تونس: التهميش الاجتماعي الاقتصادي في تطاوين يُشكّل قنبلة موقوتة

رغم أن تطاوين تزخر بالنفط والغاز، لا تزال هذه الولاية التي تقع في جنوب تونس تعاني من التخلف والتهميش الشديدين، الأمر الذي دفع سكانها مراراً وتكراراً إلى الاحتجاج للمطالبة بإعادة استثمار ثرواتها في تعزيز البنية التحتية وتوفير فرص عمل محلية. تدرس هذه الورقة البحثية الدوافع الأساسية الكامنة وراء الاضطرابات المتواصلة في ولاية تطاوين، ورد الفعل العنيف من جانب قوات الأمن، والتعهدات التي لم تفِ بها الحكومات التونسية المتعاقبة بالتصدي للتهميش الاجتماعي الاقتصادي الذي تعاني منه المنطقة.

متظاهرون داخل موقع لإنتاج النفط ضمن احتجاج ضد البطالة في منطقة الكامور في تطاوين، تونس، 16 يوليو/تموز 2020. © AA/ناصر طالل

 بعد مضي أسابيع من الاعتصامات وأيام من الاحتجاجات الغاضبة، ساد هدوء مشوب بالتوتر في ولاية تطاوين الواقعة في أقصى الجنوب التونسي. فقد استأنف شباب المنطقة حركتهم الاحتجاجية في حزيران/يونيو بسبب عدم وفاء الحكومة بالتزامها بتنفيذ اتفاق كانت قد تعهدت به عام 2017 لتوفير فرص عمل للشباب في شركات النفط والاستثمار في البنية التحتية. ونصب المحتجون طوال أسابيع خيماً في مناطق من ولاية تطاوين أمام مبنى المحافظة ومقرات الوفود المختلفة، وكذلك في عدة مقاطعات، وقطعوا الطريق لمنع وصول الشاحنات الناقلة التابعة للشركات التي تستثمر في استخراج النفط والغاز إلى محطة الضخ في منطقة الكامور التي تبعد 100 كيلومتر عن الولاية المهمشة في الصحراء.

ترأس رئيس الوزراء التونسي إلياس الفخفاخ اجتماعاً وزارياً في 22 حزيران/يونيو للنظر في الوضع في تطاوين بعد تصاعد التوترات بين قوات الأمن والمحتجين. وبعد أربعة أيام، عقدت الحكومة جلسة عمل خاصة لبحث سبل تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمتظاهرين، وأعلنت في الأول من تموز/يوليو عن إجراءات جديدة قالت إنها ستُتخذ لمعالجة هذا الوضع. ولا يزال الشباب العاطل عن العمل في تطاوين ينتظرون نتائج ملموسة، إلا أن تلك الموجة الأخيرة من الاضطرابات الاجتماعية بمثابة تذكير بأن التوترات قد تندلع مرة أخرى في أي وقت إذا استمرت الحكومة في خذلان هؤلاء الشباب.

تدرس هذه الورقة البحثية هذه الاضطرابات الأخيرة في تطاوين، والدوافع الأساسية الكامنة ورائها، ورد الفعل العنيف من جانب قوات الأمن، والتهميش القائم منذ أمد طويل للمنطقة الجنوبية، وتبحث في تقاعس الحكومات المتعاقبة في مرحلة ما بعد الثورة عن التصدي للعلل الاجتماعية الاقتصادية في الجنوب.

مطالب طويلة الأمد في مقابل تعهدات حكومية كاذبة

تأتي الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت الشوارع امتداداً للحركة التي اندلعت عام 2017 وحاصرت محطة ضخ البترول في منطقة الكامور، وطالبت بالتنمية وتمكين المنطقة من الاستفادة من عائدات النفط والغاز الطبيعي. فقد طالب المعتصمون بإعادة استثمار 20% من هذه العائدات في الإنفاق العام ومشاريع البنية التحتية في ولاية تطاوين. وبعد ثلاثة أشهر من الضغط، انتهى الاعتصام في 16 حزيران/يونيو 2017 بعد توقيع اتفاق، بوساطة من الاتحاد العام التونسي للشغل، بين ممثلي المعتصمين من تنسيقيّة اعتصام الكامور والحكومة.

من بين النقاط الرئيسية التي نص عليها الاتفاق أن شركات البترول التي لديها تصاريح سارية للتنقيب أو للحفر داخل المنطقة سوف تتعهد بتشغيل 1,500 شاب عاطل عن العمل من أهالي المنطقة، بالإضافة إلى تشغيل 1,500 من الأيدي العاملة بشركة البيئة والغراسة والبستنة بتطاوين خلال عامي 2018 و2019. كما شمل الاتفاق أيضاً تخصيص مبلغ 80 مليون دينار تونسي سنوياً (حوالي 28 مليون دولار أميركي) لصندوق خاص للتنمية والاستثمار بمنطقة تطاوين.

لا زال أهالي تطاوين يشكون حتى الآن من أن الإجراء الوحيد الذي اتُخذ هو تقديم 2,500 وظيفة داخل شركة البيئة من أصل 3,000 فرصة عمل للشباب العاطل في المنطقة التي نص عليها الاتفاق. بينما لم تلتزم شركات البترول حتى الآن بدورها في الاتفاق، ولم توظف أي شخص من أهالي المنطقة.

في ظل غياب التنمية الاقتصادية المحلية الحقيقية في أقصى الجنوب التونسي، يطالب الشباب العاطل عن العمل بتنفيذ كافة الشروط التي نص عليها اتفاق عام  2017 بعد مضي ثلاثة أعوام من توقيعه. فقد بدأت الحركة الاحتجاجية تنشط من جديد في أوائل هذا العام ولكنها اضطرت إلى وقف أنشطتها في منتصف آذار/مارس بسبب إجراءات الإغلاق التي شهدتها جميع أنحاء البلاد للحد من تفشي وباء كوفيد-19. لكن إسماعيل حرابي، أحد ممثلي تنسيقيّة اعتصام الكامور المؤثرين، يؤكد على أن المتظاهرين قد منحوا الحكومة بالفعل "الفرصة" للوفاء بوعودها الكاذبة قبل أن ينتشر الوباء في البلاد، لذا انطلقوا مجدداً إلى الشوارع مع بدء تخفيف إجراءات الإغلاق، بعد أن لم يشهدوا أي تحرك من جانب السلطة التنفيذية.1مقابلة مع إسماعيل حرابي، 24 حزيران/يونيو 2020

تميزت حركة الكامور منذ انطلاقها بأنها قوة مستقلة سياسياً، ذات نهج لا مركزي قائم على المشاركة، ومطالب ملموسة تتعلق بتوفير فرص العمل وتحقيق التنمية، فضلاً عن أن معظم المشاركين في الاعتصام هم من الشباب الذين يطالبون أساساً بتوفير الوظائف. وفي حين ينسق ثمانية من قادة الاحتجاجات مختلف الوفود في جميع أنحاء ولاية تطاوين، فإن الحركة تتجنب وجود هيكل قيادي هرمي لها.

قال ضو الغول، المنسق العام لاعتصام الكامور، إن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت الشهر الماضي ليست سوى الخطوة الأولى في عملية طويلة تهدف إلى الضغط على السلطات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ اتفاق عام 2017. وأشار إلى أن اللحظة الراهنة "حاسمة "، وأن نشطاء اعتصام الكامور لن يتركوا الأمر يمضي سدى، وسيظلون يقظين طيلة تنفيذ الاتفاق لضمان تنفيذ كل بند من بنوده.2مقابلة مع ضو الغول، 25 حزيران/يونيو 2020

اقترح رئيس بلدية تطاوين بوبكر صويد، الذي انتُخب عام 2018 على قائمة مرشحي حزب النهضة للانتخابات البلدية، أن تخصص الدولة أموالاً لإيجاد فرص عمل للشباب العاطل عن العمل وأن تستحدث وسائل تتسم بالمرونة لتسهيل الحصول على مثل هذا التمويل.3مقابلة مع بوبكر صويد، 25 حزيران/يونيو 2020 وشدد على ضرورة أن تقدم الحكومة حلولاً ملموسة بدلاً من ترك الأمور على ما هي عليه "إلى أن تنفجر الأوضاع من جديد". وفي حين قام المجلس المحلي المنتخب عام 2018 بدور بالغ الأهمية في إيصال صوت المحتجين من خلال توفير منصة لهم لعقد الاجتماعات داخل مبنى المجلس والمشاركة في المفاوضات مع الحكومة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لمنع اندلاع الاحتجاجات مجدداً.

وأصدر حزب النهضة، وكذلك حزب الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري الممثلان في مجلس نواب الشعب التونسي، مؤخراً في 22 حزيران/يونيو بيانات نددوا فيها بالقوة المفرطة التي تستخدمها القوات الأمنية وناشدوا المتظاهرين بالتزام السلمية لتجنب ما وصفوه بـ"التلاعب السياسي". وطالبت البيانات أيضاً بإيفاء الحكومة بكافة وعودها التي تعهدت بها عام 2017.

قوات الشرطة تقمع الاحتجاجات بعنف

كانت مظاهرات حزيران/يونيو سلمية بدرجةٍ كبيرة إلى أن أُلقي القبض على الناطق الرسمي باسم اعتصام "الكامور" طارق الحداد، في ليلة 20 حزيران/يونيو. احتشد المحتجون في اليوم التالي للمطالبة بإطلاق سراحه وقالوا إنهم لن يجروا أيّة مفاوضات مع الحكومة إلى أن يُطلق سراح الحداد.

وفي ساعات مبكرة من يوم 21 حزيران/يونيو، تدخلت الوحدات الأمنية بأعداد غفيرة لإزالة خيام الاعتصام الواقعة عند المدخل الشمالي لمدينة تطاوين واستخدمت بكثافة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين قيل أنهم رشقوا القوات بالحجارة وقطعوا الطرق. وألقي القبض على عشرة نشطاء آخرين بعد مواجهات مع قوات الأمن.

دافعت وزارة الداخلية عن الإجراءات المتخذة من طرف الوحدات الأمنية في بيانٍ قالت فيه إن مجموعة من المحتجين "حاولت الاعتداء على المجمع الأمني في المنطقة بواسطة الزجاجات الحارقة (مولوتوف)". وقد دافع أيضاً عادل الورغي، والي تطاوين، عن لجوء الوحدات للقوة وانتقد تصرفات المعتصمين وعمليات غلق الطرقات ووصفها بـ"الخارجة عن القانون".

بين يومي 20 و22 حزيران/يونيو، شهدت شوارع تطاوين التي لم تهدأ على مدار 72 ساعة اشتباكات بين المحتجين الذين يرشقون الحجارة -مع إلقاء أيضاً إحدى المجموعات المولوتوف- وقوات الشرطة التي ضربتهم بعنفٍ وأطلقت عدد كبير من قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشود الغاضبة. وأفاد شهود عيان من أهالي المنطقة أن قنابل الغاز أُطلقت بكثافة في منطقة وسط المدينة بل ودخل بعضها إلى عدة منازل، مع الإبلاغ عن حالات مصابة بالاختناق في المستشفى المركزي بالولاية، في مشاهد من العنف الموجه للمحتجين لم ترَ تونس مثيلاً لها منذ سنوات.

خلال الأيام التي أعقبت المناوشات، كان مشهد الشباب الذين يضعون ضمادات على أذرعهم أو أرجلهم أو المصابين بكدمات في أجسادهم معتاداً في المدينة.

واستنكر فرع "الاتحاد العام التونسي للشغل" في تطاوين "استخدام القوة بصورة مفرطة وغير مبررة" في مواجهة المحتجين.

هاجم الشباب المحليون الشرطة بسبب تعاملها "العنيف دون سبب" مع الاحتجاجات التي يقودها اعتصام الكامور والمعروفة بأنها غير عدوانية وتتسق مع الطبيعة السلمية لفكرة تأسيس الحراك. وقد أغضبهم بشكل خاص ما اعتبروه استخداماً تعسفياً للقوة، لا سيما وأن مطالبهم مشروعة ومنبثقة عن اتفاقية أُبرمت منذ ثلاث سنوات لكن لم يتم تنفيذها حتى اللحظة.

رأى بعض النشطاء أن استخدام الشرطة للقوة المفرطة هو بمثابة محاولة لقمع الحركة الاحتجاجية وإخماد أيّة اضطرابات مستقبلية، وذلك لإدراكهم أن الحكومة المركزية "عاجزة" عن تنفيذ بنود اتفاق الكامور.4مقابلة مع الغول لكن محاولة إسكات المعتصمين تلك قد "باءت بالفشل"، مثلما أشار مراد عبد اللطيف، أحد المؤيدين لاعتصام الكامور.5مقابلة مع مراد عبد اللطيف، 24 حزيران/يونيو 2020

في 22 حزيران/يونيو، رفعت "جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان" المحلية دعوى قضائية على رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووالي تطاوين ورئيس منطقة الأمن العمومي (الشرطة) وأيّ مسؤول آخر "يكشف عنه البحث" تورط في ارتكاب أعمال عنف، أو أمر بتنفيذها، ضد الاحتجاجات "السلمية" في المنطقة.

أدت استجابة الأمن العنيفة إلى زيادة التعاطف مع احتجاجات الكامور بين أهالي تطاوين وانضمام مزيد من الأشخاص إلى المسيرات لدعم الحراك والمطالبة بإطلاق سراح جميع المتظاهرين المحتجزين.

جُرح كثير من المحتجين خلال الاشتباكات الأخيرة. وأُصيب الناشط إسماعيل حرابي في ذراعه واعتبر أن إصابته "ثمن لا بد من دفعه" لمدينته، وأعرب عن أمله في انتصار حملة الكامور في معركتها.6مقابلة مع إسماعيل حرابي

تجمع عدة آلاف من أهالي تطاوين حول المدينة يوم الإفراج عن حداد، في 24 حزيران/يونيو، للاحتفال بإطلاق سراحه.

"اعتصام الكامور باقٍ ومستمر"7تصريح أدلى به طارق الحداد، 24 حزيران/يونيو 2020 ، هكذا تعهد طارق الحداد خلال حديثه لوسائل الإعلام خارج منزله مع تأكيده على تصميم المعتصمين إلى أن تتحقق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية، مع ترديد شعار الحملة "الرخ لا!" (لا استسلام). وفي يوم 26 حزيران/يونيو، تنبأ باستمرار المسيرات السلمية واستئناف الاعتصام إذا تم تجاهل مطالب الحراك مجدداً.

سياسة التجاهل والمماطلة

مع زيادة معدلات البطالة عن المتوسط وتهالك البنية التحتية وتدهور أوضاع القطاع الخاص وافتقاره إلى التطور، تُعد ولاية تطاوين واحدة من أكثر المناطق التونسية تهميشاً رغم أنها من أغنى الولايات من حيث المصادر الطبيعية، لا سيما النفط والغاز. إذ تصل نسبة البطالة بين سكان الولاية الذين يبلغ تعدادهم حوالي 150 ألف نسمة إلى 28,7%، وهي النسبة الأعلى في البلاد، مع زيادة تلك المعدلات بين الشباب بشكلٍ ملحوظ. سجلت الولاية أيضاً واحدة من أعلى نسب البطالة بين الأشخاص ذوي الشهادات على مستوى البلاد، فقد بلغت تلك النسبة 58% عام 2017.

وتدعي مصادر محلية أن عدد الأشخاص المهاجرين إلى الخارج من مدينة تطاوين هو الأعلى بين كافة التونسيين. إذ يضطر شخص واحد على الأقل من كل عائلة إلى الرحيل بسبب نقص الوظائف.

على العكس من المناطق الساحلية، لا تتلقى المدارس في الجنوب الاهتمام الكافي ولا توفر الجامعات في المدن القريبة سوى فرص عمل محدودة لحديثي التخرج. أضف إلى ذلك أن الخدمات العامة في الولاية أقل كفاءة من مثيلاتها في كثير من الولايات الأخرى، خاصة القطاع الصحي الذي يعاني من أوضاعٍ بالغة التدهور. إذ يفتقر المستشفى المركزي في الولاية إلى بعض الأقسام المتخصصة ولا يعمل فيه سوى 11 طبيباً متخصصاً، وهو ما يجعل تطاوين الولاية الأسوأ تجهيزاً فيما يتعلق بالمرافق الصحية، وفقاً لمكتب منظمة "إنترناشونال ألرت" في تونس.

يتناقض مظهر الولاية المحرومة بشكل صارخ مع الثروة المتحصلة من مواردها الطبيعية؛ فالمنطقة غنية بالهيدروكربون (الوقود الحفري) إذ تساهم حقولها بنسبة 40% و20% من إنتاج تونس للنفط والغاز على التوالي.

تستخرج شركات الطاقة الأجنبية التي تقع مقراتها في العاصمة تونس الموارد البترولية من صحراء تطاوين لكن أرباح هذه الموارد تذهب إلى العاصمة ونادراً ما يُعاد استثمارها في المنطقة. لذلك يتهم السكان المحليون الحكومة المركزية والشركات الأجنبية بـ "سرقة" مواردهم الطبيعية.

ونظراً لهذا التفاوت بين حجم الثروة الطبيعية وبين حالة الفقر والحرمان التي تعاني منها المنطقة على أرض الواقع، فلا غرابة في أن تتحول حركة الاحتجاج في هذه المنطقة المحرومة إلى ظاهرة مزمنة بمرور السنين شأنها شأن البطالة التي تعد مشكلة مزمنة منذ سنوات عديدة.

إن مشكلة تهميش تطاوين، والمناطق التونسية الداخلية والجنوبية عموماً، قائمة منذ عقود وتُعد واحدة من العوامل الرئيسية التي أطلقت شرارة ثورة 2010-2011. أكد مراد عرضاوي المنسق المحلي لمكتب منظمة "إنترناشونال ألرت" في ولاية تطاوين على أن هذه المنطقة لم تشهد أي خطة تنمية منذ الاستقلال.8 مقابلة مع مراد عرضاوي بتاريخ 25 يونيو/حزيران 2020. وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على الثورة التي أطاحت بحكم بن علي الاستبدادي، فقد شلت الحكومات المتعاقبة في حل مشكلة الفجوة التنموية بين المدن الساحلية الكبرى والمناطق الداخلية والجنوبية الأقل تقدماً. ولم تقم هذه الحكومات باستثمارات محلية ولم تعتمد سياسات لجعل الولاية أكثر جذباً للمستثمرين. وقد أشار "المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية" في تقرير صدر عام 2018 إلى أن ولاية تطاوين هي المنطقة الأقل جذباً من الناحية الاقتصادية في تونس.

أدت وعود الأحزاب السياسية المختلفة بتحسين الظروف الاقتصادية التي لم ترَ النور إلى زيادة حالة انعدام الثقة في النخب السياسية، وأججت مشاعر الغضب من الدولة لدى الشباب في المنطقة. وقد فاقمت استجابة الأمن القمعية من حالة الكراهية وانعدام الثقة في السلطات.

أدلى الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي فاز بأغلبية ساحقة في تطاوين في الجولة الثانية من انتخابات 2019 (بنسبة 96% من الأصوات) بتصريحاتٍ على الوضع في مدينة تطاوين خلال زيارته الرسمية إلى فرنسا بتاريخ 22-23 حزيران/يونيو. ودعا المتظاهرين إلى تقديم "مشاريع تنمية" بأنفسهم وألا "ينتظروا" تنفيذ الحكومة مشاريع في المنطقة. كما وعد بالاجتماع مع ممثلين عن المتظاهرين في القصر الرئاسي بمجرد عودته، لكن لم يُسمع بانعقاد مثل هذا الاجتماع حتى الآن. فقد رفض المضربون دعوة سعيد للذهاب إلى العاصمة تونس وطالبوا في الأسبوع الماضي بأن يسافر الرئيس للالتقاء بهم في تطاوين.وفي وقت كتابة هذا المقال، قدم رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ استقالته.

يعتبر العديد من الشباب في تطاوين أن استجابة الرئيس "ضعيفة". وفي وقت سابق من هذا العام، استقبل سعيد وفداً من النشطاء من المنطقة الجنوبية لمناقشة الأزمة. لكن اللقاء لكنهم لم يروا أيّ تقدم. أدى انعدام الإرادة السياسية بشكلٍ واضح على مدار عقود متعددة إلى تهميش تطاوين خاصةً في ظل غياب دور الدولة، وأدى التباعد وعدم التواصل بين الشباب ومسؤولي الحكومة المركزية إلى عرقلة جهود اعتصام "الكامور" وحال دون تقديم نتائج ملموسة. فقد أكد رئيس بلدية تطاوين أنه منذ استئناف الإضراب في وقت سابق من هذا العام، لم يأتِ أيّ من أعضاء مجلس الوزراء إلى الجنوب للالتقاء بالشباب المتظاهرين ومناقشة مطالبهم.9مقابلة مع صويد

انُتهك العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين الجنوبيين مراراً وتكراراً وسيكون من الصعب جداً أن تستعيد الحكومة الثقة المفقودة إذا لم تنفذ الاتفاق الموقع عام 2017.

وقد أقر اجتماع المجلس الوزاري بشأن وضع تطاوين الذي عقد في 1 تموز/يوليو توظيف 500 شخصاً قبل نهاية العام فضلاً عن تقديم أموال إضافية لمؤسسات الإقراض المتناهي الصغر. ووافق المجلس الوزاري أيضاً على تشكيل مجلس إقليمي استثنائي للاستثمار في ولاية تطاوين خلال الأيام المقبلة.

لكن تنسيقة حركة الكامور رفضت نتائج الاجتماع الوزاري وهددوا بمنع الوصول إلى محطة نوارة لضخ النفط المنشأة حديثاً خلال 48 ساعة إذا لم تتخذ السلطات تدابير محددة وملموسة. كان اتحاد العمال الإقليمي وتنسيقية اعتصام الكامور في تطاوين قد دعوا إلى إضراب عام في 2 تموز/يوليو واستمر لأكثر من أسبوعين. وفي 21 تموز/يوليو أعلنت وسائل الإعلام المحلية استئناف الأنشطة والخدمات في المنطقة.

وفي ظل استقالة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ على خلفية اتهامات بالفساد، يخيم على الوضع السياسي في تونس حالة من الارتباك. وستؤدي هذه الحالة قطعاً إلى تأخر أي تدابير معتزمة لتلبية مطالب الكامور مما يترك المنطقة وساكنيها مجدداً في قبضة حكومة جديدة لم تُشكل بعد.

 

Endnotes

Endnotes
1 مقابلة مع إسماعيل حرابي، 24 حزيران/يونيو 2020
2 مقابلة مع ضو الغول، 25 حزيران/يونيو 2020
3 مقابلة مع بوبكر صويد، 25 حزيران/يونيو 2020
4 مقابلة مع الغول
5 مقابلة مع مراد عبد اللطيف، 24 حزيران/يونيو 2020
6 مقابلة مع إسماعيل حرابي
7 تصريح أدلى به طارق الحداد، 24 حزيران/يونيو 2020
8  مقابلة مع مراد عرضاوي بتاريخ 25 يونيو/حزيران 2020.
9 مقابلة مع صويد

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.