لم تمر أيام قليلة على التصويت على الثقة من البرلمان، إلا ووجد الائتلاف الحكومي التونسي نفسه بصدد تحدٍ جديد لم يخطر له على بال، هو فيروس الكورونا، الذي وصفه رئيس الوزراء بالــ"حرب ضد عدو خفي". كما هو الحال في الدول الأخرى، تتعامل تونس مع حالة طوارئ غير مسبوقة تختبر مؤسساتها الديمقراطية ونظامها الدستوري الجديدين. ) تتناول هذه الورقة كيف تعاملت المؤسسات التونسية المختلفة مع الأزمة إلى الآن، ومن ثم تسعى لتسليط الضوء على كيفية اضطلاع كل من هذه المؤسسات بدورها.
حالة القطاع الصحي التونسي
لقد "ورثت" حكومة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ المنتخبة حديثاً بنية تحتية صحية ضعيفة ومختلة التوزيع، حيث لا توجد في 13 من 24 محافظة أسرّة مستشفيات مجهزة طبياً، وهي تعتبر ضرورية لمواجهة انتشار الجائحة. يُظهر التوزيع غير المتكافئ لأسرّة المستشفيات المجهزة الفجوة بين الساحل والداخل، التي تركت المناطق الداخلية أكثر عرضة للخطر. كما أن المختبرات المصرح لها بإجراء اختبارات الكوفيد-19 تتركز بالعاصمة والمناطق الساحلية، وتقع في مستشفى تشارلز نيكول ومعهد باستور في تونس العاصمة، وبمستشفى فاطمة بورقيبة بمحافظة المنستير الساحلية التي تحظى بمستوى جيد من الخدمات.
وصلت الحكومة الحالية إلى السلطة بعد التصويت على الموازنة العامة وتخصيص بنودها المختلفة. خُصص لوزارة الصحة 7.18% من الموازنة العامة، وثلثها فحسب مخصص للبنية التحتية الصحية، في حين تم تخصيص الثلثين للرواتب.
للتعامل مع الجائحة، تعهدت الحكومة "بإصلاحات جادة للقطاع الصحي.... وإعادة بناء منظومة الصحة العامة". تقرر اللجوء إلى تدابير مالية استثنائية، تشمل تخصيص ميزانية مفتوحة لمكافحة الفيروس. كما أعدت وزارة المالية صندوقاً تطوعياً للإسهام في مكافحة انتشار الفيروس، وحتى الآن جمع الصندوق أكثر من 62 مليون دينار تونسي. سوف يساهم الصندوق في تخفيف آثار الجائحة على الأسر المعيشية منخفضة ومعدومة الدخل، والأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، وشركات التصدير. كذلك خصصت وزارتا الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي 2.5 مليون دينار لتمويل الدراسات والبحوث الخاصة باختبار واستخدام عقار "الكلوروكوين" في معالجة الفيروس. وقدم البنك المركزي التونسي 50 مليون دينار بصورة عملة صعبة لوزارة الصحة، لتوريد إمدادات طبية وقائية من الصين.
السلطة التنفيذية تتخذ "إجراءات استثنائية"
حوّل دستور تونس لعام 2014 النظام السياسي من نظام رئاسي إلى نظام برلماني ديمقراطي. تنقسم السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الحكومة. حتى الآن يبدو أن الاثنين ينسقان فيما بينهما بشكل جيد.
رداً على الأزمة، اعتمد الرئيس التونسي على الفصل 80 من الدستور، الذي يمنحه صلاحيات واسعة "في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة". طبقاً للدستور، اتخذ الرئيس القرار بعد مشاورة رئيس الوزراء ورئيس البرلمان، وأخطر رئيس المحكمة الدستورية.
في 18 مارس/آذار 2020، فرض الرئيس حظر تجوال لمدة 12 ساعة يومياً لمواجهة انتشار الفيروس. بعد أربعة أيام، وسّع من الإجراءات لتشمل قيوداً أشد على تنقلات وتجمعات الناس في غير ساعات الحظر، وأمر بنشر الجيش لتنفيذ هذه الإجراءات.
ثم أصدرت الحكومة قراراً بتنفيذ أمر الحظر وبتوضيح المتطلبات اللازمة لضمان استمرار عمل الخدمات الأساسية. صدرت قرارات الرئيس والحكومة ونُشرت في نفس اليوم (29 مارس/آذار)، لتؤشر على درجة كبيرة من التنسيق بين رئيسيّ السلطة التنفيذية.
كذلك طلب رئيس الحكومة من البرلمان صلاحيات استثنائية تمكنه من "إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون" بموجب الفصل 70(2) من الدستور، وهو الطلب الذي يحتاج لتمريره إلى موافقة ثلاثة أخماس نواب البرلمان، ويقتصر مفعوله على مدة أقصاها شهرين وتكون المراسيم لغرض محدد. وافق البرلمان وقدم التصريح في 4 أبريل/نيسان.
هذه الصلاحيات الخاصة الممنوحة لرئيس الحكومة تضيف إلى الإجراءات التي تتم ممارستها بالفعل من قبل الرئيس بموجب الفصل 80 من الدستور.
لكن من المهم ملاحظة إبهام الدستور وتناقضه فيما يخص الصلاحيات الحالية للسلطة التنفيذية. دون إعلان "حالة استثناء" واضحة وصريحة، أسند الرئيس القرارين اللذين أصدرهما بموجب الفصل 80 من الدستور. يمنحه هذا الفصل صلاحيات واسعة ويؤدي تفعيله إلى تركز الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في يد الرئاسة. على الجانب الآخر، فإن رئيس الحكومة قد استخدم الفصل 70 من الدستور في طلب التصريح بإصدار مراسيم بقوة القانون، وتمت الموافقة على طلبه في حين أنه "تُفسر أحكام الدستور ويؤول بعضها البعض كوحدة منسجمة" فإن استخدام الفصلين من الدستور قد أثار مناقشات حول الأدوار المحددة للرئيس ورئيس الحكومة فيما يتعلق بممارسة السلطات الاستثنائية أثناء الأزمة الصحية الجارية. دفع الموقف المذكور بعض نواب البرلمان إلى طلب قدر أكبر من الوضوح في هذا الصدد، لا سيما لأن الرئيس التونسي كان قبل توليه منصبه أستاذاً للقانون الدستوري.
جهود تنسيق الحكومة المركزية
لإضفاء الطابع المركزي على إجراءات الوقاية والسيطرة على انتشار الوباء، أعلن رئيس الحكومة في 25 مارس/آذار إنشاء سلطة وطنية للتعامل مع فيروس كورونا. وتحت الإشراف المباشر من رئيس الحكومة، فإن هذه السلطة مكلفة بتنسيق جهود مختلف الولايات (المحافظات) فضلاً عن جهود اللجان الجهوية لمجابهة الكوارث. هذه السلطة الجديدة المرتجلة تنسق أعمال مراقبة ومتابعة الجهود، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية الدائمة لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة، التابعة لوزارة الداخلية، وهي منعقدة بشكل دائم منذ 21 مارس/آذار.
إضافة إلى ذلك، يُتاح أيضاً لمجلس الأمن الوطني الذي يرأسه رئيس الجمهورية، دور دائم في حالة وجود خطر داهم يهدد الوحدة الترابية، أو أمن واستقلال البلاد أو في وقت الأزمات. هذا المجلس المكون من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزراء العدل والدفاع والداخلية والخارجية والمالية ورئيس جهاز المخابرات، يبقى – كما يتطلب القانون التونسي – "في حالة انعقاد إلى زوال الموجب". مجلس الأمن القومي متاح له عند الضرورة "أن يشكّل لجانا قارة أو ظرفية في المجالات المتعلقة بالأمن القومي تتولى مساعدة المجلس على القيام بمهامه"، لكنه لم ينشأ بعد لجاناً للتعامل مع الطوارئ الصحية القائمة.
جميع البنى المذكورة أعلاه يبدو أنها تعمل بالتوازي في نفس الوقت، على نفس القضية. دون مزيد من التوضيحات والاتصالات من السلطات حول أدوارها، فهناك خطر تكرار الجهود وعدم التنسيق في استخدام الموارد، وأيضاً هناك خطر عدم اتساق نتائج أنشطة كل من هذه البنى المذكورة.
زيادة الاتصالات مع محدودية المعلومات
افتقرت اتصالات الحكومة المبكرة حول الأزمة إلى الوضوح، في تصريحات ومؤتمرات الرئيس الصحفية ورئيس الحكومة، حيث تعرضت تلك الفعاليات مراراً للتأخير وإعادة الجدولة والإلغاء. إلا أن الفعاليات المعلوماتية الخاصة بالجائحة أصبحت أكثر انتظاماً بدءاً من 24 مارس/آذار. اقتصرت التحديثات الصحية التقنية على صفحات وزارة الصحة على مواقع التواصل الاجتماعي والمؤتمرات الصحفية، كلما رأت السلطات الصحية ضرورة لذلك.
اشتملت حملات الاتصالات العامة على رسائل توعية وتحسيس على التلفزة والإذاعة والمواقع الإلكترونية الحكومية الخاصة بالجائحة. لكن ظلت الاتصالات مبهمة فيما يخص الوضع في المؤسسات الصحية، لا سيما مع تكرر ظهور حالات إغلاق لمرافق صحية للاشتباه في وصول العدوى إلى طواقمها الطبية (على سبيل المثال ما حدث في سوس، تونس (الأمين) ومستشفى صفاقس، وعيادة تونس العسكرية)، والتراجع في توفر أسرّة المستشفيات ومعدلات إدخال المرضى.
إضافة إلى وزير الصحة، ضمّ فريق الاتصالات الخاص بالأزمة خبراء طبيين من وزارة الصحة، مثل مدير عام الصحة الأساسية بوزارة الصحة والمدير العام للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة.
تم الإعلان عن التدابير الحكومية الخاصة بالمواصلات والنقل والتجارة والأمن من قبل وزارات مختلفة في مؤتمرات صحفية عديدة.
السلطة التشريعية تتردد في التنازل عن صلاحياتها
منذ فبراير/شباط ومع بداية الوباء العالمي، كان البرلمان التونسي متردداً في التنازل عن صلاحياته التشريعية. حتى قبل أزمة الكورونا، قال رئيس البرلمان راشد الغنوشي في 22 فبراير/شباط إن عهد السلطة المركزية قد انتهى، وهذا لا يعني تشتيت الحكم، بما أن الدستور يوزع السلطات بين قصر قرطاج والقصبة (مقر الحكومة) وقصر باردو (البرلمان).
في ظل الجائحة، قدّم البرلمان مسودة قرار حول اعتماد إجراءات استثنائية "لضمان استمرارية العمل التشريعي بدلاً من تفويضه". صوّت لصالح القرار 122 نائباً (من أصل 217 نائبا). بناء على مشروع القرار يمكن "لمكتب المجلس السماح بأن يكون انعقاد الجلسة العامة خلال فترة الحجر الصحي عن بعد، بما في ذلك إمكانية التصويت عن بعد، باعتماد التطبيقات الإلكترونية، وبما يسمح بالجزم باختيار كل مصوت". يسمح هذا للبرلمان "بإقرار آجال دنيا استثنائية تسمح بسرعة النظر في اللجنة أو في الجلسة العامة" إذا تعلق الأمر بمبادرات تشريعية مرتبطة بالحالة الوبائية. الحق أن البرلمان قد تمكن من عقد جلسات، وفي 4 أبريل/نيسان، صوّت لصالح التصريح لرئيس الوزراء بإصدار مراسيم بقوة القانون لفترة شهرين، لمواجهة انتشار الفيروس وضمان السير الطبيعي للمرافق الحيوية.
محدودية دور القضاء
السلطة القضائية مُكلفة بضمان سمو الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات. لكن في ظل الظروف الراهنة، يبدو أن السلطة القضائية قد تعرضت للتحييد في بعض المجالات.
على سبيل المثال، فإن قرارات الحجر الصحي الإلزامي الصادرة على أشخاص يُشتبه في إصابتهم بعدوى الكورونا تخرق الشرط القانوني بأن تصدر تلك القرارات من سلطة قضائية. كما أن مصادرة وزارة الداخلية للمركبات التي تجول في مخالفة لحظر التجوال لا يوجد سند قانوني لها. يجب ألا تكون هذه الأعمال سوى بتصريح من قاضي التحقيق وألا تمارسها قوات الأمن إلا انطلاقاً من صلاحياتها الخاصة بالضبط القضائي تحت إشراف الادعاء العام، لا انطلاقاً من صلاحيات القوات كضباط أمن. كما ظهرت تقارير عن نقل مواطنين تونسيين عائدين من الخارج إلى الحجر الصحي الإجباري في مرافق خاصة بالدولة دون أن تكون نتائج اختباراتهم إيجابية، وهو الأمر الذي يخرق الشرط الثاني الخاص بـ "العدوى المثبتة" اللازم لكي يكون الحجر الصحي الإلزامي قانونياً. لم يؤد الطعن على عدم قانونية هذه التدابير أمام الادعاء إلى نتائج إيجابية، إذ أن وكيل الجمهورية أصر على أن مكتبه "ملتزم بالأوامر لا بتطبيق القانون". إثر تجميد أنشطة القضاء بسبب إجراءات الحظر، اقتصرت الأنشطة القضائية على الادعاء ودائرة التحقيق والمحاكم الجنائية وأمانات المحاكم.
لضمان حقوق المواطنين والمساواة أمام القانون، اقترح مجلس القضاء الأعلى مشروع قرار بأحكام استثنائية لضمان ألا تضر الآجال الإجرائية بالمواطنين غير القادرين على الوفاء بها. في حين قد يكون الوباء سنداً جيداً لهذه القيود، فإن المجلس على ما يبدو تجاهل النصوص الدستورية التي تحد – بموجب الفصل 62 – من إمكانية تقديم المبادرات التشريعية على ضرورة أن تكون مقدمة من 10 نواب برلمان على الأقل، أو في صيغة مسودات قوانين مقدمة من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.
كما أدى فيروس كورونا إلى إيقاف إجراءات إنشاء المحكمة الدستورية. رغم أن القانون الخاص بالمحكمة صدر في ديسمبر/كانون الأول 2015، ما زالت الحكمة لم تنعقد، ولم يتم انتخاب أعضائها بعد. في الوقت الحالي، ليس للمواطنين في تونس آلية قضائية للطعن على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها السلطات التنفيذية حال نشأ اختلاف حول تفسيرها. هذا أمر مهم للغاية نظراً لأن غياب المحكمة الدستورية يحرم رئيس البرلمان أو أي 30 نائباً برلمانياً من القدرة على مطالبة المحكمة بالتحقق من استمرار الظروف الموجبة للإجراءات الاستثنائية.
التنافس بين السلطة المركزية والسلطات المحلية
لقد تم اعتبار اللامركزية في تونس أداة لتحسين الحكم المحلي، بما يشمل تحسين جودة إدارة الأزمات. ينص الدستور على اللامركزية التي تتحقق من خلال السلطات المحلية، المكونة من بلديات وجهات وأقاليم. حالياً، في تونس ما مجموعه 350 بلدية. وتتمتع السلطات المحلية بالشخصية القانونية، والاستقلال المالي والإداري، فضلاً عن حرية إدارة الشؤون العامة المتعلقة بها. لكن في ظل الحصول على ميزانية تتراوح حول 2.46% من الميزانية الوطنية، بالنسبة لأغلب البلديات، فإن فعالية وكفاءة الإدارة المحلية تبقى محدودة.
يمنح القانون للوالي، ممثل السلطة المركزية، صلاحيات فيما يخص النظام العام، والسيطرة على قانونية تصرفات السلطات المحلية، عبر أدوات قضائية، إذا ما أصدرت السلطات المحلية قرارات بلا سند. يعطي قانون الحكومة المحلية (مجلة الجماعات المحلية) لعام 2018 سلطات عريضة للسلطات المحلية. على جانب، فإن المجالس البلدية مكلفة بإنشاء وإدارة الأجهزة العامة على المستوى البلدي، لا سيما ما يتعلق بالصحة والنظافة وحماية البيئة والأنظمة الحاكمة لهذه القطاعات. وعلى الجانب الآخر، فإن رئيس البلدية المنتخب من قبل أعضاء المجلس، يمكنه تفعيل أنظمة متصلة بالخدمات العامة في سائر أنحاء أراضي البلدية. هذه الأحكام فضفاضة وملتبسة، وقد تؤدي إلى الخلاف حول تفسير نطاق الصلاحيات، بين المجلس البلدي ورئيس البلدية.
وإذا فشل رئيس البلدية في الاضطلاع بمهامه، فإن الوالي – ممثل السلطة المركزية – يمكنه التدخل شخصياً أو عبر من يكلفه بهذا الأمر. من ثم، يمكن للوالي حال اقتضت ظروف استثنائية ذلك، وبعد تصريح من الحكومة، أن يلجأ إلى مساعدة الجيش، نظراً لصلاحياته الواسعة في حالة الطوارئ.
في مواجهة أحد أول الاختبارات الكبرى منذ تفعيل تونس للامركزية في 2018، فإن السلطات المحلية والمركزية تقف في توازن دقيق وهشّ يوجب عليها العمل على تعديل وضبط صلاحياتها إزاء أحدها الآخر من حيث الممارسة. كان هذا ظاهراً بشكل ضمني في إعلان رئيس الحكومة في 26 مارس/آذار بأن "في وقت الأزمة، لابد أن تكون القرارات مركزية". تم النص على هذا بوضوح في تعميم الحكومة عدد 2020-9 الذي طالب الوزراء وأمانات الدولة ورؤساء البلديات والمؤسسات العامة بالتنسيق الإلزامي مع السلطة المسؤولة قبل اتخاذ تدابير وإجراءات لمنع خطر انتشار فيروس الكورونا المستجد. فيما بعد تم التأكيد مرة أخرى على هذا الأمر في المنشور الوزاري المشترك الصادر عن وزارتي الداخلية والشؤون المحلية للولاة ورؤساء البلديات ورؤساء النيابات الخصوصية للمجالس الجهوية، الذي سلط الضوء على الحاجة إلى "تفادي كل مظاهر عدم الانسجام وتشتيت القرار بين السلطة العمومية على اختلاف مستوياتها" وطالب بـ "إحكام آليات التنسيق والتشاور الملائمة مع سلطة الإشراف حفاظا على وحدة القرار جهويا ومحليا في إطار المحافظة على المصلحة العليا للبلاد".
قد تثبط مثل هذه الأحكام من أهمية وتنامي دور البلديات الذي تلعبه ويجب أن تلعبه في المستقبل. لوحظ أن بعض البلديات كانت نشطة في إدارة الأعمال الخاصة بمجابهة انتشار الفيروس، وتصرفت قبل صدور القرارات من المستوى المركزي. على سبيل المثال، في 11 مارس/آذار أصدرت بلدية القيروان تعميماً بتحسين الجاهزية للفيروس في المقاهي والمطاعم مع النصّ على ضرورة تحرّي الجميع قواعد النظافة الشخصية. بعد القرار الصادر على مستوى الدولة بوقف الأسواق الأسبوعية، وإغلاق صالات المناسبات وأماكن الترفيه، والبارات ومراكز التصفيف والزوايا، أعطت بلدية القيروان مثالاً طيباً على الشفافية إذ نشرت قائمة المتبرعين الذين أسهموا في تحسين حالة المرافق الصحية والعاملين فيها بالقيروان.
ولدعم استقلالية السلطات المحلية، فإن التصريح الممنوح لرئيس الحكومة بإصدار مراسيم بقوة القانون يمكن أن يكون فرصة طيبة لذلك، على سبيل المثال بأن يصدر قرارات لدعم تحركات السلطات المحلية من خلال زيادة الأموال المخصصة لها في قانون الميزانية الوطنية، بحيث يتم السماح لها بمجابهة انتشار الفيروس بشكل أفضل.
الختام
لكي تترسخ الديمقراطية الجديدة في تونس، فلابد من حماية سيادة القانون والفصل بين السلطات، في أوقات السلم وأوقات الأزمات.
منذ انتشار وباء كوفيد-19، تحاول مؤسسات وفاعلون عدة تأكيد أدوارهم في ظل الظروف الصعبة الخاصة بالجائحة، إذ يدافع كل طرف عن صلاحياته. يفرض الدستور مبادئ الدستورية والقانونية بناء على "نظام ديمقراطي تشاركي، في إطار دولة مدنية [قائمة على]... مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها" وعلى ضوء مبدأ "وحدة الدولة". إنها فترة حرجة، من المهم فيها الامتناع عن التنافس حول الصلاحيات، من أجل تجنب السقوط في فخّ الإفراط في تمركز جميع السلطات في يد الحكومة المركزية. لابد أن تقتصر إجراءات الطوارئ على ظروف الطوارئ الراهنة.
سوف تكون المرحلة القادمة بمثابة اختبار هام لبنية المؤسسات في تونس. هل ستعمل مختلف المؤسسات بشكل فعال؟ أم هل سيكشف الوباء عن نواقص كبرى تغذّي الدعوات المتزايدة بتعديل الدستور الجديد؟
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.