يمكنك أن تشعر بأن هناك الكثير من الفخر والتضخيم لثلاثة أمور. أولاً، التصريحات السعودية التي تشيطن إسرائيل. ثانياً، الدعم المالي السعودي للمساعدات الإنسانية المُقدمة إلى غزة. وثالثاً، الجهود الدبلوماسية التي يقودها فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

يمكن القول إلى حد ما إننا موضع احتفاء [في وسائل الإعلام]، وربما يكون ذلك رداً على الانتقادات [المحلية] بأن السعوديين لا يبذلون جهوداً كافية. لذلك، فإنهم يُظهرون أن مساعيهم لا تقتصر على الجهود الدبلوماسية والجهود المالية للمساعدات فحسب، بل أيضاً يحققون نتائج. على سبيل المثال، يُظهرون أن كندا غيرت من أسلوبها وعدلته؛ وإسبانيا تفكر في الاعتراف بدولة فلسطينية. وقد عزت وسائل الإعلام ذلك إلى الجهود السعودية.

أوقفت المملكة العربية السعودية محادثات التطبيع مع إسرائيل مؤقتًا، ولكن هل تعتقد أن الوسط الإعلامي يحاول ترك المجال مفتوحاً أمام استئناف عمليات التطبيع في مرحلة ما مقبلة؟

عزيز الغشيان: أعتقد أنهم يفعلون ذلك. وليس هذا فحسب، بل أعتقد أن هذا هو الموقف السعودي بأكمله. إذ إن الطريقة التي يتعاملون من خلالها مع التطبيع هي أن المجال ليس مفتوحاً فقط، بل إن الكرة في ملعب [إسرائيل]. وكأن لسان حال السعوديين يقول: "استمعوا، الأمر متروك لكم. نحن لا نزال على استعداد للتطبيع، لأن هذا خيار استراتيجي بالنسبة لنا - بسبب السلام، في الأساس - وبالتالي، إذا ما استوفيت الشروط، سنشرع في التطبيع". بيد أنهم لا يعبرون عن ذلك بهذه الطريقة، بل يقولون فحسب: "التطبيع لا يزال مطروحاً على الطاولة. نقطة ومن أول السطر". ولا أرى شيطنة [رسمية] علنية لإسرائيل، ولكن هناك طعن في روايتهم.

في الوقت نفسه، عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام واحتمال التحول في الموقف تجاه إسرائيل، لا أعتقد أن هناك "تحولاً". أعتقد أن هناك تلاعباً بالصياغة. لا أظن، على سبيل المثال، أن [السرد سيكون] "أتعلمون ماذا، إسرائيل رائعة فعلاً" - لا أرى ذلك. بل أعتقد أنهم سيقومون بتصويرها بوصفها جزء من الحل. سيقولون: "أتعلمون ماذا، تتبنى إسرائيل موقفاً سلبياً إلى حد ما، بيد أن التعامل مع إسرائيل ضرورة أساسية لتحقيق السلام الإقليمي"، نظراً إلى أن المصداقية هي مسألة حساسة. ولا أرى ترحيباً حاراً بإسرائيل في أي وقت قريب.

في الوقت نفسه، عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام واحتمال التحول في الموقف تجاه إسرائيل، لا أعتقد أن هناك "تحولاً". أعتقد أن هناك تلاعباً بالصياغة. لا أظن، على سبيل المثال، أن [السرد سيكون] "أتعلمون ماذا، إسرائيل رائعة فعلاً" - لا أرى ذلك. بل أعتقد أنهم سيقومون بتصويرها بوصفها جزء من الحل. سيقولون: "أتعلمون ماذا، تتبنى إسرائيل موقفاً سلبياً إلى حد ما، بيد أن التعامل مع إسرائيل ضرورة أساسية لتحقيق السلام الإقليمي"، نظراً إلى أن المصداقية هي مسألة حساسة. ولا أرى ترحيباً حاراً بإسرائيل في أي وقت قريب. 

عزيز الغشيان: نعم، قاموا بتغيير الخطاب. وبصراحة، وسائل التواصل الاجتماعي السعودية هي مفخخة - إن صح القول. هناك بعض الأشخاص البارزين للغاية. ولكن، بالنظر إلى ذلك، قبل أن تكون هناك فكرة - لن أقول حتى "لصالح التطبيع" مع إسرائيل، بل "لشرعنة العلاقات مع إسرائيل". يرجع الأمر إلى ما تنطوي عليه هذه العملية. فقد حظي التطبيع بالتأييد في ظل وجود العنصر الفلسطيني. أما في غياب العنصر الفلسطيني، فقد التزم الناس الصمت إلى حد ما.

على سبيل المثال. عندما أجرى محمد بن سلمان تلك المقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، نقلوا عنه قوله "كل يوم نقترب من التطبيع". كان ذلك مقتطفاً من الإجابة. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتاب الجميع حماسة سياسية قوية في كل مكان.

وبعد ذلك في المملكة العربية السعودية، عندما نُشر الاقتباس الكامل الذي تضمن قوله "لكن علينا إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وعلينا أن نسهل حياة الفلسطينيين"- لم يلمح إلى وجود دولة، ولكنه ألمح إلى أخذ العنصر الفلسطيني بعين الاعتبار - حينها بدأ الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية في التفاعل مع تصريحه بشكل أكبر. وفي ذلك الوقت، بدأت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للمتحدثين الرسميين والمسؤولين في القول: "الآن هذا هو السياق الذي سندعم من خلاله عملية التطبيع".

هل هناك أي شيء آخر تود إضافته؟

عزيز الغشيان: أعتقد أنه من المثير للاهتمام أن المسؤولين الإسرائيليين، والمسؤولين السابقين، والمتحدثين الرسميين، يظهرون في وسائل الإعلام السعودية. أعتقد أن ذلك علامة ضمنية على تقديم إسرائيل تدريجياً إلى الوعي الجماهيري لمشاهدي قناة العربية. وأعتقد أن هذا النهج مستمر. ولكن مجدداً، يتعين النظر إلى هذا الأمر من منطلق السياق والتاريخ.

فالعديد من الناس لا يعرفون أحياناً حتى ما هي إسرائيل لأننا لا نتحدث عنها مطلقاً. هذا مقدار عدم اعترافنا بها. فنحن بالكاد نتحدث عنها في المناهج التعليمية. ولا تظهر على خرائطنا.

بيد أن الجغرافيا السياسية تشهد تغيراُ في المنطقة. والوقائع تتغير أيضاً. لذلك، هذه إحدى الطرق لمحاولة تقديمها. ولكن هذا لا يعني أن هذه إشارة بطريقة ما إلى إسرائيل، مفادها، "مرحباً، نحن أصدقاء رائعون لكم. لا تقلقوا، نحن نحبكم". هذا هراء. بل إنها نتيجة للعلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، وإسرائيل جزء من ذلك.


مصر: قيادة السيسي من خلال الواقع في غزة

كمال طبيخة

في مصر، التي خاضت العديد من الحروب الحاسمة مع إسرائيل، كانت حرب غزة واحدة من أكثر الأحداث الإعلامية التي تابعها الجميع بانتباه منذ اندلاعها في 7 تشرين الأول/أكتوبر. فقد ألقت الحرب، التي كان لا بد أن تشمل مصر بسبب حدودها الإشكالية بشكل دائم مع إسرائيل وقطاع غزة، بظلالها على الدولة الأكثر سكاناً في العالم العربي في أصعب أوقاتها: فقد كانت مصر تستعد لإجراء انتخابات رئاسية في ظل إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية في تاريخها.

في حين أن الحرب ظلت محصورة إلى حد كبير عسكرياً داخل قطاع غزة، فقد كانت تداعياتها السياسية بعيدة المدى. فقد سلطت الأضواء على الاستقطاب العميق الموجود في وسائل الإعلام المصرية، والذي غالباً ما يجد فيه المشاهد نفسه عالقاً بين التغطية الغامضة والمشوهة التي ترعاها الدولة والخطابات التحريضية بشدة المناهضة للنظام. واضطرت جميع هذه المنافذ الإعلامية إلى التحلي بالحذر أثناء تغطية الحرب حتى تتمكن من تقديم التيار السياسي الذي تخدمه في أفضل صورة - بوصفهم مؤيدين لفلسطين و/أو معارضين لإسرائيل. وحاول فقط عدد قليل من المنافذ الإعلامية، مثل "مدى مصر" و"المنصة"، تقديم تغطية متوازنة، ومع ذلك، غالباً ما شككت وسائل الإعلام الرسمية في مصداقيتها، وتعرض الصحفيون العاملون بهذه المنافذ باستمرار إلى الاعتقال بتهم ملفقة.

في الوقت الحالي، تسيطر الدولة بشكل شبه كامل على معظم القنوات التلفزيونية والأخبار المطبوعة ووسائل الإعلام الإلكترونية التي تحصل على تصاريح للبث داخل مصر. ومنذ عام 2016، سعت "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" إلى الاستحواذ على هذه المنصات تدريجياً، والتي تصف نفسها بأنها "واحدة من أكبر الكيانات الإعلامية في المنطقة العربية بأكملها"، ولكنها أيضاً الذراع الإعلامي لجهاز المخابرات العامة المصري. تمتلك المتحدة للخدمات الإعلامية القنوات التلفزيونية الأكثر مشاهدة في البلاد - بما في ذلك شبكة قنوات دي ام سي، وشبكة قنوات سي بي سي، وشبكة تليفزيون الحياة، وشبكة أون- وأكبر الصحف - مثل اليوم السابع، والدستور والجمهورية. وهذا يسمح لجهاز المخابرات تحديد محتوى الأخبار بدقة. والجدير بالذكر أن ترتيب مصر على مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود انخفض من المرتبة 159 في عام 2014 إلى المرتبة 166 في عام 2023، من بين 180 دولة تناولها التقييم.

ومع ذلك، هناك أيضاً وجود قوي لوسائل الإعلام التي تنتجها التيارات السياسية المعارضة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. ونظراً إلى قمع الدولة للمعارضة، فإن هذه المصادر الإخبارية البديلة تبث بشكل أساسي من خارج مصر على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مشاركة مقاطع الفيديو مثل يوتيوب. وقد تزايدت شعبية تلك المصادر البديلة للأخبار، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، بين المصريين الذين تفاقمت عدم ثقتهم في وسائل الإعلام الرسمية على مدى العقد الماضي. ويمكن تقسيم هذه المنصات تقريباً إلى منافذ مدعومة إما من المعارضة الإسلامية أو العلمانية. وتشمل الأولى البرامج اليومية التي يقدمها محمد ناصر ومعتز مطر، وكلاهما من وسائل الإعلام الموالية لجماعة الإخوان المسلمين ومن بين أشد منتقدي السيسي. ومن أبرز المعلقين العلمانيين على موقع يوتيوب بلال فضل، وهو صحفي وكاتب سينمائي سابق، وعلاء الأسواني، وهو روائي يعيش في المنفى.

أدانت جميع الأطراف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد السكان المدنيين في غزة، الذين قتل منهم 20 ألف منذ بداية الحرب. بيد أن تغطيتهم للحرب تباينت بشكل كبير عندما يتعلق الأمر ببعض التفاصيل الدقيقة. فضلاً عن أن المخاطر التي تكتنف التغطية الإعلامية قد زادت بشكل كبير بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي عقدت في 18 كانون الأول/ديسمبر والأزمة الاقتصادية.

كان فوز السيسي في الانتخابات أمراً مؤكداً تقريباً من خلال السيطرة الشديدة التي يمارسها القائد العسكري الذي تحول إلى زعيماً للبلاد. بيد أنه كان يسعى إلى أكثر من مجرد إعادة انتخابه. فقد كان السيسي بحاجة إلى إقبال قوي بما يكفي من الناخبين لتشكيل تفويض مقنع لاتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية للبلاد - وهذا في وقت يستمر فيه المصريون في الشعور بآثار معدلات التضخم القياسية وانخفاض قيمة العملة المحلية بأكثر من 50%.

لذلك، حرفت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة تغطيتها للحرب لتصوير السيسي على أنه المدافع عن الشعب الفلسطيني، وعرضت تغطية على مدار الساعة لتوصيل المساعدات المصرية إلى معبر رفح الحدودي، وبثت مقاطع فيديو ترويجية تُظهر قوة الجيش المصري. وحظيت فعالية نظمها السيسي، قام خلالها المتطوعون بتعبئة المساعدات المتجهة إلى غزة، بتغطية واسعة النطاق على القنوات التي تدعمها الدولة في تشرين الثاني/نوفمبر. في حين وصفت التيارات المعارضة هذه الفعالية التي أُطلق عليها اسم إحدى شعارات حملة السيسي الرئاسية "تحيا مصر"، بأنها محاولة بائسة لاستغلال حرب غزة لحشد دعم الناخبين.

في الواقع، تبين أن حرب غزة كانت نعمة مقنعة بالنسبة للسيسي، لأنها حولت انتباه شعبه الساخط بعيداً عن مشاكله المحلية. وسلط الإعلام الرسمي الضوء على رفض الرئيس السماح بنقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وهو ما كانت إسرائيل تسعى إليه، بوصفه دليلاً على أن السيسي يدعم السيادة الفلسطينية على غزة. بيد أن التيارات المعارضة سلطت الضوء على شائعات لم تؤكد حتى الآن، تفيد بأن السيسي كان يجري محادثات مع إسرائيل والولايات المتحدة لعقد اتفاق لاستقبال جزء كبير من سكان غزة مقابل تخفيف ديون مصر، التي تضاعفت أكثر من أربع مرات في ظل حكمه.

كما عملت التغطية الإعلامية الموجّهة من الدولة على إبراز الحنكة السياسية التي يتمتع بها السيسي، وأنتجت العديد من المقاطع الطويلة عن اجتماعاته مع عدد من قادة العالم الذين زاروا مصر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول لإجراء محادثات بشأن غزة. وفي أغلب الأحيان، يكون مغزى تأطير هذه التغطية تضخيم دور مصر في مفاوضات الرهائن بين حماس وإسرائيل، التي توسطت فيها أيضاً الولايات المتحدة وقطر.

على النقيض من ذلك؛ ندّدت المنابر الإعلامية المناهضة للنظام بعجز مصر عن تقديم المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي الخاص بها حتى وافقت إسرائيل عليها في 21 تشرين الأول/أكتوبر، واعتبرت ذلك علامة على تراجع النفوذ الجيوسياسي المصري، وعدم قدرة السيسي على الدفاع عن قضية مركزية بالنسبة للعرب مثل فلسطين. كما سلطت التغطية الإعلامية للمعارضة الضوءَ على مقاطع فيديو نشرها على منصات التواصل الاجتماعي مصريون عالقون داخل غزة، إثر اندلاع الحرب، ولم يُسمح لهم بالعودة إلى بلادهم دون موافقة إسرائيل.

علاوة على ذلك؛ اتُهمت الدولة المصرية بتقييد وصول الصحفيين إلى معبر رفح الحدودي وإلى غزة، إذ أشارت منظمة مراسلون بلا حدود في تقرير لها إلى أن العديد من الصحفيين طُلب منهم إعادة توجيه طلباتهم الرسمية إلى الحكومة الإسرائيلية بدلاً من الحكومة المصرية. هذا وقد قزّمت المنابر الإعلامية التي ترعاها الدولة من أهمية علاقات مصر الجيّدة مع إسرائيل بشكل كبير، وملأت تغطيتها بمعلقين مستعربين يمجّدون معارضة مصر التاريخية للصهيونية.

في الوقت نفسه؛ سلطت وسائل الإعلام المعارضة الضوء على التعاون المكثف بين جيشي البلدين، خاصة التعاون الأخير بينهما في محاربة تمرد تنظيم داعش منخفض المستوى في شبه جزيرة سيناء. كما استخدمت وسائل الإعلام المعارضة معارضة السيسي الشديدة للجماعات الإسلامية – مثل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن، وهي سمة مميزة لرئاسته التي استمرت لفترتين – من أجل رسم صورة تبرزه أكثر توافقاً مع إسرائيل، التي تقاتل عدوها الإسلامي ممثلاً بحماس. كما انعكس موقف السيسي من الإسلاموية في الإدانات المتكررة لحماس على القنوات التي ترعاها الدولة، والتي كانت تنتقد حكام غزة، على الرغم من كونها مناهضة بشدة لإسرائيل. بيد أن تغطية المعارضة - التي لم يكن لديها العلاقات نفسها مع إسرائيل والولايات المتحدة لتحرص على حمايتها - أشادت بالجماعة المسلحة وجهود المقاومة التي تبذلها ضد إسرائيل، أو كانت على الأقل مستعدة لمناقشة الأبعاد الدقيقة لمعضلة سؤال "هل تدين حماس؟".

لا تزال الحرب في غزة واحدة من الأحداث الإخبارية الأكثر متابعة بين المصريين، وستكون بالتأكيد إحدى القضايا الرئيسية التي يتعين على السيسي التعامل معها خلال فترة ولايته الثالثة رئيساً لمصر، والتي فاز بها في 18 كانون الأول/ديسمبر بنسبة تزيد عن 89% من الأصوات.


لبنان: حفظ النفس قبل التعاطف مع غزة

آدم شمس الدين

"أحبك يا سُواري، ولكن ليس أكثر من يدي"؛ هذا المثل اللبناني المأثور قد يجسد المشاعر الشعبية تجاه الحرب في غزة، أو أي حدث يتعلق بالفلسطينيين. ففي حين أظهر الزعماء - عبر المشهد الطائفي المتشرذم في لبنان - عن درجات متفاوتة من التضامن مع سكان غزة، فإن السردية الأبرز التي ظهرت في لبنان خلال الشهرين الماضيين تدور حول جعل حفظ النفس أولوية مطلقة.

فنظراً للتوترات طويلة الأمد بين لبنان وإسرائيل، والدمار الذي أحدثته الأخيرة خلال حرب عام 2006 بين البلدين؛ فقد استقبل العديد من اللبنانيين أخبار هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر بشكل جيد في البداية.

بيد أن تركيز التغطية الإعلامية اللبنانية قد تباين بين المنصات؛ فقد اعتبرت العديد من وسائل الإعلام الهجوم انتصاراً للمقاومة الفلسطينية؛ بينما ظل آخرون متشككين حيال كُلفة هذا الهجوم. أما رد حزب الله فكان واضحاً؛ ففي 8 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت الجماعة أنها ستطلق ما وصفته بـ "العمليات العسكرية لدعم غزة والشعب الفلسطيني".

وإذا كان السؤال الذي طُرح في وسائل الإعلام آنذاك هو: "ماذا سيحدث لغزة؟"، فقد حل محله اليوم وبسرعة كبيرة سؤال: "ماذا سيحدث للبنان؟".

لسنا معتادين على أن نرى في وسائل الإعلام اللبنانية - المتحالفة مع الأحزاب السياسية وبينها مصالح طائفية متنافسة - إجماعاً حول قضية ما، بيد أن الرأي العام مُجمِعٌ تقريباً على أن الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين كانت بطشاً وحشياً واستقواءً على القطاع الضعيف. لكن الصدع الأساسي في المشهد الإعلامي اللبناني كان يتمثل في الانتقادات المتزايدة تجاه مشاركة حزب الله في المعركة.

وهنا بدأ الخوف من حرب جديدة بين لبنان وإسرائيل يطغى على الأحداث في غزة؛ وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية والنقاشات السياسية بشكل متزايد بالقلق بشأن عدم قدرة لبنان على تحمل حرب أخرى مع إسرائيل، خاصة وأن البلاد تعاني حالياً من واحدة من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر، أعلن الجناح الإعلامي لحزب الله أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله سيلقي كلمة تعليقاً على الأحداث في غزة، وكان هذا التشويق مصحوباً بمقاطع فيديو لنصر الله على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار التكهنات عبر وسائل الإعلام اللبنانية حول ما سيقوله، وزيادة التحذيرات من البعثات الدبلوماسية التي تحث مواطنيها على مغادرة البلاد طالما أن بإمكانهم ذلك، إلى جانب التهديدات الإسرائيلية اليومية لتحويل بيروت إلى غزة جديدة. وبدا أن الجميع يتساءلون: هل سيعلن نصر الله حرباً شاملة ضد إسرائيل؟ هل تتكرر معاناة حرب 2006؟

كان خطاب نصر الله الأول حول حرب غزة – في بداية تشرين الثاني/نوفمبر – نقطة تحول محورية في المجالين العام والإعلامي؛ فقد قال فيه إن حزب الله لا يسعى إلى إثارة حرب واسعة النطاق، ولكنه بدلاً من ذلك سيواصل العمليات العسكرية المحسوبة ضمن قواعد الاشتباك غير المكتوبة بين لبنان وإسرائيل؛ وقد تنفس الجميع الصعداء بعد هذا التصريح في معظم أنحاء البلاد.

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر وحتى خطاب نصر الله، كانت الأحداث في فلسطين وعلى طول الحدود الجنوبية للبنان هي الأولوية القصوى للصحف الكبرى والبرامج الحوارية السياسية. ولكن منذ خطاب نصر الله الأول – ورغم أن احتمال تصاعد الاشتباكات في جنوب لبنان لا يزال مجال اهتمام يومي للجمهور ووسائل الإعلام – إلا أن القضايا المحلية الملحة – مثل الفراغ الرئاسي الذي دام عاماً كاملاً، والأزمة المالية المستمرة – عادت تدريجياً وبشكل ملحوظ إلى صدارة الاهتمام. كما أن التقارير عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة – رغم أنها لا تزال تشكل جزءاً لا يتجزأ من كل نشرة إخبارية، ومن الصفحات الأولى في الصحف، والبرامج السياسية – أصبحت اليوم ثانوية، بل ومعتادة تقريباً، حتى صارت مثل فقرة توقعات الطقس.

وقد مكّن هذا الاعتياد وسائل الإعلام اللبنانية من العودة إلى الحلقة المفرغة للأزمة المتكررة، حيث يتبادل السياسيون المتنافسون اللوم، ويتهربون من المساءلة عن مشاكل البلاد. وقد عاد النقاش العام إلى حد كبير إلى النضالات اليومية للعيش في ظل اقتصاد في حالة سقوط حر، وطغيان البنوك التي تحجب مدخرات الملايين من الناس.

لقد تحولت غزة والأحداث في الجنوب من محور الاهتمام الإعلامي اليومي إلى خبر جانبي؛ وبالنسبة لمعظم اللبنانيين، فقد صارت الأحداث مادة للدردشة، أما اهتمامات الناس الأساسية فقد ذهبت إلى مكان آخر.


اليمن: غزة توحّد صف البلد المنقسم خلف الحوثيين

عبد الغني العرياني

اليمنيون متحمسون لفلسطين؛ فقد تطوع الآلاف في حركات التحرير الفلسطينية على مر العقود، كما أن اليمنيين عادة ما يقدمون حملات التبرع السنوية – التي يديرها في كثير من الأحيان محتالون – لفلسطين وبيت المقدس (القدس). وإن استجابة وسائل الإعلام اليمنية للأحداث الأخيرة في حرب غزة تقدم الدليل على أنه على الرغم من الحرب الأهلية الشرسة التي تخوضها البلاد، فإن فلسطين لا تزال هي القضية التي توحّدها.

عندما أعلنت جماعة أنصار الله – المعروفة أيضاً باسم حركة الحوثي – في نهاية تشرين الأول/أكتوبر أنها أطلقت صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، هلل اليمنيون من جميع الأطياف. بينما سارع بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى شجب تلك الهجمات باعتبارها مجرد فرقعة إعلامية، وتحدوا الحوثيين بأن يستهدفوا طرق التجارة في البحر الأحمر. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أخرس الحوثيون ألسنة هؤلاء المنتقدون بعد استهدافهم سفن الشحن قبالة الساحل الغربي لليمن، المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.

منذ استيلائهم على العاصمة صنعاء، وجزء كبير من شمال البلاد في عام 2014، قام الحوثيون بتقييد الصحافة الحرة التي كانت نابضة بالحياة في اليمن. واليوم، مع وجود قناتين تلفزيونيتين فضائيتين فقط، المهرية وبلقيس، تبذلان جهداً شكلياً لتحقيق الاستقلال؛ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الرئيسي للمعلومات لمعظم اليمنيين. على وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية، كان هناك دعم هائل لأعمال الحوثيين ضد إسرائيل. وحتى أعداء الحوثيين اللدودين - مثل بعض أعضاء حزب الإصلاح، الذين كانوا في حرب مع الجماعة على طول الخطوط الأمامية منذ ما يقرب من عقد من الزمن - أشادوا بوقوفهم إلى جانب غزة، ودعوا جميع اليمنيين إلى توحيد الصفوف دعماً لفلسطين.

وعندما ندّد المتحدثون باسم الحكومة المعترف بها دولياً - والتي تمارس أعمالها بصورة مضطربة من جنوب اليمن، منذ اجتياح الحوثيين لصنعاء - بضربات الحوثيين، كان الرد الشعبي شرساً، وتم وصمهم بأنهم عملاء "للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الموالين للصهيونية"، وردد كبار رجال الدين من طرفي حرب اليمن مشاعر الدعم نفسها للقضية الفلسطينية ودعوا إلى مزيد من التصعيد.

تجلى مثالٌ مذهل آخر على المشاعر المؤيدة للفلسطينيين عندما عرض زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، في اجتماع مع المبعوث الخاص للولايات المتحدة تيم ليندركينغ في 7 كانون الأول/ديسمبر، مساعدة قوة متعددة الجنسيات اقترحتها واشنطن لتأمين منطقة البحر الأحمر، حينها هاجمه الجميع، حتى بعض أنصاره، وأعلنوا تأييدهم لفلسطين. ومنذ ذلك الحين يحاول زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي شن حملة للسيطرة على الأضرار التي ترتبت على تلك المعارضة. وقد شمل ذلك نشر صور للزعيم عيدروس الزبيدي وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية، ويستحضر كيف كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – الدولة الماركسية التي كانت موجودة في جنوب اليمن من عام 1967 إلى عام 1990 – تدعم القضية الفلسطينية دائماً.

الرابح الأكبر هنا بالطبع هو زعيم أنصار الله: عبد الملك الحوثي؛ حيث تنشر وسائل الإعلام الحوثية بانتظام مقتطفات من جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي تشيد به باعتباره بطلاً. وضمن هذا الخطاب التفخيمي هناك شخصية إعلامية عمانية تقدم ادعاءً مشكوكاً فيه بأن المسؤولين الأمريكيين عرضوا السماح للحوثيين بالسيطرة على اليمن بأكمله، وتزويدهم بأموال سخية لإعادة الإعمار، نظير أن يظلوا خارج الصراع في غزة، لكن زعيمهم رفض.

وبالطبع فإن الخاسر الأكبر هو الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي تمسكت بموقفها أن تصرفات الحوثيين هي خدمة لإيران، وهذا يعكس قلة ما تعلموه من التاريخ اليمني والعربي الحديث؛ فالأنظمة الثورية التي تفتقر إلى الشرعية التقليدية التي تتمتع بها الملكيات، ولا تستطيع الحفاظ على زخم الشرعية الثورية، تعتمد على الشرعية المستمدة من تبني القضية الفلسطينية ودعمها.

وهذا هو ما فعله صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، ومجموعة من الأنظمة العربية العسكرية والثورية أغلب فترات وجودها. وإن صمت الحكومة اليمنية عن الدعم الشعبي الساحق لفلسطين قد كلفها - في نظر الشعب اليمني - ما تبقى من الشرعية الممنوحة لها بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 في عام 2015. ويأتي هذا وسط تثبيت الحوثيين دعائم شرعيتهم الشعبوية في جميع المجالات إثر تحديهم الجريء لإسرائيل وأميركا. وبالتالي فإن التداعيات الإقليمية للحرب في غزة قد تساعد في توحيد اليمنيين تحت القبضة الحديدية لحكم الحوثيين.


إيران: المعتدلون يقاومون دعوات المحافظين لشن حرب إقليمية

حسین صالحي

عندما شن مقاتلو حماس هجومهم من غزة على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، رحب المحافظون والمتشددون في إيران، وكذلك كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، علناً بهذا الهجوم. وظهروا في القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية التي تديرها الدولة وهم يتجولون في الشوارع، يوزعون الحلوى على الناس، ويعبرون عن الفرح وهم يشاهدون إسرائيل، التي غالباً ما تفاخرت بوكالات استخباراتها المنيعة، وهي في حالة من الصدمة.

أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اعترض الإصلاحيون والمعتدلون بشدة على الاحتفالات التي نظمها المحافظون والمتشددون، بينما دافعوا عن هجوم حماس بوصفه ثورة اندلعت نتيجة عن سنوات من المعاناة والإذلال والتعذيب. وفي المقابل، أكدوا أن هذا الهجوم سيؤدي في النهاية إلى إراقة دماء الفلسطينيين بوحشية على أيدي الإسرائيليين، دون تحقيق نتائج إيجابية ملموسة.

في حين برزت سردية ثالثة على وسائل التواصل الاجتماعي تبناها الإيرانيون المعارضون للنظام، الذين أدانوا هجوم حماس والتقارير الواردة عن الفظائع التي ارتكبت. واستندت وجهة نظرهم إلى الاعتقاد بأن حماس، التي تدعمها قوات الحرس الثوري الإيراني، تستنزف إيرادات النفط الإيراني في الوقت الذي لا يزال اقتصاد بلادهم يكافح تحت وطأة العقوبات الغربية.

ومع تدفق الصور ومقاطع الفيديو للأطفال الذين قتلوا في القصف الإسرائيلي والهجمات البرية على المدارس والمستشفيات والبنية التحتية المدنية، تحولت المشاعر العامة بشكل حاد ضد إسرائيل. وفي حين صور المتشددون القضية واستشهاد الفلسطينيين على أنه انتصار رمزي لمحور المقاومة، تناول الإصلاحيون الوضع من وجهة نظر أكثر علمانية، بهدف الاحتجاج على أفعال إسرائيل من منظور إنساني. ويبدو أن هذه الرؤية الإنسانية، بدلاً من الموقف الإيديولوجي، تحظى بشعبية أكبر عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية.

بيد أن ثمة جزء من المجتمع، يقتصر وجوده على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يزال يدعم إبادة إسرائيل لحماس وتدمير غزة. ويُعزى دعمهم ذلك ضمنياً إلى الرغبة في تقويض قوة الجمهورية الإسلامية، التي ينظرون إليها على أنها قوة قمعية في حياتهم.

في بياناتها الرسمية، سعت الجمهورية الإسلامية، على ما يبدو بشكل غير معتاد، إلى النأي بنفسها عن أي تورط في الهجوم الذي شنته حماس في تشرين الأول/أكتوبر. ومن الناحية الدبلوماسية، انخرطت طهران وواشنطن في محادثات عبر قنوات غير مباشرة لتجنب اندلاع حرب أكبر. سعى هذا التواصل إلى الحفاظ على اتفاق عدم التصعيد غير المكتوب الذي تم التوصل إليه قبل بضعة أشهر في عمان، على الرغم من زيادة هجمات قوات محور المقاومة على القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق.

وقد نأى المسؤولون في طهران بأنفسهم علناً عن هذه الهجمات، وأصدروا تصريحات متكررة أكدوا فيها أن أعضاء محور المقاومة - بما في ذلك حماس وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ومختلف الميليشيات في سوريا والعراق -  لا يتلقون الأوامر من طهران. ويبدو أن مثل هذه التصريحات تصدر للإشارة إلى أن طهران لم تنتهك الاتفاق.

غير أنه في الخفاء، تُعرب العناصر المحافظة في طهران عن استيائها من قرار المرشد الأعلى بعدم إشراك الحرس الثوري الإيراني رسمياً في الحرب. وقد صرح وزير الخارجية الإيراني الإصلاحي السابق محمد جواد ظريف، المعروف باتفاقه النووي التاريخي مع الولايات المتحدة عام 2015، أن المتشددين المؤثرين حثوا آية الله علي خامنئي على إشراك إيران رسمياً في الحرب. وقد ازداد استياءهم مع امتناع حزب الله، خلافاً لتوقعاتهم، عن المشاركة الكاملة في الحرب.

وقد أقر بذلك وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي تحدث مؤخراً في خطاب ألقاه في جامعة طهران، بقوله: "بعد خطاب السيد حسن نصر الله، اتصل بنا بعض الأصدقاء [الثوار] وقالوا إننا كنا نتوقع صدور أمر بشن هجوم على النظام الصهيوني". وأضاف: "نحن لا نعطي أوامر لجماعات المقاومة وهم يتصرفون وفقاً لقراراتهم".

في حين أثنى الإصلاحيون البارزون على مواقف خامنئي ونصر الله بوصفها في مصلحة إيران. وقد قال ظريف إن "حلم" إسرائيل هو أن تنضم إيران وحزب الله إلى الصراع، وتوسيع نطاق الحرب إلى ما هو أبعد من نطاقها الحالي، بل وربما توريط الولايات المتحدة فيها. وأضاف ظريف: "إسرائيل تحاول بطريقة ما توسيع نطاق الحرب إلى خارج [نطاقها الجغرافي الحالي] وتوريط الولايات المتحدة".

وقد ردد أشخاص مقربون من خامنئي، مثل غلام علي حداد عادل، رئيس البرلمان الإيراني سابقاً وصهر نجل خامنئي، آراء ظريف على شاشات التلفزيون، مؤكداً على فكرة أن مشاركة إيران في الحرب من شأنها أن تخدم مصالح إسرائيل.

على النقيض من ذلك، واصل المتشددون بفعالية تنفيذ أجندتهم المتشددة عبر المنابر الإعلامية مثل "تلفزيون الجمهورية الإسلامية" للدعوة إلى دخول إيران في الحرب، محاولين التأثير على صانعي القرار من خلال إثارة قاعدة مؤيدين خامنئي الشعبية. وفي هذا السياق، تحدث الشيخ علیرضا بناهیان، رجل الدين المتشدد المؤثر، في حوار متلفز عن ضرورة دخول الحرب.

حتى الآن، صمد التيار البراغماتي في الجمهورية الإسلامية أمام محاولات المتشددين لدفع إيران للمشاركة في الحرب. ومن غير المؤكد ما إذا كان ذلك سيستمر أم لا، كلما طال أمد المذابح في غزة.

 

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.