جعجعة بلا طحن: الانتخابات الرئاسية غير المهمة في مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي خطابا أثناء إعلانه ترشحه لولاية ثالثة في القاهرة، مصر - 2 تشرين الأول/أكتوبر 2023. © رئاسة الجمهورية - وكالة الأناضول

يتّجه المصريون في الخارج هذا الأسبوع إلى صناديق الاقتراع المُقامة في سفارات وقنصليات البلاد التي يقيمون فيها، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الثالثة التي تشهدها البلاد منذ الانقلاب العسكري عام 2013. وبعد أيام – في العاشر من كانون الأول/ديسمبر - سيحذو المصريون في الداخل حذوهم نحو الصناديق، لتعلن النتائج في 18 كانون الأول/ديسمبر بفوز عبد الفتاح السيسي.

إن حتمية فوز السيسي – وزير الدفاع السابق الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر قبل 10 سنوات – لا علاقة لها بالشعبية ولا تمت بصلة للأداء الاقتصادي المتميز. سيفوز السيسي ببساطة لأنه أحكم قبضته على مؤسسات الدولة التنفيذية والأجهزة الأمنية التي يخشاها القاصي قبل الداني، مع قضائه فعلياً على أي منافس حقيقي.

وبما أن نتيجة الانتخابات محسومة، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت تلك الانتخابات ستمنح السيسي شرعية جديدة، أو دفعة من شأنها أن تسمح له بالتغلب على السُخط المتزايد بشأن إدارته الاقتصادية للبلاد.

ترى هذه الورقة أن الانتخابات لن تأتي بأي جديد؛ وتناقش كيف أنها تكشف ببساطة عن الديناميكيات الأساسية للمشهد السياسي في مصر؛ معارضةٌ محطمة تسعى لجس النبض، لكنها غير قادرة بعدُ على تحدي السيسي بأي طريقة مجدية، ورئيسٌ متوتر يهرع فور أن يلمح أدنى علامات التعبئة الشعبية.

انتخاباتٌ عاجلة: أتسير الأمور كالمعتاد أم أنها علاماتٌ على التوتر؟

رغم أنه كان من المتوقع إجراء الانتخابات في وقت ما في ربيع عام 2024، إلا أن النظام سارع إلى تنظيمها في وقت أبكر مما كان مخططاً له، دون تقديم أي تفسير رسمي لهذه العجلة. بيد أن إعلاميي السيسي نفوا أن تكون هذه خطوة استثنائية تحتاج لتفسير، زاعمين أنها تتماشى مع الدستور المصري.

وقد تُركت للمصريين مساحة للتكهن بشأن هذه الخطوة؛ أحد الآراء السائدة على نطاق واسع هو أن السيسي أراد تعزيز شرعيته قبل الشروع في مزيد من خفض قيمة العملة وإجراءات التقشف، والتي ظل يماطل فيها لفترة طويلة على الرغم من التعهدات التي قدمها لصندوق النقد الدولي والجهات الدولية المانحة الأخرى. ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإن الانتخابات ستوفر للسيسي غطاءً أكبر - قانونياً وشعبياً - حتى يتمكن بعد ذلك من تفعيل هذه التدابير الاقتصادية الجذرية، التي من شأنها أن تدفع مزيد من المصريين إلى حافة الفقر وقد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

إذا كان السيسي يأمل في أن تعزز الانتخابات شرعيته وشعبيته، فلا مناص من استنفار كل قدراته من أجل تعبئة الناخبين في صفه. في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، في عامي 2014 و2018، أُعلن فوز السيسي بنسبة 97% تقريباً من الأصوات، في عملية هندستها الأجهزة الأمنية، حيث كُلّفت أجهزة الدولة بتعبئة موظفي الخدمة المدنية والعمال للتصويت لصالحه.

ومع ذلك، فإن إقبال الناخبين كان منخفضاً بشكل عام، وهو مستمر في الانخفاض في انتخابات تلو الأخرى، مما يعكس خيبة الأمل العامة لدى المواطنين من العمليات السياسية التي يرعاها النظام بعد الانقلاب. على سبيل المثال؛ بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2014: 47%، ثم انخفضت إلى 41% في عام 2018. وشهدت الانتخابات الأخيرة لمجلس الشيوخ في عام 2020 نسبة مشاركة بلغت 14% فقط، في حين شهدت الانتخابات البرلمانية في العام نفسه نسبة مشاركة 28% فقط.

ينص قانون عام 2014 على فرض غرامة قدرها 500 جنيه على الناخبين الذين لهم حق التصويت ويتخلفون عن الحضور إلى صناديق الاقتراع، لكنه لم يُطبّق مطلقاً على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل اللجنة الوطنية للانتخابات، لأنه ببساطة سيكون من المستحيل تغريم ما يقرب من نصف الشعب.

ربما يكون اندلاع الحرب في فلسطين في 7 تشرين الأول/أكتوبر قد منح السيسي بعض الوقت للتنفّس على الجبهة المالية، حيث يشعر المانحون الدوليون بالقلق المتزايد بشأن الاستقرار الإقليمي، وتسعى الحكومات الغربية إلى تعاون مصر في أزمة غزة. وقد سارع الاتحاد الأوروبي إلى مد يد العون لطاغية القاهرة من خلال تسريع خططه للتنمية الاقتصادية لمصر، في حين أن صندوق النقد الدولي "يدرس بجدية" برنامج إقراض بقيمة 3 مليارات دولار.

المعارضة المُنْهَكة تجس النبض وتواجه القمع

إذا كانت الانتخابات بالنسبة للسيسي تهدف إلى تجديد شرعيته، فهي بالنسبة للمعارضة مساحة لاختبار هامش المناورة. أمضى السيسي العقد الماضي في قمع المعارضة من جميع الأطياف، تحت ستار "الحرب على الإرهاب". أما أحزاب المعارضة، والنقابات المستقلة، والمنظمات الإعلامية، والمجموعات الطلابية، والشبكات المجتمعية، والمنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان؛ فكل ذلك قد تم تفكيكه أو شل كل مفاصله بحيث أصبح بلا أثر حقيقي.

ولكن بسبب الأزمة الاقتصادية والتراجع النسبي في الدعم الإقليمي للنظام؛ انخرطت المعارضة المصرية المنهكة في صراعات بسيطة، حيث حاولت بشكل أساسي توسيع هامش التنظيم السياسي تدريجياً وإحياء سياسة الشارع.

وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم إجهاض ترشح أحمد الطنطاوي للرئاسة؛ فالطنطاوي – ابن محافظة كفر الشيخ شمال دلتا النيل - هو برلماني سابق عن حزب الكرامة ذي الميول الناصرية. وخلال فترة وجوده في البرلمان (2015-2020)، كان شوكة في خاصرة النظام ومنتقداً للسيسي، وهو ما أثار غضب الأخير، فكانت النتيجة أن فقد مقعده في انتخابات 2020، بسبب ما ردده عن تزوير الأصوات.

غادر الطنطاوي إلى بيروت عام 2022 - تحت تهديدات أمنية - ليقضي فترة قصيرة في المنفى، ومن هناك أعلن عن نيته الترشح للرئاسة. وعاد إلى مصر في أيار/مايو 2023 لبدء حملته. نجح الطنطاوي في الحصول على دعم العديد من أحزاب المعارضة، وبقايا جماعات 2011 الناشطة، وبعض المشاهير، وقطاعات من الشباب الذين لم ينخرطوا في السياسة من قبل.

واستناداً إلى مصادري في مجتمع الناشطين الذين يدعمون الطنطاوي؛ لم تساور أياً منهم أي آمال بأنهم يستطيعون هزيمة السيسي من خلال صناديق الاقتراع. بل كان الأساس المنطقي لدعم المعارضين لطنطاوي يرتكز في المقام الأول على محاولة استغلال الفرصة لكسب هامش للتعبئة والتنظيم، حيث إن فترة الانتخابات تتميز عادة بانفتاح نسبي في الفضاء العام واهتمام وسائل الإعلام الدولية.

من أجل خوض الانتخابات، وفقاً للقانون، يلزم لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكي المترشح عشرون عضواً على الأقل من أعضاء مجلس النواب أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها، عبر توكيلات معتمدة من مكاتب التوثيق التابعة لمصلحة الشهر العقاري. وقد وضعت إجراءات الترشيح بهذا الشكل لضمان أن يكون للدولة الكلمة الأخيرة والفاصلة في اختيار المرشحين، نظراً إلى أن حشد التأييد من المواطنين يتطلب تنظيم حملات على الأرض، الأمر الذي يمكن أن تعرقله الأجهزة الأمنية، في حين يهيمن الموالون للنظام على البرلمان.

أصر الطنطاوي على جمع التوقيعات من المواطنين، معتمداً على حملة شعبية. وقد أدت هذه الخطوة إلى ملحمة مستعرة استمرت لشهر من القمع الأمني المتكرر ضد عائلته وأعضاء حملته، وهجمات البلطجيَّة الذين يرتدون ملابس مدنية على أنصاره، والعقبات البيروقراطية التي فرضتها مكاتب التوثيق. فضلاً عن أن هاتفه "آيفون"، قد استهدف على ما يبدو من قبل النظام المصري، باستخدام برامج التجسس الإسرائيلية، مما دفع شركة "آبل " إلى إصدار تحديث أمان لجميع منتجاتها.

قبل يوم واحد من الموعد النهائي لتقديم توكيلات التأييد للهيئة الوطنية للانتخابات، أعلن الطنطاوي في 14 تشرين الأول/أكتوبر انسحابه من السباق الرئاسي، بعد أن تمكن من جمع 14,000 توكيل فقط، بسبب المضايقات الأمنية واعتقال أعضاء حملته. وفي حين كان من المتوقع على نطاق واسع أن تسعى الأجهزة الأمنية إلى ملاحقة الطنطاوي بعد انتهاء الانتخابات، فقد جاء انتقام السيسي في وقت أقرب. وأعلن المدعي العام في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر إحالة طنطاوي إلى المحاكمة بتهم جنائية تتعلق بـ "تداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات"

ومن بين الشخصيات المعارضة البارزة الأخرى التي كانت تعتزم خوض الانتخابات هي جميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور شبه الليبرالي. بيد أن حملتها الانتخابية القصيرة انتهت بشكل مفاجئ في 10 تشرين الأول/أكتوبر، تحت ضغط من قادة الحزب وأعضائه.

أحاط الغموض أيضاً شائعات حول متنافس آخر مزعوم، وهو اللواء المتقاعد محمود حجازي، صهر السيسي ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية السابق. فقد أطاح به السيسي من الخدمة عام 2017 ومنحه منصباً شرفياً كمستشار رئاسي. ترددت شائعات بأن حجازي كان ينوي خوض الانتخابات ضد السيسي، واقترح بعض شخصيات المعارضة اسمه كمرشح محتمل. ينص القانون على أنه "لا يجور للضباط بالخدمة أو من انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة". وقد صرح الكاتب المصري المنفى بلال فضل أن حجازي حاول مرتين الحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن طلبه قوبل بالرفض. ورغم أنه من الصعب تأكيد أو نفي هذه الادعاءات بشكل مستقل، ولكن إذا كانت صحيحة، فإنها على الأقل تظهر أن القيادات العليا لا تزال تدعم الرئيس. وقد ظهر السيسي وحجازي معاً أيضاً علناً في الأكاديمية العسكرية، فيما فهم على أنه رسالة ضمنية تدل على الوحدة.

إذاً، من هم المتنافسون في السباق الرئاسي؟

نشرت الجريدة الرسمية القائمة النهائية لمرشحي انتخابات الرئاسة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، والتي ضمت السيسي وثلاثة مرشحين آخرين يتنافسون بشكل أساسي بموافقة الأجهزة الأمنية.

الأول هو عبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، الذي كان قوة وطنية ليبرالية في الماضي البعيد، ليتحول بعد ذلك إلى شبكة محسوبية لرعاية مصالح مجموعة من رجال الأعمال الذين يتنافسون على الحصول على خدمات من أي شخص يحكم مصر.

والثاني هو حازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري - وهو حزب غامض يتألف من رجال أعمال وأعضاء سابقين في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في عهد حسني مبارك والذي تم حله عام 2011. ولا يشمل السجل السياسي لعمر المعارضة بأي شكل من الأشكال. بل على العكس من ذلك، يشيد ويمتدح النظام والسيسي باستمرار.

والثالث هو فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. وعلى الرغم من أنه نفى المشاركة في اجتماع مع عباس كامل - الذراع الأيمن للسيسي ومدير جهاز المخابرات العامة، زُعم خلاله أنه شجع زهران على خوض الانتخابات لتوفير واجهة ديمقراطية لانتخابات محسومة بالفعل - تمت الموافقة على ترشيح زهران من خلال تأييد 20 عضواً من أعضاء مجلس النواب، وهو ما يشير إلى موافقة النظام. فضلاً عن أن لحزبه سجلاً طويلاً من التعاون مع السيسي، سواء من خلال المساعدة في تشكيل حكومة ما بعد الانقلاب أم عقد صفقات مع الأجهزة الأمنية خلال الانتخابات البرلمانية. وطوال حملته الانتخابية الرئاسية، لم يذكر زهران اسم السيسي أو يوجه إليه أي انتقادات جدية. وبدلاً من ذلك، ينتقد الإخوان المسلمين باستمرار وكأن الوقت توقف في عام 2013.

وقد أعلنت معظم المعارضة المصرية بالفعل أنها ستقاطع الانتخابات، بدلاً من الإدلاء بالتصويت الاحتجاجي لصالح زهران، مما دفع حزب زهران إلى تجميد علاقاته مع المعارضة.

ما تحمله الأيام القادمة

من المؤكد أن فوز السيسي في الانتخابات هو أمر محسوم. لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الفوز سيعزز موقفه بشكل فعال. فقد تراجعت شعبيته لعدة أسباب، أهمها تدهور الأوضاع الاقتصادية التي أثرت على جميع قطاعات المجتمع خارج دائرته الضيقة من جنرالات الجيش. لذا فإن صندوق الاقتراع الحقيقي هو تطور اقتصاد البلاد.

تضيف الحرب في غزة مزيداً من التعقيد. إذ إنها تهدد بمزيد من الضربات لاقتصاد متعثر بالفعل، في حين تعمل على إحياء المعارضة والاحتجاجات في الشارع تدريجياً. ورغم أن اندلاع ثورة أخرى على غرار ثورة 2011 أمر غير مرجح في الأمد القريب، لا يمكن استبعاد مثل هذا الاحتمال في المستقبل في حال استمرار عدم الاستقرار الإقليمي والاقتصادي. من ناحية أخرى، يأمل السيسي على الأرجح أن توفر له الحرب في غزة نفوذاً لدى الحكومات الغربية والخليجية، وكذلك الجهات المانحة الدولية، وأن يتمكن من استخدام هذا النفوذ للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد.

لذا، فعلى الرغم من وجود الكثير من الأمور التي يتعين علينا أن نراقبها في مصر في هذه الأيام، فإن الانتخابات تبدو وكأنها مجرد مسألة جانبية في أحسن الأحوال.

 

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.