ثنائية الخرق والراقع: الأزمة الخليجية وتداعياتها على المنطقة

نيَة ترامب الانقلاب على سياسة سلفه فيما يخص تحالفاته في الشرق الأوسط دفعت إلى انقلاب آخر على التوازنات الإقليمية التي بنيت إبّان المصالحة الخليجية أدى إلى اشتعال نار الأزمة وينذر بعودة صراع المحاور في المنطقة.

ثنائية الخرق والراقع: الأزمة الخليجية وتداعياتها على المنطقة
وزراء خارجية "دول المقاطعة" في اجتماع بالقاهرة تموز/يوليو 2017 © Khaled Elfiqi / POOL / EPA

Summary

شكلت زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للرياض في 20 أيار/مايو الماضي؛ مقدمة لتغيرات كبرى قد يشهدها الشرق الأوسط، وخصوصاً على مستوى القيادة. كما أوحت تصريحات ترامب، واختياره الرياض لتكون أولى محطاته الخارجية وحجم الصفقات التي عُقدت مع السعودية خلال الزيارة؛ نيَة الأخير إحداث انقلاب جذري على سياسة سلفه فيما يخص تحالفاته في الشرق الأوسط وطريقة التعاطي مع بؤر التوتر المشتعلة فيه. هذا الانقلاب في السياسة الخارجية الأمريكية؛ دفع إلى انقلاب آخر على التوازنات الإقليمية التي بنيت في عام 2015 إبّان المصالحة الخليجية، إذ وبعد أيام من قمة الرياض أشعل محور (السعودية، الإمارات، مصر) نار الأزمة من جديد مع قطر، والتي تشكل أحد أضلاع المثلث (التركي-الإسلامي) في المنطقة، الأمر الذي ينذر بعودة صراع المحاور في المنطقة.

بالمقابل فإن الخبرة السابقة في صراع المحاور الإقليمية تدل على أن دعم الولايات المتحدة وحده غير كافٍ لانتصار محور على آخر في المنطقة؛ فلكل محور أوراقه وأدواته الكفيلة لقلب الطاولة وإغراق المنطقة في صراعات كارثية، لذلك فإن استمرار الأزمة الخليجية وتفاقمها سينعكس بشكل خَرقٍ لن يستطيع الرَّاقِعُ هذه المرة التحكم فيه، ولن يكون الخليج في منأى عن آثاره. الأمر الذي قد ينذر ببداية انهيار المسارات السياسية التي رسمتها مصالحة عام 2015 ويؤدي بدوره إلى زيادة تعقيد الملفات العالقة في المنطقة (سوريا، ليبيا، اليمن)، تلك التي ينخرط بها المحوران بشكل مباشر، ما سيخلق هوامش أكبر لصالح محور (إيران-روسيا) للمناورة والتقليل من أهمية التقارب الأمريكي السعودي فيما يخص إيران وأذرعها في المنطقة. كما سيفتح الباب نحو تدويل الأزمة، وهو ما لن يكون في صالح دول الخليج العربي، والتي ستكون عرضة للابتزاز الدولي في هذه الحال.

اقرأ المزيد

يبدو أن التصعيد الحالي ضد قطر بما يحمله من قرارات حصار وأداء إعلامي غير مسبوق في المحطات السابقة للخلاف الخليجي؛ يُشكل مقدمة لعودة صراع المحاور الإقليمية، والذي تلعب الدول الخليجية دور رأس الحربة فيه، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى زيادة تعقيد الملفات العالقة في المنطقة (سوريا، ليبيا، اليمن)، تلك التي ينخرط بها المحوران بشكل مباشر، مما سيخلق هوامش أكبر لصالح محور (إيران - روسيا) للمناورة و التقليل من أهمية التقارب الأمريكي السعودي فيما يخص إيران وأذرعها في المنطقة، وبناءً على ما تقدّم تحاول هذه الورقة التحليلية، تفكيك الصراع الخليجي / الخليجي بأبرز محطاته وتحليل انعكاساته على المنطقة العربية وملفاتها، وصولاً إلى مصالحة عام 2015 وأثرها في رسم مسارات الحل السياسي في المنطقة، ثم استشراف التداعيات المحتملة (السياسية والعسكرية) لاستمرار تفاقم الأزمة الخليجية الحالية على أبرز الملفات العالقة (السوري واليمني والليبي)، سعياً لرسم ملامح خريطة التحالفات الإقليمية الجديدة في ظل الأزمة الخليجية القائمة.

أولاً: الخليج وقطر (أزمة مزمنة)

لا يعتبر الخلاف الخليجي مع قطر حديثاً، وإنما يعود بشكله الحالي إلى عام 1995، وذلك مع وصول حمد بن خليفة إلى الحكم، وبدء قطر بالتغريد خارج السرب الخليجي، عبر سياسة "الغزل الدبلوماسي غير المنضبط"،1سايمون هندرسون، "تعرّف على الأميرين اللذين يعيدان تشكيل الشرق الأوسط"، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 13 حزيران/يونيو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/GoMUJE أو بمعنى أدق سياسة الوساطة بين الأضداد (إسرائيل وحماس، الولايات المتحدة وطالبان، روسيا والإسلاميون المناهضون لها) بشكل يجعل السياسة القطرية مبهمة التوجه والحلفاء، كما أن وجود ذراع قطر الإعلامية "قناة الجزيرة"،2المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، "أزمة العلاقات الخليجية.. المقدمات والأسباب والدوافع"، متوافر على الرابط: https://goo.gl/TRC2IY والنمط الإعلامي الحر والجديد الذي فرضته على الإعلام العربي؛ أدى إلى حالة عدم ارتياح عامة من الأنظمة العربية وبخاصة الخليجية منها، بالإضافة إلى تحوّل قطر إلى ملاذ للحركات الإسلامية وللمثقفين العرب من أصحاب التوجه القومي، وهم من النوع الذي لا يروق للدول الخليجية.

إن تفاعل تلك العوامل خلق أزمة مكبوتة بين الدول الخليجية وقطر، لا تلبث أن تتصعد وتظهر للعلن في أحداث فارقة ينقسم فيها البيت الخليجي بين محاور إقليمية، كما حدث إبان حرب "تموز/يوليو 2006" في الجنوب اللبناني، و"عملية الرصاص المسكوب" على غزة في عام 2009، حيث ظهر الخلاف جلياً في الحربين بين قطر وباقي الدول الخليجية، لينقسم الموقف العربي عموماً بين محور الممانعة الذي ضم (قطر، سوريا، تركيا، إيران، حزب الله، حركة حماس)، ومحور (السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، مصر، الأردن).

وفي العام 2011 مثّل انطلاق الربيع العربي مرحلة جديدة في علاقة قطر مع محيطها الخليجي، وذلك بسبب دعم قطر لثورات هذا الربيع، وخيارها المنسجم مع الرؤية التركية والأمريكية في وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، الأمر الذي أثار خوف دول مجلس التعاون الخليجي وبخاصة السعودية والإمارات من إمكانية وصول موجة الربيع العربي إلى شواطئ الخليج، ودفعها إلى "مرحلة انكماش ودفاع عن النفس، محاولةً الانحناء للعاصفة ريثما تهدأ"،3المرجع السابق. ثم لتتصعد الخلافات الخليجية بعد ذلك وتبلغ ذروتها في عام 2013، حيث انقسمت المنطقة إلى محورين متصارعين، محور الثورات (تركيا قطر والإسلاميون) ومحور الثورات المضادة (السعودية الإمارات والفلول) أما الثالث فهو محور إيران والذي لعب على هوامش الصراع بين المحورين السابقين. ليولد صراع المحاور السابقة نكسة حقيقية على مسار الربيع العربي وسياقاته في دوله المختلفة.

ثانياُ: صراع المحاور (نكسة الربيع العربي)

تمثلت أبرز نتائج صراع المحورين في عامي 2013-2014، في تقويض منجزات الثورات في دول الربيع العربي وتحويلها إلى أزمات، وتوزعت أبرز نتائج الصراع في تلك الفترة وفقاً لما يلي:

  • سوريا (من الثورة إلى الأزمة)

تجلى أثر الصراع الخليجي البيني في عام 2013 على الثورة السورية بعدة اتجاهات، فعلى الصعيد السياسي: تسبب هذا الصراع بخلق "أزمة قيادة" داخل صفوف المعارضة السورية، وداخل هيكلها الجديد الائتلاف الوطني، مستنداً في ذلك إلى الخلافات البينية والمصالح الشخصية والفئوية للمعارضة السورية، وانشغال الأخيرة بكسب الشرعية الدولية والإقليمية، والدعم الخارجي على حساب الشرعية المحلية والإنجاز الداخلي،4يزيد الصايغ، "المعارضة السورية ومشكلة القيادة"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 4 نيسان/إبريل 2013، متوافر على الرابط: https://goo.gl/89Xlx0 الأمر الذي أدى إلى إضعاف الهياكل القيادية للمعارضة السورية وارتهانها للداعمين، وإفشال تجربة الحكومة السورية المؤقتة. وعلى الصعيد العسكري: دفعت خلافات الداعمين الإقليميين للثورة والمنقسمين على أنفسهم باتجاه إدارة الملف السوري عسكرياً بالتنافس، ما انعكس بشكل مباشر تراخياً في دعم الجيش الحر بوصفه مؤسسة؛ لصالح تعزيز حضور الكتائب الإسلامية، والتي بدأت بالتوسع بشكل كبير على حساب تراجع الجيش الحر،5ساشا العلو، "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 آذار/مارس 2016. الأمر الذي فتح المجال أمام النظام والمليشيات الإيرانية الداعمة لاستعادة زمام المبادرة عسكرياً على الأرض، وتمدد تنظيم الدولة الإسلامية في الأرض السورية، وصولاً إلى إعلانه الخلافة في 29 حزيران/يونيو 2014، مما حول الثورة السورية إلى أزمة إقليمية ودولية عنوانها "الإرهاب واللاجئون".

  • مصر (الثورة المضادة)

كانت مصر محطة من أخطر محطات الصراع الخليجي، حيث لعبت الماكينة الإعلامية الخليجية بالتعاون مع فلول نظام مبارك والعسكر، دوراً كبيراً في تحريض الشارع المصري ضد حكم الإخوان المنتخب، تمهيداً لدعم الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي، والذي أطاح معه بكل إنجازات الثورة المصرية، وأحدث شرخاً هوياتياً في المجتمع المصري الذي انقسم بين إخوان وغير إخوان، وفتح الباب أمام الإرهاب كرد فعل على قمع السلطة، وأنهك مصر اقتصادياً، وبالتالي أخرجها من دائرة القرار العربي لصالح تبعية نظام السيسي الباحث عن الشرعية، لداعميه في السعودية والإمارات.

  • تونس (تكرار السيناريو)

وفي إطار سعيها لتكرار التجربة المصرية في الإطاحة بحكم الإخوان؛ ظهرت محاولات لتكرار ذات السيناريو في تونس لولا حكمة "حركة النهضة"، والتي أدركت على ما يبدو صراع المحاور الدائر في المنطقة واختارت أن تجنب تونس ما حصل في مصر، فاستقالت حكومة الحركة بعد مؤتمر للحوار الوطني، وتم تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة مهدي جمعة في كانون الثاني/يناير 2014.6الجزيرة نت، "حركة النهضة" ، 6/11/2014، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Mzb5Ns

  • اليمن (تعقيد الأزمة)

دفعت "فوبيا الإخوان المسلمين" بالإمارات العربية المتحدة ومن خلفها السعودية إلى ارتكاب خطأين لم يتم تقدير عواقبهما في اليمن؛ عبر السماح للرئيس المخلوع بالعودة لليمن في شباط/فبراير 2012،7الجزيرة نت، "جدل باليمن بشأن عودة صالح"، 28 شباط/فبراير 2012، متوافر على الرابط: https://goo.gl/1f7zqp مقابل السكوت عن التمدد الحوثي في اليمن ليكون معادل قوة في وجه "التجمع اليمني للإصلاح" المرتبط بالإخوان المسلمين،8جريدة الحياة، "سقوط عمران يسلب الإخوان معقلهم"، 20/7/2014، متوافر على الرابط: https://goo.gl/XCFEH9 الأمر الذي أدى إلى نشوء تحالف بين الحوثيين من جهة والرئيس السابق ومواليه في حزب المؤتمر الشعبي العام وفي الجيش، لتسقط بنتيجة هذا التحالف مدينة صنعاء بيد الحوثيين في 21 أيلول/سبتمبر 2014، وتدفع مجلس التعاون إلى إصدار بيان إدانة شديد اللهجة ضد الحوثي، يعتبر اليمنَ جزءاً من أمن الخليج،9المشهد اليمني، "اجتماع طارئ لوزراء داخلية دول الخليج لمناقشة أوضاع اليمن"، 1 تشرين الاول/أكتوبر 2014، متوافر على الرابط: https://goo.gl/PCo1Ft ولكن بعد فوات الأوان.

  • ليبيا (استنساخ الانقلاب)

نال ليبيا ما نالها أيضاً من صراع المحاور في المنطقة، فبعد نجاح محور "الثورة المضادة" في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في مصر، وتثبيت حكم العسكر، تم استنساخ التجربة في ليبيا عبر الانقلاب الذي قاده الجنرال خليفة حفتر على حكومة المؤتمر الوطني العام المحسوبة على الإخوان المسلمين في 14 شباط /فبراير 2014، بدعم إماراتي سعودي مصري،10للمزيد حول الدور الإماراتي في ليبيا ودعمها العسكري لقوات حفتر، انظر التقرير السنوي للجنة العقوبات الخاصة بليبيا في الأمم المتحدة حول تورط الإمارات في توريد السلاح إلى ليبيا، متوافر على الرابط: https://goo.gl/r0hL69 مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية في ليبيا حولت البلاد إلى ساحة مشتعلة ومركز للإرهاب في شمال أفريقيا ومهدد حقيقي للسواحل الأوروبية.

ثالثاً: مصالحة 2015 (مسارات الحل)

شهد عام 2015 تغيراً جذرياً في سياسة السعودية نحو تصفية الخلافات الخليجية والتقارب مع تركيا لتشكيل محور سني إقليمي يسد فراغ الولايات المتحدة ويلجم التمدد الإيراني، وتمدد الجماعات الإسلامية المتشددة، ولم تثمر تلك السياسة عن نتائج جيدة، ولكن كانت تلك النتائج أقل سوءاً من سابقتها، تمثلت في رسم مسارات للحل السياسي برعاية دولية، وتحرك عسكري خليجي مباشر لمواجهة إيران، ولعل أبرز نتائج تلك المصالحة هي:

  • انطلاق العملية العسكرية في اليمن (عاصفة الحزم) في 25 آذار/مارس 2015 بقيادة سعودية، ودعم خليجي إسلامي، وبمشاركة القوات المسلحة القطرية.
  • تشكيل جيش الفتح في شمالي سوريا 24 آذار/مارس، والذي شُكِل كثمرة لعودة التنسيق (السعودي، التركي، القطري) في الملف السوري لمواجهة تقدم قوات النظام والمليشيات الإيرانية، والذي نتج عن الخلاف بين الفاعلين الثلاثة، والمفارقة أن القوة الضاربة في جيش الفتح هي الفصائل السلفية الجهادية ومن بينها جبهة فتح الشام (النصرة)، والتي تدان قطر اليوم بدعمها.
  • أبرز إنجازات التقارب بين المحورين كانت في انعقاد اجتماع فيينا الموسع في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2015 والذي ضم جميع أطراف المحاور المتصارعة في المنطقة (السعودية، إيران، تركيا، مصر، قطر، الإمارات)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ونتج عنه توافقات شكلت مقدمات لحلول سياسية لملفات الصراع في المنطقة،11سقراط العلو، "تداعياطت ما بعد فيينا: دايتون سوري والبحث عن بيجوفيتش"، المركز الديمقراطي العربي، متوافر على الرابط: https://goo.gl/nogRhX وهي:
  • اجتماعات سويسرا بين الحوثيين والحكومة الشرعية في اليمن 15 كانون الأول/ديسمبر 2015.
  • توقيع اتفاق الصخيرات بين أطراف الصراع الليبي، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني 17 كانون الأول/ديسمبر 2015.
  • تكريس نتائج اجتماع فيينا حول الحل السياسي في سوريا بالقرار الأممي رقم 2254 والصادر بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2015.

رابعاً: الانتكاسة الحالية (فتنة ترامب)

يبدو أن مصالحة عام 2015 لم تؤتِ أُكلها، فقد تبين لاحقاً أنها كانت مجرد هدنة لترتيب الأوراق في انتظار الإدارة الأمريكية الجديدة وسياستها باتجاه المنطقة، فعمق الخلافات والأجندات المتضاربة بين الدول الخليجية نفسها وبين محيطها الإقليمي أكبر من تسويات "لا غالب ولا مغلوب"، فالحساسية السعودية اتجاه الدور التركي المنافس على قيادة المحور السني تعرقل خطوات تشكيل تحالف سني في المنطقة لمواجهة إيران، ومعها تشترك الإمارات ومصر في الخوف من الدعم التركي القطري للإخوان المسلمين، مما يقوض أية جهود لتسوية الصراعات في المنطقة، لذلك لا يُعد تجدد الأزمة بين الدول الخليجية وقطر مستغرباً في هذا التوقيت، وخصوصاً بعد زيارة ترامب إلى السعودية، وإعلانه الدعم شبه الكامل لمحور السعودية الإمارات مصر، بشكل دفع المحور إلى محاولة إعادة ترتيب البيت الخليجي الداخلي كمقدمة لإعادة ترتيب المنطقة برمتها، مستندين إلى دعم ترامب، وهو الأمر الذي لم يخفه الأخير، حيث اعتبر بفخرٍ أن "الأزمة مع قطر هي من نتائج زيارته للمنطقة"،12الخليج الجديد، "ترامب يعتبر «مقاطعة قطر» إحدى نتائج زيارته للسعودية"، 6/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/eNKxGJ ويمكن إجمال أبرز التداعيات المحتملة لتفاقم الأزمة الخليجية الحالية في نقطتين رئيستين بما تتضمنه من نتائج فرعية:

  • عودة المحاور (ابتزاز الخليج)

ستشكل الأزمة الخليجية بداية لعودة سياسة المحاور إلى المنطقة، والتي سيكون الخليج بكل دوله هو الخاسر الأكبر في هذه المواجهة، مادياً وسياسياً، بالإضافة إلى أن تعقيد الملفات المتأزمة في المنطقة والذي سينجم عن صراع المحاور؛ سيفتح الباب لتدخلات أكبر من قبل الأطراف الإقليمية والدولية في القضايا العربية، وهذا لن يكون بصالح رغبة السعودية في لعب دور "الدولة المركز" في الشرق الأوسط، وسيمنح إيران هوامش أكبر للعب على الخلافات الخليجية البينية لتعطيل ما قد ينجم عن التقارب السعودي الأمريكي من خطوات باتجاهها.

بالمقابل فإن الحاجة السعودية والقطرية للتحالفات الدولية مع قوى كبرى، ستفتح الطريق أمام العديد من الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية؛ لابتزاز دول مجلس التعاون وعلى رأسها قطر والسعودية، الأمر الذي سيضر بمصلحة البلدين، وهو ما تظهره طبيعة المواقف الدولية والإقليمية اتجاه الأزمة، والتي وإن كانت ظاهرياً تسعى لتطويقها والحد من انعكاساتها الإقليمية، إلا أنها تبطن رغبة في إطالة أمدها وتحويلها إلى بازار لبيع المواقف السياسية.

فالموقف الأمريكي حيال ما يجري في الخليج تميز بالتضارب بين مؤسسة الرئاسة وباقي مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وقع وزير الدفاع الأمريكي، اتفاقاً قيمته 12 مليار دولار أمريكي لبيع قطر طائرات مقاتلة من طراز إف-15، على الرغم من انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقطر في الآونة الأخيرة واتهامه لها بدعم الإرهاب،13بي.بي.سي عربي، "قطر توقع صفقة لشراء مقاتلات إف-15 بقيمة 12 مليار دولار"، 15 حزيران/يونيو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/f2YvJR بالإضافة إلى إجراء مناورات في المياه الخليجية التابعة لقطر، بمشاركة أكثر من 9 وحدات عسكرية أمريكية وقطرية،14الخليج أونلاين، "مناورات عسكرية قطرية أمريكية في مياه الخليج"، 16/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Gbe8jF وقد يكون هذا التضارب في مواقف المؤسسات الأمريكية عائداً إلى صراع بين اللوبيات الخليجية داخل جسم الإدارة الأمريكية، وهو ما قد يؤثر على توجه الإدارة الجديدة نحو لجم النفوذ الإيراني، وحلحلة الملفات العالقة في المنطقة في حال استمرار الأزمة الخليجية.

أما روسيا والتي تظهر الحياد المرضي لطرفي الأزمة؛ فهي تجد في الصراع فرصة مواتية للاستثمار السياسي الذي يتناسب ووجودها العسكري في المنطقة، من خلال السعي لاستقطاب محور تركيا قطر، والذي يمثل أحد أهم ركائز نجاح دورها في الشرق الأوسط وبخاصة مسار "أستانة"، كما أن موسكو لم يفتها استثمار حصار قطر اقتصادياً، حيث عرضت تزويد قطر بالمواد الغذائية.15المواقف الدولية بشأن الأزمة في الخليج: إجماع دولي على الحل السلمي وتضارب مواقف الإدارة الأميركية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مرجع سبق ذكره.

بالنسبة لإيران فهي ترى في الخلاف الخليجي فرصة على الصعيد السياسي لكسب الوقت وترتيب الأوراق استعداداً لما قد ينجم عن التغيير في السياسة الأمريكية اتجاهها، ولمحاولة استغلال الحاجة القطرية للحلفاء لتقريبها مجدداً من محورها في المنطقة أو تحييدها على الأقل، أما على الصعيد الاقتصادي، فتشكل المقاطعة لقطر فرصة لإيران لرفع حجم التبادل التجاري، والذي لا يتجاوز 300 مليون دولار، وهو ما عبر عنه المسؤولون الإيرانيون صراحةً.16وكالة تسنيم للأنباء، "إيران تخصص ميناء بوشهر للتبادل الاقتصادي مع قطر"، 10/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/5jSQfd

أنقرة تسعى على ما يبدو لتحويل هذه الأزمة إلى فرصة لتثبيت موضع قدم عسكرية في الخليج، الأمر الذي يمنحها فرصة لتطويق المنافس السعودي على قيادة العالم السني، وهو ما ليس في صالح السعودية أو حتى قطر نفسها. بالمقابل فالأزمة الخليجية تشكل فرصة اقتصادية مهمة لأنقرة، حيث سارعت إلى تزويد قطر بالبضائع والمنتجات الغذائية التركية، سعياً لرفع حجم التبادل التجاري مع قطر من 700 مليون دولار في العام 2016 إلى 5 مليارات دولار بعد الأزمة.17الجزيرة نت، "خمسة مليارات دولار تجارة مستهدفة بين تركيا وقطر"، 23 حزيران/يونيو 2017، متوافر على الرابط:  https://goo.gl/1JNijr

  • تعطيل مسارات الحل (شبح الفدرلة)

قد يشكل الصراع الخليجي الحالي في حال استمراره واستعصائه على الحل التوافقي، بدايةً لانهيار المسارات السياسية التي رسمتها مصالحة عام 2015، وتقويضاً للجهود الدولية التي بذلت لدعم تلك المسارات على مستوى الملفات الليبي والسوري واليمني، فاستمرار الأزمة قد يحول تلك الدول إلى ساحات للصراع من جديد على غرار ما حدث في عام 2013، ومن المحتمل أن يترك آثاراً عدة يتوزع أبرزها وفقاً لما يلي:

  • سوريا

سينعكس استمرار الصراع الخليجي بالضرورة على الملف السوري في عدة اتجاهات سياسية وعسكرية، يمكن إجمالها بالنقاط الآتية:

المستوى السياسي:

  • سياسة المحاور العائدة من جديد للمنطقة ستفرض انقسامات سياسية داخل المعارضة السورية، وخصوصاً بين الائتلاف الوطني والهيئة العليا للتفاوض، الأمر الذي قد يؤثّر على مسار جنيف في جولاته المقبلة وعلى تشكيلة الوفد المفاوض، والدعم الدبلوماسي الإقليمي لهذا الوفد.
  • إن استهداف قطر في إطار الحرب المعلنة يعني بالضرورة تركيا من خلفها لضرب هذا التحالف، وهنا قد تسعى السعودية والإمارات تحديداً -صاحبة العلاقات المتميزة مع حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا PYD وإقليم كردستان في العراق- إلى تطويق النفوذ التركي ومحاولة عزل تركيا عن المنطقة العربية عبر دعم "إقليم كردي" في سوريا مقرب منها ودعم انفصال الأكراد في العراق.
  • إن أي تقارب بين محور (قطر-تركيا) مع إيران وروسيا، كرد فعل على تصعيد الأزمة من قبل المحور السعودي؛ سينعكس بالضرورة على الملف السوري بشكل يصب في مصلحة وجهة النظر الروسية والإيرانية.

المستوى العسكري:

الخلاف سينعكس بالضرورة على الفصائل المقاتلة على الأرض، وخاصة إسلامية التوجه منها، والتي لها علاقات وطيدة مع قطر وتركيا، هذا بالإضافة إلى الفصائل المحسوبة على الإخوان المسلمين، وذلك الانعكاس قد يكون بالأشكال الآتية:

  • تعطيل مسار أستانة عن طريق ضغط كل محور على الفصائل الموالية له، وهو ما رأينا مؤشراته في تأجيل جولة أستانة التي كان من المزمع عقدها في تاريخ 12-13 حزيران/يونيو.
  • توسيع دائرة تصنيف الإرهاب لتشمل الفصائل الموالية لقطر وتركيا وتلك المحسوبة على الإخوان المسلمين، الأمر الذي قد يرتب أيضاً توسيع دائرة ضربات التحالف الدولي ضد تلك الفصائل.
  • تحرك الفصائل الموالية لقطر وتركيا ضد الفصائل المقربة من المحور السعودي الأمريكي لكسب مساحات أكبر من الأرض، الأمر الذي سيعقد الملف السوري بشكل أكبر ويحول سوريا إلى ساحة من ساحات المواجهة بين المحورين، كون الخليج لن يكون ساحة للصدام المباشر.

 

  • ليبيا

شكلت تصريحات العقيد أحمد المسماري المتحدث باسم قوات حفتر، والتي هاجم فيها قطر،18الجزيرة نت، "قطر ترفض وتدين تصريحات للمتحدث باسم قوات حفتر"، 22/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/nmTuij دخولاً لطرف من أطراف الصراع الليبي على خط الأزمة الخليجية، الأمر الذي يعتبر خطأً فادحاً ومؤشراً على أن ليبيا ستدفع ثمن هذا الصراع الخليجي عبر تأجيج الصراع الدائر وتقويض مسار الصخيرات المتعثر أساساً، وتبديد نتائج لقاء السراج وحفتر، والذي عقد في أبو ظبي مطلع أيار/مايو الماضي، بالإضافة إلى أن إصرار حفتر ومن خلفه الإمارات ومصر على الحسم العسكري والتقدم باتجاه مصراتة والعاصمة طرابلس على الرغم من المسارات السياسية المفتوحة مع حكومة الوفاق الوطني؛ يزيد من احتمالات تحوّل ليبيا إلى ساحة دامية للصراع بين المحاور في المنطقة، وتعميق الهوة بين الأطراف الليبية وكتائب الشمال والغرب الليبي، الأمر الذي قد يفضي إلى فدرلة ليبيا، وهو ما تسعى له بعض القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع الليبي، كحل وحيد للصراع الذي بات يهدد أوروبا ودول الجوار.

  • اليمن

قد تودي الأزمة الخليجية الحالية بالإنجازات المتواضعة التي حققها التدخل العسكري في اليمن، والذي تشكل القوات السعودية والإماراتية والقطرية قوته الضاربة، فمن ناحية استغناء السعودية والإمارات عن الدعم القطري عسكرياً ومادياً وإعلامياً، أو محاولة استبداله بقوة أخرى؛ سيؤدي إلى تعقيد المشهد اليمني وفتح المجال أمام الحوثي من جديد لاستعادة زمام المبادرة، وسيزيد من كلفة التدخل والتورط السعودي الإماراتي في الحرب اليمنية، والتي تحوّلت إلى أزمة إنسانية متفاقمة. ومن ناحية أخرى فإن تناقض الأجندات السعودية والإماراتية في اليمن إلى جانب الأزمة الخليجية الحالية؛ كفيل بإعادة اليمن إلى ما قبل آذار/مارس 2013، خصوصاً مع الميل الإماراتي إلى تجميد العمليات العسكرية وفتح قنوات للتفاوض مع الحوثي عبر عُمان خوفاً من وقوع صنعاء بيد المقاومة الشعبية اليمنية المحسوبة على الإخوان، ودعمها للحراك الجنوبي الانفصالي ضد الرغبة السعودية.19نون بوست، "الدور الإماراتي في اليمن واجهة عسكرية ومآرب سياسية"، 21 آب/أغسطس 2015، متوافر على الرابط: https://goo.gl/6Y3WFv

الخاتمة

لابد للقوى الخليجية المتصارعة أن تدرك أن هذه المحطة من الصراع ليست كسابقتها، وذلك لجهة حساسية الظرف الذي تمر به المنطقة وخطورته، وأن هذه الجولة من جولات الصراع في حال تجاوزت النطاق السياسي والاقتصادي وإجراءات المقاطعة والحصار إلى مواجهة مباشرة في الملفات العربية المشتعلة عبر الوكلاء المحليين؛ ستزيد من تفاقم الصراعات باتجاهات تهدد الأمن القومي الخليجي بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى، فالخبرة السابقة في صراع المحاور الإقليمية تدل على أن دعم الولايات المتحدة وحده غير كافٍ لانتصار محور على آخر في المنطقة. فلكل محور أوراقه وأدواته الكفيلة لقلب الطاولة وإغراق المنطقة في صراعات كارثية، لذلك فإن استمرار الأزمة الخليجية وتفاقمها سينعكس بشكل خرق لن يستطيع الراقع هذه المرة التحكم فيه، ولن يكون الخليج في منأى عن آثاره.

Endnotes

Endnotes
1 سايمون هندرسون، "تعرّف على الأميرين اللذين يعيدان تشكيل الشرق الأوسط"، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 13 حزيران/يونيو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/GoMUJE
2 المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، "أزمة العلاقات الخليجية.. المقدمات والأسباب والدوافع"، متوافر على الرابط: https://goo.gl/TRC2IY
3 المرجع السابق.
4 يزيد الصايغ، "المعارضة السورية ومشكلة القيادة"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 4 نيسان/إبريل 2013، متوافر على الرابط: https://goo.gl/89Xlx0
5 ساشا العلو، "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 آذار/مارس 2016.
6 الجزيرة نت، "حركة النهضة" ، 6/11/2014، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Mzb5Ns
7 الجزيرة نت، "جدل باليمن بشأن عودة صالح"، 28 شباط/فبراير 2012، متوافر على الرابط: https://goo.gl/1f7zqp
8 جريدة الحياة، "سقوط عمران يسلب الإخوان معقلهم"، 20/7/2014، متوافر على الرابط: https://goo.gl/XCFEH9
9 المشهد اليمني، "اجتماع طارئ لوزراء داخلية دول الخليج لمناقشة أوضاع اليمن"، 1 تشرين الاول/أكتوبر 2014، متوافر على الرابط: https://goo.gl/PCo1Ft
10 للمزيد حول الدور الإماراتي في ليبيا ودعمها العسكري لقوات حفتر، انظر التقرير السنوي للجنة العقوبات الخاصة بليبيا في الأمم المتحدة حول تورط الإمارات في توريد السلاح إلى ليبيا، متوافر على الرابط: https://goo.gl/r0hL69
11 سقراط العلو، "تداعياطت ما بعد فيينا: دايتون سوري والبحث عن بيجوفيتش"، المركز الديمقراطي العربي، متوافر على الرابط: https://goo.gl/nogRhX
12 الخليج الجديد، "ترامب يعتبر «مقاطعة قطر» إحدى نتائج زيارته للسعودية"، 6/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/eNKxGJ
13 بي.بي.سي عربي، "قطر توقع صفقة لشراء مقاتلات إف-15 بقيمة 12 مليار دولار"، 15 حزيران/يونيو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/f2YvJR
14 الخليج أونلاين، "مناورات عسكرية قطرية أمريكية في مياه الخليج"، 16/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Gbe8jF
15 المواقف الدولية بشأن الأزمة في الخليج: إجماع دولي على الحل السلمي وتضارب مواقف الإدارة الأميركية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مرجع سبق ذكره.
16 وكالة تسنيم للأنباء، "إيران تخصص ميناء بوشهر للتبادل الاقتصادي مع قطر"، 10/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/5jSQfd
17 الجزيرة نت، "خمسة مليارات دولار تجارة مستهدفة بين تركيا وقطر"، 23 حزيران/يونيو 2017، متوافر على الرابط:  https://goo.gl/1JNijr
18 الجزيرة نت، "قطر ترفض وتدين تصريحات للمتحدث باسم قوات حفتر"، 22/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/nmTuij
19 نون بوست، "الدور الإماراتي في اليمن واجهة عسكرية ومآرب سياسية"، 21 آب/أغسطس 2015، متوافر على الرابط: https://goo.gl/6Y3WFv

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.