تونس: الشباب يتخذون مواقف متباينة من قرارات الرئيس، ويراقبون الوضع بآمال معلَّقة

بعد الدور الرئيسي الذي قاموا به في ثورة 2011، يبدو أن معظم الشباب التونسي قد سئموا من السياسيين في بلدهم نتيجة الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتتالية التي شابت التحول الديمقراطي. ومنذ الاحتجاجات الجماهيرية في 25 تموز/يوليو 2021 التي سبقت إحكام الرئيس سعيّد قبضته على السلطة، جدّدت حركة شبابية شعبية مطالبتها بتغيير جذري. تبحث هذه الورقة في بعض المواقف المتباينة التي يتبناها الشباب التونسي من إجراءات الرئيس، وآمالهم ومخاوفهم من الاضطرابات السياسية في المرحلة الحالية.

المتظاهرون يتجمعون في شارع الحبيب بورقيبة للاحتجاج على "القرارات الاستثنائية" للرئيس التونسي قيس سعيد وسط حضور أمني مكثف في تونس العاصمة ، تونس في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2021. © Nacer Talel / AA

بعد عقد من الفوضى التي ضربت الشؤون الحكومية والاضطرابات الاقتصادية، خيب النظام السياسي آمال الشباب التونسي، مما أدى إلى شعورهم باللامبالاة تجاه السياسات الديمقراطية بعد عام 2011. فقد أبعدتهم عشر سنوات من الحكومات المخيبة للآمال والسياسات العتيقة والجامدة عن الطبقة السياسية في البلاد. وحسب ما بينته الدورة الخامسة من استطلاعات "الباروميتر العربي"، فإن أقل من اثنين من كل عشرة شباب تونسيين (17٪) يقولون إنهم ما زالوا مهتمين بالسياسة.

ومع ذلك، فإن الثقة المتدنية للغاية في الأحزاب السياسية وقلة الاهتمام بالسياسة الحزبية لا تعني عدم الاكتراث بالنشاط السياسي كله. فقد انسحب الشباب التونسي بشكل أساسي من السياسة الرسمية، ليوجه جل أنشطته إلى المجتمع المدني والناشطية الشعبية. وكان الشباب في طليعة الحركات الاجتماعية المهمة، وقاموا بدور أساسي في حملة قيس سعيّد في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وشكَّل المجتمع المدني والشبكات المجتمعية النواة التي انتظم حولها طلاب الجامعات والنشطاء، بجانب الخريجين العاطلين عن العمل. في ذلك الوقت، علق معظم الشباب الكثير من الآمال على الرئيس سعيّد الذي وافقت فكرته عن السياسة التصاعدية (من القاعدة للقمة) هوى لدى الشباب وتوقهم إلى التغيير المنهجي. إذ يرتكز مقترح سعيّد على نقل السلطة إلى البلديات، وتعزيز قدرتها على معالجةِ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في البلاد والاستجابةِ للاحتياجات المحلية، لا سيما احتياجات الشباب.

نقطة التحول في 25 تموز/يوليو: لحظة فاصلة

انتقل الشباب، مرة أخرى، إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة الناس للتجمع في مظاهرات على مستوى البلاد في 25 تموز/يوليو للمطالبة بتغيير جذري، غاضبين من تعامل الحكومة مع جائحة كوفيد-19، إلى جانب الاقتصاد المتدهور، مع عدم وجود ما يشير إلى خروج البلاد من الأزمة الخانقة متعددة المستويات. وأصدر المجلس الأعلى للشباب بياناً في 17 تموز/يوليو دعا فيه إلى الاحتجاج تحت شعار "اخرج، استرد وطنك!"

بعد شهرين من أحداث تموز/يوليو، ظهر التعاطف -والعداء- الأيديولوجي تجاه تصرفات سعيّد بشكل أوضح. ففي الفترة بين أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2021، خرجت أعداد متزايدة من التونسيين إلى الشوارع: البعض يُظهر ولاءه للرئيس، والبعض الآخر لمعارضة استيلائه على السلطة؛ إذ فوض نفسه بالحكم بالمراسيم الرئاسية، بعد أن أصدر المرسوم 117 في 22 أيلول/سبتمبر 2021، مما أدى فعلياً إلى تعليق العمل بمعظم دستور 2014.

وقد برز نشطاء المجتمع المدني والمواطنون بالمئات والآلاف في سلسلة من مسيرات الأحد في وسط تونس. وشارك الشباب بنشاط في الأسابيع التي أعقبت المرسوم 117، من خلال مشاركتهم في أعمال الاحتجاج، أو رفع مستوى الوعي بين أقرانهم، أو الإدلاء بتصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي.

فقد قسمت قرارات الرئيس التونسي الشعب التونسي إلى فريقين؛ فريق يحتفي بالرجل الذي يسعى لإنقاذ البلاد من أزمتها الثلاثية، الاقتصادية والسياسية والصحية؛ وفريق يتهمه بانتهاك الدستور ويحذرون من تهديد الديمقراطية.

لا مجال للتراجع: الحاجة إلى تغيير جذري

ينظر الشباب التونسي الذي أشاد بأحداث تموز/يوليو إلى المبادرة الرئاسية المفاجئة على أنها شيء "مشروع" و"ضروري"، لأنها جاءت استجابة لإرادة الشعب لمعالجة الشلل السياسي المستمر. فبالنسبة لمنال بن عمار -وهي طالبة جامعية من القيروان، تبلغ من العمر 26 عاماً، قامت بحملات توعية لصالح إجراءات سعيّد- لم تبدأ الديمقراطية التونسية إلا بعد 25 تموز/يوليو، حيث لقيت مخاوف الناس آذاناً صاغية.1مقابلة مع منال بن عمار، القيروان، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

وبالمثل، يعتقد خليل عباس -33 عاماً، باحث في علم الاجتماع وناشط في المجتمع المدني منذ فترة طويلة، من جبنيانة، في ولاية صفاقس، ويعيش في تونس العاصمة- أن خطوات 25 تموز/يوليو عكست ما كانت تطالب به غالبية السكان وسط موجة من الغضب الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد.2مقابلة مع خليل عباس، تونس العاصمة، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

ويريد كل من منال وخليل، كالعديد من أقرانهم، رؤية إصلاح شامل للنظام السياسي في البلاد، لأنه نظام خذل التونسيين لمدة 10 سنوات، بوضعه السلطة في يد أحزاب سياسية لا تعرف سوى "المنطق الحزبي" الذي يركز على حصد الأصوات بدلاً من معالجة القضايا الوطنية الملحة. وشجب خليل ذلك الوضع، قائلاً إن "الطبقة السياسية والنظام الذي حكمنا طيلة العقد الماضي هما سبب كل المشاكل التي نعيشها اليوم".

وقد اكتسب النقد المتمثل في المشاعر المعادية للنظام -لا سيّما العداء تجاه الأحزاب السياسية- شعبية متزايدة بين الشباب التونسي، بالتوازي مع معارضة الرئيس المعروفة للنظام القائم على الأحزاب. وتظهر الاستطلاعات أن 9٪ فقط من الشعب يثقون بالأحزاب السياسية، و15٪ فقط يثقون بالبرلمان. بل إن هذه النسب أقل بين الشباب؛ حيث هناك 69٪ من الشباب يؤكدون أنهم لا يثقون بالأحزاب السياسية.

وطالب المتظاهرون الشباب -الذين يدين الرئيس بشعبيته لهم- في 25 تموز/يوليو بحل المجلس التشريعي، وهاجموا بعنف المكاتب الإقليمية لحزب النهضة الإسلامي، وهو أكبر قوة سياسية في البرلمان المُعلَّق الآن. وألقوا تبعة الوضع الكارثي للبلاد على الأحزاب الحاكمة.

بالإضافة إلى ذلك، أدت المناقشات الفوضوية في مجلس النواب فضلاً عن الجدل السياسي الدائم بين ائتلاف الكرامة المتشدد وعبير موسِّي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، إلى تقليص قيمة الديمقراطية البرلمانية بين الشباب.

في حين تحول البرلمان إلى ساحة معركة شهدت تصاعد الخلافات والاعتداءات الجسدية في الآونة الأخيرة. فقد ضربت الهيئة المنتخبة التي ينبغي أن تمثل المواطنين مثالاً سيئاً، وهو ما برر تعليق عمل البرلمان من وجهة نظر العديد من الشباب المؤيدين للقرارات 25 تموز/يوليو.

يرى حسام جبيلي، 28 عاماً، وهو مترجم فوري وتحريري مستقل من مدينة باجة، أنه كان من الضروري أن يبادر قائد بتولي زمام الأمور نظراً إلى ما يشهده البرلمان من انقسامات وعدم القدرة على الاستمرار في العمل بهذا الأداء المختل.3مقابلة مع حسام جبيلي، القيروان، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

ووفقاً لما ذكرته خولة سليتي، 26 عاماً، وهي طبيبة أسنان وناشطة من معتمدية سيدي حسين وتعيش في تونس العاصمة، فإن الوضع السابق "لا يطاق"، مما يتطلب تدخلاً قوياً.4مقابلة مع خولة سليتي، تونس العاصمة، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

يتبنى محمد سليمية، 30 عاماً، وهو مدير دار أرابيسك للنشر، ويشارك في العديد من الجمعيات الشعبية في منطقته ذات الطبقة العاملة معتمدية حي التضامن في ضواحي تونس العاصمة، ضرورة تغيير النظام السياسي بشكل جذري.5مقابلة مع محمد سليمية، تونس العاصمة، في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021. فقد انضم إلى الاحتجاجات المؤيدة للرئيس سعيّد، في أعقاب نزوله إلى الشارع في 25 تموز/يوليو، ونشط على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المناقشات مع الشباب الآخرين. ويرى أن السنوات 10 الماضية لم تجلب أي تغييرات ملموسة، ولا يزال الوضع على ما هو عليه، مع استمرار الساسة الفاسدون في "شراء" مقاعد في البرلمان. وبحسب قوله، "لقد أنهى قيس سعيّد هذا النمط، واستعدنا بعض الأمل الذي فقدناه بعد عام 2011. هذا ما يهم".

في حين تعتقد صفاء غابي، 24 عاماً، وهي طالبة في كلية الحقوق من مدينة القيروان، وعضوة سابقة في "الاتحاد العام لطلبة تونس" (UGET)، ذي التوجه اليساري، أن الخطوة المفاجئة التي اتخذها سعيّد في تموز/يوليو كانت لها ما يبررها في ظل غياب الدولة القوية والتقاعس من جانب الأحزاب.6مقابلة مع صفاء غابي، القيروان، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021. قالت غابي، "نحن لا نثق بالمؤسسات العامة، والأحزاب السياسية لم تفعل شيئاً"، مُشيرةً إلى تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتدهور الخدمات العامة، وحالة الطوارئ الصحية العامة التي لم يسبق لها مثيل التي واجهتها تونس حتى الصيف الماضي، وخاصة في منطقة القيروان. وقد شاركت الطالبة في كلية الحقوق في النشاطات التي قام بها الشباب دعماً للقرارات التي اتخذها الرئيس في 25 تموز/يوليو. وترى أن أعضاء البرلمان والسياسيين هم المسؤولون الرئيسيون عن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهذا من وجهة نظرها يضفي الشرعية على استمرار تعليق عمل البرلمان.

إيقاف حكم الرجل الواحد: العودة إلى الديمقراطية

في المقابل، يزعم الشباب التونسيون الذين عارضوا استحواذ الرئيس على السلطة أن سعيّد تصرف خارج الإطار الدستوري بإقدامه على تعليق عمل البرلمان ووقف العمل بالدستور بالكامل تقريباً. فضلاً عن أنهم يثيرون المخاوف بشأن "النظام الجديد" الذي يحتكر بموجبه رئيس الدولة السلطة شبه المطلقة على حساب سلطة البرلمان.

ترى عزيزة الهيشري، 34 عاماً، وهي مستشارة في بلدية القيروان وعضوة في حركة مجتمعية تسمى "مواطنون ضد الانقلاب"، أن القرارات التي اتخذها سعيّد منذ تموز/يوليو "غير قانونية" ولا مبرر لها لأن تعليق عمل البرلمان فجأة والاستعانة بوحدات الجيش لإغلاق مبنى مجلس النواب أمر "غير مقبول".7مقابلة مع عزيزة الهيشري، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

مريم بن علي هي ناشطة في المجتمع المدني في مدينة القيروان تبلغ من العمر 29 عاماً ومنسقة مشاريع في المنظمة غير الحكومية التونسية "نحن نبدأ" والتي ترتكز مهمتها على تحسين أوضاع الفئات الضعيفة من الشباب من خلال المشاركة المدنية والتكامل الاجتماعي والاقتصادي. وهي تعارض الإجراءات التي اتخذها الرئيس وترفض تركيز السلطة بين يديه باعتبارها عودة إلى حكم الرجل الواحد.8مقابلة مع مريم بن علي، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

بينما أشار صابر سيلمي، 36 عاماً، وهو فني كهربائي مؤهل يعمل في القطاع الخاص من مدينة فوسانة [في ولاية القصرين]، وشارك سابقاً في مؤسسة التثقيف السياسي، "مؤسسة روزا لوكسمبورغ"، إلى أنه لا توجد رقابة حقيقية متصورة على سلطة الرئيس، في الوقت الذي لا يُمثل فيه البرلمان سوى جزء ضئيل من هذه الرقابة.9مقابلة مع صابر سيلمي، فوسانة، في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021. ويرى سيلمي أن مثل هذا النظام من شأنه أن يتسبب في اختلال ميزان القوى يؤدي إلى حالة من الجمود على المستويات الإقليمية والبلدية، على غرار ما شهده البرلمان.

يخشى بعض الشباب المعروف عنهم معارضتهم للإجراءات التي اتخذها سعيّد أن يتعرض بلدهم إلى انحراف استبدادي وأن تتراجع الحريات تماماً.

أشارت عضوة المجلس البلدي، عزيزة الهيشري، إلى اللجوء للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين والملاحقة القضائية لانتقاد الرئيس على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اتهمت محكمة عسكرية المدون سليم الجبالي بإهانة الرئيس بعد أن نشر على صفحته على فيسبوك منشورات تنتقد أداء الرئاسة وكبار مسؤوليها. وفي تموز/يوليو 2021، خضع أيضاً عضو البرلمان المستقل ياسين العياري للمحاكمة أمام محكمة عسكرية بتهمة التشهير بسعيّد. وهو معروف بانتقاده الجيش والحكومة التونسية وتحقيقاته في قضايا الفساد.

انتقد ثامر العويني، 23 عاماً، من مدينة فوشانة في ولاية بن عروس جنوب تونس العاصمة، وهو عضو في "الاتحاد العام التونسي للطلبة" (UGTE)،10يجمع "الاتحاد العام التونسي للطلبة"، الذي أسسه الطلاب الإسلاميون في عام 1985، اليوم بين شباب حركة النهضة والشباب السلفيين فضلاً عن بعض المستقلين. ذي التوجه اليميني، بعضَ انتهاكات الحقوق التي شوهدت في المراحل المبكرة التي أعقبت استحواذ سعيّد على السلطة، مثل أوامر الإقامة الجبرية ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.11مقابلة مع ثامر العويني، تونس العاصمة، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021. يقول العويني، "طوال فترة كبيرة من شبابنا تعلمنا كيف نعيش أحراراً، ثم بعد 10 سنوات أصبحت في وضع أشعر فيه أنني سأحرم من هذه الحرية". وقد شارك في جهود التعبئة ضد قرارات 25 تموز/يوليو منذ اليوم التالي مباشرةً من خلال نشر منشورات نقدية ودعوة الناس إلى الاحتجاج.

تردد بشأن ما سيحدث

عبر كثيرون عن تشككِهم بشأن الاستراتيجية السياسية العامة التي يتبناها رئيس الدولة، وما إذا كان ذلك سيؤدي لِتغيير النظام، وتشككِهم أيضاً بشأن كيفية خروج الرئيس من الأزمة.

فقد قالت الناشطة في المجتمع المدني، مريم بن علي، إنها تشعر بعدم الارتياح إزاء عدم وجود رؤية واضحة لدى سعيّد، والاتصالات الغامضة التي يجريها.

وبالمثل، أشارت أحلام الصيّاح -وهي طالبة مقيمة في مدينة القيروان، وعضو نشط في الغرفة الاقتصادية الشبابية في تونس، تبلغ من العمر 23 عاماً- إلى الغموض الذي يكتنف خطاب سعيّد وخططه المستقبلية.12مقابلة مع أحلام الصياح، في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021. وكانت أحلام من ملايين الشباب التونسي الذين صوتوا لِقيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية عام 2019، لكنها اليوم أصبحت تعارض قراراته بشدة.

وعلى الرغم من دعم حسام جبيلي للإجراءات التي اتخذها الرئيس منذ تموز/يوليو، لديه اليوم تحفظات فيما يتعلق بالمنحى الذي يتخذه مستقبل البلاد، نظراً لأسلوب عمل سعيّد "الذي لا يمكن التنبؤ به"، إضافةً إلى استراتيجيته المبهمة لإخراج تونس خلال الأشهر المقبلة من حالة الجمود التي تمر بها.

أما محمد سليمية، وعلى الرغم من دعمه لمسار العمل في مرحلة ما بعد 25 تموز/يوليو، فقد أقر أيضاً أن الرئيس لم يفصح سوى عن القليل من التفاصيل بشأن رؤيته الأوسع.

لقد قاد الشباب التونسي -الذين عانى من الحرمان بسبب السياسات المُتّبعة تجاهه- ثورة 2011، إذ كانت مستويات البطالة المرتفعة والتهميش وسوء الأحوال المعيشية من بين الأسباب الجذرية لانتفاضتهم آنذاك. واليوم، لا تزال الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي طالب بها الشباب منذ ذلك الحين هي ذاتها، معربين عن إحباطهم من الجانب الاقتصادي، بسبب عدم وفاء الطبقة السياسية في مرحلة ما بعد الثورة بوعودها.

وقال الشباب الرافضون لقرارات الرئيس إنهم يعتقدون أنه ليس في إمكان الحكومة التي عيّنها سعيّد إحداث نقلة اقتصادية.

يعمل حسنين بركاوي (32 عاماً)، أستاذاً نائباً للاقتصاد والأعمال بمدينة فوسانة في ولاية القصرين، ورئيساً لفرع جمعية "حومتنا" في فوسانة، وهي جمعية تونسية معنية بتعزيز مشاركة الشباب في الحياة المدنية والاجتماعية والثقافية. لا يثق بركاوي في قدرة أيّ من رئيس الدولة أو رئيسة الحكومة الجديدة على إدارة الأزمة الاقتصادية؛ نظراً لأنّ أيّاً منهما لا يملك خلفية اقتصادية أو يتمتع بخبرة في أيّ مجال ذي صلة.13مقابلة مع حسنين بركاوي، فوسانة، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

منذ مشاركة بركاوي في الثورة، انخرط بفاعلية في الحركات الاجتماعية دون أن يكون لديه أيّ توجه سياسي على الإطلاق. وقال بركاوي "كل ما يهمني هو تطوير بلدي وزيادة التوظيف"، مشيراً إلى أن انعدام فرص العمل، وتردي البنية التحتية العمومية هما أكبر المشاكل التي تواجهها البلاد بالنسبة له. وقال محذراً إنه إذا فشلت الإدارة الحالية في تحقيق إنجازات على هاتين الجبهتين، فإن الشعب التونسي سيكون مستعداً للانتفاض مجدداً. وأضاف أن إحدى القضايا الخاصة بفوسانة تحديداً تتمثل في "عدم وجود سلطة إقليمية" تعنى بالمسائل التي تهم الناس في البلدة، إلى جانب أن "مركز البلدية ضعيف للغاية"، وهو ما يعني أن جمعية "حومتنا" عادة ما تذهب إلى مسؤولي البلدية لطرح المسائل التي يجب اتخاذ إجراء بشأنها.

أما فيصل المويلحي (35 عاماً) -ناظر مدرسة وعضو نشط في المجتمع المدني بفوسانة، وأحد مؤسسي جمعية "حومتنا" ومنسقها الإقليمي- فلديه آمال ضعيفة في إمكانية تصحيح المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية السلبية في تونس وعكس المسار في ظل الحكومة الحالية.14مقابلة مع فيصل المويلحي، فوسانة، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021. فمن وجهة نظره، لم تُسقِط احتجاجات 2011 النظام كلياً، بل أدت بالأحرى إلى استمرار بقايا من عهد بن علي في أماكنها. وقال المويلحي: "أُعيد توجيه النظام، ولم يتم تغييره، ولا يزال هذا النظام يواصل عمله إلى اليوم. وقيس سعيّد جزء منه أيضاً"، مضيفاً أن النظام ذاته تمرد على نفسه في 25 تموز/يوليو باعتباره المسؤول الوحيد عن أزمات البلد.

أما هؤلاء الشباب الذين يرحبون بخطوات سعيّد فإنهم يثقون في قدرة الرئيس على تولي زمام الأمور، بما في ذلك الملف الاقتصادي.

فقد أكد محمد سليمية -الذي نشأ في معتمدية حي التضامن- أنه بعد عقد من الجمود، فإن الأمر يستحق المخاطرة مع قيس سعيّد. مشيراً إلى أن تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي سوف يسمح بتحمل كيان واحد فقط المسؤولية عن الإجراءات التي يجري اتخاذها، وسوف يساعد في إنعاش الاقتصاد.

ظل عصام بركاوي (34 عاماً) -وهو مدرس لغة فرنسية في مدينة فوسانة التي ينحدر منها- دون عملٍ فعلياً منذ تخرجه في مطلع عام 2011، تزامناً مع اندلاع الثورة التي شارك فيها. وقال عصام "كانت ثورة على الاستبداد والتهميش. خاصة لنا نحن أبناء القصرين والمناطق الأخرى التي بقيت منسية لفترة طويلة".15مقابلة مع عصام بركاوي، فوسانة، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021. وبعد عشر سنوات، لم يطرأ أي تغيير إيجابي على حياته، بل إن الوضع العام يزداد سوءاً. لكنه يرى أن "في إمكان الرئيس إنقاذ البلاد"، وإن كان يتوقع أن تحاول قوى سياسية أخرى عرقلة عمله.

وتأمل صفاء غابي -العضو السابق في "الاتحاد العام لطلبة تونس"- أن تنجح الحكومة الجديدة التي عيّنها قيس سعيّد -بفضل تشكُّلها من مجموعة مختارة من الكفاءات- في حل مشاكل البلاد الاقتصادية. لكنها قالت إن قيس سعيّد -أو أيّ شخص غيره في السلطة- سيظل خاضعاً لِرقابة المؤسسات الوطنية، وعليه الاستجابة للمطالب الشعبية. وقالت "لا أحد لديه تفويض مطلق، سيكون هناك دائماً رقابة من الشعب التونسي".

كانت الحكومة، بقيادة رئيسة الوزراء نجلاء بودن، تتفاوض مع صندق النقد الدولي بشأن خطة مساعدة بقيمة 4 مليارات دولار، من شأنها أن تسمح لتونس بضخّ السيولة في الاقتصاد. وقالت سلطات البلاد إنها متفائلة بخصوص تأمين اتفاقية مع نهاية هذا الربع من العام. وتضمَّن مشروع الميزانية الوطنية المُعلَن في كانون الأول/ديسمبر الماضي زيادةً مُقرَّرة في أسعار الوقود والكهرباء، وتجميد أجور القطاع العام، وفرض ضرائب جديدة قبل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وانتقد بعض الشباب عمل الرئيس بأسلوب منفرد، معتبرين ذلك ضاراً بتونس، ليس فقط على الجبهة المحلية، ولكن على الجبهة الخارجية أيضاً.

وانتقد حسنين بركاوي رئيس الدولة لعمله منفرداً دون التشاور مع الجهات الفاعلة الرئيسة في المجتمع، ولامه على عزل تونس على الساحة الدولية.

وأعربت الناشطة الطلابية أحلام الصيّاح عن قلقها من اتخاذ سعيّد القرارات بصورة أحادية، وقالت إن ذلك يمكن أن يُعرّض العلاقات الدبلوماسية للخطر ويحدّ من الاستثمار الأجنبي

أما أميمة صغيني، 21 عاماً، وهي عضو آخر في "الاتحاد العام التونسي للطلبة" بمدينة فوشانة، وكانت من منظمي المظاهرات المناهضة لسعيّد، فقد أعربت عن قلقها من أن أبرز الشركاء الخارجيين الحاليين للدولة، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قد يُوقفوا تمويل المشروعات، وقد تُغلق بعض المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج والعاملة في البلاد.

وقد عبَّر بعض الشباب التونسي، الذين اختاروا إعطاء سعيّد فرصةً، عن قلقهم من أن المعارضين من داخل الطبقة السياسية الحاكمة قد يعيقوا الطريق أمامهم.

وقالت الطالبة منال بن عمار إنها متفائلة، بشكل أساسي، إلا إذا قام المعارضون -مدفوعين بمخاوف حزبية، بعرقلة جهود الحكومة لمعالجة الأولويات، مثل محاربة الفساد وإصلاح المالية العامة.

أما بالنسبة إلى خولة سليتي، فالمشكلة الأساسية تكمن في الطبقة السياسية القديمة، التي أُزيحت جانباً الآن، والتي قد تفكر في "استعادة النظام" أو استرداد امتيازاتها من خلال محاولة العودة، مستغلةً تأثير الإخلال بالعملية التي بدأت في 25 تمّوز/يوليو.

سأم من سوء الإدارة، في انتظار رؤية النتائج

لقد سئم العديد من المواطنين الشباب من سوء تعامُل الحكومة السابقة مع الأزمات المتعددة وأعمال الكسب غير المشروع الممنهجة. ومنذ حملة قيس سعيّد الانتخابية في العام 2019، وظف الرجل الحرب ضد الفساد في خطاباته العامة. وبعد وصوله إلى السلطة، أطلق القائد التونسي حملة شاملة لمكافحة الفساد، تتعهد بمحاربة السياسيين ورجال الأعمال والمسؤولين القضائيين الفاسدين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أقال الرئيس سعيّد عدداً من الولاة في أنحاء البلاد، في قضية فساد بارزة. وفي مطلع كانون الثاني/يناير من العام الجاري، أعلنت محكمة في تونس العاصمة محاكَمة 19 مسؤولاً سياسياً بارزاً بسبب مخالفات انتخابية مزعومة.

ويأمل الشباب، الذي تعرض لِتهميش النخبة السياسية وفسادها الظاهر، أن ينجح الرئيس في مكافحة الفساد كما وعد، على الرغم من أن البعض منهم لديه تحفظات بشأن نتيجة مهمته تلك.

ويتوقّع حسام جبيلي أنه سيصطدم بعقبات هائلة عند شنّ حربه على الفساد. قائلاً "في العام 2011 لم نُسقط النظام القديم تمامًا، ولا يزال موجودًا، والفساد متفشٍّ ومتجذر بعمق على المستوى الوطني. وهذا أمر لا يمكن لقيس سعيّد تغييره بين عشية وضحاها".

ويشكّ فيصل المويلحي في أن الرئيس سينجح بشكل فعال في وضع حد لنظام الحكم الفاسد في البلاد، واستعادة مليارات الدولارات التي نهبها رجال الأعمال والمسؤولين الفاسدين الذين يخدمون أنفسهم.

وفي أعقاب تدخل سعيّد في 25 تموز/يوليو، اقترح خطة تسوية لاستعادة 13.5 مليار دينار تونسي (4.8 مليار دولار) من الأموال العامة. ومن خلال المصالحة الجنائية، فإن رجال الأعمال الذين سرقوا الأموال من خلال التهرب الضريبي والاحتيال أمام خيارَين: إما أن يواجهوا عقوبة السجن أو أن يُعيدوا الأموال عن طريق استثمارات لا تسعى للربح (أي المشافي والمدارس والبنية التحتية في المناطق المحرومة).

خاتمة

بعد أكثر من عامين على فوز قيس سعيّد بالانتخابات، ينتظر الناس التغيير الموعود بمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والتطوير للمناطق الداخلية المهمَّشة في البلاد. فالمشكلات المزمنة، مثل الانهيار الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتراجع مستويات المعيشة، كلّها قد بقيت وتفاقَمت نتيجة وباء كورونا. ولا تزال التوترات السياسية قائمة، بشكل يعوق الحكم الفعّال ويؤثر على قدرة الحكومة على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ويواصل كثير من الشباب التونسي الاحتشاد خلف سعيّد، ويرون في انتخابه سلسلة متصلة في العملية الطويلة نحو التغيير، التي بدأت خلال الثورة.

غير أن هناك آخرين أصابهم الإحباط من أداء الرئيس، ويرقبون بحذرٍ تنفيذه لِأجندته. ويرون في الأحزاب السياسية تهديداً قد يؤدي إلى عرقلة جهوده واستعادة توازن القوى لإدامة النظام السياسي الحالي، نظراً للمقاومة الشرسة التي تبديها الطبقة الحاكمة ضد التغيير.

يبدو الرئيس سعيّد غريباً، إذ ليس لديه حزب سياسي ولا نفوذ كافٍ، وهذا يضعف قدرته على إحداث تحوُّل في النظام من الداخل، ويضعف أيضًا من قدرة الحكومة على الوفاء بالوعود التي قطعتها للشعب.

ولكن بغضّ النظر عمّا يحمله المستقبل للبلاد في نظام سعيّد الجديد، أثبت الشباب التونسي، كما فعل في 2011، أنهم يريدون تغييراً حقيقياً، ويمكنهم أن يقودوا الحراك الشعبيّ للدفع نحو هذا التغيير.

Endnotes

Endnotes
1 مقابلة مع منال بن عمار، القيروان، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
2 مقابلة مع خليل عباس، تونس العاصمة، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
3 مقابلة مع حسام جبيلي، القيروان، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
4 مقابلة مع خولة سليتي، تونس العاصمة، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
5 مقابلة مع محمد سليمية، تونس العاصمة، في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
6 مقابلة مع صفاء غابي، القيروان، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
7 مقابلة مع عزيزة الهيشري، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
8 مقابلة مع مريم بن علي، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
9 مقابلة مع صابر سيلمي، فوسانة، في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
10 يجمع "الاتحاد العام التونسي للطلبة"، الذي أسسه الطلاب الإسلاميون في عام 1985، اليوم بين شباب حركة النهضة والشباب السلفيين فضلاً عن بعض المستقلين.
11 مقابلة مع ثامر العويني، تونس العاصمة، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
12 مقابلة مع أحلام الصياح، في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
13 مقابلة مع حسنين بركاوي، فوسانة، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
14 مقابلة مع فيصل المويلحي، فوسانة، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
15 مقابلة مع عصام بركاوي، فوسانة، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.